تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 183077
تحميل: 11478

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183077 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

وقالعليه‌السلام : خمس لو رحلتم فيهن لانضيتموهن(١) وما قدرتم على مثلهن: لا يخاف عبد إلا ذنبه. ولا يرجوا إلا ربه ولا يستحيي الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد. ولا إيمان لمن لا صبر له.

وقالعليه‌السلام : يقول الله: يا ابن آدم ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس.

ابن آدم ! إعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس.

ابن آدم ! اجتنب [ م‍ ] ما حرمت عليك تكن من أورع الناس.

وقالعليه‌السلام كم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بحسن الستر عليه. وكم من مستدرج بالاحسان إليه.

وقالعليه‌السلام : يا سوأتاه لمن غلبت إحداته عشراته - يريد أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة - وقالعليه‌السلام : إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الآخره قد ترحلت مقبلة و لكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، لان الزاهدين اتخذوا أرض الله بساطا والتراب فراشا والمدر وسادا والماء طيبا، وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضا. اعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات(٢)

ومن اشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه وراجع عن المحارم. ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها. وإن لله عزوجل لعبادا قلوبهم معلقة بالآخرة وثوابها وهم كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعمين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، فأولئك شرورهم وبوائقهم عن الناس مأمونة وذلك أن قلوبهم عن الناس مشغولة بخوف الله، فطرفهم عن الحرام مغضوض وحوائجهم إلى الناس خفيفة، قبلوا اليسير من الله في

____________________

(١) أنضت الدابة: هزلتها الاسفار.

والظاهر أن الضمير راجع إلى المطية التى تفهم من فحوى الكلام وقد مضى هذا الكلام أيضا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وفى بعض النسخ [ لو دخلتم فيهن لابعتموهن ].

ورواه الصدوق في الخصال عن امير المؤمنينعليه‌السلام وليست فيه لانضيتموهن

(٢) سلا عن الشئ: نسيه وهجره.

واشفق: خاف وحذر.

ورواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ١٣٢ بادنى تفاوت.

٢٨١

المعاش وهو القوت، فصبروا أياما قصارا لطول الحسرة يوم القيامة.

وقال له رجل: إني لاحبك في الله حبا شديدا.

فنكسعليه‌السلام رأسه(١) ثم قال: اللهم إني أعوذ بك أن احب فيك وأنت لي مبغض.

ثم قال له: احبك للذي تحبني فيه.

وقالعليه‌السلام : إن الله ليبغض البخيل السائل الملحف.

وقالعليه‌السلام : رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا، يأكل ويشرب وهو لا يدري لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم(٢) .

وقالعليه‌السلام : إن من أخلاق المؤمن الانفاق عليه قدر الاقتار(٣) . والتوسع على قدر التوسع.

وإنصاف الناس من نفسه وابتداء‌ه إياهم بالسلام.

وقالعليه‌السلام : ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس واغتيابهم. وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه وطول البكاء على خطيئته.

وقالعليه‌السلام : نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة.

وقالعليه‌السلام : ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله(٤) وأظله الله يوم القيامة في ظل عرشه وآمنه من فزع اليوم الاكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه. ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصيته. ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه. وكفى بالمرء شغلا بعيبه لنفسه عن عيوب الناس.

وقالعليه‌السلام : ما من شئ أحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطنوفرج.

وما [ من ] شئ أحب إلى الله من أن يسأل.

وقال لابنه محمدعليهما‌السلام : افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله. وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره(٥) .

____________________

(١) ونكس رأسه: طأطأه وخفضه.

(٢) في بعض النسخ [ يصله بها في نار جهنم ].

(٣) الاقتار: القلة والتضييق في الرزق.

(٤) كنف الله - بالتحريك -: ظله وحضنه.

(٥) رواه الكلينى في الروضة وفيه [ وإن لم يكن أهله كنت أنت أهله ].

٢٨٢

وقالعليه‌السلام : مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح(١) . وآداب العلماء زيادة في العقل. وطاعة ولاة الامر تمام العز واستنماء المال تمام المروة(٢) . وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة وكف الاذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلا وآجلا(٣) .

وكان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا قرأ هذه الآية:( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) (٤) يقولعليه‌السلام : سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنه لا يدركه، فشكر عزوجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته وجعل معرفتهم بالتقصير شكرا، كما جعل علم العالمين أنهم لا يدركونه إيمانا، علما منه أنه قد [ ر ] وسع العباد فلا يجاوزن ذلك.

وقالعليه‌السلام : سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمدا. سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا.

____________________

(١) في الكافى [ مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح ]. ويناسبها إدآب العلماء لا آداب

(٢) في الكافى [ طاعة ولاة العدل تمام العز واستثمار المال تمام المروء‌ة ].

(٣) في كلامهعليه‌السلام ترغيب إلى المعاشرة مع الناس والمؤانسة بهم واستفادة كل فضيلة من أهلها وزجر عن الاعتزال والانقطاع اللذين هما منبت النفاق ومغرس الوسواس والحرمان عن المشرب الاتم المحمدى والمقام المحمود. والموجب لترك كثير من الفضائل والخيرات وفوت السنن الشرعية وآداب الجمعة والجماعات وانسداد أبواب مكارم الاخلاق. (الوافى).

(٤) سورة ابراهيم آية ٣٧. أى لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا من أفرادها فانها غير متناهية (البيضاوى).

٢٨٣

(ما روي عن الامام الباقر عن علم الله وعلم رسوله

أبى جعفر محمد بن علىعليهما‌السلام ) (في طوال هذه المعانى

وصيتهعليه‌السلام لجابر بن يزيد الجعفى (١) )

روي عنهعليه‌السلام أنه قال له: يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمسا: إن حضرت لم تعرف. وإن غبت لم تفتقد. وإن شهدت لم تشاور. وإن قلت لم يقبل قولك. وإن خطبت لم تزوج.

واوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن. وإن كذبت فلا تغضب. وإن مدحت فلا تفرح. وإن ذممت فلا تجزع. وفكر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عزوجل عند عضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس. وإن كنت على خلاف ما قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.

واعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرك ذلك ولكن اعرض نفسك على كتاب الله، فإن كنت سالكا سبيله زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك. وإن كنت مبائنا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك. إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها(٢) ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله(٣)

____________________

(١) الجعفى - زنة الكرسى -: نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة بن مذحج أبى حى باليمن.

وهو جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوت الجعفى من اصحاب الباقر والصادقعليهما‌السلام و خدم الامام أبا جعفرعليه‌السلام سنين متوالية مات رحمه الله في أيام الصادقعليه‌السلام سنة ثمان وعشرين ومائة.

(٢) الاود: العوج. وقد يأتى بمعنى القوة.

(٣) نعشه الله: رفعه وأقامه وتداركه من هلكة وسقطة. وينعش أى ينهض - وينشط.

٢٨٤

فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بأن الله يقول:( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ‌ ) (١) يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس(٢) وتعرضا للعفو. وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم. واستعمل حاضر العلم بخالص العمل. وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ. واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف. واحذر خفي التزين بحاضر الحياة(٣) وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل(٤) .

وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم. واستبق خالص الاعمال ليوم الجزاء. وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص(٥) . وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة. واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الامل.

واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس. وسد سبيل العجب بمعرفة النفس. وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض. واطلب راحة البدن بإجمام القلب(٦) . وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ. وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات. و استجلب نور القلب بدوام الحزن. وتحرز من إبليس بالخوف الصادق. وإياك و والرجاء الكاذب، فإنه يوقعك في الخوف الصادق. وتزين لله عزوجل بالصدق في الاعمال. وتحبب إليه بتعجيل الانتقال. وإياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى وإياك والغفلة [ ف‍ ] فيها تكون قساوة القلب. وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه، فإليه يلجأ النادمون. واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم، وكثرة الاستغفار. وتعرض

____________________

(١) سورة الاعراف آية ٢٠٠.

(٢) أزرى على النفس: عابها وعاتبها.

ويحتمل أن يكون: ازدراء - من باب الافتعال - أى احتقارا واستخفافا.

(٣) وفى بعض النسخ [ خفى الرين ] أى الدنس.

(٤) جازف في كلامه: تكلم بدون تبصر وبلا روية.

وجازف في البيع: بايعه بلا كيل ولا وزن ولا عدد وجازف بنفسه: خاطر بها.

(٥) في بعض النسخ [ وانزل ساعة القناعة بانفاء الحرص ].

(٦) الجمام - بالفتح -: الراحة.

واجم نفسه اى تركها.

٢٨٥

للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء و المناجاة في الظلم. تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة. واستجلت زيادة النعم بعظيم الشكر والتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم. واطلب بقاء العز بإماتة الطمع. وادفع ذل الطمع بعز اليأس واستجلب عز اليأس ببعد الهمة. وتزود من الدنيا بقصر الامل. وبادر بإنتهاز البغية(١) عند إمكان الفرصة ولا إمكان كالايام الخالية مع صحة الابدان. وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء(٢) واعلم أنه لا علم كطلب السلامة. ولا سلامة كسلامة القلب. ولا عقل كمخالفة الهوى. ولا خوف كخوف حاجز. ولا رجاء كرجاء معين ولا فقر كفقر القلب. ولا غنى كغنى النفس. ولا قوة كغلبة الهوى. ولا نور كنور اليقين. ولا يقين كاستصغارك الدنيا. ولا معرفة كمعرفتك بنفسك. ولا نعمة كالعافية. ولا عافية كمساعدة التوفيق. ولا شرف كبعد الهمة. ولا زهد كقصر الامل. ولا حرص كالمنافسة في الدرجات(٣) . ولا عدل كالانصاف. ولا تعدي كالجور. ولا جور كموافقة الهوى. ولا طاعة كأداء الفرائض. ولا خوف كالحزن ولا مصيبة كعدم العقل. ولا عدم عقل كقلة اليقين. ولا قلة يقين كفقد الخوف. ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف. ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها. ولا فضيلة كالجهاد. ولا جهاد كمجاهدة الهوى. ولا قوة كرد الغضب. ولا معصية كحب البقاء(٤) . ولا ذل كذل الطمع. وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة، فإنه ميدان يجري لاهله بالخسران.

* (ومن كلامه عليه‌السلام لجابر أيضا) *

خرج يوما وهو يقول(٥) : أصبحت والله يا جابر محزونا مشغول القلب، فقلت:

____________________

(١) البغية: مصدر بغى الشئ اى طلبه.

وانتهاز البغية: اغتنامها والنهوض اليها مبادرا.

(٢) الضراوة: مصدر ضرى بالشئ أى لهج به وتعوده وأولع به.

(٣) المنافسة: المفاخرة والمباراة.

(٤) أى البقاء في هذه الدنيا الدنية.

(٥) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ١٣٣ عن ابى عبدالله المومن عن جابر قال: دخلت على ابى جعفرعليه‌السلام فقال: يا جابر والله انى لمحزون وانى لمشغول القلب الخ ورواه على بن عيسى الاربلى في كشف الغمة أيضا مع اختلاف.

٢٨٦

جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك، كل هذا على الدنيا؟ فقالعليه‌السلام : لا يا جابر ولكن حزن هم الآخره، يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة الايمان شغل عما في الدنيا من زينتها، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو وإن الدار الآخرة لهي الحيوان.

يا جابر إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا.

واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون أهل العلم والفقه وأهل فكرة واعتبار واختيار لا يملون من ذكر الله.

واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الاغنياء، أغناهم القليل من الدنيا فمؤونتهم يسيرة، إن نسيت الخير ذكروك. وإن عملت به أعانوك. أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم وقدموا طاعة ربهم أمامهم. ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم، وتولوهم واتبعوهم. فانزل نفسك من الدنيا كمثل منزلة نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ثم انتبهت(١) من رقدتك وليس في يدك شئ. و إني إنما ضربت لك مثلا(٢) لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له. فاحفظ يا جابر ما أستودعك(٣) من دين الله وحكمته. وانصح لنفسك وانظر ما الله عندك في حياتك، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك. وانظر فإن تكن الدنيا عندك على [ غير ] ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم(٤) ، فلرب حريص على أمر من امور الدنيا قد ناله، فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به ولرب كاره لامر من امور الآخرة قد ناله فسعد به.

____________________

(١) في بعض النسخ [ استنبهت ] وفى الكافى والكشف [ استيقظت ].

(٢) في الكافى [ هذا مثلا ].

(٣) في بعض النسخ [ ما استودعتك ]. وفى الكافى والكشف [ ما استرعاك ].

(٤) اى ان تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعنى أن تكون في الدنيا ببدنك وفى الاخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا ربك عنك حتى يأتيك الموت.

وليست في بعض النسخ لفظة غير وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في معناه (الوافى).

والاستعتاب الاسترضاء.

٢٨٧

* (ومن كلامه عليه‌السلام في أحكام السيوف) *

سأله رجل من شيعته عن حروب أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقالعليه‌السلام له: بعث الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف(١) : ثلاثة منها شاهرة لا تغمد(٢) حتى تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا(٣) . وسيف مكفوف(٤) . وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه إلينا. فأما السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيف على مشركي العرب قال الله عزوجل:( اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ) (٥) .( فَإِنْ تَابُوا - أي آمنوا -وَ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَ آتَوُا الزَّکَاةَ فَإِخْوَانُکُمْ فِي الدِّينِ ) (٦) هؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام وأموالهم فيئ وذراريهم سبي على ما سن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه سبى وعفا وقبل الفداء.

____________________

(١) رواه الكلينى في الكافى ج ١ ص ٣٢٩ من الفروع باسناده عن المنقرى عن حفص بن غياث عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: سأل رجل عن حروب امير المومنين وكان القائل من محبينا فقال: بعث الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف الخ.

وشيخ الطائفة أيضا في التهذيب ص ٤٦ من المجلد الثانى والصدوقرحمه‌الله في الخصال.

والمنقرى لا يحتج بحديثه، وحفص من قضاة العامة.

(٢) الشاهرة: المجردة من الغمد.

وقوله: حتى تضع الحرب أوزارها أى ينقضى.

والاوزار: الآلات والاثقال.

ولعل طلوع الشمس من مغربها كناية عن أشراط الساعة وقيام القيامة.

(قاله الفيض رحمه الله في الوافى).

(٣) قوله: كسبت في ايمانها خيرا أى لا ينفع يومئذ نفسا غير مقدمة ايمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في ايمانها خيرا.

(الوافى) (٤) في بعض النسخ [ وسيف ملفوف ] وكذا في تفسيره.

والمغمود المستور في غلافه.

وسله: إخراجه من غلافه.

(٥) سورة التوبة آية ٥.

(٦) سورة التوبة آية ١١.

٢٨٨

والسيف الثاني على أهل الذمة قال الله سبحانه:( وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (١) نزلت هذه الآية في أهل الذمة ونسخها قوله:( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) (٢) فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل وما لهم فيئ، وذراريهم سبي، فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم وحلت لنا مناكحهم(٣) ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم ولم تحل لنا مناكحتهم ولم يقبل منهم إلا دخول دار الاسلام(٤) والجزية أو القتل.

والسيف الثالث على مشركي العجم كالترك والديلم والخزر(٥) قال الله عزوجل في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم ثم قال: فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم(٦) ( فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَ إِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) (٧) فأما قوله: فإما منا بعد يعني بعد السبي منهم وإما فداء يعني المفاداة بينهم وبين أهل الاسلام، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ولا يحل لنا نكاحهم(٨) ما داموا في دار الحرب.

وأما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله:( وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ف فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا - صلحا -فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا

____________________

(١) سورة البقرة آية ٨٣.

(٢) سورة التوبة آية ٣٠.

(٣) في الكافى والتهذيب [ مناكحتهم ].

(٤) فيهما [ الا الدخول في دار الاسلام ].

(٥) فيهما [ يعنى الترك والديلم والخزر ].

والخزر - بالتحريك والخاء المعجمة والزاى ثم الراء -: جيل من الناس ضيقة العيون.

(٦) أى أكثرتم قتلهم واغلظتموهم من الثخن.

(٧) سورة محمد آية ٤.

(٨) فيهما [ مناكحتهم ].

٢٨٩

الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‌ءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) (١) فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من هو؟ فقال: خاصف النعل - يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام - وقال عمار بن ياسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا(٢) وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر(٣) لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنينعليه‌السلام مثل ما كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل مكة يوم فتحها فإنه لم يسب لهم ذرية وقال: من أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن وكذلك قال أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرية ولا تدففوا على جريح(٤) ولا تتبعوا مدبرا ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن والسيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله عزوجل:( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (٥) فسله إلى أولياء المقتول وحكمه إلينا فهذه السيوف التي بعث الله بها محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله تبارك وتعالى على محمد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) سورة الحجرات آية ٩ وهذه الاية أصل في قتال المسلمين ودليل على وجوب قتال أهل البغى وعليها بنى امير المومنينعليه‌السلام قتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وأياها عنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية

(٢) يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين.

(٣) السعف - بالتحريك -: جريدة النخل أو ورقه قيل ما دامت بالخوص فاذا زال عنها قيل: جريدة وأكثر ما يقال إذا يبست وأذا كانت رطبة فهى شطبة. والهجر - بالتحريك -: بلدة باليمن. واسم لجميع أرض البحرين. وانما خص هجر لبعد المسافة أو لكثرة النخل بها.

(٤) دفف على الجريح: أجهزه عليه وأتم قتله وفى بعض النسخ [ لا تذيعوا على جريح ] وفى الكافى والتهذيب [ لا تجهزوا على جريح ]. والاجهاز على الجريح: إتمام قتله والاسراع فيه.

(٥) سورة المائدة آية ٤٧.

٢٩٠

موعظة

وحضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون، فأغاظه ذلك، فأطرق مليا، ثم رفع رأسه إليهم فقال: إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا. ألا يا أشباحا بلا أرواح وذباب بلا مصباح كأنكم خشب مسندة(١) وأصنام مريدة. ألا تأخذون الذهب من الحجر، ألا تقتبسون الضياء من النور الازهر، ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر. خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها، فإن الله يقول:( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِکَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ) (٢) ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانيا ويعطيك باقيا، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم، آتاك الله عند مكافأة(٣) هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يراعيك. من حفظك في ليلك ونهارك وأجابك عند اضطرارك وعزم لك على الرشد في اختبارك. كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر، فنسيته فيمن ذكر. وخالفته فيما أمر. ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب(٤) . كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لست بعين الله. أو كأن الله ليس لك بالمرصاد. يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك وأوهى همتك(٥) فلله أنت من طالب ومطلوب ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك

____________________

(١) شبههمعليه‌السلام في عدم الانتفاع بهم بالخشب المسندة إلى الحائط والاصنام المنحوتة من الخشب وإن كانت هياكلهم معجبة وألسنتهم ذليقة. وفى بعض النسخ [ واصنام مربذة ].

(٢) سورة الزمر آية ١٨.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة آية ٢٦١: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.

(٤) اللص - بالكسر -: فعل الشئ في ستر - ومنه قيل للسارق: لص، وجمعه لصوص.

(٥) أو هى فلانا: أضعفه وجعله واهيا.

٢٩١

لما يوقعك فيها. انظروا إلى هذه القبور سطورا بأفناء الدور، تدانوا في خططهم(١) وقربوا في مزارهم وبعدوا في لقائهم. عمروا فخربوا. وآنسوا فأوحشوا. وسكنوا فأزعجوا. وقطنوا فرحلوا. فمن سمع بدان بعيد وشاحط قريب(٢) وعامر مخروب. وآنس موحش وساكن مزعج. وقاطن مرحل(٣) غير أهل القبور؟. يا ابن الايام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه ويومك الذي تنزل فيه قبرك ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك، فياله من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة(٤) مالي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة أما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه وما أنتم إليه صائرون لقلتم:( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) (٥) قال جل من قائل:( بل بدا لهم ما كانوا يخفون - ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) (٦)

* (وروى عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعانى) *

قالعليه‌السلام : صانع المنافق بلسانك وأخلص مودتك للمؤمن وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته.

وقالعليه‌السلام ما شيب شئ بشئ أحسن من حلم بعلم(٧) .

وقالعليه‌السلام : الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتقدير المعيشة.

وقالعليه‌السلام : والله المتكبر ينازع الله رداء‌ه.

____________________

(١) الخطط: جمع خطة - بالكسر -: ما يختطه الانسان من الارض ليعلم أنه قد احتازها ليبنيها دارا. والارض التى تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك. و - بالضم -: الامر والخصلة.

(٢) الشاحط: البعيد.

(٣) القاطن: المقيم.

(٤) الهيم: الابل العطاش. العطن - بالتحرك -: وطن الابل ومبركها حول الماء.

وأعطنت الابل: حبسها عند الماء فبركت بعد الورود. وعطنت الابل: رويت ثم بركت.

(٥) سورة أنعام آية ٢٧.

(٦) سورة أنعام آية ٢٨.

(٧) الشوب: الخلط.

٢٩٢

وقالعليه‌السلام يوما لمن حضره: ما المروة؟ فتكلموا، فقال:صلى‌الله‌عليه‌وآله : المروة أن لا تطمع فتذل. وتسأل فتقل(١) . ولا تبخل فتشتم. ولا تجهل فتخصم فقيل: ومن يقدر على ذلك؟ فقالعليه‌السلام : من أحب أن يكون كالناظر في الحدقة(٢) والمسك في الطيب وكالخليفة في يومكم هذا في القدر. وقال يوما رجل عنده: اللهم أغننا عن جميع خلقك. فقال أبوجعفرعليه‌السلام : لا تقل هكذا.

ولكن قل: اللهم أغننا عن شرار خلقك، فإن المؤمن لا يستغني عن أخيه. وقالعليه‌السلام : قم بالحق واعتزل ما لا يعنيك. وتجنب عدوك واحذر صديقك من الاقوام إلا الامين من خشي الله. ولا تصحب الفاجر. ولا تطلعه على سرك. واستشر في أمرك الذين يخشون الله. وقالعليه‌السلام : صحبة عشرين سنة قرابة.

وقالعليه‌السلام : إن استطعت أن لا تعامل أحدا إلا ولك الفضل عليه فافعل.

وقالعليه‌السلام : ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك. وتصل من قطعك. وتحلم إذا جهل عليك.

وقالعليه‌السلام : الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفره الله. وظلم يغفره الله. وظلم لا يدعه الله.

فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك بالله.

وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله.

وأما الظلم الذي لا يدعه الله فالمداينة بين العباد(٣) .

وقالعليه‌السلام : ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أو لم تقض إلا ابتلي بالسعي في حاجة من يأثم عليه ولا يؤجر وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضى الله إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله.

وقالعليه‌السلام : في كل قضاء الله خير للمؤمن.

وقالعليه‌السلام : إن الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة وأحب ذلك لنفسه. إن الله جل ذكره يحب أن يسأل ويطلب ما عنده.

____________________

(١) يقل الرجل: قل ماله.

(٢) الناظر: سواد الاصغر الذى فيه إنسان العين.

والحدقة: سواد العين الاعظم.

(٣) المدائنة من الدين أى ظلم العباد عند المعاملة.

٢٩٣

وقالعليه‌السلام : من لم يجعل الله له من نفسه واعظا، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا.

وقالعليه‌السلام : من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه.

وقالعليه‌السلام : كم من رجل قد لقي رجلا فقال له: كب الله عدوك(١) وماله من عدو إلا الله.

وقالعليه‌السلام : ثلاثة لا يسلمون: الماشي إلى الجمعة. والماشي خلف جنازة وفي بيت الحمام.

وقالعليه‌السلام : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.

وقالعليه‌السلام : لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لمن فوقه ولا محقرا لمن دونه.

وقالعليه‌السلام : ما عرف الله من عصاه وأنشد:

تعصي الاله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في الفعال بديع

لو كان حبك صادقا لاطعته إن المحب لمن أحب مطيع

وقالعليه‌السلام : إنما مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الافعى أنت إليه محوج(٢) وأنت منها على خطر.

وقالعليه‌السلام : ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن: البغي. وقطيعة الرحم. واليمين الكاذبة يبارز الله بها. وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون(٣) . وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها(٤) .

وقالعليه‌السلام : لا يقبل عمل إلا بمعرفة. ولا معرفة إلا بعمل. ومن عرف دلته معرفته على العمل. ومن لم يعرف فلا عمل له.

____________________

(١) كب فلانا: صرعه. وقلبه على رأسه.

(٢) أحوج إليه: إفتقر. وأحوجه: جعله محتاجا.

(٣) يثرون أى يكثرون مالا. يقال: ثرا الرجل: كثر ماله.

(٤) ليذران اى ليدعان ويتركان من وذره أى ودعه.

بلاقع - جمع بلقع -: الارض القفر.

٢٩٤

وقالعليه‌السلام : إن الله جعل للمعروف أهلا من خلقه، حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم ويسر لهم قضاء‌ه كما يسر الغيث للارض المجدبة ليحييها ويحيي أهلها(١) وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله. وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم وحظر عليهم قضاء‌ه كما يحظر الغيث عن الارض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها وما يعفو الله عنه أكثر.

وقالعليه‌السلام : اعرف المودة في قلب أخيك بما له في قلبك.

وقالعليه‌السلام : الايمان حب وبغض(٢) .

وقالعليه‌السلام : ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الامانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والايتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الالسن عن الناس إلا من خير وكانوا امناء عشائرهم في الاشياء.

وقالعليه‌السلام : أربع من كنوز البر: كتمان الحاجة. وكتمان الصدقة. وكتمان الوجع. وكتمان المصيبة.

وقالعليه‌السلام : من صدق لسانه زكا عمله. ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهله زيد في عمره.

وقالعليه‌السلام : إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤد حقا ومن ضجر لم يصبر على حق.

وقالعليه‌السلام : من استفاد أخا في الله على إيمان بالله ووفاء بإخائه طلبا لمرضات الله فقد استفاد شعاعا من نور الله وأمانا من عذاب الله وحجة يفلج بها يوم القيامة(٣) وعزا باقيا وذكرا ناميا، لان المؤمن من الله عزوجل لا موصول ولا مفصول.

قيل لهعليه‌السلام : ما معنى لا مفصول ولا موصول؟ قال: لا موصول به أنه هو ولا مفصول منه أنه من غيره.

____________________

(١) المجدبة: ذو جدب وهو ضد الخصب ويأتى أيضا بمعنى الماحل.

(٢) أى الحب في الله والبغض فيه كما جاء في الاحاديث.

(٣) يفلج أى يفوز ويظفر ويغلب بها.

وفلج الحجة: أثبتها. وفلج الرجل: ظفر بما طلب. وعلى خصمه: غلبه. - وعلى القوم فاز.

٢٩٥

وقالعليه‌السلام كفى بالمرء غشا لنفسه أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب غيره(١) بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

وقالعليه‌السلام : التواضع الرضا بالمجلس دون شرفه. وأن تسلم على من لقيت. وأن تترك المراء وإن كنت محقا.

وقالعليه‌السلام : إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيئ به الظن.

وقالعليه‌السلام : لابنه: اصبر نفسك على الحق، فإنه من نع شيئا في حق أعطى في باطل مثليه.

وقالعليه‌السلام : من قسم له الخرق حجب عنه الايمان(٢) .

وقالعليه‌السلام : إن الله يبغض الفاحش المتفحش.

وقالعليه‌السلام : إن لله عقوبات في القلوب والابدان: ضنك في المعيشة ووهن في العبادة.

وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.

وقالعليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصابرون؟ فيقوم فئام من الناس(٣) .

ثم ينادي مناد: أين المتصبرون؟ فيقوم فئام من الناس.

قلت: جعلت فداك ما الصابرون والمتصبرون؟ فقالعليه‌السلام الصابرون على أداء الفرائض والمتصبرون على ترك المحارم.

وقالعليه‌السلام : يقول الله: ابن آدم ! اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس.

وقالعليه‌السلام : أفضل العبادة عفة البطن والفرج.

وقالعليه‌السلام : البشر الحسن(٤) وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله. وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله.

وقالعليه‌السلام : ما تذرع إلي(٥) بذريعة ولا توسل بوسيلة هي أقرب له(٦) إلى ما يحب

____________________

(١) في بعض النسخ [ أو يعير غيره ].

(٢) الخرق: ضعف العقل والرأى، الجهل، الحمق، ضد الرفق.

(٣) الفئام - ككتاب -: الجماعة من الناس.

وفسر في خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام بمائة ألف.

(٤) البشر - بالكسر - طلاقة الوجه وبشاشته.

والمقت: البغض.

(٥) أى عندى.

(٦) أى لله.

٢٩٦

من يد سالفة مني إليه أتبعتها أختها لتحسن حفظا وريها، لان منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل(١) . وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج.

وقالعليه‌السلام : الحياء والايمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه.

وقالعليه‌السلام : إن هذه الدنيا تعاطاها البر والفاجر. وإن هذا الدين لا يعطيه الله إلا أهل خاصته(٢) .

وقالعليه‌السلام : الايمان إقرار وعمل. والاسلام إقرار بلا عمل.

وقالعليه‌السلام : الايمان ما كان في القلب.

والاسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء. والايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان.

وقالعليه‌السلام : من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئا.

ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا.

وقالعليه‌السلام : ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلا في طلب العلم(٣) .

وقالعليه‌السلام : للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول: الله أعلم.

وليس لغير العالم أن يقول ذلك(٤) .

- وفي خبر آخر يقول: لا أدري - لئلا يوقع في قلب السائل شكا.

وقالعليه‌السلام : أول من شق لسانه بالعربية إسماعيل بن إبراهيمعليهما‌السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة وكان لسانه على لسان أبيه وأخيه فهو أول من نطق بها وهو الذبيح.

____________________

(١) الظاهر أن المراد التتابع في الاحسان والعمل وفى حديث آخر عنالصادقعليه‌السلام قال: ما من شئ أسر إلى من يد اتبعها الاخرى لان منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل ذكره الآبى.

(٢) التعاطى: التناول. وتناول ما لا يحق. والتنازع في الاخذ والقيام به.

وفى بعض النسخ [ لا يعطيه الا أهل الله خاصة ].

(٣) الملق - بالتحريك -: التملق وهو الود واللطف وأن يعطى في اللسان ما ليس في القلب.

(٤) رواه الكلينىرحمه‌الله في الكافى ج ١ ص ٤٢ عن أبى عبداللهعليه‌السلام والبرقى في المحاسن ص ٢٠٦ عن أحدهما والخبر الاخر أيضا في الكافى عن محمد بن مسلم عن أبى عبدالله وفى المحاسن عن أحدهماعليهما‌السلام قال: إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل: لا أدرى.

ولا يقل: الله أعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا.

و إذا قال المسؤول: لا أدرى فلا يتهمه السائل

٢٩٧

وقالعليه‌السلام : ألا أنبئكم بشئ إذا فعلتموه يبعد السلطان والشيطان منكم؟ فقال أبوحمزة: بلى، أخبرنا به حتى نفعله.

فقالعليه‌السلام : عليكم بالصدقة فبكروا بها، فإنها تسود وجه إبليس وتكسر شرة السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك(١) . وعليكم بالحب في الله والتودد(٢) والموازرة على العمل الصالح، فإنه يقطع دابرهما - يعني السلطان والشيطان - وألحوا في الاستغفار، فإنه ممحاة للذنوب.

وقالعليه‌السلام : إن هذا اللسان مفتاح كل خير وشر فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم على ذهبه وفضته(٣) ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: رحم الله مؤمنا أمسك لسانه من كل شر فإن ذلك صدقة منه على نفسه(٤) ثم قالعليه‌السلام : لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه.

وقالعليه‌السلام : من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، فأما الامر الظاهر منه مثل الحدة والعجلة فلا بأس أن تقوله. وإن البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه(٥) .

وقالعليه‌السلام : إن أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره(٦) .

____________________

(١) الشرة - بالكسر فالفتح مشددة -: الشر والغضب والحدة.

(٢) وفى بعض النسخ [ المودة ].

(٣) رواه الكلينىرحمه‌الله في الكافى ج ٢ ص ١١٤ باسناده عن أبى بصير قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: كان أبوذر رحمه الله يقول: يا مبتغى العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك.

ونقله سبط الطبرسىرحمه‌الله في مشكاة الانوار عن المحاسن عنهعليه‌السلام وأخرجه المحدث النورىرحمه‌الله في المستدرك عن كتاب عاصم بن حميد.

(٤) في الكافى ص ١١٤ عن على بن إبراهيم باسناده عن الحلبى رفعه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمسك لسانك فانها صدقة تصدق بها على نفسك ثم قال: ولا يعرف عبد حقيقة الايمان حتى يخزن من لسانه

أقول: قوله: فانها أى الامساك والتأنيث بتأويل الخصلة.

(٥) رواه الكلينىرحمه‌الله في الكافى ج ٢ ص ٣٥٨ باسناده عن الصادقعليه‌السلام والصدوق في معانى الاخبار أيضا عنهعليه‌السلام . والحدة - بالكسر -: ما يعترى الانسان من الغضب والنزق.

والعجلة - بالتحريك -: السرعة والمبادرة في الامور من غير تأمل.

(٦) رواه الكلينىرحمه‌الله في الكافى ج ٢ ص ٣٠٠ باسناده عن الصادقعليه‌السلام .

٢٩٨

وقالعليه‌السلام : عليكم بالورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الامانة إلى من ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا، فلو أن قاتل علي بن أبي طالبعليه‌السلام ائتمنني على أمانة لاديتها إليه.

وقالعليه‌السلام : صلة الارحام تزكي الاعمال وتنمي الاموال وتدفع البلوى وتيسر الحساب وتنسئ في الاجل(١) .

وقالعليه‌السلام : أيها الناس إنكم في هذه الدار أغراض تنتضل فيكم المنايا، لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله، فأية اكلة ليس فيها غصص؟ أم أي شربة ليس فيها شرق؟(٢) استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه(٣) ، فإن اليوم غنيمة وغدا لا تدري لمن هو. أهل الدنيا سفر(٤) يحلون عقد رحالهم في غيرها. قد خلت منا اصول نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد أصله. أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم وأبعد آمالا؟ ! أتاك يا ابن آدم ما لا ترده. وذهب عنك ما لا يعود فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا. ما لك منه إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك؟ !(٥) وتقربك من أجلك؟ ! فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم. فعليك بذات نفسك ودع ما سواها واستعن بالله يعنك(٦) .

وقالعليه‌السلام : من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأ. ومن أضعف كان شكورا ومن شكر كان كريما. ومن علم أنه ما صنع كان إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك

____________________

(١) رواه الكلينىرحمه‌الله في الكافى ج ٢ ص ١٥٠ و تزكى الاعمال أى تنميها في الثواب أو تطهرها أو تصيرها مقبولة. والنساء - بالفتح -: التأخير.

(٢) غص غصصا بالطعام: اعترض في حلق شئ منه فمنعه التنفس.

وشرق بالماء أو بريقه: غص.

(٣) الظعن: الرحال والسير.

(٤) السفر - بالفتح فالسكون - جمع سافر، أى المسافرون.

(٥) الحمام - ككتاب -: قضاء الموت وقدره أى لقربك إلى موتك.

واخترم: أهلك والسواد المخترم: الشخص الذى مات.

(٦) في بعض النسخ [ يغنك ].

٢٩٩

واعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده.

وقالعليه‌السلام : إن الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ويحميه عن الدنيا كما يحمي الطبيب المريض.

وقالعليه‌السلام : إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي دينه إلا من يحب(١) .

وقالعليه‌السلام : إنما شيعة عليعليه‌السلام المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا المتزاورون لاحياء أمرنا الذين(٢) إذا غضبوا لم يظلموا، وإذا رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا.

وقالعليه‌السلام : الكسل يضر بالدين والدنيا.

وقالعليه‌السلام : لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا. ولو يعلم المسؤول ما في المنع ما منع أحد أحدا.

وقالعليه‌السلام : إن لله عبادا ميامين مياسير يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل القطر. ولله عباد ملاعين مناكيد، لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل الجراد لا يقعون على شئ إلا أتوا عليه(٣) .

وقالعليه‌السلام : قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين، الفاحش المتفحش، السائل الملحف ويحب الحيي الحليم العفيف المتعفف(٤) .

وقالعليه‌السلام : إن الله يحب إفشاء السلام.

____________________

(١) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٢١٥ باسناده عن مالك بن أعين قال: سمعت أبا جعفر يقول: يا مالك إن الله الخ.

(٢) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٢٣٦ عن ابى جعفر عن امير المؤمنينعليهما‌السلام وفيه [ في إحياء أمرنا، الذين إن غضبوا لم يظلموا ].

(٣) الميامين. جمع ميمون بمعنى ذو اليمن والبركة.

والمياسير: جمع موسر بمعنى الغنى وذو اليسر.

والمناكيد جمع نكد - بفتح الكاف وكسره وسكونه -: عسر، قليل الخير.

(٤) يقال: ألحف في المسألة إلحافا إذا ألح فيها ولزمها.

وهو موجب لبغض الرب حيث أعرض عن الغنى الكريم وسأل الفقير اللئيم.

وأنشد بعضهم:

الله يبغض إن تركت سؤاله

وبنو آدم حين يسأل يغضب

٣٠٠