تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 183059
تحميل: 11478

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183059 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

وإن ضحك فهق، وإن بكى خار(١) ، يقع في الابرار(٢) ولا يحب الله ولا يراقبه ولا يستحيي من الله ولا يذكره، إن أرضيته مدحك وقال فيك من الحسنة ما ليس فيك وإن سخط عليك ذهبت مدحته ووقع فيك من السوء ما ليس فيك، فهذا مجرى الجاهل(٣) .

قال: فأخبرني عن علامة الاسلام؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الايمان والعلم والعمل: قال: فما علامة الايمان وما علامة العلم وما علامة العمل؟.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم: أما علامة الايمان فأربعة: الاقرار بتوحيد الله والايمان به والايمان بكتبه والايمان برسله.

وأما علامة العلم فأربعة: العلم بالله.

والعلم بمحبيه.

والعلم بفرائضه.

والحفظ لها حتى تؤدى.

وأما العمل: فالصلاة والصوم والزكاة والاخلاص.

قال: فأخبرني عن علامة الصادق، وعلامة المؤمن، وعلامة الصابر، وعلامة التائب، وعلامة الشاكر، وعلامة الخاشع، وعلامة الصالح وعلامة الناصح(٤) وعلامة الموقن، وعلامة المخلص، وعلامة الزاهد، وعلامة البار، وعلامة التقي، وعلامة المتكلف وعلامة الظالم، وعلامة المرائي، وعلامة المنافق، وعلامة الحاسد، وعلامة المسرف، وعلامة الغافل وعلامة الخائن(٥) وعلامة الكسلان، وعلامة الكذاب، وعلامة الفاسق؟.

____________________

(١) الفهق: الامتلاء والمراد به هنا انه فتح فاه وامتلا من الضحك.

والخوار: صوت البقر والمراد انه جزع وصاح كالبهائم.

(٢) يقع في الابرار اى يعيبهم ويذمهم.

(٣) المجرى: الممر والطريقة وأصله محل جرى الماء.

(٤) رجل ناصح الجيب أى لا غش فيه.

(٥) في بعض النسخ [ الجائر ].

٢١

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما علامة الصادق فأربعة: يصدق في قوله ويصدق وعد الله ووعيده ويوفي بالعهد ويجتنب الغدر.

وأما علامة المؤمن: فإنه يرؤف ويفهم ويستحيي(١) .

وأما علامة الصابر فأربعة: الصبر على المكاره، والعزم في أعمال البر، والتواضع، والحلم.

وأما علامة التائب فأربعة: النصيحة لله في عمله(٢) وترك الباطل.

ولزوم الحق والحرص على الخير.

وأما علامة الشاكر فأربعة: الشكر في النعماء، والصبر في البلاء، والقنوع بقسم الله، ولا يحمد ولا يعظم إلا الله.

وأما علامة الخاشع فأربعة: مراقبة الله في السر والعلانية، وركوب الجميل والتفكر ليوم القيامة.

والمناجاة لله.

وأما علامة الصالح فأربعة: يصفي قلبه، ويصلح عمله، ويصلح كسبه ويصلح أموره كلها.

وأما علامة الناصح فأربعة: يقضي بالحق.

ويعطي الحق من نفسه.

ويرضى للناس ما يرضاه لنفسه.

ولا يعتدي على أحد.

وأما علامة الموقن فستة: أيقن بالله حقا فآمن به(٣) وأيقن بأن الموت حق فحذره.

وأيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة.

وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق إليها.

وأيقن بأن النار حق فظهر سعيه(٤) للنجاة منها.

وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه.

____________________

(١) الرأفة أشد الرحمة.

وفى بعض النسخ [ يرحم ] موضع يفهم

(٢) النصيحة: الاخلاص أى يخلص عمله لله.

وترك الباطل أعم من ترك ما لا ينفعه وما يضره.

(٣) وفى بعض نسخ الحديث [ بان الله حق ].

(٤) وفى بعض نسخ الحديث [ فطهر سعيه ].

٢٢

وأما علامة المخلص فأربعة: يسلم قلبه وتسلم جوارحه، وبذل خيره، و كف شره.

وأما علامة الزاهد فعشرة، يزهد في المحارم. ويكف نفسه. ويقيم فرائض ربه فإن كان مملوكا أحسن الطاعة وإن كان مالكا أحسن المملكة وليس له حمية و لا حقد(١) ، يحسن إلى من أساء إليه وينفع من ضره. ويعفو عمن ظلمه. ويتواضع لحق الله. وأما علامة البار فعشرة، يحب في الله. ويبغض في الله. ويصاحب في الله. و يفارق في الله. ويغضب في الله. ويرضى في الله. ويعمل لله. ويطلب إليه. ويخشع لله، خائفا، مخوفا، طاهرا، مخلصا، مستحييا، مراقبا. ويحسن في الله. وأما علامة التقي فستة: يخاف الله. ويحذر بطشه(٢) ويمسي ويصبح كأنه يراه، لا تهمه الدنيا، ولا يعظم عليه منها شئ لحسن خلقه(٣) .

وأما علامة المتكلف فأربعة: الجدال فيما لا يعنيه، وينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال(٤) ، ويجعل همه لما لا ينجيه.

وأما علامة الظالم فأربعة: يظلم من فوقه بالمعصية، ويملك(٥) من دونه بالغلبة ويبغض الحق، ويظهر الظلم(٦) .

____________________

(١) في بعض النسخ [ وليس له محمية ولا حقد ].

وهى مصدر من الحماية وهى قريبة من الحمية.

(٢) البطش: الاخذ بصولة وشدة والاخذ بسرعة.

(٣) كذا، والظاهر أنه تصحيف والصحيح ويحسن خلقه وهى السادسة من العلائم.

وفى بعض النسخ [ بحسن خلقه ] وهى أيضا تصحيف.

(٤) التعاطى: التناول وتناول ما لا يحق.

(٥) كذا.

ولعل الصحيح يقهر (٦) وفى بعض نسخ الحديث [ يظاهر الظلمة ] اى يعاونهم.

٢٣

وأما علامة المرائي فأربعة: يحرص في العمل إذا كان عنده أحد ويكسل إذا كان وحده.

ويحرص في كل أمره على المحمدة ويحسن سمته بجهده(١) .

وأما علامة المنافق فأربعة: فاجر دخله(٢) يخالف لسانه قلبه.

وقوله فعله و سريرته علانيته، فويل للمنافق من النار.

وأما علامة الحاسد فأربعة: الغيبة والتملق والشماتة بالمصيبة(٣) .

وأما علامة المسرف فأربعة: الفخر بالباطل.

ويأكل ما ليس عنده.

ويزهد في اصطناع المعروف(٤) .

وينكر من لا ينتفع بشئ منه.

وأما علامة الغافل فأربعة: العمى، والسهو، واللهو، والنسيان.

وأما علامة الكسلان فأربعة: يتوانى حتى يفرط.

ويفرط حتى يضيع.

و يضيع حتى يضجر ويضجر حتى يأثم.

وأما علامة الكذاب فأربعة: إن قال لم يصدق، وإن قيل له لم يصدق، و النميمة والبهت.

وأما علامة الفاسق فأربعة: اللهو واللغو والعدوان والبهتان.

وأما علامة الخائن(٥) فأربعة: عصيان الرحمن وأذى الجيران وبغض الاقران والقرب إلى الطغيان.

فقال شمعون: لقد شفيتني وبصرتني من عماي، فعلمني طرائق أهتدي بها؟

____________________

(١) المرائى بالضم: اسم فاعل من باب المفاعلة يقال: رائيه رئاء أى أراه خلاف ما هو عليه.

(٢) الدخل محركة كفرس: الخديعة والمكر وفى القرآن : لا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ويمكن أن يقرء بسكون الخاء فهو بمعنى داخله أى باطنه.

(٣) كذا، والشماتة من شمت به: إذا فرح ببليته ومصيبته.

(٤) الاصطناع: الاتخاذ.

(٥) في بعض النسخ [ الجائر ].

٢٤

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا شمعون إن لك أعداء يطلبونك ويقاتلونك ليسلبوا دينك من الجن والانس، فأما الذين من الانس فقوم لا خلاق لهم في الآخرة(١) ولا رغبة لهم فيما عند الله، إنما همهم تعيير الناس بأعمالهم، لا يعيرون أنفسهم ولا يحاذرون أعمالهم، إذ رأوك صالحا حسدوك وقالوا: مراء، وإن رأوك فاسدا قالوا: لا خير فيه(٢) .

وأما أعداؤك من الجن فإبليس وجنوده، فإذا أتاك فقال: مات إبنك، فقل إنما خلق الاحياء ليموتوا وتدخل بضعة مني الجنة، إنه ليسرني، فإذا أتاك وقال: قد ذهب مالك، فقل: الحمد لله الذي أعطى وأخذ وأذهب عني الزكاة، فلا زكاة علي(٣) ، وإذا أتاك وقال لك: الناس يظلمونك وأنت لا تظلم، فقل: إنما السبيل - يوم القيامة - على الذين يظلمون الناس وما على المحسنين من سبيل(٤) ، وإذا أتاك وقال لك: ما أكثر إحسانك، يريد أن يدخلك العجب(٥) ، فقل: إساء‌تي أكثر من إحساني، وإذا أتاك وقال لك: ما أكثر صلاتك، فقل: غفلتي أكثر من صلاتي، وإذا قال لك: كم تعطي الناس، فقل: ما آخذ أكثر مما اعطي، وإذا قال لك: ما أكثر من يظلمك، فقل: من ظلمته أكثر، وإذا أتاك وقال لك: كم تعمل، فقل: طال ما عصيت، وإذا أتاك وقال لك: اشرب الشراب، فقل: لا أرتكب المعصية، وإذا أتاك وقال لك:

____________________

(١) اى لا نصيب لهم، الخلاق: النصيب.

(٢) يعنى: انك إذا تعمل عملا صالحا يقول أعداؤك حاسدا بك: إنك تعمل رئاء، وإذا تفعل فعلا قبيحا، يقولون: انك مفسد ولا خير فيك.

(٣) يعنى فليس لى مال حتى يجب على أداء حقوقه وانفاقه.

(٤) المراد بالسبيل: الاستيلاء والتسلط والحجة، يعنى أن الاستيلاء والمؤاخذة على الظالمين لا على غيرهم من المحسنين.

كما قال الله تعالى في سورة التوبة - ٩٢ ما على المحسنين من سبيل

(٥) العجب بالضم: الزهو والكبر وإعجاب النفس من عمل أتى به.

٢٥

ألا تحب الدنيا؟، فقل: ما احبها(١) وقد اغتر بها غيري.

يا شمعون خالط الابرار واتبع النبيين: يعقوب ويوسف وداود، إن الله تبارك وتعالى لما خلق السفلى فخرت وزخرت(٢) وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الارض فسطحها على ظهرها، فذلت، ثم إن الارض فخرت وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الله الجبال، فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بما عليها، فذلت الارض واستقرت، ثم إن الجبال فخرت على الارض، فشمخت(٣) واستطالت وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الحديد، فقطعها، فذلت، ثم إن الحديد فخر على الجبال وقال: أي شئ يغلبني؟ فخلق النار، فأذابت الحديد، فذل الحديد، ثم إن النار زفرت وشهقت و فخرت وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الماء، فأطفأها فذلت، ثم إن الماء فخر و زخر وقال: أي شئ يغلبني؟ فخلق الريح، فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره(٤) وحبسته عن مجاريه، فذل الماء، ثم إن الريح، فخرت وعصفت وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الانسان، فبنى واحتال ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح، ثم إن الانسان طغى وقال: من أشد مني قوة، فخلق الموت فقهره، فذل الانسان، ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عزوجل: لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة وأهل النار، ثم لا احييك أبدا فخاف(٥) ثم قال: والحلم يغلب الغضب والرحمة تغلب السخط والصدقة تغلب الخطيئة(٦) .

____________________

(١) في بعض النسخ [ ما أريدها ].

(٢) الزخر: الفخر والشرف.

(٣) الشمخ والشموخ: العلو والرفعة.

(٤) الثور: الهيجان والنهوض.

(٥) يستفاد من هذا الحديث: أن كل موجود له صفة تخص به، وبها يقهر ما دونه، و يغلب عليه ولكن لا يجوز أن يفتخر بها على ما دونه، لانه مقهور ومغلوب بما فوقه وفوق كل ذى علم عليم فيكون الكبر موجبا لسقوطه، حتى أن الانسان مع ما فيه من القوة والقدرة التى لا يكون في غيره مقهور ومغلوب بالموت، وكذلك الموت أيضا.

واما ما في الحديث من خلق الموت إشارة إلى ما في قوله تعالى في سورة الملك الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا

وفى تفسير القمى خلق الموت والحياة قدرهما ومعناه قدر الحياة ثم الموت.

(٦) اى تقهره وتدفعه.

٢٦

وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ بن جبل (١) ما بعثه إلى اليمن

يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الاخلاق الصالحة، وأنزل الناس منازلهم(٢) - خيرهم وشرهم - وأنفذ فيهم أمر الله، ولا تحاش في أمره، ولا ماله أحدا(٣) فإنها ليست بولايتك ولا مالك، وأد إليهم الامانة في كل قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحق(٤) ، يقول الجاهل: قد تركت من حق الله، واعتذر إلى أهل عملك(٥) من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتى يعذروك وأمت أمر الجاهلية إلا ما سنه الاسلام.

_________________________________

(١) معاذ بن جبل بضم الميم انصارى، خزرجى يكنى أبا عبدالرحمن، أسلم وهو ابن ثمان عشر سنة، وشهد ليلة العقبة مع السبعين - من أهل يثرب (المدينة) - وشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المشاهد، وبعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن بعد غزوة تبوك، في سنة العاشر، وعاش إلى أن توفى في طاعون عمواس بناحية الاردن سنة ثمان عشر في خلافة عمر.

ولما بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن شيعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان معه من المهاجرين والانصار - ومعاذ راكب، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشى إلى جنبه، ويوصيه.

فقال معاذ: يا رسول الله: أنا راكب وأنت تمشى، ألا أنزل فأمشى معك ومع أصحابك؟ فقال: يا معاذ إنما أحتسب خطاى هذه في سبيل الله.

ثم أوصاه بوصايا - ذكرها الفريقين مشروحا و موجزا في كتبهم -، ثم التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاقبل بوجهه نحو المدينة، فقال: إن أولى الناس بى المتقون من كانوا وحيث كانوا.

(٢) يعنى أنزل الناس على قدرهم، وشؤوناتهم من الخير والشر.

(٣) لا تحاش من حاشى فلانا من القوم أى استثناه.

أى لا تكترث بما لا حد فتخرجه من عموم الحكم، بل لا تستئن أحدا.

(٤) في بعض النسخ [ من غير ترك للحق ].

(٥) في بعض النسخ [ واعتذر إلى أهل علمك ] يعنى ان في كل أمر خشيت أن يسرع اليك عيب منه تقدم العذر قبل أن يعذروك.

٢٧

وأظهر أمر الاسلام كله، صغيره وكبيره، وليكن أكثر همك الصلاة، فإنها رأس الاسلام بعد الاقرار بالدين وذكر الناس بالله واليوم الآخر، واتبع الموعظة، فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الله(١) ، ثم بث فيهم المعلمين، وا عبدالله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم.

واوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الامانة وترك الخيانة، ولين الكلام وبذل السلام، وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل و قصر الامل وحب الآخرة والجزع من الحساب ولزوم الايمان والفقه في القرآن، وكظم الغيظ وخفض الجناح(٢) .

وإياك أن تشتم مسلما، أو تطيع آثما، أو تعصي إماما عادلا، أو تكذب صادقا، أو تصدق كاذبا، واذكر ربك عند كل شجر وحجر(٣) ، وأحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية.

يا معاذ لولا أنني أرى ألا نلتقي إلى يوم القيامة، لقصرت في الوصية ولكنني أرى أن لا نلتقي أبدا(٤) ، ثم اعلم يا معاذ أن أحبكم إلي من يلقاني على مثل الحال التي فارقني عليها(٥) .

____________________

(١) أى انه يقويهم على العمل بالصالحات.

(٢) الخفض: الغض والاخفاء وأيضا خفض: ضد رفع.

وبمعنى اللين والسهل.

والجناح ما يطير به الطائر وخفض الجناح كناية عن التواضع.

(٣) يعنى: واذكر ربك عند كل شئ وفى كل حال.

(٤) هذا البيان تصريح بموتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن معاذا لن يراه بعد اليوم ومقامه هذا، فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعه وانصرف وسار معاذ إلى اليمن حتى أتى صنعاء اليمن، فمكث أربعة عشر شهرا ثم رجع إلى المدينة فلما دخلها فقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٥) لعل في هذا البيان اشارة إلى معاذ بانك لو تلقانى يوم القيامة على مثل هذه الحال ولم يتغير حالك في مستقبل الزمان ولم تنحرف عن طريقى بعد وفاتى تكون محبوبا عندى، ولكن قيل في حقه: إنه من اصحاب الصحيفة [ هم الذين كتبوا صحيفة واشترطوا على أن يزيلوا الامامة عن علىعليه‌السلام ].

وممن قوى خلافة أبى بكر رغما لعلىعليه‌السلام .

٢٨

* (ومن كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

إن لكل شئ شرفا، وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة، من أحب أن يكون أعز الناس فليتق الله ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده(١) .

ثم قال: ألا انبئكم بشرار الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من نزل وحده ومنع رفده، وجلد عبده(٢) ، ألا انبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من لا يقيل عثرة(٣) ولا يقبل معذرة، ثم قال: ألا انبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، ثم قال: ألا انبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من يبغض الناس ويبغضونه.

إن عيسىعليه‌السلام قام خطيبا في بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما(٤) فيبطل فضلكم، يا بني إسرائيل الامور ثلاثة: أمر بين رشده، فاتبعوه وأمر بين غيه، فاجتنبوه وأمر اختلف فيه، فردوه إلى الله(٥) .

أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم(٦) وإن لكم نهاية، فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته و

____________________

(١) بما في يد الله أى في قدرة الله وقضائه وقدره.

(٢) الرفد بالكسر: العطاء والصلة وهو اسم من رفده رفدا من باب ضرب أعطاه وأعانه والظاهر أنه اعم من منع الحقوق الواجبة والمستحبة.

(٣) أقال يقيل اقالة أى وافق على نقض البيع وسامح فيه.

والفترة: الخطيئة وفى هذا الحديث تقديم وتأخير في بعض النسخ.

(٤) كافأ الرجل على ما كان منه جازاه - كافأ فلانا راقبه وقابله، صار نظيرا له وساواه.

(٥) رواه الصدوق في معانى الاخبار.

(٦) المعالم جمع معلم، وهو ما يستدل به على الطريق.

٢٩

من الشيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الموت، والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب(١) وما بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار.

* (ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله العلم والعقل والجهل) *

قال: تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لاهله قربة، لانه معالم الحلال والحرام وسالك بطالبه سبل الجنة، ومونس في الوحدة، وصاحب في الغربة، ودليل على السراء وسلاح على الاعداء، وزين الاخلاء(٢) ، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم، ترمق أعمالهم(٣) وتقتبس آثارهم وترغب الملائكة في خلتهم(٤) ، لان العلم حياة القلوب ونور الابصار من العمى وقوة الابدان من الضعف، وينزل الله حامله منازل الاحباء ويمنحه مجالسة الابرار في الدنيا والآخرة.

بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحد وبه توصل الارحام ويعرف الحلال والحرام، والعلم أمام العقل(٥) .

والعقل يلهمه الله السعداء ويحرمه الاشقياء، وصفة العاقل أن يحلم عمن جهل عليه ويتجاوز عمن ظلمه ويتواضع لمن هو دونه ويسابق من فوقه في طلب البر، و إذا أراد أن يتكلم تدبر، فإن كان خيرا تكلم فغنم وإن كان شرا سكت فسلم وإذا

____________________

(١) المستعتب: طلب العتبى اى الاسترضاء والمراد أن بعد الموت لا يكون ما يوجب الرضا لان زمان الاعمال قد انقضى وختم ديوانها ولعل اصل العتبى الرضا والفرح من الرجوع عن الذنب والاساء‌ة وهذا المعنى لا يمكن الوصول إليه الا في دار الدنيا، وقبل الموت فليس بعد الموت من استرضاء بهذا المعنى.

(٢) الاخلاء جمع خليل. أى زينة لهم.

(٣) ترمق أعمالهم يعنى تنظر اليها وتكتسب منها فيجعلون الناس أعمالهم على طريقتهم يقال: رمقه رمقا: أطال وأدام النظر إليه.

(٤) زيد هنا في بعض نسخ الحديث [ يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ].

(٥) أمام العقل بفتح الهمزة أى قائده.

٣٠

عرضت له فتنة استعصم بالله، وأمسك يده ولسانه، وإذا رأى فضيلة انتهز بها(١) ، لا يفارقه الحياء ولا يبدو منه الحرص، فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل.

وصفة الجاهل: أن يظلم من خالطه ويتعدى على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، كلامه بغير تدبر، إن تكلم أثم، وإن سكت سها وإن عرضت له فتنة سارع إليها فأردته(٢) وإن رأى فضيلة أعرض وأبطأ عنها، لا يخاف ذنوبه القديمة ولا يرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب، يتوانى عن البر ويبطئ عنه، غير مكترث(٣) لما فاته من ذلك أو ضيعه، فتلك عشر خصال من صفة الجاهل الذي حرم العقل.

* (موعظة (٤) ) *

مالي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس، حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب، وكأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب، وحتى كأن ما يسمعون من خبر الاموات قبلهم عندهم كسبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون(٥) تبوؤونهم أجداثهم(٦) وتأكلون تراثهم وأنتم مخلدون بعدهم، هيهات هيهات أما يتعظ آخرهم بأولهم، لقد جهلوا ونسوا كل موعظة في كتاب الله وأمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة(٧) ولا بوائق كل حادثة(٨) .

____________________

(١) الانتهاز: الاغتنام.

(٢) فأردته اى فأهلكته، أصله الردى بمعنى الهلاك والسقوط.

(٣) اى لا يعبأ به ولا يباليه. يقال: اكترث للامر أى بالى به.

(٤) في روضة الوافى ص ٤٢ عن الكافى عن أبى عبداللهعليه‌السلام عن جابر يقول: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع فوقف علينا فسلم فرددناعليه‌السلام ثم قال: مالى أرى حب الدنيا. ذكر الحديث.

(٥) يعنى أنهم إذا سمعوا بموت فلان مثلا يظنون أنه قد سافر إلى مكان في الارض، ثم يرجع إليهم ثانيا بعد مضى أيام.

(٦) وفى بعض نسخ الحديث [ وبيوتهم ].

والاجداث جمع الجدث وهو القبر.

(٧) الفادحة: النازلة.

والفادح: الصعب المثقل.

(٨) بوائق: جمع البائقة وهى الداهية والشر.

٣١

طوبى لمن شغله خوف الله عن خوف الناس.

طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت علانيته واستقامت خليقته.

طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله.

طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل له من غير رغبة عن سنتي ورفض زهرة الدنيا(١) من غير تحول عن سنتي واتبع الاخيار من عترتي من بعدي وخالط أهل الفقه والحكمة ورحم أهل المسكنة.

طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية وأنفقه في غير معصية و عادبه على أهل المسكنة(٢) .

وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا المبتدعين خلاف سنتي(٣) العاملين بغير سيرتي.

طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره.

* (خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع) * (٤)

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و [ من ] سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل(٥) ، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

اوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على العمل بطاعته، وأستفتح الله بالذي هو خير أما بعد: أيها الناس ! اسمعوا مني [ ما ] أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا.

____________________

(١) المراد بها: بهجتها وغضارتها.

(٢) يعنى صرفه فيهم.

(٣) المبتدع: صاحب البدعة.

(٤) هذه الخطبة من أجل خطب النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله المشهورة بين العامة والخاصة والمذكورة في كتبهم، موجزا ومشروحا.

(٥) في بعض نسخ الحديث [ ومن يضلل الله ].

٣٢

أيها الناس إن دماء‌كم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا.

ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها(١) ، وإن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبدالمطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة(٢) بن الحارث بن عبدالمطلب(٣) و إن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية.

والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من الجاهلية.(٤)

____________________

(١) اى فليؤدها إلى صاحبها.

(٢) في اكثر نسخ الحديث [ حارث بن ربيعة ].

(٣) كان عامر بن ربيعة مسترضعا في بنى سعد فقتله بنو هذيل في الجاهلية فأبطل النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الطلب بدمه في الاسلام ولم يجعل لربيعة - أبيه - في ذلك تبعة.

وانما بدأصلى‌الله‌عليه‌وآله بابطال الربا والدم من أهله وأقربائه ليعلم أنه ليس في الدين محاباة.

(٤) المآثر جمع المأثرة وهى الاثر والفعل والعمل المتوارثة السدانة الخدمة السادن بكسر الدال: خادم الكعبة.

والسقاية: موضع السقى.

والقود محركة القصاص.

والجاهلية هى حالة الناس قبل الاسلام.

وكانت أمة العرب في هذا العصر في حالة انحطاط وانحلال من حيث الديانة والمدنية والفضائل والاخلاق، فلم تكن لها ديانة حنيفية ولا وحدة قومية ولا رابطة وطنية ولا أصل من الاصول التى ترتكز عليها الفضائل الانسانية، يعبدون الاصنام ويسفكون الدماء ويأكلون الربا ويفعلون الفواحش ويقولون قول الزور ويأكل القوى الضعيف، فهى فوضى في العقائد، فوضى في الاخلاق، فوضى في المعاش. لا تدين غير الوثنية وكانت لكل قبيلة منهم آلهة خاصة، كانوا مغرمين بشرب الخمر وبلعب الميسر والتفاخر بالآباء وتزويج الرجل من النساء بقدر ما تسمح له وسائله المعيشية وتزويج نساء الاب. ودفن البنات حيا والمطالبة بالثار عندهم لا تقف عند حد حتى ان لم يظفر الرجل بغريمه انتقم من أحد أقربائه وربما يقنع بالدية للقتيل بمال كثير على قدر شرف المقتول وغير ذلك من المآثر السخيفة والعادات القبيحة.

ولما كانت مكة عاصمة بلاد العرب وكان بناء البيت فيها، كانت توليتها وأمر البيت تنقسم بالسدانة والحجابة والسقاية والرفادة والقيادة والندوة واللواء وغيرها ويتوارثون كابرا عن كابر ويفتخر الرجل بها ويقول: أنا أفضل لان حجابة البيت مثلا بيدى كما يفتخر بالحسب والنسب وبالمال وبكثرة الاولاد والعشيرة ويهتمون بها اهتماما عظيما حتى بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأبطلها ومحاها. (*)

٣٣

أيها الناس ! إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه قد رضي بأن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحتقرون من أعمالكم(١) .

أيها الناس !( إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيَادَةٌ فِي الْکُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ کَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ )‌ (٢) وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والارض و( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي کِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) (٣) ثلاثة متوالية، وواحد فرد - ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ورجب بين جمادى وشعبان(٤) ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

____________________

(١) في بعض نسخ الحديث [ ورضى منكم بمحقرات الاعمال ].

(٢) التوبة - ٣٨.

وقوله: ليواطؤوا أى ليوافقوا عدة الاربعة المحرمة.

(٣) التوبة - ٣٧.

(٤) النسيئ مصدر بمعنى التأخير من نسأ الشئ أى أخره.

والمراد تأخير أهل الجاهلية الحج والمحرم عن موقعها وموسمها لمصالحهم المادية التى كانت تتعطل بسبب وقوع الاشهر الحرم في مواسمها، لان السنة القمرية أقل من السنة الشمسية بمقدار معلوم وبسبب ذلك ينتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل وقد يكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفى الصيف أخرى وربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الاطراف فارادوا أن لا يوافق أشهر الحرم مواسم مصالحهم واحتالوا على ذلك وأقدموا على عمل الكبيسة باضافة الايام في آخر كل سنة هلالية لتوافق السنة الشمسية فهذا النسيئ وإن كان سببا لحصول المصالح المادية إلا أنه لزم منه تغيير حكم الله تعالى ولما كانت أيام الحج في تلك السنة - حجة الوداع - قد عادت إلى زمنها المخصوص قبل النقل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا وإن الزمان قد استدار إلى آخره وقال المجلسى رحمه الله في المجلد الرابع عشر من كتاب بحار الانوار بعد ذكر بعض الاقوال في تفسير هذة الآية: وللآية تفسير آخر وهو أن يكون المراد بالنسيئ كبس بعض السنين القمرية بشهر حتى يلتحق بالسنة الشمسية وذلك أن السنة القمرية أعنى إثنى عشر قمريا هى ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس او سدس يوم على ما عرف من علم النجوم وعمل الزيجات.

والسنة الشمسية هى عبارة عن عود الشمس من أية نقطة نفرض من الفلك إليها بحركتها الخاصة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم الا كسرا قليلا، فالسنة القمرية أقل من السنة الشمسيه بعشرة بقية الحاشية في الصفحة الاتيه (*)

٣٤

أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حقا، حقكم عليهن أن لا يوطئن أحدا فرشكم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، وألا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح(١) ، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن

____________________

بقية الحاشية من الصفحة الماضية أيام واحدى وعشرين ساعة وخمس ساعة تقريبا وبسبب هذا النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفى الصيف أخرى وكذا في الربيع و الخريف وكان يشق الامر عليهم، اذ ربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الاطراف فكان تختل أسباب تجاراتهم ومعائشهم، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة بحيث يقع الحج دائما عند اعتدال الهواء وادراك الثمرات والغلات وذلك بقرب حلول الشمس نقطة الاعتدال الخريفى فكسبوا تسع عشرة سنة قمرية بسبعة أشهر قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة شمسية، فزادوا في السنة الثانية شهرا، ثم في الخامسة، ثم في السابعة، ثم في العاشرة، ثم في الثالثة عشر، ثم في السادسة عشر، ثم في الثامنة عشر وقد تعلموا هذه الصنعة من اليهود والنصارى.

فانهم يفعلون هكذا لاجل أعيادهم، فالشهر الزائد هو الكبيس وسمى النسيئ لانه المؤخر والزائد مؤخر عن مكانه وهذا التفسير يطابق ما روى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب في حجة الوداع و كان في جملة ما خطب به ألا وان الزمان قد استدار كهيئة [ خ ل كهيئته ] يوم خلق الله السماوات والارض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضربين جميدى وشعبان

والمعنى رجعت الاشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج في ذى الحجة وبطل النسيئ الذى كان في الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة في نفس الامر. انتهى - والمواطأة: الموافقة.

واستدار يستدير كدار يدور بمعنى اذا طاف حول الشئ وعاد إلى الموضع الذى ابتدأ فيه.

والشهر مأخوذ من شهرة الامر اى ظهوره ووضوحه، ويطلق على الشهور القمرية لحاجة الناس اليه في ديونهم ومعاملاتهم وغير ذلك من مصالحهم ولشهرته عند العالم والجاهل والبادى والحاضر ويمكن أن يضبطها كل الناس حتى العامى والبادى. فلذلك كان المدار في أحكام الاسلام عليها والدليل عليه هذه الآية في سورة التوبة. وأيضا قوله تعالى في سورة يونس - ٥ جعل الشمس ضياء‌ا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب وتقدير القمر بالمنازل علة للسنين ويصح ذلك إذا كانت السنة معلقة بسير القمر. وقوله في سورة البقرة - ١٨٩ يسألونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس

(١) العضل: المنع والتضييق. والهجر: الترك والاعتزال وضد الوصل - والمبرح بكسر الراء من البرح أى الشدة والاذى وقد يكون بمعنى الغضب. والانتهاء إذا ما عدى بلفظة عن يكون بمعنى الكف. يقال: انتهى عنه أى كف. (*)

٣٥

بالمعروف، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا.

أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه.

ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، فلا ترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.

ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم.

قال: فليبلغ الشاهد الغائب(١) .

أيها الناس، إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث.

والولد للفراش وللعاهر الحجر(٢) ، من ادعى إلى غير أبيه، ومن تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا(٣) والسلام عليكم ورحمة الله.

____________________

(١) ومن خطبتهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية والتفاخر بآبائها وعشائرها.

أيها الناس إنكم من آدم وآدم من طين، ألا وإن خيركم عند الله وأكرمكم عليه أتقاكم.

ألا إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق، فمن قصر به عمله لم يبلغ حسبه

(٢) العاهر: الزانى والفاجر من العهر وهو الزنا والفجور.

يعنى يثبت الولد لصاحب الفراش وهو الزوج وللعاهر الحجر كما يقال: له التراب أى الخيبة ولا يثبت له نسب.

وكان أمر الجاهلية أن يثبت النسب بالزنا كما فعله معاوية بزياد بن سمية واستلحقه به وقد محاه الاسلام وأبطله.

(٣) يقال: صرفا وعدلا أى توبة وفدية.

فالمراد بالصرف ههنا ما يصرف الانسان عن عذاب الله.

والعدل: الفدية وقيل: البدل، قال الله تعالى في سورة الفرقان - ١٩ فما تستطيعون صرفا ولا نصرا

وقال في البقرة - ٤٨: لا يؤخذ منها عدل أى فدية.(*)

٣٦

* (وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قصار هذه المعانى) *

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : كفى بالموت واعظا، وكفى بالتقى غنى، وكفى بالعبادة شغلا وكفى بالقيامة موئلا وبالله مجازيا(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خصلتان ليس فوقهما من البر شئ: الايمان بالله والنفع لعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شئ: الشرك بالله والضر لعباد الله.

وقال له رجل: أوصني بشئ ينفعني الله به، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أكثر ذكر الموت يسلك عن الدنيا(٢) وعليك بالشكر فإنه يزيد في النعمة، وأكثر من الدعاء فإنك لا تدري متى يستجاب لك، وإياك والبغي فإن الله قضى أنه من بغى عليه لينصرنه الله(٣) وقال: أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم(٤) وإياك والمكر، فإن الله قضى أن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله(٥)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ستحرصون على الامارة، ثم تكون عليكم حسرة وندامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة(٦) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة(٧) .

وقيل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أي الاصحاب أفضل؟ قال: من إذا ذكرت أعانك وإذا نسيت ذكرك.

وقيل: أي الناس شر، قال: العلماء إذا فسدوا.

____________________

(١) الموئل: الملجأ من وأل إليه وألا ووئيلا إذا لجأ إليه وطلب النجاة منه.

(٢) أى يذهلك عنها.

من سلى عن الشئ يسلو.

(٣) الاية في سورة الحج هكذا ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله

(٤) سورة يونس - ٢٣ والاية هكذا يا ايها الناس إنما بغيكم على أنفسكم

(٥) سورة فاطر - ٢٤.

قوله: لا يحيق أى لا يحيط.

الا بأهله أى الا بالماكر.

(٦) الفطم: القطع وفصل الولد عن الرضاع.

ولعل المراد حسن اقبال الامارة و قبح إدبارها.

وذلك لانها تقبل مظهرة خيرها مستخفية بشرورها وتدبر مع وزرها وبقاء شرها ووبالها وتحمل الحسرة على مزايلتها وغير ذلك من مضارها.

(٧) في بعض النسخ [ واسدوا ] وهو بمعنى أسندوا.

٣٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أوصاني ربي بتسع، أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر الغنى، وأن أعفو عمن ظلمني.

واعطي من حرمني، وأصل من قطعني وأن يكون صمتي فكرا ومنطقي ذكرا ونظري عبرا(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قيدوا العلم بالكتاب.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا ساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أذلهم واكرم الرجل الفاسق فلينتظر البلاء.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال المسروق منه في تهمة من هو برئ، حتى يكون أعظم جرما من السارق(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله يحب الجواد في حقه.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان امراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاء‌كم(٣) وأمركم شورى بينكم، فظهر الارض خير لكم من بطنها.

وإذا كان أمراؤكم شراركم و أغنياؤكم بخلاء‌كم واموركم إلى نسائكم، فبطن الارض خير لكم من ظهرها.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أمسى وأصبح وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا من أصبح وأمسى معافى في بدنه، آمنا في سربه(٤) ، عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة، فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الايمان.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر وعالما ضاع في زمان جهال.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خلتان كثير من الناس فيهما مفتون: الصحة والفراغ.

____________________

(١) أى اعتبارا وموعظة العبر جمع العبرة وهى العظة.

(٢) يعنى ان من يسرق منه قد يتهم الناس ومن هو برئ من السرقة حتى يكون جرمه أعظم من السارق.

(٣) السمحاء جمع السمح وهو الجواد.

(٤) السرب بفتح السين وسكون الراء: الوجهة والطريق.

يقال: في سربه أى في طريقه ومذهبه وقيل: أى في نفسه.

٣٨

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنا معاشر الانبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ملعون من ألقى كله على الناس(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : العبادة سبعة أجزاء، أفضلها طلب الحلال.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله لا يطاع [ جبرا ] ولا يعصى مغلوبا ولم يهمل العباد من المملكة ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه والمالك لما ملكهم إياه، فإن العباد إن ائتمروا(٢) بطاعة الله لم يكن منها مانع ولا عنها صاد وإن عملوا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبينها فعل، وليس من [ إن ] شاء أن يحول بينه وبين شئ [ فعل ] ولم يفعله فأتاه الذي فعله كان هو الذي أدخله فيه(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه: لولا أن الماضى فرط الباقي(٤) وأن الآخر لاحق بالاول لحزنا عليك يا إبراهيم، ثم دمعت عينه وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : الجمال في اللسان.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكنه يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، استفتوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل جهاد امتي انتظار الفرج(٥) .

____________________

(١) الكل: الثقل والعيال.

(٢) في بعض النسخ [ ائتمروا ].

بدون الشرطية.

والايتمار: الامتثال.

(٣) توضيح ذلك أن مجرد قدرة الله على الحيلولة بين العبد وفعله لا يدل على كونه تعالى فاعله إذ القدرة على المنع لا توجب اسناد الفعل إليه.

(٤) الفرط بفتحتين: المتقدم قومه إلى الماء.

(٥) أى الترقب والتهيؤ له بحيث يصدق عليه اسم المنتظر والمترقب، ليس معناه ترك السعى والعمل لانه ينافى معنى الجهاد.

٣٩

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مروء‌تنا أهل البيت العفو عمن ظلمنا وإعطاء من حرمنا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أغبط أوليائي عندي من امتي، رجل خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه في الغيب وكان غامضا في الناس وكان رزقه كفافا فصبر عليه ومات، قل تراثه وقل بواكيه(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أصاب المؤمن من نصب ولا وصب(٢) ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به عنه من سيئاته.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله من أكل ما يشتهي، ولبس ما يشتهي وركب ما يشتهي، لم ينظر الله إليه حتى ينزع أو يترك.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل المؤمن كمثل السنبلة، تخر مرة، وتستقيم مرة ومثل الكافر مثل الارزة، لا يزال مستقيما لا يشعو(٣) .

____________________

(١) الغبطة: حسن الحال والمسرة وأصله من غبطه غبطا إذا عظم نعمة في عينه وتمنى مثل حاله من غير أن يريد زوالها عنه. ورجل خفيف الحاذ يعنى قليل المال والحظ من الدنيا. وفى بعض نسخ الحديث حفيف الحال بالحاء المهملة بمعنى قليل المال والمعيشة. والغامض: الضعيف والحقير وأصله المبهم والخفى، يقال: نسب غامض أى لا يعرف. وغامضا في الناس يعنى من كان خفيا عنهم لا يعرف سوى الله ومغمورا غير مشهور. وفى بعض النسخ [ ذو حظ من صلاح ]. والتراث: ما يخلفه الرجل لورثته وهو مصدر والتاء فيه بدل من الواو. ولله در من نظم الحديث فقال:

أخص الناس بالايمان عبد

خفيف الحاذ مسكنه القفار

له في الليل حظ من صلاة

ومن صوم إذا طلع النهار

وقوت النفس يأتى من كفاف

وكان له على ذاك اصطبار

وفيه عفة وبه خمول

إليه بالاصابع لا يشار

فذاك قد نجا من كل شر

ولم تمسسه يوم البعث نار

وقل الباكيات عليه لما

قضى نحبا وليس له يسار

(٢) النصب محركة: التعب. والوصب أيضا محركة: المرض والوجع.

(٣) السنبلة واحدة السنبل، من الزرع ما كان في اعالى سوقه. والخر: السقوط من علو إلى سفل. والارز: شجر عظيم صلب كشجر الصنوبر. وشجرة آرزة اى ثابتة.

ولعل المراد به قلب المؤمن والكافر، فان قلب المؤمن لرقته يتقلب احواله مرة يسهل ومرة يصعب بخلاف قلب الكافر فانه لا يزال يصعب وهى كالحجارة بل أشد قسوة كما ورد في الاخبار، في الكافى باسناده عن بقية الحاشية في الصفحة الاتية

٤٠