تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 183039
تحميل: 11478

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183039 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

ثلاثة تورث الحرمان: الالحاح في المسألة. والغيبة. والهزء(١) .

ثلاثة تعقب مكروها: حملة البطل(٢) في الحرب في غير فرصة وإن رزق الظفر. وشرب الدواء من غير علة وإن سلم منه. والتعرض للسلطان وإن ظفر الطالب بحاجته منه.

ثلاث خلال يقول كل إنسان إنه على صواب منها: دينه الذي يعتقده. وهواه الذي يستعلي عليه. وتدبيره في اموره.

الناس كلهم ثلاث طبقات: سادة مطاعون وأكفاء متكافون(٣) واناس متعادون. قوام الدنيا بثلاثة أشياء: النار. والملح. والماء.

من طلب ثلاثة بغير حق حرم ثلاثة بحق: من طلب الدنيا بغير حق حرم الآخرة بحق.

ومن طلب الرئاسة بغير حق حرم الطاعة له بحق.

ومن طلب المال بغير حق حرم بقاء‌ه له بحق.

ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم أن يتقدم عليها: شرب السم للتجربة وإن نجا منه. وإفشاء السر إلى القرابة الحاسد وإن نجا منه. وركوب البحر وإن كان الغنى فيه.

لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم فإن عدموا ذلك كانوا همجا(٤) : فقيه عالم ورع. وأمير خير مطاع. وطبيب بصير ثقة.

يمتحن الصديق بثلاث خصال، فإن كان مؤاتيا فيها(٥) فهو الصديق المصافي وإلا كان صديق رخاء لا صديق شدة: تبتغي منه مالا، أو تأمنه على مال، أو تشاركه في مكروه. إن يسلم الناس من ثلاثة أشياء كانت سلامة شاملة: لسان السوء. ويد السوء. وفعل السوء.

____________________

(١) الهزء - بالفتح والضم -: الاستهزاء والاستخاف.

(٢) الحملة - بفتح فسكون -: الكرة في الحرب.

(٣) المتكافون والمتكافئون: المتساوون.

(٤) الهمج - بالتحريك -: السفلة والحمقى والرعاع من الناس، يقال: قوم همج أى لا خير فيهم.

(٥) آتاه مؤاتاة: وافقه. والمصافى: المخلص لك الود. الرخاء: سعة العيش.

٣٢١

إذا لم تكن في المملوك خصلة من ثلاث فليس لمولاه في إمساكه راحة: دين يرشده. أو أدب يسوسه(١) . أو خوف يردعه.

إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة. وسعة بتقدير. وغيرة بتحصن(٢) .

كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خلال يجتلب بها المكسب وهو: أن يكون حاذقا بعمله. مؤديا للامانة فيه. مستميلا لمن استعمله(٣) .

ثلاث من ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل(٤) : نعمة مولية. وزوجة فاسدة(٥) . وفجيعة بحبيب.

جبلت الشجاعة على ثلاث طبائع لكل واحدة منهن فضيلة ليست للاخرى: السخاء بالنفس والانفة من الذل(٦) وطلب الذكر، فإن تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام لسبيله والموسوم بالاقدام في عصره. وإن تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعته في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد إقداما.

ويجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء: شكرهما على كل حال. وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله. ونصيحتهما في السر والعلانية.

وتجب للولد على والده ثلاث خصال: إختياره لوالدته. وتحسين اسمه. والمبالغة في تأديبه(٧) .

تحتاج الاخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن استعملوها وإلا تباينوا وتباغضوا

____________________

(١) ساس يسوس سياسة الامر. قام به. - والقوم دبرهم وتولى أمرهم. - وفلان قد ساس: أدب.

(٢) في بعض النسخ [ بتحسن ] أى تزين به أو صار حسنا.

(٣) استماله: أماله واستعطفه.

(٤) طاح يطوح وطاح يطيح: تاه وأشرف على الهلاك.

(٥) في بعض النسخ [ مفسدة ].

(٦) الانفة: اسم من أنف - كتعب -: كرهه وترفع وتنزه منه.

(٧) في بعض النسخ [ وتجب للولد على والدته ثلاث خصاص: اختياره لوالدته وتحسين امه والمبالغة في تأديبه ]. وفى بعضها [ على والده ].

٣٢٢

وهي: التناصف. والتراحم. ونفي الحسد(١) .

إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم وشماتة الاعداء بهم وهي: ترك الحسد فيما بينهم، لئلا يتحزبوا فيتشتت أمرهم. والتواصل ليكون ذلك حاديا(٢) لهم على الالفة. والتعاون لتشملهم العزة.

لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها. وحسن خلقه معها. واستعماله استمالة قبلها بالهيئة الحسنة في عينها. وتوسعته عليها.

ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن: صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قبله إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه.وحياطته(٣) ليكون ذلك عاطفا عليها عند زلة تكون منها.وإظهار العشق له بالخلابة(٤) والهيئة الحسنة لها في عينه(٥) .

لا يتم المعروف إلا بثلاث خلال: تعجيله. وتقليل كثيره. وترك الامتنان به.

والسرور في ثلاث خلال: في الوفاء. ورعاية الحقوق. والنهوض في النوائب.

ثلاثة يستدل بها على إصابة الرأي. حسن اللقاء. وحسن الاستماع. وحسن الجواب.

الرجال ثلاثة: عاقل. وأحمق. وفاجر.

فالعاقل إن كلم أجاب وإن نطق أصاب وإن سمع وعى.

والاحمق إن تكلم عجل وإن حدث ذهل وإن حمل على القبيح فعل.

والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حدثته شانك.

الاخوان ثلاثة: فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كل وقت فهو العاقل.

والثاني في معنى الداء وهو الاحمق.

والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب.

ثلاثة أشياء تدل على عقل فاعلها: الرسول على قدر من أرسله والهدية على قدر مهديها، والكتاب على قدر كاتبه.

_________________________________

(١) يقال: تناصفوا أى أنصف بعضهم بعضا. وتراحموا: رحم بعضهم بعضا.

(٢) أى يحدوهم ويسيرهم. ويحتمل أن يكون (هاديا). وقد يقرء في بعض النسخ [ حاويا ].

(٣) حاطه حياطة: حفظه وتعهده.

(٤) الخلابة - بالكسر -: الخديعة باللسان أو بالقول اللطيف.

(٥) كذا.

٣٢٣

العلم ثلاثة: آية محكمة. وفريضة عادلة. وسنة قائمة.

الناس ثلاثة: جاهل يأبى أن يتعلم. وعالم قد شفه علمه. وعاقل يعمل لدنياه وآخرته(١) .

ثلاثة ليس معهن غربة: حسن الادب. وكف الاذى. ومجانبة الريب.

الايام ثلاثة: فيوم مضى لا يدرك. ويوم الناس فيه، فينبغي أن يغتنموه. وغدا إنما في أيديهم امله.

من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الايمان: حلم يرد به جهل الجاهل. وورع يحجزه عن طلب المحارم. وخلق يداري به الناس.

ثلاث من كن فيه استكمل الايمان، من إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق.

وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل. ومن إذا قدر عفا.

ثلاث خصال يحتاج إليها صاحب الدنيا: الدعة من غير توان(٢) .

والسعة مع قناعة. والشجاعة من غير كسل.

ثلاثة أشياء لا ينبغي للعاقل أن ينساهن على كل حال: فناء الدنيا.

وتصرف الاحوال. والآفات التي لا أمان لها.

ثلاثة أشياء لا ترى كاملة في واحد قط: الايمان. والعقل. والاجتهاد.

الاخوان ثلاثة: مواس بنفسه. وآخر مواس بماله وهما الصادقان في الاخاء. وآخر يأخذ منك البلغة(٣) ويريدك لبعض اللذة، فلا تعده من أهل الثقة.

لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: الفقه في الدين. وحسن التقدير في المعيشة. والصبر على الرزايا. ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

____________________

(١) في بعض النسخ [ للدنيا والاخرة ]. وشفه: هزله، رقه، أوهنه.

(٢) الدعة: خفض العيش والراحة.

(٣) أى ما يبلغه ويكفيه.

٣٢٤

كلامه (ع) في وصف المحبة لاهل البيت والتوحيد والايمان والاسلام والكفر والفسق

دخل عليه رجلا فقالعليه‌السلام له: ممن الرجل؟ فقال من محبيكم ومواليكم، فقال له جعفرعليه‌السلام : لا يحب الله عبد حتى يتولاه. ولا يتولاه حتى يوجب له الجنة.

ثم قال له: من أي محبينا أنت؟ فسكت الرجل فقال له سدير(١) : وكم محبوكم يا ابن رسول الله؟ فقال: على ثلاث طبقات: طبقة أحبونا في العلانية ولم يحبونا في السر. وطبقة يحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية. وطبقة يحبونا في السر والعلانية، هم النمط الاعلى(٢) ، شربوا من العذب الفرات وعلموا تأويل الكتاب(٣) وفصل الخطاب وسبب الاسباب، فهم النمط الاعلى، الفقر والفاقة وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل(٤) ، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وفتنوا، فمن بين مجروح ومذبوح متفرقين في كل بلاد قاصية، بهم يشفي الله السقيم ويغني العديم(٥) وبهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون وهم الاقلون عددا، الاعظمون عند الله قدرا وخطرا.

والطبقة الثانية النمط الاسفل أحبونا في العلانية وساروا بسيرة الملوك، فألسنتهم معنا وسيوفهم علينا(٦) .

والطبقة الثالثة النمط الاوسط أحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية ولعمري

____________________

(١) سدير - كشريف - ابن حكيم بن صهيب الصيرفى من أصحاب السجاد والباقر والصادقعليهم‌السلام إمامى ممدوح محب لاهل البيتعليهم‌السلام : وقد دعا الصادقعليه‌السلام له ولعبد السلام بن عبدالرحمن وكانا في السجن فخلى سبيلهما وقالعليه‌السلام : إن سدير عصيدة بكل لون يعنى أنه لا يخاف عليه من المخالفين لانه يتلون معهم بلونهم تقية بحيث يخفى عليهم ولا يعرف بالتشيع وأنه ملتزم بالتقية الواجبة. وكان هو والد حنان بن سدير الصيرفى من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام . كذا في (صه) لكن الظاهر ان الذى دعا لهعليه‌السلام هو شديد بن عبدالرحمن.

(٢) النمط - بالتحريك -: جماعة من الناس أمرهم واحد.

(٣) أى تفاسيره وتأويلاته وإشاراته وما المراد بها ومصاديق ما جاء فيه من الاوصاف.

(٤) ركض الفرس: استحثه للعدو.

(٥) العديم: الفقير يقال: أعدم الرجل: إفتقر فهو معدم وعديم.

(٦) النشر بالرتبة لا اللف.

٣٢٥

لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية(١) فهم الصوامون بالنهار القوامون بالليل ترى أثر الرهبانية في وجوههم، أهل سلم وانقياد.

قال الرجل: فأنا من محبيكم في السر والعلانية.

قال جعفرعليه‌السلام : إن لمحبينا في السر والعلانية علامات يعرفون بها.

قال الرجل: وما تلك العلامات؟ قالعليه‌السلام : تلك خلال أولها أنهم عرفوا التوحيد حق معرفته وأحكموا علم توحيده. والايمان بعد ذلك بما هو وما صفته، ثم علموا حدود الايمان وحقائقه وشروطه وتأويله.

قال سدير: يا ابن رسول الله ما سمعتك تصف الايمان بهذه الصفة؟ قال: نعم يا سدير ليس للسائل أن يسأل عن الايمان ما هو حتى يعلم الايمان بمن.

قال سدير: يا ابن رسول الله إن رأيت أن تفسر ما قلت؟ قال الصادقعليه‌السلام : من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك. ومن زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقر بالطعن، لان الاسم محدث. ومن زعم أنه يعبد الاسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكا. ومن زعم أنه يعبد [ المعنى ] بالصفة لا بالادراك فقد أحال على غايب. ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لان الصفة غير الموصوف. ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير وما قدروا الله حق قدره(٢)

____________________

(١) كذا.

(٢) اعلم أن حقيقة كل واحد من الاشياء كائنة ما كانت هى عينها الموجود في الخارج فحقيقة زيد مثلا هى العين الانسانى الموجود في الخارج وهو الذى يتميز بنفسه عن كل شئ ولا يختلط بغيره ولا يشتبه شئ من أمره هناك مع من سواه.

ثم إنا ننتزع منه معانى ناقلين إياها إلى أذهاننا نتعرف بها حال الاشياء ونتفكر بها في امرهما كمعانى الانسان وطويل القامة والشاب وأبيض اللون وغير ذلك وهى معان كلية إذا اجتمعت وانضمت أفادت نوعا من التميز الذهنى نقنع به وهذه المعانى التى ننالها ونأخذها من العين الخارجية هى آثار الروابط التى بها ترتبط بنا تلك العين الخارجية نوعا من الارتباط والاتصال كما أن زيدا مثلا يرتبط ببصرنا بشكله ولونه ويرتبط بسمعنا بصوته وكلامه ويرتبط بأكفنا ببشرته فنعقل منه صفة طول القامة والتكلم ولين الجلد ونحو ذلك فلزيد مثلا أنواع من الظهور لنا تنتقل بنحو إلينا وهى المسماة بالصفات وأما عين زيد ووجود ذاته فلا تنتقل إلى أفهامنا بوجه ولا تتجافى عن مكانه ولا طريق إلى نيله إلا أن نشهد عينه الخارجية بعينها ولا نعقل منها في أذهاننا إلا الاوصاف الكلية فافهم ذلك وأجد التامل فيه.

بقية الحاشية في الصفحة الاتية

٣٢٦

قيل له: فكيف سبيل التوحيد؟

قالعليه‌السلام : باب البحث ممكن وطلب المخرج موجود إن معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغائب قبل عينه. قيل: وكيف نعرف

____________________

بقية الحاشية من الصفحة الماضية ومن هذا البيان يظهر أنا لو شاهدها عين زيد مثلا في الخارج ووجدناه بعينه بوجه مشهودا فهو المعروف الذى ميزناه حقيقة عن غيره من الاشياء ووحدناه واقعا من غير ان يشتبه بغيره ثم إذا عرفنا صفاته واحدة بعد أخرى استكملنا معرفته والعلم بأحواله.

وأما إذا لم نجده شاهدا و توسلنا إلى معرفته بالصفات لم نعرف منه إلا أمورا كلية لا توجب له تميزا عن غيره ولا توحيد في نفسه كما لو لم نر مثلا زيدا بعينه وإنما عرفناه بأنه انسان أبيض اللون طويل القامة حسن المحاضرة بقى على الاشتراك حتى نجده بعينه ثم نطبق عليه ما نعرفه من صفاته وهذا معنى قولهعليه‌السلام : إن معرفة عين الشاهد قبل صفته، ومعرفة صفة الغائب قبل عينه

ومن هنا يتبين أيضا أن توحيد الله سبحانه حق توحيده أن يعرف بعينه أولا ثم تعرف صفاته لتكميل الايمان به لا أن يعرف بصفاته وأفعاله فلا يستوفى حق توحيده.

وهو تعالى هو الغنى عن كل شئ، القائم به كل شئ فصفاته قائمة به وجميع الاشياء من بركات صفاته من حياة وعلم وقدرة ومن خلق ورزق وإحياء وتقدير وهداية وتوفيق ونحو ذلك فالجميع قائم به مملوك له محتاج إليه من كل جهة. فالسبيل الحق في المعرفة أن يعرف هو أولا ثم تعرف صفاته ثم يعرف بها ما يعرف من خلقه لا بالعكس. ولو عرفناه بغيره لن نعرفه بالحقيقة ولو عرفنا شيئا من خلقه لا به بل بغيره فذلك المعروف الذى عندنا يكون منفصلا عنه تعالى غير مرتبط به فيكون غير محتاج إليه في هذا المقدار من الوجود فيجب أن يعرف الله سبحانه قبل كل شئ ثم يعرف كل شئ بماله من الحاجة إليه حتى يكون حق المعرفة وهذا معنى قولهعليه‌السلام : تعرفه وتعلم علمه... الخ أى تعرف الله معرفة إدراك لا معرفة توصيف حتى لا تستوفى حق توحيده وتمييزه وتعرف نفسك بالله لانك أثر من آثاره لا تستغنى عنه في ذهن ولا خارج ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك حتى تثبت نفسك مستغنيا عنه فتثبت إلها آخر من دون الله من حيث لا تشعر، وتعلم أن ما في نفسك لله وبالله سبحانه لا غنى عنه في حال (ولعل تذكير الضمير الراجع إلى النفس من جهة كسب التذكير بالاضافة). وأما قوله: وتعلم علمه فمن الممكن أن يكون من القلب أى تعلمه علما. أو من قبيل المفعول المطلق النوعى، أو المراد العلم الذاتى أو مطلق صفة علمه تعالى. وأما قوله: كما قالوا ليوسف الخ فمثال لمعرفة الشاهد بنفسه لا بغيره من المعانى والصفات و نحوهما.

وكذا قوله: أما ترى الله يقول: ما كان لكم الخ مثال آخر ضربهعليه‌السلام وأوله إلى مسألة نصب الامام وأن إيجاد عين هذه الشجرة الطيبة إلى الله سبحانه لا إلى غيره.

بقية الحاشية في الصفحة الاتية

٣٢٧

عين الشاهد قبل صفته؟ قالعليه‌السلام : تعرفه وتعلم علمه وتعرف نفسك به ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك. وتعلم أن ما فيه له وبه كما قالوا ليوسف: إنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي(١) فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب أما ترى الله يقول: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها(٢) يقول: ليس لكم أن تنصبوا إماما

____________________

بقية الحاشية من الصفحة الماضية والحديث مسوق لبيان أن الله سبحانه لا يعرف بغيره حق معرفته بل لو عرف فانما يعرف بنفسه ويعرف غيره به فهو في مساق ما رواه الصدوق في التوحيد بطريقين عن عبدالاعلى عن الصادقعليه‌السلام قال: ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة او بمثال فهو مشرك لان الحجاب والصورة والمثال غيره، وانما هو واحد موحد فكيف يوحد من زعم انه عرفه بغيره، انما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه انما يعرف غيره - إلى ان قال -: لا يدرك مخلوق شيئا الا بالله، و لا تدرك معرفة الله الا بالله. الحديث.

ومن جميع ما تقدم يظهر معنى قولهعليه‌السلام ومن زعم - إلى قوله -: حق قدره فقوله: ومن زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك لانه يعبد مثالا أثبته في قلبه وليس بالله، وقوله: ومن زعم أنه يعرف الله بالاسم الخ لانه طعن فيه تعالى بالحدوث، وقوله: ومن زعم انه يعبد الاسم والمعنى الخ فان الاسم غير المعنى.

وقوله: ومن زعم أنه يعبد بالصفة لا بالادراك فقد أحال على غائب أى أثبت وعبد الها غائبا، وليس تعالى غائبا عن خلقه وقد قال: أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد.

ألا انهم في مرية من لقاء ربهم ألا أنه بكل شئ محيط حم السجدة - ٥٤ وقد مر بيان ذلك، وقوله: ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد بناء على دعواه مغايرة الصفة الموصوف.

وقوله: ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير الخ بأن يزعم أنه يعرف الله سبحانه بما يجد له من الصفات كالخلق والاحياء والاماتة والرزق، وهذه الصفات لا محالة صفات الافعال فقد صغر بالكبير فان الله سبحانه أكبر واعظم من فعله المنسوب اليه وما قدروا الله حق قدره. والفرق بين معرفته باضافة الموصوف إلى الصفة ومعرفته بالصفة لا بالادراك أن الاوليدعى مشاهدته تعالى بمشاهدة صفته والثانى يدعى معرفته بالتوصيف الذى يصفه به فالمراد بالصفة في الفرض الاول صفاته الفعلية القائمة به نحو قيام، وفى الفرض الثانى البيان والوصف الذى يبينه الزاعم سواء كان من صفاته تعالى أم لا هذا، ولمغايرة الصفة الموصوف معنى آخر أدق مما مر يقتضى بسطا من الكلام لا يسعه المقام.

(هذا ما أفاده الاستاذ: العلامة الحاج السيد محمد حسين الطباطبائى التبريزى مد ظله)

(١) سورة يوسف آية ٩٠. (٢) سورة النمل آية ٦٠.

٣٢٨

من قبل أنفسكم تسمونه محقا بهوى أنفسكم وإرادتكم.

ثم قال الصادقعليه‌السلام : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من أنبت شجرة لم ينبته الله يعني من نصب إماما لم ينصبه الله، أو جحد من نصبه الله. ومن زعم أن لهذين سهما في الاسلام.

وقد قال الله:( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) (١) * (صفة الايمان) * قالعليه‌السلام : معنى صفة الايمان. الاقرار والخضوع لله بذل الاقرار(٢) والتقرب إليه به والاداء له بعلم كل مفروض من صغير أو كبير من حد التوحيد فما دونه إلى آخر باب من أبواب الطاعة أولا فأولا مقرون ذلك كله بعضه إلى بعض موصول بعضه ببعض، فإذا أدى العبد ما فرض عليه مما وصل إليه على صفة ما وصفناه فهو مؤمن مستحق لصفة الايمان، مستوجب للثواب وذلك أن معنى جملة الايمان الاقرار، ومعنى الاقرار التصديق بالطاعة، فلذلك ثبت أن الطاعة كلها صغيرها وكبيرها مقرونة بعضها إلى بعض، فلا يخرج المؤمن من صفة الايمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا. وإنما استوجب واستحق اسم الايمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة وترك كبار المعاصي واجتنابها. وإن ترك صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الايمان ولا تارك له ما لم يترك شيئا من كبار الطاعة ولم يرتكب شيئا من كبار المعاصي، فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله:( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) (٣) يعني المغفرة ما دون الكبائر. فإن هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها وكبارها معاقبا عليها معذبا بها فهذه صفة الايمان وصفة المؤمن المستوجب للثواب.

* (صفة الاسلام) *

وأما معنى صفة الاسلام فهو الاقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والاداء له.

فإذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم

____________________

(١) سورة القصص ٦٩.

(٢) في بعض النسخ [ بذلك الاقرار ].

(٣) سورة النساء آية ٣١.

٣٢٩

الاسلام ومعناه واستوجب الولاية الظاهرة وإجازة شهادته والمواريث. وصار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، فهذه صفة الاسلام.

وفرق ما بين المسلم والمؤمن أن المسلم إنما يكون مؤمنا أن يكون مطيعا في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر. فإذا فعل ذلك بالظاهر كان مسلما.

وإذا فعل ذلك بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم كان مؤمنا. فقد يكون العبد مسلما ولا يكون مؤمنا إلا وهو مسلم.

* (صفة الخروج من الايمان) *

وقد يخرج من الايمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات: الكفر. والشرك. والضلال.

والفسق. وركوب الكبائر.

فمعنى الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجحد والانكار والاستخفاف و التهاون في كل ما دق وجل. وفاعله كافر ومعناه معنى كفر، من أي ملة كان ومن أي فرقة كان بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات، فهو كافر.

ومعنى الشرك كل معصية عصي الله بها بالتدين، فهو مشرك، صغيرة كانت المعصية أو كبيرة، ففاعلها مشرك(١) .

ومعنى الضلال الجهل بالمفروض وهو أن يترك كبيرة من كبائر الطاعة التي لا يستحق العبد الايمان إلا بها بعد ورود البيان فيها والاحتجاج بها، فيكون التارك لها تاركا بغير جهة الانكار والتدين بإنكارها وجحودها ولكن يكون تاركا على جهة التواني والاغفال والاشتغال بغيرها فهو ضال متنكب عن طريق الايمان، جاهل به خارج منه، مستوجب لاسم الضلالة ومعناها ما دام بالصفة التي وصفناه بها. فان كان هو الذي مال بهواه إلى وجه من وجوه المعصية بجهة الجحود والاستخفاف والتهاون كفر. وإن هو مال بهواه إلى التدين بجهة التأويل والتقليد والتسليم والرضا بقول الآباء والاسلاف فقد أشرك(٢) .

وقل ما يلبث الانسان على ضلالة حتى يميل بهواه إلى بعض ما وصفناه من صفته.

____________________

(١) هذا نوع من الشرك لا بمعنى المصطلح المعروف.

(٢) وهذا أيضا نوع من الشرك.

٣٣٠

ومعنى الفسق فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل، أو دخل فيها داخل بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب فهو فسق وفاعله فاسق خارج من الايمان بجهة الفسق فإن دام في ذلك حتى يدخل في حد التهاون والاستخفاف فقد وجب أن يكون بتهاونه واستخفافه كافرا.

ومعنى راكب الكبائر التي بها يكون فساد إيمانه فهو أن يكون منهمكا على كبائر المعاصي بغير جحود ولا تدين ولا لذة ولا شهوة ولكن من جهة الحمية والغضب يكثر القذف والسب والقتل وأخذ الاموال وحبس الحقوق وغير ذلك من المعاصي الكبائر التي يأتيها صاحبها بغير جهة اللذة.

ومن ذلك الايمان الكاذبة وأخذ الربا وغير ذلك التي يأتيها من أتاها بغير استلذاذ [ و ] الخمر والزنا واللهو ففاعل هذه الافعال كلها مفسد للايمان خارج منه من جهة ركوبه الكبيرة على هذه الجهة، غير مشرك ولا كافر ولا ضال، جاهل على ما وصفناه من جهة الجهالة. فإن هو مال بهواه إلى أنواع ما وصفناه من حد الفاعلين كان من صنفه.

* (جوابه عليه‌السلام عن جهات معائش العباد ووجوه اخراج الاموال) *

سأله سائل، فقال: كم جهات معائش العباد التي فيها الاكتساب [ أ ] والتعامل بينهم ووجوه النفقات؟ فقالعليه‌السلام : جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات من المعاملات.

فقال له: أكل هؤلاء الاربعة الاجناس حلال، أو كلها حرام، أو بعضها حلال وبعضها حرام؟ فقالعليه‌السلام : قد يكون في هؤلاء الاجناس الاربعة حلال من جهة، حرام من جهة.

وهذه الاجناس مسميات معروفات الجهات فأول هذه الجهات الاربعة الولاية وتولية بعضهم على بعض فلاول ولاية الولاة وولاة الولاة إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه. ثم التجارة في جميع البيع والشراء بعضهم من بعض. ثم الصناعات في جميع صنوفها. ثم الاجارات في كل ما يحتاج إليه من الاجارات وكل هذه الصنوف تكون حلالا من جهة وحراما من

٣٣١

جهة.

والفرض من الله على العباد في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال منها والعمل بذلك الحلال واجتناب جهات الحرام منها.

* (تفسير معنى الولايات) *

وهي جهتان، فإحدى الجهتين من الولاية ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم على الناس وولاية ولاته وولاة ولاته إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه.

والجهة الاخرى من الولاية ولاية ولاة الجور وولاة ولاته إلى أدناهم بابا من الابواب التي هو وال عليه.

فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته وولاية ولاته وولاة ولاته بجهة ما أمر الله به الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل الله به ولا نقصان منه ولا تحريف لوقوله ولا تعد لامره إلى غيره فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له والعمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محلل، وحلال الكسب معهم وذلك أن في ولاية والي العدل وولاته إحياء كل حق وكل عدل وإماتة كل ظلم وجور وفساد فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ساعيا إلى طاعة الله مقويا لدينه.

وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته، الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه. والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام ومحرم، معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير، لان كل شئ من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر وذلك أن في ولاية الوالي الجائر دوس الحق كله(١) وإحياء الباطل كله. وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الانبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه. فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة.

* (تفسير التجارات) *

في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له.

وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز له فكل

____________________

(١) داس الشئ: وطئه برجله.

٣٣٢

مأمور به مما هو غذاء للعباد وقوامهم به في امورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون من جهة ملكهم ويجوز لهم الاستعمال له من جميع جهات المنافع التي لا يقيمهم غيرها من كل شئ يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه وشراؤه و إمساكه واستعماله وهبته وعاريته.

واما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله وشربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شئ يكون فيه وجه من وجوه الفساد نظير البيع بالربا، لما في ذلك من الفساد، أو البيع للميتة، أو الدم، أو لحم الخنزير، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش، أو الطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شئ من وجوه النجس، فهذا كله حرام ومحرم، لان ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه بوجه من الوجوه لما فيه من الفساد، فجميع تقلبه في ذلك حرام وكذلك كل بيع ملهو به وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله، أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب من الابواب يقوى به باب من أبواب الضلالة، أو باب من أبواب الباطل، أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم، حرام بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه إلا في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك.

* (تفسير الاجارات) *

فإجارة الانسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الاجارات أن يوجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع، أو العمل بنفسه وولده ومملوكه، أو أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي، أو واليا للوالي فلا بأس أن يكون أجيرا يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجارته، لانهم وكلاء الاجير من عنده ليس هم بولاة الوالي(١) نظير الحمال الذي يحمل شيئا بشئ معلوم إلى موضع معلوم، فيحمل ذلك الشئ

____________________

(١) في بعض النسخ [ بولاء الوالى ].

٣٣٣

الذي يجوز له حمله بنفسه أو بملكه أو دابته أو يؤاجر(١) نفسه في عمل يعمل ذلك العمل بنفسه أو بمملوكه أو قرابته أو بأجير من قبله، فهذه وجوه من وجوه الاجارات حلال لمن كان من الناس ملكا أو سوقة(٢) أو كافرا أو مؤمنا، فحلال إجارته وحلال كسبه من هذه الوجوه.

فاما وجوه الحرام من وجوه الاجارة نظير أن يؤاجر نفسه على حمل ما يحرم عليه أكله أو شربه أو لبسه أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشئ أو حفظه أو لبسه أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا أو قتل النفس بغير حل أو حمل التصاوير والاصنام والمزامير والبرابط والخمر والخنازير والميتة والدم أو شئ من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الاجارة فيه وكل أمر منهي عنه من جهة من الجهات فمحرم على الانسان إجارة نفسه فيه أوله أو شئ منه أوله إلا لمنفعة من استأجرته كالذي يستأجر الاجير يحمل له الميتة ينجيها عن أذاه أو أذى غيره وما أشبه ذلك والفرق بين معنى الولاية والاجارة وإن كان كلاهما يعملان بأجر: أن معنى الولاية أن يلي الانسان لوالي الولاة أو لولاة الولاة فيلي أمر غيره في التولية عليه وتسليطه وجواز أمره ونهيه وقيامه مقام الولي إلى الرئيس، أو مقام وكلائه في أمره وتوكيده في معونته وتسديد ولايته وإن كان أدناهم ولاية، فهو وال على من هو وال عليه يجري مجرى الولاة الكبار الذين يلون ولاية الناس في قتلهم من قتلوا وإظهار الجور والفساد.

وأما معنى الاجارة فعلى ما فسرنا من إجارة الانسان نفسه أو ما يملكه من قبل أن يؤاجر [ ا ] لشئ من غيره فهو يملك يمينه لانه لا يلي أمر نفسه وأمر ما يملك قبل أن يؤاجره ممن هو آجره.

والوالي لا يملك من امور الناس شيئا إلا بعدما يلي امورهم ويملك توليتهم(٣) . وكل من آجر نفسه، أو آجر ما يملك نفسه، أو يلي أمره من كافر

____________________

(١) آجر الرجل مؤاجرة: اتخذه أجيرا.

(٢) السوقة بالضم: الرعية ومن دون الملك وهى للواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

(٣) والحاصل ان الفرق بين الاجارة والولاية ان متعلق الاجارة لابد وأن يكون مما يملكه الانسان ويسلط عليه قبل الاجارة بخلاف الولاية فان الانسان لا يسلط عليه قبل الولاية وإن كان العبارة قاصرة عنه ولعل فيها حذف وإسقاط.

٣٣٤

أو مؤمن أو ملك أو سوقة(١) على ما فسرنا مما تجوز إلاجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه.

* (تفسير الصناعات) *

فكل ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم من صنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة(٢) والسراجة والبناء والحياكة والقصارة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد التي منها منافعهم وبها قوامهم وفيها بلغة جميع حوائجهم فحلال فعله وتعليمه والعمل به وفيه لنفسه أو لغيره وإن كانت تلك الصناعة وتلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد و وجوه المعاصي ويكون معونة على الحق والباطل، فلا بأس بصناعته وتعليمه نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد من تقوية معونة ولاة ولاة الجور(٣) .

وكذلك السكين والسيف والرمح والقوس وغير ذلك من وجوه الآلة التي قد تصرف إلى جهات الصلاح وجهات الفساد وتكون آلة ومعونة عليهما، فلا بأس بتعليمه وتعلمه وأخذ الاجر عليه وفيه والعمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق ومحرم عليهم فيه تصريفه إلى جهات الفساد والمضار: فليس على العالم والمتعلم إثم ولا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم به وبقائهم. وإنما الاثم والوزر على المتصرف بها في وجوه الفساد والحرام وذلك إنما حرم الله الصناعة التي حرام هي كلها التي يجيئ منها الفساد محضا نظير البرابط(٤) والمزامير والشطرنج وكل ملهو به والصلبان(٥) والاصنام. وما أشبه ذلك من صناعات الاشربة الحرام وما يكون منه وفيه الفساد

____________________

(١) السوقة: الرعية من الناس. واوى.

(٢) الصياغة: حرفة الصائغ: وهو الذى كان حرفته معالجة الذهب والفضة ونحوهما ويصوغ الحلى. والسراجة: حرفة السراج. والحياكة: صناعة نسج الثوب.

والقصارة: حرفة القصار أى مبيض الثوب ونحوه.

(٣) في بعض النسخ [ من وجوه الفساد تقوية ومعونة لولاة الجور ].

(٤) البربط - كجعفر -: آلة من المعازف وهى العود والمزمر وقيل: شئ من ملاهى العجم يشبه صرد البط معرب بربط أى صدر البط. لان الصدر يقال له بالفارسية: برو الضارب يضعه على صدره والجمع برابط.

والمزمار: آلة التى يزمر فيها أى ينفخ فيها بالتغنى والجمع مزامير.

(٥) الصلبان: جمع صليب.

٣٣٥

محضا.

ولا يكون فيه ولا منه شئ من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الاجر عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها إلا إن تكون صناعة قد تنصرف إلى جهات الصنائع(١) ، وإن كان قد يتصرف بها ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي، فلعله لما فيه من الصلاح حل تعلمه وتعليمه والعمل به ويحرم على من صرفه إلى غير وجه الحق والصلاح. فهذا تفسير بيان وجه اكتساب معائش العباد وتعليمهم في جميع وجوه اكتسابهم.

* (وجوه اخراج الاموال وانفاقها) *

أما الوجوه التي فيها إخراج الاموال في جميع وجوه الحلال المفترض عليهم وجوه النوافل كلها، فأربعة وعشرون وجها، منها سبعة وجوه على خاصة نفسه، وخمسة وجوه على من تلزمه نفسه.

وثلاثة وجوه مما تلزمه فيها من وجوه الدين.

وخمسة وجوه مما تلزمه فيها من وجوه الصلات.

وأربعة أوجه مما تلزمه فيها النفقة من وجوه اصطناع المعروف.

فأما الوجوه التي تلزمه فيها: النفقة على خاصة نفسه فهي مطعمه ومشربه و ملبسه ومنكحه ومخدمه وعطاؤه فيما يحتاج إليه من الاجراء على مرمة متاعه أو حمله أو حفظه، وشئ يحتاج إليه من نحو منزله أو آلة من الآلات يستعين بها على حوائجه.

وأما الوجوه الخمس التي تجب عليه النفقة لمن تلزمه نفسه فعلى ولده ووالديه وامرأته ومملوكه لازم له ذلك في حال العسر واليسر.

وأما الوجوه الثلاثة المفروضة من وجوه الدين فالزكاة المفروضة الواجبة في كل عام والحج المفروض والجهاد في إبانه وزمانه(٢) .

وأما الوجوه الخمس من وجوه الصلات النوافل فصلة من فوقه وصلة القرابة وصلة المؤمنين والتنفل في وجوه الصدقة والبر والعتق.

____________________

(١) أى الصانع المحللة.

(٢) الابان - بكسر فتشديد -: الوقت والحين.

٣٣٦

وأما الوجوه الاربع فقضاء الدين والعارية والقرض وإقراء الضيف(١) واجبات في السنة.

*(ما يحل للانسان أكله) *

فأما ما يحل ويجوز للانسان أكله مما أخرجت الارض فثلاثة صنوف من الاغذية صنف منها جميع الحب كله من الحنطة والشعير والارز(٢) والحمص وغير ذلك من صنوف الحب وصنوف السماسم(٣) وغيرها.

كل شئ من الحب مما يكون فيه غذاء الانسان في بدنه وقوته فحلال أكله وكل شئ تكون فيه المضرة على الانسان في بدنه فحرام أكله إلا في حال الضرورة.

والصنف الثاني مما أخرجت الارض من جميع صنوف الثمار كلها مما يكون فيه غذاء الانسان ومنفعة له وقوته به فحلال أكله، وما كان فيه المضرة على الانسان في أكله فحرام أكله.

والصنف الثالث جميع صنوف البقول والنبات وكل شئ تنبت الارض من البقول كلها مما فيه منافع الانسان وغذاء له فحلال أكله. وما كان من صنوف البقول مما فيه المضرة على الانسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة ونظير الدفلى(٤) وغير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله.

* (وأما ما يحل أكله من لحوم الحيوان) *

فلحوم البقر والغنم والابل وما يحل لحوم الوحش وكل ما ليس فيه ناب و لا له مخلب.

وما يحل من أكل لحوم الطير كلها ما كانت له قانصة(٥) فحلال أكله و ما لم يكن له قانصة فحرام أكله. ولا بأس بأكل صنوف الجراد.

____________________

(١) إقراء الضيف: إكرامه.

(٢) حب معروف يقال له بالفارسية: (برنج).

(٣) السمسم - بكسر المهملتين - نبات يستخرج من حبه السيرج.

(٤) الدفلى - بكسر الاول وفتح اللام - نبت زهره اعتياديا كالورد الاحمر وحمله كالخرنوب: يقال له بالفارسية. (خرزهره).

(٥) القانصة مر معناها ص ١٠٥.

٣٣٧

* (وأما ما يجوز أكله من البيض) *

فكل ما اختلف طرفاه فحلال أكله وما استوى طرفاه فحرام أكله.

* (وما يجوز أكله من صيد البحر) *

من صنوف السمك ما كان له قشور فحلال أكله وما لم يكن له قشور فحرام أكله.

* (وما يجوز من الاشربة) *

من جميع صنوفها فما لا يغير العقل كثيره فلا بأس بشربه. وكل شئ منها يغير العقل كثيرة فالقليل منه حرام.

* (وما يجوز من اللباس) *

فكل ما أنبتت الارض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه وكل شئ يحل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه وصوفه وشعره ووبره وإن كان الصوف والشعر والريش والوبر من الميتة وغير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك والصلاة فيه وكل شئ يكون غذاء الانسان في مطعمه ومشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما كان من نبات الارض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا، فإذا صار غزلا فلا تجوز الصلاة عليه إلا في حال ضرورة.

* (أما ما يجوز من المناكح) *

فأربعة وجوه: نكاح بميراث. ونكاح بغير ميراث. ونكاح اليمين. ونكاح بتحليل من المحلل له من ملك من يملك(١) .

وأما ما يجوز من الملك والخدمة فستة وجوه: ملك الغنيمة. وملك الشراء وملك الميراث. وملك الهبة. وملك العارية. وملك الاجر.

فهذه وجوه ما يحل وما يجوز للانسان إنفاق ماله وإخراجه بجهة الحلال في وجوهه وما يجوز فيه التصرف والتقلب من وجوه الفريضة والنافلة.

__________________________________

(١) اراد بالاول النكاح بعقد الدائم. وبالثانى بعقد الانقطاع. وبالثالث المملوكة بتملك عينها. والرابع المملوكة بتملك منفعتها.

٣٣٨

* (رسالته عليه‌السلام في الغنائم ووجوب الخمس) *

فهمت ما ذكرت أنك اهتممت به من العلم بوجوه مواضع ما لله فيه رضى وكيف امسك سهم ذي القربى منه. وما سألتني من إعلامك ذلك كله فاسمع بقلبك وانظر بعقلك. ثم أعط في جنبك النصف من نفسك(١) ، فإنه أسلم لك غدا عند ربك المتقدم أمره ونهيه إليك. وفقنا الله وإياك.

اعلم أن الله ربي وربك ما غاب عن شئ وما كان ربك نسيا وما فرط في الكتاب من شئ. وكل شئ فصله تفصيلا. وأنه ليس ما وضح الله تبارك وتعالى من أخذ ماله بأوضح مما أوضح الله من قسمته إياه في سبله، لانه لم يفترض من ذلك شيئا في شئ من القرآن إلا وقد أتبعه بسبله إياه غير مفرق بينه وبينه. يوجبه لمن فرض له مالا يزول عنه من القسم كما يزول ما بقي سواه(٢) عمن سمي له لانه يزول عن الشيخ بكبره والمسكين بغناه وابن السبيل بلحوقه ببلده. ومع توكيد الحج مع ذلك بالامر به تعليما وبالنهي عما ركب ممن منعه تحرجا(٣) . فقال الله عزوجل في الصدقات - وكانت أول ما افترض الله سبله -: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل(٤) فالله أعلم نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله موضع الصدقات وأنها ليست لغير هؤلاء، يضعها حيث يشاء منهم على ما يشاء. ويكف الله جل جلاله نبيه وأقرباء‌ه عن صدقات الناس وأوساخهم، فهذا سبيل الصدقات. وأما المغانم(٥) ، فإنه لما كان يوم بدر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قتل قتيلا فله كذا وكذا. ومن أسر أسيرا فله من غنائم القوم كذا وكذا. فإن الله قد وعدني أن

____________________

(١) النصف - بالكسر وقد تثلث -: الانصاف والعدل.

(٢) القسم - بالفتح -: مصدر قسم يقسم كضرب يضرب. وما بقى سواه أى سوى القسم.

والمراد ان موارد القسمة كلى لا يزول وثابت دائما بخلاف غيره فانه جزئى يزول بزوال اسمه.

(٣) في الكلام حذف ولعل المراد المحرم المصدد والمحصور. والتحرج: تجنب الحرج أى الاثم.

(٤) سورة التوبة آية ٦٠.

(٥) المغانم: جمع مغنم أى الغنيمة.

٣٣٩

يفتح علي وأنعمني عسكرهم. فلما هزم الله المشركين وجمعت غنائمهم قام رجل من الانصار فقال: يا رسول الله إنك أمرتنا بقتال المشركين وحثثتنا عليه وقلت: من أسر أسيرا فله كذا وكذا من غنائم القوم. ومن قتل قتيلا فله كذا وكذا. إني قتلت قتيلين - لي بذلك البينة - وأسرت أسيرا فأعطنا ما أوجبت على نفسك يا رسول الله، ثم جلس.

فقام سعد بن عبادة(١) فقال: يا رسول الله ما منعنا أن نصيب مثل ما أصابوا جبن عن العدو ولا زهادة في الآخرة والمغنم(٢) . ولكنا تخوفنا أن بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند المشركين، أو يصيبوا منك ضيعة(٣) فيميلوا إليك فيصيبوك بمصيبة. وإنك إن تعط هؤلاء القوم ما طلبوا يرجع سائر المسلمين ليس لهم من الغنيمة شئ، ثم جلس.

فقام الانصاري فقال مثل مقالته الاولى، ثم جلس.

يقول ذلك كل واحد منهما ثلاث مرات: فصد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بوجهه فأنزل الله عزوجل يسألونك عن الانفال(٤) . والانفال اسم جامع لما أصابوا يومئذ مثل قوله:( وَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى

____________________

(١) كان سعد بن عبادة أنصاريا خزرجيا من الصحابة، أحد النقباء في ليلة العقبة، صاحب راية الانصار يوم بدر وأمير المؤمنينعليه‌السلام صاحب لواء المهاجرين، وكان سعد سيدا وجيها جوادا له سيادة ورئاسة يعترف له قومه بها. وهو الذى تخلف عن بيعة أبي بكر وخرج من المدينة ولم يرجع اليها إلى أن قتل بحوران من أرض الشام في خلافة أبى بكر وقيل في خلافة عمر. وابنه قيس بن سعد كان من أصحاب أمير المؤمنين وابنه أبى محمد الحسنعليهما‌السلام . وأراد معاوية أن يخدعه ليخذل الحسنعليه‌السلام فلم يمكن له ويئس منه.

(٢) جبن فاعل لقوله: منعنا أى ما منعنا جبن عن العدو ولا زهادة.

(٣) الضيعة - بالكسر -: التلف والهلاك. وأيضا: الفقد. - وبالفتح -: المرة من ضاع.

(٤) سورة الانفال آية ١. والانفال: جمع نفل - بالتحريك -: الزيادة والغنيمة من نفل الرجل - كنصر -: أعطاه نافلة من المعروف مما لا يريد ثوابه منه. والانفال: ما زاده الله هذه الامة في الحلال. وأفاء الله: جعله فيئا: والفيئ: الغنيمة والظل. وأصله بمعنى الرجوع فكان في معنى الغنيمة والظل معنى الرجوع أيضا. وقيل: المال الماخوذ من الكفار ينقسم إلى ما يحصل من غير قتال وايجاف خيل ولا ركاب وإلى ما حصل بذلك ويسمى الاول فيئا والثانى غنيمة.

٣٤٠