تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 183088
تحميل: 11478

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183088 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

والمرأة. وذو السهم أحق ممن لا سهم له وليست العصبة من دين الله(١) . والعقيقة عن المولود الذكر والانثى يوم السابع. ويحلق رأسه يوم السابع. ويسمى يوم السابع. ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة يوم السابع. وأن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير، لا خلق تكوين. ولا تقل بالجبر ولا بالتفويض، ولا يأخذ الله عزوجل البرئ بجرم السقيم، ولا يعذب الله الابناء والاطفال بذنوب الآباء وإنه قال:( ولا تزر وازرة وزر اخرى ) (٢) .( وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ) (٣) والله يغفر ولا يظلم. ولا يفرض الله على العباد طاعة من يعلم أنه يظلمهم و يغويهم. ولا يختار لرسالته ويصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر ويعبد الشيطان من دونه. وأن الاسلام غير الايمان. وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا. لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. ولا يشرب الشارب حين يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يقتل النفس التي حرم الله بغير الحق وهو مؤمن. وأصحاب الحدود لا بمؤمنين ولا بكافرين(٤) . وأن الله لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة والخلود فيها ومن وجبت له النار بنفاق أو فسق أو كبيرة من الكبائر لم يبعث مع المؤمنين ولا منهم. ولا تحيط جهنم إلا بالكافرين. وكل إثم دخل صاحبه بلزومه النار فهو فاسق(٥) . ومن أشرك، أو كفر، أو نافق، أو أتى كبيرة من الكبائر.(٦) والشفاعة جائزة للمستشفعين. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واجب.

____________________

(١) العصبة - بالتحريك -: اقرباء الرجل لانهم عصبوا به أى أحاطوا به فالاب طرف والابن طرف وكذلك الاخ والعم وغيرهم والمراد هنا الذين يرثون الرجل على تقدير زيادة السهام عن الورثة فالامامية قالوا ببطلانه لعموم آية واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض واجماع اهل البيت فيرد فاضل الفريضة على البنت والبنات والاخت والاخوات.

(٢) سورة الانعام آية ١٦٤. وسورة الاسرى آية ١٦. وسورة الفاطر آية ١٦. وسورة الزمر آية ٦.

وسورة النجم آية ٣٩ هكذا ألا تزر وازرة وزرا اخرى

(٣) سورة النجم آية ٤٠.

(٤) أى أنهم مسلمون. لا بمؤمنين ولا بكافرين كما في العيون.

(٥) كذا. والصحيح فهو فسق وهو من النساخ.

(٦) كذا. والظاهر ان خبر من محذوف. أو ساقط من قلم النساخ.

٤٢١

والايمان أداء الفرائض واجتناب المحارم. والايمان هو معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالاركان. والتكبير في الاضحى خلف عشر صلوات يبتدأ من صلاة الظهر من يوم النحر وفي الفطر في خمس صلوات يبتدأ بصلاة المغرب من ليلة الفطر. والنفساء تقعد عشرين يوما لا أكثر منها(١) فإن طهرت قبل ذلك صلت وإلا فإلى عشرين يوما، ثم تغتسل وتصلي وتعمل عمل المستحاضة. ويؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير. والبعث بعد الموت. والحساب. والميزان والصراط. والبراء‌ة من أئمة الضلال وأتباعهم. والموالات لاولياء الله(٢) وتحريم الخمر قليلها وكثيرها. وكل مسكر خمر. وكل ما أسكر كثيره فقليله حرام. والمضطر لا يشرب الخمر فإنها تقتله. وتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. وتحريم الطحال فإنه دم. والجري والطافي والمارماهي والزمير(٣) وكل شئ لا يكون له قشور. ومن الطير ما لا تكون له قانصة(٤) ومن البيض كل ما اختلف طرفاه فحلال أكله وما استوى طرفاه فحرام أكله. واجتناب الكبائر، وهي قتل النفس التي حرم الله، وشرب الخمر. وعقوق الوالدين. والفرار من الزحف.(٥) وأكل مال اليتامى ظلما. وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما اهل به لغير الله من غير ضرورة به. وأكل الربا والسحت بعد البينة. والميسر. والبخس في الميزان والمكيال. وقذف المحصنات. والزنا. واللواط. والشهادات الزور. واليأس من روح الله. والامن من مكر الله.

____________________

(١) في العيون [ والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما ].

(٢) زاد هنا في العيون نحوا من ثلاث وثلاثين سطرا.

(٣) الجرى - كذمى -: سمك طويل املس ليس له عظم إلا عظم الرأس والسلسلة وليس عليه فصوص. والطافى: سمك يموت في الماء فيعلو ويظهر، من طفا يطفو: علا فوق الماء ولم يرسب والزمير - كسكيت -: سمك له شوك ناتئ على ظهره، قيل: أكثر ما يكون في المياه العذبة.

وفي بعض النسخ [ الزمار ].

(٤) مر معناها في ص ١٠٥.

(٥) الزحف: الجيش يزحفون إلى العدو.

٤٢٢

والقنوط من رحمة الله. ومعاونة الظالمين والركون إليهم. واليمين الغموس(١) . وحبس الحقوق من غير عسر. والكبر. والكفر. والاسراف. والتبذير. والخيانة وكتمان الشهادة والملاهي التي تصد عن ذكر الله مثل الغناء وضرب الاوتار. والاصرار على الصغاير من الذنوب. فهذا اصول الدين.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليما.

* (ومن كلامه عليه‌السلام في التوحيد) *

سأله عمران الصابي في مجلس كبير جمع له المأمون فيه متكلمي الملل كلهم المخالفين للاسلام فخصم جميعهم(٢) - والخبر طويل والمجلس مشهور ذكرنا منه ما اقتضاه الكتاب -(٣) .

قال له عمران الصابي: أخبرني نوحد الله بحقيقة أم نوحده بوصف(٤) ؟ فقال له الرضاعليه‌السلام : إن النور البدئ(٥) الواحد الكون الاول واحد لا شريك

____________________

(١) اليمين الغموس - بفتح الغين -: اليمين الكاذبة التى يتعمدها صاحبها لانها تغمس صاحبها في الاثم.

(٢) أى غلبهم في الخصومة.

(٣) روى الصدوق هذه الرواية بتمامها في كتاب عيون أخبار الرضاعليه‌السلام وهى من مناظراته و احتجاجاته على ارباب الملل المختلفة وذوى الاراء التافهة كجاثليق من رؤساء النصارى، ورأس الجالوت من رؤساء اليهود وهريذ الاكبر من رؤساء المجوس وعمران الصابى من رؤساء الصابئين وهى مشتملة على اسئلة القوم وأجوبة الرضاعليه‌السلام وقد طال المجلس في احتجاجه على عمران حتى جاء وقت الصلاة فقام الرضاعليه‌السلام للصلاة فلما صلى عاد إلى مجلسه ودعا بعمران أن يسأله ما شاء فشرع عمران بالسؤال عن بقية شبهاته وأجاب الرضاعليه‌السلام كلها فأسلم عمران في آخر المجلس واستشهد الشهادتين وقد ذكر في هذا الكتاب بعض الشبهات وأجوبتها مختصرا وموجزا ونحن نوردها بتمامها مع شرحها لبعض اساتيدنا المحققين في اخر هذا الكتاب ومن شاء فليراجع هناك.

(٤) في العيون [ يوحد ] في الموضعين. وفي بعض نسخه [ يوجد ] بالجيم في الموضعين أيضا.

(٥) البدئ: كبديع لفظا ومعنى. وفي العيون [ ان الله المبدئ ].

٤٢٣

له ولا شئ معه(١) ، فرد لا ثاني معه.

ولا معلوم - ولا مجهول -(٢) ولا محكم ولا متشابه ولا مذكور ولا منسا(٣) ولا شئ يقع عليه اسم شئ من الاشياء(٤) كلها.

فكان البدئ قائما بنفسه، نور غني مستغن عن غيره، لا من وقت كان ولا إلى وقت يكون. ولا على شئ قام ولا إلى شئ استتر(٥) . ولا في شئ استكن. ولا يدرك القائل مقالا إذا خطر بباله ضوء أو مثال أو شبح أو ظل.

وذلك كله قبل الخلق في الحال التي لا شئ فيها غيره(٦) والحال أيضا فيهذا الموضع، فإنما هي صفات محدثة وترجمة من متوهم ليفهم.

أفهمت يا عمران؟ قال: نعم.

قال الرضا:عليه‌السلام : إعلم أن التوهم والمشيئة والارادة معناها واحد واسماؤها ثلاثة وكان أول توهمه وإرادته ومشيئته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ و فاصلا لكل مشكل ولم يجعل في توهمه معنى غير أنفسها متناهي ولا وجود لانها متوهمة بالتوهم، والله سابق التوهم، لانه ليس قبله شئ ولا كان معه شئ. والتوهم سابق للحروف فكانت الحروف محدثة بالتوهم وكان التوهم وليس قبل الله مذهب والتوهم من الله غير الله ولذلك صار فعل كل شئ غيره وحد كل شئ غيره وصفة كل شئ غير الموصوف وحد كل شئ غير المحدود. وذلك لان الحروف إنما هي مقطعة قائمة برؤوسها لا تدل غير نفوسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا كانت تدل على غيرها من أسماء وصفات. واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود. والاسماء والصفات كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الاحاطة كما تدل

____________________

(١) في العيون [ الكائن الاول لم يزل واحدا لا شئ معه ].

(٢) لا معلوم عندنا من جهة الذات فنعرف حيقته. ولا مجهول عندنا بحيث لا نعرف وجوده.

(٣) في العيون [ ولا منسيا ] (٤) في العيون [ من الاشياء غيره ].

(٥) في العيون [ ولا بشئ قام ولا إلى شئ يقوم ولا إلى شئ استند ].

(٦) في العيون [ وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره وما أوقعت عليه من الكل فهى صفات مستحدثة وترجمة يفهم بها من فهم ].

٤٢٤

على الوجود الذي هو التربيع والتدوير والتثليث لان الله يدرك بالاسماء و الصفات ولا يدرك بالتحديد. فليس ينزل بالله شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه معرفتهم لانفسهم، ولو كانت صفاته لا تدل عليه واسماؤه لا تدعو إليه لكانت العبادة من الخلق لاسمائه وصفاته دون معناه ولو كان كذلك لكان المعبود الواحد غير الله لان صفاته غيره.

قال له عمران: أخبرني عن التوهم خلق هو(١) أم غير خلق؟ قال الرضاعليه‌السلام : بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقا، لانه شئ محدث، الله الذي أحدثه، فلما سمي شيئا صار خلقا. وإنما هو الله وخلقه لا ثالث غيرهما وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها وكل ما وقع عليه اسم شئ فهو خلق.

* (ومن كلامه عليه‌السلام في الاصطفاء) * (٢)

لما حضر علي بن موسىعليهما‌السلام مجلس المأمون(٣) وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان.

فقال المأمون:( أخبروني عن معنى هذه الآية ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) (٤) - الآية - ؟ فقالت العلماء: أراد الله الامة كلها.

فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضاعليه‌السلام : لا أقول كما قالوا ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرةعليهم‌السلام .

فقال المأمون: وكيف عنى العترة دون الامة؟.

فقال الرضاعليه‌السلام : لو أراد الامة لكانت بأجمعها في الجنة، لقول الله:( فمنهم ظالم

____________________

(١) في العيون [ الا تخبرنى عن الابداع خلق هو أم غير خلق ].

(٢) رواه الصدوق في المجالس والعيون مع اختلاف أشرنا إلى بعضها.

(٣) في العيون [ بمرو ].

(٤) سورة فاطر آية ٢٩.

٤٢٥

لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) (١) . ثم جعلهم كلهم في الجنة(٢) فقال عزوجل:( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) (٣) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.

ثم قال الرضاعليه‌السلام (٤) هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال:( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (٥) . وهم الذين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي - أهل بيتي - لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. انظروا كيف تخلفوني فيهما، يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل؟ فقال الرضاعليه‌السلام : هم الآل.

فقالت العلماء: فهذا رسول الله يؤثر عنه(٦) أنه قال: امتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه: آل محمد امته

فقال الرضاعليه‌السلام : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد؟.

قالوا: نعم.

قالعليه‌السلام : فتحرم على الامة؟ قالوا: لا.

قالعليه‌السلام : هذا فرق بين الآل وبين الامة. ويحكم أين يذهب بكم أصرفتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون ؟ ! أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر(٧) على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟ ! قالوا: من أين قلت يا أبا الحسن؟ قالعليه‌السلام : من قول الله:( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَ إِبْرَاهِيمَ وَ جَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْکِتَابَ

____________________

(١) سورة فاطر آية ٢٩.

(٢) في العيون. [ ثم جمعهم كلهم في الجنة ].

(٣) سورة فاطر آية ٣٠. وزاد وفي العيون [ يحلون فيها من اساور من ذهب ].

(٤) في العيون [ فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟ فقال الرضاعليه‌السلام : هم الخ ].

(٥) سورة الاحزاب آية ٣٣.

(٦) أى ينقل عنه، يقال أثر الحديث من بابى - ضرب ونصر -: نقله.

(٧) العيون [ انما وقعت الوراثة والطهارة ].

٤٢٦

فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ کَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ‌ ) (١) فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين، أما علمتم أن نوحا سأل ربه؟ فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق(٢) وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله، فقال له ربه تبارك وتعالى:( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) (٣)

فقال المأمون: فهل فضل الله العترة على سائر الناس؟(٤) .

فقال الرضاعليه‌السلام : إن الله العزيز الجبار فضل العترة(٥) على سائر الناس في محكم كتابه.

قال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟ قال الرضاعليه‌السلام : في قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‌ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) (٦) وقال الله في موضع آخر:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْکِتَابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ آتَيْنَاهُمْ مُلْکاً عَظِيماً ) (٧) ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْکُمْ ) (٨) يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة(٩) وحسدوا عليهما بقوله: أم يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين والملك ههنا الطاعة لهم.

____________________

(١) سورة الحديد آية ٢٦.

(٢) سورة هود آية ٤٥. وزاد في العيون بقية الاية: [ وأنت أحكم الحاكمين ].

(٣) سورة هود آية ٤٦.

(٤) في العيون [ في محكم كتابه ].

(٥) في العيون [ إن الله عزوجل قد أبان فضل العترة ].

(٦) سورة آل عمران آية ٣٢.

(٧) النساء آية ٥٧.

(٨) النساء آية ٥٩.

(٩) في العيون [ يعنى الذين قرنهم بالكتاب والحكمة ].

٤٢٧

قالت العلماء: هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضاعليه‌السلام : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا.

فأول ذلك قول الله:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) - ورهطك المخلصين هكذا في قراء‌ة ابي بن كعب(٢) وهي ثابتة في مصحف عبدالله بن مسعود(٣) فلما أمر عثمان

____________________

(١) سورة الشعراء آية ٢١٤.

(٢) هو أبى بن كعب بن قيس الانصارى الخزرجى المكنى بأبى المنذر ويكنى أيضا بأبى الطفيل من فضلاء الصحابة، سيد القراء وكان يكتب الوحى، شهد بدرا والعقبة مع السبعين وبايع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآخى بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وانه من الاثنى عشر الذين أنكروا على أبى بكر خلافته وارادوا تنزيله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانكر عليه تقدمه وجلوسه في جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك ولا تكن اول من عصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته واول من صدف عن امره ورد الحق إلى أهله تسلم ولا تتمادى في غيك تستندم وبادر بالانابة يخف وزرك ولا تخصص بهذا الامر الذى لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك فيسألك عما جئت وما ربك بظلام للعبيد.

ومات - رحمه الله - في زمن عمر، فقال عمر: مات اليوم سيد المسلمين.

(٣) هو أبوعبدالرحمن عبدالله بن مسعود بن عامل بن حبيب الهذلى جليل القدر كبير الشأن عظيم المنزلة كان من فقهاء الصحابة وأحد حفاظ القرآن، قرأ القرآن والسنة روى انه أخذ سبعين سورة من القرآن من في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبقيته من أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كان مع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الجن وانه صلى القبلتين وشهد بدرا واحدا والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشهد يرموك بعد النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعثه عمر إلى الكوفة ليقرء‌هم القرآن ويعلمهم الشرائع والاحكام فكتب إلى أهلها: إنى قد بعثت عمار بن ياسر أميرا وعبدالله بن مسعود معلما ووزيرا وهما من النجباء من أصحاب رسول الله من أهل بدر فاقتدوا بهما وأطيعوا واسمعوا قولهما وقد آثرتكم بعبدالله على نفسى فبث عبدالله فيهم علما كثيرا وفقه منهم جما غفيرا. وكان من الذين شهدوا جنازة أبى ذر وباشروا تجهيزه. وهو من المعروفين بولاية أهل البيت وشهد الصلاة على فاطمة عليها السلام ودفنها. وكان من الذين أنكروا على أبى بكر خلافته. ونكيره على الثالث وما جرى عليه من الضرب والاهانة مسطور في السير والتواريخ. مات سنة ٣٢ وصلى عليه الزبير بن العوام ودفن بالبقيع، وله أخ يقال له: عتبة بن مسعود كان قديم الاسلام ولكن لم يرو عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله . ومات في خلافة عمر.

٤٢٨

زيد بن ثابت(١) أن يجمع القرآن خنس هذه الآية(٢) وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة.

والآية الثانية في الاصطفاء قول الله: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند لانه فضل بين(٣) .

والآية الثالثة حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الابتهال فقال:( قل - يا محمد -تعالوا ندع أبناء‌نا وأبناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (٤) فأبرز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا والحسن والحسين وفاطمةعليهم‌السلام فقرن أنفسهم بنفسه. فهل تدرون ما معنى قوله: وأنفسنا وأنفسكم؟ قالت العلماء: عنى به نفسه.

قال أبوالحسنعليه‌السلام : غلطتم، إنما عنى به علياعليه‌السلام .

ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال: لينتهين بنو وليعة(٥) أو لابعثن إليهم رجلا كنفسي يعني علياعليه‌السلام (٦) . فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد. وفضل لا يختلف فيه بشر.

و شرف لا يسبقه إليه خلق(٧) ، إذ جعل نفس عليعليه‌السلام كنفسه فهذه الثالثة.

____________________

(١) هو أبوخارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الاشعرى الانصارى كاتب النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله أخو بريد بن ثاتب سمع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وعمره حين قدم المدينة إحدى عشرة سنة وكان يوم بغاث إبن ست سنين وفيها قتل أبوه ثابت بن الضحاك. واستصغره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر وشهد أحدا وقيل: لم يشهدها وانما شهد الخندق أول مشاهده. وكتب بعد النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله لابى بكر وعمر ورمى يوم اليمامة بسهم فلم يضره وقيل: جمع القرآن بأمر أبى بكر بعد مقتل أهل اليمامة وكان على بيت المال لعثمان وكان عثمانيا ولم يشهد مع علىعليه‌السلام شيئا من حروبه وان كان مقرا بفضله وتعظيمه وقد ورد أحاديث عنه في النص على الائمة الاثنى عشر. وهو الذى جمع عثمان الناس على قرائته. مات في خلافة معاوية وصلى عليه مروان.

(٢) خنس الشى - من بابى ضرب ونصر -: ستر. ومن قوله: أمر عثمان - إلى قوله -: وخنسه ليست في العيون.

(٣) في العيون [ لانه فضل بعد الطهارة تتنظر فهذه الثانية ].

(٤) سورة آل عمران آية ٥٨ وليس في القرآن كلمة يا محمد وهو تفسير وتوضيح منهعليه‌السلام .

(٥) بنو وليعة - كسفينة -: حى من كندة.

(٦) في العيون [ يعنى على بن أبى طالبعليه‌السلام وعنى بالابناء الحسن والحسينعليهما‌السلام وعنى بالنساء فاطمة عليها السلام ].

(٧) في العيون [ لا يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم اليه خلق ].

٤٢٩

وأما الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة حين تكلم الناس في ذلك، وتكلم العباس، فقال: يا رسول الله تركت عليا وأخرجتنا؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا تركته وأخرجتكم ولكن الله تركه وأخرجكم.

وفي هذا بيان قوله لعليعليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

قالت العلماء: فأين هذا من القرآن؟ قال أبوالحسنعليه‌السلام : أوجدكم في ذلك قرآنا أقرؤه عليكم، قالوا: هات.

قالعليه‌السلام : قول الله عزوجل:( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوء‌ا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ) (١) ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى وفيها أيضا منزلة عليعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال: إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد

فقالت العلماء: هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟.

قال أبوالحسنعليه‌السلام : ومن ينكر لنا ذلك ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد مدينة العلم(٢) فليأتها من بابها. ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند. ولله عزوجل الحمد على ذلك. فهذه الرابعة.

وأما الخامسة: فقول الله عزوجل::( وَ آتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) (٣) خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الامة.

فلما نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ادعوا لي فاطمة فدعوها له.

فقال: يا فاطمة.

قالت: لبيك يا رسول الله.

فقال: إن فدك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب(٤) وهي لي خاصة دون المسلمين.

وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك. فهذه الخامسة.

____________________

(١) سورة يونس آية ٨٧.

(٢) في العيون [ ومن أراد المدينة ].

(٣) سورة الاسرى آية ٢٨.

(٤) في العيون [ فقال: يا فاطمة ! قالت: لبيك يا رسول الله. قال: هذه فدك وهى مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ].

٤٣٠

وأما السادسة: فقول الله عزوجل:( قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) فهذه خصوصية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دون الانبياء وخصوصية للآل دون غيرهم. وذلك أن الله حكى عن الانبياء في ذكر نوحعليه‌السلام ( يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَ مَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَ لٰکِنِّي أَرَاکُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ‌ ) (٢) وحكى عن هودعليه‌السلام قال:( لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ) (٣)

وقال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى

ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلالة أبدا.

واخرى أن يكون الرجل وادا للرجل فيكون بعض أهل بيته عدوا له فلا يسلم قلب فأحب الله أن لا يكون في قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المؤمنين شئ. إذ فرض عليهم مودة ذي القربي، فمن أخذ بها وأحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحب أهل بيتهعليهم‌السلام لم يستطع رسول الله أن يبغضه. ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فعلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبغضه، لانه قد ترك فريضة من فرائض الله. وأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا(٤) . ولما أنزل الله هذه الآية على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه فلم يجبه أحد(٥) . فقام فيهم يوما ثانيا، فقال مثل ذلك. فلم يجبه أحد. فقام فيهم يوم الثالث، فقال: أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه فلم يجبه أحد.

فقال: أيها الناس إنه ليس ذهبا ولا فضة ولا مأكولا ولا مشروبا. قالوا:

____________________

(١) سورة الشورى آية ٢٢.

(٢) سورة هود آية ٣١.

(٣) سورة هود آية ٥٣.

(٤) في العيون [ يتقدم هذا أو يدانيه ].

(٥) في العيون ههنا [ فلم يجبه أحد فقال: أيها الناس انه ليس ذهبا ولا فضة الخ ].

٤٣١

فهات إذا؟ فتلا عليهم هذه الآية. فقالوا: أما هذا فنعم. فما وفى به أكثرهم(١) .

ثم قال أبوالحسنعليه‌السلام : حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه، عن الحسين بن عليعليهم‌السلام قال: اجتمع المهاجرون والانصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: إن لك يا رسول الله مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارا مأجورا، أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج. فأنزل الله عزوجل عليه الروح الامين فقال: يا محمد قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى لا تؤذوا قرابتي من بعدي، فخرجوا.

فقال اناس منهم(٢) : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلا شئ افتراه في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيما.

( فأنزل الله هذه الآية أم يقولون افتريه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم ) (٣) فبعث إليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هل من حدث؟ فقالوا:( إي والله يا رسول الله، لقد تكلم بعضنا كلاما عظيما [ ف‍ ] كرهناه، فتلا عليهم رسول الله فبكوا واشتد بكاؤهم، فأنزل الله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن

____________________

(١) وزاد في العيون [ وما بعث الله عزوجل نبيا الا أوحى اليه أن لا يسأل قومه أجرا لان الله عزوجل يوفيه أجر الانبياء. ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فرض الله عزوجل طاعته ومودة قرابته على امته وأمره أن يجعل أجره فيهم ليؤدوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذى اوجب الله عزوجل لهم فان المودة انما تكون على قدر معرفة الفضل فلما أوجب الله عزوجل ذلك ثقل ذلك لثقل وجوب الطاعة فتمسك بها قوم قد أخذ الله تعالى ميثاقهم على الوفاء وعاند أهل الشقاق والنفاق وألحدوا في ذلك فصرفوه عن حده الذى حده الله عزوجل فقالوا: القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته. فعلى أى الحالتين كان فقد علمنا أن المودة هى للقرابة. فاقربهم من النبى أولاهم بالمودة وكلما قربت القرابة كانت المودة للقرابة على قدرها وما انصفوا نبى اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حيطته ورأفته وما من الله به على امته مما تعجز الالسن عن وصف الشكر عليه ان لا يؤذوه في ذريته وأهل بيته وأن يجعلوهم فيهم بمنزلة العين من الرأس حفظا لرسول الله فيهم وحبا لهم، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو اليه والاخبار ثابتة بانهم أهل المودة والذين فرض الله مودتهم ووعد الجزاء عليها فما وفى أحد بها فهذه المودة لا يأتى بها أحد مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة لقول الله عز وجل في هذه الاية: والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير، ذلك الذى يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى مفسرا ومبينا ].

(٢) في العيون [ فقال المنافقون ].

(٣) سورة الاحقاف آية ٧.

٤٣٢

عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) (١) فهذه السادسة.

وأما السابعة فيقول الله:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) (٢) وقد علم المعاندون [ منهم ] أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله، قد عرفنا التسليم [ عليك ] فكيف الصلاة عليك؟ فقال: تقولون: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وهل بينكم معاشر الناس ! في هذا اختلاف؟ قالوا: لا.

فقال المأمون: هذا ما لا اختلاف فيه [ أصلا ] وعليه الاجماع فهل عندك في الآل شئ أوضح من هذا في القرآن؟ قال أبوالحسنعليه‌السلام : أخبروني عن قول الله:( يس * وَ الْقُرْآنِ الْحَکِيمِ * إِنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فمن عنى بقوله: يس؟ قال العلماء: يس محمد ليس فيه شك قال أبوالحسنعليه‌السلام : أعطى الله محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لم يبلغ أحد كنه وصفه لمن عقله وذلك أن الله لم يسلم على أحد إلا على الانبياء [ صلوات الله عليهم ] فقال تبارك وتعالى: سلام على نوح في العالمين(٣) وقال: سلام على إبراهيم(٤) وقال: سلام على موسى وهارون(٥) ولم يقل: سلام على آل نوح ولم يقل: سلام على آل إبراهيم ولا قال: سلام على آل موسى وهارون، وقال عزوجل: سلام على آل يس(٦) يعني آل محمد.

فقال المأمون: لقد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه. فهذه السابعة.

وأما الثامنة فقول الله عزوجل:( وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى ) (٧) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهذا فصل بين الآل والامة، لان الله جعلهم في حيز وجعل الناس كلهم في حيز دون

____________________

(١) سورة الشورى آية ٤٢.

(٢) سورة الاحزاب آية ٥٦.

(٣) سورة الصافات آية ٧٧.

أى سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح في العالمين من الملائكة والجن والانس.

(٤) السورة آية ١٠٩.

(٥) السورة آية ١٢٠.

(٦) السورة آية ١٣٠.

(٧) سورة الانفال آية ٤٢.

٤٣٣

ذلك ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه، وابتدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى في كل من كان الفيئ والغنيمة وغير ذلك مما رضيه عزوجل لنفسه ورضيه لهم فقال - وقوله الحق -: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى فهذا توكيد مؤكد وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة(١) في كتاب الله الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد

وأما قوله: واليتامى والمساكين فإن اليتيم إذا انقطع يتمه(٢) خرج من المغانم ولم يكن له نصيب(٣) وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب في المغنم ولا يحل له أخذه وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغني والفقير، لانه لا أحد أغنى من الله ولا من رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل لنفسه منها سهما ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله سهما، فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيئ ما رضيه لنفسه ولنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله رضيه لذي القربى كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه، ثم برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك في الطاعة قال عزوجل:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) (٤) فبدأ بنفسه، ثم برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم بأهل بيته وكذلك آيه الولاية( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) (٥) فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاته كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقرونا بأسهمهم في الغنيمة والفيئ(٦) فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت، فلما جاء‌ت قصة الصدقة نزه نفسه عز ذكره ونزه رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزه أهل بيته عنها فقال:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاکِينِ وَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقَابِ وَ الْغَارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ

____________________

(١) في العيون [ وأثر قائم لهم إلى يوم القيامة ].

(٢) اليتم - بالضم مصدر يتم ييتم -: الانفراد. وأيضا حالة اليتيم.

(٣) في العيون [ خرج من الغنائم ولم يكن له نصيب فيها ].

(٤) سورة النساء آية ٦٢.

(٥) سورة المائدة آية ٦٠.

(٦) في العيون [ فجعل طاعتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته وكذلك ولايتهم مع ولاية الرسول مقرونة بطاعته كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقرونا بسهمه من الغنيمة والفيئ ].

٤٣٤

فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ) (١) فهل تجد في شئ من ذلك أنه جعل لنفسه سهما، أو لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو لذي القربى لانه لما نزههم عن الصدقة نزه نفسه ونزه رسوله ونزه أهل بيته لا بل حرم عليهم، لان الصدقة محرمة على محمد وأهل بيته وهي أوساخ الناس لا تحل لهم لانهم طهروا من كل دنس ووسخ، فلما طهرهم واصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه(٢) .

وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه:( فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (٣) فقال العلماء(٤) : إنما عنى بذلك اليهود والنصارى.

قال أبوالحسنعليه‌السلام : وهل يجوز ذلك؟ إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون: إنهم أفضل من دين الاسلام.

فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا يا أبا الحسن؟ قال: نعم الذكر رسول الله ونحن أهله وذلك بين في كتاب الله بقوله في سورة الطلاق: فاتقوا الله يا اولي الالباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات فالذكر رسول الله ونحن أهله. فهذه التاسعة.

وأما العاشرة فقول الله عزوجل في آية التحريم:( حُرِّمَتْ عَلَيْکُمْ أُمَّهَاتُکُمْ وَ بَنَاتُکُمْ وَ أَخَوَاتُکُمْ ) - إلى آخرها -(٥) أخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة أبني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا: لا.

قالعليه‌السلام : فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها؟ قالوا: بلى.

قال: فقالعليه‌السلام : ففي هذا بيان أنا من آله ولستم من آله ولو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم كما حرمت عليه بناتي، لانا من آله وأنتم من امته، فهذا فرق بين الآل والامة، لان الآل منه والامة إذا لم تكن الآل فليست منه. فهذا العاشرة.

____________________

(١) سورة التوبة آية ٦٠.

(٢) زاد في العيون [ فهذه الثامنة ].

(٣) سورة النحل آية ٤٥. والانبياء آية ٧.

(٤) في العيون [ فنحن أهل الذكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون فقالت العلماء: الخ ].

(٥) سورة النساء آية ٢٢.

٤٣٥

وأما الحادية عشر فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل:( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاء‌كم بالبينات من ربكم ) - الآية -(١) وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه. وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بولادتنا منه وعممنا الناس بدينه، فهذا فرق ما بين الآل والامة. فهذه الحادية عشر.

وأما الثانية عشر فقوله:( وَ أْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلاَةِ وَ اصْطَبِرْ ) (٢) فخصنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثم خصنا دون الامة(٣) ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيئ إلى باب علي وفاطمةعليهما‌السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول: الصلاة يرحمكم الله وما أكرم الله أحدا من ذراري الانبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها وخصنا من جميع أهل بيته(٤) فهذا فرق ما بين الآل والامة(٥) والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد نبيه.

* (وصفه عليه‌السلام الامامة والامام ومنزلته) *

قال عبدالعزيز بن مسلم(٦) : كنا مع الرضاعليه‌السلام بمرو فاجتمعنا في المسجد الجامع بها، فأدار الناس بينهم أمر الامامة، فذكروا كثرة الاختلاف فيها. فدخلت على سيدي ومولاي الرضاعليه‌السلام فاعلمته بما خاض الناس فيه. فتبسمعليه‌السلام .

ثم قالعليه‌السلام : يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إن الله عزوجل لم

____________________

(١) سورة المؤمن آية ٢٨.

(٢) سورة طه آية ١٣٢.

(٣) في العيون [ إذ امرنا مع الامة باقامة الصلاة ثم خصصنا من دون الامة ].

(٤) في العيون [ فخصنا من دون جميع أهل بيتهم ].

(٥) زاد في العيون [ فقال المأمون والعلماء جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن الامة خيرا فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم ].

(٦) عده علماء الرجال من أصحاب الرضاعليه‌السلام وحسنوا حاله.

والرواية رواها الكلينى في الكافى ج ١ ص ٢٠١ والصدوق في كمال الدين وعيون أخبار الرضا والنعمانى في كتاب الغيبة والطبرسى في الاحتجاج ونحن نشير إلى بعض موارد الاختلاف.

٤٣٦

يقبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ وبين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال:( مَا فَرَّطْنَا فِي الْکِتَابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) (١) . وأنزل عليه في حجة الوداع وهي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نمعتي ورضيت لكم الاسلام دينا(٢) . وأمر الامامة من كمال الدين.

ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بين لامته معالم دينه وأوضح لهم سبلهم وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم علياعليه‌السلام علما وإماما، وما ترك شيئا مما تحتاج إليه الامة إلا وقد بينه.

فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فقد كفر. هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة، فيجوز فيها اختيارهم(٣) . إن الامامة خص الله بها إبراهيم الخليلعليه‌السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره(٤) ، فقال عزوجل:( وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‌ ) (٥) . فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة.

ثم أكرمها الله بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة، فقال:( وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ نَافِلَةً وَ کُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ‌ * وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَ إِقَامَ الصَّلاَةِ وَ إِيتَاءَ الزَّکَاةِ وَ کَانُوا لَنَا عَابِدِينَ‌ ) (٦)

فلم تزل ترثها ذريتهعليه‌السلام بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الله:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هٰذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا ) (٧) فكانت لهم خاصة

____________________

(١) سورة الانعام آية ٣٨.

(٢) سورة المائدة آية ٥.

(٣) زاد في الكافى والعيون [ إن الامامة أجل قدرا واعظم شأنا وإعلا مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوا بآرائهم أو يقيموا اماما باختيارهم ].

(٤) الاشادة رفع الصوت بالشئ.

(٥) سورة البقرة آية ١٢٤.

(٦) سورة الانبياء آية ٧٢.

(٧) سورة آل عمران آيه ٦٧.

٤٣٧

فقلدها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام (١) ، فصارت في ذريته الاصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان وذلك قوله:( وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي کِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لٰکِنَّکُمْ کُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‌ ) (٢) على رسم ما جرى وما فرضه الله في ولده إلى يوم القيامة(٣) . إذ لا نبي بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أين يختار هذه الجهال الامامة بآرائهم. إن الامامة منزلة الانبياء وإرث الاوصياء، إن الامامة خلافة الله وخلافة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافة الحسن والحسينعليهما‌السلام . إن الامام(٤) زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين. الامام(٥) أس الاسلام النامي وفرعه السامي. بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيئ والصدقات وإمضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور والاطراف. الامام يحلل حلال الله ويحرم حرامه ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة. الامام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهو بالافق حيث لا تناله الابصار ولا الايدي. الامام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الطالع والنجم الهادي في غيابات الدجى(٦) والدليل على الهدى والمنجي من الردى(٧) .

____________________

(١) وزاد في الكافى والعيون [ بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ].

(٢) سورة الروم آية ٥٦.

(٣) في الكافى والعيون [ فهى في ولد علىعليه‌السلام خاصة إلى يوم القيامة ].

(٤)، (٥) في الكافى والعيون [ ان الامامة ].

(٦) الغيبة والغيابة من كل شئ: ما سترك منه - ومن الوادى والجب: قعره.

والغابة: الاجمة وهى موضع ذات الشجر المتكاثف لانها تغيب ما فيها.

والدجى - بالضم -: جمع دجية - كغرفة - أى ظلمة.

وفي الكافى والعيون [ في غياهب الدجى ] وهى جمع غيهب أى الظلمة.

وزادا أيضا [ وجواز البلدان والقفاز ولجج البحار. الامام الماء العذب على الظماء ].

(٧) الردى - بالفتح -: الهلاك.

٤٣٨

الامام النار على اليفاع(١) ، الحار لمن اصطلى والدليل في المهالك، من فارقه فهالك. الامام السحاب الماطر والغيث الهاطل(٢) والسماء الظليلة والارض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة(٣) .

الامام الامين الرفيق، والولد الشفيق والاخ الشقيق وكالام البرة بالولد الصغير ومفزع العباد(٤) .

الامام أمين الله في أرضه وخلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذاب عن حريم الله.

الامام مطهر من الذنوب، مبرء من العيوب، مخصوص بالعلم، موسوم بالحلم، نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.

الامام واحد دهره، لا يدانيه أحد(٥) ولا يعادله عالم ولا يوجد له بدل ولا له مثل ولا نظير.

مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا يبلغ معرفة الامام أو كنه وصفه(٦) .

هيهات هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الالباب(٧) وحصرت الخطباء وكلت الشعراء(٨) وعجزت الادباء وعييت البلغاء وفحمت العلماء(٩) عن وصف

____________________

(١) اليفاع: التل المشرف. وكل ما ارتفع من الارض. والمراد ان الامامعليه‌السلام نور يضيئ للقريب والبعيد. الحار لمن اصطلى أى حار لمن أراد الانتفاع به. والمهالك: جمع مهلكة، والمراد هنا المفازة لانها موضع الهلاك.

(٢) الهاطل: المطر الشديد المتفرق العظيم القطر. وزاد هنا في الكافى [ والشمس المضيئة ].

(٣) الارض البسيطة أى الواسعة. والغزيرة: الكثيرة الماء.

والغدير: القطعة من النبات أو القطعة من الماء يتركها السيل وأيضا النهر.

والروضة: أرض مخضرة من أنواع النبات.

(٤) زاد في الكافى والعيون [ في الداهية والنآد ] أى الامر العظيم.

(٥) قد يقرء في بعض النسخ [ يداينه ] أى يعامله ويحاكمه.

(٦) في الكافى والعيون [ فمن ذا الذى يبلغ معرفة الامام أو يمكنه اختياره ].

(٧) زاد فيهما [ وخسئت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء ].

(٨) حصرت الخطباء أى ضاق صدرهم. وكلت أى عييت وعجزت.

(٩) فحمت العلماء أى سكتت وعجزت ولم تستطع جوابا وليست هذه الجملة في الكافى والعيون.

٤٣٩

شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز والتقصير فكيف يوصف بكليته، أو ينعت بكيفيته(١) ، أو يوجد من يقوم مقامه، أو يغني غناه. وأنى وهو بحيث النجم عن أيدي المتناولين ووصف الواصفين(٢) ، أيظنون أنه يوجد ذلك في غير آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم، كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الاباطيل إذ ارتقوا مرتقى(٣) صعبا ومنزلا دحضا زلت بها إلى الحضيض أقدامهم، إذ راموا إقامة إمام بآرائهم(٤) وكيف لهم باختيار إمام.

والامام عالم لا يجهل وراع لا يمكر(٥) ، معدن النبوة(٦) لا يغمز فيه بنسب(٧)

____________________

(١) في الكافى والعيون [ وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شئ من أمره ].

(٢) أنى للاستفهام الانكارى والواو للحال والضمير يرجع إلى الامامعليه‌السلام والباء بمعنى في وحيث ظرف مكان والمراد أن الامامعليه‌السلام كان كالنجم في البعد وعلو المرتبة فلا يصل إليه الافكار ولا يمكن أن يوصف كما هو حقه. وفى الكافى والعيون [ لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم عن يد المتناولين ووصف الواصفين ].

(٣) منتهم أضعفتهم. أو ألقت في انفسم الامانى. ارتقى الجبل: صعد. والمرتقى: موضع الارتقاء.

ودحضا أى زلقا. والحضيض: القرار من الارض عند أسفل الجبل.

(٤) زاد في الكافى والعيون [ راموا إقامة الامام بعقول حائرة، بائرة، ناقصة. وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا قاتلهم الله أنى يؤفكون ولقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلو ضلالا بعيد ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الامام عن بصيرة وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وقال [ الله ] عزوجل: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيره من أمرهم - الاية -. وقال: ما لكم كيف تحكمون؟ ! أم لكم كتاب فيه تدرسول؟ ! ان لكم فيه لما تخيرون؟ ! أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة؟ ! ان لكم لما تحكمون؟ ! سلهم أيهم بذلك زعيم. أم لهم شركاء؟ ! فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين وقال تعالى: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون أم قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون أم قالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوا الفضل العظيم]. وقوله: راموا أى أرادوا.

(٥) راع أى حافظ للامة. وفي الكافى والعيون [ لا ينكل ] أى لا يضعف ولا يجبن.

(٦) في الكافى والعيون [ معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهرة البتول ].

(٧) أغمز فيه: عابه وصغر من شأنه.

٤٤٠