تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 183118
تحميل: 11478

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183118 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

وكتبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى معاذ يعزيه بابنه(١) : من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل: سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو - أما بعد - فقد بلغني جزعك على ولدك الذي قضى الله عليه وإنما كان ابنك من مواهب الله الهنيئة(٢) وعواريه المستودعة عندك فمتعك الله به إلى أجل وقبضه لوقت معلوم فإنا لله وإنا إليه راجعون، لا يحبطن جزعك أجرك ولو قدمت على ثواب مصيبتك لعلمت أن المصيبة قد قصرت لعظيم ما أعد الله عليها من الثواب لاهل التسليم والصبر، واعلم أن الجزع لا يرد ميتا ولا يدفع قدرا فأحسن العزاء وتنجز الموعود.

فلا يذهبن أسفك على ما لازم لك ولجميع الخلق نازل بقدره والسلام عليك ورحمة الله و بركاته.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أشراط الساعة كثرة القراء وقلة الفقهاء وكثرة الامراء وقلة الامناء وكثرة المطر وقلة النبات.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبلغونى حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة(٣) وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : غريبتان: كلمة حكم من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع و يضيع حتى يأثم.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لا يستحي من الحلال نفع نفسه وخفت مؤنته ونفى عنه

____________________

(١) التعزية: التسلية من عزى يعزى من باب تعب: صبر على ما نابه والتعزى: التصبر والتسلى عند المصيبة وشعاره أن يقول: إنا لله وإنا اليه راجعون

والعزاء ممدودا: الصبر والتعزى يجيئ بمعنى النسبة من تعزى إلى فلان أى نسبه إليه.

(٢) المواهب جمع الموهبة: العطية، الشئ الموهوب.

والهنيئة: ما تيسر من غير مشقة.

(٣) وفى كتاب عهد امير المؤمنينعليه‌السلام للاشتر لما ولاه مصر: قال: وتفقد أمور من لا يصل اليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرغ لاولئك ثقتك من اهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالاعذار إلى الله يوم تلقاه فان هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الانصاف من غيرهم، وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه

٦١

الكبر.

ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه(١) بالقليل من العمل.

ومن [ ي‍ ] رغب في الدنيا فطال فيها أمله أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها.

ومن زهد فيها فقصر فيها أمله أعطاه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية فأذهب(٢) عنه العمى وجعله بصيرا، ألا إنه سيكون بعدي أقوام لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر، ولا يستقيم لهم الغنى إلا بالبخل، ولا تستقيم لهم المحبة في الناس إلا باتباع الهوى والتيسير في الدين(٣) ألا فمن أدرك ذلك فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على الذل وهو يقدر على العز وصبر على البغضاء في الناس وهو يقدر على المحبة لا يريد بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة أعطاه الله ثواب خمسين صديقا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إياكم وتخشع النفاق وهو أن يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : المحسن المذموم مرحوم.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إقبلوا الكرامة وأفضل الكرامة الطيب، أخفه حملا وأطيبه ريحا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما تكون الصنيعة إلى ذي دين أو ذي حسب(٤) .

وجهاد الضعفاء الحج وجهد المرأة حسن التبعل لزوجها.

والتودد نصف الدين.

[ و ] ما عال امرء قط على اقتصاد.

واستنزلوا الرزق(٥) بالصدقة.

أبى الله أن يجعل رزق عباده المؤمنين من حيث يحتسبون(٦) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يبلغ عبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس.

____________________

(١) في بعض النسخ [ عنه ].

(٢) في بعض النسخ [ وأذهب ].

(٣) أى المسامحة والمماطلة في أمر الدين.

(٤) الصنيعة: الاحسان. وجمعه الصنائع.

وفى الروايات: لا يصلح الصنيعة الا عند ذى حسب أو دين.

(٥) في بعض النسخ [ واستزادوا الرزق ].

(٦) قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

سورة الطلاق: ٣.

٦٢

[ باب ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ]

وروي عن أمير المؤمنين الوصي المرتضى، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله في طوال هذه المعاني، على أننا لو استغرقنا جميع ما وصل إلينا من خطبه و كلامه في التوحيد خاصة دون ما سواه من المعاني لكان مثل جميع هذا الكتاب و لكننا ابتدأنا الرواية عنه بخطبة واحدة في التوحيد وقع الاقتصار عليها، ثم ذكرنا بعدها ما اقتضاه الكتاب مقتصرين مما ورد عنه في هذه المعاني على ما غرب منها وأجمع على تفضيله الخاص والعام وفيه مقنع إن شاء الله تعالى.

* (خطبته عليه‌السلام في اخلاص التوحيد) *

إن أول عبادة الله معرفته.

وأصل معرفته توحيده.

ونظام توحيده نفي الصفات عنه(٢) ، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران.

وشهادة الاقتران بالحدث.

وشهادة الحدث بالامتناع من الازل الممتنع من حدثه(٣) فليس الله عرف من عرف ذاته(٤) ولاله وحد من نهاه(٥) ولا به صدق من مثله.

ولا حقيقته أصاب من شبهه

____________________

(١) العنوان زائد منا ولم يكن في النسخ.

(٢) او عبادة الله أى أشرفها وأقدما زمانا ورتبة معرفته لانها شرط لقبول الطاعات، وأصل المعرفة التوحيد إذ مع إثبات الشريك أو القول بتركيب الذات أو زيادة الصفات يلزم القول بالامكان فلم يعرف المشرك الواجب ولم يثبته.

فمن لم يوحده لا ينل بدرجة المعرفة ونظام التوحيد وتمامه نفى الصفات الزائدة الموجودة عنه إذ أول التوحيد نفى الشريك ثم نفى التركيب ثم نفى الصفات الزائدة، فهذا كماله ونظامه.

(٣) لشهادة العقول - إلخ استدلعليه‌السلام على نفى زيادة الصفات بأن العقول تشهد بأن كل صفة محتاجة إلى الموصوف لقيامها به والموصوف كذلك لتوقف كما له بالصفة فهو في كماله محتاج إليها وكل محتاج إلى الغير ممكن فلا يكون شئ منهما واجبا ولا المركب منهما، فثبت احتياجهما إلى علة ثالثة ليس بموصوف ولا صفة وإلا لعاد المحذور. وفى بعض النسخ [ الممتنع من الحدث ].

(٤) أى المعرفة بالتشبيه.

(٥) أى جعل له حدا ونهاية.

٦٣

ولا إياه أراد من توهمه ولا له وحد من اكتنهه(١) . ولا به آمن من جعل له نهاية. ولا صمده من أشار إليه(٢) . ولا إياه عنى من حده. ولا له تذلل من بعضه،(٣) كل قائم بنفسه مصنوع(٤) وكل موجود في سواه معلول. بصنع الله يستدل عليه. وبالعقول تعتقد معرفته. وبالفكرة تثبت حجته. وبآياته احتج على خلقه(٥) . خلق الله الخلق فعلق حجابا بينه وبينهم فبمباينته إياهم مفارقته إنيتهم(٦) .

____________________

(١) ومن مثله أى من جعل له شخصا ومثالا في ذهنه وجعل الصورة الذهنية مثالا له فهو لا يصدق بوجوده ولا يصيب بحقيقته لان كل ما توهمه المتوهم فهو مخلوقه ومصنوع وهمه.

وقوله: من اكتنهه أى بين كنه ذاته أو طلب الوصول إلى كنهه، إذ لو كان يعرف كنهه لكان شريكا مع الممكنات في التركيب والصفات الامكانية فهو ينافى التوحيد.

(٢) أى لا قصد نحوه من أشار إليه باشارة حسية او الاعم منها ومن الوهمية والعقلية.

(٣) اى حكم بأن له أجزاء وأبعاضا.

(٤) كذا. والصواب كما في بعض نسخ الحديث: [ كل معروف ] أى كل ما يعلم وجوده ضرورة بالحواس من غير أن يستدل عليه بالآثار فهو مصنوع.

أو المعنى أن كل معلوم بحقيقته فانما يعلم من جهة أجزائه وكل ذى جزء كان مركبا فكل معلوم الحقيقة مركب وكل مركب محتاج إلى مركب يركبه وصانع يصنعه فاذن كل معلوم الحقيقة هو مصنوع.

وقوله: كل موجود في سواه معلول في النهج كل قائم في سواه معلول أى كل شئ يتقوم بغيره فهو معلول.

ولعل هذا الكلام وما قبله إشارة إلى أن الله تعالى لا جوهر و لا عرض ولا يوصف بشئ منهما.

(٥) بصنع الله يستدل عليه يعنى بالآثار يستدل على وجوده وبالتعقل يكمل معرفته و بالتفكر والتدبر تثبت حجته.

وفى بعض نسخ الحديث [ بالفطرة تثبت حجته ].

(٦) خلق الله الخلق الخلقة سببا لاحتجاب الخالق عن المخلوق لان الخلقة صفة كمال له وكماله تعالى ونقص مخلوقه حجاب بينه وبينهم.

وقوله: مفارقته إنيتهم يعنى بمفارقة ذاته تعالى وحقيقة ذاتهم وحقيقتهم وفى بعض نسخ الحديث أينيتهم وقال المجلسىرحمه‌الله : مباينته تعالى اياهم ليس بحسب المكان حتى يكون في مكان وغيره في مكان آخر بل انما هى بأن فارق اينيتهم فليس له أين ومكان وهم محبوسون في مطمورة المكان.

أو المعنى أن مباينته لمخلوقه في الصفات صار سببا لان ليس له مكان.

انتهى.

٦٤

وإيداؤه إياهم شاهد على ألا أداة فيه، لشهادة الادوات بفاقة المؤدين. وابتداؤه إياهم دليل على ألا ابتداء له. لعجز كل مبتدء عن إبداء غيره. أسماؤه تعبير وأفعاله تفهيم. وذاته حقيقة. وكنهه تفرقة بينه وبين خلقه، قد جهل الله من استوصفه. وتعداه من مثله. وأخطأه اكتنهه(١) ، فمن قال: أين فقد بوأه.

ومن قال: فيم فقد ضمنه. ومن قال: إلى م فقد نهاه. ومن قال: لم فقد علله(٢) . ومن قال: كيف، فقد شبهه. ومن قال: إذ، فقد وقته. ومن قال: حتى فقد غياه(٣) . ومن غياه فقد جزأه. ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه ومن بعضه فقد عدل عنه.

لا يتغير الله بتغيير المخلوق كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، صمد لا بتبعيض بدد،(٤) باطن لا بمداخلة، ظاهر لا بمزايلة، متجل لا باشتمال رؤية، لطيف لا بتجسم، فاعل لا باضطراب حركة، مقدر لا بجول فكر [ ة ]، مدبر لا بحركة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، قريب لا بمداناة، بعيد لا بمسافة، موجود لا بعد عدم، لا تصحبه الاوقات ولا تتضمنه الاماكن ولا تأخذه

____________________

(١) اسماؤه تعبير أى ليست عين ذاته وصفاته بل هى معبرات شهد عنها.

وأفعاله تفهيم ليعرفوه ويستدلوا بها على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته.

وقوله: وذاته حقيقة أى حقيقة مكونة عالية لا تصل اليها عقول الخلق بأن يكون التنوين للتعظيم والتبهيم أو خليقة بأن تتصف بالكمالات دون غيرها أو ثابتة واجبة لا يعتريها التغير والزوال، فان الحقيقة ترد بتلك المعانى كلها.

وكنهه تفرقة بينه وبين خلقه لعدم اشتراكه معهم في شئ والحاصل عدم امكان معرفة كنهه.

وقوله: تعداه أى تجاوزه.

وقوله: من اكتنهه أى توهم أنه أصاب كنهه.

(٢) في بعض النسخ [ اعله ] وهو تصحيف ولعله من النساخ.

(٣) أى جعل لبقائه غاية ونهاية.

(٤) أحد لا بتأويل عدد بأن يكون معه ثان من جنسه أو بأن يكون واحدا مشتملا على اعداد وقوله: صمد لا بتبعيض بدد الصمد هو السيد المقصود اليه في الحوائج لانه القادر على أدائه.

والبدد جاء بمعنى الحاجة فعلى هذا يكون المعنى هو السيد المصمود المقصود إليه في الحوائج من دون تبعيض الحاجة.

٦٥

السناة(١) ولا تحده الصفات ولا تقيده الادوات، سبق الاوقات كونه والعدم وجوده والابتداء أزله(٢) . بتشعيره المشاعر علم أن لا مشعر له. وبتجهيره الجواهر علم أن لا جوهر له. و بإنشائه البرايا علم أن لا منشئ له. وبمضادته بين الامور عرف أن لا ضد له. وبمقارنته بين الاشياء علم أن لا قرين له(٣) ، ضاد النور بالظلمة والصرد بالحرور(٤) ، مؤلفا

____________________

(١) قوله: متجل لا باشتمال رؤية التجلى: الانكشاف والظهور ويقال: استهل الهلال على المجهول والمعلوم أى ظهر وتبين أى ظاهر لا بظهور من جهة الرؤية. وقوله: لا بمزايلة أى لا بمفارقة مكان بان انتقل عن مكان إلى مكان حتى خفى عنهم أو بان دخل في بواطنهم حتى عرفها بل لخفاء كنهه عن عقولهم وعلمه ببواطنهم وأسرارهم. وقوله: لا بتجسم أى لطيف لا بكونه جسما له قوام رقيق أو حجم صغير أو تركيب غريب وصنع عجيب. وقوله: فاعل لا باضطراب حركة أما فاعل فلانه موجد العالم وأما تنزيهه في فاعليته عن الاضطراب فلتنزهه عن عوارض الاجسام. وفى النهج: فاعل لا باضطراب آلة أى لا بتحريك الآلات والادوات. وقوله: مقدر لا بجول فكرة أى ليس في تقديره الاشياء محتاجا إلى جولان الفكر. قريب لا بمداناة أى ليس قربه قربا مكانيا بالدنو من الاشياء بل بالعلم والعلية والرحمة. وقوله: بعيد لا بمسافة أى لا بمباينة لبعده بحسب المسافة عنهم بل لغاية كماله ونقصهم باينهم في الذات والصفات. وقوله: لا تصحبه الاوقات لحدوثها وقدمه تعالى أو ليس بزمانى أصلا. وقوله: ولا تأخذه السناة السناة جمع السنة بالكسر وهى النعاس وأول النوم.

(٢) سبق الاوقات كونه أى كان وجوده سابقا على الازمنة والاوقات بحسب الزمان الوهمى والتقديرى وقوله: والعدم وجوده بنصب العدم ورفع الوجود أى وجوده لوجوبه سبق وغلب العدم فلا يعتريه عدم أصلا.

(٣) بتشعيره المشاعر أى بخلقه المشاعر الادراكية وافاضتها على الخلق عرف أن لا مشعر له وهو اما لانه تعالى لا يتصف بخلقه او لانا بعد افاضته المشاعر علمنا احتياجنا في الادراك اليها فحكمنا بتنزهه تعالى عنها لاستحالة احتياجه تعالى إلى شئ أو لما يحكم العقل به من المباينة بين الخالق والمخلوق في الصفات. وقوله: بتجهيره الجواهر الخ أى بتحقيق حقائقها وايجاد ماهياتها عرف أنها ممكنة وكل ممكن محتاج إلى مبدء فمبدء المبادى لا يكون حقيقة من هذه الحقائق.

وقوله: بمضادته بين الامور إلخ أى عقده التضاد بين الاشياء دليل على استواء نسبتها اليه فلا ضد له اذ لو كانت له طبيعة تضاد شيئا لاختص ايجاده بما يلائمها لا ما يضادها فلم تكن أضداد، والمقارنة بين الاشياء في نظام الخلقة دليل على أن صانعها واحد لا قرين له، اذ لو كان له شريك لخالفه في النظام الايجادى فلم تكن مقارنة، والمقارنة هنا بمعنى المشابهة.

(٤) الصرد: البرد. فارسى معرب.

٦٦

بين متعادياتها(١) متقاربا بين متبايناتها، دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها، جعلها سبحانه دلائل على ربوبيته وشواهد على غيبته ونواطق عن حكمته إذ ينطق تكونهن عن حدثهن، ويخبرن بوجودهن عن عدمهم، وينبئن بتنقيلهن عن زوالهن ويعلن بافولهن أن لا افول لخالقهن، وذلك قوله جل ثناؤه: ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون(٢) ففرق بين هاتين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها(٣) دالة بتفاوتها أن لا تفاوت في مفاوتها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها، ثبت له معنى الربوبية إذ لا مربوب وحقيقة الالهية ولا مألوه(٤) وتأويل السمع ولا مسموع ومعنى العلم ولا معلوم ووجوب القدرة ولا مقدور عليه، ليس مذ خلق الخلق استحق اسم الخالق ولا بإحداثه البرايا استحق اسم البارئ(٥) فرقها لا من شئ وألفها لا بشئ وقدرها لا باهتمام، لا تقع الاوهام على كنهه ولا تحيط الافهام بذاته، لا تفوته متى(٦)

____________________

(١) المتعاديات كالعناصر المختلفة.

(٢) سورة الذاريات - ٤٩ والاستشهاد بالاية يحتمل أن يكون اشارة إلى أن التأليف والتفريق والتضاد بين الاشياء واتصافها بصفة التركيب والزوجية والتضايف كلها دلائل على ربوبيته تعالى وعلى أن خالقها واحد لا يوصف بصفاتها لدلالة خلق الزوجين على المفرق والمؤلف لانه خلق الزوجين من واحد بالنوع فيحتاج إلى مفرق يجعلهما مفرقين أو جعلهما مزاوجين مؤتلفين الفة لخصوصهما فيحتاج إلى مؤلف يجعلهما مؤتلفين.

(٣) الغرائز الطبائع والمغرز: موجد الغرائز ومفيضها عليه والمفاوت - على صيغة اسم الفاعل - من جعل بينها التفاوت.

(٤) في بعض نسخ الحديث [ اذلا مألوه ]. أى من له إله. أى كان مستحقا للعبودية أذ لا عابد وإنما قال: تأويل السمع لانه ليس فيه تعالى حقيقة بل مؤل بعلمه بالمسموعات.

(٥) ليس مذ خلق - إلخ وذلك لان خالقية التى هى كماله هى القدرة على كل ما علم أنه أصلح ونفس الخلق من آثار تلك الصفة الكمالية ولا يتوقف كماله عليه. والبرايا: جمع البرية وهى الخلق.

(٦) كذا. ولكن في بعض نسخ الحديث [ لا يوقته متى ] ولعله هو الصحيح والمعنى: ليس له وقد أول حتى يقال له: متى وجد أو متى علم أو متى قدر وهكذا.

٦٧

ولا تدنيه قد ولا تحجبه لعل ولا تقارنه مع ولا تشتمله هو، إنما تحد الادوات أنفسها وتشير الآلة إلى نظائرها وفي الاشياء توجد أفعالها وعن الفاقة تخبر الاداة وعن الضد يخبر التضاد وإلى شبهه يؤول الشبيه ومع الاحداث أوقاتها وبالاسماء تفترق صفاتها ومنها فصلت قرائنها وإليها آلت أحداثها(١) ، منعتها مذ القدمة وحمتها قد الازلية ونفت عنها لولا الجبرية، افترقت فدلت على مفرقها وتباينت فأعربت عن مباينها، بها تجلى صانعها للعقول وبها احتجب عن الرؤية وإليها تحاكم الاوهام وفيها أثبتت العبرة ومنها انيط الدليل، بالعقول يعتقد التصديق بالله وبالاقرار يكمل الايمان(٢) .

____________________

(١) ولا تدنيه قد يعنى لما لم يكن زمانيا لا تدنيه كلمة قد التى هى لتقريب الماضى إلى الحال أو ليس في علمه شدة وضعف حتى تقربه كلمة قد التى للتحقيق إلى العلم بحصول شئ ولا تحجبه كلمة لعل التى هى لترجى أمر في المستقبل، أى لا يخفى عليه الامور المستقبلة او ليس له شك في أمر حتى يمكن أن يقول لعل.

ولا تقارنه مع أى بأن يقال: كان شى معه ازلا.

أو مطلق المعية بناء‌ا على نفى الزمان أو الاعم من المعية الزمانية أيضا.

ولا تشتمله هو لعله تصحيف من النساخ والصحيح لا يشمله حين أو لا يشمل بحد كما في النهج والمراد إما الحد الاصطلاحى وظاهر كونه تعالى لا حد له إذ لا اجزاء له فلا يشمل ولا تحاط حقيقته بحد وإما الحد اللغوى وهو النهاية التى تحيط بالجسم وذلك من لواحق الكم المتصل والمنفصل وهما من الاعراض ولا شئ من واجب الوجود بعرض أو محل له فامتنع أن يوصف بالنهاية.

وإنما تحد الادوات أنفسها المراد بالادوات هنا: آلات الادراك التى هى حادثة ناقصة وكيف يمكن لها أن تحد الازلى المتعالى عن النهاية.

وقوله: عن الفاقة تخبر الاداة أى يكشف الادوات والالات عن احتياج الممكنات وبالضد عن التضاد وبالتشبيه عن شبه الممكنات بعضها من بعض وبالحدثية يكشف عن توقيتها وتفترق الاسماء عن صفاتها.

(٢) مذ و قد و لولا كلها فواعل لافعال قبلها، و مذ و قد للابتداء و التقريب ولا تكونان إلا في الزمان المتناهى وهذا مانع للقدم والازلية وكلمة لولا مركب من لو بمعنى الشرط و لا بمعنى النفى ويستفاد منها التعليق وهو ينافى الجبرية.

وقوله: بها تجلى إلخ أى بهذه الالات والادوات التى هى حواسنا ومشاعرنا وبخلقه إياها وتصويره لنا تجلى للعقول وعرف لانه لو لم يخلقها لم يعرف.

وقوله: بها احتجب عن الرؤية أى بها استنبطنا استحالة كونه مرئيا بالعيون لانا بالمشاعر والحواس كملت عقولنا وبعقولنا استخرجنا الدلالة على أنه لا تصح رؤيته فأذن بخلقه الالات والادوات لنا عرفناه عقلا. وفى بعض النسخ [ ومنها انبسط الدليل ].

٦٨

لا دين إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بتصديق ولا تصديق إلا بتجريد التوحيد ولا توحيد إلا بالاخلاص ولا إخلاص مع التشبيه ولا نفى مع إثبات الصفات ولا تجريد إلا باستقصاء النفي كله، إثبات بعض التشبيه يوجب الكل ولا يستوجب كل التوحيد ببعض النفي دون الكل والاقرار نفي الانكار ولا ينال الاخلاص بشئ من الانكار، كل موجود في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه، لا تجري عليه الحركة ولا يمكن فيه التجزية ولا الاتصال، وكيف يجري عليه ما هو أجراه أو يعود إليه ما هو ابتدأه أو يحدث فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ولامتنع من الازل معناه ولما كان للازل معنى إلا معنى الحدث ولا للبارئ إلا معنى المبروء(١) ، لو كان له وراء لكان له أمام ولو التمس التمام إذا لزمه النقصان وكيف يستحق اسم الازل من لا يمتنع من الحدث وكيف يستأهل الدوام من تنقله الاحوال والاعوام وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الاشياء(٢) إذا لقامت فيه آلة المصنوع ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه ولاقترنت صفاته بصفات ما دونه، ليس في محال القول حجة ولا في المسألة عنها جواب(٣) .

- هذا مختصر منها -(٤) .

____________________

(١) قوله: اذا لتفاوتت ذاته إلخ اى لاختلف ذاته باختلاف الاعراض عليها ولتجزأت حقيقته.

وقوله: لامتنع من الازل معناه أى لو كان قابلا للحركة والسكون لكان جسما ممكنا لذاته فكان مستحقا للحدوث الذاتى بذاته فلم يكن مستحقا للازلية بذاته فيبطل من الازلية معناه وهذا القول وما بعده كالتعليل لما سبق.

(٢) كذا ولكن في بعض نسخ الحديث [ من لا يمتنع من الانشاء ].

(٣) إذا لقامت إلخ يعنى لو كان فيه تلك الحوادث والتغيرات لقامت فيه علامة المصنوع وكان دليلا على وجود صانع آخر غيره ومشترك مع غيره في الصفات فليس في هذا القول المحال حجة ولا في السؤال عنه جواب لظهور خطائه لانه إذا يكون ممكنا كسائر الممكنات وليس بواجب الوجود.

(٤) هذه الخطبة منقولة في النهج مع اختلاف وزيادات ورواها الصدوق طاب ثراه بتمامها في التوحيد والعيون عن على بن موسى الرضاعليهما‌السلام بأدنى تفاوت.

٦٩

* (كتابه إلى ابنه الحسن عليهما‌السلام ) *

من الوالد الفان المقر للزمان(١) ، المدبر العمر، المستسلم للدهر، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها إليهم غدا إلى المولود المؤمل ما لا يدرك(٢) السالك سبيل من [ قد ] هلك، غرض الاسقام ورهينة الايام ورمية المصائب(٣) وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسير الموت وحليف الهموم وقرين الاحزان ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الاموات(٤) - أما بعد - فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي وإقبال الآخرة إلي ما يزعني عن ذكر من سواي(٥) والاهتمام بما ورائي غير أنه حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدفني رأيي وصرفني هواي وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب وصدق لا يشوبه كذب(٦) [ و ] وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا [ لو ] أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت(٧) . فإني اوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام

____________________

(١) أى المقر له بالغلبة والقهر، المعترف بالعجز في يد تصرفاته كانه قدره خصما ذا بأس.

(٢) أى يؤمل البقاء وهو مما لا يدركه أحد.

(٣) الرهينة: ما يرهن.

والرمية: الهدف والتاء لنقل الاسم من الوصفية إلى الاسمية الصرفة.

(٤) الحليف: المحالف والحلف بالكسر: الحلف بالفتح: التعاقد والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق. وقوله: نصب الافات يقال: فلان نصب عينى - بالضم - اى لا يفارقنى.

والصريع: الطريح.

(٥) جمح الفرس إذا غلب على صاحبه فلم يملكه.

ويزعنى أى يمنعنى ولفظ ما اسم إن

(٦) صدفه: صرفه والضمير للرأى.

والمحض: الخالص.

وأفضى أى انتهى.

والشوب المزج والخلط.

(٧) بل وجدتك كلى اى عبارة عن كله اذ كان هو الخليفة له والقائم مقامه ووارث علمه وفضائله وكتب اليه هذه الوصية ليكون له ظهرا ومستندا يرجع إلى العمل بها في حالتى بقائه وفنائه عنه.

٧٠

بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن [ أنت ] أخدت به.

أحي قلبك بالموعظة وموته بالزهد وقوه باليقين وذلله بالموت(١) وقرره بالفناء وبصره فجائع الدنيا(٢) وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والايام(٣) وأعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما أصاب من كان قبله وسر في بلادهم وآثارهم وانظر ما فعلوا وأين حلوا وعما انتقلوا فإنك تجدهم انتقلوا عن الاحبة وحلوا دار الغربة وناد في ديارهم: أيتها الديار الخالية أين أهلك ثم قف على قبورهم فقل: أيتها الاجساد البالية والاعضاء المتفرقة كيف وجدتم الدار التي أنتم بها، أي بني وكأنك عن قلى قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلاله فإن الكف عن حيرة الضلالة خير من ركوب الاهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بلسانك ويدك وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم وخض الغمرات إلى الحق حيث كان(٤) وتفقه في الدين وعود نفسك التصبر(٥) وألجئ نفسك في الامور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز(٦) ومانع عزيز وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان وأكثر الاستخارة(٧) وتفهم وصيتي ولا تذهبن [ عنها ] صفحا(٨) ، فإن خير القول ما نفع

____________________

(١) في النهج وأمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمة وذلله بذكر الموت

(٢) اى اطلب منه الاقرار بالفناء.

وبصره بالفجائع: جمع الفجيعة وهى المصيبة تفزع بحلولها.

(٣) الفحش بمعنى الزيادة والكثرة.

(٤) في بعض نسخ الحديث [ للحق ] مكان بالموت

والغمرات: الشدائد.

(٥) في النهج [ وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر ].

والتصبر: تكلف الصبر.

(٦) الكهف: الملجأ والحريز: الحصين.

(٧) الاستخارة: اجالة الرأى في الامر قبل فعله لاختيار أفضل الوجوه.

(٨) الصفح: الاعراض.

وفى بعض النسخ [ لا تذهبن منك صفحا ].

٧١

واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم حين لا يقال به.

(١) أي بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا(٢) ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إياك خصالا منهن أن يعجل بي أجلي(٣) دون أن افضي إليك بما في نفسي أو أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور(٤) ، وإنما قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها من شئ قبلته فبادرتك بالادب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته(٥) فتكون قد كفيت مؤونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك منه ما ربما أظلم علينا فيه(٦) .

أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلى فقد نظرت في أعمالهم و فكت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلى من امورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميلة(٧) وصرفت عنك

____________________

(١) في النهج ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه

وذلك تنبيه على أن من العلوم ما لا خير فيه وهى التى نهت الشريعة عن تعلمها كالسحر والكهانة والنجوم والنيرنجات ونحوها.

(٢) في النهج [ إنى لما رأيتنى قد بلغت سنا ].

(٣) في النهج [ بادرت بوصيتى إليك وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بى أجلى ].

(٤) اشارة إلى أن الصبى اذا لم يؤدب الاداب في حداثته ولم ترض قواه لمطاوعة العقل وموافقته كان بصدد أن يميل القوى الحيوانية إلى مشتهياتها وينجذب في قياد هواه إلى الاشتغال بها فيفتنه ويصرفه عن الوجه الحقيقى وما ينبغى له فيكون حينئذ كالصعب النفور من الابل.

و وجه التشبيه أنه يعسر حمله على الحق وجذبه إليه كما يعسر قود الجمل الصعب النفور وتصريفه بحسب المنفعة.

(٥) وذلك ليكون جد رأيك أى محققه وثابته مستعدا بقبول الحقائق التى وقف عليها أهل التجارب وكفوك طلبها.

والبغية بالكسر: الطلب.

وفى بعض النسخ [ تعقله وتجربته ].

(٦) استبان اى.

ظهر وذلك لان العقل حفظ التجارب وإذا ضم رأيه إلى آرائهم ربما يظهر له ما لم يظهر لهم.

(٧) النخيل: المختار المصفى.

وتوخيت أى تحريت.

٧٢

مجهولة ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه(١) من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل بين ذي النقية والنية وأن أبدأك بتعليم كتاب الله(٢) وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه، لا اجاوز ذلك بك إلى غيره ثم أشفقت أن يلبسك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم مثل الذي لبسهم(٣) وكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة(٤) ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي هذه واحكم مع ذلك.

أي بني إن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوي الله والاقتصار على ما افترض عليك والاخذ بما مضى عليه الاولون من آبائك والصالحون من أهل ملتك فإنهم لم يدعوا أن [ ي‍ ] نظروا لانفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم ما كانوا علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم لا بتورط الشبهات وعلق الخصومات، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك عليه والرغبة إليه في توفيقك وترك كل شائبة أدخلت عليك شبهة(٥) وأسلمتك إلى ضلالة وإذا أنت أيقنت أن قد صفا [ لك ] قلبك فخشع وتم رأيك فاجتمع وكان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك من فراغ(٦) فكرك

____________________

(١) عطف على يعنى.

أن يكون في محل النصب على أنه مفعول أول لرأيت و يكون هنا تامة والواو في قوله: وأنت للحال.

(٢) في النهج [ وأنت مقبل العمر، مقتبل الدهر، ذو نية سليمة ونفس صافية وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله ]. وفى بعض نسخ الكتاب [ ذى الفئة ].

(٣) في النهج [ أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذى التبس عليهم ].

(٤) أى أنك وإن كنت تكره أن ينبهك أحد لما ذكرت لك فانى أعد إتقان التنبيه على كراهتك له أحب إلى من إسلامك إى ألقائك إلى امر تخشى عليك فيه الهلكة.

(٥) في النهج [ أولجتك في شبهة أو أسلمتك إلى ضلالة ].

(٦) في بعض نسخ الحديث [ وفراغ نظرك وفكرك ] وفى بعضها بالقاف.

٧٣

ونظرك فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء(١) وليس طالب الدين من خبط ولا خلط والامساك عند ذلك أمثل(٢) .

وإن أول ما أبدأ به من ذلك وآخره أني أحمد إليك إلهي وإلهك وإله آبائك الاولين والآخرين ورب من في السماوات والارضين بما هو أهله [ و ] كما هو أهله وكما يحب وينبغي ونسأله أن يصلي عنا على نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أهل بيته وعلى أنبياء الله ورسله بصلاة جميع من صلى عليه من خلقه وأن يتم نعمه علينا فيما وفقنا له من مسألته بالاجابة لنا فإن بنعمته تتم الصالحات.

فتفهم أي بني وصيتي واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة وأن الخالق هو المميت وأن المفني هو المعيد وأن المبتلي هو المعافي وأن الدنيا لم تكن لتستقيم إلا على ما خلقها الله تبارك وتعالى عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم، فإن أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت [ خلقت ] جاهلا ثم علمت وما أكثر ما تجهل من الامر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك، فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك وليكن له تعمدك(٣) وإليه رغبتك ومنه شفقتك.

واعلم [ يا بني ] أن أحدا لم ينبئ عن الله تبارك وتعالى كما أنبأ عنه نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله فارض به رائدا(٤) [ وإلى النجاة قائدا ] فإني لم آلك نصيحة(٥) وإنك لم تبلغ في النظر لنفسك [وإن اجتهدت مبلغ ] نظري لك.

واعلم [ يا بني ] أنه لو كان لربك شريك لاتتك رسله ولرايت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت صفته

____________________

(١) العشواء: الضعيفة البصر أى تخبط خبط الناقة العشواء لا تأمن أن تسقط فيما لا خلاص منه.

واشعار لفظ الخبط له باعتبار أنه طالب للعلم من غير استكمال شرائط الطلب وعلى غير وجهه فهو متعسف، سالك على غير طريق المطلوب كالناقة العشواء.

(٢) لان كف النفس عن الخبط والخلط في أمر الدين أقرب إلى الخير.

(٣) في النهج [ تعبدك ].

(٤) الرائد: هو الذى يذهب لطلب المنزل لصاحبه أو من ترسله في الكلاء ليتعرف موقعه والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا، فهو رائد سعادتنا.

(٥) أى لم اقصر في نصيحتك.

٧٤

وفعاله ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ذلك أحد ولا يحاجه وأنه خالق كل شئ وأنه أجل من أن يثبت لربوبيته بالاحاطة قلب أو بصر(١) وإذا أنت عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك في صغر خطرك وقلة مقدرتك وعظم حاجتك إليه أن يفعل مثله في طلب طاعته والرهبة له والشفقة من سخطه، فإنه لم يأمرك إلا بحسن ولم ينهك إلا عن قبيح.

أي بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها بأهلها وأنبأتك عن الآخرة وما اعد لاهلها فيها.

وضربت لك فيهما الامثال، إنما مثل من أبصر الدنيا كمثل قوم سفر نبابهم منزل جدب فأموا منزلا خصيبا [ وجنابا مريعا ] فاحتملوا وعثاء الطريق(٢) وفراق الصديق وخشونة السفر في الطعام والمنام(٣) ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشئ من ذلك ألما ولا يرون نفقة مغرما ولا شيئا أحب إليهم مما قربهم منزلهم، ومثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصب فنبابهم إلى منزل جدب فليس شئ أكره إليهم ولا أهول لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون عليه(٤) ويصيرون إليه.

وقرعتك بأنواع الجهالات لئلا تعد نفسك عالما، فإن ورد عليك شئ تعرفه أكبرت ذلك فإن العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل، فعد نفسه بذلك جاهلا فازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا، فما يزال للعلم طالبا وفيه راغبا وله مستفيدا ولاهله خاشعا مهتما وللصمت لازما وللخطأ حاذر ومنه مستحييا، وإن ورد عليه مالا يعرف لم ينكر ذلك لما قرر به نفسه من الجهالة، وإن الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالما وبرأيه مكتفيا فما يزال للعلماء مباعدا وعليهم زاريا ولمن خالفه مخطئا ولما لم يعرف من الامور مضللا، فإذا ورد عليه من الامور ما لم يعرفه أنكره وكذب به وقال بجهالته:

____________________

(١) كذا.

وفى النهج [ من أن تثبت ربوبيته باحاطة قلب أو بصر ] وهو الصواب.

(٢) الجناب: الناحية.

والريع: كثير العشب.

ووعثاء الطريق: مشقته.

(٣) في النهج [ خشونة السفر وجشوبة المطعم ] والجشوبة بضم الجيم: الغلظ أو كون الطعام بلا أدم.

(٤) هجم عليه أى انتهى اليه بغتة.

٧٥

ما اعرف هذا وما أراه كان وما أظن أن يكون وأنى كان؟ وذلك لثقته برأيه وقلة معرفته بجهالته، فما ينفك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه مما لا يعرف للجهل مستفيدا وللحق منكرا وفي الجهالة متحيرا وعن طلب العلم مستكبرا.

أي بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك.

واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس لك ما ترضى به لهم منك(١) ولا تقل بما لا تعلم، بل لا تقل كلما تعلم، ولا تقل مالا تحب أن يقال لك.

واعلم أن الاعجاب ضد الصواب وآفة الالباب(٢) فإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك.

واعلم أن أمامك طريقا ذا مشقة بعيدة وأهوال شديدة وأنه لا غنى بك فيه عن حسن الارتياد(٣) وقدر بلاغك من الزاد(٤) مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك، فيكون ثقلا ووبالا عليك وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه، واغتنم من استقرضك(٥) في حال غناك و اجعل وقد قضائك في يوم عسرتك(٦) .

واعلم أن أمامك عقبة كؤودا لا محالة مهبطا بك على جنة أو على نار، المخف

____________________

(١) فارض من الناس اذا عاملوك بمثل ما تعاملهم ولا تطلب منهم أزيد مما تقدم لهم.

(٢) الاعجاب: استحسان ما يصدر عن النفس.

(٣) الارتياد: الطلب أصله واوى من راد يرود وحسن الارتياد: إتيانه من وجهه.

(٤) البلاغ بالفتح: الكفاية أى ما يكفى من العيش ولا يفضل.

(٥) في قوله: من استقرضك إلخ حث على الصدقة والمراد انك اذا أنفقت المال على الفقراء وأهل الحاجة كان أجر ذلك وثوابه ذخيرة لك تنالها في القيامة فكانهم حملوا عنك زادا ويؤدونه اليك وقت الحاجة.

(٦) كذا وفى النهج [ واغتنم من استقرضك في حال غناك ليجعل قضاء‌ه لك في يوم عسرتك ].

٧٦

فيها أحسن حالا من المثقل(١) فارتد لنفسك قبل نزولك(٢) واعلم أن الذي بيده ملكوت خزائن الدنيا والآخرة قد أذن بدعائك وتكفل بإجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك وهو رحيم، لم يجعل بينك وبينه ترجمانا. ولم يحجبك عنه. ولم يلجئك إلى من يشفع إليه لك. ولم يمنعك إن أسأت التوبة(٣) . ولم يعيرك بالانابة. ولم يعاجلك بالنقمة. ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة. ولم يناقشك بالجريمة. ولم يؤيسك من الرحمة. ولم يشدد عليك في التوبة فجعل النزوع عن الذنب حسنة(٤) . وحسب سيئتك واحدة. وحسب حسنتك عشرا. وفتح لك باب المتاب والاستيناف(٥) ، فمتى شئت سمع نداء‌ك ونجواك فأفضيت إليه بحاجتك(٦) وأنبأته عن ذات نفسك وشكوت إليه همومك واستعنته على امورك وناجيته بما تستخفي به من الخلق من سرك(٧) ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه فألحح(٨) في المسألة يفتح لك باب الرحمة بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه، فألحح ولا يقنطك إن أبطأت عنك الاجابة فإن العطية على قدر المسألة وربما اخرت عنك الاجابة ليكون أطول للمسألة وأجزل للعطية وربما سألت الشئ فلم تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا وآجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله [ أ ] وينفى عنك وباله والمال لا يبقى له ولا تبقى له، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم.

____________________

(١) الكؤود: صعبة شاقة المصعد.

والمخف بالضم فالكسر: الذى خفف حمله، بعكس المثقل.

وفى النهج [ المخف فيها أحسن حالا من المثقل والمبطئ عليها أقبح حالا من المسرع وأن مهبطك بها لا محالة على جنة أو على نار ] وفى بعض النسخ [ مهبطها بك ].

(٢) فارتد لنفسك أصله من راد يرود إذا طلب وتفقد وتهيأ مكانا لينزل اليها والمراد ابعث رائدا.

(٣) التوبة مفعول لقولهعليه‌السلام ولم يمنعك

وفى النهج [ ولم يمنعك ان أسأت من التوبه ].والانابة الرجوع إلى الله.

(٤) النزوع: الرجوع والكف.

(٥) المتاب: التوبة.

والاستئناف: الاخذ في الشئ وابتداؤه.وفى بعض النسخ [ استيتاب ].

(٦) افضيت: ألقيت وأبلغت اليه.

(٧) المناجاة: المكالمة سرا.

(٨) يقال: ألح في السؤال: ألحف فيه وأقبل عليه مواظبا.

٧٧

واعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة وأنك في منزل قلعة ودار بلغة(١) وطريق إلى الآخرة، إنك طريد الموت الذي لا ينجو [ منه ] هاربه ولابد أنه يدركك يوما، فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك.

أي بني أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضى بعد الموت إليه واجعله أمامك حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك(٢) ولا يأخذك على غرتك. وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الاليم، فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك. وقد نبأك الله عنها ونعت لك نفسها(٣) وكشفت عن مساويها، فاياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها(٤) ، وإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض(٥) ، يأكل عزيزها ذليلها وكبيرها صغيرها، قد أضلت أهلها عن قصد السبيل وسلكت بهم طريق العمى(٦) وأخذت بأبصارهم عن منهج الصواب فتاهوا في حيرتها(٧) وغرقوا في فتنتها. واتخذوها ربا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراء‌ها.

فإياك يا بني أن تكون قد شانته كثرة عيوبها،(٨) نعم معقلة واخرى مهملة

____________________

(١) القلعة - بالضم فالسكون - أى لا يصلح للاستيطان والاقامة، يقال: منزل قلعة أى لا يملك لنازله ويقلع عنه ولا يدرى متى ينتقل عنه.

والبلغة: ما يبلغ به من العيش والمراد أنها دار تؤخذ فيها الكفاية للاخرة.

(٢) الحذر - بالكسر -: الاحتراز والاحتراس.

والغرة - بالكسر فالتشديد -: الغفلة.

(٣) النعى: الاخبار بالموت والمراد أن الدنيا تخبر بحالها من التغير والتحول عن فنائها.

(٤) التكالب، التواثب وتكالبهم عليها أى شديد حرصهم عليها.

(٥) ضارية: مولعة بالافتراس.

يهر أى يكره أن ينظر بعضها بعضا ويمقت.

(٦) العمى والعماء‌ة: الغواية.

(٧) فتاهوا أى ضلوا الطريق.

والحيرة: التحير والتردد.

(٨) الشين: ضد الزين.

أى إياك أن تكون الذى شانته كثرة عيوب الدنيا.وعقل البعير بالتشديد شد وظيفه إلى ذراعه.والنعم - محركة -: الابل أى أهلها على قسمين قسم كأبل منعها عن الشر عقالها وهم الضعفاء وأخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء وهم الاقوياء.

٧٨

قد أضلت عقولها(١) وركبت مجهولها سروح عاهة بواد وعث(٢) ليس لها راع يقيمها(٣) .

رويدا حتى يسفر الظلام(٤) كأن قد وردت الظعينة(٥) يوشك من أسرع أن يؤوب.

واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار(٦) فإنه يسار به وإن كان لا يسير، أبى الله إلا خراب الدنيا(٧) وعمارة الآخرة.

أي بني فإن تزهد فيما زهدك الله فيه من الدنيا وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك وأنك في سبيل من كان قبلك، فاخفض في الطلب(٨) وأجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب(٩) وليس كل طالب بناج وكل مجمل بمحتاج.

وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى رغبة، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا(١٠) ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا وما خير خير لا ينال إلا بشر

____________________

(١) أضلت عقولها: أصاعت عقولها وركبت طريقها المجهول لها.

(٢) - السروح بالضم - جمع سرح بفتح السين وسكون الراء: المال السائم من إبل ونحوها الماشية.

والعاهة: الافة.

والوعث: الطريق الغليظ العسر يصعب السير فيه.

(٣) وفى النهج ليس لها راع يقيمها ولا مقيم يسيمها

(٤) رويدا مصدر أرود مصغرا تصغير الترخيم: مهلا. ويسفر أى يكشف.

والمعنى عن قريب يكشف ظلام الجهل عما خفى من الحقيقة بحلول الموت.

(٥) الظعينة: الهودج. عبر بهعليه‌السلام عن المسافرين في طريق الدنيا إلى الاخرة كان حالهم أن وردوا على غاية سيرهم. وقوله: يؤوب أى يرجع.

(٦) المطية: الدابة التى تركب.

(٧) وفى بعض النسخ [ وإن كان واقفا لا يسير إلى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الاخرة ].

(٨) فاخفض أى وأرفق من الخفض بمعنى السهل.

وأجمل فيما تكتسب أى اسع سعيا جميلا لا بحرص ولا بطمع.

(٩) الحرب - محركة -: سلب المال من حرب الرجل: سلبه ماله وتركه بلا شئ وأيضا بمعنى الهلاك والويل.

(١٠) الدنية: مونث الدنى، الساقط الضعيف، الخصلة المذمومة المحقورة وأيضا النقيصة.

والمراد أن طلب المال لصيانة النفس وحفظه فلو أتعبت وبذلت نفسك لتحصيل المال فقد ضيعت ما هو المقصود منه فلا عوض لما ضيع.

و لن تعتاض أى لن تجد عوضا.

٧٩

ويسر لا ينال إلا بعسر(١) .

وإياك أن توجف بك مطايا الطمع(٢) فتوردك مناهل الهلكة.

وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك.

وإن اليسير من الله تبارك وتعالى أكثر وأعظم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه.

ولو نظرت - ولله المثل الاعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخارا، وأن عليك في كثير ما تصيب من الدناة عارا(٣) فاقتصد في أمرك تحمد مغبة عملك(٤) .إنك لست بائعا شيئا من دينك وعرضك بثمن.

والمغبون من غبن نصيبه من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك واترك ما تولى، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب.

وإياك ومقاربة من رهبته على دينك وباعد السلطان ولا تأمن خدع الشيطان(٥) وتقول: متى أرى ما أنكر نزعت، فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة وقد أيقنوا بالمعاد، فلو سمعت بعضهم بيع آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفسا(٦) ، ثم قد يتخبله الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه في هلكته بعرض من الدنيا حقير(٧)

____________________

(١) إن الذى لا ينال إلا بشر لا يكون خيرا بل يكون شرا لان طريقه شرا فكيف يكون هو خيرا وهكذا مالا ينال إلا بعسر لا يكون يسرا وقيل: إن العسر الذى يخشاه الانسان هو ما يضطره لرذيل الفعال فهو يسعى كل جهده ليتحامى الوقوع فيه، فان جعل الرذائل وسيلة لكسب اليسر أى السعة فقد وقع أول الامر فيما يهرب منه، فما الفائدة في يسره وهو لا يحميه من النقيصة.

(٢) توجف: تسرع سيرا سريعا.

والمطايا جمع المطية: وهى الدابة التى تركب.والمناهل جمع المنهل: موضع الشرب على الطريق وما ترده الابل ونحوها للشرب.

(٣) الدناة: جمع الدانى أو الدنى وهو الخسيس.

(٤) المغبة: عاقبة الشئ.

(٥) الخدع جمع الخدعة.

(٦) فلو سمت أى فلو عرضت للبيع، من سام السلعة يسوم أى عرضها وذكر ثمنها.

والمعنى أنك لو عرضت ببعضهم بأن يبيع آخرته بالدنيا لم يرض بذلك ولم يطب نفسه بهذه التجارة.

(٧) يورطه: يلقاه في الورطة ويوقعه فيما لا خلاص له منه وقوله: بعرض من الدنيا أى بحطام من الدنيا ومتاعها. يعنى إن الشيطان ما زال يسول له بشئ حقير من متاع الدنيا حتى يئس من رحمة الله ويخرجه منها فينجر الامر في متابعته إلى ما خالف الاسلام.

٨٠