نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 421

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 228870
تحميل: 5158


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228870 / تحميل: 5158
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 18

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١٧ - تشبيه عثمان بهارون

وفي حديثٍ آخر - موضوع كسابقه - شبّه عثمان بهارونعليه‌السلام فقد روى الحافظ المحب الطبري:

« عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من نبي إلّا وله نظير في اُمتي، فأبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي بن أبي طالب نظيري.

خرّجه الخلقعي والملّاء في سيرته »(١) .

ورواه السيوطي عن ابن عساكر عن أنس(٢) .

١٨ - طلب الأمير الخلافة منذ قبض النبي

ولو كان الحديث دليلاً على نفي الخلافة وسلبها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لما خفي ذلك على الإمامعليه‌السلام وأهل بيته وأتباعه، لكنْ قد ثبت بالقطع واليقين أنهعليه‌السلام طلب الخلافة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ أن قبض وقال ابن عبد البر: « روينا من وجوه: أن الحسن بن علي -رضي‌الله‌عنه - لمـّا حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: يا أخي، إن ابانرحمه‌الله تعالى لما قبض رسول الله صلّى عليه وسلّم منذ أن قبض وقال ابن عبد البر.

« روينا من وجوه: أن الحسن بن علي -رضي‌الله‌عنه - لمـّا حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: يا أخي، إن أباك حين قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استشرف لهذا الأمر، ورجا أن يكون صاحبه، فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر، فلمـّا حضرت أبا بكر الوفاة تشوف لها أيضاً فصرفت عنه إلى عمر، فلمـّا قبض عمر، جعلها شورى بين ستة هو أحدهم، فلم يشك أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما هلك عثمان بويع، ثم نوزع حتى جرّد السيف وطلبها، فما

___________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٥٠ - باب ذكر النظير.

(٢). الخصائص الكبرى ٢ / ٢٦٧.

١٠١

صفا شيء منها »(١) .

فهذا الإستشراف أدل دليل عند أهل الإنصاف على بطلان دعاوي أهل الإعتساف

١٩ - كلام العباس لأمير المؤمنين حول الخلافة

وروى أهل السنّة: أن العباس قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام قبيل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اُدخل بنا عليه نسأله عن هذا الأمر، فإن كان لنا بيَّنه، وإنْ كان لغيرنا وصّى الناس ».

واستدلّ به الرازي - فيما استدل بزعمه - على عدم النصّ على أمير المؤمنين بالخلافة قائلاً: « إنه لمـّا مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال العباس لعلي: أنا أعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب، وقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأدخل بنا عليه نسأله عن هذا الأمر، فإنْ كان لنا بيّنه، وإنْ كان لغيرنا وصّى الناس.

ومعلوم أن عليّاً لو كان منصوصاً عليه، لكان العباس أعرف الناس بذلك، فكان لا يقول مثل هذا الكلام.

لا يقال: مراد العباس منه أن الإمارة التي جعلها النبيعليه‌السلام هل تسلم لهم أم لا.

لأنّا نقول: لفظة لنا أو لغيرنا يقتضي الملك والإستحقاق، ولم يقل العباس سله هل يسلم هذا الأمر إلينا أم لا، حتى يصح ما قاله السائل.

وأيضاً: فقد روي أنّ علياً -رضي‌الله‌عنه - قال له فيما بعد: خفت أن يقول النبيعليه‌السلام : إنه لغيركم فلا يعطيناه الناس أبداً. ومعلوم أن ذلك إنما

___________________

(١). الاستيعاب ١ / ٣٩١. الطبعة المحققة.

١٠٢

يلزم إذا قال هو مستحق لغيركم، لا إذا قال: لا يسلّمه الناس إليكم ».

أقول:

إن كلّ هذا الذي رووه غير ثابت عندنا.

لكنّا نستدل به - من باب الإلزام - فنقول للرازي: لو كان حديث المنزلة يدل على نفي خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لكان العباس أعرف الناس بذلك، فكان لا يقول مثل هذا الكلام لعليعليه‌السلام

فرضنا أن العباس قاله، وفرضنا جهله بحديث المنزلة ومعناه، ولكنْ، لو كان حديث المنزلة يدل على ما زعم الرازي، لأجاب أمير المؤمنينعليه‌السلام عن كلام العباس وردّه بما دلّ عليه حديث المنزلة من عدم استحقاقه الخلافة كما يزعمون لا أنْ يقول له مثل الكلام الذي رووه.

٢٠ - قول العباس له: أمدد يدك أبايعك

ويدل على عدم دلالة حديث المنزلة على نفي الخلافة: قول العباس - لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لأمير المؤمنينعليه‌السلام : « اُمدد يدك اُبايعك، يقول الناس: هذا عمّ رسول الله بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان ». إذ لو كان مدلول الحديث ما زعمه الرازي ومن تبعه، لما قال العباس ذلك وعلى فرضه لردّه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وقد استدل الرازي بهذا الكلام أيضاً على عدم النص على أمير المؤمنين بما يظهر منه ثبوته - أي الكلام - عنده.

١٠٣

٢١ - نصّ عمر على الستة ووصيّته لكلٍ منهم

واستدل الرازي على عدم النص على أمير المؤمنينعليه‌السلام بزعمه بقضيّة الشورى فقال: « إن عمر -رضي‌الله‌عنه - نص على الستة، وكان يوصي لكلّ واحدٍ منهم أنه لو صار إماماً فإنه لا يجلس أقاربه على رقاب الناس. مع علمه بأنه يعلمون تركه الدين، وإعراضه عن نصّ الرسول، فما كان فيهم من يقول: كيف تنهانا عن ذلك مع أنك أنت التارك لنص الله ونصّ رسوله ».

وأقول:

إنّ لهذا النص ولتلك الوصية ظهوراً تامّاً في تجويز عمر خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام

فلو كان حديث المنزلة دالّاً على نفي خلافته لكان عمر بنصه ووصيّته تاركاً لنصّ الله ونصّ رسوله.

وأيضاً، سكوت الستّة - وفيهم الأميرعليه‌السلام - دليل قاطع على عدم دلالة حديث المنزلة على نفي الخلافة وإلّا لردّوا على عمر نصّه ووصيّته

٢٢ - قول عمر: فمالهم عن أبي الحسن، فوالله إنّه لأحراهم

وأخرج البخاري في الأدب عن عبد الرحمن بن عبد القادر:

« إنّ عمر بن الخطاب -رضي‌الله‌عنه - ورجلاً من الأنصار كانا جالسين، فجئت فجلست إليهما.

فقال عمر: إنّا لا نحبّ من يرفع حديثاً.

فقلت: لست اُجالس اولئك يا أمير المؤمنين.

قال عمر: بل تجالس هؤلاء وهؤلاء ولا ترفع حديثنا.

ثم قال للأنصاري:

١٠٤

من ترى الناس يقولون يكون الخليفة بعدي؟

قعدّ الأنصاري رجالاً من المهاجرين، ولم يسمّ عليّاً.

فقال عمر: فما لهم عن أبي الحسن، فوالله إنه لأحراهم، إن كان عليهم لأقامهم على طريقةٍ من الحق ».

رواه عنه الشيخ محمد صدر العالم(١) .

وهذا خبر آخر يدل دلالةً واضحة على بطلان ما زعمه الرازي ومن تبعه في مدلول حديث المنزلة.

٢٣ - ما فعله عبد الرحمن في الشورى

واستدل الرازي - لنفي النص - بقصة الشورى وما فعله عبد الرحمن بن عرف قال: « إن عبد الرحمن لمـّا رام مبايعة علي شَرَطَ أنْ يستنَ فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين، وكان يعلم أن عليّاً وغيره يعلمون أنه مع الشيخين مخالفون لكتاب الله وسنة رسوله.

أفما كان في الجماعة من كانت له نفس وحميّة فيقول لعبد الرحمن: نراك لا تحافظ على كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلو اتّبعتَهما في تقرير الأمر على المنصوص عليه من قبلهما، لما احتجت إلى هذا القول، فلم لا تكلّف نفسك أوّلاً بمتابعة السنّة؟ وكيف صبرت نفوسهم - وهم أصحاب الحميّة والأنفة والشجاعة وطلاقة اللسان - على السكوت على ذلك؟ فإن كان كذلك فقد كانوا شرّ اُمّة اُخرجت للناس، منسلخين عن كلّ حميّة ومروّة، وكان عبد الرحمن في غاية الوقاحة ».

___________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

١٠٥

أقول:

ونحن نعيد على الرازي ما قاله فنقول: لو كان حديث المنزلة يدل على نفي الخلافة وسلبها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لما رام عبد الرحمن مبايعه علي، ولردَّ عليه علي بما دلّ عليه حديث المنزلة، ولقال له القوم: لِم لا تكلّف نفسك أوّلاً بمتابعة السنّة؟ وكيف صبرت نفوسهم عن هذا القول، وسكتوا على ما فعل عبد الرحمن وقال وهم هم ...؟

ومن كلّ ذلك يظهر كذب ما ادّعاه الرازي وأتباعه في باب حديث المنزلة

٢٤ - ممّا قال الأمير في الشورى: ليس هذا أول يوم

وقد روى أبو الفداء في تاريخه جواب الإمامعليه‌السلام وموقفه ممّا فعله عبد الرحمن بن عوف في الشورى الذي هو نصّ صريح في اعتراضهعليه‌السلام على ما كان، وأنّه كان يرى الخلافة لنفسه من أوّل يوم قال أبو الفداء:

« ثم جمع عبد الرحمن الناس بعد أن أخرج نفسه عن الخلافة، فدعا عليّاً فقال: عليك عهد الله وميثاقه، لتعملنّ بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده.

فقال: أرجو أنْ أفعل وأعمل مبلغ علمي وطاقني.

ودعا بعثمان وقال له مثل ما قال لعلي.

فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان وقال اللهم اسمع واشهد، اللهم اني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان وبايعه.

فقال علي: ليس هذا أول يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولَّيت عثمان إلّا ليردَّ الأمر إليك، والله كلّ يومٍ

١٠٦

في شأن.

فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك حجةً وسبيلاً.

فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.

فقال المقداد بن الأسود لعبد الرحمن: والله لقد تركته - يعني عليّاً - وإنّه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.

فقال: يا مقداد، لقد أجهدت للمسلمين.

فقال المقداد: إني لأعجب من قريش، إنهم تركوا رجلاًما أقول ولا أعلم ان رجلاً أقضى بالحق ولا أعلم منه.

فقال عبد الرحمن: يا مقداد، إتّق الله، فإني أخاف عليك الفتنة.

ثم لمـّا أحدث عثمان -رضي‌الله‌عنه - ما أحدث، من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه، روي أنّه قيل لعبد الرحمن بن عوف:

هذا كلّه فعلك.

فقال: لم أظنّ هذا به، لكن لله عليَّ أنْ لا اُكلّمه أبداً.

ومات عبد الرحمن وهو مهاجر عثمان رضي الله عنهما.

ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحوّل إلى الحائط ولم يكلّمه »(١) .

وفي هذه القصة دلالة من جهات، على بطلان ما ادّعاه الرازي وأتباعه، في مدلول حديث المنزلة كما يدلّ على بطلان خلافة الثلاثة وتولّيهم امور المسلمين، من جهاتٍ كذلك

___________________

(١). المختصر في أخبار البشر ١/١٦٥ - ١٦٦.

١٠٧

ممّا نقتضيه المشابهة التامة بين علي وهارون

قوله:

وحمل التشبيه الواقع في كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم على التشبيه الناقص، خروج كامل عن الديانة. والعياذ بالله.

أقول:

قد عرفت - حسب كلمات أئمة الحديث وغيرهم من أهل السنّة - دلالة حديث المنزلة على الإتّصال والقرب

وعرفت - حسب كلمات أئمة اللغة - أن « المنزلة » بمعنى « المرتبة » وهي الأمر الثابت.

فلا يكون « نفي الخلافة » داخلاً في مدلول « المنزلة » أبداً.

فالتشبيه تام، ولا مدخل للنقصان فيه

بل حمله على نفي الخلافة حمل للتشبيه على الأمر الناقص، ومخالف لكلمات أئمة الحديث وتصريحات أئمة اللغة وذلك خروج كامل عن الديانة. والعياذ بالله.

أضف إلى ذلك كلّه:

إنه إذا كان أمير المؤمنين قد شبّه في الحديث بهارون وأنه يجل حمل التشبيه على المشابهة التّامة، وأن حمله على المتشابهة الناقصة خروج عن الدين المبين فلا ريب في ثبوت العصمة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، لكون هارونعليه‌السلام معصوماً، ونفي العصمة عن الأمير حمل للتشبيه على المشابهة الناقصة، وهو خروج عن الدين.

وأيضاً:

١٠٨

لا ريب في أفضليّة هارون من جميع اُمّة موسى ومقتضى التشبيه الكامل هو كون أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل اُمة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلّا لزم حمل التشبيه على التشبيه الناقص وهو خروج عن الدين ومن هنا يظهر أنّ تفضيل غيره عليه خروج عن الدين وكفر بالله العظيم نعوذ بالله من ذلك.

وأيضاً:

مقتضى التشبيه الكامل هو أن يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام مفترض الطاعة وواجب الإمتثال على الإطلاق، بالنسبة إلى جميع أفراد الاُمة، في حياة النبي وبعد وفاته لأن هارون كان كذلك بالنسبة إلى اُمة موسى وإلّا كان التشبيه ناقصاً، والعياذ بالله.

١٠٩

١١٠

دلالة

حديث المنزلة

١١١

١١٢

من وجوه دلالته على نفي خلافة الثلاثة

قوله:

ومع غضّ النظر عن كلّ ذلك، فأين دلالة الحديث على نفي إمامة الخلفاء الثلاثة، حتى يتمّ المدّعى؟

أقول:

إذا رفع القوم اليد عن المكابرة وتركوا العناد، ونظروا إلى وجه إستدلال الإمامية بحديث المنزلة، بعين الإنصاف لم يبق أيّ ريبٍ في دلالة الحديث على خلافة الأمير عليه الصلاة والسلام وبطلان خلافة المتقدّمين عليه لأنه يدل من عدّة جهات وبكلّ وضوح على إمامته بلا فصل، وخلافته المتّصلة بوفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإن كلام ( الدهلوي ) في هذا المقام نظير ما إذا تكلّم بعض أتباع مسيلمة الكذاب مثلاً في دلالئل نبوّة نبينا -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بذكر بعض الشبهات الواهية المخالفة للعرف واللغة وكلمات أئمتهم ثم يقولوا: ولو صرفنا النظر عن كل ذلك، فأين دلالة تلك الأدلة على نفي نبوّة مسيلمة ...!! فالجواب الجواب.

دلالته على الخلافة العامة

وأمّا تلك الجهات التي أشرنا إليها:

فإنّ الخلافة التي رياها الإمامية لهارونعليه‌السلام هي الخلافة العامّة

١١٣

على جميع اُمة موسىعليه‌السلام فكذلك خلافة الأميرعليه‌السلام المشبّه بهارون فيكون الثلاثة من جملة رعاياه.

دلالته على افتراض الطّاعة

والحديث يدل على افتراض طاعة أمير المؤمنين على جميع الاُمّة، كما كانت طاعة هارون مفترضة على جميع اُمّة موسى، فالثلاثة ممّن وجبت عليهم طاعته وامتثال أوامره ونواهيه.

دلالته على الأفضلية

ويدل الحديث على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام ممّن عد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا مما اعترف به شعبة بن الحجّاج كما سيجيء، ويفيده كلام ( الدهلوي ) أيضاً والأفضلية تفيد الخلافة بلا فصل.

دلالته على العصمة

وثبوت عصمتهعليه‌السلام من هذا الحديث، يثبت حصر الخلافة فيه من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وينفي خلافة غيره، لعدم كونهم معصومين بالقطع واليقين.

دلالته على الأعلمية

وستعلم دلالته على الأعلمية حتى باعتراف عثمان، والأعلمية تثبت الأفضلية، والأفضلية يفيد تعيّن الخلافة له وتعيّنه لها، وذلك دليل متين على سلب الخلافة عمّن سواه

١١٤

قوله:

غاية ما في الباب ثبوت إستحقاق الإمامة له ولو في وقتٍ من الأوقات، وهو عين مذهب أهل السنّة.

أقول:

إنه بعد رفع اليد عن المكابرة، والإصغاء إلى تقرير إستدلال الإماميّة بالحديث لا يبقى مجال لهذه الهفوة العجيبة إذ الحديث يدل على إمامة الأمير بلا فضل، لا في وقتٍ من الأوقات، لأن خلافة هارون - على تقدير بقاءه بعد موسى - كانت كذلك، وحمل التشبيه على غير ذلك حمل على التشبيه الناقص الذي قال بأنه خروج عن الدين

على أنّه بعد ثبوت الإستحقاق تكون الخلافة متّصلة، لأن من المتفق عليه الذي لا ريب فيه عدم وجود نصٍّ على خلافة الثلاثة.

وإلى هنا تمّ الرد على أباطيل ( الدهلوي ) وشبهاته حول حديث المنزلة. والحمد لله رب العالمين.

فلنشرع في شرح وتوضيح بعض الدلائل، الموضحة دلالة حديث المنزلة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بلا فصل ردّاً على أضاليل وأباطيل الأعور الواسطي، وبياناً لبطلان وهوان خرافات ابن تيميّة، وإيضاحاً لسقوط وفساد توهّمات الفخر الرازي وبالله التوفيق.

١١٥

١١٦

الدلائل على دلالة حديث المنزلة

(١)

إفتراض طاعة هارون

إنه بالإضافة إلى خلافة هارون عن موسى، وعدم جواز زوال وانقطاع خلافته عنه كما عرفت فإنّ من منازل هارون الثابتة له بالقطع واليقين: افتراض طاعته ولزوم الإنقياد له ووجوب اتّباعه هذه المنزلة التي لم يأت أحد - حتى من المكابرين المعاندين - باحتمال انقطاعها وزوالها، ولم يتمكن المنهمكون في إنكار الواضحات والحقائق البيّنات من رفضها ومنعها، بل لم يجدوا بُدّاً من تأكيدها وتشييدها

قال شمس الدين الإصفهاني: « قوله: إنه كان خليفةً له على قومه في حال حياته. قلنا: لا نسلّم ذلك، بل كان شريكاً له في النبوّة، والشريك غير خليفة، وليس جعل أحد الشريكين خليفةً عن الآخر أولى من العكس.

وقوله تعالى - حكاية عنه -:( اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) فالمراد به المبالغة والتأكيد في القيام بأمر قومه، على نحو قيام موسى، أمّا أنْ يكون مستخلفاً عنه بقوله فلا، فإنّ المستخلف عن الشخص بقوله لو لم يقدر استخلافه، لما كان له القيام مقامه في التصرف، وهارون من حيث هو شريك في النبوة فله ذلك ولو لم

١١٧

يستخلفه موسى »(١) .

وقال التفتازاني: « ولو سلّم العموم، فليس من منازل هارون الخلافة والتصرف بطريق النيابة على ما هو مقتضى الإمامة، لأنه شريك له في النبوّة، وقوله( اُخْلُفْنِي ) ليس إستخلافاً، بل مبالغة وتأكيداً في القيام بأمر القوم »(٢) .

وقال القوشجي: « ولو سلّم [ العموم ]، فليس من منازل هراون الخلافة والتصرف بطريق النيابة، على ما هو مقتضى الإمامة، لأنه شريك له في النبوّة. وقوله( اُخْلُفْنِي ) ليس إستخلافاً، بل مبالغة وتأكيداً في القيام بأمر القوم »(٣) .

وقال الهروي في كتابه الموسوم ( السهام الثاقبة ): « وقوله لهارون:

( اُخْلُفْنِي ) ليس إستخلافاً بالمعنى المشهور، بل تأكيداً بالقيام لأمر الجمهور أيّام غيبة موسىعليه‌السلام ، وإلّا فهو كان نبياً في زمن موسىعليه‌السلام ومأموراً بالتبليغ ».

ومتى كان هارونعليه‌السلام مفترض الطاعة وواجب الإتباع على حياة موسىعليه‌السلام ، فكذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام مفترض الطاعة وواجب الإتّباع في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لثبوت عموم المنازل بالوجوه المتقدمة.

وعلى فرض حمل المنزلة على المنازل المشهورة - الذي ذهب إليه شاه ولي الله الدهلوي، في ( ازلة الخفا ) - فالنتيجة حاصلة حاصلة كذلك.

___________________

(١). تشييد القواعد - مبحث الإمامة.

(٢). شرح المقاصد ٥ / ٢٧٥.

(٣). شرح التجريد: ٣٧٠.

١١٨

ثبوت خلافة الأمير بثبوت فرض طاعته في حياة النّبي

وثبوت افتراض طاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكفي لثبوت خلافته عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوجوه عديدة:

الأوّل : إن القول بوجوب إطاعته في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم صرف الخلافة عنه ودخوله في زمرة الرعايا والمتبوعين بعد وفاته، خلاف الإجماع المركب.

الثاني : إنه لا يجوّز عقل عاقل أنْ يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل هارونعليه‌السلام في وجوب الإتّباع والإطاعة له، ثم تسلب منه هذة المرتبة بعد وفاته، ويكون من جملة التابعين والمطيعين.

الثالث : إنه إذا كان أمير المؤمنين - مثل هارونعليهما‌السلام - واجب الإطاعة على الإطلاق بالنسبة إلى جميع أمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى كان الثلاثة ممن تجب عليهم طاعته واتّباعه، كان القول بعدم إمامته وخلافته بعد النبي، وجعل الثلاثة أئمّةً وخلفاء، مستلزماً لقلب الموضوع وعكس المشروع، فيكون التابعون المطيعون أئمةً مطاعين، ومن كان واجب الإطاعة والإتّباع يكون من الرعايا والأتباع!! سبحانك هذا بهتان عظيم!!

و ( الدهلوي ) نفسه يقول في مقام الإستدلال بقوله تعالى:( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) الآية، على خلافة أبي بكر: « ومن كان واجب الإطعاعة فهو إمام »(١) .

___________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ١٨٦.

١١٩

فثبوت إطاعة أمير المؤمنين من حديث المنزلة، يثبت امامته حسب اعتراف ( الدهلوي ) ولله الحمد على ذلك.

ومما يؤكّد قوة هذا الوجه ومتانته: أنّ ( الدهلوي ) سكت عن الإجابة عنه في متن كتابه ( التحفة )، وفي الحاشية لم يقل إلّا « ولا يخفى ما فيه »!!

جواب شبهة أن افتراض الطاعة مسبب عن النبوة لا الخلافة

وغاية تخديع أسلاف ( الدهولي )، ونهاية تأويلهم هو: دعوى أن افتراض طاعة هارونعليه‌السلام كان مسبَّباً عن نبوّته، لا عن خلافته عن موسىعليه‌السلام ، وإذْ لم يكن أمير المؤمنين نبيّاً فلا تجب إطاعته وهذا ما تشبَّث به القاضي العضد، والشريف الجرجاني، التفتازاني، والقوشچي، وابن حجر المكّي، وغيرهم

قال العضد: « ونفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى، لنبوّته لا للخلافة عن موسى، كما اعترفتم به في هذا الوجه، وقد نفى النبوّة ههنا، لاستحالة كون علي نبيّاً، فيلزم نفي مسببه الذي هو افتراض الطّاعة ونفاذ الأمر »(١) .

وقال التفتازاني - بعد منع كون الخلافة من منازل هارون ومنع بقائها بعد الموت -: « ولو سلّم، فتصرّف هارون ونفاذ أمره لو بقي بعد موسى إنما يكون لنبوّته، وقد انتفت النبوّة في حق علي - رضي الله تعالى عنه - فينتفي ما يبتني عليها ويتسبّب عنها »(٢) .

وقال القوشجي: « ولو سلّم فتصرف هارون ونفاذ أمره لو بقي بعد موت موسى، إنما يكون لنبوته، وقد انتفت النبوّة في حق علي -رضي‌الله‌عنه -

___________________

(١). شرح المواقف ٨ / ٣٦٣.

(٢). شرح المقاصد ٥ / ٢٧٥.

١٢٠