نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 421

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 228804
تحميل: 5158


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228804 / تحميل: 5158
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 18

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

(٤)

دلالة الحديث على عصمة الإمام

بسبب عصمة هارون عليهما‌السلام

إنه لا ريب في عصمة هارونعليه‌السلام ، وحينئذ فلا ريب في عصمة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن الواضح عدم انعقاد الإمامة والخلافة لغير المعصوم مع وجود المعصوم، فأمير المؤمنين هو الخليفة بعد الرسول، بحكم حديث المنزلة والمشابهة بينه وبين هارون.

أمّا عصمة هارونعليه‌السلام ، فلا ريب فيها كما أشرنا، وإليها أشار المفسّرون بتفسير الآية:( واخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) .

ففي تفسير الرازي: « فإنْ قيل: لمـّا كان هارون نبيّاً، والنبي لا يفعل إلاّ فالنبي لا يفعل إلاّ الإصلاح، فكيف وصّاه بالإصلاح؟ قلنا: المقصود من هذا الأمر التأكيد كقوله:( ولكنْ ليطمئن قلبي ) ولله أعلم(١) .

وفي تفسير النيسابوري: « وإنما وصّاه بالإصلاح تأكيداً وإطميناناً وإلّا فالنبي لا يفعل إلّا الإصلاح »(٢) .

وكذا في تفسير الخطيب الشربيني(٣) وغيره.

وسواء حملنا الحديث على المنازل المشهورة، كما قال ولي الله

___________________

(١). تفسير الرازي ١٤ / ٢٢٥.

(٢). تفسير النيسابوري ٩ / ٣٥.

(٣). السراج المنير في تفسير القرآن ١ / ٥١٢.

١٨١

الدهلوي، أو حملناه على المشابهة التامة الكاملة، كما قال بوجوب هذا الحمل ولده ( الدهلوي )، فإنّ العصمة من اُولى مداليل هذا الحديث الشريف

فتحصّل دلالة الحديث على عصمة الأمير

إستدلال بعضهم بالحديث على عصمة الأمير

بل لقد استدل المولوي نظام الدين بهذا الحديث على عصمة الأمير عليه الصّلاة والسلام، ممّا يدل أنّ دلالته عليها أمر مسلّم مفروغ عنه.

فقد قال ما نصّه: « إفاضة - قال الشيخ ابن همام في فتح القدير بعد ما أثبت عتق ام الولد وانعدام جواز بيعها، عن عدةٍ من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - وبالأحاديث المرفوعة استنتج ثبوت الإجماع على بطلان البيع:

ومما يدل على ثبوت ذلك الإجماع: ما أسنده عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: سمعت عليّاً يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في اُمّهات الأولاد أنْ لا يبعن، ثم رأيت بعدُ أنْ يبعن، فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحبّ إليّ من رأيك وحدك في الفرقة، فضحك علي - رضي الله تعالى عنه -.

واعلم أن رجوع علي - رضي الله تعالى عنه - يقتضي أنّه يرى اشتراط انقراض العصر في تقرر الإجماع، والمرجّح خلافه، وليس يعجبني أن لأمير المؤمنين شأناً يبعد أتباعه أنْ يميلوا إلى دليل مرجوح ورأي مغسول ومذهب مرذول، فلو كان عدم الإشتراط أوضح لا كوضوح شمس النهار كيف يميل هو إليه؟ وقد قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي. رواه الصحيحان. وقال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي.

١٨٢

فالإنقراض هو الحق.

لا يقال: إن الخلفاء الثلاثة أبواب العلم، وقد حكم عمر بامتناع البيع، لأن غاية ما في الباب أنهما تعارضا، ثم المذهب أن أمير المؤمنين عمر أفضل، وهو لا يقتضي أنْ يكون الأفضلية في العلم أيضاً، وقد ثبت أنه دار الحكمة فالحكمة حكمه »(١) .

في هذا الكلام دلالة على العصمة من وجوه:

منها: إستدلاله بحديث المنزلة على أنَّ الإمامعليه‌السلام لا يكون منه الميل إلى رأي باطل ودليل مرجوح ومذهب مرذول وهذا هو العصمة، إذ يدل امتناع الميل إلى ذلك على امتناع اختياره بالأولويّة القطعيّة.

ومنها: إنّ استدلاله بحديث دار الحكمة في المقام دليلٌ على أن هذا الحديث يدل على عصمتهعليه‌السلام .

ومنها: قوله « فالإنقراض هو الحق » فإنه صريح في دوران الحق مدار ميل الإمامعليه‌السلام وهذا هو العصمة.

ومنها: قوله: « الحكمة حكمه » لأنّ معناه أنّ كل ما حكم به الإمامعليه‌السلام فهو الحكمة وعين الحق والصّواب وهذا هو العصمة.

ترجمة نظام الدين السّهالوي

وهذا طرف من ترجمة المولوي نظام الدين وفضائله:

١ - قال السيد آزاد البلجرامي: « الملّا نظام الدين بن الملا قطب الدين الشهيد السهالوي المتقدم ذكره، هو عالم خبير وفاضل نحرير، سار في قصبات الفورب، واكتسب الفنون الدرسية من علماء الزمان، وختم تحصيله في حوزة

___________________

(١). الصبح الصادق في شرح المنار - مبحث الإجماع.

١٨٣

درس الشيخ غلام نقشبند الكهنوي المذكور في الأعلى، وأخذ عنه بقيّة الكتب، وقرأ على يده فاتحة الفراغ، وأقام بلكهنو، وطوى مسافة عمره في شغل التدريس والتصنيف، وانتهت إليه رياسة العلم في الفورب، ولبس الخرقة عن الشيخ عبدالرزاق الهانسوي المتوفى سنة ١١٣٦، وأخذ الفيوض الكثيرة عن السيد إسماعيل البلكرامي المتوفى سنة ١١٦٤، وهو من أجلّ خلفاء الشيخ عبد الرزاق المذكور.

وأنا دخلت لكهنو في التاسع عشر من ذي الحجة سنة ١١٤٨، واجتمعت بالملّا نظام الدين، فوجدته على طريقة السلف الصّالحين، وكان يلمع من جبينه نور التقديس.

توفي في التاسع من جمادى الاُولى سنة ١١٦١.

ومن تواليفه: حاشية على شرح هداية الحكمة لصدر الدين الشيرازي، وشرح على مسلّم الثبوت في اُصول الفقه للملّا محبّ الله البهاري المتقدم ذكره »(١) .

٢ - وقال القنوجي - في ( أبجد العلوم ) -: « ملا نظام الدين بن ملا قطب الدين السهالوي، كان فاضلاً جيّداً، عارفاً بالفنون الدرسية والعلوم العقلية والنقلية، وانتهت إليه رياسة العلم في بورب. قال السيد آزاد: اجتمعت به فوجدته ».

٣ - وقال عبد الحي الكهنوي: « الشيخ الإمام العالم الكبير، العلّامة الشهير، صاحب العلوم والفنون، وغيث الإفادة الهتون، العالم بالربع المسكون، أستاذ الأساتذة، وإمام الجهابذة، الشيخ نظام الدين، الذي تفرَّد بعلومه وأخذ لواءها بيده، لم يكن له نظير في زمانه في الأصول والمنطق والكلام.

___________________

(١). سبحة المرجان: ٩٤.

١٨٤

وكان مع تبحّره في العلوم وسعة نظره على أقاويل القدماء، عارفاً كبيراً زاهداً مجاهداً شديد التعبّد عميم الأخلاق حسن التواضع، كثير المواساة بالناس.

ومن مصنّفاته شرحان على مسلّم الثبوت للقاضي محبّ الله الأطول والطويل، وشرح له على منار الأصول.

وأمّا تلامذته فهم كثيرون.

توفي يوم الأربعاء، لثمان خلون من جمادى الاُولى، سنة ١١٦١ »(١) .

___________________

(١). نزهة النواظر ٦ / ٣٨٣ - ٣٨٥.

١٨٥

(٥)

حديث: « أمر موسى أنْ لا يسكن مسجده إلّا هارون

وإنّ علياً مني بمنزلة هارون من موسى

ولا يحلُّ مسجدي لأحدٍ إلّا علي »

هذا في حديث طويلٍ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يتضمّن أمره بسدّ أبواب أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وقوله لأمير المؤمنينعليه‌السلام : « اُسكن طاهراً مطهّراً »، فَنَفَس ذلك رجالُ على علي، فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً فقال

رواه الفقيه المحدّث أبو الحسن علي بن محمّد ابن المغازلي الواسطي الشافعي بطوله وفي آخره:

« ونفس ذلك رجال على علي، فوجدوا في أنفسهم، وتبيَّن فضله عليهم وعلى غيرهم من أصحاب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلم، فقام خطيباً فقال:

إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم فيّ أني أسكنت عليّاً في المسجد.

والله ما أخرجتهم ولا أسكنته.

إن الله عزّوجلّ أوحى إلى موسى وأخيه أنْ( تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ )

وأمر موسى أنْ لا يسكن مسجده، ولا ينكح فيه، ولا يدخله، إلّا هارون وذريّته.

١٨٦

وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي دون أهلي، ولا يحلّ مسجدي لأحدٍ ينكح فيه النساء إلّا علي وذريّته.

فمن ساءه فههنا، وأومى بيده إلى الشام »(١) .

وهذا الحديث نص قاطع على أن حديث المنزلة يقتضي حصول جميع ما حصل لهارون من المزايا والمناقب والأوصاف لسيّدنا ومولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويوجب تقدّمه وترجيحه وتفضيله على من سواه من أصحاب رسول الله.

وأيضاً: حصول جميع ما كان حاصلاً لذريّة هارون، لذرية مولانا أمير المؤمنين عليهم وعليه الصلاة والسلام.

فهل يجوز حمل حديث المنزلة على ما يتنافى مع مقصود من( ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى؟ ) .

وواضح: أنه لو كان المراد من التشبيه في الحديث بين هارون والأمير هو الخلافة الموقّتة المنقطعة، لم يكن هذا الحديث دليلاً لتخصيصهعليه‌السلام بالإسكان في المسجد وغير ذلك، وتقديمه على غيره من الصّحابة؟

وبالجملة، فإنّ دلالة هذا الحديث على عموم المنزلة تامّة، وإنْ كان دلالته على العصمة أبلغ وأوكد، لصريح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اُسكن طاهراً ومطهّراً » ولا ريب في أنّ هذه الصفة فيه هي السبب في اختصاصه بالسكن في المسجد، وإذا اختصَّ به السكن فالصّفة مختصّة به وتكون دلالة هذه الصّفة على العصمة واضحة.

وأيضاً: يثبت بهذا الحديث - صدراً وذيلاً - أفضليّتهعليه‌السلام من الخلفاء الثلاثة وهذا صدر الحديث:

___________________

(١). المناقب لابن المغازلي ٢٥٥.

١٨٧

« عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - لمـّا قدم أصحاب النبي المدينة، لم يكن لهم بيوت بيبتون فيها، فكانوا يبيتون في المسجد، فقال لهم النبي: - لا تبيتوا في المسجد فتحتلموا.

ثم إنّ القوم بنوا بيوتاً حول المسجد، وجعلوا أبوابها إلى المسجد.

وإنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادى أبا بكر فقال: إن رسول الله يأمرك أنْ تخرج من المسجد. فقال: سمعاً وطاعةً. وسدّ بابنه وخرج من المسجد. ثم أرسل إلى عمر فقال: إنّ رسول الله يأمرك أنْ تسدّ بابك الذي في المسجد وتخرج منه. فقال: سمعاً وطاعة، فسدّ بابه وخرج من مسجد الله ورسوله، غير أنْ رغب إلى الله في خوخة في المسجد، فأبلغه معاذ ما قال عمر، ثم أرسل إلى عثمان - وعنده رقية - فقال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه وخرج من المسجد ».

وأيضاً: ما جاء في الحديث من قوله: « وتبيّن فضله عليهم وعلى غيرهم » صريح في الأفضلية.

وبالجملة، دلالته على أفضليّتهعليه‌السلام منهم من وجوه حتى أنّهم لمـّا وجدوا في أنفسهم، أنكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم ما أبدوه، وردّ عليهم الردّ القاطع، وبيّن لهم أن الذي فعله لم يكن إلّا أمراً من الله سبحانه، كما كان من أمر موسى بالنسبة إلى هارون وذريّته حتى قال في آخر كلامه: « فمن شاء فههنا » وأومى بيده إلى الشام أي الخروج من بلد الإسلام إلى مسكن الكفّار

١٨٨

(٦)

حديث

يا علي يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي،

ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى

وفي حديثٍ آخر إنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

« تعال يا علي، إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحل لي، ألا ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة »، وإليك نصّ الحديث مسنداً، يرويه الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم، حيث يقول:

« أخبرنا صمصام الأئمة أبو عفّان عثمان بن أحمد الصرّام الخوارزمي بخوارزم، أخبرنا عماد الدين أبو بكر محمّد بن الحسن النسفي، حدّثنا أبو القاسم ميمون بن علي الميموني، حدّثنا الشيخ أبو محمّد إسماعيل بن الحسين بن علي، حدّثني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه، حدّثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن عبدة، حدّثنا إبراهيم بن سلام المكي حدّثنا عبد العزيز بن محمّد، عن حزام بن عثمان، عن ابن جابر، عن جابر بن عبداللهرضي‌الله‌عنه أنه قال:

جاءنا رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب، قال: ترقدون في المسجد!! فأجفلنا وأجفل علي معنا. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

تعال يا علي، إنه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي، ألا ترضى أنْ تكون

١٨٩

منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة؟ والذي نفسي بيده، إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الضالّ عن الماء، بعصىَّ لك من عوسج، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي »(١) .

أقول:

قوله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: « ألا ترضى » بعد قوله: « إنه يحلّ لك » بمنزلة التعليل للحكم المذكور، وإنّه لم يحل له ذلك إلّا لكونه منه بمنزلة هارون من موسى فالحديث - حديث المنزلة - يدل على مقامٍ شامخ اختص به دون سائر الأصحاب، فكان الأفضل والمقدّم على جميعهم.

كما يدل على عصمتهعليه‌السلام ، كما كان هارونعليه‌السلام معصوماً.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث « والذي نفسي بيده » دليل آخر على أفضلية علي عليه الصلاة والسلام وذكر هذه الفضيلة في سياق الفضيلة السّابقة شاهد على المماثلة بينهما في الدّلالة على الأفضليّة.

___________________

(١). المناقب للخوارزمي: ١٠٩ رقم ١١٦.

١٩٠

(٧)

حديث

« إن الله أوحى إلى موسى أنْ أتخذ مسجداً طاهراً »

« لا يسكنه إلّا هو وابنا هارون »

« وإنّ الله أوحى إليّ أنْ أتّخذ مسجداً طاهراً »

« لا يسكنه إلّا أنا وعلي وابنا علي »

قال الحافظ السمهودي:

« أسند ابن زبالة. ويحيى من طريقه:

عن رجل من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: بينما الناس جلوس في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ خرج مناد فنادى: يا أيّها الناس؛ سدّوا أبوابكم. فتحسحس الناس لذلك، ولم يقم أحد! ثم خرج الثانية فقال: يا أيها الناس، سدّوا أبوابكم. فلم يقم أحد! فقال الناس: ما أراد بهذا؟! فخرج فقال: أيها الناس سدّوا أبوابكم قبل أنْ ينزل العذاب. فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطلّب يجرّ كساءه حين نادى سدّوا أبوابكم - قال: ولكلّ رجلٍ منهم باب إلى المسجد، أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم - وجاء علي حتى قام على رأس رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال رسول الله: ما يعمّك، إرجع إلى رحلك. ولم يأمره بالسدّ.

فقالوا: سدّ أبوابنا وترك باب علي وهو أحدّثنا. فقال بعضهم: تركه

١٩١

لقرابته. فقالوا: حمزة أقرب منه وأخوه من الرضاعة وعمّه. وقال بعضهم: تركه من أجل ابنته.

فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج إليهم - بعد ثالثة - فحمد الله وأثنى عليه محمّراً وجهه، وكان إذا غضب احمرّ - عرف في وجهه - ثم قال:

أما بعد ذلكم، فإنّ الله أوحى إلى موسى أنْ اتّخذ مسجداً طاهراً، لا يسكنه إلّاهو وهارون وابنا هارون شبر وشبيراً. وإنّ الله أوحى إليّ أنْ أتّخذ مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّا أنا وعلي وابنا علي حسن وحسين، وقد قدمت المدينة واتّخذت بها مسجداً، وما أردت التحوّل إليه حتى اُمرت، وما أعلم إلّا ما علّمت، وما أصنع إلّاما اُمرت، فخرجت على ناقتي، فلقّيني الأنصار يقولون: يا رسول الله إنزل علينا، فقلت: خلّوا الناقة فإنها مأمورة، حتى نزلت حيث بركت. والله ما أنا سددت الأبواب، وما أنا فتحتها، وما أنا أسكنت عليّاً، ولكن الله أسكنه »(١) .

ورواه الشيخ إبراهيم الوصّابي باللّفظ المتقدم عن تاريخ محمّد بن الحسن بن زبالة في كتابه ( الإكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ) الذي نص في خطبته على كون أخبار كتابه معتبرةً بقوله: « سألني بعض إخوان الصّفا من أهل الصدق والوفا أنْ أجمع له تأليفاً من الأحاديث النبويّة، التي هي عن الثقات الأثبات مروية، في فضل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - سيّما الأربعة الخلفاء، ثم من سواهم من الصحابة، على ما ورد في فضلهم خصوصاً وعموماً، وفضل محبّيهم وذمّ مبغضيهم، ليتّضح به أنّ محبّتهم واقتفاء آثارهم من أزكى القرب وأفضل الأعمال، وأن المقتدين بهم على هدى من ربهم ومبغضيهم في غمرات الضلال، فيظهر الحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، فيحصل بذلك

___________________

(١). وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (١ -٢) : ٤٧٨ - ٤٧٩.

١٩٢

لقلوب الستّة والجماعة حائدون، ولنص الكتاب والسنّة معاندون همّاً وحزناً وغيظاً وأسفاً

فجمعت هذا الكتاب في شرف مناقبهم وعظيم قدرهم علوّ مراتبهم وتدوين بعض ما روي في فضلهم، ولبيان ما ذكر من عميم مفاخرهم من كتب عديدة على وجه الإختصار وحذف السند ».

أقول:

وفي الحديث المذكور تشبيه أمير المؤمنين وولديه بهارون وولديه، في الإختصاص بسكنى المسجد الطاهر، وأن هذا من الله سبحانه وبوحي منه، فالتشبيه الذي في حديث المنزلة منزّل على هذا الإختصاص، لأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً - كما في ( فتح الباري ) وغيره - وإذا كان حديث المنزلة يفيد هذا الإختصاص، فهو من أدلّة الأفضلية المطلقة لأمير المؤمنين، والأفضلية تدل على الأحقية بالخلافة والإمامة بلا فصل كما في ( منهاج السنّة ) و ( إزالة الخفاء ) و ( قرة العينين ) وغيرها من كتب أهل السنّة والجماعة.

وأيضاً، يدل الحديث على اختصاص الطهارة بعلي وفاطمة والحسنين، وما هذه الطهارة إلّا العصمة.

١٩٣

(٨)

حديث

« إن موسى سأل ربه أنْ يطهّر مسجده بهارون »

« وأنا سألت ربي أنْ يطهّر مسجدي بك »

روى الحافظ أبو نعيم في كتاب ( فضائل الصحابة ) قائلاً:

« حدّثنا يحيى بن الفرج، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن عبد العزيز العكبري، أنا أبو أحمد بن عبدالله بن محمّد الفوزي، ثنا جعفر بن محمّد الخواص، ثنا الحسن بن عبدالله الأبزازي، ثنا إبراهيم بن سعيد، عن المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن أبيه، عن أبيه عن ابن عباس قال:

قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لعلي: إنّ موسى سأل ربّه أنْ يطهّر مسجده لهارون وذريّته، وإنّي سألت الله أن يطهّر مسجدي لك ولذريّتك من بعدك.

ثم أرسل إلى أبي بكر أنْ سدّ بابك، فاسترجع وقال: سمعاً وطاعة. فسدّ بابه ثم إلى عمر كذلك، ثم صعد المنبر فقال: ما أنا سددت أبوابكم ولا فتحت باب علي، ولكن الله سدّ أبوابكم وفتح باب علي ».

وروى إبراهيم بن عبدالله اليمني الوصابي في ( الإكتفاء ):

« عن علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدي فقال: إن موسى سأل ربّه أن يطهّر مسجده بهارون، وأنا سألت ربي أن يطهّر مسجدي بك.

١٩٤

ثم أرسل إلى أبي بكر أنْ سدّ بابك، فاسترجع ثم قال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه. ثم أرسل إلى عمر بمثل ذلك، ثم أرسل إلى عبّاس بمثل ذلك. ثم قال رسول الله ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكنّ الله فتح باب علي وسدّ أبوابكم.

أخرجه الإمام الحافظ أبو حامد أحمد البزار في مسنده ».

أقول:

فإنّ هذه المشابهة دخيلة في المراد من حديث المنزلة، وليس حديث المنزلة لإفادة النيابة المنقطعة الموقّتة كما زعم المتأوّلون، كما أن الحديث دليل على مقام منيع وفضل عظيم، لا على منقصةٍ وعيب كما زعم الأعور وابن تيمية.

وعلى الجملة، فالحديث يدل على الأفضلية والطهارة والعصمة بكلّ وضوح وظهور، وبذلك تسقط مزاعم المعاندين الذين لم يجعل الله لهم من نور

١٩٥

(٩)

حديث

« إن الله أوحى إلى موسى وإنّ الله أوحى إليَّ »

« أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّا أنا وعلي وابنا علي »

وهذا حديث آخر وقعت فيه المشابهة بين هارون وابنيه وبين أمير المؤمنين وابنيه، في حصر سكنى المسجد بهم رواه ابن المغازلي بقوله:

« قولهعليه‌السلام : إنّ الله أوحى إلى موسى أنْ ابن لي مسجداً الحديث. أخبرنا أحمد بن محمّد إجازة، قال حدّثنا عمر بن شوذب، حدّثنا أحمد بن عيسى بن الهيثم، حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون، حدّثنا علي بن عيّاش، عن الحارث بن حصيرة، عن عدي بن ثابت، قال:

خرج رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى المسجد فقال: إنّ الله أوحى إلى نبيّه موسى أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّا موسى وهارون وابنا هارون، وإن الله أوحى إليّ أنْ أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّا أنا وعلي وابنا علي »(١) .

قال: « قوله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله عزّوجلّ أوحى إلى موسىعليه‌السلام الحديث.

وبإسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله عزّوجلّ أوحى

___________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٢٢٥ رقم ٣٠١.

١٩٦

إلى موسىعليه‌السلام أن ابن مسجداً طاهراً لا يكون فيه غير موسى وهارون وابني هارون شبر وشبير، وإنّ الله أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يكون فيه غيري وغير أخي علي وغير ابنيَّ الحسن والحسين علهيم السلام »(١) .

أقول:

وهذا حديث آخر ويستفاد منه دخل هذا التشبيه في المراد من حديث المنزلة، ودلالته على الأفضلية ومساواته مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطهارة والعصمة والأفضلية واضحة كما يدل على عصمة الحسنين وطهارتهما كالنبي الطاهر.

وقد رواه أبو سعد الخركوشي أيضاً كما في ( توضيح الدلائل ):

« عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في حديث طويل، وكان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، فنودي فينا: ألا ليخرج مَن في المسجد إلّارسول الله وإلّا علي، فخرجنا بأجمعنا، فلمـّا أصحبنا أتاه عمّه فقال: يا رسول الله! أخرجت أعمامك وأصحابك، وأسكنت هذا الغلام! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وما أنا أمرت بإخراجكم وإسكان هذا الغلام. وروي أنّ رسول الله قال: إنّ الله عزّوجلّ أمر موسى بن عمران صلوات الله عليه أنْ يبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ هو وهارون وابنا هارون شبر وشبير. وإنّ الله جلَّ جلاله قد أمرني أنْ ابني مسجداً لا يسكنه إلاّ أنا وعلي والحسن والحسين، سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي.

وفي خبر آخر: ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: سدّوا هذه الأبواب إلّاباب علي. ثم قال: سدّوا قبل أن ينزل العذاب. فخرج الناس مبادرين وخرج

___________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٢٩٩ رقم ٣٤٣.

١٩٧

حمزة - رضي الله تعالى عنه - يجرّ قطيفةً له حمراء وعيناه تذرقان ويبكي ويقول: يا رسول الله أخرجت عمّك وأسكنت ابن عمّك! فقال صلّى الله عليه وسلّم: ما أنا أخرجتك ولا أنا أسكنته، ولكنّ الله عزّوجلّ أسكنه.

وروي أن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - قال لرسول الله: يا رسول الله، دع كوّة حتى أنظر إليك منها حين تغدو وحى تروح. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا والله ولا مثل ثقب الإبرة.

روى الثلاثة أبو سعد في شرف النبوّة ».

١٩٨

(١٠)

حديث

« إن الله أمر موسى وهارون أنْ لا يبيت في مسجدهما جنب »

« ولا يقربوا فيه النساء إلّا هارون وذريّته »

« ولا يحلّ لأحدٍ إلّاعليّ وذريّته »

وهذا الحديث رواه الحافظ السيوطي بقوله:

« أخرج ابن عساكر عن أبي رافعرضي‌الله‌عنه : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب فقال: إن الله أمر موسى وهارون أنْ يتبوّءا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أنْ لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء، إلّاهارون وذريّته، ولا يحلّ لأحدٍ أنْ يقرب النساء في مسجدي هذا ولا يبيت فيه جنب إلّا علي وذريّته »(١) .

أقول:

وهذا نصّ في اختصاص هذا الحكم الدالّ على العصمة والطهارة في هذه الاُمة بعلي وذريّته، كما كان لهارون وذريّته في اُمّة موسى فلمـّا يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي منّي بمنزلة هارون من موسى » يريد إثبات هذه الفضائل العالية والمناقب الكريمة لعليعليه‌السلام ، كما كانت ثابتة لهارونعليه‌السلام ، ويريد أن يُعلمه بأنّ شأنه في هذه الاُمّة شأن هارون في اُمه موسى من جميع الجهات، وبالنظر إلى كلّ الكمالات والفضائل والخصائص.

___________________

(١). الدر المنثور ٤ / ٣٨٣ سورة يونس آية ٨٧.

١٩٩

(١١)

حديث

صياح النخلة لمـّا مرّ بها المصطفى والمرتضى

« هذا موسى وأخوه هارون »

روى الخطيب الخوارزمي المكّي الحنفي قائلاً:

« أخبرني شهردار هذه إجازة: أخبرنا أبي شيرويه بن شهردار الديلمي، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون الباقلاني الأمين فيما أجاز لي، أخبرنا أبو علي الحسن بن الحسين بن دوما ببغداد، أخبرنا أحمد بن نصر بن عبدالله بن الفتح الذارع بالنهروان، حدثنا صدقة بن موسى بن تميم بن ربيعة أبو العباس، حدّثنا أبي، حدّثنا الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عليعليه‌السلام قال:

خرجت مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ذات يوم نمشي في طرقات المدينة، إذ مررنا بنخلٍ من نخلها، فصاحت نخلة، فصاحت نخلة باُخرى: هذا النبي المصطفى وعلي المرتضى. ثم جزناها فصاحت ثانية بثالثة: هذا موسى وأخوه هارون، ثم جزناها فَصاحت ثالثة برابعة: هذا نوح وإبراهيم، ثم جزناها فصاحت رابعة بخامسة: هذا محمد سيد النبيين وهذا علي سيد الوصيين. فتبسّم النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثم قال: يا علي إنّما سمّي نخل المدينة صيحانيّاً

٢٠٠