نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 421

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 230475
تحميل: 5226


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 230475 / تحميل: 5226
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 18

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نبيّنا - صلّى الله عليه وسلّم - بإرساله جبرئيل -عليه‌السلام - بإجابته - كما في حديث أسماء بنت عميس -.

فقد شابه الوصيعليه‌السلام هارون في سؤال النبيّين الكريمينعليهما‌السلام ، وفي إجابة الرب سبحانه وتعالى، وتمّ التشبيه بتنزيله منه - صلّى الله عليه وسلّم - منزلة هارون من الكليم، ولم يستثن شيئاً سوى النبوّة، لختم الله بابها برسوله - صلّى الله عليه وسلّم - خاتم الأنبياء.

وهذه فضيلة اختصّ الله تعالى بها ورسوله الوصيّعليه‌السلام ، لما يشاركه فيها أحد غيره، وقد نزّله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من نفسه منزلة رأسه من جسده، كما أخرجه الخطيب عن البراء بن عازب، والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علي منّي بمنزلة رأسي من جسدي ».

أقول:

وفي هذا الكلام دلالة حديث المنزلة على الأفضلية بصراحة، كما في دلالة على أفضليّته من غير هذه الناحية، كما لا يخفى على من تدبّر فيه.

ترجمة محمّد بن إسماعيل الأمير

وقد ترجم القاضي الشوكاني محمّد بن إسماعيل الأمير ترجمةً ضافية نذكر منا الجمل الآتية:

« السيد محمّد بن إسماعيل بن صلاح ابن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم، الكحلاني ثم الصنعاني، المعروف بالأمير: الإمام الكبير، المجتهد المطلق، صاحب التصانيف، ولد ليلة الجمعة نصف جمادى

٢٦١

الآخرة سنة ١٠٩٩، ورحل إلى مكة، وقرأ الحديث على أكابر علمائنا وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرّد برياسة العلم في صنعاء، وتظهر بالإجتهاد، وعمل بالأدلّة، ونفر عن التقليد، وزيّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهيّة وله مصنفات جليلة حافلة، وقد أفرد كثيراً من المسائل بالتصنيف بما يكون جميعه في مجلدات

وبالجملة، فهو من الأئمة المجدّدين لمعالم الدين

وتوفي رحمه ‌الله في يوم الثلاثاء ثالث شهر شعبان سنة ١٨٢ »(١) .

تصريح ابن روزبهان بحصول جميع الفضائل للإمام علي

وقال الفضل ابن روزبهان في مبحث حديث المنزلة من كتابه ( الباطل ):

« وأيضاً: يثبت به لأمير المؤمنين فضيلة الاُخوة والمؤازرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلّم - في تبليغ الرسالة وغيرهما من الفضائل، وهي مثبتة يقيناً لا شك فيه ».

وكلمة « الفضائل » في هذا الكلام ظاهرة في العموم كما لا يخفى، ودلالتها على ذلك واضحة ومن المعلوم أن هذا غير حاصل لغيرهعليه‌السلام ، فهو الأفضل والمقدم على الجميع.

___________________

(١). البدر الطالع ٢ / ١٣٣ - ١٣٨ رقم ٤١٧.

٢٦٢

تصريح الشريف بدلالة الحديث على

شدّة الاتصال بين النبي وعلي

والسيّد المحقّق الجرجاني صرح في ( حاشية المشكاة ) بدلالة حديث المنزلة على شدة الإتصال بين النبي - صلّى الله عليه وسلّم - وبين أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، في جميع الفضائل، إلّا النبوّة وقد تقدمت عبارته سابقاً. ومن الواضح إفادة هذا الكلام أفضلية الإمام، وأعلميّته، وتقدّمه من جميع الجهات، على من عدا الرسول الكريم - صلّى الله عليه وسلّم

فما توهّمه بعض المتوهّمين من دلالة الحديث على الإستخلاف الموقّت فقط، واضح السّقوط، لأنّ مقتضى شدة الإتصال في الفضائل هو حصول جيمع الفضائل الثابتة لهارون، ومن البيّن أنّ عمدتها الأفضلية والأرجحيّة والأعلمية بعد موسى، فهذه الصفات تكون ثابتة للإمام كذلك بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

تصريح المولوي محمّد إسماعيل الدهلوي بدلالة الحديث على عدم الفرق بين النبي وعلي إلّافي النبوة

والمولوي محمد إسماعيل - وهو ابن أخ ( الدهلوي ) - يصرّح في كتابه ( منصب امامت ) بأنّ مدلول حديث المنزلة عدم الفرق بين النبي وأمير المؤمنينعليهما‌السلام في شيء من الكمالات إلّافي النبوة، بحيث لو كان بعد خاتم الأنبياء نبي لفاز بهذه المرتبة أيضاً.

٢٦٣

تصريح نظام الدين الكهنوي بدلالة الحديث على

اتصاف الإمام بكلّ ما اتّصف به النبيّ

ونظام الدين أحمد بن علي الأكبر الكهنوي يقول بعد نقل حديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن علياً نفس الرسول:

« يعني: إن عليّاً المرتضى ذات الرسول، وأيّ مدح يفوق هذا المدح ويزيد عليه! فإنّه قد أفاد عينيّته له، وعليه، فبكلّ صفةٍ اتّصف بها محمّد المصطفى اتصف بها علي المرتضى، عدا النبوّة، فإنها خاصّة مختصّة بالرسول، كما قال في حديثٍ آخر: لا نبي بعدي »(١) .

___________________

(١). تحفة المحبين - مخطوط.

٢٦٤

(٢١)

ورود الحديث

في غزوة تبوك في مقام التّسلية

والروايات الكثيرة دلّت على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون » لغرض التسلية له، في مقابلة ما أرجف به المرجفون وتكلّم به المنافقون وورود الحديث في هذا المقام يدل دلالةً صريحة على أن مراد النبي إثبات الخلافة الكبرى والإمامة العامّة، ولا أقل من أنّ المراد بإثبات الأفضلية، وهي أيضاً مستلزمة للخلافة العامة بلا فصل

ولو كان المراد من الحديث تلك الخلافة الجزئية المنقطعة برجوعه من الغزوة، أو كان المراد ما تفوّه به الأعور وأمثاله لم يثبت له به شرف عظيم ومقام جليل، إذ لا شرف خاص في النيابة الجزئية، وقد حصلت لغيره من آحاد الصّحابة مرةً بعد مرةٍ فأين التسلية المسوق لأجلها هذا الكلام؟! بل لو كان لما ذكره الأعور وغيره أدنى حظ من الواقعيّة، لكان هذا الحديث منافياً للتسلية ومخالفاً للتّرضية!

ولقد بيّن العلامة سبحان علي خان رحمه ‌الله تعالى هذا المطلب، بحيث لم يجد رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) بدّاً من الإعتراف بأنّ هذه الخلافة الحاصلة للإمامعليه‌السلام لا يُماثلها الخلافة الحاصلة لغيرة كابن اُم مكتوم وغيره بل إنّ هذه تدل على شرفٍ عظيم للإمامعليه‌السلام لم ينل الآخرين

٢٦٥

الذين استخلفهم على المدينة المنورة في كل مرة خرج منها.

وفي هذا الذي أثبته الرشيد الدهلوي تكذيب وتجهيل لابن تيميّة وأمثاله، الذين زعموا عدم الفرق بين خلافته هذه المرّة وخلافة غيره في المناسبات الاُخرى كما تكذّبه كلمات غيره كابن طلحة الشافعي، وولي الله الدهلوي وغيرهما

هذه خلاصة ما ذكره العلامة سبحان علي خان، وما ذكره رشيد الدين الدهلوي في بحثه معه في كتابه ( إيضاح لطافة المقال ). وإن شئت تفصيل ذلك فارجع إلى الكتاب المذكور.

٢٦٦

(٢٢)

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث

« إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك »

لقد قال صلّى الله وآله وسلّم لعليعليه‌السلام - لدى استخلافه على المدينة المنورة، وفي ذيل قوله: « أما ترضى أنْ تكون » -: « إنّ المدينة لا تصلح إلّابي أو بك ».

وفي هذه الجملة دلالة على حصول مقام جليل وشرفٍ عظيم لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ما حصل ولن يحصل لغيره أبداً فاستخلافه على المدينة كان بسبب تلك المنزلة التي اختص بها الإمام دون غيره، وفي ذلك دلالة تامة على أفضليته المستلزمه للخلافة العامة بعد الرسول بلا فصل فليتب النواصب ممّا تقوّلوا في تنقيص شأن الإمام وتحقير رتبة استخلافه، وليعودوا عمّا فاهوا به وسطرته أقلامهم لتوهين المقام الخاص بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه ‌السلام ، وحطّه إلى حدٍّ يكون مشتركاً بين الإمامعليه‌السلام وآحاد الصحابة! بل جعله أضعف وأوهن من الخلافة الحاصلة لغيره، باستختلاف النبي إيّاهم على المدينة! بل جعله دليلاً على نقصٍ وعيب في الإمام عليه الصلاة والسلام!!.

فلننقل نصّ الحديث ليعضّ النواصب على أيديهم خجلاً وحسرةً:

أخرج الحاكم في كتاب التفسير قائلاً: « حدّثني الحسن بن محمّد بن إسحاق الإسفرايني، ثنا عمير بن مرداس، ثنا

٢٦٧

عبدالله بن بكير الغنوي، ثنا حكيم بن جبير، عن الحسن بن سعد مولى علي، عن عليرضي‌الله‌عنه :

إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أراد أن يغزو غزاة له، قال: فدعا جعفراً(*) وأمره أنْ يتخلّف على المدينة.

فقال: لا أتخلَّف بعدك أبداً.

فدعاني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فعزم علي لمـّا تخلّفت قبل أن أتكلّم.

قال: فبكيت.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما يبكيك يا علي؟

قلت: يا رسول الله يبكيني خصال غير واحدة، تقول قريش غداً: ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمه وخذله. ويبكيني خصلة اُخرى: كنت اُريد أنْ أتعرّض للجهاد في سبيل الله، لأن الله يقول:( وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً ) إلى آخر الآية، فكنت اُريد أنْ أتعرض لفضل الله.

فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: أمّا قولك تقول قريش ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمه وخذله، فإن لك بي اُسوة، قد قالوا ساحر وكاهن وكذّاب. أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وأما قولك: أتعرّض لفضل الله. هذا بهار من فلفل جاءنا من اليمن، فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتى يأتيكم الله من فضله، فإنّ المدينة لا تصلح إلّابي أو بك.

___________________

(*). الظاهر انه جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. فما في بعض الروايات من أنّه ابن أبي طالب فليس في المستدرك.

٢٦٨

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(١) .

وقال محمّد صدر العالم:

« أخرج البزار، وأبو بكر العاقولي في فوائده، والحاكم - وقال صحيح الإسناد - وابن مردويه، عن عبدالله بن بكير الغنوي، عن حكيم بن جبير، عن الحسن بن سعد مولى علي، عن علي: إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أراد أنْ يغزو غزاةً، فدعا جعفراً(٢) .

وقال البدخشاني:

« أخرج الحاكم عن علي: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - قال له:

أمّا قولك: تقول قريش: ما أسرع تخلّفه عن ابن عمّه »(٣) .

ورواه إبراهيم الوصابي اليمني:

« عن علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - قال: لما أراد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنْ يغزو بتبوك دعا جعفر بن أبي طالب، فأمره أنْ يتخلّف على المدينة »(٤) .

ورواه صاحب ( تفسير شاهي ) عن الإكتفاء، بتفسير قوله تعالى:( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ ) (٥) .

وقال محمّد بن إسماعيل الأمير:

« واعلم أنه لم يخلّفه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلّا في غزاة تبوك، وهي آخر غزوةٍ غزاها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعد الفتح واتّساع نطاق الإسلام وكثرة جيوش الإيمان، فإنها كانت في رجب سنة تسع

___________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٦٧ ح ٣٢٩٤.

(٢). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

(٣). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٤). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفا - مخطوط.

(٥). سورة ص: ٤.

٢٦٩

من الهجرة، وكانت أبعد الغزوات، وسافر فيها - صلّى الله عليه وسلّم - إلى بلاد الشام وجهته، فلم يطمئن قلبه في الإستخلاف إلى غير وصيّه - صلّى الله عليه وسلّم -، أمّا في غيرها من الغزوات فقد كان فيها سيفه الذي يفلق به الهام ويسيل تحته مهج الطغام، وهذه الغزاة قد كثر فيها جند الإسلام، فكان تخليفه على أهله أهم، لبعد السفرة وخروجه - صلّى الله عليه وسلّم - عن بلاد العرب، وأنها لا تصلح المدينة إلّابه أو بعليعليه‌السلام . كما في بعض طرق الحديث: إنّ المدينة لا تصلح إلّابي أو بك، فكان استخلافه أرجح من خروجه »(١) .

فقد عرفت أنّ رواة هذا اللفظ هم كبار الأئمّة الأعلام، كالبزّار، والحاكم - وصحّحه - والعاقولي، وابن مردويه الإصبهاني

هذا ولكن ابن تيميّة يقول:

« وأما قوله: ولأنه الخليفة مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فعند موته بطول الغيبة يكون أولى بأنْ يكون خليفة.

فالجواب: إنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي، استخلافاً أعظم من استخلاف علي، واستخلف أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم عليّاً، وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع، فليس جعل علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة، بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه وأعظم مما استخلفه، وآخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع، وكان علي باليمن وشهد معه الموسم، لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير علي. فإنّ كان أصل بقاء الإستخلاف فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك. وبالجملة، فالإستخلافات على المدينة ليس من

___________________

(١). الروضة الندية في شرح التحفة العلوية.

٢٧٠

خصائصه، ولا تدل على الأفضلية، ولا على الإمامة، بل قد استخلف عدداً غيره.

ولكن هؤلاء جهّال، يجعلون الفضائل العامّة المشتركة بين علي وغيره خاصةً بعلي وإنْ كان غيره أكمل منه فيها، كما فعلوا في النصوص والوقائع، وهكذا فعلت النصارى، جعلوا ما أتى به المسيح من الآيات دالّاً على شيء يختص به من الحلول والإتحاد. وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما أتى به، وكان ما أتى به موسى من الآيات أعظم ممّا جاء به المسيح »(١) .

وهذا الكلام كفر صريح، لكونه ردّاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي ينصّ على اختصاص هذه الفضيلة الجليلة بأمير المؤمنينعليه‌السلام !! إنّهم لا مناص لهم من الحكم بضلالته وتكفيره، وإنه لا يبقى ريب - بعدئذٍ - في أنّ جميع مساعي هذا الرجل وأمثاله في توهين هذا الإستخلاف ليست إلّاعناداً ومخالفةً للرسول الأكرم نفسه، لأنّه هو الذي نصّ على اختصاص هذه المرتبة به وبعليعليه‌السلام ، فانظر إلى أين ينتهي دعوى ضعف هذا الإستخلاف كونه نقصاً له!!

ولكن ابن تيميّة لا يتحرّج من إساءة الأدب بالنسبة إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكذا أمير المؤمنينعليه‌السلام وعمّار بن ياسر وغيرهما.

بل إنّ كلامه المذكور إساءة أدب بالنسبة إلى عمر بن الخطاب ومعاوية وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من أئمّته، الذين طالما حاول الذبّ والدفاع عنهم بالأكاذيب والأباطيل، وذلك، لأنّ حديث المنزلة يدل في نظر هؤلاء أيضاً على شأنٍ عظيم ومقام جليل، حق أنّهم قد تمنّوا حصول ذلك لهم في مقابل الدنيا وما فيها، فلولا دلالة الحديث على الأفضليّة، لم يكن لما قالوه وتمنّوه معنى! وهل يصفهم ابن تيمية حينئذٍ بالجهل؟! وهل يشبّه حالهم بحال النصارى فيما ذكر؟

___________________

(١). منهاج السنة ٧ / ٣٣٧.

٢٧١

(٢٣)

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث

« لابُدّ من أنْ أقيم أو تقيم »

وفي بعض طرق حديث المنزلة: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام لمـّا أراد أن يخلّفه على المدينة: « لابُدّ أنْ أقيم أو تقيم »

وممّن روى هذا اللفظ:

ابن سعد: « أخبرنا روح بن عبادة، قال أخبرنا عون، عن ميمون، عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: لمـّا كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك، قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لعلي بن أبي طالب: إنّه لابُدّ من أنْ أقيم أو تقيم. فخلّفه، فلمـّا فصل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - غازياً، قال ناس: ما خلف علياً إلّا لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك عليّاً، فأتبع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - حتى انتهى إليه فقال له: ما جاء بك يا علي؟ قال: يا رسول الله، إني سمعت ناساً يزعمون أنك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي، فتضاحك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وقال: يا علي، أما ترضى أنْ تكون مني كهارون من موسى غير أنّك لست بنبيّ! قال: بلى يا رسول الله فإنه كذلك »(١) .

وقال ابن حجر بشرح الحديث: « قوله: أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى. أي نازلاً مني منزلة هارون من موسى. والباء زائدة. وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد: فقال علي: رضيت رضيت. أخرجه أحمد.

___________________

(١). الطبقات الكبرى ٣ / ٢٤.

٢٧٢

ولابن سعد من حديث البراء وزيد بن أرقم نحو هذه القصة: قال بلى يا رسول الله، قال فإنه كذلك. وفي أوّل حديثهما إنهعليه‌السلام قال لعلي: لابدّ من أنْ اُقيم أو تقيم، فأقام علي، فسمع ناساً يقولون: إنّما خلّفه لشيء كرهه منه. فأتبعهُ فذكر له ذلك. فقال له. الحديث. وإسناده قوي »(١) .

والحديث - كالحديث السابق عن الحاكم - صريح في اختصاص أمير المؤمنينعليه‌السلام بمقام لا يشاركه فيه غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو إذن أفضل وأرجح أقدم ممن سواه، والحمدلله. فما تقول لابن تيميّة وأمثاله من أصحاب الخرافات والتّرهات في هذا المقام؟

ترجمة ابن سعد

وابن سعد الراوي لهذا الحديث القوي، يعتبر من أكابر علمائهم المعتمدين وأئمتهم المتبحّرين.

١ - قال ابن خلكان: « أبو عبدالله محمّد بن سعد بن منيع الزهري البصري كاتب الواقدي. كان أحد الفضلاء النبلاء الأجلّاء، صحب الواقدي المذكور قبله زماناً، وكتب له فعرف به، وسمع من سفيان بن عيينة وأنظاره، وروى عنه أبو بكر ابن أبي الدنيا، وأبو محمّد الحارث بن أبي اُسامة التميمي وغيرهما، وصنّف كتاباً كبيراً في طبقات الصحابة والتابعين والخلفاء إلى وقته، فأجاد فيه وأحسن، وهو يدخل في خمس عشر مجلدة، وله طبقات اُخرى صغرى. وكان صدوقاً ثقةً، ويقال: اجتمعت كتب الواقدي عند أربعة أنفس أوّلهم كاتبه محمّد بن سعد المذكور، وكان كثير العلم غزير الحديث والرواية، كثير الكتبة لكتب الحديث والفقه وغيرهما.

___________________

(١). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٠.

٢٧٣

وقال الحافظ أبو بكر صاحب تاريخ بغداد في حقه: ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرّى في كثير من رواياته، وهو من موالي الحسين بن عبدالله بن عبيدالله بن العباس بن عبد المطلب.

وتوفي يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ٢٣٠ ببغداد، ودفن في مقبرة باب الشام وهو ابن ٦٢ سنة. رحمه ‌الله تعالى »(١) .

٢ - الذهبي: « الإمام الحبر أبو عبدالله محمد بن سعد الحافظ قال أبو حاتم: صدوق»(٢) .

٣ - ابن حجر: « صدوق فاضل »(٣) .

أقول:

وكتابه ( الطبقات ) ذكره ( كاشف الظنون ) وقال: « أعظم ما صنّف فيه، جمع من الصحابة والتابعين والخلفاء »(٤) .

___________________

(١). وفيات الاعيان ٤ / ٣١٥ رقم ٦٤٥.

(٢). العبر - حوادث ١٢٣٠ / ٣٢٠.

(٣). تقريب التهذيب ٢ / ١٦٣ رقم ٢٤٤.

(٤). كشف الظنون ٢ / ١١٠٣.

٢٧٤

(٢٤)

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الإستخلاف

« لك من الأجر مثل مالي ومالك من المغنم مثل مالي »

وممّا يبطل هفوات النواصب ومقلّديهم، المنكرين دلالة حديث المنزلة والإستخلاف يوم غزوة تبوك، على الفضل المبين لأمير المؤمنين، بل يجعلونه من الفضائل العامّة المشتركة، بل يدّعونه عيباً ونقصاً في حقّ سيّد الموحّدين هذا الحديث الذي اشتمل على قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له لدى استخلافه في ذلك الوقت:

« أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل مالي ومالك من المغنم مثل مالي ».

وهذا الحديث أخرجه الحافظ المحبّ الطبري، وجعل له عنواناً خاصّاً به، حيث قال: « ذكر إختصاصه بأن له من الأجر ومن المغنم مثل ما للنبي صلّى الله عليه وسلّم.

في غزوة تبوك - ولم يحضرها - عن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي يوم غزوة تبوك: أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل مالي ومالك من المغنم مثل مالي.

خرّجه الخلعي »(١) .

وفي هذا الحديث من كمال الشرف ونهاية العلوّ والإختصاص وسموّ

___________________

(١). الرياض النضرة ( ٣ - ٤ ): ١١٩.

٢٧٥

المقام ما لا يخفى، فمن الذي يوازي أجره أجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يقال بأنها فضائل عامّة مشتركة؟ وكيف يكون الإستخلاف في تلك الواقعة دليلاً على النقص والعيب والفساد العظيم والحال أنّ أجره مثل أجر رسول الله؟ وهل بعد هذا الحديث قيمة لهفوات النواصب وسخافات المعاندين؟

وعلى الجملة، فهذا الحديث وجه آخر من وجوه دلالة حديث المنزلة على الأفضليّة وتعيّن الخلافة لأمير المؤمنينعليه‌السلام لأن مقتضى المماثلة مع رسول الله في الأجر أنْ يكون أجره -عليه‌السلام - أكثر من أجر جميع الخلائق، والأكثرية في الأجر والثواب عين الأفضلية، كما لا يخفى على اولي الألباب.

فالعجب من هؤلاء النواصب يقول الرسول له: إنْ أقام يكون له من الأجر مثل أجره ويقولون: إقامته في المدينة واستخلاف النبيّ إيّاه أضعف وأوهن من سائر الإستخلافات، وأنه يدل على نقصٍ وعيبٍ فيه، وعلى حصول فتنة عظيمة وفسادٍ كبير بسببه!!

ترجمة أبي الحسين الخلعي

والخلعي الراوي لهذا الحديث، من كبار الفقهاء والمحدّثين، فقد وصفه الذهبي بـ « الإمام الفقيه القدوة مسند الديار المصرية »(١) ووصفه بالدين والعبادة وعلوّ الإسناد(٢) . والأسنوي قال: « فقيه صالح، له كرامات، وكان أعلى أهل مصر إسناداً »(٣) . وذكره ابن خلكان بقوله:

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٩ / ٧٤.

(٢). العبر ٢ / ٣٦٦.

(٣). طبقات الشافعية ١ / ٢٣٠ رقم ٤٣٠.

٢٧٦

« أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين بن محمد القاضي، المعروف بالخلعي، الموصلي الأصل، المصري الشافعي، صاحب الخلعيّات المنسوبة إليه، سمع أبا الحسن الحوفي، وأبا محمّد ابن النحاس، وأبا الفتح العداس، وأبا سعد الماليني، وأبا القاسم الأهوازي، وغيرهم.

قال القاضي عياض اليحصبي: سألت أبا علي الصدفي عنه - وكان قد لقيه لـمّا رحل إلى البلاد الشرقيّة - فقال: فقيه وله تواليف، ولّي القضاء وقضى يوماً واحداً استعفى وانزوى بالقرافة ، وكان مسند مصر بعد الحبّال.

وذكره القاضي أبو بكر ابن العربي فقال: شيخ معتزل في القرافة، له علوّ في الرواية، وعنده فوائد.

وقد حدّث عنه الحميدي وكنّى عنه بالقرافي »(١) .

وترجم له اليافعي حيث قال:

« الخلعي القاضي أبو الحسين المصري الفقيه الشافعي. سمع طائفة وانتهى إليه علوّ الإسناد بمصر. قال ابن سكرة: فقيه له تصانيف، ولي القضاء وحكم يوماً واستعفى وانزوى في القرافة »(٢) .

___________________

(١). وفيات الاعيان ٣ / ٣١٧ رقم ٤٤٤.

(٢). مرآة الجنان - حوادث ٣٤٩٢ / ١٥٥.

٢٧٧

(٢٥)

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث

« إنّه لا ينبغي أنْ أذْهب إلّا وأنت خليفتي »

ومن الدلائل: أنّه لـمّا استخلفه على المدينة في غزوة تبوك وقال له:

« أما ترضى أنْ تكون » علّل ذلك بقوله: « إنّه لا ينبغي أنْ أذهب إلّا وأنت خليفتي » وقد روى حديث المنزلة السياقة جمع كبير من أئمتهم وأعلام علمائهم، منهم:

١ - أحمد بن حنبل.

٢ - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.

٣ - أبو عبدالله الحاكم النيسابوري.

٤ - الموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي.

٥ - علي بن الحسن المعروف بابن عساكر.

٦ - أبو حامد محمود بن محمد الصالحاني.

٧ - محمد بن يوسف الكنجي الشافعي.

٨ - محبّ الدين أحمد بن عبدالله الطبري.

٩ - إسماعيل بن عمر الدمشقي المعروف بابن كثير.

١٠ - شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني.

١١ - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.

١٢ - عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين.

٢٧٨

١٣ - علي بن حسام الدين المتّقي الهندي.

١٤ - شهاب الدين أحمد صاحب توضيح الدلائل.

١٥ - أحمد بن الفضل بن باكثير المكي.

١٦ - ميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني.

١٧ - وليّ الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي.

١٨ - محمد بن إسماعيل الأمير.

١٩ - أحمد بن عبد القادر الحفظي العجيلي.

٢٠ - المولوي محمد مبين الكهنوي.

رواية أحمد بن حنبل

أخرجه أحمد في مسنده حيث قال: «حدّثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، ثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا أبا عباس إمّا أن تقوم معنا وإمّا أنْ تخلونا هؤلاء.قال فقال ابن عباس: بل أقوم معكم. قال - وهو يومئذٍ صحيح قبل أنْ يعمى - قال: فأنتدوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا. قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجلٍ له عشر، وقعوا في رجلٍ:

قال له النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: لأبعثنّ رجلاً لا يخزيه الله أبداً، يحبّ الله ورسوله، قال: فاستشرف لها من استشرف، قال: أين علي؟ قال: هو في الرحى يطحن. قال: وما كان أحدكم يطحن! قال: فجاء - وهو أرمد لا يكاد يبصر - قال: فنفث في عينيه ثم هزّ الراية ثلاثاً. فأتاها إياه، فجاء بصفيّة بنت حيي.

قال: ثم بعت فلاناً بسورة التوبة، فبعث عليّاً خلفه، فأخذها منه، قال: لا

٢٧٩

يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه.

قال: وقال لبني عمّه: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال - وعلي جالس - فأبوا. فقال علي: أنا اُواليك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليّي في الدنيا والآخرة.

قال: وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة.

قال: وأخذ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين فقال:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم نام مكانه. قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء أبو بكر وعلي نائم قال وأبو بكر يحسب أنّه نبي الله قال فقال: يا نبي الله. قال: فقال له علي: إنّ نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه. قال: فانطلق أبو بكر، فدخل معه الغار. قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يتضوّر، قد لفَّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر، وقد استنكرنا ذلك.

قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك. قال فقال له علي: أخرج معك؟ قال فقال له نبي الله صلّى الله عليه وسلّم - لا. فبكى علي. فقال له: أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّك لست بنبي؟ إنّه لا ينبغي أنْ أذهب إلّاوأنت خليفتي.

قال: وقال له رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي.

٢٨٠