نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 421

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 228845
تحميل: 5158


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228845 / تحميل: 5158
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 18

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ملحق حديث المنزلة

رسالةُ في

حديث المنزلة في غير تبوك

تأليف

السيّد علي الحسيني الميلاني

٣٦١

٣٦٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

وبعد

فقد كان لنا في كلّ حديثٍ من أحاديث هذه الموسوعة ملحقٌ في قسم السند، إستدركنا فيه طائفةً من الأعلام الرواة للحديث، أو ذكرنا بعض أسانيده الصحيحة بتصحيحٍ منّا أو من غيرنا.

لكنْ لمـّا كان ( حديث المنزلة ) من أحاديث كتابي البخاري ومسلم، المعروفين بالصحيحين، وكذا غيرهما من الكتب المشهورة، فقد رأينا أنْ لا حاجة إلى الإستدراك على رواته الذي ذكرهم السيّد مؤلّف ( عبقات الأنوار ).

ومن جهةٍ أخرى. فقد وجدنا أنّ أهمّ ما يتذرّع به المخالفون، دعوى ورود هذا الحديث في غزوة تبوك، ليكون قرينةً على اختصاص الإستخلاف بمدّة خروج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى تلك الغزوة، فلا يدلّ الحديث على العموم، حتى يستدلّ به على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول الله مباشرة.

وقد اهتمّ السيّد صاحب ( عبقات الأنوار ) طاب ثراه بهذه الشبهة، وأثبت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هذا الكلام في مواطن عديدة.

ونحن اقتفينا أثره، فوضعنا هذه الرسالة على أساس ما ذكره، مع إضافة موارد ورواياتٍ أخرى، مع الإقتصار على الموارد المتيقّنة التي قامت عليها

٣٦٣

الروايات المشتهرة، ثمّ تصحيح كثير من أسانيد الأحاديث وإيراد فوائد شتّى.

والله أسأل أنْ يتقبّل منّا جميعاً، ويوفّقنا لما يحبُّ ويرضى، بمحمّد وآله الطارهين.

المورد ( ١ - ٢ )

في يوم المؤاخاة

رواه جماعة من الأعلام بأسانيدهم، وإليك روايات أشهرهم:

١ - رواية أحمد بن حنبل

قال المتقي الهندي:

« مسند زيد بن أبي أوفى: لمـّا آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه قال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت، غيري، فإنْ كل من سخطٍ عَلَيَّ فلك العتبى والكرامة.

فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - والذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلّا لنفسي وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي.

قال: وما أرث منك يا رسول الله؟

قال: ما ورثت الأنبياء من قبلي.

قال وما ورثت الأنبياء من قبلك؟

قال: كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم.

وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي.

٣٦٤

حم. في كتاب مناقب علي »(١) .

٢ - رواية القطيعي

ورواه القطيعي تلميذ عبدالله بن أحمد، فقد جاء في المناقب:

« حدّثنا الحسن قال: حدّثنا أبو عبدالله الحسين بن راشد الطّفاوي والصبّاح بن عبدالله بن بشر - والخبران متقاربان في اللّفظ يزيد أحدهما على صاحبه - قالا: حدّثنا قيس بن الربيع قال: حدّثنا سعد الإسكاف، عن عطية، عن محدوج بن زيد الذهلي:

إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - آخى بين المسلمين.

ثمّ قال: يا علي أنت أخي، وأنت بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي.

أما علمت - يا علي - أنّ أوّل من يدعى يوم القيامة بي وأقوم عن يمين العرش، فاكسى خضراء من حلل الجنّة، ثمّ يدعى بالنبيين بعضهم على أثر بعضهم، فيقومون سماطين على يمين العرش، يكسون حللاً خضراً من حلل الجنّة، ألا وإنّي اُخبرك - يا علي - أنّ اُمّتي أوّل الاُمم يحاسبون يوم القيامة.

ثمّ أنت أوّل من يدعى بك، لقرابتك ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، تسير به بين السماطين، آدم وجميع خلق الله يستظلّون بظلّ لوائي، وطوله مسيرة ألف سنة، نسانه ياقوته حمراء، له ثلاثة ذوائب من نور، ذؤابة في المشرق وذؤابة في المغرب والثالثة وسط الدنيا، مكتوب عليه ثلاثة أسطر: الأوّل: بسم الله الرحمن الرحيم، والثاني: الحمد لله رب العالمين، الثالث: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، طول كلّ سطر ألف سنة وعرضه ألف سنة،

___________________

(١). كنز العمال ٩ / ١٦٧ رقم ٢٥٥٥٤ و ١٣ / ١٠٥ رقم ٣٦٣٤٥.

٣٦٥

وتسير باللواء، والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك، حتّى تقف بيني وبين إبراهيم في ظلّ العرش، ثمّ تكسى حلّة خضراء من الجنّة، ثمّ ينادي منادٍ من تحت العرش، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي، أبشر يا علي، إنّك تسكى إذا كسيت، وتدعى إذا دعيت، وتحبى إذا حببت »(١) .

٣ - رواية الطبراني

« حدّثنا محمود بن محمّد المروزي، ثنا حامد بن آدم، ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لمـّا آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه المهاجرين والأنصار، فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم، خرج عليرضي‌الله‌عنه مغضباً، حتّى أتى جدولاً من الأرض، فتوسّد ذراعه، فتسفى عليه الريح، فطلبه النبي صلّى الله عليه وسلّم حتّى وجده، فوكزه برجله، فقال له:

قم، فما صلحت أن تكون إلّا أبا تراب، أغضبت عليَّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار، ولم أُؤاخ بينك وبين أحدٍ منهم؟ أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس بعدي نبي؟

ألا من أحبّك حفَّ بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتةً الجاهليةً وحوسب بعمله في الإسلام »(٢) .

٤ - رواية أبي نعيم الأصفهاني

وتظهر روايته ممّا سننقله عن ابن عساكر، فإنّه قد رواه عن طريق الحافظ أبي نعيم.

___________________

(١). مناقب أمير المؤمنين لأحمد بن حنبل: ١٧٩ رقم ٢٥٢.

(٢). المعجم الكبير ١١ / ٦٢ رقم ١١٠٩٢.

٣٦٦

٥ - رواية ابن المغازلي

وروى الفقيه الشافعي ابن المغازلي الواسطي هذا الحديث بقوله:

« أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر العطار قال: أخبرنا أبو محمّد ابن السقّا، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبدالله بن القصاب البيّع الواسطي - فيما أذن لي في روايته عنه - أنّه قال: حدّثني أبو بكر محمّد بن الحسن بن محمّد البياسري قال: حدّثني أبو الحسن علي بن محمّد بن الحسن الجوهري، قال: حدّثني محمّد بن زكريا بن دريد العبدي قال: حدّثني حميد الطويل، عن أنس قال:

لمـّا كان يوم المباهلة، وآخى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بين المهاجرين والأنصار، وعلي واقف يراه ويعرف مكانه، لم يواخ بينه وبين أحد، فانصرف علي باكي العين، فافتقده النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: ما فعل أبو الحسن؟ قالوا: إنصرف باكي العين يا رسول الله. قال: يا بلال إذهب فأْتنيٍ به، فمضى بلال إلى علي - وقد دخل منزله باكي العين، وقالت فاطمة: ما بيكيك لا أبكى عينيك؟ قال: يا فاطمة، آخى النبي بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني، ولم يواخ بيني وبين أحدٍ. قالت: لا يحزنك الله، لعلّه إنّما ادّخرك لنفسه -.

فقال بلال: علي أجب النبي - صلّى الله عليه وسلّم -.

فأتى علي النبيّ.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما يبكيك يا أبا الحسن؟

قال: آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تواخ بيني وبين أحدٍ.

٣٦٧

قال: إنّما ادّخرتك لنفسي، ألا يسرّك أن تكون أخا نبيّك؟

قال: بلى يا رسول الله، أنّى لي بذلك، فأخذ بيده وأرقاه المنبر فقال:

اللهمّ هذا منّي وأنا منه، ألا إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه.

قال: فانصرف علي قرير العين، فأتبعه عمر بن الخطاب، فقال: بخ بخ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم »(١) .

٦ - رواية الموفّق بن أحمد الخوارزمي

ورواه الخطيب الخوارزمي قائلاً:

« أنبأني سيّد القرّاء أبو العلاء الحسن بن أحمد العطّار الهمداني قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد المقري: أخبرنا أحمد بن عبدالله الحافظ: حدّثنا سليمان بن أحمد الطبراني: حدّثنا محمود بن محمّد المروزي: حدّثنا حامد بن آدم المروزي: حدّثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:

لمـّا آخى النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - بين أصحابه وبين المهاجرين والأنصار، ولم يواخ بين علي بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم، خرج علي مغضباً، حتّ أتى جدولاً من الأرض، فتوسّد ذراعه واتّكى، وسفت عليه الريح، فطلبه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - حتى وجده، فوكزه برجله وقال له: قم، فما صلحت أن تكون إلّا أبا تراب، أغضبت عليَّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم اواخ بينك وبين أحدٍ منهم؟

أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس بعدي نبى؟

___________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٤٢.

٣٦٨

ألا من أحبّك حفّ بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهليّة وحوسب بعمله في الإسلام »(١) .

٧ - ابن عساكر

« وأخبرناه أبو علي الحداد، وحدّثني أبو مسعود، أنا أبو نعيم الحافظ، نا أحمد بن إبراهيم بن يوسف، نا سهل بن عبدالله أبو طاهر، نا ابن أبي السري، نا رواد، عن نهشل بن سعيد، عن الضحّاك، عن ابن عباس، قال:

رأيت عليّاً أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فاحتضنه من خلفه فقال: بلغني أنّك سمّيت أبا بكر وعمر وضريب أمثالهما ولم تذكرني. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى »(٢) .

« أخبرنا أبا القاسم ابن السمرقندي، أنا أبو الحسن بن النقور، أنا عيسى بن علي، أنا عبدالله بن محمّد، أنبأنا الحسين بن محمّد الذارع البصري، أنبأنا عبد المؤمن بن عباد العبدي، نا يزيد بن معن، عن عبدالله بن شرحبيل، عن رجلٍ من قريش، عن زيد ابن أبي أوفى قال:

دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده، فقال: أين فلان بن فلان؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه، فذكر الحديث في المؤاخاة، وفيه:

فقال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت، غيري، فإن كان هذا من سخط عليَّ فلك العتبى والكرامة.

فقال رسول الله: والذي بعثني بالحقّ، ما أخّرتك إلّا لنفسي. وأنت منّي

___________________

(١). المناقب للخوارزمي ٣٩.

(٢). تاريخ دمشق ٤٢ / ١٦٩.

٣٦٩

بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي.

قال: وما أرث منك يا رسول الله؟

قال: ما ورّثت الأنبياء من قبلي.

قال: وما ورّثت الأنبياء من قبلك؟

قال: كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم. وأنت معي في قصري في الجنّة، مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي. ثمّ تلا رسول الله:( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) المحابّين في الله ينظر بعضهم إلى بعض »(١) .

وهنا مطالب:

الأول : في الصحابة الرواة لخبر المؤاخاة: فلقد روي خبر المؤاخاة عن عدّةٍ من الصحابة، منهم:

١ - ابن أبي أوفى. رواه أحمد بن حنبل وغيره.

٢ - محدوج بن زيد الذهلي. رواه القطيعي وأبو نعيم وأبو موسى المديني وغيرهم.

٣ - عبدالله بن العباس. رواه الطبراني وغيره.

٤ - أنس بن مالك. رواه ابن المغازلي وغيره.

٥ - عمر بن الخطاب. رواه الزرندي وغيره.

٦ - يعلى بن مرة. رواه جمال الدين المحدث الشيرازي وغيره.

الثاني : في أنّ المؤاخاة كانت مرّتين: فإنّ المؤاخاة وقعت مرّتين، مرةً في مكة قبل الهجرة، بين المهاجرين، ومرةً في المدينة بعد الهجرة، بين المهاجرين والانصار، وقد آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلتا

___________________

(١). تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٢ - ٥٣.

٣٧٠

المرّتين بين نفسه وبين علي، وذكر حديث المنزلة في كلّ مرة، كما تقدّم في الروايات، فإن بعضها عن المرّة الاولى وبعضها عن المرّة الثانية.

وأمّا أنّها كانت مرّتين، فذاك صريح المحدّثين وأصحاب السّير:

قال ابن عبد البرّ، بترجمة الإمامعليه‌السلام : « وروينا من وجوهٍ عن علي أنّه كان يقول: أنا عبدالله وأخو رسول الله لا يقولها أحد غيري إلّا كذّاب.

قال أبو عمر: أخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المهاجرين بمكة، ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة، وقال في كلّ واحدةٍ منهما لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة، وآخى بينه وبين نفسه، فلذلك كان هذا القول وما أشبه من علي »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر - بعد أن ذكر من أخبار المؤاخاة عن: الواقدي، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن عبد البر، والسهيلي، وابن كثير - وغيرهم قال -:

« وأنكر ابن تيميّة في كتاب الردّ على ابن المطهّر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي، قال: لأنّ المؤاخاة شرّعت لإرفاق بعضهم، ولتأليف قلوب بعضهم، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحدٍ منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري.

وهذا ردّ للنص بالقياس، وإغفال عن حكمة المؤاخاة، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى، فآخى بين الأعلى والأدنى

قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني، وابن تيمّة يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك »(٢) .

___________________

(١). الإستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١٠٩٨.

(٢). فتح الباري في شرح البخاري ٧ / ٢١٧.

٣٧١

وقال الزرقاني المالكي تحت عنوان: « ذكر المؤاخاة بين الصّحابة رضوان الله عليهم أجمعين »:

« وكانت - كما قال ابن عبد البر وغيره - مرّتين، الاُولى بمكّة قبل الهجرة، بين المهاجرين بعضهم بعضاً على الحق والمواساة، فآخى بين أبي بكر وعمر، و وهكذا بين كلّ اثنين منهم إلى أنْ بقي علي فقال: آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال: أنا أخوك.

وجاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي، وقد روى الترمذي وحسّنه والحاكم وصحّحه عن ابن عمر أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى؟ قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

وأنكر ابن تيميّة هذه المؤاخاة بين المهاجرين، خصوصاً بين المصطفى وعلي، وزعم أنّ ذلك من الأكاذيب، وأنّه لم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري. قال: لأنّها شُرِّعت لإرفاق بعضهم بعضاً

وردّه الحافظ بأنّه ردّ للنص بالقياس »(١) .

الثالث : في أنّ غير واحدٍ من روايات المؤاخاة في كتب القوم صحيح سنداً: فمن ذلك:

رواية الطبراني، فقد أخرجه:

عن « محمود بن محمّد المروزي »، وهو: محمود بن محمّد بن عبدالعزيز، أبو محمّد، قال الخطيب: « قدم بغداد، وحدّث بها عن داود بن رشيد، والحسين بن علي بن الأسود، وعلي بن حجر وحامد بن آدم المروزيين، وسهل بن العباس الترمذي.

___________________

(١). شرح المواهب اللدنيّة ١ / ٢٧٣.

٣٧٢

روى عنه: محمّد بن مخلّد، وعبد الصمد بن علي الطستي، وأبو سهل بن زياد، وإسماعيل بن علي الخطبي، وأبو علي بن الصواف أحاديث مستقيمة ».

ثمّ روى عن طريقه حديثاً، وأرّخ وفاته بسنة سبع وتسعين »(١) .

عن « حامد بن آدم »، وقد أخرج عنه الحاكم في ( المستدرك )(٢) وذكره ابن حبّان في ( الثقات )(٣) وقال ابن عدي: « لم أر في حديثه إذا روى عن ثقةٍ شيئاً منكراً، وإنّما يؤتى ذلك إذا حدَّث عن ضعيف »(٤) .

نعم، قد تكلّم فيه السعدي، لكن السعدي نفسه مجروح، فلا يعارَض بكلامه توثيق الحاكم وابن حبان وغيرهما.

عن « جرير ».

عن « ليث ».

عن « مجاهد ».

وهؤلاء أمّة أعلام، لا حاجة إلى توثيقهم.

الرابع : في أنّ بعضهم روى صدر الحديث فقط، إمّاللإختصار، وإمّا لغرضٍ!: قال ابن الأثير: ع س - محدوج بن زيد الهذلي، مختلف في صحبته. حديثه: إنّ النبي قال: إنّ أوّل من يدعى يوم القيامة بي » أخرجه أبو نعيم وأبو موسى »(٥) .

وقال ابن حجر: « محدوج - بمهملة ساكنة وآخره جيم - بن زيد الهذلي، ذكره قيس بن الربيع الكوفي في مسنده وروى عن سعد الإسكاف: سمعت عطية

___________________

(١). تاريخ بغداد ١٣ / ٩٤.

(٢). لسان الميزان ٢ / ١٩٩.الطبعة الحديثة.

(٣). كتاب الثقات ٨ / ٢١٨.

(٤). الكامل ٣ / ٤٠٩.

(٥). أسد الغابة في معرفة الصحابة ٥ / ٦٥.الطبعة الحديثة.

٣٧٣

عنه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أوّل من يدعى به يوم القيامة يدعى بي » أخرجه أبو نعيم وقال: مختلف في صحبته »(١) .

المورد (٣)

عند ولادة الحسن وولادة الحسين عليهما‌السلام

وفي رواية غير واحدٍ من الأعلام، أنّه لمـّا ولد الحسن السبطعليه‌السلام ، هبط جبريلعليه‌السلام وقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكنْ لا نبي بعدك، فسمّ ابنك هذا باسم هارون

وكذا لمـّا ولد الحسين السبطعليه‌السلام .

فسمّاهما بالحسن والحسين، باسم ولدي هارون: شبرّ وشبير.

ومن رواة هذا الخبر:

أبو سعيد الخركوشي، صاحب ( شرف المصطفى )، المتوفى سنة ٤٠٧.

وعمر بن محمّد بن خضر، المعروف بالملّا، صاحب ( السيرة )، المتوفى سنة ٥٧٠.

الموفّق بن أحمد الخوارزمي المكي، المتوفى سنة ٥٦٨.

محبّ الدين الطبري الشافعي، المتوفى سنة ٦٩٤.

والحسين بن محمّد الدياربكري صاحب ( تاريخ الخميس ) المتوفى سنة

وأحمد بن الفضل بن باكثير المكي المتوفى سنة ١٠٤٧.

___________________

(١). الإصابة في معرفة الصحابة ٥ / ٥٨٠. الطبعة الحديثة.

٣٧٤

وإليك لفظ الخبر عن بعضهم:

قال الملّاء في ( سيرته ):

« وعن جابر بن عبداللهرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا ولدت فاطمة الحسنرضي‌الله‌عنه قالت لعلي - كرّم الله وجهه -: سمّه؟ فقال: ما كنت أسبق باسمه رسول الله. ثم أخبر النبيعليه‌السلام فقال: ما كنت لأسبق باسمه ربي عزّوجلّ، فأوحى الله جلّ جلاله إلى جبريلعليه‌السلام أنّه قد ولد لمحمّد ولد، فأهبط إليه وهنّه وقل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم هارون. فهبط جبريلعليه‌السلام فهنّاه من الله جلّ جلاله، ثمّ قال: إنّ الله تعالى أمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسم ابن هارون؟ قال: شبير. فقال صلّى الله عليه وسلّم: لساني عربي، فقال: سمّه الحسن »(١) .

وقال الحافظ محبّ الدين الطبري:

« وعن أسماء بنت عميس قالت: قبلت فاطمة بالحسن، فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا أسماء هلمّي ابني، فدفعته إليه في خرقةٍ صفراء، فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكنَّ أنْ لا تلفّوا مولوداً بخرقةٍ صفراء! فلففتهُ بخرقةٍ بيضاء، فأخذه، وأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ قال لعلي:

أيّ شيء سمّيت ابني؟

قال: ما كنت لأسبقك بذلك.

فقال: ولا أنا اُسابق ربّي.

فهبط جبريلعليه‌السلام فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منّي بمنزلة هارون من موسى لكنْ لا نبي بعدك. فسمّ ابنك هذا باسم ابن هارون.

___________________

(١). وسيلة المتعبّدين إلى متابعة سيّد المرسلين ٥ / ٢٢٥.

٣٧٥

فقال: وما كان اسم ابن هارون ياجبرئيل؟

قال: شبّر.

فقال صلّى الله عليه وسلّم: إنّ لسانبي عربي.

فقال: سمّه الحسن.

ففعل صلّى الله عليه وسلّم.

فلمـّا كان بعد حول ولد الحسين. فجاء نبي الله. وذكرت مثل الأوّل، وساقت قصة التسمية مثل الأوّل، وأنّ جبريلعليه‌السلام أمره أنْ يسمّيه باسم ولد هارون شبير. فقال النبي مثل الأوّل، فقال:

سمّه حسيناً.

خرّجه الإمام علي بن موسى الرضا »(١) .

وذكره الحافظ الخوارزمي بالإسناد في كتابه ( مقتل الحسين ) بعد خبر رواه عن: الحافظ أبي الحسن علي بن أحمد العاصمي، أخبرنا أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين قال:

« وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمّد المفسّر، أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبدالله الحفيد، حدّثنا أبو القاسم عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، حدّثني أبي، حدّثني علي بن موسى، حدّثني أبي موسى بن جعفر، حدّثني أبي جفعر بن محمّد، حدّثني أبي محمّد بن علي، حدّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدّثني أسماء بنت عميس »(٢) .

___________________

(١). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ٢١٠.

(٢). مقتل الحسين: ٨٧ - ٨٨.

٣٧٦

صحّة سند هذا الخبر

وهذا الخبر صحيح:

فأمّا ( إسماعيل بن أحمد البيهقي ) وهو ابن البيهقي، أثنى عليه كلّ من ترجم له من الأعلام، فراجع.

١ - تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٣٣.

٢ - الكامل في التاريخ ١٠ / ٤٩٩.

٣ - التحبير للسمعاني ١ / ٨٣.

٤ - طبقات السبكي ٧ / ٤٤.

٥ - النجوم الزاهرة ٥ / ٢٠٥.

٦ - البداية والنهاية ١٢ / ١٧٦.

٧ - تتمة المختصر ٢ / ٣٧.

وتوفي سنة ٥٠٧.

وأمّا ( أبو بكر البيهقي )، فإليك نبذة من كلماتهم في حقّه مع التلخيص:

فقد قال ياقوت في ( بيهق ): « قد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والاُدباء، ومن أشهر أئمّتهم الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين، صاحب التصانيف المشهورة، وهو الإمام الحافظ الفقيه الأصولي الديّن الورع، أوحد الدهر في الحفظ والإتقان، مع الدين المتين، من أجلّ أصحاب أبي عبدالله الحاكم والمكثرين عنه، ثمّ فاقه في فنونٍ من العلم تفرّد بها. مات سنة ٤٥٤ »(١) .

وقال السمعاني: « كان إماماً فقيهاً حافظاً، جمع بين معرفة الحديث

___________________

(١). معجم البلدان - بيهق.

٣٧٧

والفقه، وكان يتتبّع نصوص الشافعي »(١) .

وقال ابن خلكان: « الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور، وأحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، وهو أوّل من جمع نصوص الإمام الشافعي، وكان قانعاً من الدنيا بالقليل. وقال إمام الحرمين في حقّه: ما من شافعي المذهب إلّاوللشافعي عليه مِنّة إلّا أحمد البيهقي فإنّ له على الشافعي منّة، أخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان »(٢) .

وقال الذهبي: « هو الحافظ العلامة الثبت الفقيه شيخ الإسلام أبو بكر، بورك له في علمه وصنّف التصانيف النافعة. قال الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل في تاريخ: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعاً باليسير متجمّلاً في زهده وورعه.

قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن البيهقي قال أبي :‍ حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب - يعني كتاب المعرفة من السنن والآثار - وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه محمّد بن أحمد - وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوةً وأصدقهم لهجة - يقول: رأيت الشافعي في النوم وبيده أجزاء هذا الكتاب وهو يقول: كتبت اليوم من كتاب الفقيه سبعة أجزاء. أو قال: قرأتها، ورآه يعتدّ بذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني الشافعيّ قاعداً في الجامع على السرير وهو يقول: قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا. وأخبرنا أبي قال: سمعت الفقيه أبا محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول: سمعت الفقيه محمّد بن عبد العزيز المروزي يقول: رأيت في المنام كأنّ تابوتاً علا في السماء يعلوه نور. فقلت: ما هذا؟

___________________

(١). الأنساب - البيهقي.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٣٧٨

فقال: تصنيفات أحمد البيهقي. ثمّ قال شيخ القضاة: سمعت الحكايات الثلاث من الثلاثة المذكورين.

قلت: هذه الرؤيا حق، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قلَّ من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بها ولا سيّما سننه الكبير »(١) .

وقال الذهبي أيضاً: « الإمام الحافظ العلاّمة شيخ خراسان أبو بكر. بورك له في عمله لحسن مقصده وقوّة فهمه وحفظه، وعمل كتباً لم سيبق إلى تحريرها »(٢) .

وهكذا تجد الثناء عليه في غير هذه الكتب، حيث يذكرونه بالأوصاف الجليلة والألقاب العظيمة، ويذكرون الكلمات في حقّه والحكايات في كتبه ومصنّفاته، فراجع تراجمه في ( مرآة الجنان ) و ( العبر ) و ( طبقات السبكي ) و ( الكامل في التاريخ ) و ( المختصر في أخبار البشر ) و ( طبقات الحفاظ ) وغيرها.

وأمّا ( أبو القاسم المفسّر ) فهو: الحسن بن محمّد بن الحسن بن حبيب الواعظ:

ترجم له عبد الغافر، ووصفه بالاُستاذ، الإمام، الواعظ، المفسّر، الكامل، قال: « سمع وجمع، وحدّث عن الأصم، وأبي عبد الصفّار، وأبي الحسن الكارزي، وأبي محمّد المزني، وأبي سعيد عمرو بن محمّد بن منصور الضرير، وأبي جعفر محمّد بن صالح بن هاني، وأبي زكريّا العنبري وغيرهم. وتوفي ليلة الثلاثاء، في ذي القعدة، سنة ٤٠٦ »(٣) .

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٦٣.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٣٢.

(٣). السياق في تاريخ نيسابور: ٢٦٨.

٣٧٩

وترجم له الصفدي وقال: « قال ياقوت: ذكره عبد الغفار فقال: إمام عصره في معاني القراءات وعلومها.

وقد صنّف التفسير المشهور به، وكان أديباً نحوياً، عارفاً بالمغازي والقصص والسير. مات في ذي القعدة سنة ٤٠٦. وصنّف في القراءات والأدب وعقلاء المجانين.

وكان يدرّس لأهل التحقيق ويعظ العوام، وانتشر عنه بنيسابور العلم الكثير، وسارت تصانيفه في الآفاق.

حدّث عن الأصم وعبدالله بن الصفّار وأبي الحسن الكارزي، وكان أبو إسحاق الثعلبي من خواص تلاميذه، وكان كراميَّ المذهب ثمّ تحوّل شافعيّاً.

وكان في داره بستان وبئر، وكان إذا قصده إنسان من الغرباء إن كان ذا ثروةٍ طمع في ماله وأخذ منه حتّى يقرئه، وإنْ كان فقيراً، أمره بنزع الماء من البئر للبستان بقدر طاقته. وكان لا يفعل هذا بأهل بلده.

ومن شعره »(١) .

وأمّا ( أبو بكر الحفيد ) فمن مشاهير المحدّثين، ونكتفي بترجمته في ( الأنساب ):

قال: « كان محدّث أصحاب الرأي في عصره، كثير الرحلة والسماع والطلب، خرج إلى العراق والبحرين وغاب عن بلده أربعين سنة، سمع

سمع منه الحاكم أبو عبدالله الحافظ وذكره في التاريخ وقال: كان محدّث أصحاب الرأي، كثير الرحلة والسماع والطلب، لولا مجون كان فيه، وذلك أنّه خرج من نيسابرو سنة ٢٩٠ وانصرف إليها سنة ٣٣٠، وأكثر مقامه كان بالعراقين ومن الناس من يجرحه ويتوهم أنّه في الرواية، فليس كذلك، فإنّ

___________________

(١). الوافي بالوفيات ١٢ / ٢٣٩.

٣٨٠