تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510
المشاهدات: 385102
تحميل: 4432

توضيحات:

الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 385102 / تحميل: 4432
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 14

مؤلف:
ISBN: 964-319-435-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لكن يبعد أن يفوز بها وهي [ حادثة ](١) في ملك غيره ، ثمّ لا يحتسبها من المبيع ، فإذا فاز بها فليقدّر كأنّها وُجدت يوم البيع(٢) .

ولنذكر مثالاً في اختلاف قيمة الأشجار والثمار.

فنقول : كانت قيمة الشجرة يوم البيع عشرةً ، وقيمة الثمرة خمسةً ، فلو لم تختلف القيمة ، لأخذ الشجرة بثلثي الثمن(٣) .

ولو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرةً يوم البيع ، فكما لو كانت القيمة بحالها على أشهر الوجهين. وعلى الآخَر : يُضارب بنصف الثمن. ولو نقصت فكانت يوم القبض درهمين ونصفاً ، يُضارب بخُمْس الثمن.

ولو زادت قيمة الشجرة أو نقصت ، فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها. وعلى الأوّل كذلك إن نقصت. وإن زادت وكانت خمسة عشر ، ضارَب بربع الثمن.

تذنيبان :

أ : إذا اعتبرنا في الثمار أقلّ القيمتين ، فلو كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان‌ ، نُظر إن كان بمجرّد انخفاض السوق ، فلا عبرة به. وإن كان لعيبٍ طرأ وزال ، فكذلك على الظاهر ، كما أنّه يسقط بزواله حقّ الردّ. وإن لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق ، اعتبرت قيمته يوم العيب ، دون البيع والقبض ؛ لأنّ النقصان الحاصل من ضمان البائع‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « جارية ». والمثبت من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣.

(٣) في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٩٩ زيادة : « وضارب للثمرة بالثلث ».

١٤١

والارتفاع بعده في ملك المشتري لا يصلح جابراً له.

ب : إن اعتبرنا في الأشجار أكثر القيمتين ، فلو كانت قيمة الشجرة يوم العقد مائةً وخمسين‌ ، ويوم الرجوع إلى البائع مائتين ، فالوجه القطع باعتبار المائتين. ولو كانت قيمتها مائتين يوم العقد ويوم القبض ، ويوم الرجوع مائةً ، اعتبر يوم الرجوع ، فإنّ ما طرأ من زيادة وزال ليس ثابتاً يوم العقد حتى نقول : إنّه وقت المقابلة ، ولا يوم أخذ البائع [ حتى ](١) يحسب [ عليه ](٢) .

ولقائلٍ أن يقول : هذا إن استقام في طرف الزيادة ، تخريجاً على ما سبق أنّ ما فاز به البائع من الزيادة الحادثة(٣) عند المشتري يُقدَّر كالموجود عند البيع ، فلا يستقيم في طرف النقصان ؛ لأنّ النقصان الحاصل في يد المشتري كعيبٍ حدث في المبيع.

وإذا رجع البائع على العين المبيعة ، لزمه القناعة بها ، ولا يطالب المشتري للعيب بشي‌ء.

مسألة ٣٦٨ : قد ذكرنا أوّلاً أنّ الزيادة إمّا أن تكون حاصلةً لا من خارجٍ‌ ، وقد ذكرنا أقسامه وأحكام تلك الأقسام ، وإمّا أن تكون من خارجٍ. وأقسامها ثلاثة :

أ : أن تكون عيناً محضة.

ب : أن تكون صفةً محضة.

ج : ما يتركّب منهما.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عليك ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « ج » : « الحاصلة » بدل « الحادثة ».

١٤٢

أمّا الأوّل فله ضربان :

أ : أن تكون قابلةً للتميّز عن المبيع.

ب : أن لا تكون قابلةً للتميّز.

فالأوّل كما إذا اشترى أرضاً فغرس فيها أو بنى ثمّ أفلس قبل إيفاء الثمن وأراد البائع الرجوعَ في أرضه ، فإن اتّفق الغرماء والمفلس على القلع وتفريغ الأرض وتسليمها بيضاء ، رجع فيها ؛ لأنّ ذلك الحقّ لهم لا يخرج من بينهم ، فإذا فعلوا ، فللبائع الرجوع في أرضه ؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.

وهل يرجع قبل القلع أو بعده؟

قال بعض الحنابلة : لا يستحقّه حتى يوجد القلع ؛ لأنّ قبل القلع لم يدرك متاعه إلّا مشغولاً بملك المشتري(١) .

وقال الشافعي : يرجع قبله وهُمْ يشتغلون بالقلع ، وهو قول أكثر الحنابلة(٢) .

وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء ليتملّكها مع الأرض.

وإذا قلعوا الغراس والبناء ، وجب تسوية الحُفَر من مال المفلس.

وإن حدث في الأرض نقصٌ بالقلع ، وجب أرش النقص في ماله.

ويضارب به أو يقدَّم؟ قال بعض الشافعيّة : يقدَّم على سائر الديون ؛ لأنّه لتخليص ماله وإصلاحه ، فكان عليه ، كما لو دخل فصيلٌ دارَ إنسانٍ فكبر فلم يمكنه إخراجه إلّا بهدم بابها ، فإنّ الباب يُهدم ليخرج ، ويضمن صاحبه ما نقص ، بخلاف ما لو وجد البائع عين ماله ناقصةً فرجع فيها ، فإنّه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٠ ، المغني ٤ : ٥١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٩.

١٤٣

لا يرجع في النقص ؛ لأنّ النقص كان في ملك المفلس ، وهنا النقص حدث بعد رجوعه في العين ، فلهذا ضمنوه ، ويضرب بالنقص مع الغرماء(١) .

وإن قلنا : ليس له الرجوع قبل القلع ، لم يلزمهم تسوية الحُفَر ولا أرش النقص ؛ لأنّهم فعلوا ذلك في أرض المفلس قبل رجوع البائع فيها ، فلم يضمنوا النقص ، كما لو [ قلعه ](٢) المفلس قبل فلسه.

ولو اختلفوا ، فقال المفلس : يقلع ، وقال الغرماء : نأخذ القيمة من البائع ليتملّكه ، أو بالعكس ، أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء ، أُجيب مَن المصلحةُ في قوله.

ولو امتنع الغرماء والمفلس معاً من القلع ، لم يُجبروا عليه ؛ لأنّه حين البناء والغرس لم يكن متعدّياً بهما ، بل فَعَل ذلك بحقٍّ ، ومفهوم قولهعليه‌السلام : « ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ »(٣) أنّه إذا لم يكن ظالماً ، فله حقٌّ.

وحينئذٍ يُنظر إن رجع على أن يتملّك البناء والغراس مع الأرض بقيمتها ، أو يقلع ويغرم أرش النقص ، فله ذلك ؛ لأنّ الضرر يندفع من الجانبين بكلّ واحدٍ من الطريقين ، والاختيار فيهما إليه.

وليس للمفلس ولا للغرماء الامتناع من القبول ؛ لأنّ مال المفلس معرَّض(٤) للبيع ، فلا يختلف غرضهم بين أن يتملّكه البائع أو يشتريه‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٠ ، ولاحِظ : المغني ٤ : ٥١٣ - ٥١٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٢٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قطعه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٧٨ / ٣٠٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٢ / ١٣٧٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ٣٦ / ١٤٤ ، الموطّأ ٢ : ٧٤٣ / ٢٦ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٦ - ٤٤٧ / ٢٢٢٧٢.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « متعرض ». والظاهر ما أثبتناه.

١٤٤

أجنبيّ ، ويخالف هذا ما إذا زرع المشتري الأرض وأفلس(١) ورجع البائع في الأرض حيث لا يتمكّن من تملّك الزرع بالقيمة ولا من القلع وغرامة الأرش ؛ لأنّ للزرع أمداً منتظَراً يسهل احتماله ، والغراس والبناء للتأبيد ، قال كلَّ ذلك الشافعي(٢) .

وقال أحمد : إذا بذل البائع قيمة الغرس والبناء ليكون له ذلك ، أو قال : أنا أقلع وأغرم الأرش ، فإن قلنا : له الرجوع قبل القلع ، فله ذلك ؛ لأنّ البناء و(٣) الغراس حصل في ملكه لغيره بحقٍّ ، فكان له أخذه بقيمته ، أو قلعه وضمان نقصه ، كالشفيعِ إذا أخذ الأرض وفيها غراس وبناء للمشتري ، والمعيرِ إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير. وإن قلنا : ليس له الرجوعُ قبل القلع ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّ المفلس بنى وغرس في ملكه ، فلم يُجبر على بيعه لهذا البائع ولا على قلعه ، كما لو لم يرجع في الأرض(٤) .

وليس عندي بعيداً من الصواب أن يقال : ليس للبائع إجبار المفلس والغرماء على القلع ودفع الأرش ، ولا على دفع قيمة البناء والغرس ، بل إمّا أن يختار العين أو يمضي البيع ، فإن اختار العين وفسخ البيع ، لم يكن له القلع ولا دفع القيمة ، بل يرجع والأرض مشغولة بهذا البناء والغراس ، فتكون قد تعيّبت بالشغل بهما مؤبّداً ، فإن انهدم البناء أو قلع الغرس أو مات ، سقط حقّ المفلس ، وليس لصاحب الأرض الرجوعُ بالأُجرة مدّة مقامها(٥) فيها ؛ لأنّه إنّما يرجع في المعيب ثمّ يباع البناء أو الغراس على‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤ - ٥٥.

(٣) الظاهر : « أو » بدل « و».

(٤) المغني ٤ : ٥١٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٠.

(٥) في « ث » : « بقائها ». والظاهر : « مقامهما » أو « بقائهما ».

١٤٥

صاحب الأرض أو غيره(١) مستحقَّين للبقاء.

ولأحمد قولٌ آخَر : إنّه يسقط حقّ بائع الأرض من الرجوع فيها ؛ لأنّه لم يُدرك البائع متاعَه على وجهٍ يمكنه أخذه منفرداً عن غيره فلم يكن له أخذه ، كالحجر والبناء والمسامير في الباب ، وكما لو كانت العين مشغولةً بالرهن - وهو قول بعض الشافعيّة - ولأنّ في ذلك ضرراً على المشتري والغرماء ، فإنّه لا يكون له طريق يسلكون منه إلى البناء والغراس ، ولا يزال الضرر بمثله. ولأنّه لا يحصل بالرجوع هنا انقطاع النزاع والخصومة ، بخلاف ما إذا وجدها مفرّغةً(٢) .

مسألة ٣٦٩ : لو أراد البائع الرجوعَ في الأرض وحدها وإبقاءَ الغراس والبناء للمفلس والغرماء ، أُجيب إلى ذلك‌ ، بل هو الوجه عندنا لو أراد الرجوع في العين على ما تقدّم.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه يجاب إلى ذلك ، كقولنا.

والثاني : أنّه ليس له الرجوعُ في الأرض خاصّةً ، وإبقاء البناء والغراس للمفلس.

ولأصحابه طريقان :

أحدهما : أنّ في المسألة قولين :

أحدهما - وهو اختيار المزني - : له [ أن ](٣) يرجع كذلك ، كما لو صبغ الثوبَ المشتري ثمّ [ أفلس ](٤) ، رجع(٥) البائع في الثوب ، ويكون المفلس‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « أو على غيره ».

(٢) المغني ٤ : ٥١٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق ، وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ورجع ». والمثبت هو الصحيح.

١٤٦

شريكاً معه بالصبغ.

وأصحّهما عنده : المنع ؛ لما فيه من الضرر ، فإنّ الغراس بلا أرض والبناء بلا مقرّ ولا ممرّ ناقص القيمة ، والرجوع إنّما يثبت لدفع الضرر ، فلا يدفع بضرر ، بخلاف الصبغ ، فإنّ الصبغ كالصفة التابعة للثوب.

والثاني : تنزيل النصّين على حالين ، وله طريقان :

أحدهما : قال بعض الشافعيّة : إنّه حيث قال : « يرجع » أراد ما إذا كانت الأرض كثيرة القيمة ، والبناء والغراس مستحقرين بالإضافة إليها ، وحيث قال : « لا يرجع » أراد ما إذا كانت الأرض مستحقرةً بالإضافة إليهما. والمعنى في الطريقين اتّباع الأقلّ للأكثر.

ومنهم مَنْ قال : حيث قال : « يرجع » أراد ما إذا رجع في البياض المتخلّل بين الأبنية والأشجار ، وضارَب للباقي بقسطه من الثمن ، [ يُمكّن ](١) منه ؛ لأنّه ترك بعض حقّه في العين.

فإذا فرّعنا على طريقة القولين ، فإن قلنا : ليس له الرجوعُ في الأرض وإبقاء البناء(٢) والغراس للمفلس ، فللبائع ترك الرجوع ، ويُضارب مع الغرماء بالثمن ، أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما وغرامة أرش النقصان ، فإن مكّنّاه منه فوافق البائع الغرماء وباع الأرض معهم حين باعوا البناء والغراس ، فذلك.

وإن أبى فهل يُجبر؟ فيه للشافعيّة قولان :

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يتمكّن ». والظاهر ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) فيما عدا « ث » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العين » بدل « البناء ».

١٤٧

أحدهما : يُجبر ، كما في مسألة الصبغ.

وأصحّهما عندهم : لا يُجبر ؛ لأنّ إفراد البناء والغراس بالبيع ممكن ، بخلاف الصبغ.

فإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس ، بقي للبائع ولاية التملّك بالقيمة والقلع مع غرامة الأرش ، وللمشتري الخيار في المبيع إن كان جاهلاً بحال ما اشتراه(١) .

واعلم أنّ الجويني نقل أربعة أقوال في هذه المسألة.

أ : أن يقال : إنّ البائع فاقد عين ماله ، ولا رجوع بحال ؛ لأنّ الرجوع في الأرض ينقص قيمة البناء والغراس.

ب : أنّ الأرض والبناء أو الغراس يُباعان معاً ، دفعاً للخُسْران عن المفلس ، كما في الثوب المصبوغ.

ج : أنّه يرجع في الأرض ، ويتخيّر بين أُمور ثلاثة : إمّا تملّك البناء والغراس بالقيمة ، وإمّا قلعهما مع غرامة أرش النقصان ، وإمّا إبقاؤهما بأُجرة المثل تؤخذ من مالكهما(٢) .

فإذا عيّن واحدةً من هذه الخصال الثلاث فاختار المفلس والغرماء غيرها أو امتنعوا من الكلّ ، فللشافعيّة وجهان في أنّه يرجع إلى الأرض ويقلع مجّاناً ، أو يُجبرون على ما عيّنه(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٠ - ٤٠١.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مالكها ». والصحيح ما أثبتناه ، كما في المصدر أيضاً.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عيّنوا » بدل « عيّنه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر أيضاً.

١٤٨

د : أنّه إن كانت قيمة البناء أكثر ، فالبائع فاقد عينٍ. وإن كانت قيمة الأرض أكثر ، فواجدٌ(١) .

مسألة ٣٧٠ : لو اشترى من رجل أرضاً فارغة واشترى من آخَر غرساً وغرسه في تلك الأرض ثمّ أفلس ، كان لصاحب الأرض الرجوعُ فيها ، ولصاحب الغراس الرجوعُ فيه.

ثمّ يُنظر فإن أراد صاحب الغراس قلعه ، كان له ذلك ، وعليه تسويةُ الحُفَر ؛ لأنّه لتخليص ماله ، وأرشُ نقص الأرض إن حصل نقصٌ.

فإن أراد صاحب الأرض أن يعطيه قيمته إن لم يختر صاحبه قلعه ، قال الشافعي : يكون له مطلقاً(٢) .

والأقوى عندي : أنّه يكون له ذلك إن رضي صاحب الغرس ، وإلّا فلا.

وإن أراد صاحب الأرض قلعه ويضمن ما نقص ، كان له.

وإن أراد قلعه بغير ضمانٍ ، فالأقرب : أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّ غرسه ثابت في الأرض بحقٍّ ، فلا يكون له قلعه مجّاناً.

ولو كان الغراس من المفلس ، لم يُجبر على قلعه من غير ضمانٍ ، وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : أنّه يجاب إلى ذلك ؛ لأنّه إنّما اشترى منه الغراس مقلوعاً ، فكان عليه أن يأخذه كذلك ، وليس له تبقيته في ملك غيره ، ويفارق المفلس ؛ لأنّه غرسه في ملكه فيثبت حقّه في ذلك(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٥ - ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠١.

(٢) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٢٩٣.

(٣) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٢٩٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٠١.

١٤٩

ويُحتمل عندي وجهٌ آخَر ، وهو : أن يقال : صاحب الغراس(١) لا يستحقّ الإبقاء في الأرض ، وصاحب الأرض لا يستحقّ القلع مجّاناً ؛ لأنّه أثبت بحقٍّ ، فيُقوَّم الغراس مقلوعاً وثابتاً ، ويأخذ المفلس التفاوت بينهما ؛ لأنّه مستحقّ له.

مسألة ٣٧١ : قد ذكرنا حكم الزيادة من خارجٍ ، القابلة للتميّز ، وبقي ما لا يقبله‌ ، كمزج ذوات الأمثال بعضها ببعضٍ ، مثل أن يشتري صاعاً من حنطةٍ أو شعير أو دخن أو غير ذلك من الحبوب ويمزجه بصاعٍ له ، أو يشتري مكيلةً من زيتٍ أو سمن أو شيرج أو غير ذلك من الأدهان ثمّ يمزجه بمكيلة ، وكذا جميع ذوات الأمثال إذا امتزجت بحيث لا يمكن تخليص بعضها من بعضٍ ، فأقسامه ثلاثة :

أ : أن يكون الممتزجان متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخَر ، لم يسقط حقّه من العين - وبه قال الشافعي ومالك(٢) - ويكون له المطالبة بالقسمة ؛ لأنّ عين ماله موجودة فيه ، ويمكنه التوصّل إلى حقّه بالقسمة ؛ لأنّ الزيت كلّه سواء ، فيأخذ حقّه بالكيل أو الوزن.

وقال أحمد : يسقط حقّه من العين ؛ لأنّه لم يجد عين ماله ، فلم يكن له الرجوعُ ، كما لو تلفت. ولأنّ ما يأخذه من غير ماله ممتزجاً بعين ماله(٣)

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « الغرس ».

(٢) الأُم ٣ : ٢٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٣ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، الوسيط ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩ ، التفريع ٢ : ٢٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ما يأخذه من عين ماله ممتزجاً بغير ماله ». والمثبت هو الصحيح.

١٥٠

إنّما يأخذه عوضاً عن ماله ، فلم يختصّ به دون(١) الغرماء ، كما لو تلف ماله(٢) .

ويُمنع عدم وجدانه لعين ماله ، بل وجدها ممتزجةً بغيرها.

والفرق بينه وبين التلف ظاهرٌ ؛ لأنّه نقيضه.

وما يأخذه من غير(٣) ماله وإن كان عوضاً عن ماله إلّا أنّه يُدخل بواسطته في حقّ المفلس مالاً ، فكان مقدَّماً به على باقي الغرماء.

وإن لم تجز القسمة وطالب(٤) بالبيع ، فالأقرب أنّه يجاب إلى ذلك ؛ لأنّ بالقسمة لا يصل إلى عين ماله ، وربما كان له غرض في أن لا يأخذ من زيت المشتري شيئاً ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه لا يجاب إليه ؛ لأنّه يصل إلى جميع حقّه بالقسمة ، فهو كجماعةٍ ورثوا زيتاً لا يكون لبعضهم أن يطالب بعضاً بالبيع(٥) .

والفرق أنّ الورّاث ملكوا الزيت ممزوجاً ، والمفلس كان قد ملك متميّزاً عن ملك البائع ، وكذا البائع ملك متميّزاً عن ملك المفلس ، فافترقا.

ب : أن يمزجه المشتري بأردأ منه‌. وللبائع هنا أيضاً الخيار بين الفسخ(٦) فيرجع في عينه بالكيل أو الوزن - وبه قال الشافعي ومالك(٧) - لما‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إذن » بدل « دون ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩ - ٥٢٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عين » بدل « غير ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فطالب ».

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٣ - ٥١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٦ - ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

(٦) كذا قوله : « بين الفسخ ». ولعلّها : « في الفسخ ».

(٧) الأُم ٣ : ٢٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٠ ، المهذّب =

١٥١

تقدّم في المساوي ، فإذا رضي بالأردأ ، كان أولى.

وقال أحمد : يسقط حقّه من العين بمجرّد المزج ، سواء بالأجود أو الأردأ أو المساوي(١) .

وقد تقدّم بطلانه ؛ لأنّ عين ماله موجودة من طريق الحكم ، فكان له الرجوعُ ، كما لو وجد عين ماله منفردة [ و ] لأنّه ليس فيها أكثر من اختلاطها ، وهو لا يُخرج الحقيقة عن حقيقتها ، فأشبهت صبغ الثوب وبلّ السويق بالزيت.

وفي كيفيّة أخذ حقّه للشافعي طريقان :

أحدهما - وهو الأصحّ عنده وعندي - : أنّه يقسّم بالمكيال أو الوزن ، فإن تساويا قدراً ، أخذ النصف. وإن تفاوتا ، أخذ المقدار(٢) الذي له ، وإن شاء ضارَب مع الغرماء.

والثاني : أنّ المكيلين يباعان معاً ويُقسّم الثمن بينهما على قدر القيمتين ؛ لأنّه إن أخذ مكيله من الممتزج ، نقص حقّه ، ولا يجب عليه المسامحة ، وإن أخذ أكثر من مكيله ، لزم الربا ، فعلى هذا لو كان المبيع يساوي درهمين ، والممتزج به يساوي درهماً ، قسّم الثمن بينهما أثلاثاً(٣) .

وهو خطأ ؛ لأنّ هذا نقصان حصل في المبيع ، فأشبه تعيّب العبد‌

____________________

= - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٤ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، الوسيط ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(١) المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مقدار » بدل « المقدار ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠١ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

١٥٢

والثوب.

ج : أن يمتزج(١) بالأجود‌ ، فالأصحّ أنّه يسقط حقّه من العين ، وليس له إلّا المضاربة بالثمن - قال الشافعي : بهذا أقول ، وهو أصحّ الوجهين(٢) - لأنّ عين زيته تالفة من طريق المشاهدة والحكم.

أمّا من طريق المشاهدة والحقيقة : فللاختلاط.

وأمّا من طريق الحكم : فلأنّه لا يمكنه الرجوع إلى عينه بالقسمة وأخذ المكيل من الممتزج ؛ لما فيه من الإضرار بصاحب الأجود ، ولا المطالبة بقيمته ، بخلاف المساوي ، فإنّه يمكنه المطالبة بقسمته فيه ، وبخلاف الثوب المصبوغ ، فإن عينه موجودة محسوسة ، وكذا السويق ، فإنّ عينه لم تفقد وهي مشاهدة.

وقال المزني : له الفسخ ، والرجوع إلى حقّه من المخلوط ، كالخلط بالمثل والأردأ ، وكما لو صبغ الثوب ولتَّ السويق(٣) ، لا ينقطع(٤) حقّ الرجوع ، فكذا هنا(٥) .

والفرق أنّ الزيت إذا اختلط ، لم يمكن الإشارة إلى شي‌ء من‌

____________________

(١) فيما عدا « ث » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يمزج ».

(٢) الأُم ٣ : ٢٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٥ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(٣) لتّ السويق : أي بلّه بالماء أو بغيره. لسان العرب ٢ : ٨٢ و ٨٣ « لتت ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا يقطع ». والظاهر ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٥) مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧.

١٥٣

المخلوط بأنّه المبيع ، فكأنّه هلك ، بخلاف الثوب والسويق.

ومن هذا الفرق خرّج بعضهم في المزج بالمثل والأردأ قولاً آخَر : إنّه ينقطع به حقّ الرجوع ، وأيّد ذلك بأنّ الحنطة المبيعة لو انثالت عليها أُخرى قبل القبض ، ينفسخ المبيع على قولٍ ؛ تنزيلاً له منزلة التلف(١) .

والمعتمد عندنا وعندهم(٢) أنّ الخلط بالمثل والأردأ لا يمنع الرجوع ، على ما سبق. ويفارق اختلاط المبيع قبل القبض ؛ لأنّ الملك غير مستقرّ ، فلا يبعد تأثّره بما لا يتأثّر الملك المستقرّ.

وعلى قول المزني بالرجوع في صورة المزج بالأجود ، فيه قولان للشافعي في كيفيّة الرجوع :

أصحّهما عندهم : أنّه يكون شريكاً مع المفلس بقدر قيمة مكيله ، فيباع المكيلتان ، ويقسّم بينهما على قدر القيمتين ، كما في صبغ الثوب.

والثاني : أنّ نفس المكيلتين يقسّم بينهما باعتبار القيمة ، فإذا كانت المكيلة المبيعة تساوي درهماً والمخلوطة درهمين ، أخذ من المكيلتين ثلثي مكيلة(٣) .

وقد خرّج بعضهم هذا الخلافَ على أنّ القسمة بيع أو إفراز حقٍّ؟ إن قلنا : إنّها بيع ، لم يقسّم عين الزيت ؛ لما في القسمة من مقابلة مكيلة بثلثي مكيلة. وإن قلنا بالثاني ، فيجوز ، وكأنّه أخذ بعض حقّه وترك البعض(٤) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، الوسيط ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٥ ، الوسيط ٤ : ٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ - ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٨.

١٥٤

وقال بعضهم : إنّ هذا ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك إن كان بيعاً ، كان رباً ، وإن أخذ ثلثه وأبرأه عمّا بقي من مكيلة زيته ، لم تكن البراءة واجبةً عليه ، فيكون له أن لا يفعل ، ويطالب بالباقي ، ولا يجوز ذلك ؛ لأنّه يأخذ حينئذٍ أكثر ممّا لَه ، فلم يبق إلّا البيع لهما(١) .

تذنيبان :

أ : إذا قلنا : الخلط يُلحق المبيعَ بالمفقود‌ - كما هو قول بعض الشافعيّة ، وقول أحمد(٢) - لو كان أحد الخليطين كثيراً والآخَر قليلاً ولا تظهر به زيادة في الحسّ ، ويقع مثله بين المثلين ، فإن كان الكثير للبائع ، فهو واجد عين ماله. وإن كان الكثير للمشتري ، فهو فاقد.

وقال بعض الشافعيّة : الحكم الأوّل قطعيّ ، والثاني ظاهر(٣) .

ب : لو كان المخلوط من غير جنس المبيع كالزيت والشيرج ، فهو فاقد عين ماله‌ ، وليس له الفسخ حينئذٍ ، ويكون بمثابة ما لو تلف المبيع ، فيُضارب بالثمن.

قال الجويني : وفيه احتمال ، سيّما على قوله ببيع المخلوط وقسمة الثمن(٤) .

مسألة ٣٧٢ : قد ذكرنا من أقسام النوع الثاني من الزيادات قسماً واحداً‌ ، وهو أن تكون الزيادة عيناً محضة ، وبقي قسمان : ما يكون صفةً محضة ، وما يتركّب منهما ، فنبدأ بالصفة المحضة.

____________________

(١) راجع المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

١٥٥

فنقول : إذا اشترى عيناً وعمل فيها ما يزيد في صفتها - مثل أن يشتري حنطة فيطحنها أو يزرعها ، أو دقيقاً فيخبزه ، أو ثوباً فيقصره ، أو يخيطه قميصاً بخيوط من الثوب ، أو غزلاً فينسجه ، أو خشباً فينشره ألواحاً ، أو ألواحاً فينجرها باباً ، وبالجملة أن يعمل شيئاً يزيل اسمه - فإنّه لا يسقط حقّ الرجوع بذلك عندنا إذا أفلس - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ العين لم تخرج عن حقيقتها بتوارد هذه الصفات عليها ، فكان واجداً عين ماله ، فله الرجوع فيها.

وقال أحمد : يسقط حقّ البائع من الرجوع ؛ لأنّه لم يجد عين ماله بعينه ، فلم يكن له الرجوعُ ، كما لو أتلفه. ولأنّه غيّر اسمه وصفته ، فلم يكن له الرجوع ، كما لو كان نوىً فنبت شجراً(٢) .

وليس بصحيح ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ العين لم تخرج عن حقيقتها ، وإلّا لكان الغاصب يملك المغصوب إذا فَعَل به هذه الصفات ، وكان ينتقل حقّ المغصوب منه إلى المثل أو القيمة ، وليس كذلك. وتغيير الوصف لا ينافي بقاء العين ، ويخالف النوى ؛ لأنّ الحقيقة قد زالت ووُجدت أُخرى.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن لم تزد قيمة المبيع بهذه الصفات ، لم يكن للمفلس شركة فيه ، بل يأخذه البائع موصوفاً بهذه الصفة ، سواء غرم عليها المفلس شيئاً أو لا.

وإن نقصت قيمته ، فلا شي‌ء للبائع معه.

____________________

(١) الأُم ٣ : ٣٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التنبيه : ١٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢ - ٥١٣.

١٥٦

وإن زادت ، صار المفلس شريكاً فيها ، كما في زيادات الأعيان.

قال الشافعي : وبه أقول - وهو أصحّ القولين - لأنّها زيادة حصلت بفعلٍ متقوّم محترم ، فوجب أن لا تضيع عليه ، كما لو صبغ الثوب. ولأنّ الطحن والقصارة أُجريت مجرى الأعيان ، ولهذا كان للطحّان أن يمسك الدقيق على الأُجرة ، وكذا القصّار(١) .

والقول الثاني للشافعي - وبه قال المزني - : إنّ الزيادة في هذه الأعمال تجري مجرى الآثار ، ولا شركة للمفلس فيها ؛ لأنّها صفات تابعة ، وليس للمفلس فيها عين مال ، بل أثر صنعة ، فهي كسمن الدابّة بالعلف وكِبَر الوَديّ بالسقي والتعهّد ، وكتعلّم الغلام صنعةً ، وكما لو اشترى لوزاً فقشره أو غنماً فرعاها. ولأنّ القصارة تزيل الوسخ وتكشف عمّا فيه من البياض ، فلا تقتضي الشركة ، كما لو كان المبيع لوزاً فكسره وكشف اللُّبّ وزادت به القيمة. ويدلّ عليه أنّ الغاصب لو قصر الثوب أو طحن الحنطة لم يستحق شيئاً(٢) .

والفرق ظاهرٌ بين المتنازع وسمن الدابّة بالعلف وكِبَر الوَديّ بالسقي ؛ لأنّ القصّار إذا قصر الثوب ، صار الثوب مقصوراً بالضرورة ، وأمّا السقي والعلف فقد يوجدان كثيراً من غير سمن ولا كِبَر ؛ لأنّ الأثر فيه غير منسوبٍ إلى فعله ، بل هو محض صنع الله تعالى ، ولهذا لا يجوز الاستئجار على‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٩ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

١٥٧

تسمين الدابّة و [ تكبير ](١) الوَديّ ، ويجوز الاستئجار على القصارة.

ويخالف المشتري الغاصب ؛ فإنّ الغاصب مُعْتدٍ بفعله ، فلم يثبت له فيها حقّ ، بخلاف مسألتنا.

لا يقال : أليس لو صبغ الغاصب الثوبَ ، كان شريكاً فيه مع تعدّيه؟

لأنّا نقول : الصبغ عين ماله ، وله قلعه ، فإذا تعذّر ذلك ، كان شريكاً ، بخلاف المتنازع ، إلّا أنّ هذا الفرق يمنع اعتبار مسألتنا أيضاً بالصبغ.

مسألة ٣٧٣ : لو اشترى دقيقاً فخبزه ، أو لحماً فشواه ، أو شاةً فذبحها ، أو أرضاً فضرب من ترابها لِبْناً ، أو عرصةً وآلات البناء فبناها فيها(٢) داراً ثمّ أفلس ، كان شريكاً بهذه الأفعال.

وللشافعي قولان(٣) .

أمّا لو علّم العبدَ القرآنَ أو الصنعةَ أو الكتابةَ أو الشعرَ المباح ، أو راضَ الدابّةَ ، فكذلك عندنا ؛ لأنّ هذه الأفعال تصحّ المعاوضة عليها ، فكانت زيادةً.

وقد اختلفت الشافعيّة :

فقال أبو إسحاق : إنّ هذه لا تلحق بما تقدّم ، ولا تجري مجرى الأعيان قطعاً ؛ لأنّه ليس بيد المعلّم والرائض إلّا التعليم ، وقد يجتهد فيه فلا يحصل الغرض ، فكان كالسمن ونحوه(٤) .

والأصحّ عندهم - وبه قال ابن سريج - : أنّها من صور القولين ؛ لأنّها‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كبر ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) كذا ، والظاهر : « فبنى فيها ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٦ و ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

١٥٨

أعمال يجوز الاستئجار عليها ، ومقابلتها بالعوض(١) .

وضبط صور القولين أن يصنع المفلس بالمبيع ما يجوز الاستئجار عليه ، فيظهر به أثر فيه.

وإنّما اعتبرنا ظهور الأثر فيه ؛ لأنّ حفظ الدابّة وسياستها عمل يجوز الاستئجار عليه ، ولا تثبت به الشركة ؛ لأنّه لا يظهر بسببه أثر على الدابّة.

ثمّ الأثر قد يكون صفةً محسوسة كالطحن والقصارة ، وقد يكون من قبيل الأخلاق كالتعليم والرياضة.

فعلى أحد قولي الشافعي يأخذ البائع العينَ زائدةً بهذا الوصف ، ويفوز بالزيادة مجّاناً.

وعلى ما أختاره - وهو القول الثاني له - تُباع العين ، ويكون للمفلس من الثمن بنسبة ما زاد في قيمته.

فلو كانت قيمة الثوب خاماً خمسةً ، ومقصوراً ستّةً ، كان للمفلس سدس الثمن ، فلو ارتفعت القيمة بالسوق أو انخفضت ، فالزيادة أو النقصان بينهما على النسبة.

ولو ارتفعت قيمة الثوب خاصّةً بأن صار مثل ذلك الثوب خاماً يساوي ستّةً ، ويسوي مقصوراً سبعةً ، فليس للمفلس إلّا سُبْع الثمن ؛ لأنّه قيمة صنعته ، والزيادة حصلت في الثوب للبائع ليس للمفلس فيها شي‌ء ؛ لأنّها زيادة سوقيّة.

ولو انعكس الفرض ، فزادت قيمة الصنع خاصّةً بأن كان مثل هذا الثوب يسوي مقصوراً سبعةً ، ويساوي خاماً خمسةً ، فالزيادة للمفلس خاصّةً ، فيكون له سُبْعا الثمن. وعلى هذا القياس.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

١٥٩

وهل للبائع إمساك المبيع ببذل قيمة ما فَعَله المفلس ومنعه من بيعه؟ الأقرب : ذلك ؛ لوجوب البيع على كلّ تقدير ، واعتبار الأصل بالبقاء أولى ؛ إذ لا يجب بذل عينه للبيع ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ قياساً على أنّه يبذل قيمة الغراس والبناء(١) .

ومَنَع بعضُهم منه ؛ لأنّ الصنعة لا تُقابل بعوض(٢) .

ونحن لـمّا منعنا - فيما تقدّم - وجوبَ بذل البناء والغراس بدفع القيمة ، وأوجبنا هنا دفع الصنعة ، قلنا ذلك ؛ للفرق بين الأعيان التي تُعدّ أُصولاً ، وبين الصفات التابعة.

تذنيبان :

أ : إذا استأجره للقصارة أو الطحن فعمل الأجير عمله ، كان له حبس الثوب والدقيق لاستيفاء الأُجرة‌ إن جعلنا القصارة والطحن كالأعيان ، كما يحبس البائع المبيع لقبض الثمن. وإن جعلنا القصارة وشبهها من الآثار ، فلا.

ب : إذا تمّم القصّار والطحّان العملَ وتلف الثوب والطحين في يده‌ ، إن قلنا : إنّ فعله آثار لا تجري مجرى الأعيان ، استحقّ الأُجرة كأنّه وقع مسلّماً بالفراغ. وإن قلنا : إنّه أعيان ، لم يستحق ؛ حيث تلف قبل التسليم ، كما يسقط الثمن بتلف المبيع قبل تسليمه.

مسألة ٣٧٤ : قد ذكرنا حكم الزيادة إذا كانت صفةً محضة ، وبقي ما إذا كانت الزيادة عيناً من وجهٍ وصفةً من وجهٍ.

فنقول : إذا اشترى ثوباً فصبغه ، أو سويقاً ولتَّه بزيتٍ وأشباه ذلك ثمّ‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

١٦٠