تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406459 / تحميل: 5181
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

س: ما هي التغيّرات الإيجابية التي لمستها في حياتك منذ اعتناقك الإِسلام؟

ج: لقد وجدتُ السلام الداخلي.. لقد عشتُ السلام في قلبي وروحي وفي علاقاتي بالآخرين، حتى باتت حياتي مستقرة، وانعكس ذلك على حياة ابنتيّ أيضاً، واندفعت إلى الحياة بقوة وإرادة أكبر، فعدت لمتابعة دراستي في الجامعة.

س: يعني أنك تشعرين الآن براحة أكبر من ذي قبل؟

ج: طبعاً، والحمد لله، أشعر بلذة كبرى أثناء الصلاة وصوم شهر رمضان المبارك، وأعلم أن عليّ أن أتعلم الكثير الكثير عن الإِسلام، فكلما وقعت على معرفة معينة تبيّن لي أن الذي أعرفه لا يوازي ذرة في كتاب هذا الوجود، فعليّ البحث أكثر، علماً أن حياة الفرد قصيرة، قياساً بما يجب أن يتعلّمه الإنسان في هذه الحياة.

س: على ضوء تجربتك، هل تقترحين أساليب معينة لدعوة غير المسلمين للإِسلام؟

ج: أتمنى أن تطابق أقوالنا أفعالنا، فنمارس قولاً وعملاً ما تدعو إليه العقيدة الإِسلامية، وأن نستحضر الله تعالى في كل ما نقوم به، ونسير على هدي النبي محمد (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأن نحدّث الناس عن الإِسلام باللين والكلمة الحسنى، وألا تزعزع الأزمات والمصاعب إيماننا بالله تعالى.

س: ما هو الدور الذي تقومين به أو تنوين القيام به لخدمة الدعوة الإِسلامية؟

ج: أبذل قصارى جهدي لأتمتع بصفات المرأة المسلمة المتديّنة، وهذا بحد ذاته دعوة إلى الله من خلال أفعالي وسلوكي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنه تعالى.

س: ما مدى إمكانية الدعوة إلى الدين الحنيف في بلادك؟

ج: يحتاج الإِسلام في بلادي إلى القدوة الحسنة، فبقدر ما يلتزم المسلمون بتعاليم الإِسلام هنا، يسهل تغلغل الإِسلام إلى القلوب والعقول، فالإِسلام يحمل بداخله مقومات قادرة على إنقاذ الناس من التيه والضياع ولجوئهم إلى المخدرات، وبإمكان هذا الدين إنقاذنا من الغرائز المنحطة التي سجن الإنسان نفسه خلف قضبانها.

لقد وضع الإِسلام في أيدينا المفتاح إلى الجنة، وكل ما علينا هو إدارة هذا المفتاح للولوج إلى عالم الآخرة، ولا يكون ذلك إلا باتباع أوامر الله تعالى وسُنَّة نبيه (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) برضىً وطمأنينة.

١٤١

س: كيف ترين أوضاع المسلمين الحالية؟

ج: في الواقع أجد الكثيرين منهم منغمسين في أمور دنياهم دون الالتفات إلى أمر الآخرة، وهؤلاء كسالى عن الدعوة إلى الله، وعن تطبيق الإِسلام في حياتهم الفردية والاجتماعية، همّهم الاستمتاع بهذه الدنيا الفانية التي تعمي بصائرهم عن سعادة الإيمان والتقوى والعمل بما أنزله الله تعالى.

س: كيف ترين أوضاع المرأة المسلمة؟

ج: أعلّم ابنتيّ أنهما غاليتان، وعليهما ألا تفرطا بنفسيهما بثمن بخس، فالفتاة أم المستقبل وعلى الجميع من حولها احترامها. وعلى جميع الرجال المسلمين حماية النساء، وعلى هؤلاء أيضاً حماية أنفسهن.

لقد وُهبنا والحمد لله هذا الإيمان، ولكن هذا الإيمان يجب أن يتسع ويقوى، ويتغلب على جميع الشرور التي تتجه إلى تشويه دور المرأة كواهبة للحياة، ومنارة للحب والراحة والسرور.

١٤٢

الأخت المسلمة السويدية

الدكتورة سمية «بارنيللا» تقول لـ «نور الإِسلام»

· العناية الإلهية شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية إلى دين الله تعالى.

· الإِسلام دين المنطق والعدل، يقبل النقاش العقلي الحر. ويضفي التوازن على كل جوانب الحياة الإنسانية.

· أدعو المرأة المسلمة وخاصة في البلاد الإِسلامية. لتعتبر أن حصنها هو حجابها، وأن التزامها بدينها هو طريق تقدّمها ومستقبلها. لا تقليد الحضارة الغربية الزائفة.

السويد كغيرها من الدول الغربية التي نجح الإِسلام، بما يمتلكه من قوة الإقناع، أن يستقطب إلى صفوفه أعداداً متزايدة من أبنائها الذين أتيح لهم أن يطلعوا على أفكاره ونظمه.. فلا أسوار التعصب والجهل التاريخية، ولا حواجز الحضارة المادية بكل بهارجها ومغرياتها، ولا الدعايات المضادة للإِسلام بكل لؤمها وخبثها.. ليس كل هذا بقادر على أن يمنع أنوار الهداية الإلهية، من أن تضيء العقول والنفوس التي تهفو إلى الحق وتبحث عن الحقيقة.

هذه الحقيقة تؤكدّها وتبيّنها بوضوح حكاية الأخت المسلمة السويدية الدكتورة سمية - بارنيللا سابقاً - مع الإِسلام الذي شدّها إليه وضوح عقيدته وعقلانيته وشمولية رسالته، فاستنقذها كما تقول مما كانت تعانيه من فراغ عقائدي وروحي، ومنحها الطمأنينة والدافع لكي تنخرط في نشاطات فكرية واجتماعية عديدة من أجل رعاية المسلمين في منطقتها، وحمل مهمة تبليغ الإِسلام في أنحاء دولة السويد كافة.

في منزلها الزوجي في بلدة «شاملينغ» التابعة لمدينة لوند السويدية، التقتها «نور الإِسلام» بحضور زوجها الأخ جميل الجزائري الجنسية، وأطفالها الأربعة، ومنهم ابنتها التي ذكرت لنا أنها الوحيدة المحجبة في صفها، وهي معتزة بذلك.. وبعد الترحيب كان السؤال الأول:

س: كيف تصفين لنا رحلتك نحو اعتناق الإِسلام؟

ج: في الحقيقة أنا أعتبر أن العناية الإلهية هي التي شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية لدين الله تعالى، الذي اختاره وارتضاه ليقود خطى البشرية نحو شاطىء الأمان، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان.

١٤٣

وكانت رحلتي نحو الإِسلام قد بدأت منذ أوائل الثمانينيات، وهي لم تكن سهلة أو سريعة، حيث أخذتُ متسعاً من الوقت للاطلاع والتأمل، قبل أن أتخذ القرار السعيد باعتناق الإِسلام والالتزام بتعاليمه والجهر بذلك، بعدما حصل لديّ الاقتناع واليقين بصحة هذه الخطوة المصيرية بالنسبة إليّ.. وإذا شئتم ذكر بعض التفاصيل حول الكيفية التي تعرّفت فيها إلى الإِسلام والتي قادتني إليه، فإن الفضل في ذلك بعد التوفيق الإلهي يعود إلى أختي مريم، التي نشأتُ معها في قريتنا «سفل - Siffle »، وكانت قد اختارت الدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الصينية، وهناك رغبت في الاطلاع على البوذية بحكم الفراغ العقائدي الذي كانت تعيشه، ولكن بحمد الله، فإن الطريق بدلاً من أن يقودها إلى البوذية أوصلها إلى الإِسلام، حيث تعرّفت هناك إلى مجموعة من الطلاب المسلمين الذين كانوا يدرسون في الجامعة نفسها، وبواسطتهم اطلعت على الإِسلام فاقتنعت به وأعلنت إسلامها، وتزوّجت من أحد الطلبة المصريين. وعندما عادت إلى السويد جرى بيني وبينها نقاشات مطوّلة حول الإِسلام، جعلت صدري ينشرح لهذا الدين، وأعادتني إلى التفكير بالحياة الدينية والروحية بعد أن كنت غير مبالية، وهذا ما دفعني إلى مزيد من الاطلاع على الإِسلام، فكان لي لقاءات مع بعض الطلبة المسلمين المثقفين الذين أجلوا لي بعض الغوامض وزودوني بالعديد من الكتب التي استفدت منها كثيراً، حيث بدأتُ أحصل على أجوبة مقنعة على الأسئلة التي كان تحيّرني وتبعث في نفسي الشك، وهكذا وجدت الإِسلام دين العقل والمنطق والعدل، ووجدته يؤمّن التوازن بين العقل والعاطفة، وفي كل جوانب الحياة الإنسانية، ويضع للإنسان منهجاً يؤمّن له السعادة في الحياتين.. الدنيا والآخرة، كما يطرح حلولاً متميزة لكل المشاكل التي تعترض حياة الإنسان، وهذا ما دفعني للتحول نحوه.

س: كيف كان صدى التزامك بالإِسلام بين أهلك وفي محيطك؟

ج: قبل ارتدائي الحجاب والالتزام باللباس الشرعي، اقتصر رد فعل أهلي وأصدقائي على بعض التعجّب والتساؤل عمّا إذا كنت سأثبت على قناعاتي الجديدة، وعمّا إذا كنت سأتعدّى مجرد القناعة إلى الالتزام الظاهري، ولكن بعد زواجي ذهبتُ مع زوجي جميل إلى الجزائر، وهناك التزمتُ بالحجاب واللباس الشرعي، وبعد عودتي إلى السويد واجهتُ الكثير من الاستغراب والأسئلة المعترضة على وضعي الجديد سواءً من الأهل أو الأصدقاء حيث لم يكن أحد يتصوّر أنني سألتزم إلى هذا الحد، وقد عرفوني سابقاً غير مبالية بالدين، ولم يدر في خلدهم أن الإِسلام أمر مختلف وأنه ليس مجرد ديانة تعنى بباطن الفرد فقط، بل هو أسلوب للحياة والتعامل.

١٤٤

وبارتدائي الحجاب في ذلك الوقت، أصبحت في نظرهم أنتمي إلى الأقليات المسلمة التي يتجنبها الإنسان السويدي، الذي هو بطبيعته يعيش العزلة والخوف من الجديد والمختلف، غير أن هذا لم يمنعني من أن أشق طريقي بكل ثقة وصبر، وأن أفرض احترامي واحترام ما التزمت به على الكثيرين ممن تبرموا في البداية.

س: كيف ترين أهمية الحجاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة وخصوصاً في الغرب؟

ج: الحجاب بنظري هو حصن تعيش المرأة في داخله بكل طمأنينة، واثقة بالنفس، وهو يفسح المجال أمام المرأة للتفكير بما هو أهم من الملابس والزينة، ويعطيها الفرصة لتصبّ جهودها أكثر على ما يدفعها ويدفع محيطها للتقدّم، لأنها تحرّر نفسها من الاستغلال الرخيص لأنوثتها فتتحرّر من سطوة جشع تجار الأزياء وتفاهاتهم، ومن عبث وفساد وسائل الإعلام والإعلان التي تسيّر النساء الفارغات في عالمنا المعاصر.

س: هل يمكن أن تعطينا صورة عن المستوى العلمي الذي توصّلت إليه وعن مجال عملك؟

ج: لقد تابعتُ دراستي بعد إسلامي حتى نلتُ شهادة الدكتوراه من جامعة لوند، وذلك في قسم البيئة البشرية، وكان موضوع أطروحتي هو «المسلمون في الشرق الأوسط»، الذي هو محل اهتمامي الشخصي، وهذا ما اقتضي مني زيارة عدة دول إسلامية في الشرق الأوسط لاستكمال المعلومات حول هذا الموضوع، وأنا الآن أعمل باحثة في جامعة لوند نفسها.

س: علمنا أن لديك نشاطات إسلامية متعددة، فما هي؟

ج: لقد انتخبتُ عضواً في الأكاديمية الإِسلامية، وهي جمعية تضم الجامعيين المسلمين في جميع أنحاء السويد، وتهتم بالتعريف بالإِسلام، وإجلاء صورته في المجتمع السويدي، والدعوة إليه عن طريق المحاضرات والندوات والكتب والمنشورات، وأنا أساهم قدر طاقتي في نشاطات هذه الجمعية.

١٤٥

أمّا نشاطي الإِسلامي الأساسي فيتم من خلال النادي النسائي في مدينة لوند وجمعية الإرشاد الإِسلامية الخاصة بالنساء المسلمات السويديات والمهاجرات، وتهتم الجمعية بالتوعية الثقافية الإِسلامية عن طريق تدريس التربية الدينية والعلوم الإِسلامية واللغة العربية. وتقيم الجمعية الندوات واللقاءات العامة، كما تنظم زيارات للمدارس والجامعات بهدف التبليغ الإِسلامي. إلى جانب ذلك، لدينا اهتمام خاص بالأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية سليمة، وإبعادهم عن المحيط المنحرف.

س: ما رأيك بمستقبل النشء المسلم الجديد في السويد والمجتمعات الغربية؟

ج: برأيي أن الأطفال المسلمين سيواجهون صعوبة أقل لدى انخراطهم بالمجتمعات الغربية، لأنه من الأسهل عليهم فهم تركيبة المجتمع الذي نشأوا فيه والتكيّف معه بمرونة أكثر من كبار السن المهاجرين، سواء في السويد أم في غيرها.

س: ما هي المشكلات التي يعاني منها المسلمون في السويد؟

ج: يعاني المسلمون في السويد من مشاكل عدة، تنعكس سلباً على تحسين أوضاعهم، منها:

- انخفاض المستوى التعليمي، حيث أن الأكثرية منهم جاءوا إلى السويد للاستفادة من الرفاهية المادية الموجودة هنا، وهذا ما يعيقهم عن الحصول على وظائف عالية.

- المشاكل القائمة بين المجموعات المسلمة ذاتها، حيث يختلف بعضهم على المرجعية التي تبتّ في القضايا المهمة التي تهم جميع المسلمين.

س: كيف ينظر السويديون والغربيون عامة إلى المسلمين الموجودين بينهم؟

ج: يصنّف المسلمون في الغرب عادة إلى قسمين: قسم يسمّونهم متطرفين، وهم الذين يتمسّكون بدينهم ويطبقون شعائره ولا يجاملون في ذلك. وقسم آخر يسمّونهم معتدلين، وهم عادة الذين لا يبالون بأمور الدين ويهملون واجباتهم الشرعية، لأنهم متأثرين بالحياة الغربية المادية. ولكن على العموم فإن نظرة الغربيين إلى الإِسلام والمسلمين هي عموماً سلبية، وهي ناشئة عن رؤيتهم الحضارية والدينية المختلفة والاحتكاكات التاريخية، كما أن الإعلام المعادي الموجّه يغذي هذه النظرة السلبية، ويعمل على تضخيم وهم الخطر الإِسلامي على الغرب. كما لا ننسى هنا أخطاء المهاجرين المسلمين وأفعال الكثيرين منهم التي تعطي صورة سيئة عنهم، وعمّا يمثلون.

١٤٦

ولا يعني هذا أن ليس هناك تفهّم للإِسلام وتعاطف مع المسلمين وقضاياهم لدى جهات وأشخاص كثيرين في الغرب، وهنا تأتي مسؤولية المسلمين لكي يبذلوا الجهود المضاعفة كي تتسع هذه النظرة الإيجابية للإِسلام في الغرب.

س: هل من كلمة أخيرة؟

ج: أريد أن أوجّه عبر مجلتكم الموقرة نداءً مختصراً إلى المرأة المسلمة عموماً وإلى النساء في البلاد الإِسلامية بشكل مباشر لأدعوهن إلى مزيد من الوعي والتعقل والتمسك بالإِسلام، هذه الرسالة العظيمة، كي يساهمن بشكل أفضل في تماسك وتطوير وسلامة مجتمعاتهن لإبعادها عن الموبقات والمفاسد التي تعصف بالمجتمعات الغربية، والتي تحطّ من قدر الإنسان، وألا ينخدعن بمظاهر الحياة الغربية ومغرياتها وحرياتها الزائفة، التي تزيّنها لهن وسائل الإعلام المفسدة، فهذه لا تؤدي إلّا إلى سقوطهن وتدمير كل مقومات القوة التي يوفرها لهن الإِسلام في أنفسهن ومجتمعاتهن، وأني آمل من كل اللواتي انبهرن بهذه القشور وتخلين عن مزايا شخصيتهن الإِسلامية الكريمة أن يراجعن أنفسهن ويواجهن الحقيقة بإرادة وصدق.

١٤٧

الأخ المسلم البريطاني جان هانز (محمد علي)

يقول:

· السلوك النظيف والقويم لبعض العمّال المسلمين الملتزمين جعلني أُكبِر الإِسلام وأرغب في اعتناقه.

· في الغرب نحلم بالسعادة ولا نجدها، بل نعيش الحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننالها.

· تفرّغت لطلب العلوم الدينية الإِسلامية من أجل خلاص نفسي وهداية أهلي ومجتمعي.

· النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) هم معلمو البشر وقادتهم، ويجب أن نتخذهم قدوة لنا.

في الوقت الذي تنتشر فيه الفلسفات المادية والتيارات الإلحادية وهي تغزو وسائل الإعلام في كل قطر وبلد، مدعومة بأحدث وسائل الاتصال والنشر. تجد ثلّة من الناس طريقها الواضح المستقيم، وسط الغبار والزحام المتراكم من الأيديولوجيات والأفكار، مهتدية بنور الإِسلام الذي يجذب إلى ساحته كثيراً ممن أنعم الله عليهم بنعمة الدين الحنيف، ومن قلب الغرب الذي أدار ظهره للدين منذ أن أعرض عن النهج الإلهي، في مطلع النهضة العلمية التي حققت له رفاهية مادية ولكنها فشلت في أن توصله إلى رحاب الطمأنينة وواحة السعادة في هذه الدنيا فضلاً عن الآخرة. من بين هؤلاء النخبة المهتدية، نبدأ حديثنا عن إسلام الشاب البريطاني جان هانز «محمد علي» بهذه اللمحة الدالة التي توجز حوار مجلة «نور الإِسلام» مع هذا الشاب المهتدي.

التقيناه في رحاب المقام الشريف للسيدة زينب (عليها السلام) في ضاحية دمشق الشام، هناك ذات مساء، بعد أداء شعائر الزيارة المباركة، وبعد الفراغ من الصلاة، من بين تلك الوجوه الطيبة التي أمّت المقام الشريف، طالعنا بوجهه المشرق وثغره المبتسم، والطريف في هذا الأمر، أن هذا الشاب كان يرتدي الزي الخاص بطلاب العلم الديني، وكان مظهره يحمل أكثر من دلالة.. بعد أن رحبنا به دار بيننا الحوار التالي:

١٤٨

س: هل لك أن تعطينا لمحة عن نشأتك؟

ج: نعم بكل ترحيب، وُلدت في بريطانيا، وعشتُ طفولتي كأي فرد مسيحي، يذهب مع عائلته إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد، ولم أكن أشعر بأن شيئاً يمكن أن يطرأ على حياتي فيبدلها، ولكني كنت أشعر كأكثر الناس بأن الحياة تمضي بنا حثيثية دون أن تحمل إلينا معنى أو هدفاً نبيلاً، فالناس تعيش دون مُثُل أو قيم، مكتفية بالاستغراق في الحياة المادية العابثة التي تجعل منّا أناساً أشبه بالأنعام التي تعيش ليومها ولا تفكر بغد.

كانت حياتنا رتيبة، نحلم بالسعادة ولا نجدها، فتشنا عنها كثيراً فلم نجدها في حدود متع الدنيا ولذاتها، بل كنا نصاب بالحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننال منها نصيباً، لهذا كنا نعيش حياة ينتهي وجودنا بانتهائها؛ ولهذا كان الكثير من الشباب يفكرون بالتخلص من هذه الحياة الفارغة، إما بالهروب إلى المخدرات، هروباً آنياً وإمّا بالانتحار. وقد حصل أن أقدم شبان كثر على قتل أنفسهم عندما قرأوا كتاب «آلام فرتر» للكاتب الألماني «غوته» في الحقبة الماضية. في تلك الفترة لم أكن أختلف بشيءٍ عن أقراني، لقد درستُ وتعلمتُ في إنكلترا وتخرجت من الجامعة مهندساً، ثم سافرت للعمل في الخارج.

س: هل لك أن تحدثنا عن تجربتك الجديدة في ظل الإِسلام؟

ج: كانت بداية التحوّل في حياتي الشخصية حينما سافرت إلى الباكستان للعمل هناك، وبعد انقضاء فترة على وجودي في تلك البلاد، كنت خلالها أراقب العمّال البسطاء الذين كانوا يشتغلون تحت إشرافي. وقد لفت نظري إخلاصهم في العمل فضلاً عن صدقهم في المعاملة، وتفانيهم في أداء ما يُطلب منهم بكل أدب واحترام، ولاحظتُ أن السبب في ذلك يعود إلى روح النظام وجو الطهارة الذي اكتسبوه من عادة حسنة، فقد كانوا يقفون بانتظام صفاً للصلاة بضع مرات في اليوم، بعد أن يقوموا بتنظيف أجسامهم في أحواض الماء، ويغسلون بعض أعضائهم أو يمسحونها، وهي دلالة ظاهرة على طهارة الأبدان، ودلالة باطنة على نظافة الروح وتطهير النفس، وقد تعلمت منهم قول الرسول (ص) :

١٤٩

«أفضل الطيب الماء» .. أما عندنا فما نفع العطور التي يضعها الإنسان على جسم تتنازعه الأقذار والنجاسات، من الخمرة إلى الميتة ولحم الخنزير وما أشبه ذلك. ثم تعلمتُ من هؤلاء العمّال، كيف أملأ وقتي بما يفيد، وكيف أنظِّم ساعات يومي، بعد أن أقف مثلهم لحظات بخشوع وأتلفظ بالكلمات ذاتها، التي تشيع الأمن والطمأنينة في نفسي.

وعرفتُ من هنا أن الفرد المسلم يمثّل الطهارة المادية المتجسّدة في نظافة جسمه من الأدران ونظافة روحه من الآثام.

س: هل من سبب آخر دفعك إلى اعتناق الإِسلام؟

ج: لقد كان في حياتنا نحن الغربيين، كما أشرتُ إليك، فراغ هائل، نابع من انتفاء القِيم في واقع الإنسان الغربي، وهذا ما يبعث على القلق المؤدي إلى عذاب الروح، فعندنا كلمة شائعة يتداولها الناس تدلّ على اللامبالاة وعدم الاكتراث مثل «لا يهمني» أو أن يقول قائلنا لكل أمر جديد أو مدهش «حسناً».

والجدة عندنا معيار وقيمة توزن بها الأشياء، فكل شيء إذا مضى عليه وقت يفقد قيمته ويتطلع الإنسان إلى الجديد الذي يبهر ثم سرعان ما يفقد هذا الجديد سحره وتأثيره، وهكذا يظل الإنسان يلهث وراء كل جديد، حتى يتبلد إحساسه فلا يشعر بقيمة الأشياء، فتفقد الأشياء معناها وجوهرها، فيصبح الإنسان عديم الإحساس، من هنا يفكر في الخلاص بأي طريق كان.

بينما يعطي الإِسلام منهجاً وسطاً في المنع والعطاء، في التمنع والحرمان، هذا المنهج الوسط يبقي للأشياء معناها، لأن الحرية المطلقة التي تبلغ الإباحية والإسراف، تستهلك جوهر الأشياء وتبطل معناها، وهنا تكمن الكارثة في الحياة الغربية القائمة على البراغماتية والمتعة الآنيّة.

لقد وهبني الإِسلام منهجاً في الحياة قرّت به عيني واطمأنت إليه نفسي، بعد سنوات من الضياع والقلق الذي يغرق فيه مجتمعنا المتردي في دوامة الانحلال على الصعيدين المادي والروحي.

ولم أصدق أن هناك عقيدة تحمل إلى الإنسان السكينة والاستقرار إلّا بعد أن رأت عيناي وسمعت أذناي ولمستُ الحقيقة التي لا ريب فيها أن الإِسلام بصفاته وسماحته هو المنتجع الآمن والواحة التي تستظل بها النفوس التواقة إلى رحاب السعادة. كان ذلك التحوّل الكبير في حياتي حين تعرفت إلى خاتم الديانات وجوهر الرسالات، الإِسلام الحنيف، وكان ذلك بفضل العناية الإلهية.

١٥٠

س: ما هي الأسباب التي دفعتك لتكون طالباً في مدرسة العلوم الدينية؟

ج: عندما اهتديتُ إلى الإِسلام، فكرت بأهلي ومجتمعي، وعرفت أني سأواجه اعتراضاتهم، لذلك شئت أن أتسلح بالحجة والبرهان، وسبيلها العلم والمعرفة، لذا عقدتُ العزم على تلقي العلوم والمعارف الإِسلامية.

س: ألا يسبب لك حرجاً ارتداؤك الزي الخاص برجال الدين؟

ج: في الأساس لم أفكر في خلاص نفسي فحسب، بل فكرت في خلاص الآخرين من أهل وطني، لهذا وطّنت النفس على تجاوز الصعاب، إنني فخور بارتداء العمامة والزي الديني، وهذا يمنحني الحرية في الحركة، بهذه الثياب الفضفاضة، كي يحررني من الزي الغربي الملاصق للجسد، فذاك يضغط عليّ ويرهقني، وهذا يتيح لي التحرك بسهولة، وهو رمز للتجرد عن زيف الحضارة في الزينة والتجمل.

ثم إن المجتمع الغربي يدّعي الحرية والديمقراطية، فأنا من هذا المنطلق يحق لي أن أرتدي ما أشاء.

س: ماذا تنوي أن تفعل عندما تعود إلى وطنك؟

ج: انطلاقاً من قول الإمام علي (ع) : «أحب لغيرك ما تحب لنفسك»، لهذا فإنني أبغي الخير لإخواني في الإنسانية من أبناء وطني كما قال الإمام (ع) : «واعلم أن الناس إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». فسوف أقوم بواجبي في التبليغ الإِسلامي، وإنني آمل منهم أن يستجيبوا.

س: ما هو مدى اطلاعك على الثقافة الإِسلامية؟

ج: إني سعيت للاطلاع على المعارف والعلوم الإِسلامية بشغف ومحبة، وإنني ملم بحياة النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ، ومطّلع على الكثير مما قالوه وفعلوه، وإنني أؤمن بعصمتهم وأنهم معلمو البشر وقادتهم، وأتخذهم قدوة وأجعل من أقوالهم شعاراً ومن أفعالهم أمثولة في الحياة.

١٥١

س: هل من كلمة أخيرة تتوجه بها إلى القرّاء؟

ج: إنني أؤكد إنني وجدتُ للحياة قيمة بعد اعتناقي الإِسلام، فنحن لم نخلق عبثاً، بل لغاية سامية، والجدة التي هي معيار كاذب وزائف لم تعد تعني لي شيئاً.

وإنني أردد ما قاله المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «بلّغوا الإِسلام إلى الغرب، فإذا نجحتم في رسالتكم هناك، حققتم أهدافكم في التبليغ هنا»، لأن الشرق مولع بتقليد الغرب، وهو مرض العصر، ولقد كان الغرب الإسباني في عصر الإِسلام، يتوجه بأنظاره قِبَل المشرق، وإنني أدعو جميع الناس إلى قراءة الإِسلام ومعرفته عن كثب ليتسنى لهم الاهتداء ثم هداية الآخرين، لأن الناس أعداء ما جهلوا، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

١٥٢

الأخت الروسية المهتدية، يلينا كوشيليوفا

تقول «لنور الإِسلام»:

- على الرغم من الدعاية الإلحادية التي كان يفرضها النظام التعليمي الشيوعي السابق، كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد.

- من خلال كتاب «حياة محمد» لأحد الكتّاب الروس، أعجبت بشخصية الرسول (ص) ثم صرت أبحث عن الكتب الإِسلامية.

- الأسف يعتصر قلبي، كيف لم تهتدِ النسوة السافرات إلى نعمة الحجاب، وما يمثّله من قيم النقاء والطهر.

- إنني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على طريق المدنية القادمة من الغرب.

يلينا يورينيفا كوشيليوفا

لم تكن تدري يلينا وهي الفتاة الروسية التي تعيش في مجتمع شيوعي يؤمن بالقيم الماركسية، أنها على موعد مثير، مع صدفة رائعة حملها إليها عيد الأضحى، حينما التقت بمن هيَّأته العناية الإلهية لينقلها من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى الدين الحنيف، لقد وُلدت من جديد، كما تقول يلينا، وكنت أشعر بإرهاصات تنبئ عن استعداد وتوجه في عمق وجداني. كالظافر بالماء وسط الصحراء، لأجد الحوض الطاهر النقي، الذي ألقيت بنفسي في لجته، لأتطهر من أدران هذا العالم الذي أضاع قيم الروح والإنسانية.

تجربتي مع الإِسلام مثيرة وغنية بالعبر إذا ولجتم إلى أعماقي ستجدون أنني جد سعيدة بهذه المصادفة الرائعة. وكأن القطار الذي كان ينقلني من إحدى المدارس في ضواحي «لاتيا» كان يحملني إلى شاطئ السعادة والأمان وواحة الهداية واليقين.

في مسكنها الزوجي في بيروت وبين عائلتها السعيدة التقت نور الإِسلام السيدة يلينا وكان لنا معها هذه المقابلة:

١٥٣

س: هل لك أن تعطينا لمحة موجزة عن نشأتك وتربيتك الأولى:

ج: وُلدت سنة 1973 في طاجكستان التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أصل روسي، وكان والدي ضابطاً برتبة كولونيل، إلى جانب كونه محامياً، وكانت أمي طبيبة، وقد تعرضت عائلتي للتنقل إلى أكثر من بلد، إذ هاجر أهلي إلى سيبيريا، إلا أنني بقيتُ أعيش مع جدتي في طاجكستان حيث دخلت إلى المدرسة، وعندما سافر أهلي إلى جمهورية لاتيا اصطحبوني معهم إلى مدينة ريفا ثم استقرت بنا السكنى أخيراً في أوكرانيا.

لقد فرضت علينا ظروف عمل والديَّ أن نتنقل بين بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً، مما أتاح لي فرص التعرف إلى هذه البلدان المختلفة، والخروج إلى العالم الأوسع؛ ما أكسبني مرونة في التصرف، ومزيداً من الوعي، وهذا ما أدى إلى أن لا تترسخ في نفسي عادات بلد معين، بل كنت أبحث دائماً عن الأفضل في العادات والسلوك. لقد ترعرعت وسط عائلة مثقفة. فالبيئة التي عرفتها في لاتيا تشبه البيئة الأوروبية من حيث توفر الحرية والمناخ الثقافي والفكري، قياساً على بقية البلدان الروسية.

كانت طفولتي موزعة بين البيت والمدرسة، فلم أكن أهتم بما يوليه أترابي من اهتمام.

ولست أعلم بالتأكيد لماذا كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد مع أن التعاليم الإلحادية التي يفرضها النظام التعليمي، كانت لا تعترف بذلك، وربما كان لجدتي أثر في هذا الاستعداد لديَّ.

وكان والدي يشتري لي كتباً علمية حول نشوء العالم، حسب ما يقرره الإنجيل، وكنت أميل كثيراً إلى التأمل. وعندما بلغت السادسة أو السابعة عشرة جربتُ أن أصوم على الطريقة الأرثوذكسية، حيث كنت أمتنع عن تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية لمدة أربعين يوماً.

١٥٤

س: هل لك أن توضحي لنا الأسباب التي حملتك على اعتناق الإِسلام:

ج: أجل. حينما كنت في الرابعة عشرة من عمري، كنت أتعلم في مدرسة تضم أولاداً من الطاجيك الذين يعتنقون الإِسلام، ولاحظتُ كيف أن العائلة المسلمة تضم عدداً كبيراً من الأولاد، وفي أثناء ذلك كان يسترعي انتباهي منظر الأولاد المؤثر، وهم يصومون طوال النهار عن الطعام والشراب، وكان بعضهم يصاب بالإعياء آخر النهار، حيث كان شهر حزيران القائظ بنهاره الطويل. وكان ذلك يحملني على التساؤل، لماذا يتحمل هؤلاء هذا العناء كله ومن أجل أي شيء يضحون بالتمتع بما يشتهون من الطعام. كان ذلك بداية التجربة مع الإِسلام بالنسبة إليّ.

وعندما بلغتُ الثامنة عشرة، كنت أدرس الكيمياء في إحدى الكليات، التي تبعد عن منزلنا ثلاثة أرباع الساعة تقريباً، وكان عليّ أن أتنقل بالقطار، وهنا حدثت الصدفة الرائعة، حيث تعرّفت إلى زوجي المهندس اللبناني فهد سويدان، وتجدَّد اللقاء وعرّفني أنه مسلم ملتزم وكان آنذاك لا يحسن اللغة تماماً.

وشاءت الصدف أن ننتقل جميعاً إلى كييف في أوكرانيا للدراسة، فتوثقت علاقتنا، من ذلك الحين بدأ اهتمامي بالإِسلام يتزايد وأخذتُ أتردد على المكتبة، وكان أن اطلّعتُ على كتاب «حياة محمد» وهو لأحد الكتّاب الروس المستشرقين فأعجبتُ بشخصية الرسول (ص) ، ثم صرتُ أبحث عن الكتب الإِسلامية لأطالعها، وتلقيتُ كثيراً من العون. وفي الوسط الطلابي في كييف لمست أن هناك إسلاماً حقيقياً حيث الصفاء الروحي والصدق الذي يتحلى به الطلاب المسلمون القادمون من بلدان المختلفة.

س: ما هو موقف أُسرتك وأصحابك من هذا التحول:

ج: بالنسبة إلى والدتي لم يشكل هذا التحول حرجاً، وأما والدي فقال لي: إنك ستبقين مسيحية، ولو حاولت أن تكوني غير ذلك، أما أنا فقد أصبحتُ مسلمة، في الواقع، ولكنني لن أتنكر للقيم الصحيحة في المسيحية.

والذي سهَّل عليّ هذا التحول هو ما كانت تشهده بلادنا من تحول كبير في بنية النظام في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فكل شيء كان من حولنا يتغير ويتبدل.

١٥٥

س: ما هي التغيرات الإيجابية التي تمَّت بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: شعرتُ بأنني بلغتُ هدفي، وأنني أدركتُ ما كنت أصبو إليه، من يقين وطمأنينة! فقد كنت متعطشة للوصول إلى الحقيقة، التي كانت ترد بشكل تساؤلات حول العقيدة والسلوك في الحياة، تبحث عن جواب شافٍ.

وما يجدر ذكره أنني لم أجرِّب المحرمات قبل زواجي واعتناقي الإِسلام. إذ كان كلٌّ من روحي وجسدي طاهرين، وبقيا طاهرين، وبكلمة أقول: «كأنني وقعْت في حوض الماء الذي كنت أتوق للسباحة فيه»، كرمز للطهارة التي يمنحها الإِسلام لأتباعه. ولقد استفدتُ في لبنان كثيراً من إحدى المدرِّسات، وأنا مدينة لها بتعلم بعض العربية وقراءة القرآن الكريم وتفسير بعض الأدعية.

س: كيف تنظرين إلى ظاهرة السفور المنتشرة في المجتمع الإِسلامي؛ كونك فتاة روسية قادمة من خارج البلاد الإِسلامية؟

ج: إن هؤلاء النسوة يعانين من ضياع، وإنني لأشعر بالأسف يعتصر قلبي كيف لم يهتدين إلى نعمة الحجاب وما يمثِّله من قيم النقاء والطهر. ولكن المرأة المسلمة، وهي ترتدي الحجاب لا بدّ لها من أن تراعي مستلزمات هذا الحجاب، في حديثها وتصرفاتها ومعاملاتها.

وإني أنظر إلى ظاهرة السفور في مجتمعاتنا الحديثة، كظاهرة غير طبيعية، طرأت على المجتمع الإِسلامي والمسيحيي في الشرق والغرب، وكان من أهم الدواعي إليها، نزول المرأة إلى ميدان العمل وما أحدثته الثورة الصناعية من تبدل في القيم الاجتماعية والخلقية.

إذ العودة إلى الحجاب، هي بنظري رجوع إلى الفطرة والأصل.

س: ما هي رؤيتك لواقع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: على المرأة المسلمة المحجبة أن تثبت للآخرين أنها ليست متقوقعة في حياتها ومنعزلة عن المجتمع، بل إنها تختزن طاقة يمكن أن تستثمرها في هداية الفتيات الأخريات، مع المحافظة على واجباتها البيتية التي هي أهم من أي نشاط اجتماعي خارج المنزل، وطبعاً مع المحافظة على طبيعتها الأنثوية.

١٥٦

س: ماذا تقترحين لهداية الجيل المعاصر:

ج: في نظري إن الجيل من الأحداث والشباب منجذب بشكلٍ ملفتٍ للنظر، إلى مشاهدة وسائل الإعلام المضرة وخاصة التلفاز، وهذا ما يشكل ظاهرة ذات آثار سلبية كبيرة بالنسبة إلى الأطفال بشكل خاص، فعلى الآباء أن ينتبهوا لتربية أولادهم، فلا يتركوهم فريسة للمسلسلات العبثية الفارغة.

س: هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى القرّاء؟

ج: إني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على خطى المدنية القادمة من الشرق والغرب، بل تعود إلى أصالتها وأن لا تستورد إلا ما هو الأحسن والأفضل،، ولتستفد من تجربة الغرب الذي نظر في حضارتنا فأخذ بأحسنها، بينما نرى العكس في بلاد المسلمين، حيث ينبهرون بالأمور الخدّاعة والبرَّاقة التي تعبر عن أسوأ ما عند مجتمعات الغرب من خلاعة وسفور وابتعاد عن الدين والفضيلة.

١٥٧

الأخت المهتدية كارمن سركسيان «هدى»

هكذا تعرفت إلى الإِسلام وهكذا اهتديت

تلك الفتاة الأرمنية التي اهتدت إلى نور الإِسلام واعتنقت الدين الضيف بعد رحلة مثيرة، وتجربة غنية في البحث والاستكشاف، هذه الهداية التي كان مفتاحها التعرف على شريك لها في الحياة، ولكن الرحلة الإيمانية لم تقف عند حد، بل إن الفتاة المهتدية سارت يحفِّزها حب المعرفة، إلى أن تنهل من معين الثقافة الإِسلامية لتغترف من المكتبات ما جعلها جديرة بأن تكتب تجربتها في كتاب يمتع القارئ ويفيد في آنٍ معاً، بعنوان «قصة إسلامي» وإليك أيها القارئ مقتطفات مما أوردته في هذا الكتاب.

عن ولادتها ونشأتها تقول:

وُلدت في الكويت عام 1965، نشأتُ وترعرعتُ وقضيتُ أجمل أيام عمري في رحابها، ولا أزال أحلم بالعودة لأعيش على أرضها الطيبة مرة أخرى، حيث ولادتي ونشأتي ودراستي وعملي وزواجي وإنجابي طفلي علي، والأهم من ذلك كله، أن الله هداني للإِسلام على أرضها، فكيف أنساها، إنها نبضة في القلب، وبدون نبضات القلب لا يحيا الإنسان.

كيف تعرفت إلى الإِسلام؟

في صيف «سبتمبر/أيلول» 1985، كنت أعمل كموظفة في شركة كويتية للمشاريع الهندسية، وكنت أنظم الملفات وأقوم بأعمال أمانة السر لذلك الإنسان الذي أصبح زوجي فيما بعد. ومع أنني وافقت على الزواج منه، إلّا أن تلك الموافقة كانت مصحوبة بشيء من الخوف لأنني مسيحية وأرمنية وهو مسلم.

ولا بدّ أن أوضح معنى كلمة أرمنية، إن الكثير من الناس حين يسمع كلمة أرمني أو أرمنية، تتبادر إلى أذهانهم كلمة مرادفة هي مسيحي، وفي الحقيقة هذا خطأ، فكلمة أرمني تعني أن جذور الشخص تعود إلى أرمينيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي الآن جمهورية مستقلة، ثم إن أرمينيا فيها عدد كبير من المسلمين الأرمن، لذا إن كلمة أرمني هي مثل سوري ولبناني ومصري.

١٥٨

أما سبب مخاوفي فهو أني أعرف بعض المسيحيات اللواتي اقترنَّ بمسلمين، وكان الفشل حليف هذا الزواج فطُلِّقن فيما بعد، أما أنا فكنت واثقة من نجاح زواجنا، فقد تيقنت من صدق زوجي، كما أنه استطاع أن يجذبني إلى اعتناق الإِسلام، إذ كان يمثل لي القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في سلوكه وتصرفه معي. وبعد أن أصبحت مسلمة، اخترت لنفسي اسم هدى بدلاً من اسمي السابق «كارمن».

كيف كان تأثير إسلامها وزواجها من مسلم على أقربائها؟

كان زواجنا في البداية غير مُعْلَن، تحاشياً لردود الفعل من قِبَل الأهل والأصحاب، ولكن فوجئت بأن أختي تتصل بي عبر الهاتف وتخبرني بمعرفتها بهذا الزواج وكان ذلك مفاجأة لي، وتذكرت الآية الكريمة﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَیْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا ﴿19﴾ ﴾ [النساء: 19]، فأخبرتها الحقيقة، وكان أهلي يسكنون في المدينة نفسها، فطلبوا من زوجي الحضور لمناقشة الموضوع.

وتمَّ الاتفاق أن أغادر منزل أهلي لأعيش مع زوجي بعد أن يئس الأهل من التأثير عليّ، وكانت دموع والدتي تنطق بأبلغ الكلام. قاطعني أهلي مدة أسبوعين فقط، بعدها قاموا بزيارتي دون أن يسمحوا لي بأن أزورهم.

ولم تعلم والدة زوجي بأمر زواجنا إلّا حين أُدخل زوجي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، وكان قد أخبر أهله حفاظاً عليّ وعلى حصتي في الميراث، إذا حصل القضاء. وقد اصطحبتني والدة زوجي إلى منزلهم للمرة الأولى، فإذا بي أرى مكتبة كبيرة تضم كتباً في مختلف العلوم والآداب والتاريخ الإِسلامي، ومع أننا تأخرنا في السهر ليلاً فقد استيقظ الجميع في ساعة مبكرة من الصباح لأداء صلاة الصبح.

١٥٩

ولكن كيف اعتنقت الإِسلام؟

كانت لقاءاتي بأهله تثير عندي تساؤلات عن الصلاة، وعن الحجاب، وعن الفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء، وهنا بدأت رحلة المعرفة، والاستكشاف حين بدأت بالانصراف إلى مطالعة الكتب، وكانت والدته تدفعني إلى ذلك. قبل ذلك كنت أعيش في صراع، والآن بدأت رحلتي السعيدة مع الدين الحنيف. لم يكن زوجي يحدِّثني كثيراً عن الإِسلام، لأنه لا يريد أن يرغمني على اعتناقه، كما هو الشرط بيننا سابقاً، فكان يجيب باختصار على كل سؤال أطرحه عليه، ويصمت إذا لم أوجه إليه سؤالاً، كان يتألم لكوني غير مسلمة، لا أصلي، ولا أرتدي الحجاب.

كنت غير راغبة في ذلك، كنت أعلم مدى الحرج الذي أسببه لزوجي، بالرغم من ذلك كان له الدور غير المباشر في تقريبي إلى الإِسلام، ومن أجل ذلك كان يكثر من الاستماع إلى برامج القرآن الكريم، والإذاعات التي تبث برامج ثقافية حول الدين الحنيف.

انطباعاتها وشهادتها على أسلوب الحوار

إنني أعترف وأشهد بأن الطريقة التي كان يتم فيها النقاش لم تكن تؤذي مشاعري حول المسيحية - ديني السابق - فلم أتذكر أن المسلمين الذين تحاورت معهم أساءوا إلى المسيح (ع) وأمه أبدأ، بل إنهم يكنون من المحبة والتقديس لهما ما يثير الإعجاب ويؤمنون برسالته، وعندهم أن مَن لا يؤمن برسالة عيسى (ع) فليس بمسلم، وإن آمن برسالة محمد (ص) ، والغريب أنهم يستشهدون لعظمة النبي محمد (ص) بآراء كتّاب ومفكرين مسيحيين أمثال برنارد شو وغوته وكارلايل ولامارتين وجرداق وجبران ونعيمة، وحتى من غير أهل الكتاب أمثال نهرو، كنت ألتزم الصمت خلال مناقشاتهم، لأنهم يعرفون عن المسيحية أكثر مما أعرف.

كيف تم التزامها بالدين الحنيف فكرةً وسلوكاً؟

ولما كنت أتابع القراءة والمطالعة كان زوجي يقوم بشرح ما يصعب عليّ فهمه، واستمر الحال هكذا حتى أواخر عام 1987، وكنت أستمع إلى إحدى الإذاعات التي تنشر رسائل دكتوراه وماجستير يتقدم بها طلاب يرغبون بالتخصص في العلوم الإِسلامية، وقد كانت مناقشات تلك الرسائل ذات فائدة عظيمة بالنسبة إليّ.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

بغير تفريطٍ ثمّ ظهر أنّ العين مستحقّة ، رجع(١) بالدرك على المفلس ؛ لأنّها بِيعت عليه.

ونقل المزني عن الشافعي أنّ المشتري يأخذ الثمن من مال المفلس(٢) .

وروى غيره أنّه يضرب بالثمن مع الغرماء(٣) .

واختلف أصحابه على طريقين ، منهم مَنْ قال : على قولين ، ومنهم مَنْ قال : على اختلاف حالين(٤) .

والوكيل والوليّ كالأب والجدّ وأمين الحاكم إذا باعوا مال غيرهم ثمّ استحقّ المال على المشتري ، كانت العهدة على مَنْ بِيع عليه.

وقد تقدّم الكلام على ذلك في الرهن ، فإنّ أبا حنيفة يقول : على الوكيل ، بخلاف الأب والجدّ ، وقد سبق(٥) .

وإذا جنى عبد المفلس ، تعلّق الأرش برقبته ، وكان ذلك مقدَّماً على حقوق الغرماء ؛ لأنّ الجناية لا محلّ لها سوى رقبة الجاني ، وديون الغرماء متعلّقة بذمّة المفلس ، فيُقدّم الحقّ المختصّ بالعين ، كما يُقدّم حقّ الجناية على حقّ الرهن.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يُباع العبد في الجناية ، فإن كان وفق الجناية ، فلا بحث. وإن زادت قيمته ، رُدّ الباقي إلى الغرماء. وإن كانت أقلّ ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « يرجع ».

(٢ و ٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٠ - ٣٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١.

(٥) في ج ١٣ ، ص ٢٧٧ و ٢٧٨ ، المسألة ١٩٠.

١٨١

لم يثبت للمجنيّ عليه سوى ذلك.

مسألة ٣٩٦ : قد بيّنّا أنّه إذا ظهر غريمٌ آخَر ، نقض الحاكم القسمة ، أو يرجع على كلّ واحدٍ بحصّةٍ يقتضيها الحساب.

ومع نقض القسمة لو كان قد حصل نماء متجدّد بعد القسمة هل يتشارك الغرماء فيه؟ الأقرب : ذلك ؛ لظهور بطلان القسمة.

وكذا لو قُسّم التركة ثمّ ظهر بطلان القسمة وحصل النماء.

أمّا لو ظهر دَيْنٌ على الميّت وأبطلت القسمة ، فإن قلنا : النماء للوارث ، فلا بحث ، وإلّا تبع التركة.

ولو تلف المال بعد القبض ، ففي احتسابه على الغرماء إشكال.

* * *

١٨٢

١٨٣

المقصد الرابع : في الحجر‌

الحجر في اللغة : المنع والتضييق. ومنه سُمّي الحرام حَجْراً ؛ لما فيه من المنع.

قال الله تعالى :( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً ) (١) أي حراماً محرّماً.

وسُمّي العقل حِجْراً ؛ لأنّه يمنع صاحبه من ارتكاب القبائح وما يضرّ عاقبته ، قال الله تعالى :( هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) (٢) .

واعلم أنّ المحجور عليه نوعان :

أحدهما : مَنْ حُجر عليه لمصلحة الغير.

والثاني : مَنْ حُجر عليه لمصلحة نفسه.

وأقسام الأوّل خمسة :

أ : حجر المفلس لحقّ الغرماء.

ب : حجر الراهن لحقّ المرتهن.

ج : حجر المريض لحقّ الورثة.

د : حجر العبد لحقّ السيّد ، والمكاتَب لحقّ السيّد وحقّ الله تعالى.

ه- : حجر المرتدّ لحقّ المسلمين.

وهذه الأقسام خاصّة لا تعمّ جميع التصرّفات ، بل يصحّ منهم [ الإقرار‌

____________________

(١) الفرقان : ٢٢.

(٢) الفجر : (٥)

١٨٤

بالعقوبات ](١) وكثير من التصرّفات ، ولها أبواب مختصّة بها.

وأقسام الثاني ثلاثة :

أ : حجر المجنون.

ب : حجر الصبي.

ج : حجر السفيه.

والمذكور في هذا المقصد ثلاثة : الصغير ، والمجنون ، والسفيه. والحجر على هؤلاء عامّ ؛ لأنّهم يُمنعون من التصرّف في أموالهم وذممهم ، فهنا فصول :

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العقوبات ». والظاهر ما أثبتناه.

١٨٥

[ الفصل ] الأوّل : الصغير‌

وهو محجور عليه بالنصّ والإجماع - سواء كان مميّزاً أو لا - في جميع التصرّفات ، إلّا ما يستثنى ، كعباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره ووصيّته وإيصاله الهديّة وإذنه في دخول الدار على خلافٍ في ذلك.

قال الله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) (١) شرط في تصرّفهم الرشدَ والبلوغَ ، وعبّر عن البلوغ بالنكاح ؛ لأنّه يشتهى بالبلوغ.

وقال الله تعالى :( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) (٢) .

قيل : السفيه : المبذّر. والضعيف : الصبي ؛ لأنّ العرب تُسمّي كلّ قليل العقل ضعيفاً. والذي لا يستطيع أن يملّ : المغلوب على عقله(٣) .

مسألة ٣٩٧ : الحجر بالصبا يزول بزوال الصبا ، وهو البلوغ. وله أسباب :

منها : ما هو مشترك بين الذكور والإناث.

ومنها ما هو مختصّ بالنساء.

____________________

(١) النساء : (٦)

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٢٥ ، وكما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٧.

١٨٦

أمّا المشترك : فثلاثة : الإنبات للشعر ، والاحتلام ، والسنّ.

والمختصّ أمران : الحيض ، والحبل. وهُما للنساء خاصّة.

فهنا مباحث :

الأوّل : الإنبات.

والإنبات مختصّ بشعر العانة الخشن ، ولا اعتبار بالزغب(١) والشعرِ الضعيف الذي قد يوجد في الصغر ، بل بالخشن الذي يحتاج في إزالته إلى الحلق حول ذكر الرجل أو فرج المرأة.

ونبات هذا الشعر الخشن يقتضي الحكم بالبلوغ.

والأقرب : أنّه دلالة على البلوغ ؛ فإنّا نعلم سبق البلوغ عليه ؛ لحصوله على التدريج.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه بلوغ.

والثاني : أنّه دليل على البلوغ(٢) .

وقال أبو حنيفة : الإنبات ليس بلوغاً ولا دليلاً عليه ؛ لأنّه إنبات شعر ، فأشبه شعر الرأس وسائر البدن(٣) .

والفرق ظاهرٌ ؛ فإنّ التجربة قاضية بأنّ هذا الشعر لا ينبت إلّا بعد البلوغ ، بخلاف غيره من الشعور التي في البدن والرأس.

____________________

(١) الزغب : أوّل ما يبدو من شعر الصبي. لسان العرب ١ : ٤٥٠ « زغب ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٣ ، التنبيه : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٢ ، المغني ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٣ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ ، المغني ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧.

١٨٧

ولما روى العامّة أنّ سعد بن معاذ حكم على بني قريظة بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم ، فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين ، فمَنْ أنبت منهم قُتل ، ومَنْ لم ينبت جُعل في الذراري(١) .

وعن عطية القرظي قال : عُرضنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قريظة وكان مَنْ أنبت قُتل ، ومَنْ لم ينبت خُلّي سبيله ، فكنتُ في مَنْ لم ينبت ، فخلّى سبيلي(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حفص بن البختري(٣) عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام ، قال : قال : « [ إنّ ](٤) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عرضهم يومئذٍ على(٥) العانات ، فمَنْ وجده أنبت قَتَله ، ومَنْ لم يجده أنبت ألحقه بالذراري »(٦) .

ولأنّه خارج ملازم للبلوغ غالباً ، ويستوي فيه الذكر والأُنثى ، فكان عَلَماً على البلوغ. ولأنّ الخارج ضربان : متّصل ومنفصل ، فلمّا كان من المنفصل ما يثبت به البلوغ ، كذا المتّصل.

مسألة ٣٩٨ : نبات هذا الشعر دليلٌ على البلوغ في حقّ المسلمين والكفّار‌ ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأحمد والشافعي في أحد القولين(٧) - لأنّ ما كان عَلَماً على البلوغ في حقّ المشركين كان عَلَماً في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ ، المغني ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٩ / ٢٥٤١ ، سنن أبي داوُد ٤ : ١٤١ / ٤٤٠٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٥٨ ، مسند أحمد ٥ : ٥١٩ / ١٨٩٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ - ٧٠.

(٣) في المصدر : « أبو البختري » بدل « حفص بن البختري ».

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عن » بدل « على ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٦ : ١٧٣ / ٣٣٩.

(٧) المعونة ٢ : ١١٧٤ ، المغني ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧ ، الحاوي الكبير ٦ : =

١٨٨

حقّ المسلمين ، كالحمل.

وفي الثاني : أنّه لا يكون عَلَماً على البلوغ في المسلمين ، ويكون دليلاً في حقّ الكفّار.

هذا إذا قال : إنّه دليل على البلوغ ، وإن قال : إنّه بلوغ ، كان بلوغاً في حقّ المسلمين والكفّار(١) .

ووجه أنّه بلوغٌ حقيقةً : قياسه على سائر الأسباب.

ووجه أنّه دليلٌ عليه - وهو أظهر القولين عندنا - : أنّ البلوغ غير مكتسب ، والإنبات شي‌ء يُستعجل بالمعالجة.

وإنّما فرّق بين المسلمين والكفّار إذا قلنا : إنّه دليل على البلوغ بأن جعله دليلاً في حقّ الكفّار خاصّةً ؛ لأنّه يمكن الرجوع إلى المسلمين في معرفة البلوغ ، ومراجعة الآباء من المسلمين والاعتماد على إخبارهم عن تواريخ المواليد سهل ، بخلاف الكفّار ، فإنّه لا اعتماد على قولهم.

ولأنّ التهمة تلحق هذه العلامة في المسلمين ، دون الكفّار - لأنّ المسلم يحصل له الكمال في الأحكام بذلك واستفادة الولايات - فربما استعجلوا بالمعالجة ، بخلاف الكفّار ، فإنّهم لا يتّهمون بمثله ؛ لأنّهم حينئذٍ يُقتلون ، أو تُضرب عليهم الجزية ، والتهمة بالاستعجال قد لا تحصل في المسلمين ؛ لما روي أنّ غلاماً من الأنصار شبَّب بامرأة في شعره ، فرُفع إلى‌

____________________

= : ٣٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٠.

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٠ ، المغني ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧.

١٨٩

عمر بن الخطّاب ، فلم يجده أنبت ، فقال : لو أنبتَّ الشعرَ لجلدتُك(١) .

مسألة ٣٩٩ : ولا اعتبار بشعر الإبط عندنا.

وللشافعي وجهان ، هذا أصحّهما ؛ إذ لو كان معتبراً في البلوغ ، لما كشفوا عن المؤتزر ؛ لحصول الغرض من غير كشف العورة.

والثاني : أنّه نبات كنبات شعر العانة ؛ لأنّ إنبات العانة يقع في أوّل تحريك الطبيعة في الشهوة ، ونبات الإبط يتراخى عن البلوغ في الغالب ، فكان أولى بالدلالة على حصول البلوغ(٢) .

وأمّا نبات اللحية والشارب فإنّه أيضاً لا أثر لهما في البلوغ ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّهما يلحقان بشعر العانة(٣) .

وبعض الشافعيّة ألحق شعر الإبط بشعر العانة ، ولم يلحق اللحية والشارب بالعانة(٤) .

وأمّا ثقل الصوت ونهود الثدي ونتوء طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة فلا أثر له ، كما لا أثر لاخضرار الشارب ، وهو أحد قولي الشافعيّة(٥) .

والثاني : أنّه ملحق بشعر العانة(٦) .

ولا بأس به عندي بناءً على العادة القاضية بتأخّر ذلك عن البلوغ.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٨ ، المغني ٤ : ٥٥٦ - ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٠ ، وفيها : « لحددتك » بدل « لجلدتك ». ونحوه في سنن البيهقي ٦ : ٥٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٠ - ٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٢.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٣.

١٩٠

البحث الثاني : في الاحتلام

مسألة ٤٠٠ : الاحتلام - وهو خروج المني ، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد - بلوغٌ في الرجل والمرأة‌ ، عند علمائنا أجمع ، ولا نعلم فيه خلافاً في الذكر.

قال الله تعالى :( وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ) (١) وقال تعالى :( وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ) (٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رُفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم - وروي : حتى يبلغ الحلم - وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه »(٣) .

وقالعليه‌السلام لمعاذ : « خُذْ من كلّ حالمٍ ديناراً »(٤) .

وقد أجمع العلماء كافّة على أنّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل(٥) .

مسألة ٤٠١ : ولا فرق في إفادة خروج المني البلوغَ بين الرجال والنساء كما في الشعر ، عند عامّة أهل العلم.

وللشافعي قول : إنّ خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهنّ ؛ لأنّه نادر فيهنّ ، ساقط العبرة(٦) .

____________________

(١) النور : ٥٩.

(٢) النور : ٥٨.

(٣) سنن أبي داوُد ٤ : ١٤٠ - ١٤١ / ٤٣٩٩ - ٤٤٠٣ بتفاوت يسير.

(٤) راجع الهامش (٤) من ص ٢٩١ في ج ٩ من هذا الكتاب.

(٥) كما في المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٥٦.

(٦) الوسيط ٤ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٢.

١٩١

وعلى هذا قال الجويني : الذي يتّجه عندي أن لا يلزمها الغسل ؛ لأنّه لو لزم لكان حكماً بأنّ الخارج منيّ ، والجمع بين الحكم بأنّه منيّ وبين الحكم بأنّه لا يحصل البلوغ به متناقض(١) .

قال بعض الشافعيّة : إن كان التناقض مأخوذاً من تعذّر التكليف بالغسل مع القول بعدم البلوغ ، فنحن لا نعني بلزوم الغسل سوى ما نعنيه بلزوم الوضوء على الصبي إذا أحدث ، فبالمعنى الذي أطلقنا ذلك ولا تكليف نطلق هذا. وإن كان غير ذلك ، فلا بدّ من بيانه(٢) .

وعلى هذا القول تصير أسباب البلوغ ثلاثة أقسام : قسم مشترك بين الرجال والنساء ، وقسم مختصّ بالنساء ، وقسم مختصّ بالرجال ، وهو خروج المنيّ ، لكن إطباق أكثر العلماء على خلاف هذا(٣) .

قالت أُمّ سلمة : سألت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا رأت ذلك فلتغتسل »(٤) .

مسألة ٤٠٢ : الحلم هو خروج المني من الذكر أو قُبُل المرأة مطلقاً ، سواء كان بشهوة أو غير شهوة ، وسواء كان بجماع أو غير جماع ، وسواء كان في نومٍ أو يقظة.

ولا يختصّ بالاحتلام ، بل هو منوط بمطلق الخروج مع إمكانه باستكمال تسع سنين مطلقاً عند الشافعي(٥) ، وعندنا في المرأة خاصّة ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩.

(٣) لاحظ العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ ، والمغني ٤ : ٥٥٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٥٥.

(٤) نقله الشيخ الطوسي - كما في المتن - في المبسوط ٢ : ٢٨٢. وفي صحيح مسلم ١ : ٢٥٠ / ٣١١ ، وسنن البيهقي ١ : ١٦٩ ، ومسند أحمد ٤ : ١٩٧ / ١٣٥٩٨ عن أُمّ سليم.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٢.

١٩٢

ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك.

وفيه للشافعيّة وجهان آخَران ذكرهما الجويني :

أحدهما : أنّ إمكان الاحتلام يدخل بمضيّ ستّة أشهر من السنة العاشرة.

والثاني : أنّه يدخل بتمام العاشرة(١) .

وهذه الوجوه عندهم كالوجوه في أقلّ سني الحيض ، لكنّ العاشرة هنا بمثابة التاسعة هناك ؛ لأنّ في النساء حدّةً في الطبيعة وتسارعاً إلى الإدراك(٢) .

مسألة ٤٠٣ : الخنثى المشكل إذا خرج المني من أحد فرجيه ، لم يُحكم ببلوغه‌ ؛ لجواز أن يكون الذي خرج منه المني خلقةً زائدة.

وإن خرج المني من الفرجين جميعاً ، حُكم ببلوغه.

وإن خرج الدم من فرج النساء ، والمني من الذكر ، حُكم ببلوغه ؛ لأنّه إن كان رجلاً ، فخروج الماء بلوغه. وإن كان أُنثى ، فخروج دم الحيض بلوغه.

هذا هو المشهور عند علمائنا وعند الشافعي(٣) .

وللشافعي قولٌ : إنّه إذا أمنى وحاض ؛ لم يُحكم ببلوغه(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٨ ، الوسيط ٤ : ٤١ - ٤٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٣ ، المغني ٤ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٨.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٨ ، الوسيط ٤ : ٤١ - ٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٣.

١٩٣

وتأوّله أصحابه بوجهين :

أحدهما : أنّه يريد بذلك أنّه : أمنى وحاض من فرجٍ واحد.

والثاني : أنّه أراد إن حاض [ أو ](١) أمنى ، لم أحكم ببلوغه ؛ لما ذكرناه(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإذا خرج من ذكره ما هو بصفة المني ومن فرجه ما هو بصفة الحيض ، ففي الحكم ببلوغه عند الشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : أنّه يُحكم به ؛ لأنّه إمّا ذكر وقد أمنى ، وإمّا أُنثى وقد حاضت.

والثاني : لا ؛ لتعارض الخارجين ، وإسقاط كلّ واحدٍ منهما حكمَ الآخَر ، ولهذا لا يُحكم - والحال هذه - بالذكورة ولا بالأُنوثة(٣) . وهو ظاهر قول الشافعي(٤) .

وإن وُجد أحد الأمرين دون الآخَر أو أمنى وحاض من الفرج ، فعامّة الشافعيّة أنّه لا يُحكم ببلوغه ؛ لجواز أن يظهر من الفرج الآخَر ما يعارضه(٥) .

وقال الجويني : ينبغي أن يُحكم بالبلوغ بأحدهما ، كما يُحكم بالذكورة والأُنوثة ، ثمّ إن ظهر خلافه ، غيّرنا الحكمَ ، وكيف ينتظم منّا أن نحكم بأنّه ذكر أمنى(٦) ولا نحكم بأنّه قد بلغ!؟(٧) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٣.

(٦) في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١ : « أو أُنثى » بدل « أمنى ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٣.

١٩٤

قال أكثر الحنابلة : إن خرج المني من ذكر الخنثى المشكل [ فهو ] عَلَم [ على ] بلوغه وأنّه ذكر. وإن خرج من فرج المرأة أو حاض ، فهو عَلَمٌ على بلوغه وكونه أُنثى ؛ لأنّ خروج البول من [ أحد ] الفرجين دليل على كونه رجلاً [ أو ](١) امرأةً ، فخروج المني أو الحيض أولى ، وإذا ثبت كونه رجلاً خرج المني من ذكره أو امرأةً خرج الحيض من فرجها ، لزم وجود البلوغ. ولأنّ خروج منيّ الرجل من المرأة أو الحيض من الرجل مستحيل ، فكان دليلاً على التعيين ، فإذا ثبت التعيين ، لزم كونه دليلاً على البلوغ ، كما لو تعيّن قبل خروجه. ولأنّه منيٌّ خارج من ذكر أو حيض خارج من فرج ، فكان عَلَماً على البلوغ ، كالمنيّ الخارج من الغلام ، والحيضِ الخارج من الجارية. ولأنّ خروجهما معاً دليل على البلوغ ، فخروج أحدهما أولى ؛ لأنّ خروجهما معاً يفضي إلى تعارضهما ، وإسقاط دلالتهما ؛ إذ لا يتصوّر أن يجتمع حيضٌ صحيح ومنيّ رجل ، فوجب أن يكون أحدهما فضلةً خارجة من غير محلّها ، وليس أحدهما بذلك أولى من الآخَر ، فتبطل دلالتهما ، كالبيّنتين إذا تعارضتا ، وكالبول إذا خرج من المخرجين جميعاً ، بخلاف ما إذا وُجد أحدهما منفرداً ، فإنّ الله تعالى أجرى العادة أنّ الحيض يخرج من فرج المرأة عند بلوغها ، ومنيّ الرجل يخرج من ذكره عند بلوغه ، فإذا وُجد ذلك من غير معارضٍ ، وجب أن يثبت حكمه ، ويقضى بثبوت حكم دلالته ، كالحكم بكونه رجلاً بخروج البول من ذكره ، وبكونه امرأةً بخروجه من فرجها ، والحكمِ للغلام ببلوغه مع [ خروج ] المني من ذكره ، وللجارية بخروج الحيض من فرجها ، فعلى هذا إن خرجا جميعاً ، لم يثبت كونه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». وما أثبتناه من المصدر.

١٩٥

رجلاً ولا امرأةً ؛ لأنّ الدليلين تعارضا ، فأشبه ما لو خرج البول من الفرجين(١) .

وهذا لا بأس به عندي.

تذنيب : إذا خرج المنيّ من الذكر والحيضُ من الفرج ، فقد بيّنّا أنّهما تعارضا في الحكم بالذكورة أو بالأُنوثة‌ ، وسقط اعتبارهما فيهما.

وهل تثبت دلالتهما على البلوغ؟ الأقرب : ذلك - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه إمّا رجل فقد خرج المني من ذكره ، وإمّا امرأة فقد حاضت.

وقال بعض الجمهور : لا يثبت البلوغ ؛ لأنّه يجوز أن لا يكون هذا حيضاً ولا منيّاً ، ولا يكون فيه دلالة ، وقد دلّ تعارضهما على ذلك ، فانتفت دلالتهما على البلوغ ، كانتفاء دلالتهما على الذكوريّة والأُنوثيّة(٣) .

البحث الثالث : في السنّ.

مسألة ٤٠٤ : السنّ عندنا دليل على البلوغ - وبه قال جماهير العامّة ، كالشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل(٤) - لما رواه العامّة عن ابن عمر قال : عُرضت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جيش يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة ، فردّني ، وعُرضت عليه يوم أُحد وأنا ابن أربع‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٥٨ - ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٨ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٣) من ص ١٩٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٥٩.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، التنبيه : ١٠٣ ، الوجيز ١ : ١٧٦ ، الوسيط ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣١ و ١٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٧٢ ، المغني ٤ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٦.

١٩٦

عشرة سنة ، فردّني ولم يرني بلغت ، وعُرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني وأخذني في المقاتلة(١) .

وعن أنس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كُتب ما لَه وما عليه ، وأُخذت منه الحدود »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : جُعلت فداك في كَمْ تجري الأحكام على الصبيان؟ قال : « في ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة سنة » قلت : فإنّه لم يحتلم(٣) ، قال : « وإن لم يحتلم ، فإنّ الأحكام تجري عليه »(٤) .

وقال مالك : ليس السنّ دليلاً على البلوغ ولا بلوغاً في نفسه ، ولا حدّ للسنّ في البلوغ ، بل يُعلم البلوغ بغلظ الصوت وشقّ الغضروف ، وهو رأس الأنف(٥) .

وقال داوُد : لا حدّ للبلوغ من السنّ ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « رُفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم »(٦) فلا يحصل البلوغ بدون الاحتلام وإن طعن في السن(٧) . ‌

____________________

(١) الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٤ : ١٤٣ ، تاريخ دمشق ٣١ : ٩٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٥٥ ، مسند الطيالسي : ٢٥٤ / ١٨٥٩.

(٢) المغني ٤ : ٥٥٧ - ٥٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٨.

(٣) كذا ، وفي المصدر : « فإن لم يحتلم فيها ».

(٤) التهذيب ٦ : ٣١٠ / ٨٥٦.

(٥) المعونة ٢ : ١١٧٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٨ ، المغني ٤ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٦.

(٦) سنن أبي داوُد ٤ : ١٤١ / ٤٤٠٣ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٣٩ / ١٧٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٩ ، مسند أحمد ٧ : ١٤٥ - ١٤٦ / ٢٤١٧٣.

(٧) حلية العلماء ٤ : ٥٣٢ ، المغني ٤ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٦.

١٩٧

ولا دلالة في الخبر على امتناع إثبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل.

مسألة ٤٠٥ : الذكر والمرأة مختلفان في السنّ‌ ، فالذكر يُعلم بلوغه بمضيّ خمس عشرة سنة ، والأُنثى بمضيّ تسع سنين ، عند علمائنا.

ومَنْ خالَف بين الذكر والأُنثى أبو حنيفة. وسوّى بينهما الشافعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل ومحمّد وأبو يوسف.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشافعي والأوزاعي وأبا ثور وأحمد وأبا يوسف ومحمّد قالوا : حدّ بلوغ الذكر والأُنثى بلوغ خمس عشرة سنة كاملة(١) .

وقال أبو حنيفة : حدّ بلوغ المرأة سبع عشرة سنة بكلّ حال.

وله في الذَّكَر روايتان :

إحداهما : سبع عشرة أيضاً.

والأُخرى : ثماني عشرة سنة كاملة(٢) .

وقال أصحاب مالك : حدّ البلوغ في الغلام والمرأة سبع عشرة سنة و(٣) ثماني عشرة سنة(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٤ ، التنبيه : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، الوجيز ١ : ١٧٦ ، الوسيط ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣١ و ١٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٧٢ ، المغني ٤ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٦.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٤٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٤ ، الوسيط ٤ : ٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٨.

(٣) في أغلب المصادر : « أو » بدل « و».

(٤) التلقين ٢ : ٤٢٣ ، الذخيرة ٨ : ٢٣٧ ، المعونة ٢ : ١١٧٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، المغني ٤ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٦.

١٩٨

وما قلناه أولى ؛ لأنّ الغالب في منيّ الرجل أنّه يحصل ببلوغ خمس عشرة سنة ، والمرأة قد تحيض ببلوغ تسع سنين ، فإذا توافقت العلامات ، دلّ على حصول البلوغ بذلك.

وقول أبي حنيفة ومالك وداوُد(١) يدفعه ما تقدّم(٢) في خبر ابن عمر وغيره.

تذنيب : لا يحصل البلوغ بنفس الطعن في السنّ الخامسة عشر إذا لم يستكملها‌ ؛ عملاً بالاستصحاب وفتوى الأصحاب ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي(٣) .

وله وجهٌ آخَر : أنّ البلوغ يحصل بذلك ؛ لأنّه حينئذٍ يُسمّى ابن خمس عشرة سنة(٤) .

وهو ممنوع.

ورواية(٥) أبي حمزة عن الباقرعليه‌السلام في طريقها قولٌ ، على أنّ جريان الأحكام عليه بمعنى التحفّظ ، أو على سبيل الاحتياط حتى يكلّف العبادات للتمرين عليها والاعتقاد لها ، فلا يقع منه عند البلوغ الإخلال بشي‌ء منها.

البحث الرابع : في الحيض والحبل

مسألة ٤٠٦ : الحيض في وقت الإمكان دليل البلوغ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

____________________

(١) تقدّم قول مالك وداوُد في ص ١٩٦ ، المسألة ٤٠٤.

(٢) في ص ١٩٥ - ١٩٦ ، المسألة ٤٠٤.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١١.

(٥) تقدّمت الرواية في ص ١٩٦.

١٩٩

والأصل فيه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأسماء بنت أبي بكر : « إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلّا هذا » وأشار إلى الوجه والكفّين(١) ، علّق وجوب الستر بالحيض ، وذلك نوع تكليف ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تُقبل صلاة حائض إلّا بخمار »(٢) أشعر أنّها بالحيض كُلّفت الصلاة.

ولو اشتبه الخارج هل هو حيض أم لا ، لم يُحكم بالبلوغ - إلّا مع تيقّن أنّه حيض - عملاً بالاستصحاب.

مسألة ٤٠٧ : الحبل دليل البلوغ‌ ؛ لأنّه مسبوق بالإنزال ، لأنّ الله تعالى أجرى عادته بأنّ الولد لا يخلق إلّا من ماء الرجل وماء المرأة.

قال الله تعالى :( أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ ) (٣) وقال تعالى :( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ) (٤) .

لكنّ الولد لا يتيقّن إلّا بالوضع ، فإذا وضعت حكمنا بالبلوغ قبل الوضع بستّة أشهر وشي‌ء ؛ لأنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر.

ولا فرق بين أن يكون ما ولدته تامّاً أو غير تامّ إذا علم أنّه آدميّ أو مبدأ صورة آدميّ ، كعلقة تصوّرت ، فإن كانت مطلّقةً وأتت بولدٍ يلحق الزوجَ ، حكمنا ببلوغها لما قبل الطلاق.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ٦٢ / ٤١٠٤ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٢٦ ، و ٧ : ٨٦.

(٢) سنن الترمذي ٢ : ٢١٥ / ٣٧٧ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٣٣ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٢٥١.

(٣) الإنسان : (٢)

(٤) الطارق : ٥ - ٧

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510