تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406247 / تحميل: 5178
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مسألة ٤١٨ : إذا قلنا بمذهب الشيخرحمه‌الله : أنّ الرشد عبارة عن العدالة وصلاح المال‌(١) ، فلو بلغ رشيداً عَدْلاً فأُزيل الحجر عنه ثمّ صار بعد فكّ الحجر عنه فاسقاً في دينه ، فهل يعاد عليه الحجر؟.

قال الشيخرحمه‌الله : الأحوط أن يحجر عليه.

واستدلّ عليه بقوله تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٢) .

وما رواه العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « اقبضوا على أيدي سفهائكم »(٣) ولا يصحّ القبض إلّا بالحجر.

ومن طريق الخاصّة : ما روي عنهمعليهم‌السلام أنّهم قالوا : « شارب الخمر سفيه »(٤) (٥) .

وللشافعي وجهان :

أحدهما : يُحجر عليه - وهو قول أبي العبّاس بن سريج - لأنّ ذلك مانع في فكّ الحجر ، فأوجب الحجر عليه ، ويستدام الحجر به ، كالتبذير.

والثاني : لا يُحجر عليه - وبه قال أبو إسحاق - لأنّ الحجر إنّما كان لحفظ المال ، والفسق في الدين يورث تهمةً فيه ، فمَنَع ذلك ثبوت الرشد وفكّ الحجر ، وإذا طرأ بعد ذلك ، أورث تهمةً في المال ، فلم يثبت بذلك‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨٤ ، الخلاف ٣ : ٢٨٣ ، المسألة (٣)

(٢) النساء : ٥

(٣) لم نجده في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا ، وأورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٨٨ ، ضمن المسألة ٧ ، وفي الحاوي الكبير ٦ : ٣٥٦ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٤ ، وكنز العمّال ٣ : ٦٧ / ٥٥٢٥ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير ، بلفظ : « خذوا على ».

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٢٠ / ٢٢.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨٥ ، الخلاف ٣ : ٢٨٩ ، المسألة ٨.

٢٢١

ابتداء الحجر ، بخلاف التبذير ؛ لأنّه قد علم منه إفساده للمال ، ولم يُنقل عن أحدٍ أنّه حجر حاكمٌ على فاسقٍ.

ولا يجوز القياس على استدامة الحجر ؛ لأنّ الحجر هناك كان ثابتاً ، والأصل بقاؤه ، وهنا ثبت الإطلاق ، والأصل بقاؤه ، فلا يلزم من الاكتفاء بالفسق للاستصحاب الاكتفاء به لترك الأصل ، ويخالف التبذير ؛ لأنّه تتحقّق به إضاعة المال ، وبالفسق لا تتحقّق(١) .

ونحن لمـّا ذهبنا إلى أنّ الفسق لا يوجب الحجر ، وأنّه لا تُشترط في الرشد العدالةُ ، لم يثبت الحجر عندنا بطريان الفسق ما لم ينضمّ إليه تضييع المال في المحارم وغيرها.

مسألة ٤١٩ : السفيه إذا زال تبذيره أو فسقه ، فكّ الحاكم الحجْرَ عنه ، فإن عاد إلى ذلك ، أعاد عليه الحجْرَ ؛ لأنّ الحجر كان لعلّةٍ ، وإذا زالت العلّة ، زال الحكم ، فإن عادت العلّة ، عاد الحكم ؛ قضاءً للعلّيّة ، ولا يُحجر عليه إلّا بحكم الحاكم ، ولا يزول الحجر عنه إلّا بحكمه ؛ لاحتياجه إلى الاجتهاد في حَجْره وفي فكّه معاً.

وحَجْر المفلس قد بيّنّا أنّه لا يثبت إلّا بحكم الحاكم.

والأقرب : زواله بقضاء الديون.

وللشافعي وجهان(٢) .

وأمّا المرتدّ فإنّه يُحجر عليه بنفس الردّة ، وهو أحد قولي الشافعي.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٩ - ٥٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٢.

٢٢٢

والثاني : أنّه بحكم الحاكم ، كالسفيه(١) .

فإذا أسلم ولم يكن عن فطرة ، زال حجره - إجماعاً - بنفس الإسلام.

إذا ثبت هذا ، فكلّ مَنْ صار محجوراً عليه بحكم الحاكم فأمره في ماله إلى الحاكم ، ومَنْ حُجر عليه بغير حكم الحاكم فأمره في ماله إلى الأب أو الجدّ للأب.

إذا عرفت هذا ، فإذا حُجر مَنْ طرأ عليه السفه ثمّ عاد رشيداً ، فإن قلنا : الحجر عليه لا يثبت إلّا بحكم الحاكم ، فلا يرفع إلّا برفعه.

وإن قلنا : يثبت بنفسه ، ففي زواله خلاف بين الشافعيّة كما فيما إذا بلغ رشيداً(٢) .

ومَن الذي يلي أمر مَنْ حُجر عليه للسفه الطارئ؟ إن قلنا : إنّه لا بدّ من ضرب الحاكم ، فهو الذي يليه.

وإن قلنا : إنّه يصير محجوراً عليه بنفس السفه ، فوجهان عند الشافعيّة مشبَّهان بالوجهين فيما إذا طرأ عليه الجنون بعد البلوغ :

أحدهما : أنّه يلي أمره الأب أو الجدّ ، كما في حالة الصغر ، وكما إذا بلغ مجنوناً.

والثاني : يليه الحاكم ؛ لأنّ ولاية الأب قد زالت فلا تعود(٣) .

والثاني أصحّ عندنا وعندهم ، بخلاف المجنون ؛ فإنّ حجره بالجنون لا بحكم الحاكم ، فكان أمره إلى الأب.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٤ : ٥٤١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٦ - ٤١٧.

٢٢٣

فروع :

أ - ذهب بعض الشافعيّة إلى أنّ عود مجرّد الفسق أو مجرّد التبذير لا أثر له في الحجر‌ ، وإنّما المؤثّر في عود الحجر أو إعادته عودُ الفسق والتبذير جميعاً(١) .

وليس بجيّد ، وقد أطبق أكثر الشافعيّة على أنّ عود التبذير وحده كافٍ في عود الحجر أو إعادته(٢) .

ب - لو كان يُغبن في بعض التصرّفات خاصّةً ، فالأولى الحجر عليه في ذلك النوع خاصّةً‌ ؛ لعدم مقتضي الحجر في غيره ، ووجوده فيه ، ولا بُعْد في تجزّي الحجر ، كما في العبد حيث يُحجر عليه في المال دون الطلاق ، وكما في المفلس.

وللشافعيّة وجهان :

هذا أحدهما.

والثاني : استبعاد اجتماع الحجر والإطلاق في الشخص الواحد(٣) .

وقد بيّنّا وقوعه ، فكيف يستبعد!؟

ج - الشحيح على نفسه جدّاً مع اليسار لا يُحجر عليه‌ ؛ لأنّ الغرض من الحجر حفظ المال ، والتقدير أنّه بالغ في الحفظ الغايةَ.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يُحجر عليه.

والأصحّ عندهم : المنع(٤) .

____________________

(١) الغزالي في الوجيز ١ : ١٧٦ ، ولاحظ : الوسيط ٤ : ٣٨ ، وحكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٦ ، والنووي في روضة الطالبين ٣ : ٤١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٧.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٥٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٧.

٢٢٤

البحث الثاني : في الاختبار

مسألة ٤٢٠ : يجب اختبار الصبي قبل فكّ الحجر عنه‌ ، فإن أُونس منه الرشد ، دُفع إليه المال ، وإلّا فلا ؛ لقوله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) (١) والابتلاء : الاختبار ، كما قال تعالى :( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٢) أي يختبركم.

وكيفيّة الاختبار : أنّ اليتيم إن كان صبيّاً ، فإن كان من أولاد التجّار ، فُوّض إليه البيع والشراء ، فإذا تكرّر ذلك منه وسلم من الغبن والتضييع وإتلاف شي‌ء من المال وصرفه في غير وجهه ، فهو رشيد.

وإن كان من أولاد الدهاقين والوزراء والأكابر الذين يصانون عن الأسواق ، فإنّ اختباره يكون بأن يُسلّم إليه نفقة مدّة قريبة - كالشهر - لينفقها في مصالحه ، فإن كان قيّماً بذلك يصرفها في مواضعها ويستوفي الحساب على وكيله ويستقصي عليه ، فهو رشيد.

وإن كان أُنثى لم تُختبر بالبيع والشراء في الأسواق ؛ لأنّ العادة أنّ المرأة لا تباشر ذلك في السوق ، وإنّما تُختبر بأن يفوَّض إليها ما يفوَّض إلى ربّة البيت من استئجار الغزّالات ، وتوكيلها في شراء القطن والكتّان والإبريسم والاعتناء بالاستغزال والاستنساج ، فإذا كانت ضابطةً في ذلك حافظةً للمال الذي في يدها مستوفيةً لما استأجرت له من الأُجراء ، فهي رشيدة.

تذنيب : لا تكفي المرّة الواحدة في الاختبار‌ ، بل لا بدّ من التكرار‌

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) هود : ٧ ، الملك : (٢)

٢٢٥

مراراً يحصل معها غلبة الظنّ بالرشد.

مسألة ٤٢١ : وقت الاختبار قبل البلوغ‌ - وهو قول بعض الشافعيّة وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقوله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) (٢) .

وظاهر الآية أنّ الابتلاء قبل البلوغ ؛ لأنّه تعالى سمّاهم يتامى ، وإنّما يصدق عليهم هذا الاسم قبل البلوغ. ولأنّه تعالى مدّ اختبارهم إلى البلوغ بلفظ( حتى ) فدلّ على أنّ الاختبار قبل البلوغ.

ولأنّ تأخير اختباره إلى بعد البلوغ يؤدّي إلى الحجر على البالغ الرشيد ، لأنّ الحجر يمتدّ إلى أن يُختبر ويُعلم رشده بمنع ماله ، واختباره قبل البلوغ يمنع ذلك ، فكان أولى.

وقال بعض الشافعيّة وأحمد في الرواية الأُخرى : إنّ الاختبار إنّما يكون بعد البلوغ ؛ لأنّه قبل البلوغ محجور عليه ؛ لبقاء الصغر ، وإنّما يزول الحجر عنه بالبلوغ ، وتصرّف الصبي قد بيّنّا أنّه غير نافذ(٣) .

والأوّل أصحّ الوجهين عند الشافعيّة ، وهو الذي اخترناه ، فعليه كيف يُختبر؟

الأولى أنّ الوليّ يأمره بالمساومة في السِّلَع ويمتحنه في الممارسة والمماكسة والمساومة وتقرير الثمن ، فإذا آلَ الأمر إلى العقد ، عَقَده الوليّ - فإذا رآه قد اشترى بثمن مثله ولم يغبن واستوفى مقاصد البيع ، علم رشده‌

____________________

(١ و ٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٥ ، منهاج الطالبين : ١٢٤ ، المغني ٤ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٢.

(٢) النساء : ٦

٢٢٦

- لأنّ تصرّف الصبي لا ينفذ فكيف يمكن أن يتولّى العقد!؟ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يسلّم الوليّ إليه شيئاً من المال ليشتري به ، ويصحّ بيعه وشراؤه ؛ لموضع الحاجة إلى ذلك(١) .

وقال بعضهم : يشتري الوليّ سلعةً ويتركها في يد البائع ويواطئه على بيعها من الصبي ، فإن اشتراها منه وفَعَل ما يكون صلاحاً ورشداً ، علم منه الرشد(٢) .

والأوّل عندي أقوى ؛ جمعاً بين المصالح.

تذنيب : إن قلنا : إنّه يدفع إليه المال للاختبار فتلف في يده‌ ، لم يكن على الوليّ الضمان ؛ لأصالة براءة الذمّة.

البحث الثالث : في فائدة الحجر على السفيه

مسألة ٤٢٢ : السفيه إذا حجر عليه الحاكم ، مُنع من التصرّف في ماله ، ولا يصحّ منه العقود المتعلّقة بالمال ، سواء صادف التصرّف في العين - كبيع السلعة التي له وشراء غيرها من السِّلَع ، والعتق والكتابة والهبة - أو صادف ما في الذمّة ، كالشراء بعين مالٍ في الذمّة ، أو صادف غير المال ، كالنكاح ؛ لأنّ فائدة الحجر حفظ ماله ، وإنّما يحصل بمنعه من ذلك كلّه.

وللشافعيّة وجهٌ ضعيف في الشراء بمالٍ في ذمّته ، تخريجاً من شراء‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٥٠ - ٣٥١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٥.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر المتوفّرة سواء كانت قبل زمن العلّامة أو بعده. نعم ، نقله في المجموع ( التكملة الثانية ) ١٣ : ٣٦٩.

٢٢٧

العبد بغير إذن مولاه(١) .

والمذهب المشهور لهم(٢) كما ذهبنا إليه من المنع من ذلك أيضاً ؛ لأنّ الحجر تبرّع في حقّه نظراً له ، وذلك يقتضي الردّ حالّاً ومآلاً ، والحجر على العبد لحقّ المولى ، فلا يمتنع الحكم بصحّته بحيث لا يضرّ بالمولى.

مسألة ٤٢٣ : إذا باع السفيه بعد الحجر عليه وأقبض ، استردّ المتاع من المشتري‌ ، ولو تلف في يده ، ضمن ؛ لعدوانه بالقبض من غير مَنْ له أهليّة الإقباض.

ولو اشترى وقبض أو استقرض فتلف المال في يده أو أتلفه ، فلا ضمان عليه ، والذي أقبضه ذلك هو المضيّع لماله ، ولوليّه استرداد الثمن إن كان قد أقبضه.

ولا فرق بين أن يكون مَنْ عامله عالماً بحاله أو جاهلاً ؛ إذ كان من حقّه أن يبحث عنه ولا يعامل أحداً إلّا عن بصيرة.

وكما لا يجب الضمان في الحال على السفيه ، لا يجب بعد رشده ورفع الحجر عنه ؛ لأنّه حجرٌ ضُرب لمصلحته ، فأشبه الصبي ، إلّا أنّ الصبي لا يأثم ، والسفيه يأثم ؛ لأنّه مكلّف.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أتلف بنفسه ، ضمن بعد رفع الحجر عنه(٣) ولا بأس به.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٨.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٨.

٢٢٨

مسألة ٤٢٤ : يستحبّ للحاكم إذا حجر على السفيه أن يشهر حاله ، ويشيع حجره عند الناس ليمتنعوا من معاملته وتسلم أموالهم عليهم.

وإن احتاج في ذلك إلى النداء عليه ، نادى بذلك ليعرفه الناس ، ولا يشترط الإشهاد عليه ؛ لأنّه قد يشتهر أمره ويعرفه الناس.

فإذا حجر عليه واشترى ، كان الشراء باطلاً ، واسترجع الحاكم منه العينَ ، ودَفَعها إلى البائع.

وكذا ما يأخذه من أموال الناس بقرضٍ أو شبهه ممّا يرضى به أرباب الأموال ، فإنّ الحاكم يستردّه من السفيه ، ويدفعه إلى أربابه إن كان باقياً ، وإن كان تالفاً ، فهو من ضمان صاحبه ، كما تقدّم.

هذا إن كان صاحبه قد سلّطه عليه ، وأمّا إن حصل في يده باختيار صاحبه من غير تسليطٍ عليه كالوديعة والعارية ، فالأقرب عندي : أنّه يلزمه الضمان إن أتلفه أو تلف بتفريطه ؛ لأنّ المالك لم يسلّطه عليه ، وقد أتلفه بغير اختيار صاحبه ، فكان ضامناً له ، كما لو غصبه وأتلفه ، وهو قول بعض العامّة(١) .

وقال قوم منهم : لا يضمن ؛ لأنّ التفريط من المالك حيث سلّطه عليه بإقباضه إيّاه وعرَّضه لإتلافه(٢) .

وإن كان المالك لم يدفع إليه ولم يسلّطه ، بل أتلفه بغير اختياره ، كالغصب والجناية ، فعليه ضمانه ؛ لأنّه لا تفريط من المالك هنا. ولأنّ الصبي والمجنون لو فَعَلا ذلك ، لزمهما الضمان ، فالسفيه أولى.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٥٧٠.

٢٢٩

ومذهب الشافعي(١) في ذلك كما قلناه.

مسألة ٤٢٥ : وحكم الصبي والمجنون كما قلنا في السفيه في وجوب الضمان عليهما‌ إذا أتلفا مال غيرهما بغير إذنه ، أو غصباه فتلف في يدهما ، وانتفاء الضمان عنهما فيما حصل في أيديهما باختيار صاحبه كالمبيع والقرض.

وأمّا الوديعة والعارية إذا دفعهما صاحبهما إليهما فتلفتا ، فلا ضمان عليهما ، فإن أتلفاهما ، فالأقرب : أنّه كذلك.

ولبعض(٢) العامّة وجهان :

أحدهما : لا ضمان ؛ لأنّه عرّضها للإتلاف وسلّطه عليها ، فأشبه المبيع.

والثاني : عليه الضمان ؛ لأنّه أتلفها بغير اختيار صاحبها ، فأشبه الغصب.

مسألة ٤٢٦ : لو أذن الوليّ للسفيه في التصرّف ، فإن أطلق ، كان لغواً.

وإن عيّن له نوعاً من التصرّف وقدر العوض ، فالأقرب : الجواز ، كما لو أذن له في النكاح ؛ لأنّ المقصود عدم التضرّر وأن لا يضرّ بنفسه ولا يتلف ماله ، فإذا أذن له الوليّ ، أمن المحذور ، وانتفى المانع ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : المنع ؛ لأنّه محجور عليه لمصلحة نفسه ، فلا يصحّ الإذن له في شي‌ء من التصرّفات ، كالصبي. ولأنّ الحجر عليه لتبذيره وسوء(٣)

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٥٧٠.

(٢) المغني ٤ : ٥٧٠.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لسوء » بدل « وسوء ».

٢٣٠

تصرّفه ، فإذا أذن له فقد أذن فيما لا مصلحة فيه ، فلم يصحّ ، كما لو أذن في بيع ما يساوي عشرة بخمسة(١) .

والفرق ظاهرٌ بين الصبي والسفيه مع الإذن ؛ لأنّه مكلّف عاقل ، والتبذير مانع إلّا مع الإذن ؛ لأنّا نشترط فيه الاقتصار على ما يعيّنه له من جنس المبيع والثمن.

وبعض الشافعيّة مَنَع من الإذن في النكاح(٢) ، وهذا يقتضي سلب عبارته بالكلّيّة.

وعلى ما قلناه إنّما سلبنا عنه الاستقلال بالنكاح.

وعلى هذين الوجهين لو وكّله غيره في شي‌ء من التصرّفات ، فعندنا يصحّ ؛ لأنّ عبارته معتبرة لم يسلب الشارع حكمها عنه ، فصحّ عقده للموكّل حيث لم يصادف تصرّفه مالاً ولا ما يتضرّر به.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

وكذا عندنا يصحّ أن يقبل الهبة والوصيّة ؛ لحصول النفع الذي هو ضدّ المحذور.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

مسألة ٤٢٧ : لو أقرّ السفيه بما يوجب قصاصاً أو حدّاً أو تعزيراً‌ - كالزنا والسرقة والشرب والقذف والشتم والقتل العمد وقطع الجارحة - قُبِل منه ؛ لأنّه مكلّف عاقل ، ويُحكم عليه به في الحال ، ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم ؛ لأنّه لا تعلّق لهذا الإقرار بالمال حتى يتأثّر بالحجر.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٨.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٨.

٢٣١

ويُقبل في السرقة إقراره بها ، ويُقطع.

والأقوى أنّه لا يُقبل في المال - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّه متّهم فيه ، بخلاف القطع ؛ لتعلّقه بالبدن ، وهو ليس محجوراً عليه فيه.

والثاني : أنّه يُقبل ، وبناه على اختلاف قولَيْه في العبد إذا أقرّ بالسرقة(٢) .

هذا إن قلنا : لا يُقبل إقراره بدَيْن الإتلاف ، فإن قبلناه ، فأولى أن يُقبل هنا.

مسألة ٤٢٨ : إذا أقرّ السفيه بما يوجب القصاص فعفا المقرّ له على مالٍ ، لم يثبت عندنا‌ ؛ لأنّ موجَب العمد القصاص لا غير ، والدية إنّما تثبت بالصلح.

أمّا مَنْ يقول : إنّ موجَب العمد أحد الأمرين : إمّا الدية أو القصاص ، فيُحتمل ثبوت الدية - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ المال تعلّق ثبوته باختيار الغير ، لا بإقرار السفيه. ولأنّه عفو على مال عن قصاصٍ ثابت فصحّ ، كما لو ثبت بالبيّنة.

والأقوى ما قلناه ؛ ولأنّه لو صحّ لاتّخد ذلك وسيلةً إلى الإقرار بالمال بأن يتواطأ المحجور عليه والـمُقرّ له على الإقرار والعفو عنه إلى مالٍ. ولأنّ وجوب المال مستند إلى إقراره ، فلم يثبت ، كالإقرار به ابتداءً.

فعلى هذا القول - الذي اخترناه - لا يسقط القصاص ، ولا يجب المال في الحال.

مسألة ٤٢٩ : لو أقرّ السفيه بنسبٍ صحيح ، صحّ ، وثبت النسب‌ ؛ لانتفاء المانع ، وهو مصادفة الإقرار المال.

ولو وجب الإنفاق على الـمُقرّ به ، أُنفق عليه من بيت المال.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٩.

٢٣٢

وقال بعض العامّة : تثبت أحكام النسب - كما يثبت النسب - من وجوب النفقة وغيرها ؛ لكون ذلك حصل ضمناً ، فأشبه نفقة الزوجة(١) .

والوجه : ما قلناه.

مسألة ٤٣٠ : إذا أقرّ السفيه بدَيْنٍ أو بما يوجب المال - كجناية الخطأ وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه - لم يُقبل إقراره به‌ ؛ لأنّه محجور عليه لحظّه ، فلم يصح إقراره ، كالصبي والمجنون. ولأنّا لو قبلنا إقراره في ماله ، لزال معنى الحجر ؛ لأنّه يقرّ به فيأخذه الـمُقرّ له. ولأنّه أقرّ بما هو ممنوع من التصرّف فيه ، فلم ينفذ ، كإقرار الراهن بالرهن.

ولا فرق بين أن يسنده إلى ما قبل الحجر أو إلى ما بعده ، وهو قول أكثر الشافعيّة وأحمد في إحدى الروايتين(٢) .

وللشافعيّة قولٌ آخَر : إنّه إذا أسند إقراره إلى ما قبل الحجر ، قُبل ، تخريجاً من الخلاف في أنّ المفلس إذا أقرّ بدَيْنٍ سابق على الحجر هل يزاحم المُقرّ له الغرماء؟(٣) .

وللشافعيّة فيما إذا أقرّ بإتلافٍ أو جنايةٍ توجب المال قولان :

أصحّهما : الردّ ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ معامليّ.

والثاني : القبول ؛ لأنّه لو أثبتنا(٤) الغصب والإتلاف ، يضمن ، فإذا أقرّ به ، يُقبل(٥) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٧٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنشأ » بدل « أثبتنا ». والمثبت هو الصحيح.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٩.

٢٣٣

مسألة ٤٣١ : إذا أقرّ السفيه بالمال وقد كان حجر عليه الحاكم‌ ، فقد قلنا : إنّه لا يُقبل. وإن لم يكن قد حجر عليه ، قُبل ؛ لعدم المانع ، كما أنّه لا يمنع من البيع والشراء وغيرهما إلّا بالحجر.

وإذا أقرّ بالمال بعد الحجر ، لم ينفذ في الحال.

وهل يلزمه حكم إقراره بعد فكّ الحجر عنه؟ الوجه : أنّه لا يلزمه ، بل يردّ ، كما رددناه حالة السفه ؛ لأنّه محجور عليه ؛ لعدم رشده ، فلم يلزمه حكم إقراره بعد فكّ الحجر عنه ، كالصبي والمجنون. ولأنّ المنع من نفوذ إقراره في الحال إنّما ثبت لحفظ ماله عليه ، ودفع الضرر عنه ، فلو نفذ بعد فكّ الحجر ، لم يفد إلّا تأخّر الضرر عليه إلى أكمل حالتيه ، بخلاف المحجور عليه للفلس ، فإنّ المانع تعلُّق حقّ الغرماء بماله ، فيزول المانع بزوال الحقّ عن ماله ، فيثبت مقتضى إقراره ، وفي مسألتنا انتفى الحكم لانتفاء سببه ، فلم يثبت كونه سبباً ، وبزوال الحجر لم يكمل السبب ، ولا يثبت الحكم باختلال السبب ، كما لم يثبت قبل فكّ الحجر. ولأنّ الحجر لحقّ الغرماء لا يمنع تصرّفهم ، فأمكن تصحيح إقرارهم على وجهٍ لا يضرّ بذلك الغير بأن يلزمهم بعد زوال حقّ الغير ، والحجر هنا ثبت لحفظ نفسه من أجل ضعف عقله وسوء تصرّفه ، ولا يندفع الضرر إلاّ بإبطال إقراره بالكلّيّة ، كالصبي والمجنون ، وهو قول الشافعي(١) .

وقال أبو ثور : إنّه يلزمه ما أقرّ به بعد فكّ الحجر عنه ؛ لأنّه مكلَّف أقرّ بمالٍ ، فيلزمه ؛ لقولهعليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز »(٢) مَنَع من‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٩ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٧٥.

(٢) لم نجده في المصادر الحديثيّة.

٢٣٤

إمضائه في الحال بسبب الحجر ، فيمضى بعد فكّ الحجر عنه ، كالعبد يُقرّ بدَيْنٍ ، والراهن يُقرّ على الرهن ، والمفلس [ على المال ](١) (٢) .

وقد سبق الفرق.

مسألة ٤٣٢ : هذا حكم تكليفنا في الظاهر ، أمّا حكمه فيما بينه وبين الله تعالى‌ فإن علم بصحّة ما أقرّ به - كدَيْنٍ لزمه ، وجنايةٍ لزمته ، ومالٍ لزمه قبل الحجر عليه - فيجب عليه أداؤه بعد فكّ الحجر عنه ؛ لأنّه حقٌّ ثابت عليه ، فلزمه أداؤه ، كما لو لم يُقرّ به. وإن علم فساد إقراره - مثل أن يُقرّ بدَيْنٍ ولا شي‌ء عليه ، أو أقرّ بجنايةٍ ولم توجد منه - لم يلزمه أداؤه ؛ لأنّه يعلم أنّه لا دَيْن عليه ، فلم يلزمه شي‌ء ، كما لو لم يُقرّ به.

وكذا لا يجب عليه الأداء فيما أتلفه بدفع صاحب المال إليه وتسليطه عليه بالبيع وشبهه.

تذنيب : لو ادّعى عليه شخص بدَيْنِ معاملةٍ لزمه قبل الحجر ، فأقام عليه البيّنة ، سُمعت ، وحُكم عليه بمقتضى الشهادة‌. وإن لم تكن بيّنة ، فإن قلنا : إنّ النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، سُمعت دعواه. وإن قلنا : كالإقرار ، لم تُسمع ؛ لأنّ غايته أن يُقرّ وإقراره غير مقبول.

مسألة ٤٣٣ : إذا طلّق السفيه ، نفذ طلاقه ، سواء طلّق قبل الحجر عليه أو بعده‌ في قول عامّة أهل العلم(٣) ؛ لأنّه لا يدخل تحت حَجْر الوليّ‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٧٥.

(٣) المغني ٤ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٣ ، التنبيه : ١٠٣ ، التهذيب - للبغوي ٤ : ١٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٨٢.

٢٣٥

وتصرّفه ، ولهذا لا يطلّق الوليّ أصلاً ، بل المحجور عليه يطلّق بنفسه إذا كان مكلّفاً ، كالعبد. ولأنّ الحجر إنّما يثبت عليه لإبقاء ماله عليه ، والبُضْع ليس بمالٍ ولا هو جارٍ مجرى الأموال ، ولهذا لا ينتقل إلى الورثة ، ولا يمنع المريض من إزالة الملك عنه. ولأنّه ليس بتصرّفٍ في المال ، فصحّ وقوعه منه ، كالإقرار بالحدّ والقصاص. ولأنّه يصحّ من العبد بغير إذن سيّده مع منعه من التصرّف في المال ، وهذا يقتضي أنّ البُضْع لا يجري مجرى المال. ولأنّه مكلّف طلّق مختاراً ، فوجب أن ينفذ ، كالعبد والمكاتب.

وقال ابن أبي ليلى : لا يقع طلاقه ؛ لأنّ البُضْع يجري مجرى المال ؛ بدليل أنّه يملكه بمالٍ ، ويصحّ أن يزول ملكه عنه بمالٍ ، فلم يملك التصرّف فيه ، كالمال(١) .

وقد سلف بطلانه.

مسألة ٤٣٤ : يصحّ الخلع من السفيه‌ ؛ لأنّه إذا صحّ منه الطلاق مجّاناً من غير مقابلةٍ بشي‌ء ، فصحّة الخلع الذي هو طلاق بعوضٍ أولى.

إذا ثبت هذا ، فإنّ مال الخلع لا يُدفع إليه ، وإن دُفع إليه ، لم يصحّ قبضه ، وإن أتلفه ، لم يضمنه ، ولم تبرأ المرأة بدفعه إليه ، وهو من ضمانها إن أتلفه أو تلف في يده ؛ لأنّها سلّطته على إتلافه.

وهل يشترط في خلعه أن يخالع بمهر المثل أو أزيد؟ إشكال ينشأ : من أنّه يصحّ الطلاق بغير شي‌ء البتّة ، فمهما كان من العوض يكون أولى ، ومن أنّه يجري مجرى المعاوضة ، فلا يجوز بدون مهر المثل ، كالبيع بدون‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٤ : ٥٤١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٨٣ ، المغني ٤ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٤.

٢٣٦

ثمن المثل.

وكذا يصحّ منه الظهار ، ويكفّر بالصوم ، ويصحّ منه الرجعة ؛ لأنّها ليست ابتداء نكاحٍ ، بل تمسّكٌ بالعقد السابق ، ويصحّ منه نفي النسب باللعان وما أشبه ذلك ؛ لأنّ هذه لا تعلّق لها بالمال.

ولو كان السفيه مطلاقاً مع حاجته إلى النكاح فتسرّى بجاريةٍ ، فإن تبرَّم(١) بها ، أُبدلت له.

مسألة ٤٣٥ : قد بيّنّا أنّ عتق السفيه غير نافذ‌ ؛ لأنّه إتلافٌ للمال وتصرّفٌ فيه بغير عوضٍ ، فلا يصحّ. ولأنّه إذا مُنع من البيع الذي هو إخراج ملكه عن العين بعوضٍ يساويها أو يزيد عليها ، فمَنْعُه عن العتق أولى ، فإن أعتق ، لم يصحّ ، ولا يلزمه حكمه بعد رفع الحجر عنه ، وبه قال الشافعي والحَكَم(٢) وأحمد في إحدى الروايتين(٣) .

وفي الأُخرى : أنّه يصحّ عتقه معجّلاً ؛ لأنّه عتقٌ من مكلّفٍ مالكٍ تامّ الملك ، فصحّ ، كعتق الراهن والمفلس(٤) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ المفلس والراهن حُجر عليهما لحقّ غيرهما ، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل. ولأنّه تبرّع فلم ينفذ ، كهبته ووقفه. ولأنّه محجور عليه لحفظه(٥) ، فلم يصح عتقه ، كالصبي والمجنون.

____________________

(١) تبرّم : تضجّر. لسان العرب ١٢ : ٤٣ « برم ».

(٢) قوله : « والحَكَم » كذا ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وليس في المصادر - في الهامش التالي - منه ذكر. وفي المغني والشرح : « القاسم بن محمّد » بدل « الحَكَم ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٧ ، المغني ٤ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٣.

(٤) المغني ٤ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٣.

(٥) أي : لحفظ ماله عليه.

٢٣٧

مسألة ٤٣٦ : الأقوى أنّه لا يصحّ منه عقد النكاح مستقلّاً‌ ، بل يشترط إذن الوليّ في النكاح - وبه قال الشافعي وأبو ثور(١) - لأنّه تصرّفٌ يتضمّن المال ، وهو الالتزام بالصداق ، فكان ممنوعاً منه ؛ لتعلّقه بالمال. ولأنّه يجري مجرى المعاوضة الماليّة ، فمُنع منه ، كالبيع.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يصحّ منه الاستقلال بالنكاح وإن منعه الوليّ ؛ لحاجته إليه. ولأنّه عقدٌ غير ماليّ ، فصحّ منه ، كخلعه وطلاقه ، وإن لزم منه المال فحصوله بطريق الضمن ، ولا يمنع من العقد ، كما لو لزم ذلك من الطلاق(٢) .

ويُمنع من كونه غير ماليّ ؛ لأنّ التصرّف في المال ممنوع منه ، سواء كان بطريق الأصالة أو الضمن ، ولهذا أوجبنا نفقة الولد - الذي أقرّ به - في بيت المال ، وأثبتنا النسب.

مسألة ٤٣٧ : لا يصحّ تدبير السفيه ولا وصيّته بالتبرّعات‌ ؛ لأنّه تصرّفٌ في المال ، فلم ينفذ منه ، كغيرهما من التصرّفات الماليّة.

وقال أحمد : يصحّان ؛ لأنّ ذلك محض مصلحة ؛ لأنّه تقرّب إلى الله تعالى(٣) .

ويُمنع صلاحيّة التقرّب للنفوذ ؛ فإنّ صدقته ووقفه لا ينفذان وإن تقرّب بهما إلى الله تعالى.

____________________

(١) التنبيه : ١٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١٧ - ٤١٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٧٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٧٢.

(٣) المغني ٤ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٣.

٢٣٨

ويصحّ منه الاستيلاد ، وتُعتق الأمة المستولدة بموته ؛ لأنّه إذا صحّ ذلك من المجنون فصحّته من السفيه العاقل أولى.

وله المطالبة بالقصاص ؛ لأنّه موضوع للتشفّي والانتقام. وله العفو على مالٍ ؛ لأنّه تحصيل للمال ، وليس تضييعاً له. وإذا ثبت المال ، لم يكن له التصرّف فيه ، بل يقبضه الوليّ.

وإن عفا على غير مالٍ ، صحّ عندنا ؛ لأنّ الواجب في العمد القصاص ، والدية إنّما تثبت بالصلح والتراضي ، والقصاص ليس مالاً ، فلا يمنع من التصرّف فيه بالإسقاط ؛ لأنّ ذلك ليس تضييعاً للمال.

ومَنْ قال : الواجب أحد الشيئين ، لم يصح عفوه عن المال ، ووجب المال ، كما لو سقط القصاص بعفو أحد الشريكين عندهم(١) .

مسألة ٤٣٨ : حكم السفيه في العبادات حكم الرشيد‌ ، إلّا أنّه لا يفرّق الحقوق الماليّة بنفسه ، كالزكاة والخمس ؛ لأنّه تصرّف في المال ، وهو ممنوع منه على الاستقلال.

ولو أحرم بالحجّ أو بالعمرة ، صحّ إحرامه بغير إذن الوليّ.

ثمّ إن كان قد أحرم بحجّة الإسلام أو بعمرته ، لم يكن للوليّ عليه الاعتراضُ ، سواء زادت نفقة السفر أو لا ، وينفق عليه الوليّ.

وكذا لو أحرم بحجٍّ أو عمرة واجبتين بنذرٍ أو شبهه كان قد أوجبه قبل الحجر عليه.

وإن كان الحجّ أو العمرة مندوبين ، فإن تساوت نفقته سفراً وحضراً ،

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٧٣.

٢٣٩

انعقد إحرامه ، وصحّ نسكه ، وكان على الوليّ الإنفاق عليه ، أو يدفع النفقة إلى ثقة ؛ لأنّه لا ضرر على المال في هذا الإحرام.

وإن كان نفقة السفر أكثر ، فإن قال : أنا أكتسب الزيادة ، فكالأوّل يدفع إليه نفقته الأصليّة في الحضر ، ويتكسّب هو في الطريق الزيادة ؛ لانتفاء الضرر عن ماله.

وإن لم يكن له كسب أو كان ولا يفي بتلك الزيادة ، فللوليّ منعه ، وتحلّله بالصوم ، كالمحصور إذا جعلنا لدم الإحصار بدلاً ؛ لأنّه محجور عليه في المال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ عجزه عن النفقة لا يلحقه بالمـُحْصَر ، بل هو كالمفلس الفاقد للزاد والراحلة لا يتحلّل إلّا بلقاء البيت(١) .

وهو مشتمل على الضرر ، فالأوّل أولى.

ولو نذر الحجّ بعد الحجر عليه ، فالأقوى انعقاده ، لكن لا يُمكَّن منه إن زادت نفقته في السفر ولم يكن له كسب يفي بها ، بل إذا رُفع الحجر عنه حجّ.

وقال بعض الشافعيّة : الحجّة المنذورة بعد الحجر كالمنذورة قبله إن سلكنا بالمنذور مسلك واجب الشرع ، وإلّا فهي كحجّة التطوّع(٢) .

ولو نذر التصدّق بعين ماله ، لم ينعقد ، ولو نذر في الذمّة ، انعقد.

ولو حلف ، انعقدت يمينه ، فإن حنث ، كفّر بالصوم ، كالعبد.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النقص الحادث في المبيع ، فكذلك عدم المشروط. ولأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ ، ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة ، فاختلفا(١) .

ونمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط ، وقد سبق. ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ، ونحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب : لو كان المحال عليه معسراً ولم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار وعلم سبق الفقر ، احتُمل ثبوت الخيار ؛ للاستصحاب‌. وعدمُه ؛ لزوال المقتضي.

مسألة ٦٠٢ : إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط ، انتقل المال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحيل‌ ، سواء أبرأه المحتال أو لا - وهو قول عامّة الفقهاء(٢) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ ، وإنّما يتحقّق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمّةٍ إلى أُخرى ، وليس هنا إلّا ذمّة المحيل والمحال عليه ، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلى الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار ، لم يعد الحقّ إليه ؛ لعدم المقتضي.

وقال شيخنارحمه‌الله في النهاية : ومَنْ كان له على غيره مالٌ فأحال به على غيره ، وكان الـمُحال عليه مليّاً به في الحال وقَبِل الحوالة وأبرأه منه ، لم يكن له الرجوعُ عليه ، ضمن ذلك المـُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة ، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المـُحال عليه ولم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك ، كان له مطالبة الـمُحيل ، ولم تبرأ ذمّته بالحوالة ، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال ، بطلت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦٢.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

٤٤١

الحوالة ، وكان له الرجوعُ على المديون بحقّه عليه ، ومتى لم يُبرئ الـمُحال له بالمال الـمُحيل في حال ما يُحيله ، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(١) .

وكان الحسن البصري أيضاً لا يرى الحوالة مبرئةً إلّا أن يُبرئه(٢) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقرعليهما‌السلام : في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له على رجلٍ [ آخَر ] ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، قال : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يُبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله »(٣) .

وهذه الرواية لا بأس بها ؛ لصحّة السند ، لكنّ المشهور عند الأصحاب والعامّة البراءة بمجرّد الحوالة ، فلابدَّ من حمل الرواية على شي‌ء ، وليس ببعيدٍ من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه ، أو نقول : إذا لم يُبرئه ، فله أن يرجع على الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني : في الرضا بالحوالة.

مسألة ٦٠٣ : يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحقّ - إجماعاً‌ ، فلو أُكره على أن يحيل فأحال بالإكراه ، لم تصحّ الحوالة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء ، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء ، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً ، فلا يلزمه‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ - ٢١٢ / ٤٩٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤٢

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له على المحال عليه ، إلّا في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل ، وهي ما إذا جوّزنا الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ : أحلت بالدَّيْن الذي لك على فلان على نفسي ، فقَبِل ، صحّت الحوالة ، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل ، بل رضا المحتال والمحال عليه خاصّةً.

مسألة ٦٠٤ : يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل ، فلا يلزمه نقله إلى ذمّةٍ أُخرى ، إلّا برضاه ، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر على أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً ، وكما إذا ثبت حقّه في عينٍ ، لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه. وقال داوُد وأحمد : لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٢) والأمر للوجوب(٣) .

ونحن نمنع الوجوب ، بل المراد به الإرشاد.

مسألة ٦٠٥ : يشترط عندنا رضا المحال عليه‌ ، فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة ، وبه قال أبو حنيفة والزهري والمزني(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٢٥ ، ضمن ح ٩٦٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

٤٤٣

وقال أبو العبّاس ابن القاص : نصّ الشافعي في الإملاء على أنّها تفتقر إلى رضا المحال عليه - وإليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة ، فأشبه المحتال والمحيل. ولأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولةً وصعوبةً. ولأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب إلى أن يظهر المعارض.

وأصحّ القولين عند الشافعي : أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة على مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلم يفتقر إلى رضا مَنْ عليه الحقّ ، كما لو كان وكيلاً في قبضه ، بخلاف المحتال ، فإنّه ينتقل حقّه ، وتبرأ ذمّته منه. ولأنّ المحال عليه محلّ الحقّ والتصرّف ، فلا يعتبر رضاه ، كما لو باع عبداً ، لا يعتبر رضاه(١) .

وبنوا الوجهين على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل ، فلا يشترط ؛ لأنّه حقٌّ للمحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا بالثاني ، يشترط ؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(٢) .

وإن كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم تصحّ عند الشافعي إلّا برضا المحال عليه ؛ لأنّا لو صحّحناه ، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. وإن رضي ، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور(٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، التلقين ٢ : ٤٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٩ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٤

وسيأتي(١) .

فقد ظهر من هذا الإجماعُ على اعتبار رضا المحيل إلّا في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر ، وأنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه.

النظر الثالث : في الدَّيْن.

مسألة ٦٠٦ : إذا أحال زيد عمراً على بكر بألف ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(٢) مشغولةً بالألف لعمرو ، أو لا‌ ، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بري‌ء الذمّة منها أو مشغولها ، فالأقسام أربعة :

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ وبكرٍ مشغولتين ، ولا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا ، وهو أن تكون ذمّتهما بريئةً ، فإذا أحال زيد - وهو بري‌ء الذمّة - عمراً - ولا دَيْن له عليه - على بكر ، وهو بري الذمّة ، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة ؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ ، وهنا لم يوجد ، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ ، وإنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة ؛ لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض ، وأن يطالبه من المحال عليه ، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بري‌ءَ الذمّة والمحالُ عليه مشغولَها ، ( فيحيل‌

____________________

(١) في ص ٤٤٥ ، القسم « د » من الأقسام المذكورة في المسألة ٦٠٦.

(٢) في « ج » : « ذمّته » بدل « ذمّة زيد ».

٤٤٥

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ )(١) بقبضه ، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً ؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ وانتقاله ، ولا حقّ [ هاهنا ](٢) ينتقل ويتحوّل ، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء ؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن ، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه ، وتحوّل ذلك إلى الوكيل كتحوّله إلى المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة والمحالُ عليه برئَ الذمّة.

وفي صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٣) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها ، صار كأنّه قضى دَيْن غيره بذمّته ؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض ، وإذا قبض حقّاً من غيره ، صحّ وسقط عن غيره ، كذا هنا ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تصحّ ؛ لأنّه ليس له على المحال عليه شي‌ء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. وإن قلنا : إنّها استيفاء حقٍّ ، صحّت(٤) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه وأقرضه من المحال عليه(٥) .

قال الجويني : الصحيح عندي تخريج الخلاف على الخلاف في أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ ». وكذا في « ر » بإسقاط « له » من « لا دَيْن له عليه ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٧٣ و ٧٤ ، وبدائع الصنائع ٦ : ١٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صحّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٦

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل؟ بل هذه(١) الصورة غير(٢) تلك الصورة ؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل ، فإذا قَبِل الحوالة ، فقد التزم على أن يُبرئ المحيل(٣) .

وهذا ذهابٌ منه إلى براءة المحيل وجَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ على قياس الحوالات.

والثاني - وبه قال أكثرهم - : أنّه لا يبرأ ، وقبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(٤) .

ثمّ فرّعوا فقالوا : إن قلنا : لا تصحّ هذه الحوالة ، فلا شي‌ء على المحال عليه ، فإن تطوّع وأدّاه ، كان كما لو قضى دَيْنَ الغير. وإن قلنا : تصحّ ، فهو كما لو ضمنه ، فيرجع على المحيل إن أدّى بإذنه(٥) .

وكذا إن أدّى بغير إذنه عندنا وعلى أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٦) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

وللمحال عليه الرجوع على المحيل هنا قبل الأداء - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) - لأنّ المحيل يبرأ ، فينتقل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هنا » بدل « هذه ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر « عين » بدل « غير ». وفي « ر » : « على غير ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٧

والثاني : ليس له ذلك بناءً على أنّ المحيل لا يبرأ ، كما أنّ الضامن لا يرجع على المضمون عنه قبل الأداء(١) .

وإذا طالبه المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال؟ الأقوى عندي : ذلك.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(٢) .

ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشي‌ء.

ولو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه ، فالأقوى : الرجوع ؛ لأنّه قد غرم عنه ، وإنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

وللشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلى أنّ الغُرْم لم يستقر عليه ، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. وفي الثاني إلى أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(٣) .

وهُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

ولو ضمن عنه ضامنٌ ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

ولو أحال المحتال على غيره ، نُظر إن أحاله على مَنْ عليه دَينٌ ، رجع على محيله بنفس الحوالة ؛ لحصول الأداء بها. وإن أحال على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة ٦٠٧ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٨

- وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ على رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً على المشتري. ولأنّه صائرٌ إلى اللزوم ، والخيار عارضٌ فيه ، فيعطى حكم اللازم.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

وهو مصادرة على المطلوب.

قال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة ، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. وإن قلنا : استيفاء ، فتجوز(٣) .

قالوا : فإن قلنا بالمنع ، ففي انقطاع الخيار وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينقطع ؛ لحكمنا ببطلانه ، وتنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

والثاني : نعم ؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(٤) .

وإن قلنا بالجواز ، لم يبطل الخيار عند بعضهم(٥) .

وقال آخَرون : يبطل ؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم ، ولو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها ، وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم(٦) .

والأقوى : بقاء الخيار.

مسألة ٦٠٨ : إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، الوسيط ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٤٩

بفسخ صاحب الخيار ، بطل الثمن ، وبطلت الحوالة المترتّبة عليه ، فلو أحال البائع على المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لأنّها فرع البيع ، والبيع قد بطل.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله ، وإنّما تجدّد له البطلان ، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

ولو أحال المشتري البائعَ على غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لترتّبها على البيع ، والبيع قد بطل.

ويُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

وعلى قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ على ثالثٍ ، يبطل خيارهما جميعاً ؛ لتراضيهما. ولو أحال البائع رجلاً على المشتري ، لم يبطل خيار المشتري ، إلاّ أن يقبل ويرضى بالحوالة(١) .

مسألة ٦٠٩ : لو أحال زيد على عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلى بكر‌ ، ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلى بكر ، فادّعى زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه ، وأنكر عمرو ذلك وأنّه احتال ولا شي‌ء لزيد عليه ، كان القولُ قولَ عمرو ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ويُحتمل أن يقال : إن قلنا بصحّة الحوالة على مَنْ لا مال عليه ، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. وإن قلنا : إنّها لا تصحّ ، كان القولُ قولَ المحيل ؛ لاعترافهما بالحوالة ، وادّعاء المحال عليه بطلانها ، والأصل الصحّة.

مسألة ٦١٠ : لو أحال السيّد على مكاتَبه بمال النجوم‌ ، فإن كان بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٥٠

حلوله ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. وإن كان قبل الحلول ، فكذلك على الأقوى.

ويجي‌ء على قول الشيخرحمه‌الله المنع(١) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(٢) - على المكاتَب ؛ إذ له أن يُعجّز نفسه ، فله أن يمتنع من أدائه.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره على مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما : الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت على المكاتَب ، فأشبه سائر الديون.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ النجوم غير لازمة على المكاتَب ، وله إسقاطها متى شاء ، فلا يمكن إلزامه الدفع إلى المحتال(٣) .

وعلى ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب ، بطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة ؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

ولو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة ، صحّت الحوالة به قطعاً ؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه مبنيّ على أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه ، هل يسقط ذلك الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الحوالة ، وإلّا صحّت(٤) .

والمعتمد ما قلناه ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقول أكثر العامّة(٥) .

ولو أحال المكاتَبُ السيّدَ على إنسانٍ بمال الكتابة ، صحّت الحوالة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢١.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المسألة ١٧ ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٥) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

٤٥١

عندنا وعند أكثر الشافعيّة وأكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(١) ، وتبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة ، ويتحرّر ، ويكون ذلك بمنزلة الأداء ، سواء أدّى المحال عليه أو مات مفلساً ؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ ، والكتابة لازمة من جهة السيّد ، فمتى أدّى المحال عليه وجب على السيّد القبول أو الإبراء.

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(٢) .

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين :

أحدها : جواز إحالة المكاتَب بالنجوم ، وإحالة السيّد على النجوم ، وهو قول ابن سريج.

والثاني : منعهما جميعاً.

والثالث : أظهرها عندهم ، وهو : جواز إحالة المكاتَب بها ، ومنع إحالة السيّد عليها(٣) .

ولو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه ، سقط عن المكاتَب الباقي ، ولم تبطل الحوالة.

مسألة ٦١١ : مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل ، صحّت الحوالة به إجماعاً.

وإن لم يشرع في العمل ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّا نجوّز الحوالة على بري‌ء الذمّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠.

٤٥٢

وقياس الشافعيّة أنّه يجي‌ء في الحوالة به وعليه الخلافُ المذكور في الرهن به وفي ضمانه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : تجوز الحوالة به وعليه بعد العمل ، لا قبله(٢) .

ولو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ على إنسانٍ بالزكاة ، جاز ، سواء قلنا : إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة ، فجازت الحوالة.

وعندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها ، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة ومن الاعتياض عنها(٣) ، فهنا قالوا : إن قلنا : إنّ الحوالة استيفاء ، صحّت الحوالة هنا. وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تجز ؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(٤) .

ولو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة على مَنْ وجبت عليه ، لم تصح ؛ لأنّها لم تتعيّن له إلّا بالدفع إليه.

ولو قَبِل مَنْ وجبت عليه ، صحّ ، ولزمه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦١٢ : تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ‌ ؛ لأنّها إمّا اعتياض ، فلا تصحّ على المجهول ، كما لا يصحّ بيعه ، وإمّا استيفاء ، وإنّما يمكن استيفاء المعلوم ، أمّا المجهول فلا. ولاشتماله على الغرر.

فلو قال : أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ ، فقَبِل ، لم تصح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، و ٦ : ١٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٦٥ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٣

ويحتمل الصحّة ، ويكون على المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة ، كما قلناه في الضمان.

ولا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب ، فلو كان أحدهما ثمناً والآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ وما أشبهه ، جازت الحوالة ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦١٣ : تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة‌ ، سواء كان مثليّاً ، كالذهب والفضّة والحبوب والأدهان ، أو من ذوات القِيَم ، كالثياب والحيوان وغيرهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة ، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلى مستحقّه من غير تفاوتٍ ، وهذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له ؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(٢) ، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(٣) .

والأوّل أصحّ. والوصول إلى الحقّ قد يكون بالمثل ، وقد يكون بالقيمة ، وكما يجوز إبراء المديون منه بالأداء ، كذا المحال عليه.

ولو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه ، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه : الجواز ؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة ، وتلك العين لا تثبت في الذمّة ، فلا تقع الحوالة بها ولا بمثلها ؛ لعدمه ، بل بالقيمة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لا يتحرّر » بالراءين المهملتين.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٤

ولو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً ، وله على آخَر مثلها ، فأحاله بها ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ والقيمة وسائر الصفات ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

والثاني : لا تجوز ؛ لأنّ صفاتها مجهولة(٢) .

وهو ممنوع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أحال بإبل الدية وعليها وفرّعنا على جواز الحوالة في المتقوّمات ، فوجهان أو قولان مبنيّان على جواز المصالحة والاعتياض عنها.

والأصحّ عندهم : المنع ؛ للجهل بصفاتها(٣) .

ولو كان الحيوان صداقاً ودخل بها ، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(٤) .

ومَنَعه بعضهم ؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(٥) .

النظر الرابع : في تساوي الجنسين.

مسألة ٦١٤ : من مشاهير الفقهاء(٦) وجوب تساوي الدَّيْنين‌ - أعني الدَّيْن الذي للمحتال على المحيل ، والذي للمحيل على المحال عليه - جنساً ووصفاً ، فلو كان له دنانير على شخصٍ فأحال عليه بدراهم ، لم تصحّ ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً ، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، ولاحظ : حلية العلماء ٥ : ٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٤ و ٥) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢.

(٦) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦ ، المغني ٥ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٥٥

استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلى الدنانير.

وإن جعلناها معاوضةً ، فلأنّها وإن كانت معاوضةً فليست هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة ، وإنّما هي معاوضة إرفاقٍ ومسامحة للحاجة ، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة ؛ لئلّا يتسلّط على المحال عليه ، كما في القرض.

ولأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه ، ولا يمكن إجباره مع الاختلاف.

ولأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل ، ولهذا جازت دَيْناً بدَيْن ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف ، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

ومع هذا فقد قال المشترطون للتساوي : إنّه تصحّ الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، والأحرى جواز الإحالة على مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم : « إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً ، لم تصحّ الحوالة » أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ، لكنّها إذا جرت فهي حوالة على مَنْ لا دَيْن له عليه ، وحكمه ما تقدّم(١) .

مسألة ٦١٥ : لو كان عليه إبل من الدية وله على آخَر مثلها قرضاً ، فأحاله صاحب القرض على المقترض بإبل الدية‌ ، فإن قلنا : يردّ في القرض مثلها ، صحّت الحوالة ؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ على صفته من المحال عليه. ولأنّ الخيرة في التسليم إلى مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد رضي بتسليم ما لَه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٦

في ذمّة المقترض ، وهو مثل الحقّ ، فكانت الحوالة صحيحةً.

وإن قلنا : إنّه يردّ في القرض القيمة ، لم تصحّ الحوالة ؛ لاختلاف الجنس.

وكذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر واللآلئ وغيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

ولو احتال المقرض بإبل الدية ، لم تصح ؛ لأنّا إن قلنا : تجب القيمة في القرض ، فقد اختلف الجنس. وإن قلنا : يجب المثل ، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته ، والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة ٦١٦ : يجب تساوي الدَّيْنين في القدر‌ ، فلا يحال بخمسة على عشرة ، ولا بعشرة على خمسة ؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق ، ولإيصال كلّ حقٍّ إلى مستحقّه ، ولم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شي‌ء.

والمراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير وبالعكس ، وإلّا فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها ، أو كان له خمسة فأحال بها وبخمسةٍ أُخرى ، فإنّه تصحّ.

وللشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل على الكثير : أنّها جائزة ، وكأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج : الحوالة بيع إلّا أنّه غير مبنيّ على المكايسة والمغابنة وطلب الربح والفضل ، بل جُعل رفقاً ، كالقرض ، وإن كان نوعَ معاوضةٍ ، فلا تجوز إلّا مع اتّفاق الجنس جنساً وقدراً وصفةً ، وقد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفى : وإن حلّ عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٧

طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه ، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لـمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به ؛ لأنّه بيع ، وهذا نصٌّ منه(١) .

وقيل : ليست بيعاً(٢) - وهو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ندب إليها ، فقال : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٣) . ولأنّها لا تصحّ بلفظ البيع ، ولا تجوز الزيادة فيها ولا النقصان ، ولما جازت في النقود إلّا مع التقابض في المجلس ، إلّا أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالـمُسْلَم فيه ، وهذا تشمير(٤) لقول مَنْ قال : إنّه بيع.

لا يقال : لو كان بيعاً ، لكان على المحيل تسليمه إلى المحال عليه ؛ لأنّه عوض من جهته ، كما إذا باع شيئاً في يد غيره ، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول : أجاب مَنْ قال : « إنّه بيع » : بأنّه لـمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل ؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما ، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة ، وقد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة على أنّه لا يستحقّ بها إلّا مثل ما كان يستحقّه ، بخلاف البيع ؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

وفائدة الاختلاف : ثبوت خيار المجلس إن قلنا : إنّها بيع.

والحقّ ما تقدّم ، والاعتذار باطل ؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦ ، وراجع : الأُم ٣ : ٧٣.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٧٩ / ٢٤٤٥.

(٤) التشمير : التقليص والإرسال. لسان العرب ٤ : ٤٢٨ « شمر ».

٤٥٨

مسألة ٦١٧ : الأقرب : أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول والتأجيل‌ ، فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه ، فإذا أحال به على الحالّ فقد عجّل.

وكذا يجوز أن يحيل بالحالّ على المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً ، جاز ، وإلاّ لم يجز ، ووجب على المحتال الصبر ، كما لو احتال مؤجّلاً.

وللشافعيّة قولان :

أصحّهما عندهم : أنّه يشترط التساوي في الحلول والتأجيل ؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

والثاني : أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز العكس ؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ ، وتأجيل الحالّ لا يلزم(١) .

ونحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً ، بل إذا تبرّع به ، لم يلزم ، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم ، فإنّه يلزم ، والحوالة عقد لازم ، والمحيل إنّما أحال بالمؤجَّل ، والمحال عليه إنّما قَبِل على ذلك ، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين ، فإن تساويا في الأجل ، صحّت الحوالة قطعاً.

وإن اختلفا ، صحّت عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان بناءً على الوجهين في الحالّ والمؤجَّل ، فإن منعناه هناك ، منعناه هنا. وإن جوّزناه هناك ، جاز هنا على حدّ ما جاز هناك على معنى أنّه يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٩

العكس ؛ لأنّه تأجيل الحالّ(١) .

ب - لو كان أحدهما صحيحاً والآخَر مكسَّراً‌ ، قالت الشافعيّة : لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأوّل ، وعلى الثاني يحال بالمكسَّر على الصحيح ، ويكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة ، ولا يحال بالصحيح على المكسَّر ، إلَّا إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة ، ويرضى بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج على هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ على الأجود في كلّ جنسٍ ، وبالعكس‌(٢) .

والأقرب عندي : جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّى المحال عليه الأجود إلى المحتال ، وجب القبول‌. وكذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه ، خلافاً للشافعيّة ، فإنّهم أوجبوه(٣) ، حيث يجبر المستحقّ على القبول(٤) .

وهذا يتفرّع على الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع ، يُجبر المستحقّ على قبوله ، ولا يكون ذلك معاوضةً؟(٥) .

ه- لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ ، صحّ عندنا‌ - خلافاً لأحمد(٦) - لعموم قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « جوّزوه » بدل « أوجبوه ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٢.

(٦) المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510