تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406180 / تحميل: 5176
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

باب فضل السخاء والجود

١٧٠٧ - قال الصادق عليه السلام: " خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الايمان البر بالاخوان، والسعي في حوائجهم، وإن البار بالاخوان ليحبه الرحمن، وفي ذلك مرغمة الشيطان، وتزحزح عن النيران(١) ، ودخول الجنان، ثم قال لجميل: يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك(٢) ، قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال: يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزوجل في ذلك صاحب القليل، فقال في كتابه " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ".

١٧٠٨ - وقال عليه السلام: " شاب سخي مرهق في الذنوب(٣) أحب إلى الله عزو جل من شيخ عابد بخيل ".

١٧٠٩ - وروي " أن الله عزوجل أوحى إلى موسى أن لا تقتل السامري فإنه سخي ".(٤)

___________________________________

(١) " مرغمة " بفتح الميم مصدر، وبكسرها اسم آلة من الرغام بفتح الراء بمعنى التراب.

والتزحزح: التباعد (الوافى) والخبر رواه الكلينى باسناده عن سهل بن زياد عمن حدثه عن جميل بن دراج قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول الخبر ".

(٢) " غرر " بالغين المعجمة والمهملتين النجباء جمع الاغر.

وفى بعض النسخ هنا وما يأتى بالعين المهملة والزاء‌ين المعجمتين جمع العزيز.

(٣) المرهق: المفرط في الشر ومرتكب المحارم.

وفى القاموس الرهق محركة: السفه وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤١ عن على بن ابراهيم رفعه قال: " أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام الخ ".

٦١

١٧١٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس ".(١)

١٧١١ - وقال الصادق عليه السلام: " من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة؟ أنفق ولا تخف فقرأ، وأنصف الناس من نفسك(٢) ، وافش السلام في العالم(٣) واترك المراء وإن كنت محقا "(٤) .

١٧١٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة ".

 (٥) وقال الله عزوجل: " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين "(٦) .

١٧١٣ - وقال الصادق عليه السلام: " في قول الله عزوجل: " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم "(٧) قال: هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله عزوجل بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله عزوجل أو بمعصية الله، فإن عمل فيه بطاعة الله(٨) رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له، وإن كان عمل فيه بمعصية الله عزوجل(٩) قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله عزوجل ".

١٧١٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من

___________________________________

(١) أى بالنسبة إلى من لم يؤد وان أعطى المال الكثير في غير موقعه لما مر وسيجئ.

(٢) أى كن حكما على نفسك فيما كان بينك وبين الناس وارض لهم ما ترضى لنفسك، واكره لهم ما تكره لها.

(٣) أى سلم على من لقيت من اخوانك جهارا.

(٤) المراء: الجدال، أى اترك الجدال في الكلام وان كان الحق لك.

والخبر مروى في الكافى بسند فيه ضعف ج ٤ ص ٤٤ عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام.

(٥) الخلف بفتح المعجمة واللام: العوض.

وقوله " سخت " أى جادت وفى بعض نسخ الكافى " سمحت ".

(٦) من كلام المؤلف رحمه الله كما يظهر من الكافى.

(٧) الحسرات جمع الحسرة وهى أشد الندامة.

(٨) في الكافى " أو في معصية الله فان عمل به في طاعة الله الخ ".

(٩) في بعض النسخ والكافى " وان كان عمل به في معصية الله ".

٦٢

ماله وأعطى البائنة في قومه(١) إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك ".

١٧١٥ - وروي عن الفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: " قال لي أبو عبدالله عليه السلام: أتدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله عزوجل ".

١٧١٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما محق الاسلام محق الشح شئ، ثم قال: إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل، وشعبا كشعب الشرك ".(٢)

١٧١٧ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا لم يكن لله عزوجل في العبد حاجة ابتلاه بالبخل ".(٣)

١٧١٨ - " وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم(٤) فقال له: كذبت إن الظالم قد يتوب ويستغفر ويرد الضلامة على أهلها، والشحيح إذا شح منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف(٥) والنفقة في سبيل الله

___________________________________

(١) البائنة العطية، سميت بها لانها ابينت من المال (الوافى) وفى القاموس البائنة فاعلة من البين بمعنى البينونة جعلت اسما للعطية لانها ابينت من المال.

(٢) الدبيب: المشى اللين أى حركة خفيفة لا تحس، والشرك محركة: حبائل الصيد.

وقرأه الفاضل التفرشى بكسر الشين المعجمة وكسر الراء وتكلف في توجيهه بما لا يحتاج اليه.

(٣) أى إذا كان غير منظور اليه ولم يكن أهلا للهدايات والتوفيقات منع عنه اللطف فاستولى عليه الشيطان وزين له البخل.

(٤) أى عذره أشد وأكثر من عذر الظالم.

(٥) اقراء الضيف: ضيافته وخدمته والاحسان اليه.

هذه الاخبار كلها مروية في الكافي مسندة ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥.

٦٣

عزوجل وأبواب البر، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح ".

١٧١٩ - وقال الصادق عليه السلام: " المنجيات إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام ".

 [فضل القصد]

١٧٢٠ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " ما عال امرء في اقتصاد "(١)

١٧٢١ - وقال الصادق عليه السلام: " ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر ".(٢)

وقال الله عزوجل: " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " والعفو الوسط(٣) .

وقال الله عزوجل: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " والقوام الوسط.

باب فضل سقى الماء

١٧٢٢ - قال أمير المؤمنين عليه السلام: " أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء يعني في الاجر ".

١٧٢٣ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحرى(٤) ، ومن سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ".

١٧٢٤ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان

___________________________________

(١) العيلة والعالة: الفاقة، أى ما افتقر أحد إذا اقتصد في أمر معاشه.

والخبر رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٣ مسندا وكذا الذى قبله.

(٢) مروى في الكافى مسندا عن مدرك بن أبى الهزهاز عنه (ع).

(٣) كما في مرسلة ابن أبى عمير عن أبى عبدالله عليه السلام " في قول الله تعالى " و يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو " قال: العفو الوسط " (الكافى ج ٤ ص ٥٢)

(٤) في القاموس: الحران العطشان، والانثى حرى مثل عطشى.

٦٤

كمن أحيا نفسا، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ".(١)

باب ثواب اصطناع المعروف إلى العلوية

١٧٢٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة".

١٧٢٦ - وقال عليه السلام: " إني شافع يوم القيامة لاربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا ".(٢)

١٧٢٧ - وقال الصادق عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمدا يكلمكم فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه وآله فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بابائنا وأمهاتنا وأي يد وأي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله عزوجل: يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، قال: فيسكنهم في الوسيلة(٣) حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ".

___________________________________

(١) هذه الاخبار الثلاثة في الباب مروية في الكافى ج ٣ ص ٥٧ مسندة.

(٢) التشريد: الطرد والتفريق، والخبر مروى في الكافى وفيه " ورجل يسعى في حوائج ذريتى الخ ".

(٣) الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة (القاموس) وفى معانى الاخبار ص ١١٦ في حديث طويل عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " الوسيلة هى درجتى في الجنة وهى ألف مرقاة الخ "

٦٥

باب فضل الصدقة

١٧٢٨ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله".

١٧٢٩ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء ".

١٧٣٠ - وقال الصادق عليه السلام: " داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة، فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان(١) .

وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد"(٢) .

١٧٣١ - وقال عليه السلام: " الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفك عن لحيي سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا يفعل ".

١٧٣٢ - وقال عليه السلام: " يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده، ويأمر السائل أن يدعو له ".

___________________________________

(١) قال بعض الشراح: كأن الصدقة دخلت في أفواهم باعتبار منعهم عنها بالوجوه الباطلة فبعضهم يقول لا تتصدق فانك تصير فقيرا، وبعضهم يقول: لا تتصدق فانك أحوج منه، أو أن السائل غير مستحق، أو تصدق على آخر أحوج منه انتهى.

أقول يمكن أن يقرأ " تفك " بصيغة المعلوم فالمعنى أن الصدقة تفك الرزق من بين لحيى سبعمائة شيطان كلهم يمنعون وصوله اليك، أو بصيغة المجهول أى الصدقة تخرج من بين لحيى سبعمائة شيطان فيكون كناية عن كونها شاقة على النفس وحينئذ يكون تعليلا للجملة السابقة.

وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض كما في النهاية.

(٢) كناية عن قبوله تعالى، ولعله اشارة إلى قوله تعالى: " أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ".

٦٦

١٧٣٣ - وقال عليه السلام: " باكروا بالصدقة(١) فإن البلايا لا تتخطاها(٢) ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة ".

١٧٣٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة(٣) والحرق والغرق والهدم والجنون، وعد عليه السلام سبعين بابا من الشر "(٤) .

١٧٣٥ - وقال صلى الله عليه وأله: " صدقة السر تطفئ غضب الرب جل جلاله "(٥) .

١٧٣٦ - وروى عمار عن الصادق عليه السلام قال: " قال لي يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية ".(٦)

١٧٣٧ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردوه ".(٧)

١٧٣٨ - وقال صلى الله عليه وآله: " الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر(٨) وصلة الاخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين ".

___________________________________

(١) أى ابتدؤوا النهار بالصدقة أو تصدقوا في أوله وفى الكافى " بكروا " بتشديد الكاف.

(٢) أى ان البلايا لا تتجاوز الصدقة بل هى تسدها وتمنعها وحالت بين صاحبها وبين البلايا.

(٣) الدبيلة كجهينة مصغرة: الطاعون والخراج ودمل يظهر في البطن فيقتل.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٥ " سبعين بابا من السوء " وهو أصوب.

(٥) غضبة تعالى كناية عن العذاب والا فهو سبحانه منزه عن أن يكون محلا للحوادث.

(٦) في المحكى عن دروس الشهيد رحمه الله الصدقة سرا أفضل الا أن يتهم بترك المواساة، أو يقصد اقتداء غيره به، اما الواجبة فاظهارها أفضل مطلقا.

(٧) " طرقكم " أى نزل عليكم، وطرق فلان طروقا إذا جاء بليل.

(٨) وجه تفضيل القرض هو أن الصدقة تقع أحيانا في يد غير المحتاج والقرض غالبا لا يقع الا في يد المحتاج.

وقيل: انما جعل الله جزاء الحسنة عشر أمثالها والقرض حسنة فاذا أخذ المقرض ما أعطاه قرضا فكأنه أخذ من العشر واحدة وبقيت له عند الله تسعة ووعد الله سبحانه أن يضاعفها له في قوله " فيضاعفه له " فتصير ثمانية عشر.

٦٧

١٧٣٩ - وسئل عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح "(١) .

١٧٤٠ - وقال عليه السلام: " لا صدقة وذو رحم محتاج "(٢) .

١٧٤١ - قال عليه السلام " ملعون ملعون من ألقى كله على الناس(٣) ملعون ملعون من ضيع من يعول "(٤) .

١٧٤٢ - وقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: " ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته".(٥)

١٧٤٣ - وسئل الصادق عليه السلام " عن السائل يسأل ولا يدري ما هو؟ فقال: أعط من وقعت في قلبك الرحمة له، وقال: اعطه دون الدرهم، قلت: أكثر ما يعطى؟ قال أربعة دوانيق "(٦) .

١٧٤٤ - وروى الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان فيما ناجى الله عزو جل به موسى عليه السلام أن قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير، أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك و يسألونك مما نولتك(٧) فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران ".

___________________________________

(١) في النهاية " الكاشح ": العدو الذى يضمر لك عداوته ويطوى عليها كشحه أى باطنه وذلك لان الاخلاص فيها أتم بخلاف ذى المحبة.

(٢) حمل على الصدقة الكاملة أى لا صدقة كاملة.

(٣) الكل بالفتح: الثقل والعيال والمراد قوته وقوت عياله.

(٤) أى تركهم مهملين بلا قوت ولا نفقة.

(٥) مروى في الكافى باسناده عن معمر بن خلاد عنه عليه السلام وفيه " كيلا يتمنوا موته وتلا هذه الاية " ويطعمون الطعام على حبه الآية " وقال: الاسير عيال الرجل ينبغى للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد اسراء‌ه في السعة عليهم ; ثم قال: ان فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها اسراء‌ه وجعلها عند فلان فذهب الله بها، وقال معمر: وكان فلان حاضرا".

(٦) الدوانيق جمع دانق كصاحب: سدس الدرهم.

(٧) خوله الله عزوجل أى أعطاه متفضلا.

والنوال: العطاء، ونولته أى أعطيته نوالا.

٦٨

١٧٤٥ - وقال عليه السلام: " اعط السائل ولو على ظهر فرس "(١) .

١٧٤٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تقطعوا على السائل مسألته(٢) فلو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من [ي‍] ردهم ".

١٧٤٧ - وروي عن الوليد بن صبيح قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فجاء‌ه سائل فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاه، ثم جاء‌ه آخر فقال: وسع الله، عليك ثم قال: إن رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء أن لا يبقي منها شيئا إلا وضعه في حق لفعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قال: قلت: من هم؟ قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في [غير](٣) وجهه، ثم قال: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل: ألم أرزقك؟ ورجل جلس في بيته ولا يسعى في طلب الرزق ويقول: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق، ورجل له أمرأة تؤذيه فيقول: يا رب خلصني منها فيقول الله عزوجل: ألم أجعل أمرها بيدك ".

١٧٤٨ - وقال الصادق عليه السلام في السؤال(٤) : " أطعموا ثلاثة وإن شئتم أن تزدادوا فازدادوا وإلا فقد أديتم حق يومكم ".

١٧٤٩ - وقال عليه السلام: " إذا اعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم ".

١٧٥٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها، قال: يجري له من الاجر مثل ما يجري للمعطي ولا ينقص من أجره شئ، ولو أن المعروف جرى على سبعين يدا لاوجروا كلهم من غير أن ينقص من أجر صاحبه شئ "(٥) .

___________________________________

(١) أى ولو كان السائل على ظهر فرس أى غنيا غير فقير، أو كنت على ظهر فرس غير متمكن حين السؤال من اعطاء شئ غير الفرس الذى أنت على ظهره. (م ح ق)

(٢) المراد بالقطع على السائل رده.

(٣) لفظة " غير " ليست في كثير من النسخ.

(٤) السؤال كتجار: جمع سائل وهو الفقير.

(٥) رواه الكلينى باختلاف في خبرين مسندين عن أبى نهشل وابن أبى عمير عن جميل.

٦٩

١٧٥١ - وسئل الصادق عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل(١) أما سمعت قول الله عزوجل: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " هل ترى ههنا فضلا "(٢) .

١٧٥٢ - وقال علي بن الحسين عليهما السلام: " ضمنت(٣) على ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة ".

١٧٥٣ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر ".

١٧٥٤ - وقال الصادق عليه السلام: " ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه الله عزوجل إليها ويكتب له بها النار ".(٤)

١٧٥٥ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض عزوجل لخلقه المسألة(٥) وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله عزوجل من فضله ولو شسع نعل ".(٦)

١٧٥٦ - وقال الصادق عليه السلام: " إياكم وسؤال الناس فإنه ذل الدنيا وفقر تتعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة ".

___________________________________

(١) في النهاية " أفضل الصدقة جهد المقل " أى قدر ما يحتمله حال قليل المال.

(٢) أى هل ترى في الاية تقييدا بالفضل عما يحتاجون اليه.

(٣) ذلك على سبيل التهكم وفيه مبالغة في أن السائل بلا حاجة يصير مآله إلى الفقر.

(٤) قوله " ما من عبد " النفى راجع إلى القيد الاخير وهو الموت، أى لا يموت عبد يسائل من غير حاجة حتى يحوجه الله تعالى (مراد) أقول: رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ١٩ وفيه " يثبت الله له بها النار ".

(٥) يعنى أبغض لهم أن يسألوا وذلك لان مسؤوليتهم تمنع مسؤوليته سبحانه، وهو أحب لنفسه فأبغضها لهم.(الوافى)

(٦) الشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة وبكسرهما: قبال النعل وهو زمان بين الاصبع الوسطى والتى تليها.

٧٠

١٧٥٧ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا ".

١٧٥٨ - و " جاء‌ت فخذ من الانصار(١) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا: يا رسول الله لنا إليك حاجة، قال: هاتوا حاجتكم، قالوا: إنها حاجة عظيمة قال: هاتوا ما هي؟ قالوا: تضمن لنا على ربك الجنة، فنكس صلى الله عليه وآله رأسه ونكت في الارض(٢) ثم رفع رأسه فقال: أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا قال: فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب منه إلى الماء فلا يقول: ناولني حتى يقوم فيشرب ".

١٧٥٩ - وقال عليه السلام: " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك "(٣) .

١٧٦٠ - وقال الصادق عليه السلام: " المن يهدم الصنيعة ".

١٧٦١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال و كرهتهن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور ".

١٧٦٢ - وروي عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام " أن أميرالمؤمنين عليه السلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة(٤) وكان الرجل

___________________________________

(١) رواه الكلينى باسناده عن هشام بن سالم عن أبى بصير ن الصادق عليه السلام (ج ٤ ص ٢١ والفخذ: القبيلة.

(٢) نكت في الارض بقضيبه أى ضرب بها فأثر فيها.

(٣) الشوص بالفتح ثم السكون: الغسل والتنظيف أى استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك إى بغسله وتنظيفه. ولا يقل أحد لاحد: اغسل سواكى أو نظفه.

(٤) البغيبغة بباء‌ين موحدتين وغينين معجمتين وفى الوسط ياء مثناة وفى الاخر هاء: ضيعة أو عين بالمدينة كثيرة النخل لال الرسول صلى الله عليه وآله، قال المسهودى في وفاء الوفاء: البغيبغة تصغير البغبغ وهى البئر القريبة الرشا، والبغبغات عيون عملها على بن أبى طالب عليه السلام بينبغ أول ما صارت اليه وتصدق بها وبلغ جذاذها في زمنه ألف وسق ومنها خيف الاراك وخيف ليلى وخيف الطاس.

٧١

ممن يرجو نوافله ويرضى نائله ورفده(١) وكان لا يسأل عليا عليه السلام ولا غيره شيئا، فقال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان شيئا ولقد كان يجزيه من الخمسة الاوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لاكثر الله في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل أنت به(٢) إذا أنا أعط الذي يرجوني إلا من بعد مسألتي ثم أعطيته بعد المسألة فلم أعطه إلا ثمن ما أخذت منه، وذلك لاني عرضته لان يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عزوجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عزوجل في دعائه له(٣) حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالحطام من ماله وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: " الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات " فإذا دعا له بالمغفرة فقد طلب له الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل "(٤) .

باب ثواب صلة الامام عليه السلام

١٧٦٣ - سئل الصادق عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال: نزلت في صلة الامام عليه السلام "(٥) .

___________________________________

(١) النوافل: العطايا، والنائل: العطاء، والرفد بالكسر: الصلة والعطاء.

(٢) " ضربك " أى مثلك، وفى الكافى " أعطى أنا وتبخل أنت، لله أنت ".

(٣) " فلم يصدق الله " من الصدق المتعدى إلى مفعولين.

قال الله تعالى: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " أى أخبره بالحق. (سلطان)

(٤) أى لم يأت بالانصاف والعدل من قال بلسانه انى أطلب له الجنة واحب ذلك ولم يفعل باليد ما يدل على أن ما قال بلسانه كان موافقا لما في قلبه.(مراد)

(٥) رواه الكلينى ج ١ ص ٥٣٨ باسناد عن اسحاق بن عمار عن أبى ابراهيم عليه السلام.

٧٢

١٧٦٤ - وقال عليه السلام: " درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل الله عزوجل".(١)

١٧٦٥ - وقال الصادق عليه السلام: " من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شعيتنا(٢) يكتب له ثواب صلتنا، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا ".

كتاب الصوم

باب علة فرض الصيام

٦ ١٧٦ سأل هشام بن الحكم أبا عبدالله عليه السلام " عن علة الصيام فقال: " إنما فرض الله عزوجل الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عزوجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والالم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع ".

١٧٦٧ - وكتب أبوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: " علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظا له في العاجل، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة ".

١٧٦٨ - وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد عليه السلام " لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير ".(٣)

١٧٦٩ - وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال: " جاء نفر من

___________________________________

(١) في الكافى ج ١ ص ٥٣٨ وفيه " أفضل من ألفى ألف درهم فيما سواه من وجوه البر ".

(٢) في بعض النسخ وثواب الاعمال ص ١٢٤ " صالحى موالينا ".

(٣) أى يعطى، من عليه أى أنعم واصطنع عنده صنيعة.

٧٣

اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له: " لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض الله على الامم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم وكذلك كان على آدم عليه السلام، ففرض الله ذلك على امتي، ثم تلا هذه الآية: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات " قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال، أولها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه عليه السلام، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براء‌ة من النار، والسابعة يطعمه الله عزوجل من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد ".

باب فضل الصيام

١٧٧٠ - قال أبوجعفر عليه السلام: " بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية"(١)

١٧٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصوم جنة من النار "(٢) .

١٧٧٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما

___________________________________

(١) المراد بالولاية معرفة الامام الحق المنصوب من عند الله المنصوص عليه، والتصديق بكونه ولى أمر الامة، مفترض الطاعة كطاعة الرسول صلى الله عليه وآله.

والولاية بالكسر بمعنى تولى الامر ومالكية التصرف فيه.

(٢) رواه الكلينى عن على عن ابيه عن حماد عن حريز عن زرارة.

٧٤

لم يغتب مسلما ".(١)

١٧٧٣ - وقال صلى الله عليه وآله: " قال الله تبارك وتعالى: الصوم لي وأنا أجزي به(٢) ، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عزوجل(٣) ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم(٤) عند الله أطيب من ريح المسك ".

١٧٧٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: " ألا اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله عزوجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه(٥) ولكل شئ زكاة وزكاة الابدان الصيام".

١٧٧٥ - وقال الصادق عليه السلام لعلي بن عبدالعزيز: " ألا أخبرك بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال: بلى، قال: أصله الصلاة، وفرعه الزكاة، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله عزوجل، ألا أخبرك بابواب الخير؟ الصوم جنة من النار "(٦) .

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٦٤ باسناده عن عبدالله بن طلحة عن الصادق عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله، ويدل على جواز النوم للصائم.

(٢) انما خص الصوم بالله من بين سائر العبادات وبأنه جازيه مع اشتراك الكل في ذلك لكونه خالصا له وجزاؤه من عنده خاصة من غير مشاركة أحد فيه لكونه مستورا عن أعين الناس مصونا عن ثنائهم عليه. (الوافى).

(٣) فرحه عند الافطار لاشعاره بان المولى وفقه لغلبة هواه ولعدم تزلزله في اتيان ما كلف به ومجيئه مظفرا من تلك الجهاد، وله فرح آخر وهو عند لقاء جزاء عمله بما فرض الله له.

(٤) الخلوف بضم الخاء المعجمة قبل اللام، والفاء بعد الواو: رائحة الفم، أو الرائحة الكريهة.

(٥) المؤازرة: المعاونة، وقطع الدابر كناية عن الاستيصال، والوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. (الوافى)

(٦) أى وقاية وحسن من الوقوع في كل معصية توجب دخول النار. وقال في الوافى: لانه يدفع حر الشهوة والغضب اللتين بهما يصلى نار جهنم في باطن الانسان في الدنيا وتبرز له في الاخرة، كما أن الجنة تدفع عن صاحبها حر الحديد.

٧٥

١٧٧٦ - وقال عليه السلام " في قول الله عزوجل: " واستعينوا بالصبر والصلاة " قال: يعني بالصبر الصوم ".

١٧٧٧ - وقال عليه السلام: " إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة(١) فليصم فإن الله عزوجل يقول: " واستعينوا بالصبر والصلاة "(٢) .

١٧٧٨ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى وكل ملائكة بالدعاء للصائمين وقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربه تعالى ذكره أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لاحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه ".

١٧٧٩ - وقال الصادق عليه السلام: " أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال: يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ".

١٧٨٠ - وقال الصادق عليه السلام: " للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه عزوجل ".

١٧٨١ - وقال عليه السلام: " من صام لله عزوجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر، قال الله عزوجل: ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له ".

١٧٨٢ - وقال أبوالحسن الاول عليه السلام: " قيلوا(٣) فإن الله عزوجل يطعم الصائم ويسقيه في منامه ".

١٧٨٣ - وقال الصادق عليه السلام: " نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب ".

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ٦٤ " بالرجل النازلة والشديدة الخ ".

(٢) في الكافى " يقول " استعينوا بالصبر " يعنى الصيام ".

(٣) من القيلولة وهى نوم الضحى، أمر من قال يقيل قيلولة بمعنى النوم قبل الظهر.

٧٦

باب وجوه الصوم

١٧٨٤ - روي عن الزهري أنه قال: قال لي علي بن الحسين عليهما السلام يوما: " يا زهري من أين جئت؟ فقلت: من المسجد، قال: ففيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الاباحة، وصوم السفر والمرض، قلت: جعلت فداك فسرهن لي.

قال: فأما الواجب فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان عمدا متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار قال الله عزوجل: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا(١) ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا "، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله عزوجل: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله(٢) إلى قوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين "، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام(٣) قال الله عزوجل: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " فكل ذلك متتابع وليس بمتفرق، وصيام أذى حلق

___________________________________

(١) " ثم يعودون " أى يريدون الوطى ونقض قولهم، فعليهم الكفارة " من قبل أن يتماسا " أى يجامعا.

(٢) أى مدفوعة إلى أهل القتيل.

(٣) أى لم يجده مع اختيه من العتق والكسوة، وترك للظهور. (م ت)

٧٧

الرأس واجب قال عزوجل: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "(١) فصاحبها فيها بالخيار فإن صام صام ثلاثا، وصوم دم المتعة(٢) واجب لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، وصوم جزاء الصيد واجب قال الله عزوجل: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " ثم قال: أو تدرى كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال: قلت: لا أدرى قال: يقوم الصيد قيمة ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب(٣) ، وصوم الاعتكاف واجب(٤) .

وأما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الاضحى، وثلاثة أيام التشريق(٥) ، وصوم يوم الشك امرنا به ونهينا عنه، امرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس(٦) ، فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من

___________________________________

(١) جمع نسيكة وهى الذبيحة.

(٢) أى الهدى الواجب في حج التمتع بعد العجز عنه.

(٣) الظاهر أن المراد أعم منه ومن العهد واليمين وسيجئ اطلاقه في الاخبار عليهما ولو تجوزا. (م ت)

(٤) المراد به الوجوب الشرطى بمعنى عدم تحقق الاعتكاف بدون الصوم ولا يجب أن يكون الصوم للاعتكاف فلو كان عليه قضاء رمضان وصامه في اعتكافه صح والمراد وجوب اليوم الثالث والسادس والتاسع وهكذا كل ثالث بعد اعتكافه يومين. (م ت)

(٥) أى لمن كان بمنى، ولا خلاف في حرمة صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا والمشهور التحريم لمن كان فيها وان لم يكن ناسكا.

(٦) الظاهر أن المراد بصيامه أن ينويه من رمضان من بين سائر الناس من غير أن يصح عند الناس أنه منه. (المرآة)

٧٨

شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره، فقلت له: وكيف يجزي صوم تطوع عن صوم فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه(١) ، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام(٢) ، وصوم نذر المعصية حرام(٣) ، وصوم الدهر حرام(٤) .

___________________________________

(١) أى أن الفرض أنما وقع على اليوم بعينه سواء نواه بقصد الواجب أو المندوب أو لم يقصدهما كما أنه لو صام يوما من شهر رمضان ندبا لاجزأ عنه إذا كان جاهلا ولو كان نية التعيين شرطا لما أجزأ عنه، أو لان الفرض على اليوم بعينه ونية التعيين واجب مع العلم واما مع الجهل فلا لانه لا ريب أنه لو غفل عن نية التعيين في يوم بعينه ونواه ندبا أجزأ عن رمضان فكذا يوم الشك لانه لا يعلم أنه من رمضان فاذا نواه من شعبان فانكشف أنه كان من رمضان أجزأ عنه والمعتمد قوله عليه السلام لا استدلاله وهذه الاستدلالات كانت لاشكالات العامة. (م ت)

(٢) ذهب الشيخ رحمه الله في النهاية وأكثر الاصحاب إلى أن صوم الوصال هو أن ينوى صوم يوم وليلة إلى السحر، وذهب هو في الاقتصاد وابن ادريس إلى أن معناه أن يصوم يومين مع ليلة بينهما، وانما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزء‌ا من الصوم أما لو أخره الصائم بغير نية فانه لا يحرم فيها، قطع به الاصحاب والاحتياط يقتضى اجتناب ذلك، واما صوم الصمت فهو أن ينوى الصوم ساكتا وقد أجمع الاصحاب على تحريمه. (المرآة)

(٣) هو أن يصوم بنذره على ترك الطاعة أو فعل المعصية شكرا أو عكسهما جزاء. (م ت)

(٤) حرمة صوم الدهر اما لاشتماله على الايام المحرمة ان كان المراد كل السنة، وان كان المراد ما سوى الايام المحرمة فلعله انما يحرم إذا صام على الاعتقاد أنه سنة مؤكدة فانه يقتضى الافتراء على الله تعالى: ويمكن حمله على الكراهة أو التقية لاشتهار الخبر بهذا المضنون بين العامة قال المطرزى في المغرب: وفى الحديث انه عليه السلام " سئل عن صوم الدهر فقال: لا صام ولا أفطر " قيل انما دعا عليه لئلا يعتقد فريضته ولئلا يعجز فيترك الاخلاص أو لئلا يرد صيام السنة كلها فلا يفطر في الايام المنهى عنها انتهى، وقال الجزرى في النهاية في الحديث انه " سئل عمن يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر " أى لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى " وهو احباط لاجره على صومه حيث خالف السنة، وقيل: دعاء عليه كراهة لصنيعه. (المرآة)

٧٩

وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار(١) فصوم يوم الجمعة، والخميس، والاثنين وصوم البيض(٢) ، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان(٣) ، وصوم يوم عرفة، ويوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.

وأما صوم الاذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها(٤) ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا باذنهم ".

وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق(٥) بالصوم تأديبا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله

___________________________________

(١) معنى كون صاحب الصوم بالخيار أن ليس شئ من الصوم تركه ممنوعا لكنه لابد من كون الفعل راجحا على الترك (مراد) وقال المولى المجلسى رحمه الله: أى يجوز له الافطار بعد الشروع فيه أو لا يجب صومه.

(٢) هو اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لبياض الليالى فيها مع الايام، أو لابيضاض جسد آدم عليه السلام لصيامها.(م ت)

(٣) استحباب صيامها مشهور بين العامة وروى من طرقهم أن من صامها بعد شهر رمضان فكانما صام الدهر لقوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ولو صامها بعد يومين أو ثلاثة بعد العيد فهو أفضل لما سيجئ.(م ت)

(٤) المشهور بين الاصحاب بل المتفق عليه بينهم أنه لا يجوز صوم المرأة ندبا مع نهى زوجها عنه والمشهور أيضا عدم الجواز مع عدم الاذن.(المرآة)

(٥) راهق الغلام مراهقة: قارب الاحتلام ولم يحتلم بعد (المصباح المنير) وفى المحكى عن الفاضل الاسترابادى أنه قال: اشتهر بين المتأخرين خلاف من غير فيصل وهو أن عبادات الصبى المميز تمرينية يعنى صورتها صورة الصلاة والصوم مثلا وليست بعبادة، أو عبادة فلو نوى النيابة عن الميت لبرئت ذمة الميت، وجعله عليه السلام صوم الصبى قسيما للصوم الذى صاحبه بالخيار فيه صريح في أن صوم الصبى ليس بعبادة ويؤيد ذلك أن نظائره مطلوبة وليست بصوم بل صورتها صورة الصوم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ولو فكّ الحجر عنه قبل تكفيره بالصوم في اليمين ، وحلف النذر ، والظهار والإفطار وغير ذلك ، لزمه العتق إن قدر عليه ؛ لأنّه الآن متمكّن.

ولو فكّ بعد صومه للكفّارة ، لم يلزمه شي‌ء.

* * *

٢٤١

الفصل الرابع : في المتولّي لمال الطفل والمجنون والسفيه‌

مسألة ٤٣٩ : قد بيّنّا أنّه ليس للصغير التصرّف في شي‌ء مّا من الأشياء قبل بلوغه خمس عشرة سنة في الذكر وتسع سنين في الأُنثى‌ ، سواء كان مميّزاً أو لا ، مُدركاً لما يضرّه وينفعه أو لا ، حافظاً لماله أو لا.

وقد روي أنّه « إذا بلغ الطفل عشر سنين بصيراً جازت وصيّته بالمعروف وصدقته وأُقيمت عليه الحدود التامّة »(١) وفي روايةٍ أُخرى : « إذا بلغ خمسة أشبار »(٢) .

والمعتمد ما تقدّم.

ولو أذن له الوليّ ، لم يصح ، إلّا في صورة الاختبار إن قلنا بأنّه قبل البلوغ على ما تقدّم(٣) .

ولو قلنا بالرواية ، نفذ تصرّفه في الوصيّة بالمعروف والصدقة ، وقُبِل إقراره بهما ؛ لأنّ مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به.

وهل يصحّ بيع المميّز وشراؤه بإذن الوليّ؟ الوجه عندي : أنّه لا يصحّ ولا ينفذ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال الشافعي(٤) - لقوله تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٥) وإنّما يُعرف زوال السفه بالبلوغ‌

____________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨ ( باب وصيّة الغلام والجارية ) ح ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٨.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٧ / ١٠٨٥.

(٣) في ص ٢٢٥ ، المسألة ٤٢١.

(٤) المغني ٤ ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩ ، المجموع ٩ : ١٥٥ - ١٥٦ و ١٥٨.

(٥) النساء : ٥

٢٤٢

والرشد. ولأنّه غير مكلّف فأشبه غير المميّز. ولأنّ العقل لا يمكن الوقوف عليه على الحدّ الذي يصلح به التصرّف والذي لا يصلح ؛ لخفائه وتزايده إلى وقت البلوغ على التدريج ، والمراتب خفيّة في الغاية ، فجَعَل الشارع له ضابطاً ، وهو البلوغ ، فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة.

وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأُخرى : يجوز بيع المميّز وشراؤه وتصرّفه بإذن الوليّ ؛ لقوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى )(١) أي اختبروهم ليُعلم رشدهم ، وإنّما يتحقّق اختبارهم بتفويض التصرّف إليهم من البيع والشراء وغيرهما ليُعلم هل بلغ حدّ الرشد أم لا؟ ولأنّه عاقل مميّز محجور عليه ، فصحّ تصرّفه بإذن الوليّ ، بخلاف غير المميّز ، فإنّه لا يصلح تحصيل المصلحة بتصرّفه ؛ لعدم تميزه وعدم معرفته ، ولا حاجة إلى اختباره ؛ لأنّه قد عُلم حاله(٢) .

وقد بيّنّا الخلاف في أنّ الاختبار هل هو قبل البلوغ أو بعده؟ فإن قلنا : إنّه بعد البلوغ ، فلا بحث. وإن قلنا : إنّه قبله ، قلنا : المراد المساومة والمماكسة ، فإذا وقف الحال على شي‌ء ، باع الوليّ وباشر العقد بيعاً وشراءً دون الصبي ، وبهذا يحصل الاختبار ، والعقل غير معلوم السمة له ، وإنّما يُعلم بما ضبطه الشارع علامةً عليه ، وهو البلوغ ، كالمشقّة المنوطة بالمسافة.

تذنيب : قال أبو حنيفة : لو تصرّف الصبي المميّز بالبيع والشراء وشبههما ، صحّ تصرّفه‌ ، ويكون موقوفاً على إجازة الوليّ ، وأمّا غير المميّز فلا يصحّ تصرّفه ، سواء أذن الوليّ أو لا ؛ لسلب أهليّته عن مباشرة‌

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

٢٤٣

التصرّفات(١) .

ولا فرق بين الشي‌ء اليسير والكثير في المنع من تصرّف غير المميّز.

وقال أحمد : يصحّ تصرّف غير المميّز في الشي‌ء اليسير ؛ لأنّ أبا الدرداء اشترى عصفوراً من صبي وأرسله(٢) .

وفعله ليس حجّةً ، وجاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكاً للصبي فاستنقذه منه.

مسألة ٤٤٠ : يثبت الرشد عند الحاكم بشهادة رجلين عَدْلين في الرجال ، وفي النساء أيضاً‌ ؛ لأنّ شهادة الاثنين مناط الأحكام.

ويثبت في النساء بشهادة أربع أيضاً ؛ لأنّه ممّا تطّلع عليه النساء ولا يطّلع عليه الرجال غالباً ، فلو اقتصرنا في ثبوت رشدهنّ على شهادة الرجال ، لزم الحرج والضيق ، وهو منفيّ بالإجماع.

وكذا يثبت بشهادة رجل وامرأتين وبشهادة أربع خناثى ؛ لجواز أن يكون نساءً.

ولا يثبت بتصديق الغريم ، سواء كان ممّن يؤخذ منه الحقّ أو يدفع إليه ؛ لما فيه من التهمة.

مسألة ٤٤١ : الولاية في مال المجنون والطفل للأب والجدّ له وإن علا ، ولا ولاية للأُمّ إجماعاً ، إلّا من بعض الشافعيّة(٣) ، بل إذا فُقد الأب والجدّ وإن علا ، كانت الولاية لوصيّ أحدهما إن وُجد ، فإن لم يوجد ، كانت الولاية للحاكم يتولّاها بنفسه أو يولّيها أميناً.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٢) المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢.

٢٤٤

ولا ولاية لجدّ الأُمّ ، كما لا ولاية للأُمّ ، ولا لغير الأب والجدّ له من الأعمام والأخوال و(١) غيرهما من الأنساب ، قربوا أم بعدوا.

وقد روي أنّ للأُمّ ولايةَ الإحرام بالصبي(٢) .

والمعتمد ما قلناه.

وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة : إنّ للأُمّ ولايةَ المال بعد الأب والجدّ ، وتُقدّم على وصيّهما ؛ لزيادة شفقتها(٣) .

وهو خارق للإجماع.

مسألة ٤٤٢ : الولاية في مال السفيه للحاكم‌ ، سواء تجدّد السفه عليه بعد بلوغه أو بلغ سفيهاً ؛ لأنّ الحجر يفتقر إلى حكم الحاكم ، وزواله أيضاً يفتقر إليه ، فكان النظر في ماله إليه ، ولا ولاية للأب ولا للجدّ ولا لوصيّهما على السفيه.

وقال أحمد : إن بلغ الصبي سفيهاً ، كانت الولاية للأب أو الجدّ له أو الوصيّ لهما مع عدمهما ، وإلّا فالحاكم(٤) .

ولا بأس به.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الأبُ للصبي والجدُّ موجودين ، اشتركا في الولاية ، وكان حكم الجدّ أولى لو عارضه حكم الأب.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « أو » بدل « و».

(٢) راجع التهذيب ٥ : ٦ - ٧ / ١٦ ، والاستبصار ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٤٧٨ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٧٤ / ١٣٣٦ ، وسنن أبي داوُد ٢ : ١٤٢ - ١٤٣ / ١٧٣٦ ، وسنن النسائي ٥ : ١٢٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٥٥.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٣) من ص ٢٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٥٧٠ - ٥٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٢ - ٥٦٣.

٢٤٥

الفصل الخامس : في كيفيّة التصرّف‌

مسألة ٤٤٣ : الضابط في تصرّف المتولّي لأموال اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة‌ ، وكون التصرّف على وجه النظر والمصلحة ، فللوليّ أن يتّجر بمال اليتيم ، ويضارب به ويدفعه إلى مَنْ يضارب له به ، ويجعل له نصيباً من الربح ، ويستحبّ له ذلك ، سواء كان الوليّ أباً أو جدّاً له أو وصيّاً أو حاكماً أو أمينَ حاكمٍ ، وبه قال عليّعليه‌السلام وعمر وعائشة والضحّاك(١) .

ولا نعلم فيه خلافاً إلّا ما روي عن الحسن البصري كراهة ذلك ؛ لأنّ خزنه أحفظ وأبعد له من التلف(٢) .

والأصحّ ما ذكرناه ؛ لما رواه العامّة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ ولي يتيماً له مالٌ فليتّجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أسباط بن سالم أنّه قال للصادقعليه‌السلام : كان لي أخ هلك فأوصى إلى أخ أكبر منّي وأدخلني معه في الوصيّة وترك ابناً صغيراً وله مال أفيضرب به للابن فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله؟ فقال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرّض لمال اليتيم »(٤) .

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٩ - ١١٠ / ١ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤ - ٥٦٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٧.

٢٤٦

ولأنّ ذلك أنفع لليتيم وأكثر حظّاً له ، لأنّه ينفق من ربحه ، ويستدرك من فائدته ما [ يقلّه ](١) الإنفاق ، كما يفعله البالغون في أموالهم وأموال مَنْ يعزّ عليهم من أولادهم.

مسألة ٤٤٤ : وإذا اتّجر لهم ينبغي أن يتّجر في المواضع الآمنة ، ولا يدفعه إلّا لأمين ، ولا يغرّر بماله.

وقد روي أنّ عائشة أبضعت مال محمّد بن أبي بكر في البحر(٢) .

ويُحتمل أن يكون في موضعٍ مأمون قريب من الساحل ، أو أنّها ضمنته إن هلك غرمته هي ، أو أنّها أخطأت في ذلك فليس فعلها حجّةً.

إذا عرفت هذا ، فإنّ للوصيّ أن يتّجر بنفسه ، ويجعل الربح بينه وبين اليتيم على جاري العادة ؛ لأنّه جاز أن يدفعه كذلك إلى غيره فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه.

وقال بعض العامّة : لا يجوز أن يعمل به بنفسه ؛ لأنّ الربح نماء مال اليتيم ، فلا يستحقّه غيره إلّا بعقدٍ ، فلا يجوز أن يعقد الوليّ المضاربة مع نفسه(٣) .

وهو ممنوع ؛ لجواز أن يتولّى طرفي العقد.

وإذا دفعه إلى غيره ، كان للعامل ما جَعَله له الوليّ ووافقه عليه ؛ لأنّ الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته ، وهذا فيه مصلحته ، فصار تصرّفه فيه كتصرّف المالك في ماله.

مسألة ٤٤٥ : ويشترط في التاجر بمال اليتيم أن يكون وليّاً‌ وأن يكون‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يعلمه » وفي « ث » : « يعد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٥.

٢٤٧

مليّاً ، فإن انتفى أحد الوصفين ، لم يجز له التجارة في ماله ، فإن اتّجر ، كان الضمان عليه ، والربح لليتيم ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله عن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده مال اليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال ، فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم وهو ضامن »(١) .

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن أعطب أدّاه »(٢) .

مسألة ٤٤٦ : ويجوز لوليّ اليتيم إبضاع ماله ، وهو دفعه إلى مَنْ يتّجر به ، والربح كلّه لليتيم‌ ؛ لأنّ ذلك أنفع من المضاربة ، لأنّه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى مَنْ يدفع جميع ربحه إلى اليتيم أولى.

ويستحبّ أن يشتري له العقار ؛ لأنّه مصلحة له ، لأنّه يحصل منه الفضل ، ولا يفتقر إلى كثير مئونة ، وسلامته متيقّنة ، والأصل باقٍ مع الاستنماء ، والغرر فيه أقلّ من التجارة ، بل هو أولى منها ؛ لما في التجارة من الأخطار وانحطاط الأسعار ، فإن لم يكن في شرائه مصلحة إمّا لفضل الخراج وجور السلطان أو إشراف الموضع على البوار ، لم يجز.

ويجوز أن يبني عقاره ويستجدّه إذا استهدم من الدور والمساكن ؛ لأنّه في معنى الشراء ، إلاّ أن يكون الشراء أنفع ، فيصرف المال إليه ، ويقدّمه على البناء ، فإن فضل شي‌ء ، صرفه في البناء.

وإذا أراد البناء ، بنى بما فيه الحظّ لليتيم ، ويبنيه بالآجر والطين ، وإن اقتضت المصلحة البناء باللِّبن ، فَعَل ، وإلّا فلا ؛ لأنّه إذا هدم لا مرجوع له.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

٢٤٨

وبالجملة ، يفعل الأصلح.

وقال الشافعي : يبني بالآجر والطين لا غير ؛ لأنّه إذا بنى باللِّبن خاصّةً ، لم يكن له مرجوع ، وإذا بناه بالآجر والجصّ ، لم يتخلّص منه إلّا بكسره(١) .

وما قلناه أولى ؛ لأنّه إذا كان الحظّ في البناء بغير الآجر ، فتركه تضييع حظّه وماله ، ولا يجوز تضييع الحظّ العاجل وتحمّل الضرر المتيقّن لتوهّم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء ، وربما لا يقع ذلك في حياته ولا يحتاج إليه ، مع أنّ كثيراً من البلاد لا يوجد فيها الآجر ، وكثيراً من البلدان لم تجر عادتهم بالبناء بالآجر ، فلو كُلّفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل ، فالأولى البناء في كلّ بلدٍ على عادته.

مسألة ٤٤٧ : لا يجوز بيع عقار الصبي لغير حاجة‌ ؛ لأنّا نأمر الوليّ بالشراء له لما فيه من الحظّ والمصلحة ، فيكون بيعه تفويتاً للحظّ ، فإن احتُيج إلى بيعه ، جاز ، وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وإسحاق وأحمد(٢) .

وقال بعض العامّة : لا يجوز إلّا في موضعين :

أ : أن يكون به ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دَيْن أو ما لا بدّ له منه ، ولا تندفع حاجته إلّا بالبيع ، أو قصرت غلّته عن الوفاء بنفقته وما يحتاج إليه.

ب : أن يكون في بيعه غبطة بأن يدفع فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٢) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

٢٤٩

ويرغب إليه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن ، أو يخاف عليه الخراب والهلاك بغرقٍ أو حرقٍ أو نحوه ، أو يكون ثقيل الخراج ومنزل الوُلاة ونحوه ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أحمد : كلّ موضعٍ يكون البيع أنفع ويكون نظراً لهم ، جاز ، ولا يختصّ بما تقدّم ، وكذا لو كانت الدار سيّئة الجيران ويتضرّر الصبي بالمقام فيها ، جاز بيعها وشراء عوضها ، والجزئيّات غير محصورة ، فالضابط اعتبار الغبطة ، وقد يكون الغبطة له في ترك البيع وإن أعطاه الباذل ضِعْفَي ثمنه إذا لم يكن به حاجة إلى الثمن أو لا يمكن صَرف ثمنه في مثله ويخاف ضياعه ، فقد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « مَنْ باع داراً أو عقاراً ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه »(٢) (٣) .

مسألة ٤٤٨ : يجوز للوليّ عن الطفل أو(٤) المجنون بيع عقاره وغيره في موضع الجواز بالنقد والنسيئة‌ وبالعرض بحسب ما تقتضيه المصلحة.

وإذا باع نسيئةً زاد على ثمنه نقداً ، وأشهد عليه ، وارتهن به رهناً وافياً ، فإن لم يفعل ، ضمن ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٥) .

ونقل الجويني وجهين في صحّة البيع إذا لم يرتهن وكان المشتري مليّاً ، وقال : الأصحّ : الصحّة ، ولا يكون ضامناً ؛ اعتماداً على ذمّة المليّ(٦) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه في معرض الإتلاف ، بخلاف الإقراض ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ - ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ - ٤٢٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٢ / ٢٤٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٤ ، مسند أحمد ٥ : ٣٩٧ / ١٨٢٦٤ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٥٠

يجوز عند خوف الإتلاف.

ولا يحتاج الأب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئةً أن يرتهن له من نفسه ، بل يؤتمن في حقّ ولده.

وكذا البحث لو اشترى له سَلَماً مع الغبطة بذلك.

مسألة ٤٤٩ : إذا باع الأب أو الجدّ عقار الصبي أو المجنون وذكر أنّه للحاجة ، ورفع الأمر إلى الحاكم ، جاز له أن يسجّل على البيع ، ولم يكلّفهما إثبات الحاجة أو الغبطة ؛ لأنّهما غير متّهمين في حقّ ولدهما.

ولو باع الوصيّ أو أمين الحاكم ، لم يسجّل الحاكم ، إلّا إذا قامت البيّنة على الحاجة أو الغبطة ، فإذا بلغ الصبي وادّعى على الأب أو الجدّ بيع ماله من غير مصلحةٍ ، كان القولُ قولَ الأب أو الجدّ مع اليمين ، وعليه البيّنة ؛ لأنّه يدّعي عليهما خلافَ الظاهر ؛ إذ الظاهر من حالهما الشفقة وعدم البيع إلّا للحاجة.

ولو ادّعاه على الوصيّ أو الأمين ، فالقول قوله في العقار ، وعليهما البيّنة ؛ لأنّهما مدّعيان ، فكان عليهما البيّنة.

وفي غير العقار الأولى ذلك أيضاً ؛ لهذا الدليل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخَر : أنّه يُقبل قولهما مع اليمين ، والفرق عسر الإشهاد في كلّ قليل وكثير يبيعه(١) .

ومن الشافعيّة مَنْ أطلق وجهين من غير فرقٍ بين الأولياء ، سواء كانوا آباءً أو أجداداً أو غرباء ، ولا بين العقار وغيره(٢) .

ودعوى الصبي والمجنون على المشتري من الوليّ كدعواهما على‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٥١

الوليّ.

مسألة ٤٥٠ : وهل للوصيّ والأمين بيع مال الطفل والمجنون من نفسه وبيع مال نفسه منه؟ مَنَع منه جماعة من علمائنا(١) والشافعي(٢) أيضاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يشتري الوصيّ من مال اليتيم »(٣) .

والأقرب عندي : الجواز ، والتهمة منتفية مع الوثوق بالعدالة. ولأنّ التقدير أنّه بالغ في النصيحة ، ولا استبعاد في كونه موجباً قابلاً ، كما في الأب والجدّ.

إذا عرفت هذا ، فهل للأب والجدّ للأب ذلك؟ الأولى ذلك - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ شفقتهما عليه توجب المناصحة له.

وكذا يبيع الأب أو الجدّ عن أحد الصغيرين ويشتري للآخَر.

وهل يشترط العقد ، فيقول : « بعت كذا عن فلان ، اشتريت كذا من فلان »؟ الأقرب : ذلك ، كما لو باع من غيره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يكتفي بأحدهما ، ويقام مقامهما ، كما أُقيم الشخص الواحد مقام اثنين ، سواء كان بائعاً عن أحد الصغيرين ومشترياً عن الآخَر ، أو كان مشترياً لنفسه وبائعاً عن الصغير ، أو بالعكس(٥) .

وإذا اشترى الوليّ للطفل فليشتر من ثقة أمين يؤمن من جحوده في الثاني وحيلته في إفساد البيع بأن يكون قد أقرّ لغيره قبل البيع وما أشبه‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٤٦ ، المسألة ٩ ، والمبسوط ٢ : ٣٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٣) أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٥ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٥٢

ذلك ، وحذراً من خروج الملك مستحقّاً.

ولا يجوز لوليّ الطفل أن يبيع إلّا بثمن المثل. وقد تفرض المصلحة في البيع بدون ثمن المثل في بعض جزئيّات الصور ، فليجز حينئذٍ.

مسألة ٤٥١ : وأمّا قرض مال الطفل والمجنون فإنّه غير جائز‌ إلاّ مع الضرورة ؛ لما فيه من التغرير والتعريض للإتلاف ، بل إن أمكن الوليّ التجارة به أو شراء عقارٍ له فيه الحظّ ، لم يقرضه ؛ لما فيه من تفويت الحظّ على اليتيم.

وإن لم يمكن ذلك - بأن خاف من إبقائه في يده [ من تلفٍ ](١) أو نهب أو سرقةٍ أو حرقٍ أو غير ذلك من الأسباب المتلفة أو الـمُنقصة للماليّة ، وكذا إذا أراد الوليّ السفر وخاف من استصحابه معه أو إبقائه في البلد - جاز له إقراضه من ثقة ملي‌ء. وإن تمكّن من الارتهان عليه ، وجب ، فإن لم يتّفق الرهن ووجد كفيلاً ، طالَب بالكفيل.

ولو تمكّن من الارتهان عليه فطلب الكفيل وترك الارتهان ، فقد فرّط.

ولو استقرض الوليّ مع الولاية والملاءة ، جاز ؛ نظراً لمصلحة الطفل ، فقد روى العامّة أنّ عمر استقرض مال اليتيم(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو الربيع عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن رجل ولي [ مال ] يتيم فاستقرض منه شيئاً ، فقال : « إنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك »(٣) .

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) المغني ٤ : ٣١٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٥٣

ولأنّه وليّ له التصرّف في ماله بما يتعلّق به مصلحة اليتيم ، فجاز له إقراضه للمصلحة.

وإذا كان للصبي مالٌ في بلدٍ فأراد الوليّ نَقْلَه عن ذلك البلد إلى آخَر ، كان له إقراضه من ثقة ملي‌ء ، ويقصد بذلك حفظه من السارق وقاطع الطريق ، أو الغرق ، أو غير ذلك.

وكذا لو خاف على مال اليتيم التلف ، كما إذا كان له غلّة من حنطة وشبهها وخاف عليها تطرّق الفساد إليها ، أقرضها من الثقة الملي‌ء خوفاً من تسويسها وتغيّرها ؛ لأنّه يشتمل على نفع اليتيم ، فجاز ، كالتجارة.

ولو لم يكن لليتيم فيه حظّ ، وإنّما قصد إرفاق المقترض وقضاء حاجته ، لم يجز إقراضه ، كما لم يجز هبته.

ولو أراد الوليّ السفر ، لم يسافر به ، وأقرضه من ملي‌ء مأمون ، وهو أولى من الإيداع ؛ لأنّ الوديعة لا تُضمن.

ولو لم يوجد المقترض بهذه الصفة ، أودعه من ثقة أمين ، فهو أولى من السفر به ؛ لأنّه موضع الحاجة والضرورة.

ولو أودعه من الثقة مع وجود المقترض الملي‌ء المأمون ، لم يكن مفرّطاً ، ولا ضمان عليه ، فإنّه قد يكون الإيداع أنفع له من القرض ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يجوز إيداعه مع إمكان الإقراض ، فإن فَعَل ضمن(١) .

وكلّ موضعٍ جاز له أن يقرضه فيه فإنّه يشترط أن يكون المقترض‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

٢٥٤

مليّاً أميناً ، ليأمن جحوده وتعذّر الإيفاء.

فإن تمكّن من الارتهان ، ارتهن ، وإن تعذّر ، جاز من غير رهن ؛ لأنّ الظاهر ممّن يستقرض من أجل حظّ اليتيم أنّه لا يبذل رهناً ، فاشتراط الرهن تفويت لهذا الحظّ.

ويشترط فيمن يُودع عنده الأمانة وفي المقترض الأمانةُ واليسار معاً ، فإن أودع أو أقرض من غير الثقة ، ضمن.

مسألة ٤٥٢ : لو أخذ إنسان من وليّ اليتيم مالاً وتصرّف في بعضه بغير إذنه ثمّ أيسر بعد ذلك ، كان عليه ردّ المال إلى الوليّ‌ أو إلى الطفل إن كان قد بلغ رشيداً.

ويجوز إذا دفعه إلى الطفل أن لا يشعر بالحال وأن يدفعه إليه موهماً له أنّه على وجه الصلة ؛ لأنّ الغرض والمقصود بالذات إيصال الحقّ إلى مستحقّه ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتامٍ فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها ولا يُعلم الذي كان عنده المال للأيتام أنّه أخذ من أموالهم شيئاً ثمّ تيسّر بعد ذلك ، أيّ ذلك خير له؟ أيعطيه الذي كان في يده ، أم يدفعه إلى اليتيم وقد بلغ؟ وهل يجزئه أن يدفعه إلى صاحبه على وجه الصلة ولا يُعلمه أنّه أخذ له مالاً؟ فقال : « يجزئه أيّ ذلك فَعَل إذا أوصله إلى صاحبه ، فإنّ هذا من السرائر إذا كان من نيّته إن شاء ردّه إلى اليتيم إن كان قد بلغ على أيّ وجه شاء وإن لم يُعلمه أنّه كان قبض له شيئاً ، وإن شاء ردّه إلى الذي كان في يده » وقال : « إذا كان صاحب المال غائباً‌

٢٥٥

فليدفعه إلى الذي كان المال في يده »(١) .

مسألة ٤٥٣ : ومَنْ كان عنده مالٌ لأيتامٍ فهلك الأيتام قبل دفع المال إليهم فيصالحه وارثهم على البعض ، حلّ له ذلك‌ ، وبرئت ذمّته من جميع المال مع إعلام الوارث ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج وداوُد بن فرقد جميعاً عن الصادقعليه‌السلام ، قالا : سألناه عن الرجل يكون عنده المال لأيتامٍ فلا يعطيهم حتى يهلكوا فيأتيه وارثهم ووكيلهم فيصالحه على أن يأخذ بعضاً ويدع بعضاً ويبرئه ممّا كان له أيبرأ منه؟ قال : « نعم »(٢) .

مسألة ٤٥٤ : يجب على الوليّ الإنفاقُ على مَنْ يليه بالمعروف ، ولا يجوز له التقتير عليه في الغاية ولا الإسراف في النفقة ، بل يكون في ذلك مقتصداً.

ويجرى الطفل على عادته وقواعد أمثاله من نظرائه ، فإن كان من أهل الاحتشام ، أطعمه وكساه ما يليق بأمثاله من المطعوم والملبوس ، وكذا إن كان من أهل الفاقة والضرورة ، أنفق عليه نفقة أمثاله.

فإذا ادّعى الوليّ الإنفاقَ بالمعروف على الصبي أو على عقاره أو ماله أو دوابّه إن كان ذا دوابّ ، فإن كان أباً أو جدّاً ، كان القول قولَهما فيه ، إلّا أن يقيم الصبي البيّنةَ بخلافه.

فإنّ ادّعى الصبي بعد بلوغه خلافَ ذلك ، كان القول قولَ الأب أو الجدّ للأب مع يمينه ، إلّا أن يكون مع الابن بيّنةٌ.

وإن كان وصيّاً أو أميناً ، قُبل قوله فيه مع اليمين ، ولا يُكلَّفان البيّنة‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٢ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٥٩.

٢٥٦

أيضاً - وهو أصحّ قولي الشافعيّة(١) - لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك.

وفي الآخَر : لا يُقبل إلّا بالبيّنة ، كالبيع ، لا يُقبل قولهما إلّا ببيّنة(٢) .

والفرق : عدم تعذّر إقامة البيّنة على البيع ؛ لأنّ الظاهر من حال العَدْل الصدقُ ، وهو أمين عليه ، فكان القول قولَه مع اليمين.

ولو ادّعى خلاف ما تقتضيه العادة ، فهو زيادة على المعروف ، ويكون ضامناً.

وكذا لو ادّعى تلف شي‌ء من ماله في يده بغير تفريطٍ ، أو أنّ ظالماً قهره عليه وأخذه منه ، قُدّم قوله باليمين ؛ لأنّه أمين.

أمّا لو ادّعى الإنفاق عليه منذ ثلاث سنين ، فقال الصبي : ما مات أبي إلّا منذ سنتين ، قُدّم قول الصبي مع اليمين ؛ لأنّ الأصل حياة أبيه ، واختلافهما في أمرٍ ليس الوصيّ أميناً فيه ، فكان القولُ قولَ مَنْ يوافق قوله الأصل مع اليمين.

مسألة ٤٥٥ : لـمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )(٣) تجنّب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أموالَ اليتامى وأفردوها عنهم ، فنزل قوله تعالى :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) (٤) أي : ضيّق عليكم وشدّد ، فخالطوهم في مأكولهم ومشروبهم(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧ - ٥٢٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧.

(٣) النساء : ١٠.

(٤) البقرة : ٢٢٠.

(٥) تفسير الطبري ( جامع البيان ) ٢ : ٢١٧ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ١ : =

٢٥٧

وينبغي للوليّ النظرُ في حال اليتيم ، فإن كانت الخلطة له أصلح - مثل أن يكون إذا خلط دقيقه بدقيقه وخَبَزه دفعة واحدة ، كان أرفق باليتيم في المؤونة(١) وألين في الخبز وما أشبه ذلك - جاز له ، بل كان أولى نظراً لليتيم ، كما قال تعالى :( يَسْألُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ ) (٢) الآية. وإن كان الإفراد أرفق له وأصلح ، أفرده.

وسأل [ سماعة ](٣) الصادقَعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) قال : « يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم فيخالطهم ويأكلون جميعاً ، ولا يرزأ من أموالهم شيئاً ، إنّما هي النار »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن يتغابن مع الأيتام ، فيحسب لكلّ واحدٍ من عياله وأتباعه أكثر من أكل اليتيم وإن ساوى الواحد منهم ؛ تحفّظاً لمال اليتيم ، وتحرّزاً من تلف بعضه.

ولو تعدّد اليتامى واختلفوا كِبَراً وصِغَراً ، حسب على الكبير بقسطه وعلى الصغير بقسطه لئلّا يضيع مال الصغير بقسطه على نفقة الكبير ؛ لما رواه أبو الصباح الكناني عن الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ :( وَمَنْ كانَ‌

____________________

= ٢٠٤ ، زاد المسير : ١ :٢٤٣ - ٢٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١١٤ - ١١٥ / ٢٨٧١ ، سنن النسائي ٦ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٢٧٨ - ٢٧٩.

(١) في الطبعة الحجريّة : « المؤن ».

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عثمان بن عيسى ». وهو - في المصدر - مذكور قبل « سماعة ».

(٤) الكافي ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٩ بتفاوت.

٢٥٨

فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) قال : « ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلاً فلا يأكل منه شيئاً » قال : قلت : أرأيت قول الله عزّ وجلّ : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ )(٢) ؟ قال : « تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم ، وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ثمّ تنفقه » قلت : أرأيت إن كانوا يتامى صغاراً وكباراً وبعضهم أعلى [ كسوةً ](٣) من بعض وبعضهم آكل من بعض ومالهم جميعاً؟ فقال : « أمّا الكسوة فعلى كلّ إنسان ثمن كسوته ، وأمّا الطعام فاجعله(٤) جميعاً ، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير »(٥) .

مسألة ٤٥٦ : إذا بلغ الصبي رشيداً ، زالت ولاية الوصيّ وغيره عنه ، سواء كان حاضراً أو غائباً ، فلا يجوز له بيع مال الغائب بعد بلوغه ورشده ، فإن باع كان باطلاً ، وبه قال الشافعي(٦) .

ولا فرق بين أن يكون مال الغائب مشتركاً مع صبيٍّ آخَر له عليه ولاية أو لا ، ولا بين أن يكون الصغار محتاجين(٧) إلى بيع المشترك مع الغائب أو لا ، ولا بين أن يكون المتاع ممّا يقبل القسمة أو لا ؛ لأنّ البلوغ والرشد أزالا عنه الولاية ، فلا ينفذ تصرّف غيره في ماله إلّا بإذنه ، وبيع الوصي مال‌

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) في المصدر : « فاجعلوه ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٢.

(٦) المغني ٤ : ٣٢١.

(٧) في « ث ، ر » : « يحتاجون ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « محتاجون ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٩

الغائب الرشيد تصرّفٌ في مال غيره بغير وكالة ولا ولاية ، فلم يصح ، كبيع ماله المنفرد أو ما لا تضرّ قسمته.

وقال أحمد : يجوز للوصي البيع على الغائب البالغ إذا كان من طريق النظر(١) .

وقال أصحابه : يجوز للوصي البيع على الصغار والكبار إذا كانت حقوقهم مشتركةً في عقار في قسمته إضرار وبالصغار حاجة إلى البيع إمّا لقضاء دَيْنٍ أو لمئونةٍ لهم(٢) .

وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى : يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لا بدّ منه(٣) .

وكأنّهما أرادا هذه الصورة ؛ لأنّ في ترك القسمة نظراً للصغار واحتياطاً للميّت في قضاء دَيْنه.

والحقّ ما قلناه ؛ فإنّ ما ذكروه لا أصل له يقاس عليه ، ولا له شهادة شرعٍ بالاعتبار. ولأنّ مصلحة الصغار يعارضها أنّ فيه ضرراً على الكبار ببيع مالهم بغير إذنهم. ولأنّه لا يجوز بيع غير العقار فلم يجز له بيع العقار ، كالأجنبيّ.

مسألة ٤٥٧ : قال بعض(٤) علمائنا : ليس لوليّ الصبي استيفاء القصاص المستحقّ له‌ ؛ لأنّه ربما يرغب في العفو ، وليس له العفو ؛ لأنّه ربما يختار الاستيفاء تشفّياً.

والوجه عندي : أنّ له الاستيفاء مع المصلحة ؛ لأنّ ولايته عامّة ،

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣٢٠.

(٣) المغني ٤ : ٣٢٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٦٣٤.

(٤) الشيخ الطوسي في المبسوط ٧ : ٥٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510