تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 405784 / تحميل: 5165
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ما أراك إلّا قد جمعت خيانةً وغشّاً للمسلمين »(١) .

مسالة ٦٨٢ : إذا قال له إنسان : اشتر لي ، فلا يعطه(٢) من عنده وإن كان الذي عنده أجود ، لأنّه إنّما أمره بالشراء ، وهو ظاهر في الشراء من الغير.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا قال لك الرجل : اشتر لي ، فلا تعطه من عندك وإن كان الذي عندك خيراً منه »(٣) .

وسأل إسحاقُ الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له : ابتع لي ثوبا ، فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، قال : « لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً )(٤) وإن كان عنده خيرا ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده »(٥) .

مسالة ٦٨٣ : إذا قال التاجر لغيره : هلمّ أحسن إليك‌ ، باعه من غير ربح استحبابا.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا قال الرجل للرجل : هلمّ أحسن بيعك ، يحرم عليه الربح »(٦) .

ويكره الربح على المؤمن ، فإن فعل فلا يكثر منه.

قال الصادقعليه‌السلام : « ربح المؤمن على المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٦١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٥.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فلا يعطيه ».

(٣) الكافي ٥ : ١٥١ - ١٥٢ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ٩٩٨ ، و ٧ : ٦ - ٧ / ١٩.

(٤) الأحزاب : ٧٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ٩٩٩.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ / ٧٧٤ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢١.

١٨١

من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم »(١) .

وينبغي أن يكون الساكت عنده بمنزلة المماكس ، والجاهل بمنزلة البصير المذاقّ.

قال قيس : قلت للباقرعليه‌السلام : إنّ عامّة من يأتيني إخواني فحدّ لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره ، فقال : « إن ولّيت أخاك فحسن ، وإلاّ فبع بيع البصير المذاق »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده بيع وسعّره سعرا معلوما ، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر ، ومن ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده » قال : « لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس ، فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه ويماكسه(٣) ويمنعه مَنْ لا يفعل فلا يعجبني إلّا أن يبيعه بيعاً واحداً »(٤) .

مسالة ٦٨٤ : يستحبّ إذا دخل السوق الدعاءُ وسؤال الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه ، والتكبير والشهادتان عند الشراء.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا دخلت سوقك فقُلْ : اللّهمّ إنّي أسألك من خيرها وخير أهلها ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى عليّ أو أعتدي أو يُعتدى عليَّ ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس وجنوده وشرّ فسقة العرب والعجم ، وحسبي الله‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٤ / ٢٢ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٩ / ٢٣٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٧ / ٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ١٥٣ - ١٥٤ / ١٩ عن ميسّر عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٣) في المصدر : « كايسه » بدل « ماكسه ».

(٤) الكافي ٥ : ١٥٢ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨ / ٢٥.

١٨٢

الذي لا إله إلّا هو عليه توكّلت ، وهو ربّ العرش العظيم »(١) .

وإذا اشترى المتاع ، قال ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا اشتريت شيئاً من متاع أو غيره فكبّر ، ثمّ قُلْ : اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك ، فاجعل فيه فضلاً ، اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقك ، فاجعل لي فيه رزقاً ، ثمّ أعد على(٢) كلّ واحدة ثلاث مرّات »(٣) .

قال الصادقعليه‌السلام : « وإذا أراد أن يشتري شيئاً قال : يا حيّ يا قيّوم يا دائم يا رؤوف يا رحيم ، أسألك بعزّتك وقدرتك وما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقاً وأوسعها فضلاً وخيرها عاقبةً فإنّه لا خير فيما لا عاقبة له » قال الصادقعليه‌السلام : « إذا اشتريت دابّةً أو رأساً فقُلْ : اللّهمّ ارزقني أطولها حياةً وأكثرها منفعةً وخيرها عاقبةً »(٤) .

مسالة ٦٨٥ : ينبغي له إذا بُورك له في شي‌ء من أنواع التجارة أو الصناعة أن يلتزم به. وإذا تعسّر عليه فيه رزقه ، تحوّل إلى غيره.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا رزقت في(٥) شي‌ء فالزمه »(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا نظر الرجل في تجارة فلم ير فيها شيئاً فليتحوّل إلى غيرها »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٩ / ٣٢.

(٢) كلمة « على » لم ترد في الكافي.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٩ / ٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩ - ١٠ / ٣٤.

(٥) في الفقيه والتهذيب : « من » بدل « في ».

(٦) الكافي ٥ : ١٦٨ ( باب لزوم ما ينفع من المعاملات ) الحديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٠٤ / ٤٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٤ ، ٦٠.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤ / ٥٩.

١٨٣

وينبغي له التساهل والرفق في الأشياء.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بارك الله على سهل البيع ، سهل الشراء ، سهل القضاء ، سهل الاقتضاء »(١) .

مسالة ٦٨٦ : يجوز لوليّ اليتيم الناظر في أمره المصلح لمالِه أن يتناول اُجرة المثل‌ ؛ لأنّه عمل يستحقّ عليه اُجرة ، فيساوي(٢) اليتيم غيره.

وسأل هشامُ بن الحكم الصادقَعليه‌السلام فيمن تولّى مال اليتيم مالَه أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك »(٣) .

ويستحبّ له التعفّف مع الغنى ، قال الله تعالى :( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٤) .

مسالة ٦٨٧ : يجوز أن يواجر الإنسان نفسه.

سأل ابنُ سنان الكاظمَعليه‌السلام عن الإجارة ، فقال : « صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته ، فقد آجر موسىعليه‌السلام نفسه واشترط فقال : إن شئت ثماني وإن شئت عشراً ، وأنزل الله عزّ وجلّ فيه( أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) (٥) »(٦) .

قال الشيخرحمه‌الله : لا ينافي هذا ما رواه الساباطي عن الصادقعليه‌السلام ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٩.

(٢) في « ي » وظاهر « س » : « فساوى ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠.

(٤) النساء : ٦٠.

(٥) القصص : ٢٧.

(٦) الكافي ٥ : ٩٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٦ / ٤٤٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٨.

١٨٤

قال : قلت له : الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه اُعطي ما يصيب في تجارته ، فقال : « لا يواجر نفسه ، ولكن يسترزق الله عزّ وجلّ ويتّجر فإنّه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق »(١) لأنّه محمول على الكراهة ، لعدم الوثوق بالنصح(٢) .

وأقول : لا استبعاد في نهيه عن الإجارة للإرشاد ، فإنّ التجارة أولى ؛ لما فيها من توسعة الرزق ، وقد نبّهعليه‌السلام في الخبر عليه. ولأنّه قد روي « أنّ الرزق قسّم عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء منها(٣) في التجارة ، والباقي في سائر الأجزاء(٤) »(٥) .

مسالة ٦٨٨ : يحرم بيع السلاح لأعداء الدين في وقت الحرب‌ ، ولا بأس به في الهدنة.

قال هند السرّاج : قلت للباقرعليه‌السلام : أصلحك الله ما تقول إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعهم فلمـّا عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال : « احمل إليهم فإنّ الله عزّ وجلّ يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم - يعني الروم - فإذا كانت الحرب بيننا فمَنْ حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك »(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٣ ، ذيل الحديث ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ، ذيل الحديث ١٧٨.

(٣) في « س ، ي » : « منه ».

(٤) كذا قوله : « في سائر الأجزاء ». ونصّ الرواية في المصدر هكذا : « الرزق عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها ».

(٥) الكافي ٥ : ٣١٨ - ٣١٩ / ٥٩ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ / ٥١٠.

(٦) الكافي ٥ : ١١٢ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ / ١٨٩.

١٨٥

وقال حكم السرّاج للصادقعليه‌السلام : ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج وأداتها؟ فقال : « لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج »(١) .

وقال السرّاد للصادقعليه‌السلام : إنّي أبيع السلاح ، قال : « لا تبعه في فتنة »(٢) .

ويجوز بيع ما يُكنّ من النبل لأعداء الدين ؛ لأنّ محمّد بن قيس سأل الصادقَعليه‌السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال : « بِعْهما ما يكنّهما ، الدرع والخُفّين ونحو هذا»(٣) .

مسالة ٦٨٩ : يجوز الأجر على الختان وخفض الجواري.

قال الصادقعليه‌السلام : « لمـّا هاجرن النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هاجرت فيهنّ امرأة يقال لها : أمّ حبيب وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلمـّا رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : يا اُمّ حبيب ، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله إلّا أن يكون حراماً فتنهاني عنه ، قال : لا ، بل حلال فاُدْني منّي حتى اُعلّمك ، فدنت منه ، فقال : يا اُمّ حبيب إذا أنت فعلت فلا تَنْهكي ، أي لا تستأصلي ، وأشمّي فإنّه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج ».

قال : « وكانت لاُمّ حبيب اُخت يقال لها : اُمّ عطيّة ماشطة ، فلمـّا‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٧ ، وفي الكافي ٥ : ١١٢ / ١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٥ : ١١٣ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٦.

(٣) الكافي ٥ : ١١٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ - ٥٨ / ١٨٨.

١٨٦

انصرفت اُمّ حبيب إلى اُختها أخبرتها بما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبلت اُمّ عطيّة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته بما قالت لها اُختها ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اُدني منّي يا اُمّ عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة ، فإنّ الخرقة تذهب بماء الوجه »(١) .

مسالة ٦٩٠ : يكره كسب الإماء والصبيان.

قال الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كسب الإماء فإنّها إن لم تجده زنت إلّا أمة قد عُرفت بصنعة يد ، ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة فإنّه إن لم يجد سرق»(٢) .

ويكره للصانع سهر الليل كلّه في عمل صنعته ؛ لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى اُمور الآخرة.

قال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ بات ساهراً في كسب ولم يعط العين حظَّها من النوم فكسبه ذلك حرام »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الصنّاع إذا سهروا الليل كلّه فهو سحت »(٤) .

وهو محمول على الكراهة الشديدة ، أو على التحريم إذا منع من الواجبات أو منع القسم بين الزوجات.

مسالة ٦٩١ : يجوز بيع عظام الفيل واتّخاذ الأمشاط وغيرها منها‌ ؛ لأنّها طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها ؛ للمقتضي للجواز ، السالم عن المانع.

ولأنّ عبد الحميد بن سعد سأل الكاظمَعليه‌السلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١١٨ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ - ٣٦١ / ١٠٣٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٧ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٨.

١٨٧

أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : « لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط »(١) .

وكذا يجوز بيع الفهود وسباع الطير.

سأل عيصُ بن القاسم - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام عن الفهود وسباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال : « نعم »(٢) .

أمّا القرد فقد روي النهي عن بيعه.

قال الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن القرد أن يشترى أو يباع »(٣) .

وفي الطريق قول ، فالأولى الكراهة.

ودخل إلى الصادقعليه‌السلام رجل فقال له : إنّي سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : « مدبوغة هي؟» قال : نعم ، قال : « ليس به بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٢ : لا بأس بأخذ الهديّة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الهديّة على ثلاثة وجوه : هديّة مكافأة ، وهديّة مصانعة ، وهديّة لله عزّ وجلّ »(٥) .

وروى إسحاق بن عمّار قال : قلت له : الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعرّض لما عندي فآخذها ولا اُعطيه شيئاً أتحلّ لي؟ قال : « نعم ، هي لك حلال ولكن لا تدع أن تعطيه »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٦ ، و ٧ : ١٣٤ / ٥٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٣٥ / ٥٩٥.

(٥) الكافي ٥ : ١٤١ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ / ١١٠٧.

(٦) الكافي ٥ : ١٤٣ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ / ١١١٢.

١٨٨

وقال محمّد بن مسلم : « جلساء الرجل شركاؤه في الهديّة »(١) .

وهي مستحبّة مرغَّبٌ فيها ؛ لما فيها من التودّد.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « لأن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثلها »(٢) .

وقبولها مستحبّ ؛ اقتداءً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه قال : « لو اُهدي إليَّ كراع لقبلت »(٣) .

ولو أهدي إليه هديّة طلباً لثوابها فلم يثبه ، كان له الرجوع فيها إذا كانت العين باقيةً ؛ لما رواه عيسى بن أعين قال : سألت الصادقَعليه‌السلام عن رجل أهدى إلى رجل هديّة وهو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتى هلك وأصاب الرجل هديّته بعينها ، أله أن يرتجعها إن قدر على ذلك؟ قال : « لا بأس أن يأخذه »(٤) .

مسالة ٦٩٣ : لا يجوز عمل التماثيل والصور المجسّمة. ولا بأس بها فيما يوطأ بالأرجل ، كالفراش وشبهه ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّما(٥) نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفرشها ، قال : « لا بأس بما يبسط منها ويفرش ويوطأ ، وإنّما يكره منها ما نُصب على الحائط وعلى السرير »(٦) .

مسالة ٦٩٤ : يجوز لمن أمره غيره بشراء شي‌ء أن يأخذ منه على ذلك‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٣ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ / ١١١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٤ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ / ١١١٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٤١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ / ١١٠٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ / ١١١٦.

(٥) كذا في المصدر والطبعة الحجريّة ، وفي « س ، ي » : « إنّا » بدل « إنّما ».

(٦) التهذيب ٦ : ٣٨١ / ١١٢٢.

١٨٩

الجُعْل ؛ لأنّه فعل مباح.

ولما رواه ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سأله أبي وأنا حاضر ، فقال : ربما أمرنا الرجل يشتري لنا الأرض أو الدار أو الغلام أو الخادم ونجعل له جُعْلاً ، فقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس به »(١) .

مسالة ٦٩٥ : لا بأس بالزراعة ، بل هي مستحبّة.

روى سيابة أنّ رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام : أسمع قوماً يقولون : إنّ الزراعة مكروهة ، فقال : « ازرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه ، والله لنزرعنّ الزرع ولنغرسنّ(٢) غرس النخل بعد خروج الدجّال »(٣) .

وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقرَعليه‌السلام (٤) عن الفلّاحين ، فقال : « هُم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحبّ إلى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيّاً إلّا زارعاً ، إلّا إدريسعليه‌السلام فإنّه كان خيّاطاً »(٥) .

مسالة ٦٩٦ : يجوز أخذ أجر البذرقة من القوافل إذا رضوا بذلك‌ ، وإلّا حرم.

كتب محمّد بن الحسن الصفّار إليه : رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف ، ويشارطونه على شي‌ء مسمّى أن يأخذ منهم إذا صاروا إلى الأمن ، هل يحلّ له أن يأخذ منهم؟ فوقّععليه‌السلام « إذا واجر(٦)

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨١ / ١١٢٤.

(٢) في « ي » والطبعة الحجريّة والكافي : « ليزرعنّ ليغرسنّ ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٤ - ٣٨٥ / ١١٣٩.

(٤) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. وفي المصدر : « يزيد بن هارون الواسطي عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ».

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٤ / ١١٣٨.

(٦) في المصدر : « آجر ».

١٩٠

نفسه بشي‌ء معروف أخذ حقّه إن شاء الله »(١) .

مسالة ٦٩٧ : يكره بيع العقار إلّا لضرورة.

قال أبان بن عثمان : دعاني الصادقعليه‌السلام فقال : « باع فلان أرضه؟ » فقلت : نعم ، فقال: « مكتوب في التوراة أنّه مَنْ باع أرضاً أو ماءً ولم يضعه في أرض وماء ذهب ثمنه محقاً »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق »(٣) .

وقال مسمع للصادقعليه‌السلام : إنّ لي أرضاً تُطلب منّي ويرغّبوني ، فقال لي : « يا أبا سيّار أما علمت أنّه مَنْ باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء والطين ذهب ماله هباءً » قلت : جعلت فداك إنّي أبيع بالثمن الكثير فأشتري ما هو أوسع ممّا بعت ، فقال : « لا بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٨ : يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد‌ ؛ لأنّه قد صار ملكاً للبائع بالعقد ، فيندرج تحت قوله تعالى :( وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (٥) .

وروى إبراهيم الكرخي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : اشتريت للصادقعليه‌السلام جاريةً فلمـّا ذهبت أنقدهم قلت : أستحطّهم ، قال : « لا ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة»(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٥ / ١١٤١.

(٢) الكافي ٥ : ٩١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٧ - ٣٨٨ / ١١٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ٩٢ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٦.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٧ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٩٢ / ٨.

(٥) هود : ٨٥.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٦ ( باب الاستحطاط بعد الصفقة ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٣ / ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٣.

١٩١

قال الشيخ : إنّه محمول على الكراهة(١) ؛ لما روى معلّى بن خنيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يشتري المتاع ثمّ يستوضع ، قال : « لا بأس به » وأمرني فكلّمت له رجلاً في ذلك(٢) .

وعن يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يستوهب من الرجل الشي‌ء بعد ما يشتري فيهب له ، أيصلح له؟ قال : « نعم »(٣) .

وكذا في الإجارة. روى عليّ أبو الأكراد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي أتقبّل العمل فيه الصناعة وفيه النقش فاُشارط النقاش على شي‌ء فيما بيني وبينه العشرة أزواج بخمسة دراهم أو العشرين بعشرة ، فإذا بلغ الحساب قلت له : أحسن ، فأستوضعه من الشرط الذي شارطته عليه ، قال : « بطيب نفسه؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٩ : أصل الأشياء الإباحة إلّا أن يُعلم التحريم في بعضها.

روي عن الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - قال : « كلّ شي‌ء يكون منه حرام وحلال فهو حلال لك أبداً حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قِبَل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حُرٌّ قد باع نفسه أو خُدع فبِيع أو قُهر ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ، ذيل الحديث ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ذيل الحديث ٢٤٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٣ / ١٠١٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٣ - ٢٣٤ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٤ / ١٠٢٠.

(٥) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٣٩ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٨.

١٩٢

ذلك أو تقوم به البيّنة »(١) .

مسالة ٧٠٠ : لا ينبغي التهوين في تحصيل قليل الرزق‌ ، فإنّ علي بن بلال روى عن الحسين الجمّال قال : شهدت إسحاق بن عمّار وقد شدّ كيسه وهو يريد أن يقوم فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار ، فحلّ الكيس وأعطاه دراهم بدينار ، فقلت له : سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار ، فقال إسحاق بن عمّار : ما فعلت هذا رغبة في الدينار ، ولكن سمعت الصادقَعليه‌السلام يقول : « من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير »(٢) .

مسألة ٧٠١ : ينبغي الاقتصاد في المعيشة وترك الإسراف.

قال الباقرعليه‌السلام : « من علامات المؤمن ثلاث : حسن التقدير في المعيشة ، والصبر على النائبة ، والتفقّه في الدين » وقال : « ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح [ لا ](٣) لدنياه ولا لآخرته »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ :( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ) (٥) قال : « ضمّ يده » فقال : « هكذا »( وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) (٦) قال : « وبسط راحته » وقال : « هكذا »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ثلاثة من السعادة : الزوجة الموافقة(٨) ، والأولاد البارّون ، والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إليه ويروح »(٩) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ / ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ، ٩٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣١١ / ٣٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٧ / ٩٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٢٨.

(٥ و ٦ ) الإسراء : ٢٩.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣١.

(٨) في المصدر : « المؤاتية » بدل « الموافقة ».

(٩) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣٢ ، وفي الكافي ٥ : ٢٥٨ ( باب أنّ من السعادة ) الحديث ٢ بتفاوت يسير.

١٩٣

الفصل الثاني : في الشفعة

الشفعة مأخوذة من قولك : شفعت كذا بكذا ، إذا جعلته شفعاً به كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعاً بنصيب صاحبه.

وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفيع ؛ لأنّ كلّ واحد من الموترين(١) يتقوّى بالآخَر.

وفي الشرع عبارة عن استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه ، المنتقلة عنه بالبيع ، أو حقّ تملّك قهري يثبت(٢) للشريك القديم على الحادث ، وليست بيعاً ، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

ولا بدّ في الشفعة من مشفوع - وهو المأخوذ بالشفعة ، وهو محلّها - ومن آخذٍ له ، ومن مأخوذ منه ، فهُنا مباحث :

البحث الأوّل : المحلّ.

محلّ الشفعة كلّ عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة.

واعلم أنّ أعيان الأموال على أقسام ثلاثة :

الأوّل : الأراضي. وتثبت فيها الشفعة أيّ أرض كانت بلا خلاف - إلّا من الأصمّ(٣) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الشفعة فيما‌

____________________

(١) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة.

(٢) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

١٩٤

لم يقسم ، فإذا وقعت(١) الحدود فلا شفعة »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الشفعة لا تكون إلّا لشريكٍ »(٣) .

احتجّ الأصمّ على قوله بنفي الشفعة في كلّ شي‌ء : بأنّ في إثباتها إضراراً بأرباب الأملاك ، فإنّه إذا علم المشتري أنّه يؤخذ منه ما يبتاعه ، لم يبتعه ، ويتقاعد الشريك بالشريك ، ويستضرّ المالك(٤) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم من الأخبار. وما ذكره غلط ؛ لأنّا نشاهد البيع يقع كثيراً ولا يمتنع المشتري - باعتبار استحقاق الشفعة - من الشراء. وأيضاً فإنّ له مدفعاً إذا علم التضرّر بذلك بأن يقاسم الشريك ، فتسقط الشفعة إذا باع بعد القسمة.

وتثبت الشفعة في الأراضي سواء بيعت وحدها أو مع شي‌ء من المنقولات ، ويوزّع الثمن عليهما بالنسبة ، ويأخذ الشفيع الشقص بالقسط.

الثاني : المنقولات‌ ، كالأقمشة والأمتعة والحيوانات ، وفيها لعلمائنا قولان :

أحدهما - وهو المشهور - : أنّه لا شفعة فيها - وبه قال الشافعي(٥) -

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وضعت » بدل « وقعت ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر ، وكذا تأتي الرواية أيضاً بعنوان « وقعت » في ص ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٢) الموطّأ ٢ : ٧١٣ / ١ ، التمهيد ٧ : ٣٧ - ٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٥ / ٣٥١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٣ و ١٠٥ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٠٨ / ١١٩٨٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١١٦ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، الوسيط ٤ : ٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٧ ، =

١٩٥

لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا شفعة إلّا في رَبْعٍ أو حائط »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، ثمّ قال : لا ضرر ولا إضرار »(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس في الحيوان شفعة »(٣) .

ولأنّ الأصل عدم الشفعة ، ثبت في الأراضي بالإجماع ، فيبقى الباقي على المنع.

والثاني لعلمائنا : تثبت الشفعة في كلّ المنقولات - وبه قال مالك في إحدى الروايات عنه(٤) - لما رواه العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الشفعة في كلّ شي‌ء »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أيّ شي‌ء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره ، وإن زاد على‌

____________________

= العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٢ و ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٥ ، منهاج الطالبين : ١٥١.

(١) نصب الراية ٤ : ١٧٨ نقلاً عن البزار في مسنده.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ - ١١٨ / ٤١٩.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٢.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٦٥٤ / ١٣٧١ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٩ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ١٢٣ / ١١٢٤٤ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٢٥.

١٩٦

الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم »(١) .

ولأنّ الشفعة تثبت لأجل ضرر القسمة ، وذلك حاصل فيما يُنقل.

والجواب : أنّ خبر العامّة وخبر الخاصّة معاً مرسلان ، وأخبارنا أشهر ، فيتعيّن العمل بها وطرح أخبارهم. والضرر بالقسمة إنّما هو لما يحتاج إليه من إحداث المرافق ، وذلك يختصّ بالأرض دون غيرها ، فافترقا.

وقد وردت رواية تقتضي ثبوت الشفعة في المملوك دون باقي الحيوانات :

روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في المملوك بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه ، فيقول صاحبه : أنا أحقّ به ، أله ذلك؟

قال : « نعم إذا كان واحدا » فقيل : في الحيوان شفعة؟ فقال : « لا »(٢) .

وعن عبد الله بن سنان قال : قلت للصادقعليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه ، فقال أحدهم : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحداً »(٣) .

وعن مالك رواية اُخرى : أنّ الشفعة تثبت في السفن خاصّة(٤) .

الثالث : الأعيان التي كانت منقولةً في الأصل ثمّ اُثبتت في الأرض للدوام‌ ، كالحيطان والأشجار ، وإن بيعت منفردةً ، فلا شفعة فيها على المختار ؛ لأنّها في حكم المنقولات ، وكانت في الأصل منقولةً ، وستنتهي‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ - ١٦٥ / ٧٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٠ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٥ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ - ١٦٦ / ٧٣٤ ، الاستبصار ١ : ١١٦ / ٤١٤.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٢.

١٩٧

إليه وإن طال أمدها ، وليس معها ما تجعل تابعةً له ، وبه قال الشافعي(١) .

وحكى بعض أصحابه قولاً آخَر : أنّه تثبت فيها الشفعة كثبوتها في الأرض(٢) .

ولو بِيعت الأرض وحدها ، ثبتت الشفعة فيها ، ويكون الشفيع معه كالمشتري.

وإن بِيعت الأبنية والأشجار مع الأرض ، ثبتت الشفعة فيها تبعا للأرض ، لأنّ في بعض أخبار العامّة لفظ « الرّبع »(٣) وهو يتناول الأبنية ، وفي بعض أخبار الخاصّة : « والمساكن »(٤) وهو يتناول الأبنية أيضاً ، وفي بعضها : « الدار »(٥) وهو يتناول الجدران والسقوف والأبواب.

مسالة ٧٠٢ : الأثمار على الأشجار - سواء كانت مؤبَّرةً أو لا - إذا بِيعت معها ومع الأرض ، لا تثبت فيها الشفعة - وبه قال الشافعي(٦) - وكذا إذا شرط إدخال الثمرة في البيع ؛ لأنّها لا تدوم في الأرض.

وكذا الزروع الثابتة في الأرض ؛ لأنّ ما لا يدخل في بيع الأرض بالإطلاق لا يثبت له حكم الشفعة ، كالفدان(٧) الذي يعمل فيها ، وعكسه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (١).

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (٢).

(٥) راجع : الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٢ ، والتهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣١ ، والاستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٧.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ ، ١٩٦٧ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٧) الفَدان : الذي يجمع أداة الثورين في القِران للحرث. لسان العرب ١٣ : ٣٢١ « فدن ».

١٩٨

البناء والشجر.

وقال الشيخ وأبو حنيفة ومالك : تدخل الثمار والزروع مع اُصولها ومع الأرض التي نبت الزرع بها(١) ؛ لأنّها متّصلة بما فيه الشفعة ، فتثبت الشفعة فيها ، كالبناء والغراس(٢) .

ويمنع الاتّصال ، بل هي بمنزلة الوتد المثبت في الحائط.

وفي الدولاب الغرّاف والناعورة نظر من حيث عدم جريان العادة بنقله ، فكان كالبناء.

والأقرب : عدم الدخول.

ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء.

مسالة ٧٠٣ : قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة في المنقولات‌ ، ولا فرق بين أن تباع منفردةً أو مع الأرض التي تثبت فيها الشفعة ، بل يأخذ الشفيع الشقص من الأرض خاصّة بحصّته من الثمن.

وعن مالك رواية ثالثة أنّها : إن بِيعت وحدها ، فلا شفعة فيها. وإن بيعت مع الأرض ، ففيها الشفعة ؛ لئلّا تتفرّق الصفقة(٣) .

والجواب : المعارضة بالنصوص.

ولو كانت الثمرة غير مؤبَّرة ، دخلت في المبيع شرعاً ، ولا يأخذها الشفيع ؛ لأنّها منقولة. ولأنّ المؤبَّرة لا تدخل في الشفعة فكذا غيرها ، وهو‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت الزرع فيها » بدل « نبت الزرع بها ».

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٠ ، المسألة ١٥ ، المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ١٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ - ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ / ١٩٦٧ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣.

١٩٩

أحد قولي الشافعي. والآخَر : أنّها تدخل في الشفعة ؛ لدخولها في مطلق البيع(١) .

وعلى هذا فلو لم يتّفق الأخذ حتى تأبّرت ، فوجهان للشافعيّة :

أظهرهما : الأخذ ؛ لأنّ حقّه تعلّق بها ، وزيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة.

والثاني : المنع ؛ لخروجها عن كونها تابعةً للنخل.

وعلى هذا فبِمَ يأخذ الأرض والنخيل؟ وجهان :

أشبههما : بحصّتهما من الثمن كما في المؤبَّرة ، وهو مذهبنا.

والثاني : بجميع الثمن تنزيلاً له منزلة عيبٍ يحدث بالشقص(٢) .

ولو كانت النخيل حائلةً عند البيع ثمّ حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع ، فإن كانت مؤبَّرةً ، لم يأخذها. وإن كانت غير مؤبَّرة ، فعلى قولين(٣) .

وعندنا لا يأخذها ؛ لاختصاص الأخذ عندنا بالبيع ، والشفعة ليست بيعاً.

وإذا بقيت الثمرة للمشتري ، فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الإدراك مجّاناً.

وهذا إذا بِيعت الأشجار مع الأرض أو مع البياض الذي يتخلّلها ، أمّا إذا بيعت الأشجار ومغارسها لا غير ، فوجهان للشافعي ، وكذا لو باع الجدار مع الاُسّ :

أحدهما : أنّه تثبت الشفعة ؛ لأنّها أصل ثابت.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ولو فكّ الحجر عنه قبل تكفيره بالصوم في اليمين ، وحلف النذر ، والظهار والإفطار وغير ذلك ، لزمه العتق إن قدر عليه ؛ لأنّه الآن متمكّن.

ولو فكّ بعد صومه للكفّارة ، لم يلزمه شي‌ء.

* * *

٢٤١

الفصل الرابع : في المتولّي لمال الطفل والمجنون والسفيه‌

مسألة ٤٣٩ : قد بيّنّا أنّه ليس للصغير التصرّف في شي‌ء مّا من الأشياء قبل بلوغه خمس عشرة سنة في الذكر وتسع سنين في الأُنثى‌ ، سواء كان مميّزاً أو لا ، مُدركاً لما يضرّه وينفعه أو لا ، حافظاً لماله أو لا.

وقد روي أنّه « إذا بلغ الطفل عشر سنين بصيراً جازت وصيّته بالمعروف وصدقته وأُقيمت عليه الحدود التامّة »(١) وفي روايةٍ أُخرى : « إذا بلغ خمسة أشبار »(٢) .

والمعتمد ما تقدّم.

ولو أذن له الوليّ ، لم يصح ، إلّا في صورة الاختبار إن قلنا بأنّه قبل البلوغ على ما تقدّم(٣) .

ولو قلنا بالرواية ، نفذ تصرّفه في الوصيّة بالمعروف والصدقة ، وقُبِل إقراره بهما ؛ لأنّ مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به.

وهل يصحّ بيع المميّز وشراؤه بإذن الوليّ؟ الوجه عندي : أنّه لا يصحّ ولا ينفذ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال الشافعي(٤) - لقوله تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٥) وإنّما يُعرف زوال السفه بالبلوغ‌

____________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨ ( باب وصيّة الغلام والجارية ) ح ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٨.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٧ / ١٠٨٥.

(٣) في ص ٢٢٥ ، المسألة ٤٢١.

(٤) المغني ٤ ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩ ، المجموع ٩ : ١٥٥ - ١٥٦ و ١٥٨.

(٥) النساء : ٥

٢٤٢

والرشد. ولأنّه غير مكلّف فأشبه غير المميّز. ولأنّ العقل لا يمكن الوقوف عليه على الحدّ الذي يصلح به التصرّف والذي لا يصلح ؛ لخفائه وتزايده إلى وقت البلوغ على التدريج ، والمراتب خفيّة في الغاية ، فجَعَل الشارع له ضابطاً ، وهو البلوغ ، فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة.

وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأُخرى : يجوز بيع المميّز وشراؤه وتصرّفه بإذن الوليّ ؛ لقوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى )(١) أي اختبروهم ليُعلم رشدهم ، وإنّما يتحقّق اختبارهم بتفويض التصرّف إليهم من البيع والشراء وغيرهما ليُعلم هل بلغ حدّ الرشد أم لا؟ ولأنّه عاقل مميّز محجور عليه ، فصحّ تصرّفه بإذن الوليّ ، بخلاف غير المميّز ، فإنّه لا يصلح تحصيل المصلحة بتصرّفه ؛ لعدم تميزه وعدم معرفته ، ولا حاجة إلى اختباره ؛ لأنّه قد عُلم حاله(٢) .

وقد بيّنّا الخلاف في أنّ الاختبار هل هو قبل البلوغ أو بعده؟ فإن قلنا : إنّه بعد البلوغ ، فلا بحث. وإن قلنا : إنّه قبله ، قلنا : المراد المساومة والمماكسة ، فإذا وقف الحال على شي‌ء ، باع الوليّ وباشر العقد بيعاً وشراءً دون الصبي ، وبهذا يحصل الاختبار ، والعقل غير معلوم السمة له ، وإنّما يُعلم بما ضبطه الشارع علامةً عليه ، وهو البلوغ ، كالمشقّة المنوطة بالمسافة.

تذنيب : قال أبو حنيفة : لو تصرّف الصبي المميّز بالبيع والشراء وشبههما ، صحّ تصرّفه‌ ، ويكون موقوفاً على إجازة الوليّ ، وأمّا غير المميّز فلا يصحّ تصرّفه ، سواء أذن الوليّ أو لا ؛ لسلب أهليّته عن مباشرة‌

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

٢٤٣

التصرّفات(١) .

ولا فرق بين الشي‌ء اليسير والكثير في المنع من تصرّف غير المميّز.

وقال أحمد : يصحّ تصرّف غير المميّز في الشي‌ء اليسير ؛ لأنّ أبا الدرداء اشترى عصفوراً من صبي وأرسله(٢) .

وفعله ليس حجّةً ، وجاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكاً للصبي فاستنقذه منه.

مسألة ٤٤٠ : يثبت الرشد عند الحاكم بشهادة رجلين عَدْلين في الرجال ، وفي النساء أيضاً‌ ؛ لأنّ شهادة الاثنين مناط الأحكام.

ويثبت في النساء بشهادة أربع أيضاً ؛ لأنّه ممّا تطّلع عليه النساء ولا يطّلع عليه الرجال غالباً ، فلو اقتصرنا في ثبوت رشدهنّ على شهادة الرجال ، لزم الحرج والضيق ، وهو منفيّ بالإجماع.

وكذا يثبت بشهادة رجل وامرأتين وبشهادة أربع خناثى ؛ لجواز أن يكون نساءً.

ولا يثبت بتصديق الغريم ، سواء كان ممّن يؤخذ منه الحقّ أو يدفع إليه ؛ لما فيه من التهمة.

مسألة ٤٤١ : الولاية في مال المجنون والطفل للأب والجدّ له وإن علا ، ولا ولاية للأُمّ إجماعاً ، إلّا من بعض الشافعيّة(٣) ، بل إذا فُقد الأب والجدّ وإن علا ، كانت الولاية لوصيّ أحدهما إن وُجد ، فإن لم يوجد ، كانت الولاية للحاكم يتولّاها بنفسه أو يولّيها أميناً.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٢) المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢.

٢٤٤

ولا ولاية لجدّ الأُمّ ، كما لا ولاية للأُمّ ، ولا لغير الأب والجدّ له من الأعمام والأخوال و(١) غيرهما من الأنساب ، قربوا أم بعدوا.

وقد روي أنّ للأُمّ ولايةَ الإحرام بالصبي(٢) .

والمعتمد ما قلناه.

وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة : إنّ للأُمّ ولايةَ المال بعد الأب والجدّ ، وتُقدّم على وصيّهما ؛ لزيادة شفقتها(٣) .

وهو خارق للإجماع.

مسألة ٤٤٢ : الولاية في مال السفيه للحاكم‌ ، سواء تجدّد السفه عليه بعد بلوغه أو بلغ سفيهاً ؛ لأنّ الحجر يفتقر إلى حكم الحاكم ، وزواله أيضاً يفتقر إليه ، فكان النظر في ماله إليه ، ولا ولاية للأب ولا للجدّ ولا لوصيّهما على السفيه.

وقال أحمد : إن بلغ الصبي سفيهاً ، كانت الولاية للأب أو الجدّ له أو الوصيّ لهما مع عدمهما ، وإلّا فالحاكم(٤) .

ولا بأس به.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الأبُ للصبي والجدُّ موجودين ، اشتركا في الولاية ، وكان حكم الجدّ أولى لو عارضه حكم الأب.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « أو » بدل « و».

(٢) راجع التهذيب ٥ : ٦ - ٧ / ١٦ ، والاستبصار ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٤٧٨ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٧٤ / ١٣٣٦ ، وسنن أبي داوُد ٢ : ١٤٢ - ١٤٣ / ١٧٣٦ ، وسنن النسائي ٥ : ١٢٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٥٥.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٣) من ص ٢٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٥٧٠ - ٥٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٢ - ٥٦٣.

٢٤٥

الفصل الخامس : في كيفيّة التصرّف‌

مسألة ٤٤٣ : الضابط في تصرّف المتولّي لأموال اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة‌ ، وكون التصرّف على وجه النظر والمصلحة ، فللوليّ أن يتّجر بمال اليتيم ، ويضارب به ويدفعه إلى مَنْ يضارب له به ، ويجعل له نصيباً من الربح ، ويستحبّ له ذلك ، سواء كان الوليّ أباً أو جدّاً له أو وصيّاً أو حاكماً أو أمينَ حاكمٍ ، وبه قال عليّعليه‌السلام وعمر وعائشة والضحّاك(١) .

ولا نعلم فيه خلافاً إلّا ما روي عن الحسن البصري كراهة ذلك ؛ لأنّ خزنه أحفظ وأبعد له من التلف(٢) .

والأصحّ ما ذكرناه ؛ لما رواه العامّة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ ولي يتيماً له مالٌ فليتّجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أسباط بن سالم أنّه قال للصادقعليه‌السلام : كان لي أخ هلك فأوصى إلى أخ أكبر منّي وأدخلني معه في الوصيّة وترك ابناً صغيراً وله مال أفيضرب به للابن فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله؟ فقال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرّض لمال اليتيم »(٤) .

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٩ - ١١٠ / ١ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤ - ٥٦٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٧.

٢٤٦

ولأنّ ذلك أنفع لليتيم وأكثر حظّاً له ، لأنّه ينفق من ربحه ، ويستدرك من فائدته ما [ يقلّه ](١) الإنفاق ، كما يفعله البالغون في أموالهم وأموال مَنْ يعزّ عليهم من أولادهم.

مسألة ٤٤٤ : وإذا اتّجر لهم ينبغي أن يتّجر في المواضع الآمنة ، ولا يدفعه إلّا لأمين ، ولا يغرّر بماله.

وقد روي أنّ عائشة أبضعت مال محمّد بن أبي بكر في البحر(٢) .

ويُحتمل أن يكون في موضعٍ مأمون قريب من الساحل ، أو أنّها ضمنته إن هلك غرمته هي ، أو أنّها أخطأت في ذلك فليس فعلها حجّةً.

إذا عرفت هذا ، فإنّ للوصيّ أن يتّجر بنفسه ، ويجعل الربح بينه وبين اليتيم على جاري العادة ؛ لأنّه جاز أن يدفعه كذلك إلى غيره فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه.

وقال بعض العامّة : لا يجوز أن يعمل به بنفسه ؛ لأنّ الربح نماء مال اليتيم ، فلا يستحقّه غيره إلّا بعقدٍ ، فلا يجوز أن يعقد الوليّ المضاربة مع نفسه(٣) .

وهو ممنوع ؛ لجواز أن يتولّى طرفي العقد.

وإذا دفعه إلى غيره ، كان للعامل ما جَعَله له الوليّ ووافقه عليه ؛ لأنّ الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته ، وهذا فيه مصلحته ، فصار تصرّفه فيه كتصرّف المالك في ماله.

مسألة ٤٤٥ : ويشترط في التاجر بمال اليتيم أن يكون وليّاً‌ وأن يكون‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يعلمه » وفي « ث » : « يعد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٥.

٢٤٧

مليّاً ، فإن انتفى أحد الوصفين ، لم يجز له التجارة في ماله ، فإن اتّجر ، كان الضمان عليه ، والربح لليتيم ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله عن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده مال اليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال ، فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم وهو ضامن »(١) .

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن أعطب أدّاه »(٢) .

مسألة ٤٤٦ : ويجوز لوليّ اليتيم إبضاع ماله ، وهو دفعه إلى مَنْ يتّجر به ، والربح كلّه لليتيم‌ ؛ لأنّ ذلك أنفع من المضاربة ، لأنّه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى مَنْ يدفع جميع ربحه إلى اليتيم أولى.

ويستحبّ أن يشتري له العقار ؛ لأنّه مصلحة له ، لأنّه يحصل منه الفضل ، ولا يفتقر إلى كثير مئونة ، وسلامته متيقّنة ، والأصل باقٍ مع الاستنماء ، والغرر فيه أقلّ من التجارة ، بل هو أولى منها ؛ لما في التجارة من الأخطار وانحطاط الأسعار ، فإن لم يكن في شرائه مصلحة إمّا لفضل الخراج وجور السلطان أو إشراف الموضع على البوار ، لم يجز.

ويجوز أن يبني عقاره ويستجدّه إذا استهدم من الدور والمساكن ؛ لأنّه في معنى الشراء ، إلاّ أن يكون الشراء أنفع ، فيصرف المال إليه ، ويقدّمه على البناء ، فإن فضل شي‌ء ، صرفه في البناء.

وإذا أراد البناء ، بنى بما فيه الحظّ لليتيم ، ويبنيه بالآجر والطين ، وإن اقتضت المصلحة البناء باللِّبن ، فَعَل ، وإلّا فلا ؛ لأنّه إذا هدم لا مرجوع له.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

٢٤٨

وبالجملة ، يفعل الأصلح.

وقال الشافعي : يبني بالآجر والطين لا غير ؛ لأنّه إذا بنى باللِّبن خاصّةً ، لم يكن له مرجوع ، وإذا بناه بالآجر والجصّ ، لم يتخلّص منه إلّا بكسره(١) .

وما قلناه أولى ؛ لأنّه إذا كان الحظّ في البناء بغير الآجر ، فتركه تضييع حظّه وماله ، ولا يجوز تضييع الحظّ العاجل وتحمّل الضرر المتيقّن لتوهّم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء ، وربما لا يقع ذلك في حياته ولا يحتاج إليه ، مع أنّ كثيراً من البلاد لا يوجد فيها الآجر ، وكثيراً من البلدان لم تجر عادتهم بالبناء بالآجر ، فلو كُلّفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل ، فالأولى البناء في كلّ بلدٍ على عادته.

مسألة ٤٤٧ : لا يجوز بيع عقار الصبي لغير حاجة‌ ؛ لأنّا نأمر الوليّ بالشراء له لما فيه من الحظّ والمصلحة ، فيكون بيعه تفويتاً للحظّ ، فإن احتُيج إلى بيعه ، جاز ، وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وإسحاق وأحمد(٢) .

وقال بعض العامّة : لا يجوز إلّا في موضعين :

أ : أن يكون به ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دَيْن أو ما لا بدّ له منه ، ولا تندفع حاجته إلّا بالبيع ، أو قصرت غلّته عن الوفاء بنفقته وما يحتاج إليه.

ب : أن يكون في بيعه غبطة بأن يدفع فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٢) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

٢٤٩

ويرغب إليه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن ، أو يخاف عليه الخراب والهلاك بغرقٍ أو حرقٍ أو نحوه ، أو يكون ثقيل الخراج ومنزل الوُلاة ونحوه ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أحمد : كلّ موضعٍ يكون البيع أنفع ويكون نظراً لهم ، جاز ، ولا يختصّ بما تقدّم ، وكذا لو كانت الدار سيّئة الجيران ويتضرّر الصبي بالمقام فيها ، جاز بيعها وشراء عوضها ، والجزئيّات غير محصورة ، فالضابط اعتبار الغبطة ، وقد يكون الغبطة له في ترك البيع وإن أعطاه الباذل ضِعْفَي ثمنه إذا لم يكن به حاجة إلى الثمن أو لا يمكن صَرف ثمنه في مثله ويخاف ضياعه ، فقد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « مَنْ باع داراً أو عقاراً ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه »(٢) (٣) .

مسألة ٤٤٨ : يجوز للوليّ عن الطفل أو(٤) المجنون بيع عقاره وغيره في موضع الجواز بالنقد والنسيئة‌ وبالعرض بحسب ما تقتضيه المصلحة.

وإذا باع نسيئةً زاد على ثمنه نقداً ، وأشهد عليه ، وارتهن به رهناً وافياً ، فإن لم يفعل ، ضمن ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٥) .

ونقل الجويني وجهين في صحّة البيع إذا لم يرتهن وكان المشتري مليّاً ، وقال : الأصحّ : الصحّة ، ولا يكون ضامناً ؛ اعتماداً على ذمّة المليّ(٦) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه في معرض الإتلاف ، بخلاف الإقراض ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ - ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ - ٤٢٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٢ / ٢٤٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٤ ، مسند أحمد ٥ : ٣٩٧ / ١٨٢٦٤ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٥٠

يجوز عند خوف الإتلاف.

ولا يحتاج الأب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئةً أن يرتهن له من نفسه ، بل يؤتمن في حقّ ولده.

وكذا البحث لو اشترى له سَلَماً مع الغبطة بذلك.

مسألة ٤٤٩ : إذا باع الأب أو الجدّ عقار الصبي أو المجنون وذكر أنّه للحاجة ، ورفع الأمر إلى الحاكم ، جاز له أن يسجّل على البيع ، ولم يكلّفهما إثبات الحاجة أو الغبطة ؛ لأنّهما غير متّهمين في حقّ ولدهما.

ولو باع الوصيّ أو أمين الحاكم ، لم يسجّل الحاكم ، إلّا إذا قامت البيّنة على الحاجة أو الغبطة ، فإذا بلغ الصبي وادّعى على الأب أو الجدّ بيع ماله من غير مصلحةٍ ، كان القولُ قولَ الأب أو الجدّ مع اليمين ، وعليه البيّنة ؛ لأنّه يدّعي عليهما خلافَ الظاهر ؛ إذ الظاهر من حالهما الشفقة وعدم البيع إلّا للحاجة.

ولو ادّعاه على الوصيّ أو الأمين ، فالقول قوله في العقار ، وعليهما البيّنة ؛ لأنّهما مدّعيان ، فكان عليهما البيّنة.

وفي غير العقار الأولى ذلك أيضاً ؛ لهذا الدليل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخَر : أنّه يُقبل قولهما مع اليمين ، والفرق عسر الإشهاد في كلّ قليل وكثير يبيعه(١) .

ومن الشافعيّة مَنْ أطلق وجهين من غير فرقٍ بين الأولياء ، سواء كانوا آباءً أو أجداداً أو غرباء ، ولا بين العقار وغيره(٢) .

ودعوى الصبي والمجنون على المشتري من الوليّ كدعواهما على‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٥١

الوليّ.

مسألة ٤٥٠ : وهل للوصيّ والأمين بيع مال الطفل والمجنون من نفسه وبيع مال نفسه منه؟ مَنَع منه جماعة من علمائنا(١) والشافعي(٢) أيضاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يشتري الوصيّ من مال اليتيم »(٣) .

والأقرب عندي : الجواز ، والتهمة منتفية مع الوثوق بالعدالة. ولأنّ التقدير أنّه بالغ في النصيحة ، ولا استبعاد في كونه موجباً قابلاً ، كما في الأب والجدّ.

إذا عرفت هذا ، فهل للأب والجدّ للأب ذلك؟ الأولى ذلك - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ شفقتهما عليه توجب المناصحة له.

وكذا يبيع الأب أو الجدّ عن أحد الصغيرين ويشتري للآخَر.

وهل يشترط العقد ، فيقول : « بعت كذا عن فلان ، اشتريت كذا من فلان »؟ الأقرب : ذلك ، كما لو باع من غيره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يكتفي بأحدهما ، ويقام مقامهما ، كما أُقيم الشخص الواحد مقام اثنين ، سواء كان بائعاً عن أحد الصغيرين ومشترياً عن الآخَر ، أو كان مشترياً لنفسه وبائعاً عن الصغير ، أو بالعكس(٥) .

وإذا اشترى الوليّ للطفل فليشتر من ثقة أمين يؤمن من جحوده في الثاني وحيلته في إفساد البيع بأن يكون قد أقرّ لغيره قبل البيع وما أشبه‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٤٦ ، المسألة ٩ ، والمبسوط ٢ : ٣٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٣) أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٥ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٥٢

ذلك ، وحذراً من خروج الملك مستحقّاً.

ولا يجوز لوليّ الطفل أن يبيع إلّا بثمن المثل. وقد تفرض المصلحة في البيع بدون ثمن المثل في بعض جزئيّات الصور ، فليجز حينئذٍ.

مسألة ٤٥١ : وأمّا قرض مال الطفل والمجنون فإنّه غير جائز‌ إلاّ مع الضرورة ؛ لما فيه من التغرير والتعريض للإتلاف ، بل إن أمكن الوليّ التجارة به أو شراء عقارٍ له فيه الحظّ ، لم يقرضه ؛ لما فيه من تفويت الحظّ على اليتيم.

وإن لم يمكن ذلك - بأن خاف من إبقائه في يده [ من تلفٍ ](١) أو نهب أو سرقةٍ أو حرقٍ أو غير ذلك من الأسباب المتلفة أو الـمُنقصة للماليّة ، وكذا إذا أراد الوليّ السفر وخاف من استصحابه معه أو إبقائه في البلد - جاز له إقراضه من ثقة ملي‌ء. وإن تمكّن من الارتهان عليه ، وجب ، فإن لم يتّفق الرهن ووجد كفيلاً ، طالَب بالكفيل.

ولو تمكّن من الارتهان عليه فطلب الكفيل وترك الارتهان ، فقد فرّط.

ولو استقرض الوليّ مع الولاية والملاءة ، جاز ؛ نظراً لمصلحة الطفل ، فقد روى العامّة أنّ عمر استقرض مال اليتيم(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو الربيع عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن رجل ولي [ مال ] يتيم فاستقرض منه شيئاً ، فقال : « إنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك »(٣) .

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) المغني ٤ : ٣١٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٥٣

ولأنّه وليّ له التصرّف في ماله بما يتعلّق به مصلحة اليتيم ، فجاز له إقراضه للمصلحة.

وإذا كان للصبي مالٌ في بلدٍ فأراد الوليّ نَقْلَه عن ذلك البلد إلى آخَر ، كان له إقراضه من ثقة ملي‌ء ، ويقصد بذلك حفظه من السارق وقاطع الطريق ، أو الغرق ، أو غير ذلك.

وكذا لو خاف على مال اليتيم التلف ، كما إذا كان له غلّة من حنطة وشبهها وخاف عليها تطرّق الفساد إليها ، أقرضها من الثقة الملي‌ء خوفاً من تسويسها وتغيّرها ؛ لأنّه يشتمل على نفع اليتيم ، فجاز ، كالتجارة.

ولو لم يكن لليتيم فيه حظّ ، وإنّما قصد إرفاق المقترض وقضاء حاجته ، لم يجز إقراضه ، كما لم يجز هبته.

ولو أراد الوليّ السفر ، لم يسافر به ، وأقرضه من ملي‌ء مأمون ، وهو أولى من الإيداع ؛ لأنّ الوديعة لا تُضمن.

ولو لم يوجد المقترض بهذه الصفة ، أودعه من ثقة أمين ، فهو أولى من السفر به ؛ لأنّه موضع الحاجة والضرورة.

ولو أودعه من الثقة مع وجود المقترض الملي‌ء المأمون ، لم يكن مفرّطاً ، ولا ضمان عليه ، فإنّه قد يكون الإيداع أنفع له من القرض ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يجوز إيداعه مع إمكان الإقراض ، فإن فَعَل ضمن(١) .

وكلّ موضعٍ جاز له أن يقرضه فيه فإنّه يشترط أن يكون المقترض‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

٢٥٤

مليّاً أميناً ، ليأمن جحوده وتعذّر الإيفاء.

فإن تمكّن من الارتهان ، ارتهن ، وإن تعذّر ، جاز من غير رهن ؛ لأنّ الظاهر ممّن يستقرض من أجل حظّ اليتيم أنّه لا يبذل رهناً ، فاشتراط الرهن تفويت لهذا الحظّ.

ويشترط فيمن يُودع عنده الأمانة وفي المقترض الأمانةُ واليسار معاً ، فإن أودع أو أقرض من غير الثقة ، ضمن.

مسألة ٤٥٢ : لو أخذ إنسان من وليّ اليتيم مالاً وتصرّف في بعضه بغير إذنه ثمّ أيسر بعد ذلك ، كان عليه ردّ المال إلى الوليّ‌ أو إلى الطفل إن كان قد بلغ رشيداً.

ويجوز إذا دفعه إلى الطفل أن لا يشعر بالحال وأن يدفعه إليه موهماً له أنّه على وجه الصلة ؛ لأنّ الغرض والمقصود بالذات إيصال الحقّ إلى مستحقّه ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتامٍ فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها ولا يُعلم الذي كان عنده المال للأيتام أنّه أخذ من أموالهم شيئاً ثمّ تيسّر بعد ذلك ، أيّ ذلك خير له؟ أيعطيه الذي كان في يده ، أم يدفعه إلى اليتيم وقد بلغ؟ وهل يجزئه أن يدفعه إلى صاحبه على وجه الصلة ولا يُعلمه أنّه أخذ له مالاً؟ فقال : « يجزئه أيّ ذلك فَعَل إذا أوصله إلى صاحبه ، فإنّ هذا من السرائر إذا كان من نيّته إن شاء ردّه إلى اليتيم إن كان قد بلغ على أيّ وجه شاء وإن لم يُعلمه أنّه كان قبض له شيئاً ، وإن شاء ردّه إلى الذي كان في يده » وقال : « إذا كان صاحب المال غائباً‌

٢٥٥

فليدفعه إلى الذي كان المال في يده »(١) .

مسألة ٤٥٣ : ومَنْ كان عنده مالٌ لأيتامٍ فهلك الأيتام قبل دفع المال إليهم فيصالحه وارثهم على البعض ، حلّ له ذلك‌ ، وبرئت ذمّته من جميع المال مع إعلام الوارث ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج وداوُد بن فرقد جميعاً عن الصادقعليه‌السلام ، قالا : سألناه عن الرجل يكون عنده المال لأيتامٍ فلا يعطيهم حتى يهلكوا فيأتيه وارثهم ووكيلهم فيصالحه على أن يأخذ بعضاً ويدع بعضاً ويبرئه ممّا كان له أيبرأ منه؟ قال : « نعم »(٢) .

مسألة ٤٥٤ : يجب على الوليّ الإنفاقُ على مَنْ يليه بالمعروف ، ولا يجوز له التقتير عليه في الغاية ولا الإسراف في النفقة ، بل يكون في ذلك مقتصداً.

ويجرى الطفل على عادته وقواعد أمثاله من نظرائه ، فإن كان من أهل الاحتشام ، أطعمه وكساه ما يليق بأمثاله من المطعوم والملبوس ، وكذا إن كان من أهل الفاقة والضرورة ، أنفق عليه نفقة أمثاله.

فإذا ادّعى الوليّ الإنفاقَ بالمعروف على الصبي أو على عقاره أو ماله أو دوابّه إن كان ذا دوابّ ، فإن كان أباً أو جدّاً ، كان القول قولَهما فيه ، إلّا أن يقيم الصبي البيّنةَ بخلافه.

فإنّ ادّعى الصبي بعد بلوغه خلافَ ذلك ، كان القول قولَ الأب أو الجدّ للأب مع يمينه ، إلّا أن يكون مع الابن بيّنةٌ.

وإن كان وصيّاً أو أميناً ، قُبل قوله فيه مع اليمين ، ولا يُكلَّفان البيّنة‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٢ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٥٩.

٢٥٦

أيضاً - وهو أصحّ قولي الشافعيّة(١) - لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك.

وفي الآخَر : لا يُقبل إلّا بالبيّنة ، كالبيع ، لا يُقبل قولهما إلّا ببيّنة(٢) .

والفرق : عدم تعذّر إقامة البيّنة على البيع ؛ لأنّ الظاهر من حال العَدْل الصدقُ ، وهو أمين عليه ، فكان القول قولَه مع اليمين.

ولو ادّعى خلاف ما تقتضيه العادة ، فهو زيادة على المعروف ، ويكون ضامناً.

وكذا لو ادّعى تلف شي‌ء من ماله في يده بغير تفريطٍ ، أو أنّ ظالماً قهره عليه وأخذه منه ، قُدّم قوله باليمين ؛ لأنّه أمين.

أمّا لو ادّعى الإنفاق عليه منذ ثلاث سنين ، فقال الصبي : ما مات أبي إلّا منذ سنتين ، قُدّم قول الصبي مع اليمين ؛ لأنّ الأصل حياة أبيه ، واختلافهما في أمرٍ ليس الوصيّ أميناً فيه ، فكان القولُ قولَ مَنْ يوافق قوله الأصل مع اليمين.

مسألة ٤٥٥ : لـمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )(٣) تجنّب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أموالَ اليتامى وأفردوها عنهم ، فنزل قوله تعالى :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) (٤) أي : ضيّق عليكم وشدّد ، فخالطوهم في مأكولهم ومشروبهم(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧ - ٥٢٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧.

(٣) النساء : ١٠.

(٤) البقرة : ٢٢٠.

(٥) تفسير الطبري ( جامع البيان ) ٢ : ٢١٧ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ١ : =

٢٥٧

وينبغي للوليّ النظرُ في حال اليتيم ، فإن كانت الخلطة له أصلح - مثل أن يكون إذا خلط دقيقه بدقيقه وخَبَزه دفعة واحدة ، كان أرفق باليتيم في المؤونة(١) وألين في الخبز وما أشبه ذلك - جاز له ، بل كان أولى نظراً لليتيم ، كما قال تعالى :( يَسْألُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ ) (٢) الآية. وإن كان الإفراد أرفق له وأصلح ، أفرده.

وسأل [ سماعة ](٣) الصادقَعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) قال : « يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم فيخالطهم ويأكلون جميعاً ، ولا يرزأ من أموالهم شيئاً ، إنّما هي النار »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن يتغابن مع الأيتام ، فيحسب لكلّ واحدٍ من عياله وأتباعه أكثر من أكل اليتيم وإن ساوى الواحد منهم ؛ تحفّظاً لمال اليتيم ، وتحرّزاً من تلف بعضه.

ولو تعدّد اليتامى واختلفوا كِبَراً وصِغَراً ، حسب على الكبير بقسطه وعلى الصغير بقسطه لئلّا يضيع مال الصغير بقسطه على نفقة الكبير ؛ لما رواه أبو الصباح الكناني عن الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ :( وَمَنْ كانَ‌

____________________

= ٢٠٤ ، زاد المسير : ١ :٢٤٣ - ٢٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١١٤ - ١١٥ / ٢٨٧١ ، سنن النسائي ٦ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٢٧٨ - ٢٧٩.

(١) في الطبعة الحجريّة : « المؤن ».

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عثمان بن عيسى ». وهو - في المصدر - مذكور قبل « سماعة ».

(٤) الكافي ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٩ بتفاوت.

٢٥٨

فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) قال : « ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلاً فلا يأكل منه شيئاً » قال : قلت : أرأيت قول الله عزّ وجلّ : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ )(٢) ؟ قال : « تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم ، وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ثمّ تنفقه » قلت : أرأيت إن كانوا يتامى صغاراً وكباراً وبعضهم أعلى [ كسوةً ](٣) من بعض وبعضهم آكل من بعض ومالهم جميعاً؟ فقال : « أمّا الكسوة فعلى كلّ إنسان ثمن كسوته ، وأمّا الطعام فاجعله(٤) جميعاً ، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير »(٥) .

مسألة ٤٥٦ : إذا بلغ الصبي رشيداً ، زالت ولاية الوصيّ وغيره عنه ، سواء كان حاضراً أو غائباً ، فلا يجوز له بيع مال الغائب بعد بلوغه ورشده ، فإن باع كان باطلاً ، وبه قال الشافعي(٦) .

ولا فرق بين أن يكون مال الغائب مشتركاً مع صبيٍّ آخَر له عليه ولاية أو لا ، ولا بين أن يكون الصغار محتاجين(٧) إلى بيع المشترك مع الغائب أو لا ، ولا بين أن يكون المتاع ممّا يقبل القسمة أو لا ؛ لأنّ البلوغ والرشد أزالا عنه الولاية ، فلا ينفذ تصرّف غيره في ماله إلّا بإذنه ، وبيع الوصي مال‌

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) في المصدر : « فاجعلوه ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٢.

(٦) المغني ٤ : ٣٢١.

(٧) في « ث ، ر » : « يحتاجون ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « محتاجون ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٩

الغائب الرشيد تصرّفٌ في مال غيره بغير وكالة ولا ولاية ، فلم يصح ، كبيع ماله المنفرد أو ما لا تضرّ قسمته.

وقال أحمد : يجوز للوصي البيع على الغائب البالغ إذا كان من طريق النظر(١) .

وقال أصحابه : يجوز للوصي البيع على الصغار والكبار إذا كانت حقوقهم مشتركةً في عقار في قسمته إضرار وبالصغار حاجة إلى البيع إمّا لقضاء دَيْنٍ أو لمئونةٍ لهم(٢) .

وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى : يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لا بدّ منه(٣) .

وكأنّهما أرادا هذه الصورة ؛ لأنّ في ترك القسمة نظراً للصغار واحتياطاً للميّت في قضاء دَيْنه.

والحقّ ما قلناه ؛ فإنّ ما ذكروه لا أصل له يقاس عليه ، ولا له شهادة شرعٍ بالاعتبار. ولأنّ مصلحة الصغار يعارضها أنّ فيه ضرراً على الكبار ببيع مالهم بغير إذنهم. ولأنّه لا يجوز بيع غير العقار فلم يجز له بيع العقار ، كالأجنبيّ.

مسألة ٤٥٧ : قال بعض(٤) علمائنا : ليس لوليّ الصبي استيفاء القصاص المستحقّ له‌ ؛ لأنّه ربما يرغب في العفو ، وليس له العفو ؛ لأنّه ربما يختار الاستيفاء تشفّياً.

والوجه عندي : أنّ له الاستيفاء مع المصلحة ؛ لأنّ ولايته عامّة ،

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣٢٠.

(٣) المغني ٤ : ٣٢٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٦٣٤.

(٤) الشيخ الطوسي في المبسوط ٧ : ٥٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510