تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406198 / تحميل: 5177
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مساعدة اضافية من بيت المال قال له الامام علي (عليه السلام) « اتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نارٍ سجرها جبّارها لغضبه »(١) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبة اخرى: « واتقوا ناراً حرها شديد وقعرها بعيد وحليتها حديد، وشرابها صديد »(٢) .

صاحب سلمان:

« مر سلمان يوماً على سوق الحدادين في الكوفة فرأى شاباً قد صعق، والناس قد اجتمعوا حوله، فقالوا له: يا أبا عبدالله هذا الشباب قد صرع، فلو قرأت في اذنه، قال: فدنا منه سلمان فلما رآه الشاب أفاق وقال: يا ابا عبدالله ليس بي ما يقول هؤلاء القوم، ولكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون المرزبات فذكرت قوله تعالى: (ولهم مقامع من حديدٍ) فذهب عقلي خوفاً من عقاب الله تعالى، فاتخذه سلمان أخاً، ودخل قلبه حلاوة محبته في الله تعالى فلم يزل معه حتى مرض الشاب فجاءه، سلمان فجلس عند رأسه وهو يجود بنفسه فقال: (يا ملك الموت ارفق بأخي)، قال: يا ابا عبدالله اني بكل مؤمن رفيق »(٣) .

____________________

(١) نهج البلاغة خطبة ٢٢٤.

(٢) نهج البلاغة خطبة ١٢٠.

(٣) بحار الانوار ج ٢٢ ص ٣٨٥.

٢٢١

٥ - عرض الاعمال:

إنّ احدى المعتقدات الاسلامية التي لها الاثر البالغ في منع الذنب هي مسألة « عرض الأعمال على الصالحين (عليهم السلام) » ومعناه ان الله سبحانه وتعالى - من طرق خاصة - يعرض الاعمال في كل يوم او في كل اسبوع مرة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة الطاهرين (عليهم السلام) فاذا كانت حسنة تفرحهم واذا كانت سيئة يحزنون لشيعتهم. فعندما يعرف الانسان وقوع هذا الامر يحتاط ويراقب نفسه اكثر حتى يترك الذنب ليسعد الرسول والائمة (عليهم السلام). مثلهم كمثل الذين يعملون في مؤسسة ما، فلو علموا ان اعمالهم تعرض كل يومٍ او كل اسبوع مرة على المسؤولين الكبار فانهم يزيدون من سعيهم لارضاء المسؤولين باعمالهم الحسنة. (وفي الآية ١٠٥) من سورة التوبة نقرأ قوله تعالى:

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

وحول مسألة عرض الاعمال فقد وردت روايات كثيرة عن الائمة (عليهم السلام) في كتاب اصول الكافي وتذكر في باب (عرض الاعمال على النبي والائمة (عليهم السلام)) ويحتوي على ستة احاديث:

وقد جاء في بعض الروايات: ان الاعمال الصالحة والسيئة للانسان تعرض على الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كل صباح وفي بعضها

٢٢٢

تعرض كل عصر يوم خميس. وتذكر بعض الروايات ان الاعمال تعرض على الائمة الاطهار (عليهم السلام) وفي بعضها تعرض على امير المؤمنين علي (عليه السلام)(١) .

٦ - ذكر الموت:

ان ذكر الموت يكسر غرور الانسان وبالتالي يهيىء الارضية لترك الذنب، وهو عامل مهم للامتناع عن ارتكاب الذنب والسيطرة عليه، وحول هذا الموضوع قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« أكثروا ذكر الموت فأنّه يمحّص الذنوب »(٢) .

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« الموت الزم لكم من ظلكم »(٣) .

٧ - الخوف من الله ومن عاقبة الذنب:

إنّ احد العوامل التي تمكّن الانسان من السيطرة على اقتراف الذنب هو الخوف من الله سبحانه ومن عاقبة الذنب.

قال الامام الصادق (عليه السلام):

____________________

(١) اصول الكافي المجلد الاول ص ٢١٩، وفي كتاب وسائل الشيعة المجلد ١١ ص ١٠١ و كذلك ذكر باب فيه ٢٥ حديثاً، وكتاب ميزان الحكمة ج ٧ ص ٣٢ - ٣٥.

(٢) نهج الفصاحة الحديث ٤٤٤ - ميزان الحكمة ج ٩ ص ٢٤٦.

(٣) فهرس الغرر (الموت).

٢٢٣

« من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى »(١) .

وقال الامام الصادق (عليه السلام) أيضاً:

« يا اسحق خف الله فانك تراه وان كنت لا تراه يراك »(٢) .

وقال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« يا أبا ذر إياك إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة ولا تمكّن من الرجعة، ولا يحمدك من خلّفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به »(٣) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« لا تخف الاّ ذنبك »(٤) .

وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« العجب ممن يخاف العقاب ولم يكف »(٥) .

ويعني انّ الابتعاد عن الذنب دليل الخوف من عذاب

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٧٠.

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٦٧ - ٦٨.

(٣) بحار الانوار ج ٧٧ ص ٧٥ يعني واظب على نفسك أن لا يدركك الموت حين غفلتك واشتغالك بالدنيا فلا تتمكن من الاقالة والرجعة ووارثك لا يحمدك بما تركت له. ولا يقبل الله العذر منك باشتغالك بامور الدنيا.

(٤) غرر الحكم - ميزان الحكمة ج ٣ ص ١٨٢.

(٥) بحار الانوار ج ٧٧ ص ٢٣٧.

٢٢٤

الله سبحانه.

٨ - تأثير العبادة في الامتناع عن ارتكاب الذنب:

انّ العبادات في الاسلام اذا اقيمت بشرائطها وصحتها فاضافة الى فوائدها المعنوية لها دور فعال في السيطرة على الذنب. والهدف الاصلي من العبادات بعد معرفة الله سبحانه وتعالى هو تطهير النفس والحصانة من الذنب مع الانتباه الى ان النية في قصد القربة الى الله سبحانه دليل على صحة العبادة. وللعبادة نور يبعث الاخلاص والصفاء في روح الانسان. والاستمرار بها يقوي ارتباط الانسان بالله سبحانه وتعالى.

جاء في الآية ١٨٣ من سورة البقرة قوله تعالى:

(يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون).

وجاء في (الآية ٤٥ من سورة العنكبوت) قوله تعالى:

(أتل ما أوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر أكبر والله يعلم ما تصنعون).

وجاء في الروايات حول هذا الموضوع بشكل واضح وصريح ما يلي:

١ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« مثل الصلاة كمثل النهر الجاري، كلّما صلى صلاة كفرت ما

٢٢٥

بينهما »(١) .

٢ - وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« من أحبّ أنّ يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر: هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه »(٢) .

٣ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام)

« والصلاة تنزيها عن الكبر... والنهي عن المنكر ردعاً للسّفهاء »(٣) .

عند القيام بالعبادات مثل: الصلاة، والصوم، والحج و... نرى ان هناك اموراً تبطل هذه العبادات فيجب مراعاتها والانتباه الى مبطلاتها لتكون مقبولة وعلى الوجه الصحيح. فهذه المراعات هي نوع من انواع الترويض لتقوية الارادة لتربية النفس للوقوف امام الذنوب، لان ترك الذنب يحتاج الى مقدار من الارادة واستقامة الانسان، والمسألة الاخرى هي موضوع علاج الذنب لتطهير الانسان منه. فيجب الانتباه اليه بعمق ودقة، وقد ذكر علماء الاخلاق الطرق الواضحة في معالجة الذنوب حيث بينوا لنا ان لكل ذنب علاجاً خاصاً ودواء شافياً للصدور، حيث جاءت في الروايات جملة من هذه الأدوية لعلاج الذنوب(٤) . فعلى سبيل المثال نذكر نماذج منها:

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ٣ ص ٧.

(٢) مجمع البيان ذيل آية ٤٥ عنكبوت.

(٣) نهج البلاغة حكمة ٢٥٢.

(٤) في كتاب معراج السعادة للمحقق النراقي طرق معالجة بعض الذنوب.

٢٢٦

١ - قال عمار بن ياسر(١) سمعت امير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول:

« ولا وجع أوجع للقلوب من الذنوب »(٢) .

٢ - وقال الامام الباقر (عليه السلام):

« لكل داءٍ دواء، ودواء الذنوب الاستغفار »(٣) .

٣ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« داووا بالتقوى الاسقام »(٤) .

طريقة العلاج:

ولاجل توضيح الطرق لعلاج الذنوب نذكر نموذجاً واحداً:

مثلاً: اذا ابتلي لسان الانسان بمرض الغيبة فعلاجه على نحوين:

« على الجملة والآخر على التفصيل، أما على الجملة فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله بغيبته بالأخبار والروايات، وأما على التفصيل فهو أن ينظر الى السبب الباعث على الغيبة فان علاج العلة بقطع سببها ومن اسبابها (الغضب، الخيانة، تزكية النفس، الحسد، التكبر)

____________________

(١) مستدرك الوسائل ٢ ص ٣٥٦.

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٧٥.

(٣) نفس المصدر السابق ج ١ ص ٢٨٧.

(٤) نهج البلاغة خطبة ١٩١.

٢٢٧

وعلاجها بالمعرفة فقط والتحقق بهذه الامور التي تؤدي الى ابواب الايمان فمن قوي ايمانه بجميع ذلك انكفأ لسانه عن الغيبة لا محالة »(١) .

____________________

(١)نقلاً عن المحجة البيضاء ج ٥ ص ٢٦٤.

٢٢٨

موقف الاسلام من المذنب

ان الاسلام يرى ان الواجب على كل الناس بالقلب واللسان والقدرة ان يقفوا أمام المذنب وان يهتموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال الامام الصادق (عليه السلام):

« ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم الأمر » (١).

قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):

(ادع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن). (النحل الآية ١٢٥)

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٣٩٥.

٢٢٩

وقال الله سبحانه وتعالى ايضاً:

(ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة). (المؤمنون الآية ٩٦).

التأديب الاجتماعي والاساليب الاخرى:

يرى الاسلام ان التعامل مع المذنب طريقة من طرق التأديب الاجتماعي، وحول هذا الموضوع نذكر بعض النماذج:

١ - (الآية ٣ من سورة النور) قوله تعالى:

(الزّاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلاّ زانٍ أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين).

٢ - (الآية ٤ من سورة النور):

(والذّين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون).

٣ - (التوبة الآية ٢٨):

(يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا....).

٤ - (الآية ١١٨ من سورة التوبة):

(وعلى الثلاثة الّذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إليه ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ الله هو التوّاب الرّحيم).

٢٣٠

٥ - (الآية ١٤٠ من سورة النساء):

(وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفربها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذاً مثلهم إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً).

الروايات ومواجهة المذنب:

ذكرت في الروايات الاسلامية أساليب كثيرة في كيفية التعامل مع المذنب، نذكر منها عدة نماذج:

١ - قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« ادنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرةٍ »(١) .

٢ - قول الامام الصادق (عليه السلام) لاحد اصحابه الذي يدعى (الحارث بن المغيرة) الذي قال: « قال الامام الصادق (عليه السلام)... أما لاحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم فدخلني من ذلك أمر عظيم، قال (عليه السلام): ما يمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون وما يدخل علينا به الاذى أن تأتوه فتؤنبوه وتذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً، فقلت: جعلت فداك اذا لا يطيعوننا ولا يقبلون منا، فقال: اهجروهم واجتنبوا مجالسهم »(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٤١٣.

(٢) روضة الكافي ص ١٦٢.

٢٣١

٣ - قال الامام الكاظم (عليه السلام) في كلامه حول التعامل مع الطواغيت والظالمين:

« يا زياد لئن اسقط من حالق فاتقطع قطعة قطعة أحبّ اليّ من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم... »(١) .

غضب الامام الصادق (عليه السلام):

يعتبر دواد بن علي أحد ولاة بني العباس المجرمين الذي كان والياً على المدينة. ارسل على (معلّى بن خنيس) أحد الموالين والتلامذة المخلصين للامام الصادق (عليه السلام) فقتله وصادر امواله. فتأثر الامام الصادق (عليه السلام) تأثراً شديداً على قتله وذهب الى داود وقال (عليه السلام) له:

« قتلت مولاي وأخذت مالي، أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب، أما ولله لادعونّ الله عليك »(٢) .

فسخر داود عن كلام الامام (عليه السلام) وقال له: اتهددني بدعائك؟ فرجع الامام (عليه السلام) الى بيته وقضى ليلته بالصلاة فلما جاء السحر ناجى الامام الصادق ربّه وقال (عليه السلام): « يا ذا القوة القوية وياذا المحال الشديد ويا ذا العزة التي كل خلقك لها ذليل اكفني هذا الطاغية وانتقم لي منه ».

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٢ ص ١٤٠.

(٢) الارشاد للمفيد ج ٢ ص ١٨٤.

٢٣٢

وما مرت الاّ ساعة حتى تعالت الاصوات في المدينة بموت داود.

موقف الامام الكاظم (عليه السلام):

احياناً يكون التعامل الحسن مع المذنب موجباً لهدايته كما في القصة التالية:

« كان أحد المنسوبين للخلفاء كلما يرى الامام الكاظم (عليه السلام) يذكره ويذكر امير المؤمنين علياً (عليه السلام) بالكلام البذيء وذات يوم جاء جمع من محبي الامام الكاظم (عليه السلام) وطلبوا منه الاجازة في قتله، فلما سمع الامام (عليه السلام) بكلامه قال لهم: لا تقدموا على هذا العمل ولكن قولوا لي اين مكان هذا الرجل؟ فقالوا له: انه مشغول في بستانه.

فركب اليه فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به العمري: لاتطأ زرعنا فوطأه ابوالحسن (عليه السلام) بالحمار حتى وصل اليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ فقال: مائة دينار، قال: وكم ترجو ان تصيب؟ قال: لست أعلم الغيب، قال: انما قلت لك ترجو ان يجيئك فيه، قال: ارجو ان يجيئني فيه مائتا دينار قال: فأخرج ابوالحسن (عليه السلام) صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال: هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجو قال: فقام العمري فقبّل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه فتبسم اليه ابو الحسن (عليه السلام) وانصرف وراح الى المسجد فوجد العمري جالساً فلما

٢٣٣

نظر اليه قال: « الله اعلم حيث يجعل رسالته »... فلما رجع ابو الحسن (عليه السلام) الى داره قال لجلسائه الذين سألوه عن قتل العمري:

« ايما كان خيراً ما اردتم او ما اردت انني اصلحت امره بالمقدار الذي عرفتم وكفيت به شره »(١) .

موقف الاحكام الشرعية من المذنب:

في الفقه الاسلامي قوانين واوامر في التعامل مع المذنب ومنعه من اقتراف الذنب. ونرى هناك اوامر دقيقة جداً للوقوف أمام اقتراف الذنب. فمثلاً: احكام الحدود والديات والتعزيرات اذا اجريت بالنحو المرسوم لها والكامل فانها عامل مهم في الوقوف امام الذنب، او مثلاً الاوامر الاسلامية المؤكدة على ان شارب الخمر، لا يزوجونه او ان المذنب لا يعطى الزكاة او ان سفر المعصية موجب لصلاة القصر. او المرأة المحصنة او المرأة غير المحصنة فالمحصنة ان زنت فحكمها القتل (وفرق بين المحصنة وغير المحصنة) او المرأة الناشزة التي لا تطيع زوجها فليس لها حق النفقة او قطع يد السارق او الجلوس مع الخمارين والأكل معهم على مائدة واحدة حرام، كل هذه القوانين والاوامر في الاسلام تبين لنا تعامل الاسلام مع المذنب، وكل واحدة من هذه الاوامر مانع ومسيطر على اقتراف الذنب في الفرد والمجتمع(٢) .

____________________

(١) الارشاد للمفيد ص ٢٩٧.

(٢) في هذه المسالة يراجع تحرير الوسيلة ج ١ ص (٤٧٦ - ٤٨٠) مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٣٤

القسم الخامس

الآثار السلبية التي يخلفها الذنب

التوبة والتطهير وجبران الذنب

الآثار السلبية التي يخلفها الذنب:

من المسلّمات في الدين والعلم والتجربة ان اعمال الانسان الحسنة والسيئة لها نتائج دنيوية واخروية. كزارع البذور فلو زرع احد بذر الورد لجنى ثماوه ورداً، وزارع الشوك لا يجني الاّ شوكاً.

وبعبارة اخرى لكل عمل رد عمل رد فعل معاكس كالذي يضرب الكرة على الارض فترجع الكرة اليه، ويجب الانتباه ايضاً الى ان جزاء العمل يراه في الدنيا والاخرة. ولكن نسبة الجزاء في الدنيا الى جزاء الاخرة قليل. وكذلك فان اعمال الانسان تاتي عليه بصور مختلفة ويجب ان لا نستبعد ان المصائب المختلفة التي تصيب الانسان في الدنيا أحياناً تكون جزاءً لعمل ما واحياناً امتحان الله سبحانه للانسان ولاجل ارتقائه سلم التكامل، وله ثواب اضافي ومضاعف، وفي (الاية ١٥٥)

٢٣٥

من سورة البقرة اشارة الى هذا المطلب.

(ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع....).

وهناك روايات كثيرة تدل على ذلك، فمن جملتها قول الامام الصادق (عليه السلام):

« إنّ أشدّ الناس بلاءً الانبياء ثم الذين يلونهم ثمّ الامثل فالامثل »(١) .

الآثار الدنيوية للذنب في نظر القرآن الكريم:

وردت في القرآن الكريم عشرات الآيات في الآثار والنتائج التي يخلفها الذنب ونذكر هنا عدة نماذج:

١ - في الآية ٥٩ من سورة البقرة:

(فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون).

٢ - في الآية ٤٩ من سورة المائدة:

(يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم).

٣ - في الآية ٦ من سورة الانعام:

(.... فأهلكناهم بذنوبهم).

٤ - في الآية ٩٦ من سورة الأعراف:

(..... فأخذناهم بما كانوا يكسبون).

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٥٢.

٢٣٦

٥ - في الآية ٢٥ من سورة نوح:

(ممّا خطيئاتهم أغرقوا).

٦ - في الآية ١٤ من سورة الشمس:

(فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها).

٧ - في الآية ١١ من سورة الرعد:

(إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم).

٨ - في الآية ١٤ من سورة المطففين:

(كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).

٩ - في الآية ٣٠ من سورة الشورى: (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ).

قال امير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):« خير آية في كتاب الله هذه الآية ».

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): « يا علي! ما من خدش عودٍ ولا نكبة قدمٍ الاّ بذنب »(١) .

بعض الآيات حول آثار الذنب في الآخرة:

١ - (ومن جاء بالسّيئة فكبّت وجوههم في النّار هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون). (النمل / ٩٠)

____________________

(١) مجمع البيان ونفس المطلب ذكر عن الامام الصادق (عليه السلام) في الكافي ج ٢ ص ٢٦٩.

٢٣٧

٢ - وفي الآية ٢٣ من سورة الجن:

(ومن يعص الله ورسوله فانّ له نار جهنّم خالدين فيها أبداً).

٣ - في الآية (١١ - ١٦) من سورة المعارج:

(يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته الّتي تؤيه ومن في الأرض جميعاً ثمّ ينجيه كلاّ إنّها لظى نزّاعةً للشّوى).

٤ - الآية ١٠٤ من سورة المؤمنون:

(تلفح وجوههم النّار وهم فيها كالحون).

احباط الاعمال الحسنة:

أحد الآثار السيئة التي يخلفها الذنب هو احباط الاعمال الحسنة. ومعناه أن المذنبين اذا عملوا عملاً صالحاً فانه لا نتيجة ولا جزاء له. وقد وردت كلمة (الاحباط) ستة عشر مرة في القرآن الكريم. وبهذا نحصل على نتيجة بان الذنوب الكبيرة مثل الكفر، الشرك، تكذيب الآيات الالهية وانكار المعاد، الارتداد، مخالفة الانبياء، كل هذه الامور تحبط الاعمال.

فعلى سبيل المثال: اذا رفع شخص حجارة عن طريق المارة لئلا يصاب احد بضرر (فان هذا العمل حسن) ولكن لو ان نفس هذا الرجل القى الصخرة في مكان قريب وضيق على المارة ففي هذه

٢٣٨

الحالة يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً وهو (خراب الطريق). اذن فان عمله الحسن رفع الصخرة عن الطريق لا اعتبار له ولا اثر له وقد احبطه بعمله السيء الآخر. وعلى هذا الاساس فان الذنوب الكبيرة تحبط الاعمال الحسنة. كما تكبر ابليس ولم يسجد لأمر الله سبحانه (في مسألة السجود لآدم) فقد احبط « ستة آلاف سنة من العبادة »(١) التي عبد بها ابليس الله سبحانه وتعالى. فيجب الانتباه الى ان الانسان المذنب لا يستطيع ان يغتر باعماله الحسنة، اذ سرعان ما تحبط بسبب الذنوب التي يرتكبها.

الآثار المعنوية الرديئة التي يخلفها الذنب:

إنّ تكرار الذنب والاستمرار عليه يؤدي الى ظلمة القلب ومسخ الانسان عن انسانيته وتحوليه الى حيوانٍ يملك الصفات الحيوانية كلها، ويكون مقترفاً للذنوب الكبيرة. فعلى سبيل المثال: ان المذنب اذا شرب الخمر لاول وهلة تراه يتردد ويتعذب وجدانه لانه مسلم، ولكن في الوهلة الثانية يكون الشرب ابسط بكثير من الوهلة الاولى وهكذا الى ان يعتاد عليه. نعم الاستمرار على ارتكاب الذنب يجعل المذنب يقترف الذنوب الكبيرة بكل سهولة.

في الآية ١٠٨ من سورة النحل نقرأ:

(أولئك الّذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم

____________________

(١) جاء في نهج البلاغة الخطبة ١٩٢ (.... إذ حبط عمله الطويل....).

٢٣٩

وأولئك هم الغافلون).

وفي الآية ٥ من سورة الصف نقرأ:

(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).

وفي الآية ١٠ من سورة الروم نقرأ:

(ثمّ كان عاقبة الّذين أساؤوا السؤأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن).

ونرى كثيراً في التاريخ ان الطواغيت الذين استمروا على اقتراف الذنوب قد تجاوزوا حد الكفر والانكار والتنكيل بالأنبياء والاستهزاء بهم، وكل هذه الآثار السيئة قد خلفها الذنب، وعلى العكس فالاستمرار على الاعمال الصالحة يعطي للقلب صفاءاً ويعطي نورانية للروح. وحول هذا الموضوع نأتي بالروايات التالية:

١ - قال الامام الصادق (عليه السلام) قال ابي (عليه السلام):

« ما من شيء أفسد للقلب من خطيئةٍ، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله »(١) .

٢ - وقال الامام الكاظم (عليه السلام):

« أذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب إنمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً »(٢) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٦٨.

(٢) بحار الانوار ج ٧٣ ص ٣٢٧ - ميزان الحكمة ج ٣ ص ٤٦٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فمهما فرض له مصلحة كان للوليّ السعيُ فيها تحصيلاً وإيفاءً ، ولدلالة العفو على مال إن كان ذلك أصلح لليتيم.

وإن عفا مطلقاً ، فالأقرب اعتبار المصلحة أيضاً ، فإن كانت المصلحة في العفو مجّاناً ، اعتمدها ، كما أنّ له الصلح ببعض ماله مع المصلحة.

مسألة ٤٥٨ : ليس للوليّ أن يعتق عبد الطفل والمجنون مجّاناً‌ ؛ لأنّ فيه إتلافَ ماله.

وهل له إعتاقه على مالٍ إذا اقتضت المصلحة ذلك وكان الحظّ للطفل فيه ، أو كتابته كذلك؟ الأقرب عندي : الجواز ، وذلك مثل أن تكون قيمة العبد ألفاً فيكاتبه على ألفين أو يعتقه على ألفين. وإن لم يكن للطفل فيه حظٌّ ، لم يصح قطعاً ، وبه قال أحمد(١) .

وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز إعتاقه بمالٍ ؛ لأنّ الإعتاق بمالٍ تعليق له على شرطٍ فلم يملكه وليّ اليتيم ، كالتعليق على دخول الدار(٢) .

وقال الشافعي : لا تجوز كتابته ولا إعتاقه على مالٍ ؛ لأنّ المقصود منهما العتق دون المعاوضة ، فلم يجز ، كالإعتاق بغير عوضٍ(٣) .

وهو غلط ؛ للفرق بين التعليق على أداء المال ودخول الدار ؛ فإنّ في الأوّل نفعاً لليتيم ، بخلاف الثاني ، فجاز الأوّل دون الثاني ، كالبيع مع زيادة على ثمن المثل وبدونه.

وكذا الفرق واقع بين الإعتاق على عوضٍ وبدونه ، كالفرق بين البيع‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٥٣ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣ - ٥٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ و ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

٢٦١

بثمن المثل وبدونه.

والأصل فيه أنّ ذلك يشتمل على معاوضة مطلوبة عند العقلاء ، فجاز للوليّ فعلها مع الطفل للمصلحة ، ولا فرق بينها(١) وبين البيع بثمنٍ مؤجَّل ، ولا عبرة بنفع العبد ، ولا يضرّه كونه معلّقاً ، فإنّه إذا حصل الحظّ للطفل لم يتضرّر بنفع غيره.

وما ذكروه إنّما امتنع الحكم فيه لانتفاء المقتضي ؛ إذ المقتضي لتسويغ التصرّف حصول المصلحة ، ولا مصلحة في تعليق العتق بدخول الدار ولا في الإعتاق بغير عوضٍ.

ولو فرض أنّ المصلحة في العتق مجّاناً ، فالأقرب : جوازه ، كما لو كان له عبد كبير لا ينتفع به في الاستخدام وغيره ولا يرغب في شرائه راغبٌ فيعتقه ليخلص من مئونته ونفقته.

وكذا لو كان له جارية وأُمّها وهُما تساويان مجتمعتين مائةً ، ولو انفردت البنت ساوت مائتين ، ولا يمكن إفرادهما بالبيع فأُعتقت الأُمّ ليكثر ثمن البنت ، كان جائزاً.

مسألة ٤٥٩ : وللوليّ أن يهب مال الطفل بشرط الثواب مع المصلحة‌ إمّا مع زيادة الثواب على العين أو مع تحصيل أمر من المتّهب ينتفع به الطفل نفعاً يزيد على بقاء العين له.

وقال الشافعي : لا تجوز الهبة لا مطلقاً ولا بشرط الثواب ؛ إذ لا يقصد بالهبة العوض(٢) .

____________________

(١) في « ج ، ر » : « بينهما ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٦٢

وهو ممنوع ؛ إذ التقدير أنّه قصد الثواب.

وكذا للوليّ بذل مال الطفل في مصالحه ، كاستكفاف الظالم بالرشوة وتخليص ماله من تعويقه وإطلاق زرعه وماء شربه وأشباه ذلك.

ولو طمع السلطان في مال اليتيم فأعطاه الوصيّ شيئاً منه ، فإن كان يقدر على دفعه بدون المدفوع ، ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٤٦٠ : ليس للوليّ أن يطلّق زوجة الصبي لا مجّاناً ولا بعوضٍ ؛ لأنّ المصلحة بقاء الزوجيّة ، لأنّه لا نفقة لها عليه قبل الدخول.

ولو باع شريكه شقصاً مشفوعاً ، كان له الأخذ أو الترك بحسب المصلحة ، فإن ترك بحكم المصلحة ثمّ بلغ الصبي وأراد الأخذ ، لم يُمكَّن منه ؛ لأنّ ترك وليّه مع اقتضاء المصلحة كان ماضياً ، والشفعة على الفور ، فكما لا تثبت له لو كان بالغاً وترك ، كذا لا تثبت مع ترك الوليّ - وهذا أصحّ وجهي الشافعيّة - كما لو أخذ بحكم المصلحة ثمّ بلغ وأراد ردّه ، لم يكن له ذلك.

والثاني : يجاب إلى ذلك ؛ لأنّه لو كان بالغاً لكان له الأخذُ ، سواء وافق المصلحة أو خالفها ، والأخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الوليّ ، فلا يفوت عليه بتصرّف الوليّ(١) .

مسألة ٤٦١ : لا يجوز أن يشتري الوصيّ أُضحية ويضحّي بها عن اليتيم‌ ، وكذا الأب لا يضحّي عن ولده الصغير من مال الصغير ، وإن ضحّى من مال نفسه ، كان متبرّعاً - وبه قال أبو حنيفة(٢) - إذ لا مصلحة لليتيم فيه.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ - ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٢) نسب عكسه إليه ابنا قدامة في المغني ١١ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

٢٦٣

وقال أحمد : يجوز للوليّ أن يشتري للصبي أُضحيةً إن كان من أهل ذلك وكان له مالٌ وافر لا يتضرّر بشراء الأُضحية ، ويكون ذلك على وجه التوسعة في النفقة في هذا [ اليوم الذي هو ](١) يوم الفرح والسرور ، الذي هو عيد ، وفيه جبر قلب الطفل وأهله وتطييبه وإلحاقه بمن له أب ، فينزّل منزلة شراء اللحم خصوصاً مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وجري العادة عليه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّها أيّام أكل وشرب وبعال »(٢) (٣) .

ولا بأس به.

ويجوز للوليّ أن يجعل الصبي في المكتب وعند معلّم القرآن العزيز والأدب والفقه وغيرها من العلوم إن كان من أهل ذلك وله ذكاء وفطنة ، كما يفعل الإنسان بولده ذلك ؛ لأنّ ذلك كلّه من مصالحه ، فجرى مجرى نفقته كمأكوله ومشروبه وملبوسه ، وبه قال أحمد(٤) .

وقال سفيان : ليس للوصيّ أن يسلّم الصبي إلى معلّم الكتابة إلّا بقول الحاكم(٥) .

وأنكر أحمد ذلك غاية الإنكار(٦) .

وكذا يجوز للوصيّ تسليم الصبي إلى معلّم الصناعة إذا كانت مصلحته في ذلك.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤٢ بتفاوت.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ - ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٤ - ٦) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٨.

٢٦٤

والأقرب عندي : أنّه لا يسلّمه(١) إلّا في صناعة تليق به ولا تثلم من مجده إن كان(٢) من أرباب البيوت.

وليس له أن يسلّمه إلى معلّم السباحة ؛ لما فيه من التغرير ، إلّا أن يكون تعليمه في ماء لا يغمره ولا يخاف عليه الغرق فيه.

مسألة ٤٦٢ : ويجب على الوليّ أن يخرج من ماله الحقوق الواجبة في ماله‌ ، كأُروش الجنايات والديون التي ركبته بسبب استدانة الوليّ عنه أو بسبب ديون مورّثه. وكذا يخرج عنه الزكاة المستحبّة مع ثبوت استحبابها وإن لم تُطلب ، ونفقة الأقارب إن طُلبت.

وإذا دعت الضرورة في حريق أو نهب إلى المسافرة بماله ، سافرَ به وإن لم يكن هناك ضرورة ، فإن كان الطريق مخوفاً ، لم يجز له السفر به ، فإن سافر ، ضمن.

وإن كان أميناً ، فالأقرب أنّه لا يجوز إلّا مع تيقّن الأمن.

وللشافعيّة وجهان :

المنع مطلقاً ، كالمسافرة بالوديعة.

والجواز مطلقاً ؛ لأنّ المصلحة قد تقتضي ذلك ، والوليّ مأمور بالمصلحة ، بخلاف المودع(٣) .

وإذا كان له أن يسافر به ، كان له أن يبعثه على يد أمينٍ.

مسألة ٤٦٣ : لا يجوز لغير الوليّ والحاكم إقراض مال الصغير‌ ؛ لانتفاء ولايته عليه ، فإن أقرض ، ضمن ، إلّا أن تحصل ضرورة إلى الإقراض ،

____________________

(١) فيما عدا « ث » من النسخ : « لا يسلّم ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : « وكان » بدل « إن كان ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ - ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥ - ٤٢٦.

٢٦٥

فيجوز للعَدْل إقراضه من ثقة ملي ، كما إذا حصل نهب أو حريق ، ولا ضمان حينئذٍ ؛ لأنّه بفعله محسن ، فلا يستعقب فعله الضمان ، لأنّه سبيل وقد قال تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) .

وكذا لا يجوز للوليّ إقراض مال اليتيم لغير ضرورة من نهب أو غرق أو حرق أو إذا سافر.

أمّا الحاكم فإنّه يجوز له الإقراض وإن لم تحصل هذه الموانع ، لكثرة أشغاله ، قاله بعض الشافعية(٢) .

وسوّى آخَرون بين الحاكم وغيره في جواز الإقراض مع الضرورة ، وعدمه مع عدمها(٣) ، وهو الوجه عندي.

مسألة ٤٦٤ : قال الله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) ‌ أي اختبروهم( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (٤) أي أبصرتم ، كما قال الله تعالى حكايةً عن موسىعليه‌السلام :( إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) (٥) أي أبصرت.

وقوله تعالى :( وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) معناه لا تأكلوا أموال اليتامى مبادرة لئلّا يكبروا فيأخذوها( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦) .

إذا عرفت هذا ، فالوليّ إمّا أن يكون غنيّاً أو فقيراً.

فإن كان غنيّاً ، استحبّ له أن يستعفف عنه ، فلا يأكل منه شيئاً ، عملاً بالآية(٧) .

____________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

(٤) النساء : ٦

(٥) القصص : ٢٩.

(٦ و ٧) النساء : ٦

٢٦٦

وهل يسوغ له مع الاستغناء أخذ شي‌ء من ماله؟ الأقرب ذلك على سبيل أُجرة المثل ، ولا يأخذ زيادةً عليه ؛ لما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) قال : « المعروف هو القوت ، وإنّما عنى الوصيّ والقيّم في أموالهم ما يصلحهم »(١) .

وعن حنان بن سدير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قال الصادق : « سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام في الإبل ما يحلّ له منها ، فقلت : إذا لاط حوضها(٢) وطلب ضالّتها وهَنَأ(٣) جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك(٤) بضرع ولا فساد نسل »(٥) .

وعن هشام بن الحكم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته في مَنْ تولّى مال اليتيم ما لَه أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك »(٦) .

فهذا يدلّ على الرجوع إلى أُجرة المثل.

قال الشيخ في النهاية : [ فمَنْ ](٧) كان وليّاً يقوم بأمرهم وبجمع أموالهم وسدّ خلّاتهم وجمع غلّاتهم ومراعاة مواشيهم جاز له أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير إسراف ولا تفريط.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥٠.

(٢) لاط حوضها : طيّنه وأصلحه. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٧٧ « لوط ».

(٣) هنأ الإبل : طلاها بالهِناء ، وهو ضرب من القطران. لسان العرب ١ : ١٨٦ « هنأ ».

(٤) النهك : المبالغة في الحلب. لسان العرب ١٠ : ٥٠٠ « نهك ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥١.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فمتى ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٦٧

ثمّ قال : والمتولّي لأموال اليتامى والقيّم بأُمورهم يستحقّ أُجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير زيادة ولا نقصان ، فإن نقص نفسَه ، كان له في ذلك فضل وثواب ، وإن لم يفعل ، كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أُجرة المثل ، فأمّا الزيادة فلا يجوز له أخذها على حال(١) .

ولأنّه عمل يستحقّ عليه الأُجرة ، فكان لعامله المطالبة بالأُجرة ، كغيرها من الأعمال.

وقال الشافعي : إذا كان غنيّاً ، لم يجز له أخذ شي‌ء من مال اليتيم - وبه قال أحمد - للآية(٢) (٣) .

وقال أحمد : إن كان أباً ، كان له أن يأخذ الأُجرة(٤)

والآية محمولة على الاستحباب ؛ لقوله :( فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٥) فإنّ المفهوم منه الاستحباب.

وقد روى سماعة عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦) قال : « مَنْ كان يلي شيئاً لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئاً »(٧) .

____________________

(١) النهاية : ٣٦١ - ٣٦٣.

(٢) النساء : ٦

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٥٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٤) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٥ و ٦) النساء : (٦)

(٧) الكافي ٥ : ١٢٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٨.

٢٦٨

وإن كان فقيراً ، جاز أن يأخذ إجماعاً.

وفي قدره خلاف ، الأقرب : أن نقول : يستحقّ أُجرة المثل ؛ لما تقدّم ، لكن يستحبّ له أن يأخذ أقلّ الأمرين من أُجرة المثل وقدر الكفاية ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (١) وبحصول الكفاية يحصل الاستغناء.

وقال الشافعي : إن كان فقيراً وانقطع بسببه من الاكتساب ، فله أخذ قدر النفقة(٢) .

وقال بعض أصحابنا(٣) : يأخذ أقلّ الأمرين من قدر النفقة وأُجرة المثل - وبه قال أحمد(٤) - لأنّه يستحقّه بالعمل والحاجة جميعاً ، فلم يجز له أن يأخذ إلّا إذا وجدا فيه.

فإذا أكل منه ذلك القدر ثمّ أيسر ، فإن كان أباً ، لم يلزمه عوضه عنده روايةً واحدة ؛ لأنّ للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها(٥) .

وإن كان غير الأب ، فهل يلزمه عوض ذلك؟ له روايتان :

إحداهما : لا يلزمه - وبه قال الحسن البصري والنخعي والشافعي في أحد القولين - لأنّ الله تعالى أمر بالأكل من غير ذكر عوض ، فأشبه سائر ما أمر بأكله. ولأنّه عوض عن عملٍ فلم يلزمه بدله ، كالأجير والمضارب.

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٣) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٩ ، المسألة ٢٩٥ ، والمبسوط ٢ : ١٦٣.

(٤ و ٥) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

٢٦٩

والثانية : يلزمه عوضه - وهو قول عبيدة السلماني وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والشافعي في أحد القولين - لأنّه استباحه للحاجة من مال غيره ، فلزمه قضاؤه ، كالمضطرّ إلى طعام غيره(١) .

وبه رواية عندنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج إليه فيمدّ يده فيأخذه وينوي أن يردّه ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل إلّا القصد ولا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) (٢) »(٣) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لما قلناه. وهذه الرواية في طريقها قول. ولأنّه لو وجب أداؤه مع اليسار لكان واجباً في الذمّة قبل اليسار ، فإنّ اليسار ليس بسببٍ للوجوب ، فإذا لم يجب بالسبب الذي هو الأكل لم يجب بعده ، بخلاف المضطرّ ، فإنّ العوض واجب عليه في ذمّته ؛ لأنّه لم يأكله عوضاً عن شي‌ء ، وهنا بخلافه.

مسألة ٤٦٥ : للوصي الاستنابة فيما لا يقدر على مباشرته إجماعاً‌ ، دفعاً للضرر ، وكذا ما يقدر عليه لكن لا يصلح مثله لمباشرته ، قضاءً للعادة ، وتنزيلاً للإطلاق على المتعارف من المباشرة والمعهود بينهم.

وأمّا ما يصلح لمثله أن يليه : الأولى المنع ؛ لأنّه يتصرّف في مال غيره بالإذن ، فلم يكن له الاستنابة ، كالوكيل. ولأنّه غير مأذون له فيه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وفي الأُخرى : يجوز للوصي ذلك(٤) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٢) النساء : ١٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ / ٩٤٦.

(٤) المغني ٥ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

٢٧٠

وفي الوكيل روايتان أيضاً عنده(١) .

وعندنا ليس للوكيل أن يوكّل غيره.

هذا كلّه مع الإطلاق ، أمّا مع التنصيص على الاستنابة فإنّه جائز إجماعاً في الوكيل والوصي ، ومع التنصيص على المنع لا يجوز إجماعاً.

مسألة ٤٦٦ : يجوز لأمين الحاكم أن يبيع على الحاكم مال اليتيم في موضع جواز البيع‌ ، وكذا للوصي وإن كان الحاكم هو الذي جعله أميناً أو وصيّاً.

وهل للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم؟ أو يشتري لنفسه منه؟ مَنَع منه أبو حنيفة ؛ لأنّ ذلك قضاء منه ، وقضاؤه لنفسه باطل(٢) . ولا بأس به.

ولو وكلّ رجلٌ الوصيَّ بأن يشتري له شيئاً من مال اليتيم ، فاشترى الوصي لموكّله ، فالأقرب : الجواز عندنا ، خلافاً لأبي حنيفة ، مع أنّه جوّز أن يشتري الوصي مال اليتيم لنفسه إذا كان خيراً لليتيم(٣) .

واعتبر أصحابه الخيريّة في غير العقار بأن يبيع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة ، وأن يشتري لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر ، وفي العقار يعتبر الخيريّة عند بعضهم بأن يشتري لنفسه بضِعْف القيمة ، وأن يبيع من اليتيم بنصف القيمة(٤) .

مسألة ٤٦٧ : إذا اتّجر الولي بمال الطفل نظراً له وشفقةً عليه فربح ، كان الربح للطفل والخسران على الطفل أيضاً‌ ؛ لأنّه تصرّفٌ سائغ ، فلا يستعقب ضمان التصرّف فيه.

ويستحبّ للولي أن يخرج زكاة التجارة حينئذٍ.

وإن اتّجر لنفسه وكان مليّاً في الحال ، جاز له ذلك ، وكان المال قرضاً‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

(٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٣ و ٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٦.

٢٧١

عليه ، فإن ربح كان له ، [ وإن ](١) خسر كان عليه ، وكان عليه الزكاة في ماله استحباباً.

وإن اتّجر لنفسه من غير ولاية أو من غير ملاءة بمال الطفل ، كان ضامناً للمال ، والربح للطفل ؛ لأنّه تصرّفٌ فاسد ، والربح نماء ملك الطفل ، فيكون له ، وإن خسر كان ضامناً ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده مالٌ لليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن »(٢) .

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن عطب أدّاه »(٣) .

وبالجملة ، التنزّه عن الدخول في أموال اليتامى أحوط.

وقد روى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قيل له : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا(٤) وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال : « إن كان دخولكم عليهم منفعةً لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا » وقال : « بل الإنسان على نفسه بصيرة وأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عزّ وجلّ :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (٥) »(٦) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحبها » بدل « صاحبنا ». والمثبت من المصدر.

(٥) البقرة : ٢٢٠.

(٦) الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٩٤٧.

٢٧٢

مسألة ٤٦٨ : لو كانت مصلحة اليتيم في بيع عقاره ، جاز للوصي بيعه‌ على ما تقدّم ، فإن باعه على أنّه ينفق على نفسه ، صحّ البيع ، وضمن الثمن لليتيم إذا أنفقه على نفسه.

ولو كان الورثة كباراً لا حجر عليهم وللميّت وصي ولا دَيْن عليه ولا وصيّة ، لم يكن للوصيّ التصرّف في شي‌ء من التركة.

وإن كان عليه دَيْنٌ مستغرق للتركة أو أوصى بوصيّة مرسلة ، كأن يؤخذ من التركة ألف مثلاً ، كان للوصي أن يبيع من التركة ما يقضي به الدَّيْن ، أو ينفذه في الوصيّة من الثلث ، ويقدّم بيع العروض ويؤخّر العقار ، فإن دعت الحاجة إلى بيعه ، بِيع.

ولو طلب الوارث قضاء الدَّيْن أو إنفاذ الوصيّة من ماله وإبقاء عين التركة له ، أُجيب إلى ذلك ، ولم يكن للوصيّ الاعتراض ؛ لأنّ الحقّ عندنا أنّ التركة تنتقل إلى الوارث بالموت ، ويكون الدَّيْن متعلّقاً بالتركة تعلّقَ الدَّيْن بالرهن ، أو أرشَ الجناية بالمال ، وقد بيّنّا أنّ الورثة إذا كانوا كباراً ، لم يكن للوصي عليهم ولاية ، سواء كانوا حضوراً أو غُيّاباً.

وليس للوصيّ أن يبيع أيضاً شيئاً من مالهم.

وقال أبو حنيفة : يبيع ما ليس بعقار ؛ استحساناً ، لأنّه يخشى تلفه ، فكان البيع حفظاً لماله وتحصّناً(١) .

ولا يملك الوصي إجارة شي‌ء من مال الكبار.

وقال أبو حنيفة : يملك إذا كانوا غُيّاباً إجارة الجميع(٢) .

ولو كان بعض الورثة حاضراً وبعضهم غائباً أو واحد منهم غائباً ، لم يملك الوصي بيع نصيب الغائب.

وقال أبو حنيفة : يملك بيعه إذا كان عروضاً ورقيقاً ومنقولاً لأجل‌

____________________

(١ و ٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٣

الحفظ. ثمّ قال : وإذا ملك بيع نصيب الغائب ملك بيع نصيب الحاضر أيضاً(١) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يملك(٢) .

وهذه إحدى المسائل الأربع.

والثانية : لو كان على الميّت دَيْنٌ لا يحيط بالتركة ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر الدَّيْن عندنا وعند الحنفيّة(٣) .

وهل يملك بيع الباقي؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد ٤ فإنّه لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك بيع الباقي(٥) .

[ و ] الثالثة : لو كان في التركة وصيّة بمال مرسل ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر ما تنفذ به الوصيّة عندنا وعندهم(٦) .

وهل يملك بيع ما زاد عليه؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد(٧) لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك(٨) .

[ و ] الرابعة : إذا كان الورثة كباراً وفيهم صغير ، فإنّ الوصيّ يملك بيع نصيب الصغير عند الكلّ(٩) .

وهل يملك بيع نصيب الكبار؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد(١٠) فلا.

وأمّا عند أبي حنيفة فنعم(١١) .

مسألة ٤٦٩ : حكم وصيّ وصيّ الأب حكم وصيّ الأب‌ ، وكذا حكم وصيّ الجدّ للأب ووصيّ وصيّه ووصيّ القاضي ووصيّ وصيّه عندنا.

وقال أبو حنيفة : إنّ وصيّ القاضي بمنزلة وصيّ الأب إلّا في شي‌ء‌

____________________

(١ - ١١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٤

واحد ، وهو أنّ القاضي إذا جعل [ أحداً ](١) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في ذلك النوع خاصّةً ، والأب إذا جعل [ أحداً ](٢) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في الأنواع كلّها(٣) .

وإذا مات الرجل ولم يوص إلى أحدٍ ، كان لأبيه - وهو الجدّ - بيع العروض والشراء ، إلّا أنّ وصي الأب لو باع العروض أو العقار لقضاء الدَّيْن أو تنفيذ الوصيّة ، جاز.

والجدّ إذا باع التركة لقضاء الدَّيْن وتنفيذ الوصيّة ، لم يجز عنده(٤) .

وعندنا يجوز إذا لم يكن للميّت وصيٌّ.

وإذا كان الوصيّ ثقةً كافياً ، لم يجز للقاضي عزله. ولو عزله ، لم ينعزل ، وبه قال بعض الحنفيّة(٥) .

وقال بعضهم : لو عزله ، انعزل(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مخالف لقوله تعالى :( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٧) .

أمّا لو فسق فإنّه يعزله الحاكم ، ويستبدل به قطعاً.

ولو كان عَدْلاً عاجزاً ، لم يكن للحاكم الاستبدال به ، وكان عليه أن يضمّ إليه ثقة يعينه على التصرّف.

وقال بعض الحنفيّة : إنّ للقاضي عزله ؛ لعجزه(٨) . وليس بجيّد.

مسألة ٤٧٠ : للوصي أن يستقرض مال اليتيم مع ملاءته ، كالأب‌ ؛ لأنّه وُلّي عليه ، وله أن يقضي دَيْن نفسه من مال اليتيم.

____________________

(١ و ٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣ - ٦) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

(٧) البقرة : ١٨١.

(٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٥

ومَنَع منه الحنفيّة ، وجوّزوه في الأب ؛ لأنّ الأب لو باع مال اليتيم من نفسه بثمن المثل ، جاز(١) .

والوصي لا يملك البيع من نفسه إلّا أن يكون خيراً لليتيم.

وقال بعضهم : لا فرق بين الأب والوصي في أنّه ليس له أن يقضي دَيْنه(٢) .

وروي عن محمّد أنّه ليس للوصي أن يستقرض مال اليتيم في قول أبي حنيفة(٣) .

وللأب والوصي أن يرهن مال اليتيم بدَيْن نفسه مع ملاءة الوصي.

ومن قياس مذهب أبي حنيفة أنّه لا يجوز ، وبه قال أبو يوسف(٤) .

وقال بعضهم : يجوز للأب أن يرهن مال ولده بدَيْنٍ عن نفسه استحساناً(٥) .

ولو رهن الأب أو الوصي مال اليتيم بدَيْنهما وقيمته أكثر من الدَّيْن فهلك الرهن عند المرتهن ، ضمناه بقيمته عندنا.

وفرّق الحنفيّة ممّا وراء النهر بين الأب والوصي ، فقالوا : يضمن الأب مقدار الدَّيْن خاصّةً ، والوصيّ يضمن جميع القيمة(٦) .

وقال بعض الحنفيّة(٧) بما قلناه أوّلاً.

وهل لأحد الوصيّين أن يبيع على الآخَر مال اليتيم؟ الأقوى عندنا ذلك ؛ لأنّ الولاية لهما.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ أحد الوصيّين إذا باع من الأجنبيّ لم يجز عنده فكذا إذا باع من الوصيّ الآخَر(٨) .

مسألة ٤٧١ : إذا كانت التركة في يد الوارث وظهر دَيْنٌ ، طُولب الوارث‌.

____________________

(١ - ٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

٢٧٦

ولو قضى الوارث الدَّيْن من مال نفسه بنيّة الرجوع إذا كان هناك وارثٌ آخَر ، كان له الرجوعُ في التركة ، فتصير التركة مشغولةً بدَيْنه.

وإن لم يقل وقت القضاء : إنّي أقضي لأرجع في التركة ، وكان متبرّعاً ، لم يكن له الرجوع.

وقال أبو حنيفة : له الرجوع(١) .

ويجوز للوصي أن يبيع مال الطفل نسيئةً مع خوف التلف ، وبدونه مع الغبطة.

ولو باع بتأجيل فاحش بأن لا يباع هذا المال بهذا الأجل ، لم يجز.

وكذا إن خاف جحود المشتري عند حلول الأجل أو هلاك الثمن عليه ، لم يجز ؛ لانتفاء مصلحة اليتيم في ذلك.

ولو طلب المليّ والأملى البيع ودفع الأملى أقلّ ممّا دفع المليّ وكان بثمن المثل ، استحبّ له أن يبيع الأملى.

وكذا المتواجران لو تفاوتا في الأُجرة وصاحب الأقلّ أملى من الآخَر.

مسألة ٤٧٢ : قال الشيخ : إن كان لليتيم على إنسان مالٌ ، جاز لوليّه أن يصالحه على شي‌ء يراه صلاحاً في الحال‌ ، ويأخذ الباقي ، وتبرأ بذلك ذمّة مَنْ كان عليه المال(٢) .

والوجه : أن نقول : إن كان ما في ذمّة الغريم أكثر وعلم بذلك ، لم تبرأ ذمّته ؛ إذ لا مصلحة لليتيم في إسقاط ما لَه ، ولا تبرأ ذمّة الوصيّ أيضاً. أمّا إذا كان المدّعى عليه منكراً للمال ولا بيّنة عليه فصالح الوصيّ ، برئت ذمّته دون ذمّة مَنْ عليه المال.

____________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٢) النهاية : ٣٦٢.

٢٧٧

ولو كان مَنْ عليه المال لا يعلم قدره فصالح على قدرٍ لا يعلم ثبوته في ذمّته أو ثبوت ما هو أزيد أو أقلّ ، صحّ الصلح ، وبرئت ذمّته. وينبغي له الاحتياط وتغليب الأكثر في ظنّه.

وللوصيّ أن يصالح مَنْ يدّعي على الميّت إن كان للمدّعي بيّنة أو علم القاضي بدعواه ، وإلّا لم يجز.

ولو احتال الوصي بمال اليتيم ، فإن كان المحال عليه أملى من الأوّل أو مساوياً له في المال والعدالة ، جاز.

وقال أبو حنيفة : إذا كان مثله ، لم يجز(١) . وليس بجيّد.

ولو كان أدون منه مالاً وعدالةً ، لم يجز قطعاً.

تمّ الجزء التاسع(٢) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد الله تعالى وحسن توفيقه ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله أجمعين.

____________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٩.

(٢) حسب تجزئة المصنّفقدس‌سره .

٢٧٨

٢٧٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه ثقتي‌

المقصد الخامس : في الضمان‌

وفصوله ثلاثة :

الأوّل : في ضمان المال‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في ماهيّة الضمان ومشروعيّته وأركانه.

الضمان عقد شُرّع للتعهّد بمال أو نفس. ويُسمّى الأوّل ضماناً بقولٍ مطلق ، ويُخصّ(١) الثاني باسم الكفالة.

وقد تُطلق الكفالة على ضمان المال لكن بقيدٍ ، فيقال : كفالة بالمال.

والضمان عندنا مشتقّ من التضمّن ؛ لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ.

وقال بعضهم : إنّه مشتقّ من الضمّ ، فإنّ الضامن قد ضمّ ذمّته إلى ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ ، فيثبت في ذمّتهما جميعاً ، فلصاحب الحقّ مطالبة مَنْ شاء منهما(٢) .

ونحن نخالف في ذلك على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ويقال : ضامن وضمين وكفيل وزعيم وحميل وصبير وقبيل بمعنى‌

____________________

(١) في « ر » : « يختصّ ».

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٧٠.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510