تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406074 / تحميل: 5175
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فمهما فرض له مصلحة كان للوليّ السعيُ فيها تحصيلاً وإيفاءً ، ولدلالة العفو على مال إن كان ذلك أصلح لليتيم.

وإن عفا مطلقاً ، فالأقرب اعتبار المصلحة أيضاً ، فإن كانت المصلحة في العفو مجّاناً ، اعتمدها ، كما أنّ له الصلح ببعض ماله مع المصلحة.

مسألة ٤٥٨ : ليس للوليّ أن يعتق عبد الطفل والمجنون مجّاناً‌ ؛ لأنّ فيه إتلافَ ماله.

وهل له إعتاقه على مالٍ إذا اقتضت المصلحة ذلك وكان الحظّ للطفل فيه ، أو كتابته كذلك؟ الأقرب عندي : الجواز ، وذلك مثل أن تكون قيمة العبد ألفاً فيكاتبه على ألفين أو يعتقه على ألفين. وإن لم يكن للطفل فيه حظٌّ ، لم يصح قطعاً ، وبه قال أحمد(١) .

وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز إعتاقه بمالٍ ؛ لأنّ الإعتاق بمالٍ تعليق له على شرطٍ فلم يملكه وليّ اليتيم ، كالتعليق على دخول الدار(٢) .

وقال الشافعي : لا تجوز كتابته ولا إعتاقه على مالٍ ؛ لأنّ المقصود منهما العتق دون المعاوضة ، فلم يجز ، كالإعتاق بغير عوضٍ(٣) .

وهو غلط ؛ للفرق بين التعليق على أداء المال ودخول الدار ؛ فإنّ في الأوّل نفعاً لليتيم ، بخلاف الثاني ، فجاز الأوّل دون الثاني ، كالبيع مع زيادة على ثمن المثل وبدونه.

وكذا الفرق واقع بين الإعتاق على عوضٍ وبدونه ، كالفرق بين البيع‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٥٣ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣ - ٥٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ و ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

٢٦١

بثمن المثل وبدونه.

والأصل فيه أنّ ذلك يشتمل على معاوضة مطلوبة عند العقلاء ، فجاز للوليّ فعلها مع الطفل للمصلحة ، ولا فرق بينها(١) وبين البيع بثمنٍ مؤجَّل ، ولا عبرة بنفع العبد ، ولا يضرّه كونه معلّقاً ، فإنّه إذا حصل الحظّ للطفل لم يتضرّر بنفع غيره.

وما ذكروه إنّما امتنع الحكم فيه لانتفاء المقتضي ؛ إذ المقتضي لتسويغ التصرّف حصول المصلحة ، ولا مصلحة في تعليق العتق بدخول الدار ولا في الإعتاق بغير عوضٍ.

ولو فرض أنّ المصلحة في العتق مجّاناً ، فالأقرب : جوازه ، كما لو كان له عبد كبير لا ينتفع به في الاستخدام وغيره ولا يرغب في شرائه راغبٌ فيعتقه ليخلص من مئونته ونفقته.

وكذا لو كان له جارية وأُمّها وهُما تساويان مجتمعتين مائةً ، ولو انفردت البنت ساوت مائتين ، ولا يمكن إفرادهما بالبيع فأُعتقت الأُمّ ليكثر ثمن البنت ، كان جائزاً.

مسألة ٤٥٩ : وللوليّ أن يهب مال الطفل بشرط الثواب مع المصلحة‌ إمّا مع زيادة الثواب على العين أو مع تحصيل أمر من المتّهب ينتفع به الطفل نفعاً يزيد على بقاء العين له.

وقال الشافعي : لا تجوز الهبة لا مطلقاً ولا بشرط الثواب ؛ إذ لا يقصد بالهبة العوض(٢) .

____________________

(١) في « ج ، ر » : « بينهما ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٦٢

وهو ممنوع ؛ إذ التقدير أنّه قصد الثواب.

وكذا للوليّ بذل مال الطفل في مصالحه ، كاستكفاف الظالم بالرشوة وتخليص ماله من تعويقه وإطلاق زرعه وماء شربه وأشباه ذلك.

ولو طمع السلطان في مال اليتيم فأعطاه الوصيّ شيئاً منه ، فإن كان يقدر على دفعه بدون المدفوع ، ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٤٦٠ : ليس للوليّ أن يطلّق زوجة الصبي لا مجّاناً ولا بعوضٍ ؛ لأنّ المصلحة بقاء الزوجيّة ، لأنّه لا نفقة لها عليه قبل الدخول.

ولو باع شريكه شقصاً مشفوعاً ، كان له الأخذ أو الترك بحسب المصلحة ، فإن ترك بحكم المصلحة ثمّ بلغ الصبي وأراد الأخذ ، لم يُمكَّن منه ؛ لأنّ ترك وليّه مع اقتضاء المصلحة كان ماضياً ، والشفعة على الفور ، فكما لا تثبت له لو كان بالغاً وترك ، كذا لا تثبت مع ترك الوليّ - وهذا أصحّ وجهي الشافعيّة - كما لو أخذ بحكم المصلحة ثمّ بلغ وأراد ردّه ، لم يكن له ذلك.

والثاني : يجاب إلى ذلك ؛ لأنّه لو كان بالغاً لكان له الأخذُ ، سواء وافق المصلحة أو خالفها ، والأخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الوليّ ، فلا يفوت عليه بتصرّف الوليّ(١) .

مسألة ٤٦١ : لا يجوز أن يشتري الوصيّ أُضحية ويضحّي بها عن اليتيم‌ ، وكذا الأب لا يضحّي عن ولده الصغير من مال الصغير ، وإن ضحّى من مال نفسه ، كان متبرّعاً - وبه قال أبو حنيفة(٢) - إذ لا مصلحة لليتيم فيه.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ - ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٢) نسب عكسه إليه ابنا قدامة في المغني ١١ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

٢٦٣

وقال أحمد : يجوز للوليّ أن يشتري للصبي أُضحيةً إن كان من أهل ذلك وكان له مالٌ وافر لا يتضرّر بشراء الأُضحية ، ويكون ذلك على وجه التوسعة في النفقة في هذا [ اليوم الذي هو ](١) يوم الفرح والسرور ، الذي هو عيد ، وفيه جبر قلب الطفل وأهله وتطييبه وإلحاقه بمن له أب ، فينزّل منزلة شراء اللحم خصوصاً مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وجري العادة عليه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّها أيّام أكل وشرب وبعال »(٢) (٣) .

ولا بأس به.

ويجوز للوليّ أن يجعل الصبي في المكتب وعند معلّم القرآن العزيز والأدب والفقه وغيرها من العلوم إن كان من أهل ذلك وله ذكاء وفطنة ، كما يفعل الإنسان بولده ذلك ؛ لأنّ ذلك كلّه من مصالحه ، فجرى مجرى نفقته كمأكوله ومشروبه وملبوسه ، وبه قال أحمد(٤) .

وقال سفيان : ليس للوصيّ أن يسلّم الصبي إلى معلّم الكتابة إلّا بقول الحاكم(٥) .

وأنكر أحمد ذلك غاية الإنكار(٦) .

وكذا يجوز للوصيّ تسليم الصبي إلى معلّم الصناعة إذا كانت مصلحته في ذلك.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤٢ بتفاوت.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ - ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٤ - ٦) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٨.

٢٦٤

والأقرب عندي : أنّه لا يسلّمه(١) إلّا في صناعة تليق به ولا تثلم من مجده إن كان(٢) من أرباب البيوت.

وليس له أن يسلّمه إلى معلّم السباحة ؛ لما فيه من التغرير ، إلّا أن يكون تعليمه في ماء لا يغمره ولا يخاف عليه الغرق فيه.

مسألة ٤٦٢ : ويجب على الوليّ أن يخرج من ماله الحقوق الواجبة في ماله‌ ، كأُروش الجنايات والديون التي ركبته بسبب استدانة الوليّ عنه أو بسبب ديون مورّثه. وكذا يخرج عنه الزكاة المستحبّة مع ثبوت استحبابها وإن لم تُطلب ، ونفقة الأقارب إن طُلبت.

وإذا دعت الضرورة في حريق أو نهب إلى المسافرة بماله ، سافرَ به وإن لم يكن هناك ضرورة ، فإن كان الطريق مخوفاً ، لم يجز له السفر به ، فإن سافر ، ضمن.

وإن كان أميناً ، فالأقرب أنّه لا يجوز إلّا مع تيقّن الأمن.

وللشافعيّة وجهان :

المنع مطلقاً ، كالمسافرة بالوديعة.

والجواز مطلقاً ؛ لأنّ المصلحة قد تقتضي ذلك ، والوليّ مأمور بالمصلحة ، بخلاف المودع(٣) .

وإذا كان له أن يسافر به ، كان له أن يبعثه على يد أمينٍ.

مسألة ٤٦٣ : لا يجوز لغير الوليّ والحاكم إقراض مال الصغير‌ ؛ لانتفاء ولايته عليه ، فإن أقرض ، ضمن ، إلّا أن تحصل ضرورة إلى الإقراض ،

____________________

(١) فيما عدا « ث » من النسخ : « لا يسلّم ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : « وكان » بدل « إن كان ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ - ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥ - ٤٢٦.

٢٦٥

فيجوز للعَدْل إقراضه من ثقة ملي ، كما إذا حصل نهب أو حريق ، ولا ضمان حينئذٍ ؛ لأنّه بفعله محسن ، فلا يستعقب فعله الضمان ، لأنّه سبيل وقد قال تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) .

وكذا لا يجوز للوليّ إقراض مال اليتيم لغير ضرورة من نهب أو غرق أو حرق أو إذا سافر.

أمّا الحاكم فإنّه يجوز له الإقراض وإن لم تحصل هذه الموانع ، لكثرة أشغاله ، قاله بعض الشافعية(٢) .

وسوّى آخَرون بين الحاكم وغيره في جواز الإقراض مع الضرورة ، وعدمه مع عدمها(٣) ، وهو الوجه عندي.

مسألة ٤٦٤ : قال الله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) ‌ أي اختبروهم( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (٤) أي أبصرتم ، كما قال الله تعالى حكايةً عن موسىعليه‌السلام :( إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) (٥) أي أبصرت.

وقوله تعالى :( وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) معناه لا تأكلوا أموال اليتامى مبادرة لئلّا يكبروا فيأخذوها( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦) .

إذا عرفت هذا ، فالوليّ إمّا أن يكون غنيّاً أو فقيراً.

فإن كان غنيّاً ، استحبّ له أن يستعفف عنه ، فلا يأكل منه شيئاً ، عملاً بالآية(٧) .

____________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

(٤) النساء : ٦

(٥) القصص : ٢٩.

(٦ و ٧) النساء : ٦

٢٦٦

وهل يسوغ له مع الاستغناء أخذ شي‌ء من ماله؟ الأقرب ذلك على سبيل أُجرة المثل ، ولا يأخذ زيادةً عليه ؛ لما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) قال : « المعروف هو القوت ، وإنّما عنى الوصيّ والقيّم في أموالهم ما يصلحهم »(١) .

وعن حنان بن سدير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قال الصادق : « سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام في الإبل ما يحلّ له منها ، فقلت : إذا لاط حوضها(٢) وطلب ضالّتها وهَنَأ(٣) جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك(٤) بضرع ولا فساد نسل »(٥) .

وعن هشام بن الحكم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته في مَنْ تولّى مال اليتيم ما لَه أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك »(٦) .

فهذا يدلّ على الرجوع إلى أُجرة المثل.

قال الشيخ في النهاية : [ فمَنْ ](٧) كان وليّاً يقوم بأمرهم وبجمع أموالهم وسدّ خلّاتهم وجمع غلّاتهم ومراعاة مواشيهم جاز له أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير إسراف ولا تفريط.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥٠.

(٢) لاط حوضها : طيّنه وأصلحه. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٧٧ « لوط ».

(٣) هنأ الإبل : طلاها بالهِناء ، وهو ضرب من القطران. لسان العرب ١ : ١٨٦ « هنأ ».

(٤) النهك : المبالغة في الحلب. لسان العرب ١٠ : ٥٠٠ « نهك ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥١.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فمتى ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٦٧

ثمّ قال : والمتولّي لأموال اليتامى والقيّم بأُمورهم يستحقّ أُجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير زيادة ولا نقصان ، فإن نقص نفسَه ، كان له في ذلك فضل وثواب ، وإن لم يفعل ، كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أُجرة المثل ، فأمّا الزيادة فلا يجوز له أخذها على حال(١) .

ولأنّه عمل يستحقّ عليه الأُجرة ، فكان لعامله المطالبة بالأُجرة ، كغيرها من الأعمال.

وقال الشافعي : إذا كان غنيّاً ، لم يجز له أخذ شي‌ء من مال اليتيم - وبه قال أحمد - للآية(٢) (٣) .

وقال أحمد : إن كان أباً ، كان له أن يأخذ الأُجرة(٤)

والآية محمولة على الاستحباب ؛ لقوله :( فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٥) فإنّ المفهوم منه الاستحباب.

وقد روى سماعة عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦) قال : « مَنْ كان يلي شيئاً لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئاً »(٧) .

____________________

(١) النهاية : ٣٦١ - ٣٦٣.

(٢) النساء : ٦

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٥٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٤) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٥ و ٦) النساء : (٦)

(٧) الكافي ٥ : ١٢٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٨.

٢٦٨

وإن كان فقيراً ، جاز أن يأخذ إجماعاً.

وفي قدره خلاف ، الأقرب : أن نقول : يستحقّ أُجرة المثل ؛ لما تقدّم ، لكن يستحبّ له أن يأخذ أقلّ الأمرين من أُجرة المثل وقدر الكفاية ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (١) وبحصول الكفاية يحصل الاستغناء.

وقال الشافعي : إن كان فقيراً وانقطع بسببه من الاكتساب ، فله أخذ قدر النفقة(٢) .

وقال بعض أصحابنا(٣) : يأخذ أقلّ الأمرين من قدر النفقة وأُجرة المثل - وبه قال أحمد(٤) - لأنّه يستحقّه بالعمل والحاجة جميعاً ، فلم يجز له أن يأخذ إلّا إذا وجدا فيه.

فإذا أكل منه ذلك القدر ثمّ أيسر ، فإن كان أباً ، لم يلزمه عوضه عنده روايةً واحدة ؛ لأنّ للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها(٥) .

وإن كان غير الأب ، فهل يلزمه عوض ذلك؟ له روايتان :

إحداهما : لا يلزمه - وبه قال الحسن البصري والنخعي والشافعي في أحد القولين - لأنّ الله تعالى أمر بالأكل من غير ذكر عوض ، فأشبه سائر ما أمر بأكله. ولأنّه عوض عن عملٍ فلم يلزمه بدله ، كالأجير والمضارب.

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٣) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٩ ، المسألة ٢٩٥ ، والمبسوط ٢ : ١٦٣.

(٤ و ٥) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

٢٦٩

والثانية : يلزمه عوضه - وهو قول عبيدة السلماني وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والشافعي في أحد القولين - لأنّه استباحه للحاجة من مال غيره ، فلزمه قضاؤه ، كالمضطرّ إلى طعام غيره(١) .

وبه رواية عندنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج إليه فيمدّ يده فيأخذه وينوي أن يردّه ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل إلّا القصد ولا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) (٢) »(٣) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لما قلناه. وهذه الرواية في طريقها قول. ولأنّه لو وجب أداؤه مع اليسار لكان واجباً في الذمّة قبل اليسار ، فإنّ اليسار ليس بسببٍ للوجوب ، فإذا لم يجب بالسبب الذي هو الأكل لم يجب بعده ، بخلاف المضطرّ ، فإنّ العوض واجب عليه في ذمّته ؛ لأنّه لم يأكله عوضاً عن شي‌ء ، وهنا بخلافه.

مسألة ٤٦٥ : للوصي الاستنابة فيما لا يقدر على مباشرته إجماعاً‌ ، دفعاً للضرر ، وكذا ما يقدر عليه لكن لا يصلح مثله لمباشرته ، قضاءً للعادة ، وتنزيلاً للإطلاق على المتعارف من المباشرة والمعهود بينهم.

وأمّا ما يصلح لمثله أن يليه : الأولى المنع ؛ لأنّه يتصرّف في مال غيره بالإذن ، فلم يكن له الاستنابة ، كالوكيل. ولأنّه غير مأذون له فيه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وفي الأُخرى : يجوز للوصي ذلك(٤) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٢) النساء : ١٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ / ٩٤٦.

(٤) المغني ٥ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

٢٧٠

وفي الوكيل روايتان أيضاً عنده(١) .

وعندنا ليس للوكيل أن يوكّل غيره.

هذا كلّه مع الإطلاق ، أمّا مع التنصيص على الاستنابة فإنّه جائز إجماعاً في الوكيل والوصي ، ومع التنصيص على المنع لا يجوز إجماعاً.

مسألة ٤٦٦ : يجوز لأمين الحاكم أن يبيع على الحاكم مال اليتيم في موضع جواز البيع‌ ، وكذا للوصي وإن كان الحاكم هو الذي جعله أميناً أو وصيّاً.

وهل للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم؟ أو يشتري لنفسه منه؟ مَنَع منه أبو حنيفة ؛ لأنّ ذلك قضاء منه ، وقضاؤه لنفسه باطل(٢) . ولا بأس به.

ولو وكلّ رجلٌ الوصيَّ بأن يشتري له شيئاً من مال اليتيم ، فاشترى الوصي لموكّله ، فالأقرب : الجواز عندنا ، خلافاً لأبي حنيفة ، مع أنّه جوّز أن يشتري الوصي مال اليتيم لنفسه إذا كان خيراً لليتيم(٣) .

واعتبر أصحابه الخيريّة في غير العقار بأن يبيع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة ، وأن يشتري لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر ، وفي العقار يعتبر الخيريّة عند بعضهم بأن يشتري لنفسه بضِعْف القيمة ، وأن يبيع من اليتيم بنصف القيمة(٤) .

مسألة ٤٦٧ : إذا اتّجر الولي بمال الطفل نظراً له وشفقةً عليه فربح ، كان الربح للطفل والخسران على الطفل أيضاً‌ ؛ لأنّه تصرّفٌ سائغ ، فلا يستعقب ضمان التصرّف فيه.

ويستحبّ للولي أن يخرج زكاة التجارة حينئذٍ.

وإن اتّجر لنفسه وكان مليّاً في الحال ، جاز له ذلك ، وكان المال قرضاً‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

(٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٣ و ٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٦.

٢٧١

عليه ، فإن ربح كان له ، [ وإن ](١) خسر كان عليه ، وكان عليه الزكاة في ماله استحباباً.

وإن اتّجر لنفسه من غير ولاية أو من غير ملاءة بمال الطفل ، كان ضامناً للمال ، والربح للطفل ؛ لأنّه تصرّفٌ فاسد ، والربح نماء ملك الطفل ، فيكون له ، وإن خسر كان ضامناً ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده مالٌ لليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن »(٢) .

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن عطب أدّاه »(٣) .

وبالجملة ، التنزّه عن الدخول في أموال اليتامى أحوط.

وقد روى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قيل له : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا(٤) وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال : « إن كان دخولكم عليهم منفعةً لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا » وقال : « بل الإنسان على نفسه بصيرة وأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عزّ وجلّ :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (٥) »(٦) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحبها » بدل « صاحبنا ». والمثبت من المصدر.

(٥) البقرة : ٢٢٠.

(٦) الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٩٤٧.

٢٧٢

مسألة ٤٦٨ : لو كانت مصلحة اليتيم في بيع عقاره ، جاز للوصي بيعه‌ على ما تقدّم ، فإن باعه على أنّه ينفق على نفسه ، صحّ البيع ، وضمن الثمن لليتيم إذا أنفقه على نفسه.

ولو كان الورثة كباراً لا حجر عليهم وللميّت وصي ولا دَيْن عليه ولا وصيّة ، لم يكن للوصيّ التصرّف في شي‌ء من التركة.

وإن كان عليه دَيْنٌ مستغرق للتركة أو أوصى بوصيّة مرسلة ، كأن يؤخذ من التركة ألف مثلاً ، كان للوصي أن يبيع من التركة ما يقضي به الدَّيْن ، أو ينفذه في الوصيّة من الثلث ، ويقدّم بيع العروض ويؤخّر العقار ، فإن دعت الحاجة إلى بيعه ، بِيع.

ولو طلب الوارث قضاء الدَّيْن أو إنفاذ الوصيّة من ماله وإبقاء عين التركة له ، أُجيب إلى ذلك ، ولم يكن للوصيّ الاعتراض ؛ لأنّ الحقّ عندنا أنّ التركة تنتقل إلى الوارث بالموت ، ويكون الدَّيْن متعلّقاً بالتركة تعلّقَ الدَّيْن بالرهن ، أو أرشَ الجناية بالمال ، وقد بيّنّا أنّ الورثة إذا كانوا كباراً ، لم يكن للوصي عليهم ولاية ، سواء كانوا حضوراً أو غُيّاباً.

وليس للوصيّ أن يبيع أيضاً شيئاً من مالهم.

وقال أبو حنيفة : يبيع ما ليس بعقار ؛ استحساناً ، لأنّه يخشى تلفه ، فكان البيع حفظاً لماله وتحصّناً(١) .

ولا يملك الوصي إجارة شي‌ء من مال الكبار.

وقال أبو حنيفة : يملك إذا كانوا غُيّاباً إجارة الجميع(٢) .

ولو كان بعض الورثة حاضراً وبعضهم غائباً أو واحد منهم غائباً ، لم يملك الوصي بيع نصيب الغائب.

وقال أبو حنيفة : يملك بيعه إذا كان عروضاً ورقيقاً ومنقولاً لأجل‌

____________________

(١ و ٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٣

الحفظ. ثمّ قال : وإذا ملك بيع نصيب الغائب ملك بيع نصيب الحاضر أيضاً(١) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يملك(٢) .

وهذه إحدى المسائل الأربع.

والثانية : لو كان على الميّت دَيْنٌ لا يحيط بالتركة ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر الدَّيْن عندنا وعند الحنفيّة(٣) .

وهل يملك بيع الباقي؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد ٤ فإنّه لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك بيع الباقي(٥) .

[ و ] الثالثة : لو كان في التركة وصيّة بمال مرسل ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر ما تنفذ به الوصيّة عندنا وعندهم(٦) .

وهل يملك بيع ما زاد عليه؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد(٧) لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك(٨) .

[ و ] الرابعة : إذا كان الورثة كباراً وفيهم صغير ، فإنّ الوصيّ يملك بيع نصيب الصغير عند الكلّ(٩) .

وهل يملك بيع نصيب الكبار؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد(١٠) فلا.

وأمّا عند أبي حنيفة فنعم(١١) .

مسألة ٤٦٩ : حكم وصيّ وصيّ الأب حكم وصيّ الأب‌ ، وكذا حكم وصيّ الجدّ للأب ووصيّ وصيّه ووصيّ القاضي ووصيّ وصيّه عندنا.

وقال أبو حنيفة : إنّ وصيّ القاضي بمنزلة وصيّ الأب إلّا في شي‌ء‌

____________________

(١ - ١١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٤

واحد ، وهو أنّ القاضي إذا جعل [ أحداً ](١) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في ذلك النوع خاصّةً ، والأب إذا جعل [ أحداً ](٢) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في الأنواع كلّها(٣) .

وإذا مات الرجل ولم يوص إلى أحدٍ ، كان لأبيه - وهو الجدّ - بيع العروض والشراء ، إلّا أنّ وصي الأب لو باع العروض أو العقار لقضاء الدَّيْن أو تنفيذ الوصيّة ، جاز.

والجدّ إذا باع التركة لقضاء الدَّيْن وتنفيذ الوصيّة ، لم يجز عنده(٤) .

وعندنا يجوز إذا لم يكن للميّت وصيٌّ.

وإذا كان الوصيّ ثقةً كافياً ، لم يجز للقاضي عزله. ولو عزله ، لم ينعزل ، وبه قال بعض الحنفيّة(٥) .

وقال بعضهم : لو عزله ، انعزل(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مخالف لقوله تعالى :( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٧) .

أمّا لو فسق فإنّه يعزله الحاكم ، ويستبدل به قطعاً.

ولو كان عَدْلاً عاجزاً ، لم يكن للحاكم الاستبدال به ، وكان عليه أن يضمّ إليه ثقة يعينه على التصرّف.

وقال بعض الحنفيّة : إنّ للقاضي عزله ؛ لعجزه(٨) . وليس بجيّد.

مسألة ٤٧٠ : للوصي أن يستقرض مال اليتيم مع ملاءته ، كالأب‌ ؛ لأنّه وُلّي عليه ، وله أن يقضي دَيْن نفسه من مال اليتيم.

____________________

(١ و ٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣ - ٦) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

(٧) البقرة : ١٨١.

(٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٥

ومَنَع منه الحنفيّة ، وجوّزوه في الأب ؛ لأنّ الأب لو باع مال اليتيم من نفسه بثمن المثل ، جاز(١) .

والوصي لا يملك البيع من نفسه إلّا أن يكون خيراً لليتيم.

وقال بعضهم : لا فرق بين الأب والوصي في أنّه ليس له أن يقضي دَيْنه(٢) .

وروي عن محمّد أنّه ليس للوصي أن يستقرض مال اليتيم في قول أبي حنيفة(٣) .

وللأب والوصي أن يرهن مال اليتيم بدَيْن نفسه مع ملاءة الوصي.

ومن قياس مذهب أبي حنيفة أنّه لا يجوز ، وبه قال أبو يوسف(٤) .

وقال بعضهم : يجوز للأب أن يرهن مال ولده بدَيْنٍ عن نفسه استحساناً(٥) .

ولو رهن الأب أو الوصي مال اليتيم بدَيْنهما وقيمته أكثر من الدَّيْن فهلك الرهن عند المرتهن ، ضمناه بقيمته عندنا.

وفرّق الحنفيّة ممّا وراء النهر بين الأب والوصي ، فقالوا : يضمن الأب مقدار الدَّيْن خاصّةً ، والوصيّ يضمن جميع القيمة(٦) .

وقال بعض الحنفيّة(٧) بما قلناه أوّلاً.

وهل لأحد الوصيّين أن يبيع على الآخَر مال اليتيم؟ الأقوى عندنا ذلك ؛ لأنّ الولاية لهما.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ أحد الوصيّين إذا باع من الأجنبيّ لم يجز عنده فكذا إذا باع من الوصيّ الآخَر(٨) .

مسألة ٤٧١ : إذا كانت التركة في يد الوارث وظهر دَيْنٌ ، طُولب الوارث‌.

____________________

(١ - ٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

٢٧٦

ولو قضى الوارث الدَّيْن من مال نفسه بنيّة الرجوع إذا كان هناك وارثٌ آخَر ، كان له الرجوعُ في التركة ، فتصير التركة مشغولةً بدَيْنه.

وإن لم يقل وقت القضاء : إنّي أقضي لأرجع في التركة ، وكان متبرّعاً ، لم يكن له الرجوع.

وقال أبو حنيفة : له الرجوع(١) .

ويجوز للوصي أن يبيع مال الطفل نسيئةً مع خوف التلف ، وبدونه مع الغبطة.

ولو باع بتأجيل فاحش بأن لا يباع هذا المال بهذا الأجل ، لم يجز.

وكذا إن خاف جحود المشتري عند حلول الأجل أو هلاك الثمن عليه ، لم يجز ؛ لانتفاء مصلحة اليتيم في ذلك.

ولو طلب المليّ والأملى البيع ودفع الأملى أقلّ ممّا دفع المليّ وكان بثمن المثل ، استحبّ له أن يبيع الأملى.

وكذا المتواجران لو تفاوتا في الأُجرة وصاحب الأقلّ أملى من الآخَر.

مسألة ٤٧٢ : قال الشيخ : إن كان لليتيم على إنسان مالٌ ، جاز لوليّه أن يصالحه على شي‌ء يراه صلاحاً في الحال‌ ، ويأخذ الباقي ، وتبرأ بذلك ذمّة مَنْ كان عليه المال(٢) .

والوجه : أن نقول : إن كان ما في ذمّة الغريم أكثر وعلم بذلك ، لم تبرأ ذمّته ؛ إذ لا مصلحة لليتيم في إسقاط ما لَه ، ولا تبرأ ذمّة الوصيّ أيضاً. أمّا إذا كان المدّعى عليه منكراً للمال ولا بيّنة عليه فصالح الوصيّ ، برئت ذمّته دون ذمّة مَنْ عليه المال.

____________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٢) النهاية : ٣٦٢.

٢٧٧

ولو كان مَنْ عليه المال لا يعلم قدره فصالح على قدرٍ لا يعلم ثبوته في ذمّته أو ثبوت ما هو أزيد أو أقلّ ، صحّ الصلح ، وبرئت ذمّته. وينبغي له الاحتياط وتغليب الأكثر في ظنّه.

وللوصيّ أن يصالح مَنْ يدّعي على الميّت إن كان للمدّعي بيّنة أو علم القاضي بدعواه ، وإلّا لم يجز.

ولو احتال الوصي بمال اليتيم ، فإن كان المحال عليه أملى من الأوّل أو مساوياً له في المال والعدالة ، جاز.

وقال أبو حنيفة : إذا كان مثله ، لم يجز(١) . وليس بجيّد.

ولو كان أدون منه مالاً وعدالةً ، لم يجز قطعاً.

تمّ الجزء التاسع(٢) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد الله تعالى وحسن توفيقه ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله أجمعين.

____________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٩.

(٢) حسب تجزئة المصنّفقدس‌سره .

٢٧٨

٢٧٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه ثقتي‌

المقصد الخامس : في الضمان‌

وفصوله ثلاثة :

الأوّل : في ضمان المال‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في ماهيّة الضمان ومشروعيّته وأركانه.

الضمان عقد شُرّع للتعهّد بمال أو نفس. ويُسمّى الأوّل ضماناً بقولٍ مطلق ، ويُخصّ(١) الثاني باسم الكفالة.

وقد تُطلق الكفالة على ضمان المال لكن بقيدٍ ، فيقال : كفالة بالمال.

والضمان عندنا مشتقّ من التضمّن ؛ لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ.

وقال بعضهم : إنّه مشتقّ من الضمّ ، فإنّ الضامن قد ضمّ ذمّته إلى ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ ، فيثبت في ذمّتهما جميعاً ، فلصاحب الحقّ مطالبة مَنْ شاء منهما(٢) .

ونحن نخالف في ذلك على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ويقال : ضامن وضمين وكفيل وزعيم وحميل وصبير وقبيل بمعنى‌

____________________

(١) في « ر » : « يختصّ ».

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٧٠.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النقص الحادث في المبيع ، فكذلك عدم المشروط. ولأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ ، ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة ، فاختلفا(١) .

ونمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط ، وقد سبق. ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ، ونحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب : لو كان المحال عليه معسراً ولم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار وعلم سبق الفقر ، احتُمل ثبوت الخيار ؛ للاستصحاب‌. وعدمُه ؛ لزوال المقتضي.

مسألة ٦٠٢ : إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط ، انتقل المال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحيل‌ ، سواء أبرأه المحتال أو لا - وهو قول عامّة الفقهاء(٢) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ ، وإنّما يتحقّق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمّةٍ إلى أُخرى ، وليس هنا إلّا ذمّة المحيل والمحال عليه ، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلى الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار ، لم يعد الحقّ إليه ؛ لعدم المقتضي.

وقال شيخنارحمه‌الله في النهاية : ومَنْ كان له على غيره مالٌ فأحال به على غيره ، وكان الـمُحال عليه مليّاً به في الحال وقَبِل الحوالة وأبرأه منه ، لم يكن له الرجوعُ عليه ، ضمن ذلك المـُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة ، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المـُحال عليه ولم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك ، كان له مطالبة الـمُحيل ، ولم تبرأ ذمّته بالحوالة ، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال ، بطلت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦٢.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

٤٤١

الحوالة ، وكان له الرجوعُ على المديون بحقّه عليه ، ومتى لم يُبرئ الـمُحال له بالمال الـمُحيل في حال ما يُحيله ، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(١) .

وكان الحسن البصري أيضاً لا يرى الحوالة مبرئةً إلّا أن يُبرئه(٢) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقرعليهما‌السلام : في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له على رجلٍ [ آخَر ] ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، قال : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يُبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله »(٣) .

وهذه الرواية لا بأس بها ؛ لصحّة السند ، لكنّ المشهور عند الأصحاب والعامّة البراءة بمجرّد الحوالة ، فلابدَّ من حمل الرواية على شي‌ء ، وليس ببعيدٍ من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه ، أو نقول : إذا لم يُبرئه ، فله أن يرجع على الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني : في الرضا بالحوالة.

مسألة ٦٠٣ : يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحقّ - إجماعاً‌ ، فلو أُكره على أن يحيل فأحال بالإكراه ، لم تصحّ الحوالة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء ، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء ، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً ، فلا يلزمه‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ - ٢١٢ / ٤٩٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤٢

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له على المحال عليه ، إلّا في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل ، وهي ما إذا جوّزنا الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ : أحلت بالدَّيْن الذي لك على فلان على نفسي ، فقَبِل ، صحّت الحوالة ، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل ، بل رضا المحتال والمحال عليه خاصّةً.

مسألة ٦٠٤ : يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل ، فلا يلزمه نقله إلى ذمّةٍ أُخرى ، إلّا برضاه ، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر على أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً ، وكما إذا ثبت حقّه في عينٍ ، لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه. وقال داوُد وأحمد : لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٢) والأمر للوجوب(٣) .

ونحن نمنع الوجوب ، بل المراد به الإرشاد.

مسألة ٦٠٥ : يشترط عندنا رضا المحال عليه‌ ، فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة ، وبه قال أبو حنيفة والزهري والمزني(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٢٥ ، ضمن ح ٩٦٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

٤٤٣

وقال أبو العبّاس ابن القاص : نصّ الشافعي في الإملاء على أنّها تفتقر إلى رضا المحال عليه - وإليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة ، فأشبه المحتال والمحيل. ولأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولةً وصعوبةً. ولأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب إلى أن يظهر المعارض.

وأصحّ القولين عند الشافعي : أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة على مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلم يفتقر إلى رضا مَنْ عليه الحقّ ، كما لو كان وكيلاً في قبضه ، بخلاف المحتال ، فإنّه ينتقل حقّه ، وتبرأ ذمّته منه. ولأنّ المحال عليه محلّ الحقّ والتصرّف ، فلا يعتبر رضاه ، كما لو باع عبداً ، لا يعتبر رضاه(١) .

وبنوا الوجهين على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل ، فلا يشترط ؛ لأنّه حقٌّ للمحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا بالثاني ، يشترط ؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(٢) .

وإن كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم تصحّ عند الشافعي إلّا برضا المحال عليه ؛ لأنّا لو صحّحناه ، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. وإن رضي ، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور(٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، التلقين ٢ : ٤٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٩ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٤

وسيأتي(١) .

فقد ظهر من هذا الإجماعُ على اعتبار رضا المحيل إلّا في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر ، وأنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه.

النظر الثالث : في الدَّيْن.

مسألة ٦٠٦ : إذا أحال زيد عمراً على بكر بألف ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(٢) مشغولةً بالألف لعمرو ، أو لا‌ ، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بري‌ء الذمّة منها أو مشغولها ، فالأقسام أربعة :

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ وبكرٍ مشغولتين ، ولا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا ، وهو أن تكون ذمّتهما بريئةً ، فإذا أحال زيد - وهو بري‌ء الذمّة - عمراً - ولا دَيْن له عليه - على بكر ، وهو بري الذمّة ، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة ؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ ، وهنا لم يوجد ، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ ، وإنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة ؛ لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض ، وأن يطالبه من المحال عليه ، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بري‌ءَ الذمّة والمحالُ عليه مشغولَها ، ( فيحيل‌

____________________

(١) في ص ٤٤٥ ، القسم « د » من الأقسام المذكورة في المسألة ٦٠٦.

(٢) في « ج » : « ذمّته » بدل « ذمّة زيد ».

٤٤٥

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ )(١) بقبضه ، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً ؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ وانتقاله ، ولا حقّ [ هاهنا ](٢) ينتقل ويتحوّل ، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء ؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن ، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه ، وتحوّل ذلك إلى الوكيل كتحوّله إلى المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة والمحالُ عليه برئَ الذمّة.

وفي صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٣) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها ، صار كأنّه قضى دَيْن غيره بذمّته ؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض ، وإذا قبض حقّاً من غيره ، صحّ وسقط عن غيره ، كذا هنا ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تصحّ ؛ لأنّه ليس له على المحال عليه شي‌ء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. وإن قلنا : إنّها استيفاء حقٍّ ، صحّت(٤) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه وأقرضه من المحال عليه(٥) .

قال الجويني : الصحيح عندي تخريج الخلاف على الخلاف في أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ ». وكذا في « ر » بإسقاط « له » من « لا دَيْن له عليه ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٧٣ و ٧٤ ، وبدائع الصنائع ٦ : ١٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صحّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٦

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل؟ بل هذه(١) الصورة غير(٢) تلك الصورة ؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل ، فإذا قَبِل الحوالة ، فقد التزم على أن يُبرئ المحيل(٣) .

وهذا ذهابٌ منه إلى براءة المحيل وجَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ على قياس الحوالات.

والثاني - وبه قال أكثرهم - : أنّه لا يبرأ ، وقبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(٤) .

ثمّ فرّعوا فقالوا : إن قلنا : لا تصحّ هذه الحوالة ، فلا شي‌ء على المحال عليه ، فإن تطوّع وأدّاه ، كان كما لو قضى دَيْنَ الغير. وإن قلنا : تصحّ ، فهو كما لو ضمنه ، فيرجع على المحيل إن أدّى بإذنه(٥) .

وكذا إن أدّى بغير إذنه عندنا وعلى أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٦) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

وللمحال عليه الرجوع على المحيل هنا قبل الأداء - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) - لأنّ المحيل يبرأ ، فينتقل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هنا » بدل « هذه ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر « عين » بدل « غير ». وفي « ر » : « على غير ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٧

والثاني : ليس له ذلك بناءً على أنّ المحيل لا يبرأ ، كما أنّ الضامن لا يرجع على المضمون عنه قبل الأداء(١) .

وإذا طالبه المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال؟ الأقوى عندي : ذلك.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(٢) .

ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشي‌ء.

ولو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه ، فالأقوى : الرجوع ؛ لأنّه قد غرم عنه ، وإنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

وللشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلى أنّ الغُرْم لم يستقر عليه ، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. وفي الثاني إلى أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(٣) .

وهُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

ولو ضمن عنه ضامنٌ ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

ولو أحال المحتال على غيره ، نُظر إن أحاله على مَنْ عليه دَينٌ ، رجع على محيله بنفس الحوالة ؛ لحصول الأداء بها. وإن أحال على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة ٦٠٧ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٨

- وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ على رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً على المشتري. ولأنّه صائرٌ إلى اللزوم ، والخيار عارضٌ فيه ، فيعطى حكم اللازم.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

وهو مصادرة على المطلوب.

قال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة ، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. وإن قلنا : استيفاء ، فتجوز(٣) .

قالوا : فإن قلنا بالمنع ، ففي انقطاع الخيار وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينقطع ؛ لحكمنا ببطلانه ، وتنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

والثاني : نعم ؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(٤) .

وإن قلنا بالجواز ، لم يبطل الخيار عند بعضهم(٥) .

وقال آخَرون : يبطل ؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم ، ولو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها ، وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم(٦) .

والأقوى : بقاء الخيار.

مسألة ٦٠٨ : إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، الوسيط ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٤٩

بفسخ صاحب الخيار ، بطل الثمن ، وبطلت الحوالة المترتّبة عليه ، فلو أحال البائع على المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لأنّها فرع البيع ، والبيع قد بطل.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله ، وإنّما تجدّد له البطلان ، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

ولو أحال المشتري البائعَ على غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لترتّبها على البيع ، والبيع قد بطل.

ويُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

وعلى قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ على ثالثٍ ، يبطل خيارهما جميعاً ؛ لتراضيهما. ولو أحال البائع رجلاً على المشتري ، لم يبطل خيار المشتري ، إلاّ أن يقبل ويرضى بالحوالة(١) .

مسألة ٦٠٩ : لو أحال زيد على عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلى بكر‌ ، ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلى بكر ، فادّعى زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه ، وأنكر عمرو ذلك وأنّه احتال ولا شي‌ء لزيد عليه ، كان القولُ قولَ عمرو ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ويُحتمل أن يقال : إن قلنا بصحّة الحوالة على مَنْ لا مال عليه ، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. وإن قلنا : إنّها لا تصحّ ، كان القولُ قولَ المحيل ؛ لاعترافهما بالحوالة ، وادّعاء المحال عليه بطلانها ، والأصل الصحّة.

مسألة ٦١٠ : لو أحال السيّد على مكاتَبه بمال النجوم‌ ، فإن كان بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٥٠

حلوله ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. وإن كان قبل الحلول ، فكذلك على الأقوى.

ويجي‌ء على قول الشيخرحمه‌الله المنع(١) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(٢) - على المكاتَب ؛ إذ له أن يُعجّز نفسه ، فله أن يمتنع من أدائه.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره على مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما : الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت على المكاتَب ، فأشبه سائر الديون.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ النجوم غير لازمة على المكاتَب ، وله إسقاطها متى شاء ، فلا يمكن إلزامه الدفع إلى المحتال(٣) .

وعلى ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب ، بطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة ؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

ولو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة ، صحّت الحوالة به قطعاً ؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه مبنيّ على أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه ، هل يسقط ذلك الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الحوالة ، وإلّا صحّت(٤) .

والمعتمد ما قلناه ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقول أكثر العامّة(٥) .

ولو أحال المكاتَبُ السيّدَ على إنسانٍ بمال الكتابة ، صحّت الحوالة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢١.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المسألة ١٧ ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٥) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

٤٥١

عندنا وعند أكثر الشافعيّة وأكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(١) ، وتبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة ، ويتحرّر ، ويكون ذلك بمنزلة الأداء ، سواء أدّى المحال عليه أو مات مفلساً ؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ ، والكتابة لازمة من جهة السيّد ، فمتى أدّى المحال عليه وجب على السيّد القبول أو الإبراء.

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(٢) .

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين :

أحدها : جواز إحالة المكاتَب بالنجوم ، وإحالة السيّد على النجوم ، وهو قول ابن سريج.

والثاني : منعهما جميعاً.

والثالث : أظهرها عندهم ، وهو : جواز إحالة المكاتَب بها ، ومنع إحالة السيّد عليها(٣) .

ولو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه ، سقط عن المكاتَب الباقي ، ولم تبطل الحوالة.

مسألة ٦١١ : مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل ، صحّت الحوالة به إجماعاً.

وإن لم يشرع في العمل ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّا نجوّز الحوالة على بري‌ء الذمّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠.

٤٥٢

وقياس الشافعيّة أنّه يجي‌ء في الحوالة به وعليه الخلافُ المذكور في الرهن به وفي ضمانه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : تجوز الحوالة به وعليه بعد العمل ، لا قبله(٢) .

ولو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ على إنسانٍ بالزكاة ، جاز ، سواء قلنا : إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة ، فجازت الحوالة.

وعندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها ، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة ومن الاعتياض عنها(٣) ، فهنا قالوا : إن قلنا : إنّ الحوالة استيفاء ، صحّت الحوالة هنا. وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تجز ؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(٤) .

ولو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة على مَنْ وجبت عليه ، لم تصح ؛ لأنّها لم تتعيّن له إلّا بالدفع إليه.

ولو قَبِل مَنْ وجبت عليه ، صحّ ، ولزمه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦١٢ : تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ‌ ؛ لأنّها إمّا اعتياض ، فلا تصحّ على المجهول ، كما لا يصحّ بيعه ، وإمّا استيفاء ، وإنّما يمكن استيفاء المعلوم ، أمّا المجهول فلا. ولاشتماله على الغرر.

فلو قال : أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ ، فقَبِل ، لم تصح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، و ٦ : ١٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٦٥ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٣

ويحتمل الصحّة ، ويكون على المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة ، كما قلناه في الضمان.

ولا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب ، فلو كان أحدهما ثمناً والآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ وما أشبهه ، جازت الحوالة ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦١٣ : تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة‌ ، سواء كان مثليّاً ، كالذهب والفضّة والحبوب والأدهان ، أو من ذوات القِيَم ، كالثياب والحيوان وغيرهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة ، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلى مستحقّه من غير تفاوتٍ ، وهذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له ؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(٢) ، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(٣) .

والأوّل أصحّ. والوصول إلى الحقّ قد يكون بالمثل ، وقد يكون بالقيمة ، وكما يجوز إبراء المديون منه بالأداء ، كذا المحال عليه.

ولو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه ، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه : الجواز ؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة ، وتلك العين لا تثبت في الذمّة ، فلا تقع الحوالة بها ولا بمثلها ؛ لعدمه ، بل بالقيمة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لا يتحرّر » بالراءين المهملتين.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٤

ولو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً ، وله على آخَر مثلها ، فأحاله بها ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ والقيمة وسائر الصفات ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

والثاني : لا تجوز ؛ لأنّ صفاتها مجهولة(٢) .

وهو ممنوع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أحال بإبل الدية وعليها وفرّعنا على جواز الحوالة في المتقوّمات ، فوجهان أو قولان مبنيّان على جواز المصالحة والاعتياض عنها.

والأصحّ عندهم : المنع ؛ للجهل بصفاتها(٣) .

ولو كان الحيوان صداقاً ودخل بها ، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(٤) .

ومَنَعه بعضهم ؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(٥) .

النظر الرابع : في تساوي الجنسين.

مسألة ٦١٤ : من مشاهير الفقهاء(٦) وجوب تساوي الدَّيْنين‌ - أعني الدَّيْن الذي للمحتال على المحيل ، والذي للمحيل على المحال عليه - جنساً ووصفاً ، فلو كان له دنانير على شخصٍ فأحال عليه بدراهم ، لم تصحّ ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً ، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، ولاحظ : حلية العلماء ٥ : ٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٤ و ٥) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢.

(٦) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦ ، المغني ٥ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٥٥

استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلى الدنانير.

وإن جعلناها معاوضةً ، فلأنّها وإن كانت معاوضةً فليست هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة ، وإنّما هي معاوضة إرفاقٍ ومسامحة للحاجة ، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة ؛ لئلّا يتسلّط على المحال عليه ، كما في القرض.

ولأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه ، ولا يمكن إجباره مع الاختلاف.

ولأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل ، ولهذا جازت دَيْناً بدَيْن ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف ، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

ومع هذا فقد قال المشترطون للتساوي : إنّه تصحّ الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، والأحرى جواز الإحالة على مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم : « إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً ، لم تصحّ الحوالة » أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ، لكنّها إذا جرت فهي حوالة على مَنْ لا دَيْن له عليه ، وحكمه ما تقدّم(١) .

مسألة ٦١٥ : لو كان عليه إبل من الدية وله على آخَر مثلها قرضاً ، فأحاله صاحب القرض على المقترض بإبل الدية‌ ، فإن قلنا : يردّ في القرض مثلها ، صحّت الحوالة ؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ على صفته من المحال عليه. ولأنّ الخيرة في التسليم إلى مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد رضي بتسليم ما لَه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٦

في ذمّة المقترض ، وهو مثل الحقّ ، فكانت الحوالة صحيحةً.

وإن قلنا : إنّه يردّ في القرض القيمة ، لم تصحّ الحوالة ؛ لاختلاف الجنس.

وكذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر واللآلئ وغيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

ولو احتال المقرض بإبل الدية ، لم تصح ؛ لأنّا إن قلنا : تجب القيمة في القرض ، فقد اختلف الجنس. وإن قلنا : يجب المثل ، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته ، والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة ٦١٦ : يجب تساوي الدَّيْنين في القدر‌ ، فلا يحال بخمسة على عشرة ، ولا بعشرة على خمسة ؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق ، ولإيصال كلّ حقٍّ إلى مستحقّه ، ولم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شي‌ء.

والمراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير وبالعكس ، وإلّا فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها ، أو كان له خمسة فأحال بها وبخمسةٍ أُخرى ، فإنّه تصحّ.

وللشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل على الكثير : أنّها جائزة ، وكأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج : الحوالة بيع إلّا أنّه غير مبنيّ على المكايسة والمغابنة وطلب الربح والفضل ، بل جُعل رفقاً ، كالقرض ، وإن كان نوعَ معاوضةٍ ، فلا تجوز إلّا مع اتّفاق الجنس جنساً وقدراً وصفةً ، وقد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفى : وإن حلّ عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٧

طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه ، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لـمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به ؛ لأنّه بيع ، وهذا نصٌّ منه(١) .

وقيل : ليست بيعاً(٢) - وهو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ندب إليها ، فقال : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٣) . ولأنّها لا تصحّ بلفظ البيع ، ولا تجوز الزيادة فيها ولا النقصان ، ولما جازت في النقود إلّا مع التقابض في المجلس ، إلّا أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالـمُسْلَم فيه ، وهذا تشمير(٤) لقول مَنْ قال : إنّه بيع.

لا يقال : لو كان بيعاً ، لكان على المحيل تسليمه إلى المحال عليه ؛ لأنّه عوض من جهته ، كما إذا باع شيئاً في يد غيره ، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول : أجاب مَنْ قال : « إنّه بيع » : بأنّه لـمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل ؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما ، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة ، وقد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة على أنّه لا يستحقّ بها إلّا مثل ما كان يستحقّه ، بخلاف البيع ؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

وفائدة الاختلاف : ثبوت خيار المجلس إن قلنا : إنّها بيع.

والحقّ ما تقدّم ، والاعتذار باطل ؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦ ، وراجع : الأُم ٣ : ٧٣.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٧٩ / ٢٤٤٥.

(٤) التشمير : التقليص والإرسال. لسان العرب ٤ : ٤٢٨ « شمر ».

٤٥٨

مسألة ٦١٧ : الأقرب : أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول والتأجيل‌ ، فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه ، فإذا أحال به على الحالّ فقد عجّل.

وكذا يجوز أن يحيل بالحالّ على المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً ، جاز ، وإلاّ لم يجز ، ووجب على المحتال الصبر ، كما لو احتال مؤجّلاً.

وللشافعيّة قولان :

أصحّهما عندهم : أنّه يشترط التساوي في الحلول والتأجيل ؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

والثاني : أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز العكس ؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ ، وتأجيل الحالّ لا يلزم(١) .

ونحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً ، بل إذا تبرّع به ، لم يلزم ، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم ، فإنّه يلزم ، والحوالة عقد لازم ، والمحيل إنّما أحال بالمؤجَّل ، والمحال عليه إنّما قَبِل على ذلك ، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين ، فإن تساويا في الأجل ، صحّت الحوالة قطعاً.

وإن اختلفا ، صحّت عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان بناءً على الوجهين في الحالّ والمؤجَّل ، فإن منعناه هناك ، منعناه هنا. وإن جوّزناه هناك ، جاز هنا على حدّ ما جاز هناك على معنى أنّه يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٩

العكس ؛ لأنّه تأجيل الحالّ(١) .

ب - لو كان أحدهما صحيحاً والآخَر مكسَّراً‌ ، قالت الشافعيّة : لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأوّل ، وعلى الثاني يحال بالمكسَّر على الصحيح ، ويكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة ، ولا يحال بالصحيح على المكسَّر ، إلَّا إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة ، ويرضى بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج على هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ على الأجود في كلّ جنسٍ ، وبالعكس‌(٢) .

والأقرب عندي : جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّى المحال عليه الأجود إلى المحتال ، وجب القبول‌. وكذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه ، خلافاً للشافعيّة ، فإنّهم أوجبوه(٣) ، حيث يجبر المستحقّ على القبول(٤) .

وهذا يتفرّع على الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع ، يُجبر المستحقّ على قبوله ، ولا يكون ذلك معاوضةً؟(٥) .

ه- لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ ، صحّ عندنا‌ - خلافاً لأحمد(٦) - لعموم قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « جوّزوه » بدل « أوجبوه ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٢.

(٦) المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510