تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406093 / تحميل: 5175
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الظنّ انتهاؤها إلى حدّ المساواة ، ومنه إلى الزيادة ؛ لكثرة النفقة. وهذه الصورة عندهم أولى بالمنع(١) .

وإذا حجرنا في صورة المساواة ، فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس الرجوعُ؟ فيه وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لإطلاق الحديث(٢) .

والثاني : لا ؛ لتمكّنه من استيفاء الثمن بتمامه(٣) .

وهل تدخل هذه الأعيان في حساب أمواله وأثمانها في حساب ديونه؟ فيه - عندهم - وجهان(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الوجهين مبنيّان على الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة إن لم نثبت الرجوع ، أُدخلت(٥) رجاءَ الوفاء. وإن أثبتناه فلا(٦) .

وهذا كلّه ساقط عندنا ، وقد عرفت مذهبنا فيه ، وأنّ الحجر إنّما يثبت مع القصور ، لا مع المساواة.

مسألة ٢٦٧ : يشترط في الحجر التماسُ الغرماء من الحاكم ذلك‌ ، وليس للحاكم أن يتولّى ذلك من غير طلبهم ؛ لأنّه حقٌّ لهم ، وهو لمصلحة الغرماء والمفلس وهُمْ ناظرون لأنفسهم لا يحكم الحاكم عليهم.

نعم ، لو كانت الديون لمن للحاكم عليه ولايةٌ ، كان له الحجر ؛ لأنّه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥ - ٣٦٦.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٠ ، الهامش (٤)

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٦.

(٥) أي الأعيان في الأموال والأثمان في الديون.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨.

٢١

الغريم في الحقيقة ، فله التماسُ ذلك من نفسه وفِعْلُه ، كما لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو لمحجورٍ عليهم بالسفه وكان وليُّهم الحاكمَ ، تولّاه القاضي لمصلحتهم من غير التماسٍ.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْن للغُيّاب ، لم يحجر عليه الحاكم‌ ؛ لأنّ الحاكم لا يستوفي ما للغُيّاب في الذمم ، بل يحفظ أعيان أموالهم.

ب - لو التمس بعضُ الغرماء الحجرَ دون بعضٍ ، فإن كانت ديون الملتمسين قدراً يجوز الحجر بها ، حُجر عليه لذلك القدر‌ ، وأُجيبوا إلى ذلك ، ثمّ لا يختصّ الحجر بهم ، بل يعمّ أثره الجميع.

وإن لم تكن ديونهم زائدةً على أمواله ، فالأقرب : جواز الحجر ، ولا ينتظر التماس الباقين ؛ لئلّا يضيع على الملتمس ماله [ بتكاسل ](١) غيره.

ويُحتمل العدمُ ، وهو أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٢) .

ج - لو لم يلتمس أحد من الغرماء الحجرَ فالتمسه المفلس ، فالأقرب عندي : جواز الحجر عليه‌ ؛ لأنّ في الحجر مصلحةً للمفلس ، كما فيه مصلحة للغرماء ، وكما أجبنا الغرماء إلى تحصيل ملتمسهم حفظاً لحقوقهم ، كذا يجب أن يجاب المفلس تحصيلاً لحقّه ، وهو حفظ أموال الغرماء ليسلم من المطالبة والإثم ، وإذا تحقّق ثبوت غرضٍ للمفلس صحيحٍ في الحجر عليه ، أُجيب إليه ، وقد روي أنّ حَجْر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على معاذ كان بالتماسٍ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بتكامل ». وذاك تصحيف.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦

٢٢

من معاذ دون طلب الغرماء(١) ، وهو أحد وجهي الشافعي. والثاني : لا يُجاب المفلس إليه ؛ لأنّ الحُرّيّة والرشد ينافيان الحجر ، وإنّما يصار إلى الحجر إذا حقّت طلبة الغرماء(٢) .

‌____________________

(١) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٤.

٢٣

الفصل الثالث : في أحكام الحجر‌

إذا حجر الحاكم على المديون ، ثبتت أحكام أربعة : منعه من التصرّف في ماله ، وبيع ماله للقسمة على الديون ، واختصاص صاحب العين بها ، وحبسه إلى ثبوت إعساره. فهنا مباحث أربعة :

البحث الأوّل : في منعه من التصرّف.

مسألة ٢٦٨ : يستحبّ للحاكم الإعلامُ بالحجر ، والنداء على المفلس ، ويُشهد الحاكم عليه بأنّه قد حجر عليه والإعلان بذلك بحيث لا يستضرّ معاملوه. فإذا حجر عليه ، منعه من التصرّف المبتدأ في المال الموجود عند الحجر بعوضٍ أو غيره ، سواء ساوى العوض أو قصر.

والتصرّف قسمان : إمّا أن يصادف المال أو لا ، والأوّل إمّا إنشاء أو إقرار.

والأوّل ضربان : ما يصادف المال إمّا بتحصيل ما ليس بحاصل ، كالاصطياد والاحتطاب وقبول الوصيّة ، وهذا لا يُمنع منه إجماعاً ؛ لأنّ الغرض من الحجر منعه ممّا يتضرّر به الغرماء. وإمّا تفويت ما هو حاصل ، فإن تعلّق بما بعد الموت - كالتدبير والوصيّة - صحّ ، فإن حصَّل زيادةً على الديون ، نفذت الوصيّة ، وإلّا بطلت. وإن كان غير متعلّقٍ بالموت ، فإمّا أن يكون مورده عينَ مالٍ أو ما في الذمّة. وإمّا أن لا يكون تصرّفه مصادفاً للمال ، فلا بُدَّ من البحث عن هذه الأقسام بعون الله تعالى.

٢٤

مسألة ٢٦٩ : كلّ تصرّفٍ للمفلس غير مصادفٍ للمال فإنّه لا يُمنع منه ؛ لكماليّته ، وعدم المانع من التصرّف فيما تصرّف فيه حيث لم يكُ مالاً ، وذلك كالنكاح ، ولا يُمنع منه. وأمّا مؤونة النكاح فسيأتي إن شاء الله تعالى.

وكذا الطلاق لا يُمنع منه ؛ لأنّ تصرّفه هذا لم يصادف مالاً ، بل هو إسقاط ما يجب عليه من المال ، فكان أولى بالجواز ، وإذا صحّ منه الطلاق مجّاناً ، كان صحّة الخلع - الذي هو في الحقيقة طلاقٌ بعوضٍ - أولى بالجواز.

وكذا يصحّ منه استيفاء القصاص ؛ لأنّه ليس تصرّفاً في المال ، ولا يجب عليه قبول الدية وإن بذل الجاني ؛ لأنّ القصاص شُرّع للتشفّي ودفع الفساد ، والدية إنّما تثبت صلحاً ، وليس واجباً عليه تحصيل المال بإسقاط حقّه.

وكذا له العفو عن القصاص مجّاناً بغير عوضٍ. أمّا لو وجبت له الدية بالأصالة - كما في جناية الخطأ - فإنّه ليس له إسقاطها ؛ لأنّه بمنزلة الإبراء من الدَّيْن.

وكذا له استلحاق النسب ؛ إذ ليس ذلك تصرّفاً في المال وإن وجبت المؤونة ضمناً. وكذا له نفيه باللعان.

وكذا لا يُمنع من تحصيل المال بغير عوضٍ ، كالاحتطاب وشبهه ، وقد سلف(١) .

مسألة ٢٧٠ : لو صادف تصرّفه عينَ مالٍ بالإتلاف إمّا بمعاوضةٍ كالبيع والإجارة ، أو بغير معاوضةٍ كالهبة والعتق والكتابة‌ ، أو بالمنع من الانتفاع‌

____________________

(١) في ص ٢٣ ، ضمن المسألة ٢٦٨.

٢٥

كالرهن ، قال الشيخرحمه‌الله : يبطل تصرّفه(١) . وهو أصحّ قولي الشافعي - وبه قال مالك والمزني - لأنّه محجور عليه بحكم الحاكم ، فوجب أن لا يصحّ تصرّفه ، كما لو كان سفيهاً. ولأنّ أمواله قد تعلّق بها حقّ الغرماء ، فأشبهت تعلّق [ حقّ ](٢) المرتهن. ولأنّ هذه التصرّفات غير نافذة في الحال إجماعاً ، فلا تكون نافذةً فيما بَعْدُ ؛ لعدم الموجب.

والقول الثاني للشافعي : إنّ هذه التصرّفات لا تقع باطلةً في نفسها ، بل تكون موقوفةً ، فإن فضل ما تصرّف به عن الدَّيْن إمّا لارتفاع سعر أو لإبراء بعض المستحقّين ، نفذ ، وإلّا بانَ أنّه كان لغواً ؛ لأنّه محجور عليه بحقّ الغرماء ، فلا يقع تصرّفه باطلاً في أصله ، كالمريض(٣) .

وهذا القول لا بأس به عندي ، والأوّل أقوى.

والفرق بينه وبين المريض ظاهر ؛ فإنّ المريض غير محجور عليه ، ولهذا لو صرف المال في ملاذّه ومأكله ومشروبه ، لم يُمنع منه ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ٢٧١ : إن قلنا ببطلان التصرّفات ، فلا بحث‌. وإن قلنا : إنّها تقع موقوفةً ، فإن فضل ما تصرّف فيه وانفكّ الحجر ، ففي نفوذه للشافعي قولان(٤) .

وإذا لم يف بديونه ، نقضنا الأخفّ فالأخفّ من التصرّفات ، ونبدأ‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٦٩ ، المسألة ١١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٠ - ٤٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، المغني ٤ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩.

٢٦

بالهبة فننقضها ؛ لأنّها تمليك من غير بدلٍ ، فإن لم يف ، نقضنا البيع ، بخلاف الوقف والعتق ؛ لأنّ البيع يلحقه الفسخ ، فإن لم يف ، رددنا العتق والوقف.

قال بعضهم : هذه التصرّفات على الترتيب ، فالعتق أولى بالنفوذ ؛ لقبوله الوقف وتعلّقه بالإقرار ، وتليه الكتابة ؛ لما فيها من المعاوضة ، ثمّ البيع والهبة ؛ لأنّهما لا يقبلان التعليق(١) .

واختلفوا في محلّ القولين :

فقال بعضهم : إنّهما مقصوران على ما إذا اقتصر الحاكم على الحجر ، ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه ، فإن فعل ذلك ، لم ينفذ تصرّفه قولاً واحداً.

وقال آخَرون : إنّهما مطّردان في الحالين ، وهو الأشهر عندهم.

فعلى هذا هل تجب الزكاة عليه؟ فعلى الأوّل لا تجب ، وعلى الثاني تجب ما دام ملكه باقياً(٢) .

وقول الشافعي : « لا زكاة عليه » محمول عند هؤلاء على ما إذا باع المفلس ماله من الغرماء(٣) .

مسألة ٢٧٢ : إذا قلنا بأنّه تنفذ تصرّفاته بعد الحجر ، وجب تأخير ما تصرّف فيه‌ ، وقضي الدَّيْن من غيره فربما يفضل ، فإن لم يفضل ، نقضنا من تصرّفاته الأضعف فالأضعف على ما تقدّم ، ويؤخّر العتق كما قلناه.

فإن لم يوجد راغب في أموال المفلس إلّا في العبد المعتق ، والتمس الغرماء من الحاكم بيعه ليقبضوا حقّهم معجّلاً ، فالأقرب : إجابتهم إلى ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٧.

٢٧

وإلّا لزم أحد الضررين : إمّا تضرّر الغرماء بالصبر ، وليس واجباً ، وإمّا تضرّر المفلس والغرماء معاً لو بِيعت أمواله بالرخص.

وقال بعض الشافعيّة : يحتمل أن ينقض من تصرّفاته الأخير فالأخير ، كما في تبرّعات المريض إذا زادت على الثلث(١) .

وهو حسن لا بأس به عندي.

فلو وقعت دفعةً ، احتُمل القرعة.

ولو أجاز الغرماء بعض التصرّفات ، نفذ قطعاً ، سواء كان سابقاً أو لاحقاً ، وسواء كان عتقاً أو غيره.

هذا إذا باع من غير الغرماء ، ولو باع منهم ، فسيأتي.

مسألة ٢٧٣ : تصرّفاته الواردة على ما في الذمّة صحيحة‌ ، كما لو اشترى بثمن في الذمّة ، أو باع طعاماً سلفاً ، صحّ ، ويثبت في ذمّته ، وهو أظهر مذهبي الشافعي.

والثاني : أنّه لا يصحّ شراؤه ، كالسفيه(٢) .

والأوّل أقوى ؛ لوجود المقتضي ، وهو صدور العقد من أهله في محلّه ، سالماً عن معارضة منع حقّ الغرماء ؛ لأنّه لم يرد إلّا على أعيان أمواله. وكذا لو اقترض.

وليس للبائع فسخ البيع ، سواء كان عالماً بالحجر أو جاهلاً به ؛ لأنّ التفريط من جهته حيث أهمل الاحتياط في السؤال عن حالة مُعامله.

إذا ثبت هذا ، فإنّ هذه المتجدّدات وشبهها من الاحتطاب وغيره تدخل تحت الحجر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ - ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨.

٢٨

مسألة ٢٧٤ : لو باعه عبداً بثمن في ذمّته بشرط الإعتاق‌ ، فإن أبطلنا جميع التصرّفات - سواء وردت على عين المال أو في الذمّة - فالأقوى : بطلان البيع ؛ لأنّه تصرّف في المال وإن كان في الذمّة.

وإن قلنا بالصحّة فيما يكون مورده الذمّة على ما اخترناه ، صحّ البيع والعتق معاً ، ويكون العتق موقوفاً ، فإن قصر المال ، احتمل صرفه في الدَّيْن ، لا رجوعه إلى البائع.

والأقوى عندي صحّة عتقه في الحال.

ولو وهب بشرط الثواب ثمّ أفلس ، لم يكن له إسقاط الثواب.

مسألة ٢٧٥ : لو أقرّ بدَيْنٍ ، فإمّا أن يكون قد أقرّ بدَيْنٍ لزمه‌ وأضافه إلى ما قبل الحجر إمّا من معاملةٍ أو قرضٍ أو إتلاف ، أو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر.

فالأوّل يلزمه ما أقرّ به ؛ لأنّ الحجر ثبت عليه لحقّ غيره ، فلا يمنع صحّة إقراره.

وهل يشارك الـمُقرّ له الغرماء بمجرّد إضافة إقراره إلى سببٍ سابق؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه عاقل ، فينفذ إقراره ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز »(١) وعموم الخبر(٢) في قسمة ماله بين غرمائه ، وهو أصحّ قولي الشافعي ، وبه قال ابن المنذر(٣) .

قال الشافعي : وبه أقول(٤) .

____________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٧ ، الهامش (٤)

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨ ، المغني ٤ : ٥٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠١.

(٤) الأُم ٣ : ٢١٠ ، مختصر المزني : ١٠٤.

٢٩

وقال : لو كان المفلس قصّاراً أو صائغاً وأفلس وحُجر عليه وعنده ثياب الناس وحُليّهم ، أيقال : لا يُقبل قوله في ردّ أموال الناس؟(١) .

ولأنّ هذا دَيْنٌ ثابت عليه مضاف - بقوله - إلى ما قبل الحجر ، فوجب أن يشارك صاحبه الغرماء ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وبالقياس على ما إذا أقرّ المريض بدَيْنٍ يزاحم الـمُقرّ له غرماء الصحّة.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يُقبل في حقّ الغرماء - وبه قال مالك وأحمد ومحمّد بن الحسن - لأنّ حقّ الغرماء تعلّق بما لَه من المال ، وفي القبول إضرار بهم بمزاحمته إيّاهم. ولأنّه متّهم في هذا الإقرار ، فلا يسقط به حقّ الغرماء المتعلّق بماله ، كما لو أقرّ بما رهنه ، فحينئذٍ لا يشارك الـمُقرّ له الغرماء ، بل يأخذ ما فضل عنهم(٢) .

وتُمنع التهمة ؛ لأنّ ضرر الإقرار في حقّه أكثر منه في حقّ الغرماء ، فلا تهمة فيه ، فإنّ الظاهر من حال الإنسان أنّه لا يُقرّ بدَيْنٍ عليه وليس عليه دَيْنٌ.

مسألة ٢٧٦ : لو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر وأسنده إلى ما بعد الحجر ، فإن كان قد لزمه باختيار صاحبه - كالبيع والقرض وغيرهما من المعاملات المتجدّدة بعد الحجر - فإنّه يكون في ذمّته ، ولا يشارك الـمُقرّ له الغرماء ؛ لأنّ صاحب المال رضي بذلك إن علم أنّه مفلس ، وإن لم يعلم ، فقد فرّط في ذلك.

وإن كان قد لزمه عن غير رضا صاحبه - كما لو أتلف عليه مالاً أو جنى عليه جناية - فالأقرب : أنّه يُقبل في حقّ الغرماء ، كما لو أسند الدَّيْن‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢١٠.

(٢) نفس المصادر في الهامش (٣) من ص ٢٨.

٣٠

إلى [ سببٍ ](١) سابقٍ على الحجر ؛ لأنّ حقّه ثبت بغير اختياره ، وهو أصحّ طريقي الشافعيّة(٢) .

لا يقال : لِمَ لا قُدّم حقّه على حقّ الغرماء كما قُدّم حقّ المجنيّ عليه على حقّ المرتهن؟

لأنّا نقول : الفرق أنّ الجناية لا محلّ لها سوى الرهن ، والدَّيْن متعلّق بالرهن والذمّة ، فقد اختصّ بالعين ، وفي مسألتنا الدَّيْنان متعلّقان بالذمّة فاستويا. ولأنّ الجناية قد حصلت من الرهن الذي علّقه به صاحبه ، فقُدّمت الجناية كما تُقدَّم على حقّ صاحبه ، وهنا الجناية كانت من المفلس دون المال ، فافترقا.

ونظيره في حقّ المفلس أن يجني عبده ، فيقدّم على حقّ الغرماء.

والطريق الثاني : أنّه كما لو قال : عن معاملةٍ(٣) .

ولو أقرّ بدَيْن ولم يُسنده إلى ما قبل الحجر ولا إلى ما بعده ، حُمل على الثاني ، وجُعل بمنزلة ما لو أسنده إلى ما بعد الحجر ؛ لأصالة التأخّر ، وعدم التعلّق.

مسألة ٢٧٧ : لو أقرّ المفلس بعين من الأعيان - التي في يده - لرجلٍ‌ وقال : غصبته منه أو استعرته أو أخذته سَوْماً أو وديعةً ، فالأقرب : النفوذ ، ومضيّ الإقرار في حق الغرماء ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ سابقٍ.

وللشافعي قولان ، كالقولين في الإقرار بالدَّيْن السابق على الحجر(٤) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

٣١

لكنّ الإقرار بالدَّيْن السابق على الحجر أثره أن يزاحم الـمُقرّ له الغرماء ، وهنا يُسلّم المـُقرّ به على القول بالقبول ، وعلى القول بعدمه إن فضل ، سلّم العين إلى المـُقرّ له ، وإلّا غرم قيمتها بعد اليسار.

فإن كذّبه المـُقرّ له ، بطل إقراره ، وقُسّمت العين بين الغرماء.

وكذا لو أقرّ بدَيْنٍ فكذّبه المـُقرّ له ، لم يُسمع إقراره. ومع عدم قبول إقراره بالعين إن فضلت ، دُفعت العين إلى المـُقرّ له قطعاً ، بخلاف البيع ؛ فإنّ فيه إشكالاً.

وكذا الإشكال لو ادّعى أجنبيّ شراء عين في يده من(١) قبل الحجر فصدّقه.

واعلم أنّ الفرق بين الإنشاءات حيث رددناها في الحال قطعاً وقلنا : الأصحّ أنّه لا يُحكم بنفوذها عند انفكاك الحجر أيضاً ، وبين الأقارير حيث قبلناها في حقّ المفلس جزماً وفي حقّ الغرماء على الأصحّ : أنّ مقصود الحجر منعُه من التصرّف ، فيناسبه إلغاء ما ينشئه ، والإقرار إخبار عمّا مضى ، والحجر لا يسلب العبارة عنه.

مسألة ٢٧٨ : لو أقرّ بما يوجب القصاص عليه أو الحدّ ، قُبِل‌ ، وأُجري عليه حكم إقراره ، سواء أدّى إلى التلف أو لا ؛ لانتفاء التهمة. ولأنّه عاقل أقرّ بما يؤثّر في حقّه حكماً ، ولا مانع له؛ إذ المانع التصرّف في الماليّة وليس ثابتاً ، فثبت موجَب إقراره.

ولو كان الإقرار بسرقةٍ توجب القطع ، قُبِل في القطع ، وأمّا في المسروق فكما لو أقرّ بمالٍ ، والقبول هنا أولى ؛ لبُعْد الإقرار عن التهمة.

____________________

(١) في « ث » : « منه » بدل « من ».

٣٢

ولو أقرّ بما يوجب القصاص فعفا المستحقّ على مالٍ ، فهو كإقرارٍ بدَيْن جناية.

وقال بعض الشافعيّة : يُقطع هنا بالقبول ؛ لانتفاء التهمة(١) .

مسألة ٢٧٩ : لو ادّعى رجل على المفلس مالاً لزمه قبل الحجر فأنكر المفلس‌ ، فإن أقام المدّعي بيّنةً ، ثبت حقّه ، وساوى الغرماء. وإن لم تكن له بيّنة ، كان على المفلس اليمين ، فإن حلف ، برأ ، وسقطت الدعوى. وإن نكل ، رُدّت اليمين على المدّعي ، فإذا حلف ، ثبت الدَّيْن.

وهل يشارك المدّعي الغرماء؟ إن قلنا : إنّ النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، زاحَم المدّعي الغرماء ، كما لو ثبت دَيْنه بالبيّنة. وإن قلنا : إنّه كالإقرار ، فكالقولين.

مسألة ٢٨٠ : لا خلاف في أنّ الحجر يتعلّق بالمال الموجود للمفلس حالة الحجر‌ ، وأمّا المتجدّد بعده باصطيادٍ أو اتّهاب أو قبول وصيّة ، الأقرب : أنّ الحجر يتعدّى إليه أيضاً ؛ لأنّ مقصود الحجر إيصال حقوق المستحقّين إليهم ، وهذا لا يختصّ بالموجود عند الحجر ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ الحجر لا يتعدّى إلى المتجدّد ؛ لأنّ الحجر على المفلس لقصر يده عن التصرّف فيما عنده ، فلا يتعدّى إلى غيره ، كما أنّ حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدّى إلى غيرها(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإذا اشترى شيئاً وقلنا بصحّة شرائه ، ففيه مثل هذا‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

(٢) الوسيط ٤ : ١٠ ، الوجيز ١ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

٣٣

الخلاف.

وهل للبائع الخيارُ والتعلّق بعين متاعه؟ الأقرب : العدم - وهو أحد وجوه الشافعي(١) - لأنّه إن(٢) كان عالماً ، كان بمنزلة مَن اشترى معيباً يعلم بعيبه. وإن كان جاهلاً ، فقد قصّر بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه ؛ فإنّ الحاكم يشهر أمر المحجور عليه بالنداء والإشهاد والإعلان.

والثاني : أنّ البائع إن كان عالماً ، فلا خيار له. وإن كان جاهلاً ، فله الخيار ، والرجوع إلى عين ماله.

والثالث : أنّ للبائع الخيارَ في الرجوع إلى عين ماله وإن كان عالماً ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن(٣) .

وكذا المـُقرض.

ويقرب من هذا ما إذا باع من عبدٍ بغير إذن مولاه وقلنا بصحّة البيع ، فإنّ الثمن يتعلّق بذمّته يتبع به بعد العتق ، فإن كان عالماً ، ففي ثبوت الخيار وجهان(٤) .

وإن كان جاهلاً ، يثبت.

مسألة ٢٨١ : إذا لم يثبت للبائع الرجوعُ في المبيع على المفلس المحجور ، فهل يزاحم الغرماء بالثمن؟ الأقرب : المنع‌ ؛ لأنّه دَيْنٌ حادث بعد الحجر برضا صاحبه ، وكلّ ما هذا شأنه من الديون لا يزاحم مستحقّها الغرماء ، بل إن فضل منهم شي‌ء ، أخذه ، وإلّا صبر إلى أن يجد مالاً ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

____________________

(١ و ٣) الوسيط ٤ : ١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢ - ١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وإن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الوجهان أيضاً للشافعيّة ، راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣.

٣٤

والثاني : أنّه يزاحم ؛ لأنّه وإن كان دَيْناً جديداً فإنّه في مقابلة ملكٍ جديد ، فلمّا زاد المال جاز أن يزيد الدَّيْن ، بخلاف الصداق الذي [ لزمه ](١) بنكاح بعد الفلس ودَيْن ضمنه بعد الفلس ، فإنّه لا مقابل له هناك(٢) .

مسألة ٢٨٢ : أقسام ديون المفلس ، الثابتة بعد الحجر ثلاثة :

أ : ما لزم باختيار مستحقّه‌ ، فإن كان في مقابلته شي‌ء - كثمن المبيع - فقد ذكرنا الخلاف في أنّه هل له المطالبة به أم لا؟ وإن لم يكن في مقابلته شي‌ء ، فلا خلاف في أنّ مستحقّه لا يُضارِب الغرماء ، بل يصبر إلى فكاك الحجر.

ب : ما لزم بغير اختيار المستحقّ‌ ، كأرش الجناية وغرامة الإتلاف ، وفيه وجهان :

[ أحدهما : ] أنّه لا يضارب به ؛ لتعلّق حقوق الأوّلين بأعيان أمواله ، فصار كما لو جنى الراهن ولا مال له غير المرهون ، لا يزاحم المجنيّ عليه المرتهن.

والثاني : أنّه يضارب ؛ لأنّه لم يوجد منه تقصير ، فيبعد تكليفه الانتظار(٣) .

ج : ما يتجدّد بسبب مؤونات المال‌ ، كأُجرة الوزّان والناقد والكيّال والحمّال والمنادي والدلّال وأُجرة البيت الذي يُحفظ فيه المتاع ، فهذه المـُؤن كلّها مقدَّمة على ديون الغرماء ؛ لأنّها لمصلحة الحجر وإيصال أرباب‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣.

(٣) الوجهان أيضاً للشافعيّة ، راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

٣٥

الحقوق حقوقهم ، ولو لم تُقدَّم لم يرغب أحد في تلك الأعمال ، وحصل الضرر بالمفلس والغرماء.

وهذا كلّه إذا لم يوجد متطوّعٌ بذلك ، ولا في بيت المال سعة له ، فإن وُجد متطوّعٌ أو كان في بيت المال سعة ، لم يُصرف مال المفلس إليها.

مسألة ٢٨٣ : شرطنا في التصرّف - الذي يُمنع المفلس منه - كونه مبتدأً‌ ، كالابتداء بالبيع والصدقة والوقف والكتابة والهبة ، أمّا ما ليس بمبتدأ فإنّه لا يُمنع منه ، فلو اشترى قبل الحجر شيئاً ثمّ اطّلع على عيبه بعد الحجر ، فله الردّ بالعيب إن كانت الغبطة في الردّ ؛ لأنّه ليس ابتداء تصرّفٍ، بل هو من أحكام البيع السابق ولواحقه ، والحجر لا يمنع من الأحكام السابقة عليه ، وليس ذلك كما لو باع مع الغبطة ؛ لأنّ ذلك تصرّف مبتدأ ، والفسخ ليس تصرّفاً مبتدأً ، فافترقا.

فإن منع من الردّ بالعيب السابق تصرّفٌ أو عيبٌ حادث ، لزم الأرش ، ولم يملك المفلس إسقاطه ؛ لأنّه تصرّف في مالٍ وجب له بالإتلاف إلى غير عوضٍ ، وهو ممنوع من الإتلاف بالعوض فبغيره أولى.

ولو كانت الغبطة في ترك الردّ بأن كان قيمته مع العيب أكثر من ثمن المثل ، لم يكن له الردُّ ؛ لما فيه من تفويت المال بغير عوضٍ.

وكذا المريض لو اشترى حال صحّته شيئاً ثمّ وجد عيبه في مرضه فأمسكه والغبطة في الردّ ، كان المقدار الذي ينقصه العيب معتبراً من الثلث.

وكذا وليّ الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيباً وكانت الغبطة في إبقائه ، لم يكن له الردّ.

ويثبت في هذه المواضع كلّها الأرش ؛ لأنّا لا نشترط في وجوب الأرش امتناع الردّ.

٣٦

وقال الشافعي : لا يثبت الأرش في هذه الصور ؛ بناءً على أصله من أنّ الأرش لا يثبت مع إمكان الردّ ، والردّ هنا ممكن غير ممتنعٍ في نفسه ، بل إنّما امتنع لأنّ المصلحة اقتضت الامتناع منه(١) .

مسألة ٢٨٤ : لو تبايعا بخيار ففلّسا أو أحدهما ، لم يبطل خيار المفلس‌ ، وكان له إجازة البيع وردّه ، سواء رضي الغرماء أو سخطوا.

ولا يُعتبر هنا الغبطة ؛ لأنّ ذلك ليس تصرّفاً مبتدأً ، وإنّما مُنع المفلس من التصرّفات المستحدثة.

وفارق الفسخ والإجازة بالخيار الردَّ بالعيب ؛ لأنّ العقد في زمن الخيار متزلزل لا ثبات له ، فلا يتعلّق حقّ الغرماء بالمال ، ويضعف تعلّقه به ، بخلاف ما إذا خرج معيباً ، وإذا ضعف التعلّق جاز أن لا يُعتبر شرط الغبطة ، وهو أظهر وجوه الشافعي.

والثاني : أنّ تجويز الفسخ والإجازة متقيّد بالغبطة ، كالردّ بالعيب.

وهو مخرَّج من عقد المريض في صحّته بشرط الخيار ثمّ يفسخ أو يُجيز حالة المرض على خلاف الغبطة ، فإنّه تصرّف من الثلث.

والفرق : أنّ حجر المريض أقوى ، فإنّ إمضاء الورثة تصرّفَ المريض قبل الموت لا يفيد شيئاً ، وإمضاء الغرماء وإذنهم فيما يفعله المفلس يفيدهم الصحّة والاعتبار.

والثالث : أنّ كلّ واحدٍ من الفسخ والإمضاء إن وقع على وفق الغبطة ، فهو صحيح ، وإلّا فالنظر إلى الخلاف في الملك في زمن الخيار وإلى أنّ الذي أفلس أيّهما هو؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٠.

٣٧

فإن كان المشتري وقلنا : الملك للبائع ، فللمشتري الإجازة والفسخ. أمّا الإجازة : فلأنّها جلب ملك. وأمّا الفسخ : فلا يمنع دخول شي‌ء في ملكه ، إلّا أنّه أزال ملكاً. وإن قلنا : الملك للمشتري ، فله الإجازة ؛ لأنّه يستديم الشي‌ء في ملكه ، فإن فسخ ، لم يجز ؛ لما فيه من إزالة الملك.

وإن أفلس البائع ، فإن قلنا : الملك له ، فله الفسخ ؛ لأنّه يستديم الملك ، وليس له الإجازة ؛ لأنّه يُزيله. وإن قلنا : الملك للمشتري ، فللبائع الفسخ والإجازة ، كما قلنا في طرف المشتري(١) .

وما ذكرناه أولى.

ولو قيل في الردّ بالعيب : إنّه لا يتقيّد بالغبطة كما في الخيار ، كان وجهاً.

مسألة ٢٨٥ : لو جُني على المفلس أو على مملوكه أو على مورّثه جناية ، فإن كانت خطأً ، وجب المال‌ ، وتعلّق به حقوق الغرماء ، ولا يصحّ منه العفو عنه. وإن كانت عمداً توجب القصاص ، تخيّر بين القصاص والعفو.

وليس للغرماء مطالبته بالعفو على مالٍ ؛ لأنّه اكتساب للمال وتملّك ، وهو غير لازمٍ ، كما لا يلزمه الكسب وقبول الهبة.

فإن استوفى القصاص ، فلا كلام. وإن عفا على مالٍ ورضي الجاني ، ثبت المال ، وتعلّق به حقوق الغرماء.

وإن عفا مطلقاً ، سقط حقّه من القصاص ، ولم يثبت له مالٌ - وهو أحد قولي الشافعي(٢) - لأنّ موجَب جناية العمد القصاصُ خاصّةً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤ - ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٠.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٤.

٣٨

وله قولٌ آخَر : إنّ موجَبها أحد الأمرين : إمّا القصاص ، أو الدية(١) .

فإن عفا عن القصاص ، تثبت له الدية ، وتعلّق بها حقوق الغرماء.

وإن عفا على غير مالٍ ، فإن قلنا : الواجب القصاصُ خاصّةً ، لم يثبت له شي‌ء. وإن قلنا : الواجب أحد الأمرين ، ثبتت الدية ، ولم يصح إسقاطه لها ؛ لحقّ الغرماء ؛ لأنّ عفوه عن القصاص يوجب الدية ، فلا يصحّ منه إسقاطها.

مسألة ٢٨٦ : للمفلس المحجور عليه الدعوى‌ ؛ لأنّه ليس تصرّفاً في مالٍ ، بل استيجاب مالٍ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

فإذا ادّعى على غيره بمالٍ ، فإن اعترف المدّعى عليه ، أو قامت له البيّنة ، ثبت له المال ، وتعلّق به حقّ الغرماء. وإن أنكر ولا بيّنة فإن حلف ، برئ ، وسقطت الدعوى.

ولو أقام المفلس شاهداً واحداً بدعواه ، فإن حلف مع شاهده ، جاز ، واستحقّ المال ، وتعلّق به حقّ الغرماء. وإن امتنع ، لم نجبره على اليمين ؛ لأنّا لا نعلم صدق الشاهد ، ولو علمناه ، يثبت الحقّ بشهادته من غير يمين ، فلا نجبره على الحلف على ما لا نعلم صدقه. ولأنّه تكسّب ، وليس واجباً عليه.

ولم يحلف الغرماء مع الشاهد عندنا - وهو الجديد للشافعي ، وبه قال أحمد(٢) - لأنّه لا يجوز للإنسان أن يحلف ليُثبت بيمينه ملكاً لغيره حتى يتعلّق حقّه به ، كما لا يجوز للزوجة أن تحلف لإثبات مالٍ لزوجها وإن كان إذا ثبت ، تعلّقت نفقتها به.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٥.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ - ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥١.

٣٩

وقال في القديم : إنّ الغرماء يحلفون ؛ لأنّ حقوقهم تتعلّق بما يثبت للمفلس كما يحلف الورثة مع شاهدهم بمالٍ(١) لمورّثهم وللوكيل في العقد إذا حالفه مَن العقد معه ، تحالفا وإن ثبت العقد لغيره(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الورثة يُثبتون بأيمانهم الملكَ لأنفسهم ، والوكيل في العقدِ اليمينُ متعلّقةٌ به ؛ لأنّه هو العاقد ، فيُثبت بيمينه فعلَ نفسه ، ولهذا لا يحلف موكّله على ذلك.

وكذا مَنْ مات وعليه دَيْنٌ فادّعى وارثه دَيْناً له على رجل وأقام عليه شاهداً وحلف معه ، يثبت الحقّ ، وجُعل المال في سائر تركاته. وإن امتنع من اليمين أو لم يكن له شاهد ونكل المدّعى عليه عن اليمين ولم يحلف الوارث اليمينَ المردودة ، فهل يحلف الغرماء؟

أمّا عندنا فلا ؛ لما تقدّم. وأمّا عند الشافعي فقولان له :

الجديد كقولنا ؛ لأنّ حقّه فيما يثبت للميّت ، أمّا إثباته للميّت فليس إليه ، ولهذا لو وصّى لإنسانٍ بشي‌ء فمات قبل القبول ولم يقبله وارثه ، لم يكن للغريم القبولُ.

وقال في القديم : يحلف الغريم ؛ لأنّه ذو حقّ في التركة ، فأشبه الوارث(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالقولان أيضاً في اليمين الثابتة بالنكول ، وهو ما إذا‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « على مال » بدل « بمال ».

(٢) نفس المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧١.

٤٠

البطالة ينافي ما عليه الإسلام ، وما هو معروف من مبادئه من انه ينكر البطالة ويحث عل العمل وعدم الاتكال على الآخرين.

ويقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ملعون من القى كلّه على الناس »(١) .

ويقول الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

« لنقـل الصخر من قلل الجبال

أعز الي من مـنـن الـرجال

يقول الناس لي في الكسب عار

فقلت العار في ذْل السؤال »(٢)

بهذا الأسلوب يواجه الإسلام الأفراد فهو دين العزة والرفعة ، وهو دين الجد والعمل ، ولا يريد للمجتمع أن يعيش أفراده يتسكعون ويتكففون.

فلماذا اذاً يعودهم على الاتكال على غيرهم ؟.

للإجابة على ذلك نقول :

إن الإسلام بتشريعه الانفاق بنوعيه الالزامي والتبرعي لم يرد للأفراد أن يتكلوا على غيرهم في مجال العيش والعمل بل على العكس نراه يحارب بشدة الاتكالية ، والاعتماد على أيديِ الآخرين.

بل الإسلام يكره للفرد أن يجلس في داره وله طاقة على العمل ، ويطلب الرزق من الله فكيف بالطلب من انسان مثله.

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام :

__________________

(١ و ٢) المحجة البيضاء ٧ / ٤٢٠.

٤١

« أربعة لا تستجاب لهم دعوة رجل جالس في بيته يقول : اللهم أرزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ »(١) .

وفي حديث آخر عنهعليه‌السلام فيمن ترد دعوته :

« ورجل جلس في بيته وقال : يا رب ارزقني »(٢) .

وهناك احاديث أخرى جاءت بهذا المضمون ان الله الذي قال في أكثر من آية( ادعوني أستجب لكم ) ، ووعد بالاستجابة بمجرد دعاء عبده ليكره على لسان هذه الأخبار وغيرها أن يدعوا العبد بالرزق ، وهو جالس لا يبدي أي نشاط وفعالية بالاسباب التي توجب الرزق.

واذاً فالإسلام عندما شرع بنوعية الإلزامي والتبرعي لم يشرعه لمثل هؤلاء المتسولين بل حاربهم ، واظهر غضبه عليهم.

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال :

« ثلاثة يبغضهم الله ـ الشيخ الزاني ، والفقير المحتال ، والغني الظلوم »(٣) .

إنما شرع الإنفاق للفقير الذي لا يملك قوت سنته ، وقد اضطره الفقر لأن يجلس في داره.

وقد تضمنت آية الزكاة مصرف الزكاة فحصرت الاصناف الذين يستحقونها في ثمانية اثنان منهم الفقراء ، والمساكين ، وستة أصناف لم يؤخذ الفقر صفة لهم بل لمصالح خاصة استحقوها :

__________________

(١ و ٢) أصول الكافي ٢ / ٥١١ ـ طبعة طهران ـ تصحيح وتعليق الغفاري.

(٣) الدر المنثور في تفسير الآية ٢٧١ من صورة البقرة.

٤٢

يقول سبحانه :

( إنما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) (١) .

وأما مصرف بقية موارد الانفاق الإلزامي من كفارات ، والإنفاق التبرعي فكلفه للفقراء.

والفقراء في المصطلح الشرعي هم الذين يستحقون هذا النوع من المساعدة كلهم اخذ فيهم أن لا يملكوا قوت سنتهم ، أو كان ما عنده من المال لا يكفيه لقوت سنته أما من كان مالكاً لقوت سنته وأخذ منها فهو محتال وسارق لقوت غيره.

ولا يعطى من الصدقات ، وإذا اعطي من الصدقات فمن التبرعية لا الإلزامية وله عند الله حسابه لو عوّد نفسه على التكفف والتسول والأخذ من الصدقات التبرعية ، وبه طاقة على العمل.

__________________

(١) سورة التوبة / آية : ٦٠.

٤٣

الطرق التي سلكها القرآن الكريم

للحث على الإنفاق

وكما قلنا إن الأساليب التي اتخذها القرآن الكريم لحث الفرد على هذه العملية الإنسانية كثيرة وبالامكان بيان ابرز صورها وهي :

١ ـ الترغيب والتشويق إلى الإنفاق.

٢ ـ التنأيب على عدم الإنفاق.

٣ ـ الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق.

١ ـ التشويق إلى الإنفاق والبذل والحث عليه :

ولم يقتصر هذا النوع من التشويق على صورة واحدة بل سلك القرآن في هذا المجال مسالك عديدة وصور لتحبيب الإنفاق صوراً مختلفة :

٤٤

الصورة الأولى من التشويق :

الضمان بالجزاء

لقد نوخت الآيات التي تعرضت إلى الإنفاق والتشويق له أن تطمئن المنفق بأن عمله لم يذهب سدى ، ولم يقتصر فيه على كونه عملية تكافلية إنسانية لا ينال الباذل من ورائها من الله شيئاً ، بل على العكس سيجد المنفق أن الله هو الذي يتعهد له بالجزاء على عمله في الدنيا وفي الآخرة.

أما بالنسبة إلى الجزاء وبيان ما يحصله الباذل ازاء هذا العمل فإن الآيات الكريمة تتناول الموضوع على نحوين :

الأول : وقد تعرضت إلى بيان أن المنفق سيجازيه الله على عمله ويوفيه حقه أما ما هو الحزاء ونوعيته فإنها لم تتعرض لذلك ، بل أوكلته إلى النحو الثاني الذي شرح نوعية الجزاء وما يناله المنفق في الدنيا والآخرة.

١ ـ الآيات التي اقتصرت على ذكر الجزاء فقط :

يقول تعالى :

( وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وانتم لا تظلمون ) (١) .

وفي آية أخرى قال سبحانه :

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٧٢.

٤٥

( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم تظلمون ) (١) .

ويظهر لنا من مجموع الآيتين أنهما تعرضتا لأمرين :

الأول : اخبار المنفق واعلامه بأن ما ينفقه يوقى إليه ، وكلمة ( وفى ) في اللغة تحمل معنيين :

أحدهما : انه يؤدي الحق تاماً.

ثانيهما : انه يؤدي بأكثر.

وقوله سبحانه :( يُوَفَ إليكُم ) تشتمل بإطلاقها المعنيين أي يعطى جزاءه تاماً بل بأكثر مما يتصوره ويستحقه والمنفق.

الثاني : تطمين المنفق بأنه لا يظلم إذا أقدم على هذه العملية الإنسانية وهذا تأكيد منه سبحانه لعبده وكفى بالله ضامناً ومتعهداً في الدارين ويستفاد ذلك من تكرار الآية الكريمة وبنفس التعبير في الأخبار بالوفاء ، وعدم الظلم وحاشا له وهو الغفور الرحيم أن يظلم عبداً أنفق لوجهه ، وبذل تقرباً إليه.

هذا النوع من الإطمئنان للمنفق بأنه لا يظلم بل يؤدى إليه حقه كاملاً بل بأكثر.

وفي آية أخرى نرى التطمين من الله عز وجل يكون على شكل آخر فيه نوع من الحساب الدقيق مع المنفقين.

( الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سراً وعلانية فلهم

__________________

(١) سورة الانفال / آية : ٦٠.

٤٦

أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (١) .

ولم يتعرض سبحانه لنوعية الجزاء من الأجر بل أخفاه ليواجههم به يوم القيامة فتزيد بذلك فرحتهم.

( ولا خوف عليهم ) من فقرٍ ، أو ملامة لأن الله عز وجل هو الذي يضمن لهم ، ثم ممن الخوف ؟

من اعتراض المعترضين ؟ ، وقد جاء في الحديث ( صانع وجهاً يكفيفك الوجوه ) ، أم من الفقر ، ونفاد المال ؟ وقد صرحت الآيات العديدة بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقسم بين الناس معايشهم كما ذكرنا ذلك في الآيات السابقة.

( ولا هم يحزنون ) .

وقد ورد في تفسير هذه الآية أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام : « كانت عنده أربع دراهم فانفق بالليل درهماً ، وفي النهار درهماً وسراً درهماً وعلانيةً درهماً »(٢) .

وتتفاوت النفوس في الإيمان والثبات فلربما خشي البعض من العطاء فكان في نفسه مثل ما يلقاه المتردد في الاقدام على الشيء.

لذلك نرى القرآن الكريم يحاسب هؤلاء ويدفع بهم إلى الإقدام على الانفاق وعدم التوقف فيقول سبحانه :

( قل إنّ ربّي يبسُطُ الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادِهِ ويقدِرُ له وما

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٤٧.

(٢) الدر المنثور : في تفسيره لهذه الآية.

٤٧

أنفقتُم من شَيءٍ فهو يخلفُهُ وهو خيرُ الرّازقينَ ) (١) .

ومع الآية الكريمة فإنها تضمنت مقاطع ثلاثة :

١ ـ قوله :( قل أن ربي يبسط الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادهِ ويقدِرُ له ) .

٢ ـ قوله :( وما أنفقتُم من شيء فهوَ يخلفْهُ ) .

٣ ـ قوله :( وهو خيرُ الرازقين ) .

أولاً :

( قل إن ربي يبسُطُ الرزق لمن يشاءُ ) .

ولا بد للعبد أن يعلم أن الرازق هو الله وأن بيده جميع المقاييس والضوابط فالبسط منه والتقتير منه أيضاً وفي كلتا الحالتين تتدخل المصالح لتأخذ مجراها في هاتين العمليتين ، وليس في البين أي حيف وميل بل رحمة وعطف على الغني بغناه ، وعلى الفقير بفقره فكلهم عبيده وعباده وحاشا أن يرفع البعض على اكتاف الآخرين.

أما ما هي المصالح ؟.

فإن علمها عند الله وليس الخفاء فيها يوجب القول بعدم وجودها.

وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله سبحانه يقول :

__________________

(١) سورة سبأ / آية : ٣٩.

٤٨

( عبدي أطعني بما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ) .

ثانياً :

( وما أنفقتُم من شيءٍ فهو يخلفْهُ ) .

فعن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

« كل معروف صدقة ، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة ، وما انفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامناً »(١) .

ثالثاً :

( وهو خير الرازقين ) .

أما أنه خير الرازقين فلأن عطاءه يتميز عن عطاء البشر.

عطاؤه يأتي بلا منة.

وعطاء البشر مقرون بمنة.

وعطاؤه من دون تحديد نابع عن ذاته المقدسة الرحيمة الودودة التي هي على العبد كالأم الرؤوم بل وأكثر من ذلك ، وعطاء البشر محدود.

وكذب من قال انه محدود العطاء :

( بل يداهُ مبسوطتانِ ينفِقُ كيفَ يشاءُ ) (٢) .

وقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.

(٢) سورة المائدة / آية : ٦٤.

٤٩

« ان يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سخاء بالليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه »(١) .

وقد جاء الوعد بالجزاء فقط في آيات أخرى فقد قال سبحانه :

( وما تُنفقوا من خيرٍ فأنَّ اللهَ به عليمٌ ) (٢) .

( وما أنفقتُم من نفقةٍ أو نذرتُم من نذرٍ فأنَّ الله يعلَمَهُ ) (٣) .

( وما تُنفقُوا من شيءٍ فإنَّ الله به عليمٌ ) (٤) .

وقد فسر قوله «عليم » أو «يعلمه » بالجزاء لأنه عالم فدل ذكر العلم على تحقيق الجزاء.

وفي تفسير آخر للآيات الكريمة أن معنى عليم أو يعلمه في هذه الآيات أي يجازيكم به قل أو كثر لأنه عليم لا يخفى عليه شيء من كل ما فعلتموه وقدمتموه لوجهه ولمرضاته عز وجل.

٢ ـ الآيات التي تطرقت لنوعية الجزاء :

يختلف لسان الآيات بالنسبة لبيان نوعية الجزاء فهي تارة : تذكر الجزاء ولا ذكر فيه للجنة.

وأخرى : تذكر الجنة وتبشر المنفق بأنها جزاؤه.

وما ذكر فيه الجنة أيضاً جاء على قسمين :

__________________

(١) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية.

(٢) سورة البقرة / آية : ٢٧٣.

(٣) سورة البقرة / آية : ٢٧٠.

(٤) سورة آل عمران / آية : ٩٢.

٥٠

فمرة : نرى الآية تقتصر على ذكر الجنة جزاء.

وثانية : تحبب إلى المنفق عمله فتذكر الجنة وما فيها من مظاهر تشتاق لها النفس كالانهار والاشجار وما شاكل.

ومن الاجمال إلى التفصيل :

يقول سبحانه :

( إنما المؤمنونَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وجلَتْ قلوبُهُم وإذا تليَتْ عليهِم آياتُهُ زادتهُم إيماناً وعلى ربِّهِم يتوكَّلُون *الذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وممّا رزقناهُم يُنفِقون *أولئِكَ هُمُ المؤمنونَ حقّاً لهم درجاتٌ عندَ ربِّهِم ومغفرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ ) (١) .

( إنما المؤمنون ) إنما أداة حصر تفيد أن ما بعدها هم المؤمنون هؤلاء الذين عددت الآية الكريمة صفاتهم وهم الذين جمعوا هذه الصفات.

وكانت صفة الانفاق من جملة مميزات المؤمنين وصفاتهم التي بها نالوا هذا التأكيد من الله سبحانه بقوله :

( أولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حقّاً ) (٢) .

أما ما أعد لهم من جزاء فهو :

( درجات عند ربهم ) وهي الحسنات التي استحقوا بها تلك المراتب العالية.

__________________

(١) سورة الانفال / آية : ٢ ـ ٤.

(٢) سورة الانفال / آية : ٤ و ٧٤.

٥١

( ومغفرة ) لذنوبهم من غير حساب على ما فعلوه في هذه الدنيا من مخالفات.

( ورزق كريم ) : وهو رزق لا يصيبه ضرر ولا يخاف من نقصانه لأنه من الله جلت عظمته ، وما كان من الله ينمو وتكون فيه البركة فهو رزق طيب ومن كريم.

وفي آية كريمة أخرى يقول عز وجل :

( إنّ المسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والقانتينَ والقانتاتِ والصّادقينَ والصّادقاتِ والصّابرينَ والصّابراتِ والخاشعينَ والخاشعاتِ والمُتصدّقينَ والمُتصدّقاتِ ـ إلى قوله تعالى ـأعدَّ اللهُ لهم مغفرةً وأجراً عظيماً ) (١) .

( والمتصدقين والمتصدقات ) .

هؤلاء من جملة من أعد الله لهم المغفرة والأجر العظيم جزاء على هذه الصفة وهذا الشعور التعاطفي بالنحو على الضعيف.

وأما الأيات التي ذكرت الجنة جزاء للمنفق فمنها قوله تعالى :

( أفمن يعلمُ أنّما أُنزلَ إليكَ من ربّكَ الحقُّ كمن هو أعمَى إنّما يتذكّرُ أولُوا الألبابِ *الّذينَ يُوفُونَ بعهدِ اللهِ ولا يُنقضُونَ الميثاقَ *والّذين يصلُونَ ما أمرَ اللهُ بهِ أنْ يوصَلَ ويخشونَ ربّهم ويَخافونَ سوءَ الحساب *والّذينَ صَبَرُوا ابتغاءَ وجهِ ربّهم وأقامُوا الصّلاة وأنفَقُوا ممّا رزقناهُم سرّاً وعلانِيَةً ويدْرَءُونَ بالحَسَنَةِ السّيِّئَةَ أولئك لهم عقبى الدّارِ *جنّاُت عدنٍ يَدخلونَهَا ) (٢) .

__________________

(١) سورة الأحزاب / آية : ٣٥.

(٢) سورة الرعد / آية : ١٩ ـ ٢٣.

٥٢

يقف الإنسان عند هذه الآيات وهو يرتلها بخشوع ليلحظ من خلالها إنها فرقت بين صنفين من الناس كافر ، ومؤمن ، وقد وصفت الكافر أنه( أعمى ) لا يتذكر ولا ينفع معه شيء.

أما المؤمن ، وهو من يتذكر فأنه ينظر بعين البصيرة ، وقد شرعت ببيان أوصاف هؤلاء المؤمنين ، ومن جملة صفاتهم أنهم الذين ينفقون مما رزقناهم سراً وعلانيةً.

في السر : فإنما هي لرعاية الفقير وحفظ كرامته لئلا يظهر عليه ذل السؤال.

ويحدثنا التاريخ عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام إنهم كانوا إذا أرادوا العطاء أعطوا من وراء ستار حفاظاً منهم على عزة السائل وكرامته ، وتنزيهاً للنفس لئلا يأخذ العجب والزهو فتمن على السائل بهذا العطاء فيذهب الأجر.

أما في العلانية : فإنما هو لتشجيع الأخرين على التسابق على الخير والاحسان أو لدفع التهمة عن النفس لئلا يرمى المنفق بالبخل والامتناع عن هذا النوع من التعاطف الإنساني.

أما جزاؤهم : فهو العاقبة الحسنة ، وأن لهم الجنة جزاء قيامهم بهذه الأعمال وتفقدهم لهؤلاء الضعفاء في جميع الحالات سراً وعلانيةً.

وفي آيات أخرى نرى القرآن لا يقتصر على ذكر الجنة فقط كجزاء للمنفق بل يتطرق لبيان ما فيها وما هي ليكون ذلك مشوقاً للمنفق في أن يقوم بهذه الأعمال الخيرة لينال جزاءه في الآخرة.

٥٣

قال تعالى :

( وسارعُوا إلى مغفرةٍ من ربّكُم وجنّةٍ عرضُهَا السماواتُ والأرضُ أعدَّت للمُتّقينَ *الّذين ينفقونَ في السّرّاءِ والضّرّاءِ والكاظِمِينَ الغيظَ والعافينَ عن النّاسِ واللهُ يحبُّ المُحسنينَ ) (١) .

وقال جلت عظمته :

( قل أؤنبّئكمُ بخيرٍ من ذلكُم للذينَ اتّقَوا عندَ ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللهِ واللهُ بصيرٌ بالعبادِ *الّذين يقولونّ ربّنا إنّنا آمَنّا فأغفِر لنا ذُنُوبَنَا وقِنا عذابَ النّار *الصّابرينَ والصّادقينَ والقانتينَ والمُنفقينَ والمُستغفرينَ بالأسحارِ ) (٢) .

وقد تضمنت الآيات نحوين من الجزاء :

الأول : جزاء حسي.

الثاني : جزاء روحي.

أما الجزاء الحسي : فيتمثل بقوله تعالى في الآية الأولى :

( جنة عرضُها السماواتُ والأرضُ ) .

وفي الآية الثانية فيتمثل بقوله تعالى :

( جنّاتٌ تجري من تَحتِها الأنهارُ خالدينَ فيها وأزواجٌ مطهرةٌ ) .

وتأتي هذه الصفات أو المشوقات للجنة من كونها بهذا الحجم الواسع عرضاً فكيف بالطول لأن العرض غالباً يكون أقل من الطول ،

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) سورة آل عمران / آية : ١٥ ـ ١٦ ـ ١٧.

٥٤

ومن أن فيها الأشجار ، ومن تحت تلك الأشجار الأنهار الجارية وفيها أزواج ، وتلك الأزواج مطهرة من دم الحيض والنفاس ، ومن كل الأقذار والقبائح وبقية الصفات الذميمة.

تأتي كل هذه الصفات مطابقة لما تشتهيه النفس ، وما اعتادت على تذوقه في الدنيا من مناظر الأشجار والأنهار والنساء وأن ذلك غير زائل بل هو باقٍ وكل هذه الأمور محببة للنفس وقد استحقها المنفق جزاء تعاطفه وإنفاقه في سبيل الله ونيل مرضاته جلت عظمته.

أما الجزاء الروحي : فيتمثل بقوله تعالى في الآية الأولى :

( والله يحبُ المحسنين ) .

( ورضوانٌ من اللهِ ) .

رضا الله ومحبته له والتفاته وعطفه كل هذه غاية يتوخاها الإنسان يبذل بازائها كل غالٍ ونفيس ، وما أسعد الإنسان وهو يرى نفسه محبوباً لله سبحانه راضياً عنه.

على أن في الأخبار بالرضا والمحبة في آيتين تدرجاً ظاهراً وواضحاً فإن المحبة أمر أعمق من مجرد الرضا وواقع في النفس من ذلك.

وصحيح ان الإنسان يسعى جاهداً ويقوم بكل عبادة ليحصل على رضا الله ، ولكن محبة الله له هي معنى له تأثيره الخاص في النفس.

ان عباد الله المؤمنين يشعرون بهذه اللذة وهذه الراحة النفسية عندما يجد الفرد منهم أنه مورد عناية الله في توجهه إليه.

٥٥

الصورة الثانية من التشويق :

جعل المنفقين من المتقين أو المؤمنين

ويتحول القرآن الكريم إلى إعطاء صورة أخرى من صور التشويق للانفاق والبذل والعطاء فنراه يرفع من مكانة هؤلاء المحسنين ، ويجعلهم بمصاف النماذج الرفيعة من الذين اختارهم وهداهم إلى الطريق المستقيم.

ففي آية يعدّهم من أفراد المتقين ، وفي أخرى من المؤمنين ، وفي ثالثة يقرنهم بمقيم الصلاة ، والمواظبين عليها ، وهو تعبير يحمل بين جنباته بأن هؤلاء من المطيعين لله والمواظبين على امتثال أوامره يقول سبحانه عز وجل :

( ذلكَ الكتابُ لا ريبَ فيه هدىً للمُتّقينَ *الذينَ يؤمنونَ بالغيبِ ويقيمونَ الصّلاةَ وممّا رزقناهُم يُنفقونَ ) (١) .

ومن خلال هذه الآية نلمح صفة الإنفاق وما لها من الأهمية بحيث كانت إحدى الركائز الثلاثة التي توجب إطلاق صفة المتقي على الفرد.

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢ ـ ٣.

٥٦

فمن هم المتقون ؟.

ويأتينا الجواب عبر الآية الكريمة بأنهم :

( الّذين يؤمنونَ بالغيبِ ويُقيمونَ الصلاةَ ومما رزقناهم يُنفقونَ ) .

( يُؤمنونَ بالغيبِ ) :

يؤمنون بما جاء من عند الله من أحكامه وتشريعاته وما يخبر به من المشاهد الآتية من القيامة والحساب والكتاب والجنة والنار وما يتعلق بذلك من مغيبات يؤمنون بها ، ولا يطلبون لمثل هذا الايمان مدركاً يرجع إلى الحس والنظر والمشاهدة بل تكفيهم هذه الثقة بالله وبما يعود له.

( ويقيمونَ الصلاة ) :

فمنهم في مقام اداء فرائضهم مواظبون ولا يتأخرون ويتوجهون بعملهم إلى الله يطلبون رضاه ، ولا يتجهون إلى غيره ، يعبدونه ولا يشركون معه أحداً ، وأداء الصلاة هو مثال الخضوع والعبودية بجميع الأفعال ، والأقوال. يقف الفرد في صلاته خاشعاً بين يدي الله ويركع ويسجد له ، ويضع أهم عضو في البدن وهو الجبهة على الأرض ليكون ذلك دليلاً على منتهى الإطاعة والخضوع ، ويرتل القرآن ليمجده ويحمده ويسبحه ويهلله فهي إذاً مجموعة أفعال وأقوال يرمز إلى الاذعان لعظمته ، والخضوع لقدرته وبذلك تشكل عبادة فريدة من نوعها لا تشبهها بقية العبادات.

( ومما رزقناهم ينفقون ) :

كل ذلك من الجوانب الروحية ، وأما من الجوانب المالية ،

٥٧

فإن المال لا يقف في طريق وصولهم إلى الهدف الذي يقصدونه من الاتصال بالله فهم ينفقون مما رزقناهم غير آبهين به ولا يخافون لومة لائم في السر والعلن ، وفي الليل والنهار كما حدّث القرآن الكريم في آيات أخرى مماثلة.

هؤلاء هم المنفقون الذين كات الإنفاق من جماة مميزاتهم ، وقد مدحهم الله جلت قدرته بقوله :

( أولئكَ على هدىً من ربّهم وأولئكَ هُمُ المُفلحونَ ) (١) .

( هدىً من ربهم ) :

بلى : هدى وبصيرة فلا يضلون ولا يعمهون في كل ما يعود إلى دينهم ودنياهم.( وأولئك هم المفلحون ) :

بكل شيء مفلحون في الدينا بما ينالهم من عزٍ ورفعة لأنهم خرجوا من ذل معصية الله إلى عز طاعته تماماً كما يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« إذا أردت عز بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته »(٢) .

ومفلحون في الآخرة التي وعدهم بها كما جاء ذلك في آيات عديدة من كتابه الكريم.

ولم يقتصر الكتاب على هذه الآية في عد الانفاق من جملة صفات المتقين بل درج مع الذين ينفقون من المتقين حيث قال سبحانه :

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٥.

(٢) من كلماتهعليه‌السلام في نهج البلاغة.

٥٨

( وسارعُوا إلى مغفرةٍ مِن ربّكُم وَجنَّةً عرضُهَا السَمَاواتُ و الأرضُ أعِدَّتْ للمتّقينَ *الّذين يُنفقونَ في السّرّاءِ والضّرّاءِ والكاظمينَ الغيظَ والعافينَ عن النّاسِ واللهُ يُحبُّ المُحسنينَ ) (١) .

ومن خلال هذه الآية نرى الأهمية للإنفاق تبرز بتقديم المنفقين على غيرهم من الأصناف الذين ذكرتهم الآية والذين أعدت لهم الجنة من الكاظمين والعافين.

هؤلاء المنفقون الذين لا يفترون عن القيام بواجبهم الإجتماعي في حالتي اليسر والعسر في السراء والضراء يطلبون بذلك وجه الله والتقرب إلى ساحته المقدسة.

وعندما نراجع الآية الكريمة في قوله تعالى :

( الم *تلك آياتُ الكتابِ الحكيمِ *هدىً ورحمةً للمحسنينَ *الذينَ يقيمونَ الصّلاةَ ويؤتونَ الزّكاةَ وهم بالأخرةِ هُم يوقنونَ *أولئكَ على هدىً من ربّهِم وأولئكَ هُمُ المُفلحونَ ) (٢) .

نرى نفس الموضوع تكرره الآية هنا ، ولكن في الآية السابقة قالت عن المنفق بأنه من المتقين ، وهنا من المحسنين.

وفي الآية السابقة الانفاق بكل ما ينفق وهنا عن الانفاق بالزكاة ، فالنتيجة لا تختلف كثيراً ، والصورة هي الصورة نفسها إنفاق من العبد ، وتشويق من الله ، ومدح له بنفس ما مدح المتقي سابقاً.

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) سورة لقمان / آية : ١ ـ ٥.

٥٩

والحديث في الآيتين عن المتقين والمحسنين ، ومن جملة صفاتهم الإنفاق وأداء ما عليهم من الواجب الإجتماعي المتمثل في الإنفاق التبرعي ، أو الإلزامي ، وقد قال عنهم في نهاية المطاف بنفس ما مدح به المتقين في الآية السابقة.

( أولئكَ على هدىً من ربّهم وأولئكَ هُمُ المفلحونَ ) (١) .

وفي وصف جديد في آية كريمة أخرى يصفهم الله بأنهم من المخبتين.

( وبشِّرِ المخبتينَ *الذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قلوبهم والصّابرينَ على ما أصابَهُم والمُقيمي الصّلاةِ وممّا رزقناهُم يُنفقونَ ) (٢) .

( والمخبتون ) هم المتواضعون لله المطمئنون إليه.

وعندما شرعت الآية بتعدادهم قالت عنهم :

( الذين إذا ذُكِرَ الله وجلتْ قلوبهُمْ ) .

انها النفوس المطمئنة التي إذا ذكر الله ، ـ وذكر الله هنا التخويف من عقابه وقدرته وسطوته ـ وجلت قلوبهم أي دخلها الخوف ولكنه خوف مشوب برجاء عطفه ورحمته.

ولا يأس معه من روح الله لأنه :

( لا يايئسُ من روحِ اللهِ إلا القومُ الكافرونَ ) (٣) .

__________________

(١) سورة لقمان / آية : ٥.

(٢) سورة الحج / آية : ٣٤ ، ٣٥.

(٣) سورة يوسف / آية : ٨٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510