تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406099 / تحميل: 5175
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الظنّ انتهاؤها إلى حدّ المساواة ، ومنه إلى الزيادة ؛ لكثرة النفقة. وهذه الصورة عندهم أولى بالمنع(١) .

وإذا حجرنا في صورة المساواة ، فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس الرجوعُ؟ فيه وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لإطلاق الحديث(٢) .

والثاني : لا ؛ لتمكّنه من استيفاء الثمن بتمامه(٣) .

وهل تدخل هذه الأعيان في حساب أمواله وأثمانها في حساب ديونه؟ فيه - عندهم - وجهان(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الوجهين مبنيّان على الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة إن لم نثبت الرجوع ، أُدخلت(٥) رجاءَ الوفاء. وإن أثبتناه فلا(٦) .

وهذا كلّه ساقط عندنا ، وقد عرفت مذهبنا فيه ، وأنّ الحجر إنّما يثبت مع القصور ، لا مع المساواة.

مسألة ٢٦٧ : يشترط في الحجر التماسُ الغرماء من الحاكم ذلك‌ ، وليس للحاكم أن يتولّى ذلك من غير طلبهم ؛ لأنّه حقٌّ لهم ، وهو لمصلحة الغرماء والمفلس وهُمْ ناظرون لأنفسهم لا يحكم الحاكم عليهم.

نعم ، لو كانت الديون لمن للحاكم عليه ولايةٌ ، كان له الحجر ؛ لأنّه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥ - ٣٦٦.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٠ ، الهامش (٤)

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٦.

(٥) أي الأعيان في الأموال والأثمان في الديون.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨.

٢١

الغريم في الحقيقة ، فله التماسُ ذلك من نفسه وفِعْلُه ، كما لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو لمحجورٍ عليهم بالسفه وكان وليُّهم الحاكمَ ، تولّاه القاضي لمصلحتهم من غير التماسٍ.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْن للغُيّاب ، لم يحجر عليه الحاكم‌ ؛ لأنّ الحاكم لا يستوفي ما للغُيّاب في الذمم ، بل يحفظ أعيان أموالهم.

ب - لو التمس بعضُ الغرماء الحجرَ دون بعضٍ ، فإن كانت ديون الملتمسين قدراً يجوز الحجر بها ، حُجر عليه لذلك القدر‌ ، وأُجيبوا إلى ذلك ، ثمّ لا يختصّ الحجر بهم ، بل يعمّ أثره الجميع.

وإن لم تكن ديونهم زائدةً على أمواله ، فالأقرب : جواز الحجر ، ولا ينتظر التماس الباقين ؛ لئلّا يضيع على الملتمس ماله [ بتكاسل ](١) غيره.

ويُحتمل العدمُ ، وهو أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٢) .

ج - لو لم يلتمس أحد من الغرماء الحجرَ فالتمسه المفلس ، فالأقرب عندي : جواز الحجر عليه‌ ؛ لأنّ في الحجر مصلحةً للمفلس ، كما فيه مصلحة للغرماء ، وكما أجبنا الغرماء إلى تحصيل ملتمسهم حفظاً لحقوقهم ، كذا يجب أن يجاب المفلس تحصيلاً لحقّه ، وهو حفظ أموال الغرماء ليسلم من المطالبة والإثم ، وإذا تحقّق ثبوت غرضٍ للمفلس صحيحٍ في الحجر عليه ، أُجيب إليه ، وقد روي أنّ حَجْر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على معاذ كان بالتماسٍ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بتكامل ». وذاك تصحيف.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦

٢٢

من معاذ دون طلب الغرماء(١) ، وهو أحد وجهي الشافعي. والثاني : لا يُجاب المفلس إليه ؛ لأنّ الحُرّيّة والرشد ينافيان الحجر ، وإنّما يصار إلى الحجر إذا حقّت طلبة الغرماء(٢) .

‌____________________

(١) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٤.

٢٣

الفصل الثالث : في أحكام الحجر‌

إذا حجر الحاكم على المديون ، ثبتت أحكام أربعة : منعه من التصرّف في ماله ، وبيع ماله للقسمة على الديون ، واختصاص صاحب العين بها ، وحبسه إلى ثبوت إعساره. فهنا مباحث أربعة :

البحث الأوّل : في منعه من التصرّف.

مسألة ٢٦٨ : يستحبّ للحاكم الإعلامُ بالحجر ، والنداء على المفلس ، ويُشهد الحاكم عليه بأنّه قد حجر عليه والإعلان بذلك بحيث لا يستضرّ معاملوه. فإذا حجر عليه ، منعه من التصرّف المبتدأ في المال الموجود عند الحجر بعوضٍ أو غيره ، سواء ساوى العوض أو قصر.

والتصرّف قسمان : إمّا أن يصادف المال أو لا ، والأوّل إمّا إنشاء أو إقرار.

والأوّل ضربان : ما يصادف المال إمّا بتحصيل ما ليس بحاصل ، كالاصطياد والاحتطاب وقبول الوصيّة ، وهذا لا يُمنع منه إجماعاً ؛ لأنّ الغرض من الحجر منعه ممّا يتضرّر به الغرماء. وإمّا تفويت ما هو حاصل ، فإن تعلّق بما بعد الموت - كالتدبير والوصيّة - صحّ ، فإن حصَّل زيادةً على الديون ، نفذت الوصيّة ، وإلّا بطلت. وإن كان غير متعلّقٍ بالموت ، فإمّا أن يكون مورده عينَ مالٍ أو ما في الذمّة. وإمّا أن لا يكون تصرّفه مصادفاً للمال ، فلا بُدَّ من البحث عن هذه الأقسام بعون الله تعالى.

٢٤

مسألة ٢٦٩ : كلّ تصرّفٍ للمفلس غير مصادفٍ للمال فإنّه لا يُمنع منه ؛ لكماليّته ، وعدم المانع من التصرّف فيما تصرّف فيه حيث لم يكُ مالاً ، وذلك كالنكاح ، ولا يُمنع منه. وأمّا مؤونة النكاح فسيأتي إن شاء الله تعالى.

وكذا الطلاق لا يُمنع منه ؛ لأنّ تصرّفه هذا لم يصادف مالاً ، بل هو إسقاط ما يجب عليه من المال ، فكان أولى بالجواز ، وإذا صحّ منه الطلاق مجّاناً ، كان صحّة الخلع - الذي هو في الحقيقة طلاقٌ بعوضٍ - أولى بالجواز.

وكذا يصحّ منه استيفاء القصاص ؛ لأنّه ليس تصرّفاً في المال ، ولا يجب عليه قبول الدية وإن بذل الجاني ؛ لأنّ القصاص شُرّع للتشفّي ودفع الفساد ، والدية إنّما تثبت صلحاً ، وليس واجباً عليه تحصيل المال بإسقاط حقّه.

وكذا له العفو عن القصاص مجّاناً بغير عوضٍ. أمّا لو وجبت له الدية بالأصالة - كما في جناية الخطأ - فإنّه ليس له إسقاطها ؛ لأنّه بمنزلة الإبراء من الدَّيْن.

وكذا له استلحاق النسب ؛ إذ ليس ذلك تصرّفاً في المال وإن وجبت المؤونة ضمناً. وكذا له نفيه باللعان.

وكذا لا يُمنع من تحصيل المال بغير عوضٍ ، كالاحتطاب وشبهه ، وقد سلف(١) .

مسألة ٢٧٠ : لو صادف تصرّفه عينَ مالٍ بالإتلاف إمّا بمعاوضةٍ كالبيع والإجارة ، أو بغير معاوضةٍ كالهبة والعتق والكتابة‌ ، أو بالمنع من الانتفاع‌

____________________

(١) في ص ٢٣ ، ضمن المسألة ٢٦٨.

٢٥

كالرهن ، قال الشيخرحمه‌الله : يبطل تصرّفه(١) . وهو أصحّ قولي الشافعي - وبه قال مالك والمزني - لأنّه محجور عليه بحكم الحاكم ، فوجب أن لا يصحّ تصرّفه ، كما لو كان سفيهاً. ولأنّ أمواله قد تعلّق بها حقّ الغرماء ، فأشبهت تعلّق [ حقّ ](٢) المرتهن. ولأنّ هذه التصرّفات غير نافذة في الحال إجماعاً ، فلا تكون نافذةً فيما بَعْدُ ؛ لعدم الموجب.

والقول الثاني للشافعي : إنّ هذه التصرّفات لا تقع باطلةً في نفسها ، بل تكون موقوفةً ، فإن فضل ما تصرّف به عن الدَّيْن إمّا لارتفاع سعر أو لإبراء بعض المستحقّين ، نفذ ، وإلّا بانَ أنّه كان لغواً ؛ لأنّه محجور عليه بحقّ الغرماء ، فلا يقع تصرّفه باطلاً في أصله ، كالمريض(٣) .

وهذا القول لا بأس به عندي ، والأوّل أقوى.

والفرق بينه وبين المريض ظاهر ؛ فإنّ المريض غير محجور عليه ، ولهذا لو صرف المال في ملاذّه ومأكله ومشروبه ، لم يُمنع منه ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ٢٧١ : إن قلنا ببطلان التصرّفات ، فلا بحث‌. وإن قلنا : إنّها تقع موقوفةً ، فإن فضل ما تصرّف فيه وانفكّ الحجر ، ففي نفوذه للشافعي قولان(٤) .

وإذا لم يف بديونه ، نقضنا الأخفّ فالأخفّ من التصرّفات ، ونبدأ‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٦٩ ، المسألة ١١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٠ - ٤٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، المغني ٤ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩.

٢٦

بالهبة فننقضها ؛ لأنّها تمليك من غير بدلٍ ، فإن لم يف ، نقضنا البيع ، بخلاف الوقف والعتق ؛ لأنّ البيع يلحقه الفسخ ، فإن لم يف ، رددنا العتق والوقف.

قال بعضهم : هذه التصرّفات على الترتيب ، فالعتق أولى بالنفوذ ؛ لقبوله الوقف وتعلّقه بالإقرار ، وتليه الكتابة ؛ لما فيها من المعاوضة ، ثمّ البيع والهبة ؛ لأنّهما لا يقبلان التعليق(١) .

واختلفوا في محلّ القولين :

فقال بعضهم : إنّهما مقصوران على ما إذا اقتصر الحاكم على الحجر ، ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه ، فإن فعل ذلك ، لم ينفذ تصرّفه قولاً واحداً.

وقال آخَرون : إنّهما مطّردان في الحالين ، وهو الأشهر عندهم.

فعلى هذا هل تجب الزكاة عليه؟ فعلى الأوّل لا تجب ، وعلى الثاني تجب ما دام ملكه باقياً(٢) .

وقول الشافعي : « لا زكاة عليه » محمول عند هؤلاء على ما إذا باع المفلس ماله من الغرماء(٣) .

مسألة ٢٧٢ : إذا قلنا بأنّه تنفذ تصرّفاته بعد الحجر ، وجب تأخير ما تصرّف فيه‌ ، وقضي الدَّيْن من غيره فربما يفضل ، فإن لم يفضل ، نقضنا من تصرّفاته الأضعف فالأضعف على ما تقدّم ، ويؤخّر العتق كما قلناه.

فإن لم يوجد راغب في أموال المفلس إلّا في العبد المعتق ، والتمس الغرماء من الحاكم بيعه ليقبضوا حقّهم معجّلاً ، فالأقرب : إجابتهم إلى ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٧.

٢٧

وإلّا لزم أحد الضررين : إمّا تضرّر الغرماء بالصبر ، وليس واجباً ، وإمّا تضرّر المفلس والغرماء معاً لو بِيعت أمواله بالرخص.

وقال بعض الشافعيّة : يحتمل أن ينقض من تصرّفاته الأخير فالأخير ، كما في تبرّعات المريض إذا زادت على الثلث(١) .

وهو حسن لا بأس به عندي.

فلو وقعت دفعةً ، احتُمل القرعة.

ولو أجاز الغرماء بعض التصرّفات ، نفذ قطعاً ، سواء كان سابقاً أو لاحقاً ، وسواء كان عتقاً أو غيره.

هذا إذا باع من غير الغرماء ، ولو باع منهم ، فسيأتي.

مسألة ٢٧٣ : تصرّفاته الواردة على ما في الذمّة صحيحة‌ ، كما لو اشترى بثمن في الذمّة ، أو باع طعاماً سلفاً ، صحّ ، ويثبت في ذمّته ، وهو أظهر مذهبي الشافعي.

والثاني : أنّه لا يصحّ شراؤه ، كالسفيه(٢) .

والأوّل أقوى ؛ لوجود المقتضي ، وهو صدور العقد من أهله في محلّه ، سالماً عن معارضة منع حقّ الغرماء ؛ لأنّه لم يرد إلّا على أعيان أمواله. وكذا لو اقترض.

وليس للبائع فسخ البيع ، سواء كان عالماً بالحجر أو جاهلاً به ؛ لأنّ التفريط من جهته حيث أهمل الاحتياط في السؤال عن حالة مُعامله.

إذا ثبت هذا ، فإنّ هذه المتجدّدات وشبهها من الاحتطاب وغيره تدخل تحت الحجر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ - ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨.

٢٨

مسألة ٢٧٤ : لو باعه عبداً بثمن في ذمّته بشرط الإعتاق‌ ، فإن أبطلنا جميع التصرّفات - سواء وردت على عين المال أو في الذمّة - فالأقوى : بطلان البيع ؛ لأنّه تصرّف في المال وإن كان في الذمّة.

وإن قلنا بالصحّة فيما يكون مورده الذمّة على ما اخترناه ، صحّ البيع والعتق معاً ، ويكون العتق موقوفاً ، فإن قصر المال ، احتمل صرفه في الدَّيْن ، لا رجوعه إلى البائع.

والأقوى عندي صحّة عتقه في الحال.

ولو وهب بشرط الثواب ثمّ أفلس ، لم يكن له إسقاط الثواب.

مسألة ٢٧٥ : لو أقرّ بدَيْنٍ ، فإمّا أن يكون قد أقرّ بدَيْنٍ لزمه‌ وأضافه إلى ما قبل الحجر إمّا من معاملةٍ أو قرضٍ أو إتلاف ، أو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر.

فالأوّل يلزمه ما أقرّ به ؛ لأنّ الحجر ثبت عليه لحقّ غيره ، فلا يمنع صحّة إقراره.

وهل يشارك الـمُقرّ له الغرماء بمجرّد إضافة إقراره إلى سببٍ سابق؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه عاقل ، فينفذ إقراره ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز »(١) وعموم الخبر(٢) في قسمة ماله بين غرمائه ، وهو أصحّ قولي الشافعي ، وبه قال ابن المنذر(٣) .

قال الشافعي : وبه أقول(٤) .

____________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٧ ، الهامش (٤)

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨ ، المغني ٤ : ٥٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠١.

(٤) الأُم ٣ : ٢١٠ ، مختصر المزني : ١٠٤.

٢٩

وقال : لو كان المفلس قصّاراً أو صائغاً وأفلس وحُجر عليه وعنده ثياب الناس وحُليّهم ، أيقال : لا يُقبل قوله في ردّ أموال الناس؟(١) .

ولأنّ هذا دَيْنٌ ثابت عليه مضاف - بقوله - إلى ما قبل الحجر ، فوجب أن يشارك صاحبه الغرماء ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وبالقياس على ما إذا أقرّ المريض بدَيْنٍ يزاحم الـمُقرّ له غرماء الصحّة.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يُقبل في حقّ الغرماء - وبه قال مالك وأحمد ومحمّد بن الحسن - لأنّ حقّ الغرماء تعلّق بما لَه من المال ، وفي القبول إضرار بهم بمزاحمته إيّاهم. ولأنّه متّهم في هذا الإقرار ، فلا يسقط به حقّ الغرماء المتعلّق بماله ، كما لو أقرّ بما رهنه ، فحينئذٍ لا يشارك الـمُقرّ له الغرماء ، بل يأخذ ما فضل عنهم(٢) .

وتُمنع التهمة ؛ لأنّ ضرر الإقرار في حقّه أكثر منه في حقّ الغرماء ، فلا تهمة فيه ، فإنّ الظاهر من حال الإنسان أنّه لا يُقرّ بدَيْنٍ عليه وليس عليه دَيْنٌ.

مسألة ٢٧٦ : لو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر وأسنده إلى ما بعد الحجر ، فإن كان قد لزمه باختيار صاحبه - كالبيع والقرض وغيرهما من المعاملات المتجدّدة بعد الحجر - فإنّه يكون في ذمّته ، ولا يشارك الـمُقرّ له الغرماء ؛ لأنّ صاحب المال رضي بذلك إن علم أنّه مفلس ، وإن لم يعلم ، فقد فرّط في ذلك.

وإن كان قد لزمه عن غير رضا صاحبه - كما لو أتلف عليه مالاً أو جنى عليه جناية - فالأقرب : أنّه يُقبل في حقّ الغرماء ، كما لو أسند الدَّيْن‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢١٠.

(٢) نفس المصادر في الهامش (٣) من ص ٢٨.

٣٠

إلى [ سببٍ ](١) سابقٍ على الحجر ؛ لأنّ حقّه ثبت بغير اختياره ، وهو أصحّ طريقي الشافعيّة(٢) .

لا يقال : لِمَ لا قُدّم حقّه على حقّ الغرماء كما قُدّم حقّ المجنيّ عليه على حقّ المرتهن؟

لأنّا نقول : الفرق أنّ الجناية لا محلّ لها سوى الرهن ، والدَّيْن متعلّق بالرهن والذمّة ، فقد اختصّ بالعين ، وفي مسألتنا الدَّيْنان متعلّقان بالذمّة فاستويا. ولأنّ الجناية قد حصلت من الرهن الذي علّقه به صاحبه ، فقُدّمت الجناية كما تُقدَّم على حقّ صاحبه ، وهنا الجناية كانت من المفلس دون المال ، فافترقا.

ونظيره في حقّ المفلس أن يجني عبده ، فيقدّم على حقّ الغرماء.

والطريق الثاني : أنّه كما لو قال : عن معاملةٍ(٣) .

ولو أقرّ بدَيْن ولم يُسنده إلى ما قبل الحجر ولا إلى ما بعده ، حُمل على الثاني ، وجُعل بمنزلة ما لو أسنده إلى ما بعد الحجر ؛ لأصالة التأخّر ، وعدم التعلّق.

مسألة ٢٧٧ : لو أقرّ المفلس بعين من الأعيان - التي في يده - لرجلٍ‌ وقال : غصبته منه أو استعرته أو أخذته سَوْماً أو وديعةً ، فالأقرب : النفوذ ، ومضيّ الإقرار في حق الغرماء ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ سابقٍ.

وللشافعي قولان ، كالقولين في الإقرار بالدَّيْن السابق على الحجر(٤) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

٣١

لكنّ الإقرار بالدَّيْن السابق على الحجر أثره أن يزاحم الـمُقرّ له الغرماء ، وهنا يُسلّم المـُقرّ به على القول بالقبول ، وعلى القول بعدمه إن فضل ، سلّم العين إلى المـُقرّ له ، وإلّا غرم قيمتها بعد اليسار.

فإن كذّبه المـُقرّ له ، بطل إقراره ، وقُسّمت العين بين الغرماء.

وكذا لو أقرّ بدَيْنٍ فكذّبه المـُقرّ له ، لم يُسمع إقراره. ومع عدم قبول إقراره بالعين إن فضلت ، دُفعت العين إلى المـُقرّ له قطعاً ، بخلاف البيع ؛ فإنّ فيه إشكالاً.

وكذا الإشكال لو ادّعى أجنبيّ شراء عين في يده من(١) قبل الحجر فصدّقه.

واعلم أنّ الفرق بين الإنشاءات حيث رددناها في الحال قطعاً وقلنا : الأصحّ أنّه لا يُحكم بنفوذها عند انفكاك الحجر أيضاً ، وبين الأقارير حيث قبلناها في حقّ المفلس جزماً وفي حقّ الغرماء على الأصحّ : أنّ مقصود الحجر منعُه من التصرّف ، فيناسبه إلغاء ما ينشئه ، والإقرار إخبار عمّا مضى ، والحجر لا يسلب العبارة عنه.

مسألة ٢٧٨ : لو أقرّ بما يوجب القصاص عليه أو الحدّ ، قُبِل‌ ، وأُجري عليه حكم إقراره ، سواء أدّى إلى التلف أو لا ؛ لانتفاء التهمة. ولأنّه عاقل أقرّ بما يؤثّر في حقّه حكماً ، ولا مانع له؛ إذ المانع التصرّف في الماليّة وليس ثابتاً ، فثبت موجَب إقراره.

ولو كان الإقرار بسرقةٍ توجب القطع ، قُبِل في القطع ، وأمّا في المسروق فكما لو أقرّ بمالٍ ، والقبول هنا أولى ؛ لبُعْد الإقرار عن التهمة.

____________________

(١) في « ث » : « منه » بدل « من ».

٣٢

ولو أقرّ بما يوجب القصاص فعفا المستحقّ على مالٍ ، فهو كإقرارٍ بدَيْن جناية.

وقال بعض الشافعيّة : يُقطع هنا بالقبول ؛ لانتفاء التهمة(١) .

مسألة ٢٧٩ : لو ادّعى رجل على المفلس مالاً لزمه قبل الحجر فأنكر المفلس‌ ، فإن أقام المدّعي بيّنةً ، ثبت حقّه ، وساوى الغرماء. وإن لم تكن له بيّنة ، كان على المفلس اليمين ، فإن حلف ، برأ ، وسقطت الدعوى. وإن نكل ، رُدّت اليمين على المدّعي ، فإذا حلف ، ثبت الدَّيْن.

وهل يشارك المدّعي الغرماء؟ إن قلنا : إنّ النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، زاحَم المدّعي الغرماء ، كما لو ثبت دَيْنه بالبيّنة. وإن قلنا : إنّه كالإقرار ، فكالقولين.

مسألة ٢٨٠ : لا خلاف في أنّ الحجر يتعلّق بالمال الموجود للمفلس حالة الحجر‌ ، وأمّا المتجدّد بعده باصطيادٍ أو اتّهاب أو قبول وصيّة ، الأقرب : أنّ الحجر يتعدّى إليه أيضاً ؛ لأنّ مقصود الحجر إيصال حقوق المستحقّين إليهم ، وهذا لا يختصّ بالموجود عند الحجر ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ الحجر لا يتعدّى إلى المتجدّد ؛ لأنّ الحجر على المفلس لقصر يده عن التصرّف فيما عنده ، فلا يتعدّى إلى غيره ، كما أنّ حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدّى إلى غيرها(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإذا اشترى شيئاً وقلنا بصحّة شرائه ، ففيه مثل هذا‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

(٢) الوسيط ٤ : ١٠ ، الوجيز ١ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

٣٣

الخلاف.

وهل للبائع الخيارُ والتعلّق بعين متاعه؟ الأقرب : العدم - وهو أحد وجوه الشافعي(١) - لأنّه إن(٢) كان عالماً ، كان بمنزلة مَن اشترى معيباً يعلم بعيبه. وإن كان جاهلاً ، فقد قصّر بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه ؛ فإنّ الحاكم يشهر أمر المحجور عليه بالنداء والإشهاد والإعلان.

والثاني : أنّ البائع إن كان عالماً ، فلا خيار له. وإن كان جاهلاً ، فله الخيار ، والرجوع إلى عين ماله.

والثالث : أنّ للبائع الخيارَ في الرجوع إلى عين ماله وإن كان عالماً ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن(٣) .

وكذا المـُقرض.

ويقرب من هذا ما إذا باع من عبدٍ بغير إذن مولاه وقلنا بصحّة البيع ، فإنّ الثمن يتعلّق بذمّته يتبع به بعد العتق ، فإن كان عالماً ، ففي ثبوت الخيار وجهان(٤) .

وإن كان جاهلاً ، يثبت.

مسألة ٢٨١ : إذا لم يثبت للبائع الرجوعُ في المبيع على المفلس المحجور ، فهل يزاحم الغرماء بالثمن؟ الأقرب : المنع‌ ؛ لأنّه دَيْنٌ حادث بعد الحجر برضا صاحبه ، وكلّ ما هذا شأنه من الديون لا يزاحم مستحقّها الغرماء ، بل إن فضل منهم شي‌ء ، أخذه ، وإلّا صبر إلى أن يجد مالاً ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

____________________

(١ و ٣) الوسيط ٤ : ١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢ - ١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وإن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الوجهان أيضاً للشافعيّة ، راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣.

٣٤

والثاني : أنّه يزاحم ؛ لأنّه وإن كان دَيْناً جديداً فإنّه في مقابلة ملكٍ جديد ، فلمّا زاد المال جاز أن يزيد الدَّيْن ، بخلاف الصداق الذي [ لزمه ](١) بنكاح بعد الفلس ودَيْن ضمنه بعد الفلس ، فإنّه لا مقابل له هناك(٢) .

مسألة ٢٨٢ : أقسام ديون المفلس ، الثابتة بعد الحجر ثلاثة :

أ : ما لزم باختيار مستحقّه‌ ، فإن كان في مقابلته شي‌ء - كثمن المبيع - فقد ذكرنا الخلاف في أنّه هل له المطالبة به أم لا؟ وإن لم يكن في مقابلته شي‌ء ، فلا خلاف في أنّ مستحقّه لا يُضارِب الغرماء ، بل يصبر إلى فكاك الحجر.

ب : ما لزم بغير اختيار المستحقّ‌ ، كأرش الجناية وغرامة الإتلاف ، وفيه وجهان :

[ أحدهما : ] أنّه لا يضارب به ؛ لتعلّق حقوق الأوّلين بأعيان أمواله ، فصار كما لو جنى الراهن ولا مال له غير المرهون ، لا يزاحم المجنيّ عليه المرتهن.

والثاني : أنّه يضارب ؛ لأنّه لم يوجد منه تقصير ، فيبعد تكليفه الانتظار(٣) .

ج : ما يتجدّد بسبب مؤونات المال‌ ، كأُجرة الوزّان والناقد والكيّال والحمّال والمنادي والدلّال وأُجرة البيت الذي يُحفظ فيه المتاع ، فهذه المـُؤن كلّها مقدَّمة على ديون الغرماء ؛ لأنّها لمصلحة الحجر وإيصال أرباب‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣.

(٣) الوجهان أيضاً للشافعيّة ، راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.

٣٥

الحقوق حقوقهم ، ولو لم تُقدَّم لم يرغب أحد في تلك الأعمال ، وحصل الضرر بالمفلس والغرماء.

وهذا كلّه إذا لم يوجد متطوّعٌ بذلك ، ولا في بيت المال سعة له ، فإن وُجد متطوّعٌ أو كان في بيت المال سعة ، لم يُصرف مال المفلس إليها.

مسألة ٢٨٣ : شرطنا في التصرّف - الذي يُمنع المفلس منه - كونه مبتدأً‌ ، كالابتداء بالبيع والصدقة والوقف والكتابة والهبة ، أمّا ما ليس بمبتدأ فإنّه لا يُمنع منه ، فلو اشترى قبل الحجر شيئاً ثمّ اطّلع على عيبه بعد الحجر ، فله الردّ بالعيب إن كانت الغبطة في الردّ ؛ لأنّه ليس ابتداء تصرّفٍ، بل هو من أحكام البيع السابق ولواحقه ، والحجر لا يمنع من الأحكام السابقة عليه ، وليس ذلك كما لو باع مع الغبطة ؛ لأنّ ذلك تصرّف مبتدأ ، والفسخ ليس تصرّفاً مبتدأً ، فافترقا.

فإن منع من الردّ بالعيب السابق تصرّفٌ أو عيبٌ حادث ، لزم الأرش ، ولم يملك المفلس إسقاطه ؛ لأنّه تصرّف في مالٍ وجب له بالإتلاف إلى غير عوضٍ ، وهو ممنوع من الإتلاف بالعوض فبغيره أولى.

ولو كانت الغبطة في ترك الردّ بأن كان قيمته مع العيب أكثر من ثمن المثل ، لم يكن له الردُّ ؛ لما فيه من تفويت المال بغير عوضٍ.

وكذا المريض لو اشترى حال صحّته شيئاً ثمّ وجد عيبه في مرضه فأمسكه والغبطة في الردّ ، كان المقدار الذي ينقصه العيب معتبراً من الثلث.

وكذا وليّ الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيباً وكانت الغبطة في إبقائه ، لم يكن له الردّ.

ويثبت في هذه المواضع كلّها الأرش ؛ لأنّا لا نشترط في وجوب الأرش امتناع الردّ.

٣٦

وقال الشافعي : لا يثبت الأرش في هذه الصور ؛ بناءً على أصله من أنّ الأرش لا يثبت مع إمكان الردّ ، والردّ هنا ممكن غير ممتنعٍ في نفسه ، بل إنّما امتنع لأنّ المصلحة اقتضت الامتناع منه(١) .

مسألة ٢٨٤ : لو تبايعا بخيار ففلّسا أو أحدهما ، لم يبطل خيار المفلس‌ ، وكان له إجازة البيع وردّه ، سواء رضي الغرماء أو سخطوا.

ولا يُعتبر هنا الغبطة ؛ لأنّ ذلك ليس تصرّفاً مبتدأً ، وإنّما مُنع المفلس من التصرّفات المستحدثة.

وفارق الفسخ والإجازة بالخيار الردَّ بالعيب ؛ لأنّ العقد في زمن الخيار متزلزل لا ثبات له ، فلا يتعلّق حقّ الغرماء بالمال ، ويضعف تعلّقه به ، بخلاف ما إذا خرج معيباً ، وإذا ضعف التعلّق جاز أن لا يُعتبر شرط الغبطة ، وهو أظهر وجوه الشافعي.

والثاني : أنّ تجويز الفسخ والإجازة متقيّد بالغبطة ، كالردّ بالعيب.

وهو مخرَّج من عقد المريض في صحّته بشرط الخيار ثمّ يفسخ أو يُجيز حالة المرض على خلاف الغبطة ، فإنّه تصرّف من الثلث.

والفرق : أنّ حجر المريض أقوى ، فإنّ إمضاء الورثة تصرّفَ المريض قبل الموت لا يفيد شيئاً ، وإمضاء الغرماء وإذنهم فيما يفعله المفلس يفيدهم الصحّة والاعتبار.

والثالث : أنّ كلّ واحدٍ من الفسخ والإمضاء إن وقع على وفق الغبطة ، فهو صحيح ، وإلّا فالنظر إلى الخلاف في الملك في زمن الخيار وإلى أنّ الذي أفلس أيّهما هو؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٠.

٣٧

فإن كان المشتري وقلنا : الملك للبائع ، فللمشتري الإجازة والفسخ. أمّا الإجازة : فلأنّها جلب ملك. وأمّا الفسخ : فلا يمنع دخول شي‌ء في ملكه ، إلّا أنّه أزال ملكاً. وإن قلنا : الملك للمشتري ، فله الإجازة ؛ لأنّه يستديم الشي‌ء في ملكه ، فإن فسخ ، لم يجز ؛ لما فيه من إزالة الملك.

وإن أفلس البائع ، فإن قلنا : الملك له ، فله الفسخ ؛ لأنّه يستديم الملك ، وليس له الإجازة ؛ لأنّه يُزيله. وإن قلنا : الملك للمشتري ، فللبائع الفسخ والإجازة ، كما قلنا في طرف المشتري(١) .

وما ذكرناه أولى.

ولو قيل في الردّ بالعيب : إنّه لا يتقيّد بالغبطة كما في الخيار ، كان وجهاً.

مسألة ٢٨٥ : لو جُني على المفلس أو على مملوكه أو على مورّثه جناية ، فإن كانت خطأً ، وجب المال‌ ، وتعلّق به حقوق الغرماء ، ولا يصحّ منه العفو عنه. وإن كانت عمداً توجب القصاص ، تخيّر بين القصاص والعفو.

وليس للغرماء مطالبته بالعفو على مالٍ ؛ لأنّه اكتساب للمال وتملّك ، وهو غير لازمٍ ، كما لا يلزمه الكسب وقبول الهبة.

فإن استوفى القصاص ، فلا كلام. وإن عفا على مالٍ ورضي الجاني ، ثبت المال ، وتعلّق به حقوق الغرماء.

وإن عفا مطلقاً ، سقط حقّه من القصاص ، ولم يثبت له مالٌ - وهو أحد قولي الشافعي(٢) - لأنّ موجَب جناية العمد القصاصُ خاصّةً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤ - ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٠.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٤.

٣٨

وله قولٌ آخَر : إنّ موجَبها أحد الأمرين : إمّا القصاص ، أو الدية(١) .

فإن عفا عن القصاص ، تثبت له الدية ، وتعلّق بها حقوق الغرماء.

وإن عفا على غير مالٍ ، فإن قلنا : الواجب القصاصُ خاصّةً ، لم يثبت له شي‌ء. وإن قلنا : الواجب أحد الأمرين ، ثبتت الدية ، ولم يصح إسقاطه لها ؛ لحقّ الغرماء ؛ لأنّ عفوه عن القصاص يوجب الدية ، فلا يصحّ منه إسقاطها.

مسألة ٢٨٦ : للمفلس المحجور عليه الدعوى‌ ؛ لأنّه ليس تصرّفاً في مالٍ ، بل استيجاب مالٍ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

فإذا ادّعى على غيره بمالٍ ، فإن اعترف المدّعى عليه ، أو قامت له البيّنة ، ثبت له المال ، وتعلّق به حقّ الغرماء. وإن أنكر ولا بيّنة فإن حلف ، برئ ، وسقطت الدعوى.

ولو أقام المفلس شاهداً واحداً بدعواه ، فإن حلف مع شاهده ، جاز ، واستحقّ المال ، وتعلّق به حقّ الغرماء. وإن امتنع ، لم نجبره على اليمين ؛ لأنّا لا نعلم صدق الشاهد ، ولو علمناه ، يثبت الحقّ بشهادته من غير يمين ، فلا نجبره على الحلف على ما لا نعلم صدقه. ولأنّه تكسّب ، وليس واجباً عليه.

ولم يحلف الغرماء مع الشاهد عندنا - وهو الجديد للشافعي ، وبه قال أحمد(٢) - لأنّه لا يجوز للإنسان أن يحلف ليُثبت بيمينه ملكاً لغيره حتى يتعلّق حقّه به ، كما لا يجوز للزوجة أن تحلف لإثبات مالٍ لزوجها وإن كان إذا ثبت ، تعلّقت نفقتها به.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٥.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ - ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥١.

٣٩

وقال في القديم : إنّ الغرماء يحلفون ؛ لأنّ حقوقهم تتعلّق بما يثبت للمفلس كما يحلف الورثة مع شاهدهم بمالٍ(١) لمورّثهم وللوكيل في العقد إذا حالفه مَن العقد معه ، تحالفا وإن ثبت العقد لغيره(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الورثة يُثبتون بأيمانهم الملكَ لأنفسهم ، والوكيل في العقدِ اليمينُ متعلّقةٌ به ؛ لأنّه هو العاقد ، فيُثبت بيمينه فعلَ نفسه ، ولهذا لا يحلف موكّله على ذلك.

وكذا مَنْ مات وعليه دَيْنٌ فادّعى وارثه دَيْناً له على رجل وأقام عليه شاهداً وحلف معه ، يثبت الحقّ ، وجُعل المال في سائر تركاته. وإن امتنع من اليمين أو لم يكن له شاهد ونكل المدّعى عليه عن اليمين ولم يحلف الوارث اليمينَ المردودة ، فهل يحلف الغرماء؟

أمّا عندنا فلا ؛ لما تقدّم. وأمّا عند الشافعي فقولان له :

الجديد كقولنا ؛ لأنّ حقّه فيما يثبت للميّت ، أمّا إثباته للميّت فليس إليه ، ولهذا لو وصّى لإنسانٍ بشي‌ء فمات قبل القبول ولم يقبله وارثه ، لم يكن للغريم القبولُ.

وقال في القديم : يحلف الغريم ؛ لأنّه ذو حقّ في التركة ، فأشبه الوارث(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالقولان أيضاً في اليمين الثابتة بالنكول ، وهو ما إذا‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « على مال » بدل « بمال ».

(٢) نفس المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

- عندنا وعند الشافعيّة(١) - عن الجميع بالأداء ، ورجع على الذي ضمن عنه بخمسة ؛ لأنّها هي التي تثبت في ذمّته ، ولم يرجع على الآخَر بشي‌ء ؛ لأنّه لم يضمن عنه ، وإنّما قضى الدَّيْن عنه تبرّعاً.

وعند الشافعيّة يكون له الرجوع على الذي ضمن عنه بالعشرة ، ولا يرجع على الآخَر بشي‌ء ؛ لأنّه لم يضمن عنه ، وإذا رجع على الذي ضمن عنه ، رجع على الآخَر بنصفها ؛ لأنّه ضمنها عنه وقضاها(٢) .

ولو كان المضمون عنه دفع مال الضمان إلى الضامن بإذنه وقال له : اقض هذا المال للمضمون له عنّي ، فقضاه ، كان أمانةً في يده ؛ لأنّه نائب عنه في دفعه إلى صاحب الدَّيْن ، فإن(٣) تلف قبل الدفع بغير تفريطٍ منه ، لم يضمنه.

وإن دفعه إليه عن الذي ضمنه وقال له : خُذْ هذا عوضاً عمّا ضمنته ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يصحّ ويملكه ؛ لأنّ رجوعه عليه يتعلّق بسبب الضمان والغرم ، فإذا وجد أحد السببين ، جاز أن يدفعه ، كالزكاة.

والثاني : لا يصحّ ولا يملكه ؛ لأنّه يدفعه عوضاً عمّا يغرم ، ولم يغرم بَعْدُ ، فلا تصحّ المعاوضة على ما لم يجب له(٤) .

ويمكن أن يقال : هذا لا يجي‌ء على مذهب الشافعيّة ؛ لأنّ لصاحب الحقّ أن يطالب مَنْ عليه الدَّيْن بذلك ، فكيف تصحّ المعاوضة عنه مع‌

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر ، وراجع : المغني والشرح الكبير ٥ : ٨٩ - ٩٠.

(٣) في « ج » : « وإن ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

٣٨١

توجّه المطالبة به!؟ فإن قلنا : إنّه يملك ، صحّ له التصرّف فيه ، وإلّا فلا ، ويكون مضموناً عليه ؛ لأنّه قبضه على وجه المعاوضة.

مسألة ٥٥٣ : لو ادّعى على رجلٍ حاضرٍ أنّه باع منه ومن الغائب شيئاً بألفٍ وكلٌّ منهما ضامن لصاحبه‌ ، فإن أقرّ الحاضر ، لم يلزمه عندنا إلّا النصف الذي ضمنه ، بناءً على أصلنا من انتقال المال إلى ذمّة الضامن ، وعند الشافعيّة من اشتراك الذمّتين في المال(١) : يؤدّي الحاضر الألف ، فإذا قدم الغائب وصدّقه ، رجع عليه. وإن أنكره وحلف ، لم يكن له الرجوع عليه(٢) .

وأمّا إن أنكر الحاضر الضمانَ ، فإن لم يكن للمدّعي بيّنةٌ ، قُدّم قول المنكر مع يمينه. فإذا(٣) حلف ، سقطت الدعوى عنه.

فإذا قدم الغائب فإن أنكر(٤) ، حلف وبرئ ، وإن اعترف ، لزمه خمسمائة التي ادّعاها عليه ، ويسقط(٥) عنه الباقي ؛ لأنّ المضمون عنه سقطت عنه بيمينه ، قاله بعض الشافعيّة(٦) .

وقال بعضهم : إنّه غير صحيح ؛ لأنّ اليمين لم تبرئه من الحقّ ، وإنّما أسقطت عنه في الظاهر ، فإذا أقرّ به الضامن ، لزمه ، ولهذا لو أقام البيّنة عليه بعد يمينه ، لزمه ولزم الضامن ، فإذَنْ الحقُّ لم يسقط عنه ولا عن الضامن(٧) .

وأمّا إذا أقام على الحاضر البيّنة ، وجب عليه الألف عندهم ، فإذا قدم‌

____________________

(١) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٤٤.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٣ - ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٣ - ٥٠٤.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وإذا ».

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فأنكر » بدل « فإن أنكر ».

(٥) في « ر » والطبعة الحجريّة : « سقط ».

(٦ و ٧) حلية العلماء ٥ : ٨٧.

٣٨٢

الغائب ، لم يكن للحاضر الرجوعُ على الغائب ؛ لأنّه منكرٌ لما شهدت به البيّنة ، مكذّبٌ لها ، مدّعٍ أنّ ما أخذه ظلم ، فلم يرجع(١) .

ونقل المزني أنّه يرجع بالنصف على الغائب(٢) .

وتأوّله الشافعيّة بأُمور ، أحدها : أنّه يجوز أن تُسمع البيّنة مع إقراره ؛ لأنّه يثبت بذلك الحقُّ على الغائب ، فتُسمع عليهما ، أو يكون أنكر شراءه ولم ينكر شراء شريكه والضمان عنه ، بل سكت(٣) .

مسألة ٥٥٤ : لو شرط في الضمان الأداء من مالٍ بعينه ، صحّ الضمان والشرط معاً‌ ؛ لتفاوت الأغراض في أعيان الأموال ، فلو تلف المال قبل الأداء بغير تفريط الضامن ، فالأقرب : فساد الضمان ؛ لفوات شرطه ، فيرجع صاحب المال على الأصيل.

وهل يتعلّق الضمان بالمال المشروط تعلُّقُه به تعلُّقَ الدَّيْن بالرهن أو الأرش بالجاني؟ الأقرب : الأوّل ، فيرجع على الضامن لو تلف.

وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه.

وكذا لو ضمن مطلقاً ومات معسراً على إشكالٍ.

ولو بِيع متعلَّق الضمان بأقلّ من قيمته ؛ لعدم الراغب ، رجع الضامن بتمام القيمة ؛ لأنّه يرجع بما أدّى.

ويُحتمل بالثمن خاصّةً ؛ لأنّه الذي قضاه.

ولو لم يساو المال قدر الدَّيْن ، فالأقرب : الرجوع على الضامن ، ويرجع على المضمون عنه.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٨٨.

(٢) مختصر المزني : ١٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ٨٨.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٨٨.

٣٨٣

وقد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح ، فلو ضمن عنه ما في ذمّته ، صحّ ، ولزمه ما تقوم به البيّنة على ثبوته وقت الضمان ، لا ما يتجدّد ، ولا ما يوجد في دفتر وكتاب ، ولا ما يُقرّ به المضمون عنه أو يحلف عليه المالك بردّ اليمين من المديون.

ولو ضمن ما تقوم به البيّنة ، لم يصح ؛ لعدم العلم بثبوته حينئذٍ.

مسألة ٥٥٥ : لو ضمن الدَّيْنَ اثنان على التعاقب مع صاحب الحقّ عن المديون ، طُولب الضامن الأوّل ، وبطل الثاني‌ ؛ لأنّ الحقّ انتقل من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، فالضامن الثاني لم يصادف ضمانه حقّاً على المضمون عنه للمضمون له.

ولو قال الضامن الثاني : ضمنت لك هذا الدَّيْن على مَنْ كان ، فإن قلنا : يصحّ الضمان عن المجهول ، صحّ هذا الضمان ، وكان ضامناً عن الضامن السابق ، وإلّا بطل.

ولو ضمن الثاني من وكيل صاحب الحقّ ، بطل الثاني.

ولو اتّفق ضمان الأوّل مع صاحب الحقّ وضمان الثاني مع وكيله في الزمان الواحد ، بطل الضمانان معاً ؛ لعدم أولويّة أحدهما بالصحّة والآخَر بالبطلان.

مسألة ٥٥٦ : لو شرط الضمان في مالٍ بعينه ثمّ أفلس وحجر عليه الحاكم ، كان حقّ الضمان في العين التي تعلّق الضمان بها - كالرهن - مقدّماً على حقّ الغرماء‌ ، فإن فضل شي‌ء من حقّ الضمان ، تعلّق حقّ الغرماء بالفاضل ، وإلّا فلا.

٣٨٤

ولو ضمن كلٌّ من المديونين ما على صاحبه ، تعاكست الأصالة والفرعيّة فيهما إن أجازهما المضمون له على ما بيّنّاه ، وتتساقطان إذا أدّى كلّ واحدٍ منهما مالَ الضمان عن صاحبه ، فلو شرط أحدهما كونَ الضمان من مالٍ بعينه وحُجر عليه بفلسٍ قبل الأداء ، رجع على الموسر بما أدّى ، ويضرب الموسر مع الغرماء.

ولو أجاز ضمانَ أحدهما خاصّةً ، رجع عليه بالجميع ، ويرجع المؤدّي على الآخَر بنصيبه ، فإن دفع النصف ، انصرف إلى ما قصده ، ويُصدَّق باليمين ، وينصرف الإبراء إلى ما قصده المبرئ ، فإن أطلق فالتقسيط.

ولو ادّعى الأصيل قصده ، ففي توجّه اليمين عليه أو على الضامن إشكال ينشأ : من عدم توجّه اليمين لحقّ الغير ، ومن خفاء القصد.

ولو تبرّع بالضمان ثمّ سأل ثالثاً الضمانَ عنه فضمن ، رجع عليه ، دون الأصيل وإن أذن له الأصيل في الضمان والأداء.

مسألة ٥٥٧ : لو دفع الأصيل الدَّيْنَ إلى المستحقّ أو إلى الضامن ، فقد برئ ، سواء أذن له الضامن في الدفع أو لا.

ولو ضمن فأنكر الأصيل الإذنَ في الضمان ، قُدّم قوله مع اليمين ، وعلى الضامن البيّنة بالإذن ؛ لأصالة عدمه.

وكذا لو أنكر الأصيل الدَّيْنَ الذي ضمنه عنه الضامن ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ولو أنكر الضامن الضمانَ فاستوفى المستحقّ بالبيّنة ، لم يرجع على‌

٣٨٥

الأصيل إن أنكر الدَّيْنَ أيضاً أو الإذنَ ، وإلّا رجع اقتصاصاً ، إلّا أن ينكر الأصيل الإذنَ ولا بيّنة.

ولو أنكر المستحقّ دفع الضامن بسؤالٍ ، قُدّم إنكاره.

فإن شهد الأصيل ولا تهمة ، قُبلت ، ومع التهمة يغرم ثانياً ، ويرجع على الأصيل بالأوّل مع مساواته الحقّ أو قصوره.

ولو لم يشهد ، رجع بالأقلّ من الثاني والأوّل والحقّ.

مسألة ٥٥٨ : كما ينبغي التنزّه عن الدَّيْن ينبغي التنزّه عن الضمان مع الإعسار ؛ لما فيه من التغرير بمال الغير.

وقد روى أبو الحسن الخزّاز عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول لأبي العباس الفضل : « ما مَنَعك من الحجّ؟ » قال : كفالة تكفّلت بها ، قال : « ما لك والكفالات؟ أما علمت أنّ الكفالة هي التي أهلكت القرون الأُولى؟ »(١) .

وعن داوُد الرقّي عن الصادقعليه‌السلام قال : « مكتوب في التوراة : كفالة ندامة غرامة »(٢) .

وقد روى الحسن(٣) بن خالد عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : قلت له : جُعلت فداك ، قول الناس : الضامن غارم ، قال : فقال : « ليس على الضامن غُرْمٌ ، الغُرْم على مَنْ أكل المال »(٤) . والمراد منه أنّ الضمان يستقرّ على الأصيل.

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٢.

(٣) في المصدر : « الحسين ».

(٤) الكافي ٥ : ١٠٤ - ١٠٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٥.

٣٨٦

٣٨٧

الفصل الثاني : في الكفالة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : العقد.

مسألة ٥٥٩ : الكفالة عقد شُرّع للتعهّد بالنفس ، ويشابه الضمان ، فإنّ الشي‌ء المضمون قد يكون حقّاً على الشخص ، وقد يكون نفسَ الشخص.

وهي عقد صحيح عند عامّة أهل العلم ، وبه قال الثوري ومالك والليث وأبو حنيفة وأحمد والشافعي(١) ، ولا نعرف فيه مخالفاً ، إلّا ما نُقل عن الشافعي من قوله في كتاب الدعاوي : إنّ الكفالة بالبدن ضعيفة(٢) .

وقال في اختلاف العراقيّين وفي الإقرار وفي المواهب وفي كتاب اللعان : إنّ الكفالة بالبدن جائزة(٣) .

واختلف أصحابه.

فقال بعضهم : إنّ الكفالة صحيحة قولاً واحداً ، وأراد بقوله : « إنّها‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٥ ، المعونة ٢ : ١٢٣٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥٣ / ١٩٧٥ ، النتف ٢ : ٧٥٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوجيز ١ : ١٨٤ ، الوسيط ٣ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) الأُم ٣ : ٢٣١ ، و ٦ : ٢٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨.

(٣) الأُم ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩.

٣٨٨

ضعيفة » أي ضعيفة في القياس وإن كانت ثابتةً بالإجماع والأثر.

ومنهم مَنْ قال : إنّ فيها قولين :

أحدهما : أنّها صحيحة ، وهو قول عامّة العلماء.

والثاني : أنّها غير صحيحة ؛ لأنّها كفالة بعين فلم تصح ، كالكفالة بالزوجة وبدن الشاهدَيْن(١) .

والحقّ : الأوّل ؛ لقوله تعالى :( قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ ) (٢) فطلب يعقوبعليه‌السلام من بنيه كفيلاً ببدن يوسفعليه‌السلام ، وقالوا ليوسفعليه‌السلام :( إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ ) (٣) وذلك كفالة بالبدن.

وما رواه العامّة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الزعيم غارم »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أُتي برجل كفل برجلٍ بعينه فأخذ الكفيل ، فقال : احبسوه حتى يأتي بصاحبه »(٥) .

ولإطباق الناس عليه في جميع الأعصار في كلّ الأصقاع ، ولو لم تكن صحيحةً امتنع إطباق الخلق الكثير عليه. ولأنّ الحاجة تدعو إليه ، وتشتدّ الضرورة إليه ، فلو لم يكن سائغاً لزم الحرج والضرورة. ولأنّ ما وجب تسليمه بعقدٍ وجب تسليمه بعقد الكفالة ، كالمال ووجوب تسليم البدن‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨.

(٢) يوسف : ٦٦.

(٣) يوسف : ٧٨.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٤ / ٢٤٠٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٥ / ١٢٦٥ ، سنن الدار قطني ٤ : ٧٠ / ٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٢ ، سنن سعيد ابن منصور ١ : ١٢٥ - ١٢٦ / ٤٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩٢ ، و ٣٩٧ / ٢٢٠٠١.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٦ ، وفيه : « بالمكفول » بدل « الكفيل ».

٣٨٩

يكون بعقد النكاح والإجارة.

مسألة ٥٦٠ : ويصحّ عقد الكفالة حالّةً ومؤجَّلةً عند أكثر علمائنا‌(١) - وبه قال الشافعي(٢) - للأصل الدالّ على الجواز.

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يصحّ ضمان مال ولا نفس إلّا بأجلٍ معلوم(٣) .

وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإذا أطلق عقد الكفالة أو شرط الحلول ، كانت حالّةً ؛ لأنّ كلّ عقدٍ دَخَله الحلول إذا أطلق اقتضى الحلول ، كالثمن.

وإذا ذكر أجلاً ، وجب تعيينه ، فإن أبهم ، كان العقد باطلاً عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لما فيه من الغرر بجهالة الأجل. ولأنّه ليس له وقت يستحقّ مطالبته فيه.

وكذا الضمان.

فإن جَعَله إلى الحصاد والجذاذ والقطاع(٥) ، لم يصح عندنا ، وهو أحد قولَي الحنابلة(٦) .

والأولى عندهم : صحّته ؛ لأنّه تبرّع من غير عوضٍ جعل له أجلاً لا يمنع من حصول المقصود فيه ، فصحّ(٧) .

وعن أحمد رواية : أنّه إذا قيّد الكفالة بساعةٍ ، صحّ ، ولزمه. وتوقّف‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ٣٣٧ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٧٧ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ١١٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠.

(٣) النهاية : ٣١٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، الوسيط ٣ : ٢٤٤ ، الوجيز ١ : ١٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٧٢ و ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٥) في « ث » : « القطاف » بدل « القطاع ».

(٦ و ٧) المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

٣٩٠

لو عيّن الوقت المتّسع(١) .

ولأنّه شرط فيها شرطاً فاسداً فلم يصح مطلقها ؛ لعدم الرضا به ، ولا مقيّدها بهذا الشرط ؛ لفساده.

وللشافعي وجهٌ آخَر : أنّها تصحّ كالعاريّة بأجلٍ مجهول(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ العاريّة لا تلزم ، ولهذا لو قال له : أعرتك أحد هذين الثوبين ، جاز ، وكان له الانتفاع بأحدهما ، ولو قال : كفلت لك بأحد هذين ، لم يصح ، كذا هنا.

مسألة ٥٦١ : عقد الكفالة يصحّ دخول الخيار فيه‌ ، فإن شرط الخيار فيها مدّة معيّنة ، صحّ ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٣) .

وقولِه تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) أمر بالوفاء بالعقد ، وإنّما وقع العقد على هذا الشرط ، وليس منافياً لمقتضاه ، كما لا ينافي غيره من العقود.

وقال الشافعي : إذا شرط في الكفالة الخيار ، بطل العقد ؛ لأنّه عقد لا يجوز فيه شرط الخيار ، فإذا شرطه بطل ، كالسَّلَم والصرف(٥) .

والمقدّمة الأُولى ممنوعة ، والحكم في المقيس عليه ممنوع.

وقال أبو حنيفة : إذا شرط الخيار في الكفالة ، صحّ العقد ، وبطل الشرط ؛ لأنّ الضمان يتعلّق بغرر وخطر ، فلم يفسد بالشرط الفاسد ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٢ و ٧٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) المائدة : ١.

(٥) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

٣٩١

كالنكاح(١) .

مسألة ٥٦٢ : لا بدَّ في العقد من صيغةٍ دالّةٍ على الإيجاب والقبول ، فيقول الكفيل : كفلت لك بدنَ فلان ، أو : أنا كفيل بإحضاره ، أو : كفيل به ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه ؛ لأنّ كلّ ذلك يُعبَّر به عن الجملة.

ولو كفل رأسه أو كبده أو عضواً لا تبقى الحياة بدونه ، أو بجزء شائع فيه ، كثلثه أو ربعه ، قال بعض علمائنا : لا يصحّ ؛ إذ لا يمكن إحضار ما شرط مجرّداً ، ولا يسري العقد إلى الجملة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : تصحّ الكفالة ؛ لأنّه لا يمكن إحضار ذلك المكفول إلّا بإحضار كلّه(٣) . وهو الوجه عندي.

ولو تكفّل بعضو تبقى الحياة بعد زواله ، كيده ورِجْله وإصبعه وغيرها ، للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الصحّة ؛ لأنّه لا يمكنه إحضار هذه الأعضاء على صفتها إلّا بإحضار البدن كلّه ، فأشبه الكفالة بالوجه والقلب. ولأنّه حكم تعلّق بالجملة ، فيثبت حكمه إذا أُضيف إلى البعض ، كالعتق.

والثاني : لا تصحّ ؛ لأنّه لا يمكن(٤) إحضاره بدون الجملة مع بقائها(٥) .

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧.

(٢) راجع : شرائع الإسلام ٢ : ١١٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٤) في المغني والشرح الكبير : « يمكن » بدون « لا » النافية.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، =

٣٩٢

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ الكفالة في جميع ذلك كلّه ، سواء بقيت الحياة بدونه أو لا ، وسواء كان جزءاً مشاعاً أو لا ؛ لأنّ ما لا يسري إذا خصّ به عضواً لم يصح ، كالبيع والإعارة والوصيّة والإجارة(١) .

البحث الثاني : في الكفيل والمكفول والمكفول له.

مسألة ٥٦٣ : يُشترط في الكفيل البلوغُ والعقلُ والحُرّيّةُ وجوازُ التصرّف‌ ، فلا تصحّ كفالة الصبي ولا المجنون ولا العبد ولا مَنْ لا يجوز تصرّفه ، كالسكران والغافل والنائم والساهي والمحجور عليه للسفه والفلس ؛ لأنّ الكفالة تستلزم غرم المال مع عدم الإحضار ، وهؤلاء كلّهم ممنوعون من التصرّف في أموالهم.

ولا يُشترط ذلك في المكفول ولا في المكفول له ، فإنّه تجوز الكفالة للصبي والمجنون وغيرهما إذا قَبِل الوليّ.

مسألة ٥٦٤ : يُشترط رضا الكفيل ، فلا تصحّ كفالة المكره على الكفالة‌ ؛ لأنّه لا يصحّ أن يلزمه الحقّ ابتداءً إلّا برضاه. ولا نعلم فيه خلافاً.

وكذا يُعتبر رضا المكفول له ؛ لأنّه صاحب الحقّ ، فلا يجوز إلزامه شيئاً بغير رضاه ، وكما يُعتبر رضا المرتهن في الارتهان ، كذا المكفول له يُعتبر رضاه في الكفالة.

وقال أحمد : لا يُعتبر رضاه ؛ لأنّها(٢) التزام حقٍّ له من غير عوض ،

____________________

= التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥ ، المغني ٥ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٠ - ١٠١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٣٩٣

فلم يُعتبر رضاه فيها(١) .

وليس بصحيح.

أمّا المكفول به فلا يُعتبر رضاه ، بل تصحّ الكفالة وإن كره المكفول به ، عند علمائنا - وبه قال ابن سريج من الشافعيّة(٢) - لأنّها وثيقة على الحقّ ، فصحّت بغير أمر مَنْ عليه ، كالضمان.

وقال عامّة الشافعيّة - وهو منقول عن الشافعي - : إنّه يُعتبر رضا المكفول(٣) به ؛ لأنّه إذا لم يأذن المكفول به في الكفالة لم يلزمه الحضور معه ، فلم يتمكّن من إحضاره ، فلم تصحّ(٤) كفالته ؛ لأنّها كفالة بغير المقدور عليه ، بخلاف الضمان ؛ لأنّه يمكنه الدفع من ماله ، ولا يمكنه أن ينوب عنه في الحضور(٥) .

ونمنع عدم لزوم الحضور.

وخلاف الشافعيّة هنا مبنيّ على أنّ الكفيل هل يغرم عند العجز؟ إن قلنا : لا يغرم ، لم تصح الكفالة ؛ لأنّه إذا تبرّع لم يتمكّن من إحضاره ؛ إذ لا تلزمه الإجابة ، فلا تفضي الكفالة إلى مقصودٍ. وإن قلنا : نعم ، يغرم عند العجز(٦) .

فعلى قولنا إذا تكفّل به بغير أمره فطالَبه المكفول له بإحضاره ، وجب‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ٧٣.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المضمون » بدل « المكفول ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « فلا تصحّ ».

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١ ، المغني ٥ : ١٠٣ - ١٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥.

٣٩٤

عليه إحضاره ، ووجب على المكفول به الحضورُ ، لا من جهة الكفالة ، ولكن لأنّ المكفول له أمره بإحضاره ، فهو بمنزلة وكيله في مطالبته بحضوره.

ولو لم يقل المكفول له : أحضره ، ولكن قال : أُخرج إليَّ من كفالتك ، أو : أُخرج عن حقّي ، فهل يجب على المكفول به الحضور؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّ ذلك يتضمّن الإذن له في إحضاره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة على قول ابن سريج.

والثاني : لا يلزمه ؛ لأنّه طالَبه بما عليه من الإحضار ، فعلى هذا له حبسه ، ولا يلزم المكفول به الحضور(١) .

وهو باطل ؛ لأنّه يحبس على ما لا يقدر عليه.

مسألة ٥٦٥ : يُشترط في المكفول به التعيينُ ، فلو قال : كفلت أحد هذين ، أو كفلت زيداً أو عمرواً ، لم يصح ؛ لأنّه لم يلتزم بإحضار أحدهما بعينه.

وكذا لو قال : كفلت لك ببدن زيد على أنّي إن جئت به وإلّا فأنا كفيل بعمرو ، لم يصح ؛ لأنّه لم يلتزم إحضار أحدهما بعينه. ولأنّه علّق الكفالة في عمرو بشرطٍ ، والكفالة لا تتعلّق بالشرط ، فلو قال : إن جئت فأنا كفيل به ، لم يصح. وكذا لو قال : إن جاء زيد فأنا كفيل به ، أو : إن طلعت الشمس ، وبذلك كلّه قال الشافعي(٢) .

ولو قال : أنا أُحضره ، أو أُؤدّي ما عليه ، لم يكن كفالةً.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨١ و ١٩٠ و ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ و ١٦٧ و ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧ و ٤٩٣ و ٤٩٦.

٣٩٥

مسألة ٥٦٦ : كلّ مَنْ عليه حقٌّ ماليٌّ صحّت الكفالة ببدنه‌ ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال ؛ لأنّ الكفالة إنّما هي بالبدن لا بذلك المال ، والبدن معلوم ، فلا تبطل الكفالة لاحتمال عارضٍ. ولأنّا قد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح ، وهو التزام المال ابتداءً ، فالكفالة التي لا تتعلّق بالمال ابتداءً أولى ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا تصحّ كفالة مَنْ عليه حقٌّ مجهول ؛ لأنّه قد يتعذّر إحضار المكفول به ، فيلزمه الدَّيْن ، ولا يمكن طلبه منه ؛ لجهله. ولأنّهم قالوا ذلك بناءً على أنّه لو مات ، غرم الكفيل ما عليه(٢) .

وهذا عندنا غير صحيح.

مسألة ٥٦٧ : يُشترط أن يكون ذلك المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه‌ ، فلو تكفّل ببدن مَنْ لا دَيْن عليه أو مَنْ جعل جعالة قبل الفعل والشروع فيه ، لم يصح.

ولو تكفّل ببدن المكاتب للنجوم التي عليه ، صحّ عندنا ؛ لأنّ مال الكتابة عندنا ثابت في ذمّة المكاتب على ما سلف(٣) .

وللشيخ قولٌ بعدم الثبوت ؛ لأنّ له أن يُعجّز نفسه(٤) ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ - ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٣) في ص ٣١٦ ، المسألة ٥٠٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٩٧ و ٣٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

٣٩٦

فعلى هذا لا تصحّ كفالة بدن المكاتب للنجوم التي عليه ؛ لأنّه لو ضمن النجوم لم يصح ، فالكفالة بالبدن للنجوم أولى أن لا تصحّ. ولأنّ الحضور لا يجب على المكاتب ، فلا تجوز الكفالة به ، كدَيْن الكتابة.

مسألة ٥٦٨ : إذا كان عليه عقوبة ، فإن كانت من حقوق الله تعالى - كحدّ الزنا والسرقة والشرب - لم تصح الكفالة ببدنه عليها‌ عند علمائنا - وهو المشهور من مذهب الشافعي(١) - لأنّ الكفالة للتوثيق ، وحقوق الله تعالى مبنيّة على الإسقاط ، وينبغي السعي في دفعها ما أمكن ، ولهذا لـمّا أقرّ ماعز بالزنا عرض له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرجوع والإنكار ، فقال له : « لعلّك قبّلتها ، لعلّك لامَسْتَها » وأعرض بوجههصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(٢) .

وطرّد القاضي ابن سلمة وابن خيران من الشافعيّة القولين فيه(٣) .

والخلاف في هذا الباب شبيه الخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي.

وأمّا إن كانت العقوبة من حقوق الآدميّين - كالقصاص وحدّ القذف - فالأقرب عندي : ثبوتها في القصاص ، أمّا الحدّ فلا تصحّ الكفالة به ؛ لما رواه العامّة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ( عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه )(٤) قال : « لا كفالة في حدٍّ »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الصدوقرحمه‌الله عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٧ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٢١ / ١٣١ و ١٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٣٩٤ / ٢١٣٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٣٣٨ / ١١٩٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ج ، ر » : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٥) الكامل - لابن عدي - ٥ : ١٦٨١ ، تاريخ بغداد ٣ : ٣٩١.

٣٩٧

قال : قضى أنّه لا كفالة في حدٍّ(١) .

وهذا القول بعدم صحّة الكفالة في الحدّ قولُ أكثر العلماء ، وبه قال شريح والحسن البصري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد(٢) .

واختلف قول الشافعي فيه.

فقال في باب اللعان : إنّه لا يكفل رجل في حدٍّ ولا لعان(٣) .

ونقل المزني عنه أنّه قال : تجوز الكفالة بمن(٤) عليه حقّ أو حدّ(٥) .

واختلف أصحابه في ذلك على طُرق أظهرها عندهم - ويُحكى عن ابن سريج - أنّه على قولين :

أحدهما : الجواز ؛ لأنّه حقٌّ لازم لآدميٍّ ، فصحّت الكفالة به ، كسائر حقوق الآدميّين. ولأنّ الحضور مستحقٌّ عليه ، فجاز التزام إحضاره.

والثاني : المنع ؛ لأنّ العقوبات مبنيّة على الدفع ، ولهذا قالعليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات »(٦) فينبغي إبطال الذرائع المؤدّية إلى توسيعها وتحصيلها. ولأنّه حقٌّ لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذّر إحضار المكفول به ، فلم تصح الكفالة بمن(٧) هو عليه ، كحدّ الزنا(٨) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٤ / ١٨٤.

(٢) المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

(٣) الأُم ٥ : ٢٩٧ ، مختصر المزني : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لمن » بدل « بمن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٠.

(٦) تاريخ بغداد ٩ : ٣٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٣ : ٣٤٧.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ممّن » بدل « بمن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

٣٩٨

وأبو حامد من الشافعيّة بنى القولين على أنّه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم الكفيل ما عليه من الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الكفالة ؛ لأنّه لا يمكن مؤاخذته بما عليه. وإن قلنا : لا ، صحّت ، كما لو تكفّل ببدن مَنْ عليه مالٌ(١) .

وقضيّة هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظهر.

وهو اختيار القفّال(٢) .

وادّعى الروياني أنّ المذهب المنعُ(٣) .

الطريق الثاني للشافعيّة : القطع بالجواز ، وحَمْلُ ما ذكره في اللعان على الكفالة بنفس الحدّ(٤) .

الطريق الثالث : القطع بالمنع ؛ لأنّه لا تجوز الكفالة بما عليه ، فلا تجوز ببدنه(٥) .

والضابط في ذلك أن نقول : حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه ، فكلّ مَنْ يلزمه حضور مجلس الحكم عند [ الاستدعاء ](٦) أو يستحقّ إحضاره تجوز الكفالة ببدنه.

مسألة ٥٦٩ : لو ادّعى شخصٌ زوجيّةَ امرأةٍ ، صحّت الكفالة ببدنها ؛ لوجوب الحضور عليها إلى مجلس الحكم. وكذلك الكفالة بها [ لمن ](٧) ثبتت زوجيّته.

وقال بعض الشافعيّة : الظاهر أنّ حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن‌

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الاستعداء ». والظاهر ما أثبتناه.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثمّ ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٩٩

مَنْ عليه القصاص ؛ لأنّ المستحقّ عليها لا يقبل النيابة(١) .

ولو تكفّل ببدن عبدٍ آبقٍ لمالكه ، صحّ ، ويلزمه السعي في ردّه.

ويتأتّى فيه ما قيل في الزوجة.

ومَنْ في يده مالٌ مضمون - كالغصب والمستام والعارية بشرط الضمان - تصحّ كفالتُه وضمانُ عين المغصوب والمستام ليردّها على مالكها ، فإن ردَّ ، برئ من الضمان. وإن تلفت ، ففي إلزامه بالقيمة وجهان ، الأقرب : العدم.

وتصحّ كفالة المستودع والأمين ؛ لوجوب ردّ الوديعة عليه.

والميّت قد يستحقّ إحضاره ليقيم الشهود الشهادة على صورته إذا تحمّلوها كذلك من غير معرفة النسب ولا الاسم ، فتصحّ الكفالة على إحضار بدنه.

وأيضاً الصبي والمجنون قد يستحقّ إحضارهما لإقامة الشهادة على صورتهما في الإتلاف وغيره ، فتجوز الكفالة ببدنهما.

ثمّ إن كفل بإذن وليّهما ، فله مطالبة وليّهما بإحضارهما عند الحاجة.

وإن كفل بغير إذنه ، فهو كالكفالة ببدن العاقل بغير إذنه ، وقد بيّنّا(٢) جوازه عندنا.

وللشافعي قولان(٣) .

قال(٤) الجويني : لو كفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة ، فالكفالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) في ص ٣٩٣ ، ضمن المسألة ٥٦٤.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧ ، وراجع الهامش ( ٢ و ٥ ) من ص ٣٩٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « وقال ».

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510