تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406054 / تحميل: 5175
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثالث و الخمسون في الفتن و الشبه و البدع

١٦١

١ في أوّل الباب الثالث من النهج باب المختار

من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله و الكلام القصير الخارج في ساير أغراضه .

قالعليه‌السلام :

كُنْ فِي اَلْفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ قول المصنّف : « باب المختار » هو القسم الأخير من كتابه « من حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام » اقتصر عليه في ( المصرية ) و زاد ابن أبي الحديد و ابن ميثم : « و مواعظه » و هو الصحيح لأصحية نسختيهما لا سيما الأخير الذي نسخته بخط المصنف .

و لأنّ فيه مواعظ كثيرة و منها في العنوان ( ١٥٠ ) كلامهعليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه الذي قال المصنف فيه « و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة » .

١٦٢

و وصف الشعبي كلامهعليه‌السلام في الحكم و غيرها فقال : تكلّم أمير المؤمنينعليه‌السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في الحكمة و ثلاث في المناجاة و ثلاث في الأدب ، أما اللائي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه .

و أما اللائي في المناجاة فقال : اللّهم كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب و أما اللائي في الأدب فقال : امنن على من شئت تكن أميره ، و استغن عمّن شئت تكن نظيره و احتج إلى من شئت تكن أسيره(١) .

« و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسألته » ترى أجوبة مسألته في العناوين ( ١٦ ) ( ٣٠ ) ( ٩٤ ) ( ١٢٠ ) ( ١٥٠ ) ( ٢٢٧ ) ( ٢٢٩ ) ( ٢٣٥ ) ( ٢٦٦ ) ( ٢٨٧ ) ( ٢٩٤ ) ( ٣٠٠ ) ( ٣١٨ ) ( ٣٥٦ ) ( ٤٧٠ ) .

« و الكلام القصير » كان حاجب هشام بن عبد الملك يأمر منتجعيه بالإيجاز في الكلام ، فقام أعرابي فقال : إنّ اللَّه تعالى جعل العطاء محبة و المنع مبغضة فلأن نحبك خير من أن نبغضك فأعطاه و أجزل له .

« الخارج في سائر أغراضه » أي باقي مقاصده ، و الأصل في ( الغرض ) الهدف و ( سائر ) يأتي بمعنى الجميع و معنى الباقي ، و الأخير هو المراد هنا .

قوله « كن في الفتنة » الأصل في « الفتنة » قولهم « دينار مفتون » فتن بالنار ، و كلّ شي‏ء ادخل النار فقد فتن ، و قالوا « الناس عبيد الفتانين » أي الدرهم و الدينار .

« كابن اللبون » ابن اللبون : ولد الناقة الذكر إذا دخل في الثالثة ، لأن امّه

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق : ١٨٦ .

١٦٣

وضعت غيره فصار لها لبن ، و الانثى بنت اللبون ، و يجمعان بنات اللبون .

« لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب » نظيره قول حاجب بن زرارة في القعقاع :

ما هو رطب فيعصر و لا يابس فيكسر .

و في المثل : لا تكن حلوا فتزدرد و لا مرّا فتلفظ .

و من الأمثال في الاعتزال قولهم : لا ناقة لي في هذا و لا جمل و قالوا : ان كنت من أهل الفطن فلا تدر حول الفتن .

ثم كما لا ينتفع بابن اللبون لصغره كذلك بالثلب لكبره ، و هو الذي انكسرت أنيابه من شدّة هرمه ، و إنما الانتفاع الكامل بالناب الذي في وسط الشباب ، قال بعضهم :

ألم تر أن الناب يحلب علبة

و يترك ثلب لا ضراب و لا ظهر

قال ابن أبي الحديد : أيام الفتنة هي أيام الخصومة بين رئيسين ضالين يدعوان كلاهما إلى ضلالة ، كفتنة عبد الملك و ابن الزبير و فتنة مروان و الضحاك و فتنة الحجاج و ابن الأشعث ، و أما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين(١) .

قلت : إن جانبوا العصبية و أرادوا فهم الحقيقة فأول أيام الفتنة أيام أوّلهم ، ففي ( الطبري ) : قال أبو مويهبة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعث إليّ النبي من جوف الليل فقال : يا أبا مويهبة إنّي قد امرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السّلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى إلى أن قال ثم انصرف فبدأ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

١٦٤

بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه الذي قبض فيه(١) .

و في ( بلاغات نساء أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) من رجالهم في ذكره خطبة سيّدة نساء العالمين باتفاق فرق المسلمين لما منعها أبو بكر فدك و في الخطبة : فأنقذكم اللَّه برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا و التي ، و بعد ما مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب ، كلّما حشوا نارا للحرب أطفأها و نجم قرن للضلال و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات اللَّه قريبا من رسول اللَّه سيّدا في أولياء اللَّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون ، حتى إذا اختار اللَّه تعالى لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلّة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفلين و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير أبلكم و أوردتموها غير شربكم ، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجراح لما يندمل ، بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين(٢) .

و روى الإسكافي منهم في نقضه ( عثمانية الجاحظ ) عن أبي رافع قال :

أتيت أبا ذر بالربذة اودّعه ، فلما أردت الانصراف قال لي و لا ناس معي :

ستكون فتنة فاتقوا اللَّه و عليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه ، فإني سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة ، و أنت الصدّيق الأكبر ، و أنت الفاروق الذي تفرّق بين الحق و الباطل ،

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٢ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ١٣ ١٤ .

١٦٥

و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين ، و أنت أخي و وزيري و خير من أترك بعدي(١) .

ثم ما قاله ابن أبي الحديد : من فتنة الحجاج و ابن الأشعث خلاف عقيدة أهل نحلته ، فإنّ عندهم كان قيام ابن الأشعث فتنة ، و أمّا الحجاج فكان عامل من بايعه جميع الناس و كان عندهم خليفة حقّا و أميرا للمؤمنين به .

و كذلك قوله « فتنة عبد الملك و ابن الزبير » غير صحيح عند أهل ملته ، فانّه عندهم كان ابتداء ابن الزبير ولي اللَّه و عبد الملك عدوّ اللَّه ، و لما غلب عبد الملك صار هو ولي اللَّه و ابن الزبير عدوّ اللَّه(٢) .

ففي ( كامل المبرد ) : خرج مصعب بن الزبير إلى باجميراء ، ثم أتى الخوارج خبر مقتله بمسكن و لم يأت المهلب و أصحابه ، فتواقفوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج : ما تقولون في المصعب ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : ضالّ مضل فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل صعب و إنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلما تواقفوا ناداهم الخوارج : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : يا أعداء اللَّه بالأمس ضال مضل و اليوم امام هدى ، يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللَّه(٣) .

و الخوارج و إن طعنوا عليهم بكون ما عليهم خلاف العقل و خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها ، إلاّ أنّه يقال لهم : إنّ ذلك لازم لكم أيضا بموافقة العامة في إمامة صديقهم و صديقه ، فلا يمكن القول بالملزوم و ترك اللازم .

____________________

( ١ ) نقض العثمانية لأبي جعفر الإسكافي : ٢٩٠ ملحقة بالعثمانية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٣ : ١١٠١ ١١٠٢ .

١٦٦

و أما قوله « إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين » فأيضا أهل ملّته غير معترفين به ، فهذا ابن عبد البر من أئمتهم قال في سعد بن أبي وقاص الذي لم يشهد الجمل و صفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام :

كان ممّن قعد و لزم بيته في الفتنة و أمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشي‏ء حتى تجتمع الامة على إمام(١) .

و قال في ترجمة ابن فاروقهم : قيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية و لم يبايع عليّا ؟ فقال : كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة و لا يمنعها من جماعة ، و لم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه(٢) .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي يصير معاوية الذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه في غير موطن و عدوّ الدين أولى بالإمامة من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي جعله اللَّه تعالى في كتابه كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله .( و أنفسنا و أنفسكم . ) (٣) و جعله النبي بمنزلة نفسه في المتواتر منه في قوله للناس : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .

لا يقال : انّما قال « من كنت مولاه فعلي مولاه » لا ما قلت قلت : ما ذكرته ان لم يكن لفظه هو معناه ، ألم يكن قال تلك الجملة بعد قوله للناس « ألست بكم أولى من أنفسكم » و قول الناس له « بلى أنت أولى بنا من أنفسنا » فهل يصير معناها غير ما قلناه .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي هو خلاف ناموس الإنسانية ، حتى ان الحجاج الذي قال عمر بن عبد العزيز الذي هو أحد خلفائهم : لو أنّ جميع الامم جاءت

____________________

( ١ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٩٥٣ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

١٦٧

يوم القيامة كلّ واحدة منهم بشرارهم و جئناهم بالحجاج لغلبنا جميعهم لم يرضه ، فقال الاسكافي أحد أئمتهم في نقض ( عثمانيته ) : امتنع ابن عمر من بيعة عليعليه‌السلام و طرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، زعم لأنّه روي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « من مات و لا إمام له مات ميتة جاهلية »(١) و حتى بلغ من احتقار الحجاج له و استرذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال : اصفق بيدك عليها قال و رواه بعضهم و زاد : و لما خرج قال الحجاج : ما أحمق هذا يترك بيعة علي و يأتيني مبايعا في ليله .

٢ الخطبة ( ٩١ ) إِنَّ اَلْفِتَنَ

إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْلَ اَلرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً أقول : رواه الثقفي في أول ( غاراته ) باسنادين عن زر بن حبيش عنهعليه‌السلام : الأول عن إسماعيل بن ابان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمرو عن ذر و الثاني عن أحمد بن عمران الأنصاري عن أبيه عن أبن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر قال : خطب عليعليه‌السلام بالنهروان إلى أن قال فقام إليه رجل آخر فقال لهعليه‌السلام : حدّثنا عن الفتن قال : ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات ، ان الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا و يخطئن اخرى(٢) .

« ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت » في ( نهاية الجزري ) : التشابه قسمان ، قسم إذا ردّ إلى المحكم يفهم معناه ، و قسم لا سبيل إلى معرفة

____________________

( ١ ) نقض العثمانية : ٣٠١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٧ .

١٦٨

حقيقته ، فالمتتبع له متتبع للفتنة ، لأنّه لا يكاد ينتهي إلى شي‏ء تسكن إليه نفسه ، و منه حديث ذكر فيه فتنة « تشبه مقبلة و تبين مدبرة » أي أنّها إذا أقبلت شبهت على القوم و أرتهم أنّهم على الحق حتى يدخلوا فيها و يركبوا منها ما لا يجوز ، فإذا أدبرت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنّه كان على الخطأ(١) .

« ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات » قد عرفت أنّ ( غارات الثقفي ) رواه « يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات » .

« يحمن حول الرياح » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « حوم الرياح » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) ، مع أنّه لا معنى لما في ( المصرية ) ، فالفتن لا يدرن حول الرياح بل يدرن حول الناس دور الرياح ، من قولهم « حام الطائر حول الشي‏ء حوما » أي دار .

« يصبن بلدا و يخطئن اخرى » أي كما أن الرياح الشديدة تصيب بلدا و تخطى‏ء بلدا كذلك الفتن يصبن بلدا فيبتلى الناس بوخامتهن و يخطئن بلدا فيسلمون منها .

٣ الحكمة ( ٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْأُمُورَ إِذَا اِشْتَبَهَتْ اُعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا كان العباسيون يدّعون إجراء العدالة إذا ظهروا إلاّ انّه كان حالهم في الآخر معلومة من أوّلها .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير للجزري ٢ : ٤٤٢ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٣٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٤٤ الخطبة ( ١٩٢ ) ، أمّا شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٨ ، بلفظ « حول » ، أما الخطبة ٧٤ بلفظ « حوم » .

١٦٩

و لما بايعت الأوس أبا بكر لئلا يصير الأمر إلى الخزرج و كانت بينهما رقابة من الجاهلية ، قال لهم المنذر بن الحباب : فعلتموها أما و اللَّه لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم و لا يسقون الماء .

و صار كما قال(١) .

٤ الحكمة ( ٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اِسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اِعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ١ ٧ ٨ : ٢٨ وَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ اَلسَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَ اَلرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَكِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ اَلذُّكُورَ وَ يَكْرَهُ اَلْإِنَاثَ وَ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ اَلْمَالِ وَ يَكْرَهُ اِنْثِلاَمَ اَلْحَالِ و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير « لا يقولن أحدكم اللّهم اني أعوذ بك من الفتنة » قال ابن بابويه في ( توحيده ) :

الفتنة على عشرة أوجه : فوجه الضلال ، و الثاني : الاختبار و هو قوله تعالى .( و فتناك فتونا ) .(٢) ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ) (٣) و الثالث : الحجّة و هو قوله تعالى( ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا

_ ___________________

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٨٦ .

( ٢ ) طه : ٤٠ .

( ٣ ) العنكبوت : ١ ٢ .

١٧٠

 و اللَّه ربنا ما كنّا مشركين ) (١) و الرابع : الشرك و هو قوله تعالى .( و الفتنة أشدّ من القتل ) .(٢) و الخامس : الكفر و هو قوله تعالى .( ألا في الفتنة سقطوا ) .(٣) و السادس : الإحراق بالنار و هو قوله تعالى( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ) . .(٤) و السابع : العذاب كقوله تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٥) ( ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ) (٦) .( و من يرد اللَّه فتنته فلن تملك له من اللَّه شيئا ) . .(٧) و الثامن : القتل كقوله تعالى .( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) .(٨) ( فما آمن لموسى إلاّ ذريّة من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم ) .(٩) و التاسع : الصدّ كقوله تعالى( و ان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك ) .(١٠) و العاشر : شدّة المحنة كقوله تعالى .( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) (١١) ، و قد زاد علي بن ابراهيم وجها آخر ، و هو المحبة كقوله تعالى .( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(١٢) و عندي أنّه المحنة بالنون لا المحبة بالباء لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « الولد مجبنة مبخلة »(١٣) .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٢٣ .

( ٢ ) البقرة : ١٩١ .

( ٣ ) التوبة : ٤٩ .

( ٤ ) البروج : ١٠ .

( ٥ ) الذاريات : ١٣ .

( ٦ ) الذاريات : ١٤ .

( ٧ ) المائدة : ٤١ .

( ٨ ) النساء : ١٠١ .

( ٩ ) يونس : ٨٣ .

( ١٠ ) الاسراء : ٧٣ .

( ١١ ) يونس : ٨٥ .

( ١٢ ) الأنفال : ٢٨ .

( ١٣ ) بحار الأنوار ١٠٤ : ٩٧ رواية ٦٠ ب ٢ .

١٧١

قلت : و المفهوم من الخليل أن الأصل في معناه الإحراق ، فقال : الفتن الإحراق(١) ، قال تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٢) ، و ورق فتين أي فضة محرقة و يقال للحرة فتين كأن حجارتها محرقة .

هذا ، و عن الأصمعي لا يقال أفتنته بل فتنته ، ورد عليه بقول أعشى همدان في سعيد بن جبير :

لئن أفتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلى كلّ مسلم(٣) و عن ام عمرو بنت الأهتم : مررنا بمجلس فيه سعيد بن جبير و نحن جوار و معنا جارية تغني بدف معها و تنشد البيت « لئن أفتنتني . » ، فقال سعيد : كذبتن كذبتن .

« لأنّه ليس أحد إلاّ و هو مشتمل على فتنة » و لو بالمال أو الولد ، و لأنّ سنته تعالى فتن عباده و لن تجد لسنته تبديلا ، قال تعالى( أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فَليعلمنَّ اللَّه الذين صدقوا و ليعلَمَنَّ الكاذبين ) (٤) .

« و لكن من استعاذ فليستعذ باللَّه من مضلاّت الفتن » كما في فتنة بني اسرائيل بالعجل الذي أضلّهم السامري به حتى تركوا هارون و أرادوا قتله .

و كما في فتنة المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل فتنة بني اسرائيل بجعل الثاني الأول عجله حتى تركوا خليفة نبيّهم و أرادوا قتله ، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم في المتواتر : لتتبعن بني إسرائيل حذوا بحذو حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

____________________

( ١ ) العين لأحمد الفراهيدي ٨ : ١٢٧ مادة ( فتن ) .

( ٢ ) الذاريات : ١٣ .

( ٣ ) العين للفراهيدي ٨ : ١٢٨ مادة ( فتن ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٢ ٣ .

١٧٢

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في قصة السقيفة فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو لضرب عنقك قال : إذن تقتلون عبد اللَّه و أخا رسوله قال عمر : أما عبد اللَّه فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه ؟ فقال : لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح و يبكي و ينادي : يابن امّ إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني إلى آخر ما ذكر(١) .

هذا ، و روى ( توحيد الصدوق ) أنّه تعالى قال : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالفقر و لو أغنيته لأفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى و لو أفقرته لأفسده ، و ان منهم لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم و لو صححت جسده لأفسده ذلك ، و إنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحّة و لو أسقمته لأفسده ، و إنّي ادبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإنّي عليم خبير(٢) .

« فإنّ اللَّه سبحانه يقول( و اعلموا أنّما أموالكم و أولادكم فتنة و أن اللَّه عنده أجر عظيم ) (٣) .

« و معنى ذلك أنّه سبحانه » سقطت كلمة « سبحانه » من ( المصرية )(٤) مع وجودها في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية )(٥) .

____________________

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٣ .

( ٢ ) التوحيد للصدوق : ٣٩٨ ح ١ .

( ٣ ) الأنفال : ٢٨ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٧٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٢٨٧ .

١٧٣

« يختبرهم » أي : يمتحنهم .

« بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه » في الأموال .

« و الراضي بقسمه » في الأولاد .

« و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم » .( فليعلمن اللَّه الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ) (١) .

« و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب » لأن الجزاء على العمل لا مجرّد النيّة و مقتضى الطوية ، و إن كان هو تعالى يثيب على مجردهما تفضلا و لا يؤاخذ على صرفهما تكرّما .

« لأنّ بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث » حتى قال تعالى( في مثلهم و إذا بُشّر أحدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم يتوارى عن القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (٢) .

قالوا : و لحب الناس الذكور و كراهتم للإناث و كان الواجب عليهم التسليم لمشيته تعالى شأنه قدّم عز و جل هبة الإناث على الذكور فقال .( يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور ) (٣) .

« و بعضهم يحبّ تثمير المال و يكره انثلام الحال » أي وقوع الخلل فيه ، قال تعالى( و إنّه لحبّ الخير لشديد ) (٤) و فسر الخير هنا بالمال .

و قال تعالى في امتحان عبيده بالمال و الولد و غيرهما( و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات

_ ___________________

( ١ ) العنكبوت : ٣ .

( ٢ ) النحل : ٥٨ ٥٩ .

( ٣ ) الشورى : ٤٩ .

( ٤ ) العاديات : ٨ .

١٧٤

 و بشّر الصابرين ) (١) .

« و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير » و لو كان قال ما روي عنهعليه‌السلام بدل ما سمع منهعليه‌السلام كان أحسن .

جعله من غريب التفسير لأنّ المتبادر من كون الأموال فتنة أنّ الانسان يطغى أن رآه استغنى ، و أنّ كثيرا من الناس يميل المال بهم إلى الشهوات كما أنّ كثيرا منهم يصعب عليهم إخراج الحقوق التي أوجب اللَّه تعالى عليهم في المال فيهلكون كما ان المتبادر من كون الأولاد فتنة أنّهم يصيرون سببا للتخلّف عن الجهاد ، و البخل عن الزكاة ، و تحصيل المال لهم من غير طريق المشروع لو ضاق عليه المشروع و لموافقة الآباء غالبا أهواء أبنائهم المهوية ، كما اتفق للزبير مع ابنه ، فقالعليه‌السلام : ما زال الزبير منّا حتى نشأ ابنه الميشوم .

و روت العامة في تفسير الآية عن بريدة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب فجاء الحسن و الحسينعليهما‌السلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران ، فنزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما فأخذهما و وضعهما في حجره على المنبر و قال : صدق اللَّه تعالى( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(٢) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما(٣) .

هذا ، و مما روي عنهعليه‌السلام من غريب التفسير غير ما مرّ أنّهعليه‌السلام قال :

الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و لو بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الآية . و اذكر ربّك إذا نسيت .(٤) .

و أنّهعليه‌السلام قال : تستحب المقاربة مع أهله ليلة أول شهر الصيام لقوله

____________________

( ١ ) البقرة : ١٥٥ .

( ٢ ) التغابن : ١٥ .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦١٦ ح ٣٧٧٤ .

( ٤ ) الكافي ٧ : ٤٤٨ الرواية ٦ ، و الآية ٢٤ من سورة الكهف .

١٧٥

تعالى( اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) . .(١) .

٥ في الخطبة ( ١٤٣ ) منها :

وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا اَلْبِدَعَ وَ اِلْزَمُوا اَلْمَهْيَعَ إِنَّ عَوَازِمَ اَلْأُمُورِ أَفْضَلُهَا إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا « و ما احدثت بدعة إلاّ ترك بها سنة » قال ابن أبي الحديد : البدعة كلّ ما لم يكن في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنها الحسن كصلاة التراويح و منها القبيح كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية و إن كانت قد تكلّفت الأعذار عنها(٢) .

قلت : صلاة التراويح أيضا من بدع ، قالعليه‌السلام ترك بها سنة ، و كيف تكون حسنة و كانت تشريعا في قبال الدين ، و إنما التشريع للَّه تعالى( ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إنّ لكم فيه لما تخيرون ) (٣) .

ما كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشرّع شيئا من قبل نفسه إلاّ بوحي منه تعالى إليه ، فكيف كان لعمر الذي أفحمته مرأة في أنفها فطس في حظره جعل الصداق أكثر من خمسمائة درهم بأنّه تعالى قال .( و آتيتم إحداهن قنطاراً ) .(٤) فقال : كل الناس أفقه من عمر .

و روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه

____________________

( ١ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) القلم : ٣٦ ٣٨ .

( ٤ ) النساء : ٢٠ .

١٧٦

ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها تفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي و قليل من شيعتي ، و اللَّه لقد أمرت أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي يا أهل الاسلام لقد غيرت سنّة عمر نهينا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و قد خفت أن يثوروا في ناحية عسكري(١) .

و روى محمد بن علي بن بابويه عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان في جماعة بدعة ، و صلاة الضحى بدعة ، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(٢) .

و روى محمد بن يعقوب الكليني : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مر برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة ، فغمز جنبه بالدرة و قال : نحرت صلاة الأوابين نحرك اللَّه(٣) .

و أما أعمال عثمان و لم قال كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية كنفيه أبا ذر و ضربه عمارا و نهبه بيت المال لأقاربه و توليته لهم حتى يصلّوا بالناس سكارى و يصلّوا الصبح أربعا و يغنوا في الصلاة و غيرها من نظائرها فشنائع ينكرها الموحد و الملحد و المسلم و الكافر .

و أما ما قاله من تكلّف الأعذار الذي نوريهم ، فالتكلّف لعدم منكرية عداوة أبي جهل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرب إلى العقول منه .

ثم جعلها في عداد البدع كصلاة التراويح في غير محله .

____________________

( ١ ) سليم بن قيس ، لا وجود له في الطبعة النجفية ، لعل المؤلف أخذه من البحار حيث ذكر المجلسي في ٩٦ : ٢٠٣ الرواية ٢١ باب ٢٤ .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٧ الرواية ١٩٦٤ باب ٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٤٥٢ رواية ٨ .

١٧٧

« فاتقوا البدع » روى ابن بابويه عن الصادقعليه‌السلام : من مشى إلى صاحب بدعة فوقرها فقد مشى في هدم الإسلام(١) .

« و الزموا المهيع » أي الطريق الواسع و هو طريق الاسلام ، قال تعالى( و إنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ) . .(٢) .

« إنّ عوازم الامور أفضلها » قال ابن أبي الحديد : عوازم ما تقادم منها من قولهم « عجوز عوزم » أي مسنّة ، و يجوز أن يكون جمع عازمة بمعنى مفعول أي معزوم عليها ، أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ، و الأول أظهر لأن في مقابلته « و ان محدثاتها » و المحدث في مقابلة القدم(٣) .

قلت : بل الظاهر أن « عوازم » محرف « قدائم » جمع قديم للتشابه الخطي بينهما ، لأن العزم في مقابل الرخصة لا المحدث ، يقال عزائم القرآن و رخصه ، ثم جمع العوزم بالعوازم كما قاله غير معلوم .

٦ الخطبة ( ٥٠ ) و من كلام لهعليه‌السلام :

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللَّهِ وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اَللَّهِ فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى اَلْمُرْتَادِينَ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا

____________________

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٥٧٢ ح ٤٩٥٧ الباب ٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

١٧٨

ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ٢ ٤ ٢١ : ١٠١ مِنَ اَللَّهِ اَلْحُسْنى‏ ٦ ٦ ٢١ : ١٠١ أقول : رواه الكليني في ( بدع كافيه ) بإسنادين عن عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أيها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اللَّه ، يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا ، فهنا لك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم منه الحسنى(١) .

و رواه في ( روضته ) مع زيادات ، فروى عن سليم بن قيس قال : خطب عليعليه‌السلام فقال : إنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم اللَّه ، يتولى فيها رجال رجالا ، إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا ، فهنا لك يستولي الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم الحسنى ، إنّي سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

كيف أنتم إذا لبستكم فتنة تربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير يجري الناس عليها و يتخذونها سنة ، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة ، و قد أتى الناس منكرا ثم تشتدّ البلية و تسبى الذريّة و تدقهم الفتنة كما تدقّ النار الحطب و كما تدقّ الرحى بثفالها ، و يتفقهون لغير اللَّه و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ناقضين بعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ٥٤ رواية ١ و أيضا ٨ : ٥٨ الرواية ٢١ .

١٧٩

و الى ما كانت في عهد رسول اللَّه لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة رسوله ، أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه و رددت فدك إلى ذريّة فاطمة و رددت صاع رسول اللَّه كما كان و أمضيت قطائع أقطعها النبي لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ و رددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد و رددت قضايا من الجور قضي بها و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم ( في الفروج و الأحكام ) و سبيت ذراري بني تغلب و رددت ما قسم من أرض خيبر و محيت دواوين العطاء و أعطيت كما كان النبي يعطي بالسوية و لم أجعلها دولة بين الأغنياء و ألقيت المساحة و سويت بين المناكح و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللَّه عز و جل و فرضه و رددته إلى ما كان عليه و سددت ما فتح من الأبواب و فتحت ما سد منه و حرمت المسح على الخفين و حددت على النبيذ و أمرت باحلال المتعتين و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخرجت من ادخل مع رسول اللَّه في مسجده ممن كان رسول اللَّه أخرجه و أدخلت من اخرج بعد رسول اللَّه و حملت الناس على حكم القرآن ( في ) الطلاق على السنّة و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و حدودها و رددت أهل نجران إلى مواضعهم و رددت سبايا فارس و سائر الامم إلى كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، إذن لتفرّقوا عني ، و اللَّه لقد أمرت الناس ألا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و لقد خفت أن

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

واحد.

مسألة ٤٧٣ : والضمان ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع.

قال الله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (١) قال ابن عباس : الزعيم الكفيل(٢) .

لا يقال : هذه الآية لا يصحّ لكم الاستدلال بها ؛ لأنّ حمل البعير مجهول. ولأنّها جعالة. ولأنّه حكاية عن منادي يوسفعليه‌السلام ، ولا يلزمنا شرعه.

لأنّا نقول : حمل البعير معروف عندهم ، ولهذا سمّوه وسقاً ، وعلّق عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصاب الغلّات ، فقال : « ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة »(٣) .

وأمّا الجعالة فنمنع بطلان الكفالة بها ؛ لأنّها تؤول إلى اللزوم.

سلّمنا عدم جواز الضمان فيها ، لكن اللفظ اقتضى جواز الكفالة وجوازها بالجعالة ثمّ قام دليل على أنّ الجعالة لا يتكفّل بها ، وهذا الدليل لا ينفي مقتضى اللفظ عن ظاهره.

وأمّا شرع مَنْ قبلنا فقد قيل(٤) : إنّه يلزمنا إذا لم يدلّ دليلٌ على إنكاره ، وليس هنا ما يدلّ على إنكار الكفالة ، فيكون ثابتاً في حقّنا.

____________________

(١) يوسف : ٧٢.

(٢) صحيفة علي بن أبي طلحة : ٢٩٤ / ٦٦١ ، جامع البيان ( تفسير الطبري ) ١٣ : ١٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٧٠.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٣٧ ، مسند أحمد ٣ : ١١٨ / ٨٩٦٨ ، و ٤٦٥ / ١١١٨١.

(٤) لم نتحقّق القائل.

٢٨١

وأيضاً قوله تعالى :( سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ) (١) .

وأمّا السنّة : فقد روى العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب يوم فتح مكة(٢) وقال(٣) في خطبته : « العارية مؤدّاة ، والمنحة مردودة ، والدَّيْن مقضيّ ، والزعيم غارم »(٤) .

وعن أبي سعيد قال : كُنّا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جنازة فلمّا وُضعت قال : « هل على صاحبكم من دَيْن؟ » قالوا : نعم ، درهمان ، قال : « صلّوا على صاحبكم » فقال عليّعليه‌السلام : « هُما علَيَّ يا رسول الله وأنا لهما ضامن » فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى عليه ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال : « جزاك الله عن الإسلام خيراً ، فكّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك »(٥) .

وعن جابر بن عبد الله أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يصلّي على رجل عليه دَيْن ، فأُتي بجنازة فقال : « هل على صاحبكم دَيْنٌ؟ » فقالوا : نعم ، ديناران ، فقال : « صلّوا على صاحبكم » فقال أبو قتادة : هُما علَيَّ يا رسول الله ، قال :

فصلّى عليه ، قال : فلمّا فتح الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، مَنْ ترك مالاً فلورثته ، ومَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ »(٦) .

وعن سلمة بن الأكوع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أُتي برجل ليصلّي عليه ، فقال :

____________________

(١) القلم : ٤٠.

(٢) في المصادر : « حجّة الوداع » بدل « يوم فتح مكة ». وما في المتن كما في المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢٢.

(٣) في « ث » والطبعة الحجريّة : « فقال » بدل « وقال ».

(٤) سنن الترمذي ٤ : ٤٣٣ / ٢١٢٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٤٠ - ٤١ / ١٦٦ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩١ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ١٦٠ / ٧٦١٥.

(٥) المغني ٥ : ٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٣ ، ونحوه عن عاصم بن ضمرة عن عليّعليه‌السلام في سنن الدار قطني ٣ : ٤٦ - ٤٧ / ١٩٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ٧٣.

(٦) سنن النسائي ٤ : ٦٥ - ٦٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٣.

٢٨٢

« هل عليه دَيْنٌ؟ » قالوا : نعم ، ديناران ، فقال : « هل ترك لهما وفاءً؟ » قالوا : لا ، فتأخّر فقيل : لِمَ لا تصلّي عليه؟ فقال : « ما تنفعه صلاتي وذمّته مرهونة إلّا قام أحدكم فضمنه » فقال أبو قتادة : هُما علَيَّ يا رسول الله ، فصلّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عيسى بن عبد الله قال : احتضر عبد الله ابن الحسن ، فاجتمع عليه غرماؤه فطالَبوه بدَيْنٍ لهم ، فقال : ما عندي ما أُعطيكم ولكن ارضوا بمن شئتم من بني عمّي : عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أو عبد الله بن جعفر ، فقال الغرماء : أمّا عبد الله بن جعفر فمليّ مطول ، وعليّ ابن الحسين رجل لا مال له صدوق ، وهو أحبّهما إلينا ، فأرسل إليه فأخبره الخبر ، فقال : « أضمن لكم المال ولي غلّة » ولم تكن له غلّة كملاً(٢) ، فقال القوم : قد رضينا وضمّنوه ، فلمّا أتت الغلّة أتاح الله له بالمال فأدّاه(٣) .

وعن عطاء عن الباقرعليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، إنّ علَيَّ دَيْناً إذا ذكرته فسد علَيَّ ما أنا فيه ، فقال : « سبحان الله أَوَما بلغك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول في خطبته : مَنْ ترك ضياعاً فعلَيَّ ضياعه ، ومَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ دَيْنه ، ومَنْ ترك مالاً فلله(٤) ، وكفالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميّتاً ككفالته حيّاً ، وكفالته حيّاً ككفالته ميّتاً؟ » فقال الرجل : نفّست عنّي جعلني الله فداك(٥) .

وقد أجمع المسلمون كافّة على جوازه وإن اختلفوا في فروعه.

____________________

(١) المغني ٥ : ٧٠ - ٧١ ، وفيه : « إلّا أن قام » وفي صحيح البخاري ٣ : ١٢٦ ، وسنن النسائي ٤ : ٦٥ ، وسنن البيهقي ٦ : ٧٢ مختصراً.

(٢) في الكافي : « تجمّلاً » بدل « كملاً ». وكلتاهما لم ترد في التهذيب.

(٣) الكافي ٥ : ٩٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢١١ / ٤٩٥ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٤) في المصدر : « فآكله » بدل « فلله ».

(٥) التهذيب ٦ : ٢١١ / ٤٩٤.

٢٨٣

إذا عرفت هذا ، فقد نقل العلماء(١) أنّ امتناع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصلاة على المديونين [ كان ](٢) في ابتداء الإسلام ، ولم يكنصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي على مَنْ لا يخلّف وفاءً عن ديونه ؛ لأنّ صلاته عليه شفاعة موجبة للمغفرة ، ولم يكن حينئذٍ في الأموال سعة ، فلمّا فتح الله تعالى الفتوح قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم »(٣) وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته : « مَنْ خلّف مالاً أو حقّاً فلورثته ، ومَنْ خلّف كَلّاً أو دَيْناً فكلّه إلَيَّ ودَيْنه علَيَّ » قيل : يا رسول الله وعلى كلّ إمام بعدك؟ قال : « وعلى كلّ إمام بعدي »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فأركان الضمان خمسة.

البحث الثاني : في أركان الضمان.

أركان الضمان خمسة :

أ : المضمون عنه.

ب : المضمون له.

ج : الضامن.

د : المال المضمون.

ه : الصيغة.

فالنظر هنا يتعلّق بأُمور خمسة :

النظر الأوّل : في صيغة الضمان.

مسألة ٤٧٤ : لا بدّ في الضمان من صيغةٍ تدلّ على الالتزام‌ ، مثل :

____________________

(١) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤.

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣ و ٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤.

٢٨٤

ضمنت لك ما لك على فلان ، أو : تكفّلت به ، أو : تحمّلته ، أو : تقلّدته ، أو : التزمته ، أو : أنا بهذا المال ضمين ، أو كفيل ، أو ضامن ، أو زعيم ، أو حميل ، أو قبيل.

وقال بعض الشافعيّة : لفظ القبيل ليس بصريح في الضمان(١) .

وقال أبو حنيفة(٢) كما قلناه من أنّه صريح فيه.

ولو قال : دَيْن فلان علَيَّ ، فهو ضامن.

ولو قال : دَيْن فلان إلَيَّ ، ففيه للشافعيّة وجهان(٣) .

ولو قال : أُؤدّي المال أو أُحضره(٤) ، فهذا ليس بالتزامٍ ، وإنّما هو وَعْدٌ.

مسألة ٤٧٥ : لا يكفي في الضمان الكتابة مع القدرة‌ ، ولا بدّ من النطق صريحاً ، فإن عجز وكتب [ أو ](٥) فَعَل من الإشارة ما يدلّ على الرضا بالضمان ، ثبت ، وإلّا فلا ؛ لإمكان العبث.

ولا فرق بين أن يكون الكاتب غائباً أو حاضراً.

ولو عجز عن النطق والكتابة وأشار بما يدلّ عليه ، صحّ ، كالأخرس.

ولو قيل له : ضمنتَ عن فلان أو تحمّلتَ عنه دَيْنه ، فقال : نعم ، كفى في الإيجاب ؛ لأنّ « نعم » في تقدير إعادة المسئول عنه.

مسألة ٤٧٦ : يشترط في الضمان التنجيز‌ ، فلو علّقه بمجي‌ء الشهر أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٧ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

(٤) أي : أُحضر الشخص.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والظاهر ما أثبتناه.

٢٨٥

قدوم زيد ، لم يصح.

وكذا لو شرط الضامن الخيار لنفسه ، كان باطلاً ؛ لأنّه ينافي مقصود(١) الضمان ، فإنّ(٢) الضامن على يقين من الغرر(٣) .

ولو شرط الخيار للمضمون له ، لم يضر ؛ لأنّ للمضمون له الخيار في الإبراء والمطالبة أبداً ، سواء شرط له أو لا ، وكذا الكفالة ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : إنّ شرط الخيار لا يُبطلهما ، لكنّه يلغو(٥) .

ولو قال : إن لم يؤدّ إليك غداً فأنا ضامن ، لم يصح عندنا - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّه عقد من العقود ، فلا يقبل التعليق ، كالبيع ونحوه - وقال أبو حنيفة : لو قال رجلٌ لآخَر : إن لم يعطك فلان مالك فهو علَيَّ ، فتقاضاه صاحب المال فلم يعطه المديون شيئاً ساعة تقاضاه ، لزم الكفيل ؛ استحساناً(٧) - وكما أنّ عقد الضمان لا يقبل التأقيت [ بأن يقول : ](٨) أنا ضامن إلى شهر فإذا مضى ولم أغرم فأنا بري‌ء.

وقال ابن سريج : إذا جاز على القديم للشافعي ضمان المجهول أو ما لم يجب ، جاز التعليق ؛ لأنّ من ضرورة الضمان قبل الوجوب تعليق‌

____________________

(١) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « مقتضى » بدل « مقصود ».

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لأنّ » بدل « فإنّ ».

(٣) كذا ، والظاهر : « الغُرْم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٧) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٠.

(٨) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلو قال ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٨٦

مقصوده بالوجوب. وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال الجويني : ويجي‌ء في تعليق الإبراء القولان بطريق الأولى ، فإنّ الإبراء إسقاط. قال : وكان لا يمتنع(٢) من جهة القياس المسامحة به في الجديد أيضاً ؛ لأنّ سبب امتناع التعليق في العقود(٣) المشتملة على الإيجاب والقبول خروج الخطاب والجواب بسببه عن النظم اللائق بهما ، فإذا لم يشترط القبول فيه ، كان بمثابة الطلاق والعتاق(٤) .

وكلّ هذا عندنا باطل ، فإن التعليق في الضمان والإبراء مبطل لهما ؛ عملاً بالاستصحاب.

مسألة ٤٧٧ : إذا قال له : إذا بعت عبدك من فلان بألف فأنا ضامن للثمن ، فباعه بألف ، لم يصح الضمان عندنا‌ ؛ لأنّه ضمان ما لم يجب ، وسيأتي بطلانه.

ولو باعه بألفين ، فكذلك.

ومَنْ جوَّز التعليق جوَّز في الأوّل.

وقال أبو يوسف في الثاني : إنّه يصير ضامناً لألف ؛ لأنّ مقصود الضامن أنّ الزيادة على الألف غير ملتزم ، ولا غرض له في قدر الثمن(٥) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه وجهٌ لهم(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إسقاط مال ، وكان لا يمنع ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الصور » بدل « العقود ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

٢٨٧

وقال ابن سريج من الشافعيّة : لا يكون ضامناً لشي‌ء ؛ لأنّ الشرط - وهو البيع بالألف - لم يتحقّق(١) .

ولو باعه بخمسمائة ، ففي كونه ضامناً لها للشافعيّة الوجهان(٢) .

ولو قال : إذا أقرضه عشرة فأنا ضامن لها ، فأقرضه خمسة عشر ، لم يصح الضمان عندنا ؛ لتعليقه على الشرط ، وهو أحد قولي الشافعي ، وعلى الآخَر : يصحّ(٣) .

ويضمن عشرة على الوجهين سواء قلنا : إنّه إذا قال : إذا بعته بألف فأنا ضامن للثمن فباعه بألفين ، يبطل الضمان ؛ لفقدان الشرط ، أو قلنا : إنّه يصحّ ضمان الألف خاصّةً.

والفرق : أنّ مَن اقترض خمسة عشر فقد اقترض عشرة ، وأمّا البيع بخمسة عشر فليس بيعاً بعشرة.

ولو أقرضه خمسة ، فعن ابن سريج : تسليم كونه ضامناً لها(٤) .

قال الجويني : وهو خلاف قياسه ؛ لأنّ الشرط لم يتحقّق(٥) .

مسألة ٤٧٨ : لو ضمن الدَّيْن الحالّ حالّاً أو أطلق ، لزمه الدَّيْن حالّاً. وإن ضمن الدَّيْن المؤجَّل مؤجَّلاً بذلك الأجل أو أطلق ، لزمه كذلك.

وإن ضمن الحالّ مؤجَّلاً إلى أجل معلوم ، صحّ الضمان والأجل عندنا ؛ لأنّ الضمان تبرّع ، فيحتمل فيه اختلاف الدَّيْنين في الكيفيّة للحاجة.

ولأنّ فيه الجمع بين المصالح ، فإنّ صاحب الحقّ قد انتقل حقّه إلى ذمّة أوفى ، والضامن ارتفق بتأخير الحقّ عليه ، وكذا المضمون عنه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

٢٨٨

وفي الثاني : أنّه لا يصحّ الضمان ؛ لأنّ الملتزم مخالف لما على الأصيل(١) .

فعلى الأوّل يثبت الأجل ، ولا يطالب الضامن إلّا بعد حلول الأجل ، ولا نقول : التحق الأجل بالدَّيْن الحالّ ، وإنّما ثبت عليه مؤجَّلاً ابتداءً.

ولا استبعاد عند الشافعيّة في الحلول في حقّ الأصيل دون الكفيل ، كما لو مات الأصيل وعليه الدَّيْن المؤجَّل(٢) .

هذا قول بعضهم(٣) .

وادّعى الجويني إجماع الشافعيّة على أنّ الأجل لا يثبت(٤) .

وهل يفسد الضمان بفساد هذا الشرط؟ عندهم وجهان ، أظهرهما : الفساد(٥) .

وقد بيّنّا أنّ الحقّ عندنا صحّة الضمان والأجل ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٦) وقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٧) والضامن عَقَد مؤجَّلاً ، فلا يثبت عليه إلاّ كذلك.

تذنيب : لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً إلى شهر فضمنه مؤجَّلاً إلى شهرين ، فهو كما لو ضمن الحالّ مؤجَّلاً.

وعلى قولنا بصحّة الضمان والشرط ليس لصاحب المال مطالبة الضامن قبل الأجل ، ولا مطالبة المضمون عنه ؛ لأنّ الدَّيْن عندنا قد سقط‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٧) المائدة : ١.

٢٨٩

عن ذمّته وتحوّل إلى ذمّة الضامن على ما يأتي.

وأمّا الشافعي فإنّه جوَّز على تقدير صحّة الضمان المؤجَّل مطالبةَ المضمون عنه معجَّلاً - بناءً على أصله من أنّ الضمان غير ناقلٍ ، بل هو مقتضٍ لتشريك الذمّتين بالدَّيْن(١) - وليس له مطالبة الضامن معجَّلاً(٢) .

مسألة ٤٧٩ : لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً فضمنه الضامن حالّاً والتزم التبرّع بالتعجيل ، صحّ الضمان عندنا‌ ، كما يصحّ ضمان الحالّ مؤجَّلاً ، وكان عليه أداء المال في الحال كأصل الضمان ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّه لا يصحّ الضمان ؛ لأنّ الضامن فرع المضمون عنه ، فلا يستحقّ مطالبته دون أصيله.

والثالث لهم : أنّه يصحّ الضمان ، ويكون مؤجَّلاً كأصله ، ولا يلزم الضامن تبرّعه بالتعجيل ، كما لو التزم الأصيل التعجيل لم يلزمه ، فكذا الضامن. ولأنّ الضامن فرع الأصيل ، فينبغي أن يكون ما لزمه مضاهياً لما على الأصيل(٣) .

فعلى هذا القول هل يثبت الأجل في حقّه مقصوداً أم تبعاً لقضاء حقّ المشابهة؟ للشافعيّة وجهان(٤) .

وتظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل والحال هذه.

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٥ ، المغني ٥ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٥.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٥٧ - ٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

٢٩٠

وعَكَس بعض الشافعيّة الترتيبَ ، فقال : في صحّة شرط التعجيل وجهان ، فإن فسد ففي إفساده الضمانَ وجهان(١) .

تذنيب : لو ضمن المؤجَّل إلى شهرين مؤجَّلاً إلى شهر ، فهو كما لو ضمن المؤجَّل حالّاً‌. وعلى قولنا يصحّ ، ويكون لصاحب المال مطالبة الضامن بالمال بعد شهر ، وليس له مطالبة المضمون عنه بشي‌ء.

آخَر (٢) : على قولنا : إنّه يصحّ ضمان المؤجَّل حالّاً إذا أدّى الضامن المال إلى صاحبه‌ ، لم يكن له مطالبة المضمون عنه إلّا عند الأجل إن أذن له في مطلق الضمان.

ولو أذن له في الضمان عنه معجَّلاً ، ففي حلوله عليه إشكال ، أقربه : عدم الحلول أيضاً.

مسألة ٤٨٠ : لو ضمن رجل عن غيره ألفاً وشرط المضمون له أن يدفع إليه الضامن أو المضمون عنه كلّ شهر درهماً لا يحسبه من مال الضمان ، بطل الشرط إجماعاً.

وهل يبطل الضمان؟ الأقوى عندي : بطلانه ؛ بناءً على أنّ كلّ شرطٍ فاسد تضمّنه عقدٌ فإنّ العقد يبطل ببطلانه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يبطل الضمان ببطلان هذا الشرط(٣) .

مسألة ٤٨١ : لو ضمن دَيْناً أو كفل بدن إنسان ثمّ ادّعى أنّه كفل وضمن ولا حقّ على المضمون عنه أو المكفول به ، فالقول قول المضمون له‌ والمكفول له ؛ لأنّ الضمان والكفالة إنّما يصحّان بعد ثبوت الحقّ على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩.

(٢) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « تذنيب » بدل « آخَر ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

٢٩١

المضمون والمكفول.

وهل يحلف المضمون له والمكفول له؟ الأقرب عندي : اليمين ؛ لأنّه منكر لدعوى لو صدق فيها لبطلت دعواه.

وللشافعيّة(١) وجهان(٢) .

فإن قلنا باليمين فنكل ، حلف الضامن والكفيل ، وسقطت المطالبة عنهما.

ولو أقرّ الضامن بأنّه قد ضمن على شرط أو كفل عليه ، فأنكر صاحب الحقّ الشرطَ ، فالقول قول صاحب الحقّ مع اليمين ؛ لصحّة الضمان في نفس الأمر ، وأصالة عدم الشرط.

وقالت الشافعيّة : إنّ هذا مبنيّ على أنّ الإقرار هل يتبعّض أم لا؟ فإن قيل بالتبعيض ، فالقول قول المضمون له. وإن قلنا : لا يتبعّض ، فالقول قول الضامن(٣) .

ولو ادّعى الكفيل أنّ المكفول برئ من الحقّ وارتفعت الكفالة ، وأنكر المكفول له ، فالقول قول المكفول له مع يمينه ، فإن نكل وحلف الكفيل ، برئ من الكفالة ، ولم يبرأ المكفول بيمين الكفيل.

النظر الثاني : الضامن.

مسألة ٤٨٢ : يشترط في الضامن أن يكون صحيحَ العبارة أهلاً للتبرّع ، فلا يصحّ ضمان الصبي والمجنون ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رُفع القلم عن ثلاث : عن‌

____________________

(١) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « للشافعي ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ - ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

٢٩٢

الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه »(١) .

ولأنّهما غير مكلّفين ، فلم يكن [ لكلامهما ](٢) حكمٌ.

وكذا لا يصحّ ضمان الساهي والغافل والهازل ، كلّ ذلك لسقوط التكليف في حقّ أكثرهم ، وعدم الوثوق بعبارتهم.

والمغمى عليه(٣) والـمُبَرْسَم - الذي يهذي ويخلط في كلامه - والنائم ؛ لأنّه لا عبرة بصيغتهم الصادرة عنهم ، كغيره من العقود.

ولو ضمن السكران ، لم يصح عندنا ؛ لعدم الوثوق بعبارته.

وللشافعي قولان ، كما في سائر تصرّفاته(٤) .

والأخرسِ(٥) الذي ليس له إشارة مفهومة(٦) ولا كتابة ولا يُعلم أنّه ضمن حتى يصحَّح أو يبطل.

وإن كانت له إشارة مفهومة وعُلم ضمانه بها ، صحّ ، كما في بيعه وسائر تصرّفاته ، وبه قال أكثر العامّة(٧) .

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه لا ضرورة إلى الضمان ، بخلاف سائر التصرّفات(٨) .

وهو خطأ ؛ فإنّ الضرورة لا تصحّح الدلالة الباطلة في نفسها.

ولو ضمن بالكتابة ، فإن حصل معها إشارة مفهومة أنّه قصد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٤ ، وبتفاوت في سنن أبي داوُد ٤ : ١٤١ / ٤٤٠٣.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لكلامهم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) عطف على قوله : « لا يصحّ ضمان ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٥) عطف على قوله : « لا يصحّ ضمان ».

(٦) كذا قوله : « مفهومة » هنا وفيما يأتي ، والظاهر : « مفهمة ».

(٧) المغني ٥ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

٢٩٣

الضمان ، صحّ.

وإن انفردت(١) إشارته المفهومة بالضمان ، صحّ أيضاً.

ولو(٢) انفردت كتابته عن الإشارة [ المفهمة ](٣) للضمان ، لم يصح الضمان ، سواء كان يُحسن الإشارة أو لا ؛ لأنّ الكتابة قد تكون عبثاً أو تجربةً للقلم(٤) أو حكايةَ خطٍّ ، فلم يثبت بها(٥) الضمان.

وللشافعيّة في الكتابة المنفردة عن إشارة مُفهمة(٦) أنّه قصد الضمان وجهان ، أصحّهما عندهم : الصحّة عند وجود القرينة المشعرة بالمقصود(٧) .

ونحن أيضاً نقول بذلك ، وليس النزاع فيه ، بل في مجرّد الكتابة.

وهذا الشرط يقتضي نفي الخلاف ، وأنّ الكتابة المجرّدة غير كافية.

أمّا الناطق فلا يكفي في حقّه الكتابة ما لم يتلفّظ بالعقد.

وللشافعيّة فيه الوجهان(٨) ، كما في الأخرس.

مسألة ٤٨٣ : يشترط في الضامن الملاءة بالمال الذي ضمنه وقت الضمان‌ ، أو علم المضمون له بالإعسار ، فلو ضمن المعسر ولم يعلم المضمون له بإعساره ثمّ ظهر الإعسار ، كان بالخيار [ بين ](٩) فسخ الضمان‌

____________________

(١) في « ر » : « تفرّدت ».

(٢) في « ر » : « وإن » بدل « ولو ».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المفهومة ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وتجربة القلم ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به » بدل « بها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) في « ج » والطبعة الحجريّة : « مفهومة » بدل « مُفهمة ». وما في المتن من « ث ، ر ».

(٧) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٩) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٩٤

والرجوع على المضمون عنه ، وبين إجازته والصبر على الضامن إلى زمان قدرته.

ولو علم بإعساره وقت الضمان ورضي به ، لم يكن له بعد ذلك خيار ، ولزمه الضمان.

وكذا يلزمه الضمان لو كان الضامن مليّاً وقت الضمان وتجدّد إعساره قبل الأداء ، وليس للمضمون له حينئذٍ الرجوع على المضمون عنه بشي‌ء.

مسألة ٤٨٤ : لو ادّعى المضمون له أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ‌ ، وقال الضامن : بل ضمنت لك قبله ، فإن عيّنا للضمان وقتاً وكان البلوغ غير محتمل فيه ، قُدّم قول الصبي ؛ لحصول العلم بعدم البلوغ ، ولا يمين على الصبي ؛ لأنّها إنّما تثبت في المحتمل.

وإن كان الصغر غير محتمل ، قُدّم قول المضمون له من غير يمينٍ ؛ للعلم بصدقه ، فلا يزال باليمين شكٌّ حاصل.

وإن احتمل الأمران أو لم يعيّنا وقتاً ، فالقول قول الضامن مع يمينه - وبه قال الشافعي(١) - لأصالة عدم البلوغ وقت الضمان ، وعدم ثبوت الحقّ عليه.

وقال أحمد : القول قول المضمون له ؛ لأنّ الأصل صحّة العقد وسلامته ، كما لو اختلفا في شرطٍ مبطل(٢) .

والفرق : أنّ المختلفين في الشرط المفسد يُقدّم فيه قول مدّعي الصحّة ؛ لاتّفاقهما على أهليّة التصرّف ، والظاهر أنّ مَنْ له أهليّة التصرّف‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥ - ٧٦.

(٢) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

٢٩٥

لا يتصرّف إلّا تصرّفاً صحيحاً ، فكان القول قولَ مدّعي الصحّة ؛ لأنّه يدّعي الظاهر ، وهنا اختلفا في أهليّة التصرّف ، وليس مع مَنْ يدّعي الأهليّة ظاهرٌ يستند إليه ، ولا أصل يرجع إليه ، فلا مرجّح لدعواه.

وكذا لو ادّعى أنّه ضمن بعد البلوغ وقبل الرشد ، وادّعى المضمون له أنّه بعد الرشد. وكذا لو ادّعى مَنْ يعتوره الجنون أنّه ضمن حال جنونه ، وادّعى المضمون له أنّ ضمانه في حال إفاقته ؛ فإنّ القول قول الضامن ؛ لما تقدّم.

أمّا لو لم يعهد منه جنونٌ سابق فادّعى أنّه حالة الضمان كان مجنوناً ، فإنّه لا تُسمع دعواه ، وله إحلاف المضمون له إن ادّعى علمه بالجنون.

وأمّا مَنْ يعتاد الشرب فادّعى أنّه حالة الضمان كان سكران ، وادّعى صاحب الحقّ أنّه كان حالة الضمان صاحياً ، فالوجه : تقديم قول الضامن مع اليمين.

ولو لم يعهد منه الشرب ، قُدّم قول المضمون له مع اليمين بانتفاء سكره.

مسألة ٤٨٥ : ولا فرق بين أن يكون الصبي مميّزاً أو غير مميّزٍ في بطلان ضمانه‌ ، ولا بين أن يأذن له الوليّ في الضمان أو لا ، وهو قول الشافعي(١) .

وعن أحمد روايتان ، إحداهما : أنّه يصحّ ضمان المميّز بإذن الولي ، كما يصحّ إقراره وتصرّفاته بإذن وليّه(٢)

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، التنبيه : ١٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ - ٤٧٥ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

(٢) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

٢٩٦

والأصل عندنا ممنوع ، على أنّ الفرق واقع بين الضمان والبيع ؛ فإنّ الضمان التزام مال لا فائدة له فيه ، فلم يصح منه ، كالنذر ، بخلاف البيع.

ولو قلنا بالرواية(١) الدالّة على نفاذ تصرّفه في المعروف إذا بلغ عشراً وكان مميّزاً ، احتُمل جواز الضمان إذا كان في معروفٍ.

مسألة ٤٨٦ : شرطنا في صحّة الضمان كون الضامن أهلاً للتبرّع ، فلا يصحّ ضمان العبد والمحجور عليه لسفهٍ ، فإنّه لو ضمن لم ينفذ ؛ لأنّ الضمان إمّا إقراض إن تعقّبه الرجوع ، وإمّا تبرّع إن لم يثبت الرجوع ، وكلاهما يتبع المحجور عليه لتبذيرٍ منه. ولأنّه إثبات مالٍ في ذمّته ، فلم يصح منه ، كالبيع وغيره ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال بعض العامّة : يصحّ ضمانه ، ويتبع به بعد فكّ الحجر عنه ؛ لأنّه مكلّف يصحّ إقراره ويتبع به بعد فكّ الحجر عنه ، فكذا ضمانه(٣) .

والفرق : أنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق ، وجاز أن يكون في ذمّته حقٌّ ، فوجب عليه الاعتراف به بحيث يؤدّي بعد فكّ الحجر عنه ، بخلاف الضمان ، فإنّه تبرّعٌ محض ، فكان ممنوعاً منه ، كسائر التبرّعات.

وقال بعض أصحاب الشافعي : إنّه يصحّ الضمان من المحجور عليه للتبذير ؛ لأنّه إقراض لا محض تبرّع ؛ لأنّ الشافعي قال : إذا ضمن في مرض موته بغير إذن مَنْ عليه الحقّ ، فهو محسوب من ثلثه ، وإن ضمن بإذنه ، فهو محسوب من رأس المال ؛ لأنّ للورثة أن يرجعوا على الأصيل(٤) .

____________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٤١ ، الهامش (١)

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، التنبيه : ١٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

(٣) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

٢٩٧

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه وإن لم يكن تبرّعاً(١) فإنّه ممنوع منه ؛ كما مُنع(٢) من البيع وسائر التصرّفات الماليّة.

ولو أذن له الولي في الضمان ، فهو كما لو أذن له في البيع.

وأمّا المحجور عليه للفلس فإنّه يصحّ ضمانه مع رضا المضمون له ، ويتبع به بعد فكّ الحجر ؛ لأنّه من أهل التصرّف ، والحجر عليه في ماله لا في ذمّته ، فأشبه الراهن إذا تصرّف في غير الرهن ، وكما لو اقترض أو اشترى في ذمّته ، فإنّه لا يزاحم الغرماء.

مسألة ٤٨٧ : العبد إن أذن له مولاه في الضمان فضمن ، صحّ‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ الحجر لحقّ السيّد ، فإذا أذن له فيه ، زال الحجر ، وكان كما لو أذن له في الاستدانة فاستدان.

وإن ضمن بغير إذنه ، فإن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، فالأقرب عندي : صحّة الضمان ، كما لو استدان بغير إذن سيّده ، ويتبع به بعد العتق ، إلّا أنّ الفرق بين الدَّيْن والضمان : أنّ صاحب المال لو وجد عين ماله ، كان له انتزاعها منه ، والمضمون له ليس له انتزاع المال الذي ضمنه ما دام عبداً ؛ لأنّه مكلّف له قول صحيح ، وإنّما مُنع من التصرّف فيما يتعلّق بسيّده ؛ لاشتماله على ضرر سيّده ، والضمان لا ضرر فيه على السيّد ؛ لأنّه إنّما يطالب به بعد العتق ، فلا يُمنع منه ، ولهذا لو أقرّ بدَيْنٍ في ذمّته ، لزمه الإقرار ، وكان للمُقرّ له أن يتبعه به بعد العتق. ولو أقرّ بالجناية ، لم يُقبل.

لا يقال : في ذلك إضرار بالسيّد ؛ لأنّ السيّد يستحقّ إرث ماله بالولاء إذا أُعتق ، وثبوت الدَّيْن يمنع الإرث.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « متبرّعاً ».

(٢) في النسخ الخطّيّة : « يُمنع ».

٢٩٨

لأنّا نقول : حكم الإرث لا يمنع الضمان ، بخلاف حكم الملك ، ولهذا لا يمنع الإقرار ، والملك يمنع الإقرار فيه. وكذا الحُرّ لا يمنع من الضمان لحقّ ورثته.

وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّه لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه إثبات مال لآدميّ بعقدٍ ، فلم يصح من العبد بغير إذن سيّده ، كالمهر(١) .

والفرق : أنّ المهر يتعلّق بكسبه ، والنفقة بالسيّد ، فيضرّ به على التقديرين.

والشيخرحمه‌الله مالَ إلى بطلان الضمان ؛ لقوله تعالى :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) (٣) وهو الأصحّ عند الشافعيّة ، وبه قال ابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة(٤) .

وإن كان مأذوناً له في التجارة ، فحكمه حكم غير المأذون في التجارة في الضمان ، إن ضمن بإذن سيّده ، صحّ إجماعاً. وإن ضمن بغير إذن سيّده ، فالقولان.

وقال أبو ثور : إن كان من جهة التجارة ، جاز. وإن كان من غير ذلك ، لم يجز(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٧ ، التنبيه : ١٠٥ - ١٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ - ٤٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الوجيز ١ : ١٨٣ ، الوسيط ٣ : ٢٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦ ، المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٦.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٢١ ، المسألة ١٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦ ، المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٦.

(٥) المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٦ - ٧٧.

٢٩٩

مسألة ٤٨٨ : إذا ضمن بإذن سيّده ، صحّ قولاً واحداً.

وهل يتعلّق المال بالذمّة أو الكسب؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ ذمّة العبد محلّ الضمان ، فعلى هذا يتبع به بعد العتق ، ولا يجب على السيّد شي‌ء ، ولا يستكسب العبد فيه ، كما لو لم يأذن ، وهو أحد قولي الشافعيّة ؛ لأنّه إنّما أذن له في الالتزام دون الأداء.

وأظهرهما عندهم : أنّه يتعلّق بما يكسبه العبد بعد الإذن ؛ لأنّه ثبت بإذن السيّد ، كما لو أذن لعبده في النكاح ، تتعلّق النفقة والمهر باكتسابه(١) .

وحكى بعض الشافعيّة وجهاً غريباً للشافعيّة : أنّه يتعلّق برقبته ، فيباع فيه(٢) .

وعن أحمد روايتان :

إحداهما : أنّه يتعلّق برقبة العبد.

والثانية - وهي الأظهر عنده - : أنّه يتعلّق بذمّة السيّد(٣) .

هذا إذا لم يكن مأذوناً له في التجارة ، ولو كان مأذوناً له فيها فأذن له في الضمان ، فكالأوّل عندنا ، ويتعلّق بذمّته ؛ لما تقدّم من أنّه أذن له في التزام المال خاصّةً ، دون الأداء.

وللشافعيّة وجهان مرتَّبان على الوجهين في غير المأذون ، وأولى بأن [ لا ](٤) يحال على الذمّة ؛ لإشعار ظاهر الحال بخلافه(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ - ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٣) المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٧.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510