تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 406185 / تحميل: 5176
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

واحد.

مسألة ٤٧٣ : والضمان ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع.

قال الله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (١) قال ابن عباس : الزعيم الكفيل(٢) .

لا يقال : هذه الآية لا يصحّ لكم الاستدلال بها ؛ لأنّ حمل البعير مجهول. ولأنّها جعالة. ولأنّه حكاية عن منادي يوسفعليه‌السلام ، ولا يلزمنا شرعه.

لأنّا نقول : حمل البعير معروف عندهم ، ولهذا سمّوه وسقاً ، وعلّق عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصاب الغلّات ، فقال : « ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة »(٣) .

وأمّا الجعالة فنمنع بطلان الكفالة بها ؛ لأنّها تؤول إلى اللزوم.

سلّمنا عدم جواز الضمان فيها ، لكن اللفظ اقتضى جواز الكفالة وجوازها بالجعالة ثمّ قام دليل على أنّ الجعالة لا يتكفّل بها ، وهذا الدليل لا ينفي مقتضى اللفظ عن ظاهره.

وأمّا شرع مَنْ قبلنا فقد قيل(٤) : إنّه يلزمنا إذا لم يدلّ دليلٌ على إنكاره ، وليس هنا ما يدلّ على إنكار الكفالة ، فيكون ثابتاً في حقّنا.

____________________

(١) يوسف : ٧٢.

(٢) صحيفة علي بن أبي طلحة : ٢٩٤ / ٦٦١ ، جامع البيان ( تفسير الطبري ) ١٣ : ١٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٧٠.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٣٧ ، مسند أحمد ٣ : ١١٨ / ٨٩٦٨ ، و ٤٦٥ / ١١١٨١.

(٤) لم نتحقّق القائل.

٢٨١

وأيضاً قوله تعالى :( سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ) (١) .

وأمّا السنّة : فقد روى العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب يوم فتح مكة(٢) وقال(٣) في خطبته : « العارية مؤدّاة ، والمنحة مردودة ، والدَّيْن مقضيّ ، والزعيم غارم »(٤) .

وعن أبي سعيد قال : كُنّا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جنازة فلمّا وُضعت قال : « هل على صاحبكم من دَيْن؟ » قالوا : نعم ، درهمان ، قال : « صلّوا على صاحبكم » فقال عليّعليه‌السلام : « هُما علَيَّ يا رسول الله وأنا لهما ضامن » فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى عليه ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال : « جزاك الله عن الإسلام خيراً ، فكّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك »(٥) .

وعن جابر بن عبد الله أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يصلّي على رجل عليه دَيْن ، فأُتي بجنازة فقال : « هل على صاحبكم دَيْنٌ؟ » فقالوا : نعم ، ديناران ، فقال : « صلّوا على صاحبكم » فقال أبو قتادة : هُما علَيَّ يا رسول الله ، قال :

فصلّى عليه ، قال : فلمّا فتح الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، مَنْ ترك مالاً فلورثته ، ومَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ »(٦) .

وعن سلمة بن الأكوع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أُتي برجل ليصلّي عليه ، فقال :

____________________

(١) القلم : ٤٠.

(٢) في المصادر : « حجّة الوداع » بدل « يوم فتح مكة ». وما في المتن كما في المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢٢.

(٣) في « ث » والطبعة الحجريّة : « فقال » بدل « وقال ».

(٤) سنن الترمذي ٤ : ٤٣٣ / ٢١٢٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٤٠ - ٤١ / ١٦٦ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩١ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ١٦٠ / ٧٦١٥.

(٥) المغني ٥ : ٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٣ ، ونحوه عن عاصم بن ضمرة عن عليّعليه‌السلام في سنن الدار قطني ٣ : ٤٦ - ٤٧ / ١٩٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ٧٣.

(٦) سنن النسائي ٤ : ٦٥ - ٦٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٣.

٢٨٢

« هل عليه دَيْنٌ؟ » قالوا : نعم ، ديناران ، فقال : « هل ترك لهما وفاءً؟ » قالوا : لا ، فتأخّر فقيل : لِمَ لا تصلّي عليه؟ فقال : « ما تنفعه صلاتي وذمّته مرهونة إلّا قام أحدكم فضمنه » فقال أبو قتادة : هُما علَيَّ يا رسول الله ، فصلّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عيسى بن عبد الله قال : احتضر عبد الله ابن الحسن ، فاجتمع عليه غرماؤه فطالَبوه بدَيْنٍ لهم ، فقال : ما عندي ما أُعطيكم ولكن ارضوا بمن شئتم من بني عمّي : عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أو عبد الله بن جعفر ، فقال الغرماء : أمّا عبد الله بن جعفر فمليّ مطول ، وعليّ ابن الحسين رجل لا مال له صدوق ، وهو أحبّهما إلينا ، فأرسل إليه فأخبره الخبر ، فقال : « أضمن لكم المال ولي غلّة » ولم تكن له غلّة كملاً(٢) ، فقال القوم : قد رضينا وضمّنوه ، فلمّا أتت الغلّة أتاح الله له بالمال فأدّاه(٣) .

وعن عطاء عن الباقرعليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، إنّ علَيَّ دَيْناً إذا ذكرته فسد علَيَّ ما أنا فيه ، فقال : « سبحان الله أَوَما بلغك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول في خطبته : مَنْ ترك ضياعاً فعلَيَّ ضياعه ، ومَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ دَيْنه ، ومَنْ ترك مالاً فلله(٤) ، وكفالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميّتاً ككفالته حيّاً ، وكفالته حيّاً ككفالته ميّتاً؟ » فقال الرجل : نفّست عنّي جعلني الله فداك(٥) .

وقد أجمع المسلمون كافّة على جوازه وإن اختلفوا في فروعه.

____________________

(١) المغني ٥ : ٧٠ - ٧١ ، وفيه : « إلّا أن قام » وفي صحيح البخاري ٣ : ١٢٦ ، وسنن النسائي ٤ : ٦٥ ، وسنن البيهقي ٦ : ٧٢ مختصراً.

(٢) في الكافي : « تجمّلاً » بدل « كملاً ». وكلتاهما لم ترد في التهذيب.

(٣) الكافي ٥ : ٩٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢١١ / ٤٩٥ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٤) في المصدر : « فآكله » بدل « فلله ».

(٥) التهذيب ٦ : ٢١١ / ٤٩٤.

٢٨٣

إذا عرفت هذا ، فقد نقل العلماء(١) أنّ امتناع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصلاة على المديونين [ كان ](٢) في ابتداء الإسلام ، ولم يكنصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي على مَنْ لا يخلّف وفاءً عن ديونه ؛ لأنّ صلاته عليه شفاعة موجبة للمغفرة ، ولم يكن حينئذٍ في الأموال سعة ، فلمّا فتح الله تعالى الفتوح قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم »(٣) وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته : « مَنْ خلّف مالاً أو حقّاً فلورثته ، ومَنْ خلّف كَلّاً أو دَيْناً فكلّه إلَيَّ ودَيْنه علَيَّ » قيل : يا رسول الله وعلى كلّ إمام بعدك؟ قال : « وعلى كلّ إمام بعدي »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فأركان الضمان خمسة.

البحث الثاني : في أركان الضمان.

أركان الضمان خمسة :

أ : المضمون عنه.

ب : المضمون له.

ج : الضامن.

د : المال المضمون.

ه : الصيغة.

فالنظر هنا يتعلّق بأُمور خمسة :

النظر الأوّل : في صيغة الضمان.

مسألة ٤٧٤ : لا بدّ في الضمان من صيغةٍ تدلّ على الالتزام‌ ، مثل :

____________________

(١) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤.

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣ و ٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤.

٢٨٤

ضمنت لك ما لك على فلان ، أو : تكفّلت به ، أو : تحمّلته ، أو : تقلّدته ، أو : التزمته ، أو : أنا بهذا المال ضمين ، أو كفيل ، أو ضامن ، أو زعيم ، أو حميل ، أو قبيل.

وقال بعض الشافعيّة : لفظ القبيل ليس بصريح في الضمان(١) .

وقال أبو حنيفة(٢) كما قلناه من أنّه صريح فيه.

ولو قال : دَيْن فلان علَيَّ ، فهو ضامن.

ولو قال : دَيْن فلان إلَيَّ ، ففيه للشافعيّة وجهان(٣) .

ولو قال : أُؤدّي المال أو أُحضره(٤) ، فهذا ليس بالتزامٍ ، وإنّما هو وَعْدٌ.

مسألة ٤٧٥ : لا يكفي في الضمان الكتابة مع القدرة‌ ، ولا بدّ من النطق صريحاً ، فإن عجز وكتب [ أو ](٥) فَعَل من الإشارة ما يدلّ على الرضا بالضمان ، ثبت ، وإلّا فلا ؛ لإمكان العبث.

ولا فرق بين أن يكون الكاتب غائباً أو حاضراً.

ولو عجز عن النطق والكتابة وأشار بما يدلّ عليه ، صحّ ، كالأخرس.

ولو قيل له : ضمنتَ عن فلان أو تحمّلتَ عنه دَيْنه ، فقال : نعم ، كفى في الإيجاب ؛ لأنّ « نعم » في تقدير إعادة المسئول عنه.

مسألة ٤٧٦ : يشترط في الضمان التنجيز‌ ، فلو علّقه بمجي‌ء الشهر أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٧ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

(٤) أي : أُحضر الشخص.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والظاهر ما أثبتناه.

٢٨٥

قدوم زيد ، لم يصح.

وكذا لو شرط الضامن الخيار لنفسه ، كان باطلاً ؛ لأنّه ينافي مقصود(١) الضمان ، فإنّ(٢) الضامن على يقين من الغرر(٣) .

ولو شرط الخيار للمضمون له ، لم يضر ؛ لأنّ للمضمون له الخيار في الإبراء والمطالبة أبداً ، سواء شرط له أو لا ، وكذا الكفالة ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : إنّ شرط الخيار لا يُبطلهما ، لكنّه يلغو(٥) .

ولو قال : إن لم يؤدّ إليك غداً فأنا ضامن ، لم يصح عندنا - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّه عقد من العقود ، فلا يقبل التعليق ، كالبيع ونحوه - وقال أبو حنيفة : لو قال رجلٌ لآخَر : إن لم يعطك فلان مالك فهو علَيَّ ، فتقاضاه صاحب المال فلم يعطه المديون شيئاً ساعة تقاضاه ، لزم الكفيل ؛ استحساناً(٧) - وكما أنّ عقد الضمان لا يقبل التأقيت [ بأن يقول : ](٨) أنا ضامن إلى شهر فإذا مضى ولم أغرم فأنا بري‌ء.

وقال ابن سريج : إذا جاز على القديم للشافعي ضمان المجهول أو ما لم يجب ، جاز التعليق ؛ لأنّ من ضرورة الضمان قبل الوجوب تعليق‌

____________________

(١) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « مقتضى » بدل « مقصود ».

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لأنّ » بدل « فإنّ ».

(٣) كذا ، والظاهر : « الغُرْم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٧) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٠.

(٨) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلو قال ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٨٦

مقصوده بالوجوب. وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال الجويني : ويجي‌ء في تعليق الإبراء القولان بطريق الأولى ، فإنّ الإبراء إسقاط. قال : وكان لا يمتنع(٢) من جهة القياس المسامحة به في الجديد أيضاً ؛ لأنّ سبب امتناع التعليق في العقود(٣) المشتملة على الإيجاب والقبول خروج الخطاب والجواب بسببه عن النظم اللائق بهما ، فإذا لم يشترط القبول فيه ، كان بمثابة الطلاق والعتاق(٤) .

وكلّ هذا عندنا باطل ، فإن التعليق في الضمان والإبراء مبطل لهما ؛ عملاً بالاستصحاب.

مسألة ٤٧٧ : إذا قال له : إذا بعت عبدك من فلان بألف فأنا ضامن للثمن ، فباعه بألف ، لم يصح الضمان عندنا‌ ؛ لأنّه ضمان ما لم يجب ، وسيأتي بطلانه.

ولو باعه بألفين ، فكذلك.

ومَنْ جوَّز التعليق جوَّز في الأوّل.

وقال أبو يوسف في الثاني : إنّه يصير ضامناً لألف ؛ لأنّ مقصود الضامن أنّ الزيادة على الألف غير ملتزم ، ولا غرض له في قدر الثمن(٥) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه وجهٌ لهم(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إسقاط مال ، وكان لا يمنع ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الصور » بدل « العقود ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

٢٨٧

وقال ابن سريج من الشافعيّة : لا يكون ضامناً لشي‌ء ؛ لأنّ الشرط - وهو البيع بالألف - لم يتحقّق(١) .

ولو باعه بخمسمائة ، ففي كونه ضامناً لها للشافعيّة الوجهان(٢) .

ولو قال : إذا أقرضه عشرة فأنا ضامن لها ، فأقرضه خمسة عشر ، لم يصح الضمان عندنا ؛ لتعليقه على الشرط ، وهو أحد قولي الشافعي ، وعلى الآخَر : يصحّ(٣) .

ويضمن عشرة على الوجهين سواء قلنا : إنّه إذا قال : إذا بعته بألف فأنا ضامن للثمن فباعه بألفين ، يبطل الضمان ؛ لفقدان الشرط ، أو قلنا : إنّه يصحّ ضمان الألف خاصّةً.

والفرق : أنّ مَن اقترض خمسة عشر فقد اقترض عشرة ، وأمّا البيع بخمسة عشر فليس بيعاً بعشرة.

ولو أقرضه خمسة ، فعن ابن سريج : تسليم كونه ضامناً لها(٤) .

قال الجويني : وهو خلاف قياسه ؛ لأنّ الشرط لم يتحقّق(٥) .

مسألة ٤٧٨ : لو ضمن الدَّيْن الحالّ حالّاً أو أطلق ، لزمه الدَّيْن حالّاً. وإن ضمن الدَّيْن المؤجَّل مؤجَّلاً بذلك الأجل أو أطلق ، لزمه كذلك.

وإن ضمن الحالّ مؤجَّلاً إلى أجل معلوم ، صحّ الضمان والأجل عندنا ؛ لأنّ الضمان تبرّع ، فيحتمل فيه اختلاف الدَّيْنين في الكيفيّة للحاجة.

ولأنّ فيه الجمع بين المصالح ، فإنّ صاحب الحقّ قد انتقل حقّه إلى ذمّة أوفى ، والضامن ارتفق بتأخير الحقّ عليه ، وكذا المضمون عنه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

٢٨٨

وفي الثاني : أنّه لا يصحّ الضمان ؛ لأنّ الملتزم مخالف لما على الأصيل(١) .

فعلى الأوّل يثبت الأجل ، ولا يطالب الضامن إلّا بعد حلول الأجل ، ولا نقول : التحق الأجل بالدَّيْن الحالّ ، وإنّما ثبت عليه مؤجَّلاً ابتداءً.

ولا استبعاد عند الشافعيّة في الحلول في حقّ الأصيل دون الكفيل ، كما لو مات الأصيل وعليه الدَّيْن المؤجَّل(٢) .

هذا قول بعضهم(٣) .

وادّعى الجويني إجماع الشافعيّة على أنّ الأجل لا يثبت(٤) .

وهل يفسد الضمان بفساد هذا الشرط؟ عندهم وجهان ، أظهرهما : الفساد(٥) .

وقد بيّنّا أنّ الحقّ عندنا صحّة الضمان والأجل ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٦) وقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٧) والضامن عَقَد مؤجَّلاً ، فلا يثبت عليه إلاّ كذلك.

تذنيب : لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً إلى شهر فضمنه مؤجَّلاً إلى شهرين ، فهو كما لو ضمن الحالّ مؤجَّلاً.

وعلى قولنا بصحّة الضمان والشرط ليس لصاحب المال مطالبة الضامن قبل الأجل ، ولا مطالبة المضمون عنه ؛ لأنّ الدَّيْن عندنا قد سقط‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٧) المائدة : ١.

٢٨٩

عن ذمّته وتحوّل إلى ذمّة الضامن على ما يأتي.

وأمّا الشافعي فإنّه جوَّز على تقدير صحّة الضمان المؤجَّل مطالبةَ المضمون عنه معجَّلاً - بناءً على أصله من أنّ الضمان غير ناقلٍ ، بل هو مقتضٍ لتشريك الذمّتين بالدَّيْن(١) - وليس له مطالبة الضامن معجَّلاً(٢) .

مسألة ٤٧٩ : لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً فضمنه الضامن حالّاً والتزم التبرّع بالتعجيل ، صحّ الضمان عندنا‌ ، كما يصحّ ضمان الحالّ مؤجَّلاً ، وكان عليه أداء المال في الحال كأصل الضمان ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّه لا يصحّ الضمان ؛ لأنّ الضامن فرع المضمون عنه ، فلا يستحقّ مطالبته دون أصيله.

والثالث لهم : أنّه يصحّ الضمان ، ويكون مؤجَّلاً كأصله ، ولا يلزم الضامن تبرّعه بالتعجيل ، كما لو التزم الأصيل التعجيل لم يلزمه ، فكذا الضامن. ولأنّ الضامن فرع الأصيل ، فينبغي أن يكون ما لزمه مضاهياً لما على الأصيل(٣) .

فعلى هذا القول هل يثبت الأجل في حقّه مقصوداً أم تبعاً لقضاء حقّ المشابهة؟ للشافعيّة وجهان(٤) .

وتظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل والحال هذه.

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٥ ، المغني ٥ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٥.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٥٧ - ٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٤.

٢٩٠

وعَكَس بعض الشافعيّة الترتيبَ ، فقال : في صحّة شرط التعجيل وجهان ، فإن فسد ففي إفساده الضمانَ وجهان(١) .

تذنيب : لو ضمن المؤجَّل إلى شهرين مؤجَّلاً إلى شهر ، فهو كما لو ضمن المؤجَّل حالّاً‌. وعلى قولنا يصحّ ، ويكون لصاحب المال مطالبة الضامن بالمال بعد شهر ، وليس له مطالبة المضمون عنه بشي‌ء.

آخَر (٢) : على قولنا : إنّه يصحّ ضمان المؤجَّل حالّاً إذا أدّى الضامن المال إلى صاحبه‌ ، لم يكن له مطالبة المضمون عنه إلّا عند الأجل إن أذن له في مطلق الضمان.

ولو أذن له في الضمان عنه معجَّلاً ، ففي حلوله عليه إشكال ، أقربه : عدم الحلول أيضاً.

مسألة ٤٨٠ : لو ضمن رجل عن غيره ألفاً وشرط المضمون له أن يدفع إليه الضامن أو المضمون عنه كلّ شهر درهماً لا يحسبه من مال الضمان ، بطل الشرط إجماعاً.

وهل يبطل الضمان؟ الأقوى عندي : بطلانه ؛ بناءً على أنّ كلّ شرطٍ فاسد تضمّنه عقدٌ فإنّ العقد يبطل ببطلانه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يبطل الضمان ببطلان هذا الشرط(٣) .

مسألة ٤٨١ : لو ضمن دَيْناً أو كفل بدن إنسان ثمّ ادّعى أنّه كفل وضمن ولا حقّ على المضمون عنه أو المكفول به ، فالقول قول المضمون له‌ والمكفول له ؛ لأنّ الضمان والكفالة إنّما يصحّان بعد ثبوت الحقّ على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩.

(٢) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « تذنيب » بدل « آخَر ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

٢٩١

المضمون والمكفول.

وهل يحلف المضمون له والمكفول له؟ الأقرب عندي : اليمين ؛ لأنّه منكر لدعوى لو صدق فيها لبطلت دعواه.

وللشافعيّة(١) وجهان(٢) .

فإن قلنا باليمين فنكل ، حلف الضامن والكفيل ، وسقطت المطالبة عنهما.

ولو أقرّ الضامن بأنّه قد ضمن على شرط أو كفل عليه ، فأنكر صاحب الحقّ الشرطَ ، فالقول قول صاحب الحقّ مع اليمين ؛ لصحّة الضمان في نفس الأمر ، وأصالة عدم الشرط.

وقالت الشافعيّة : إنّ هذا مبنيّ على أنّ الإقرار هل يتبعّض أم لا؟ فإن قيل بالتبعيض ، فالقول قول المضمون له. وإن قلنا : لا يتبعّض ، فالقول قول الضامن(٣) .

ولو ادّعى الكفيل أنّ المكفول برئ من الحقّ وارتفعت الكفالة ، وأنكر المكفول له ، فالقول قول المكفول له مع يمينه ، فإن نكل وحلف الكفيل ، برئ من الكفالة ، ولم يبرأ المكفول بيمين الكفيل.

النظر الثاني : الضامن.

مسألة ٤٨٢ : يشترط في الضامن أن يكون صحيحَ العبارة أهلاً للتبرّع ، فلا يصحّ ضمان الصبي والمجنون ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رُفع القلم عن ثلاث : عن‌

____________________

(١) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « للشافعي ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ - ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

٢٩٢

الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه »(١) .

ولأنّهما غير مكلّفين ، فلم يكن [ لكلامهما ](٢) حكمٌ.

وكذا لا يصحّ ضمان الساهي والغافل والهازل ، كلّ ذلك لسقوط التكليف في حقّ أكثرهم ، وعدم الوثوق بعبارتهم.

والمغمى عليه(٣) والـمُبَرْسَم - الذي يهذي ويخلط في كلامه - والنائم ؛ لأنّه لا عبرة بصيغتهم الصادرة عنهم ، كغيره من العقود.

ولو ضمن السكران ، لم يصح عندنا ؛ لعدم الوثوق بعبارته.

وللشافعي قولان ، كما في سائر تصرّفاته(٤) .

والأخرسِ(٥) الذي ليس له إشارة مفهومة(٦) ولا كتابة ولا يُعلم أنّه ضمن حتى يصحَّح أو يبطل.

وإن كانت له إشارة مفهومة وعُلم ضمانه بها ، صحّ ، كما في بيعه وسائر تصرّفاته ، وبه قال أكثر العامّة(٧) .

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه لا ضرورة إلى الضمان ، بخلاف سائر التصرّفات(٨) .

وهو خطأ ؛ فإنّ الضرورة لا تصحّح الدلالة الباطلة في نفسها.

ولو ضمن بالكتابة ، فإن حصل معها إشارة مفهومة أنّه قصد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٤ ، وبتفاوت في سنن أبي داوُد ٤ : ١٤١ / ٤٤٠٣.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لكلامهم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) عطف على قوله : « لا يصحّ ضمان ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٥) عطف على قوله : « لا يصحّ ضمان ».

(٦) كذا قوله : « مفهومة » هنا وفيما يأتي ، والظاهر : « مفهمة ».

(٧) المغني ٥ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

٢٩٣

الضمان ، صحّ.

وإن انفردت(١) إشارته المفهومة بالضمان ، صحّ أيضاً.

ولو(٢) انفردت كتابته عن الإشارة [ المفهمة ](٣) للضمان ، لم يصح الضمان ، سواء كان يُحسن الإشارة أو لا ؛ لأنّ الكتابة قد تكون عبثاً أو تجربةً للقلم(٤) أو حكايةَ خطٍّ ، فلم يثبت بها(٥) الضمان.

وللشافعيّة في الكتابة المنفردة عن إشارة مُفهمة(٦) أنّه قصد الضمان وجهان ، أصحّهما عندهم : الصحّة عند وجود القرينة المشعرة بالمقصود(٧) .

ونحن أيضاً نقول بذلك ، وليس النزاع فيه ، بل في مجرّد الكتابة.

وهذا الشرط يقتضي نفي الخلاف ، وأنّ الكتابة المجرّدة غير كافية.

أمّا الناطق فلا يكفي في حقّه الكتابة ما لم يتلفّظ بالعقد.

وللشافعيّة فيه الوجهان(٨) ، كما في الأخرس.

مسألة ٤٨٣ : يشترط في الضامن الملاءة بالمال الذي ضمنه وقت الضمان‌ ، أو علم المضمون له بالإعسار ، فلو ضمن المعسر ولم يعلم المضمون له بإعساره ثمّ ظهر الإعسار ، كان بالخيار [ بين ](٩) فسخ الضمان‌

____________________

(١) في « ر » : « تفرّدت ».

(٢) في « ر » : « وإن » بدل « ولو ».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المفهومة ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وتجربة القلم ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به » بدل « بها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) في « ج » والطبعة الحجريّة : « مفهومة » بدل « مُفهمة ». وما في المتن من « ث ، ر ».

(٧) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

(٩) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٩٤

والرجوع على المضمون عنه ، وبين إجازته والصبر على الضامن إلى زمان قدرته.

ولو علم بإعساره وقت الضمان ورضي به ، لم يكن له بعد ذلك خيار ، ولزمه الضمان.

وكذا يلزمه الضمان لو كان الضامن مليّاً وقت الضمان وتجدّد إعساره قبل الأداء ، وليس للمضمون له حينئذٍ الرجوع على المضمون عنه بشي‌ء.

مسألة ٤٨٤ : لو ادّعى المضمون له أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ‌ ، وقال الضامن : بل ضمنت لك قبله ، فإن عيّنا للضمان وقتاً وكان البلوغ غير محتمل فيه ، قُدّم قول الصبي ؛ لحصول العلم بعدم البلوغ ، ولا يمين على الصبي ؛ لأنّها إنّما تثبت في المحتمل.

وإن كان الصغر غير محتمل ، قُدّم قول المضمون له من غير يمينٍ ؛ للعلم بصدقه ، فلا يزال باليمين شكٌّ حاصل.

وإن احتمل الأمران أو لم يعيّنا وقتاً ، فالقول قول الضامن مع يمينه - وبه قال الشافعي(١) - لأصالة عدم البلوغ وقت الضمان ، وعدم ثبوت الحقّ عليه.

وقال أحمد : القول قول المضمون له ؛ لأنّ الأصل صحّة العقد وسلامته ، كما لو اختلفا في شرطٍ مبطل(٢) .

والفرق : أنّ المختلفين في الشرط المفسد يُقدّم فيه قول مدّعي الصحّة ؛ لاتّفاقهما على أهليّة التصرّف ، والظاهر أنّ مَنْ له أهليّة التصرّف‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥ - ٧٦.

(٢) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

٢٩٥

لا يتصرّف إلّا تصرّفاً صحيحاً ، فكان القول قولَ مدّعي الصحّة ؛ لأنّه يدّعي الظاهر ، وهنا اختلفا في أهليّة التصرّف ، وليس مع مَنْ يدّعي الأهليّة ظاهرٌ يستند إليه ، ولا أصل يرجع إليه ، فلا مرجّح لدعواه.

وكذا لو ادّعى أنّه ضمن بعد البلوغ وقبل الرشد ، وادّعى المضمون له أنّه بعد الرشد. وكذا لو ادّعى مَنْ يعتوره الجنون أنّه ضمن حال جنونه ، وادّعى المضمون له أنّ ضمانه في حال إفاقته ؛ فإنّ القول قول الضامن ؛ لما تقدّم.

أمّا لو لم يعهد منه جنونٌ سابق فادّعى أنّه حالة الضمان كان مجنوناً ، فإنّه لا تُسمع دعواه ، وله إحلاف المضمون له إن ادّعى علمه بالجنون.

وأمّا مَنْ يعتاد الشرب فادّعى أنّه حالة الضمان كان سكران ، وادّعى صاحب الحقّ أنّه كان حالة الضمان صاحياً ، فالوجه : تقديم قول الضامن مع اليمين.

ولو لم يعهد منه الشرب ، قُدّم قول المضمون له مع اليمين بانتفاء سكره.

مسألة ٤٨٥ : ولا فرق بين أن يكون الصبي مميّزاً أو غير مميّزٍ في بطلان ضمانه‌ ، ولا بين أن يأذن له الوليّ في الضمان أو لا ، وهو قول الشافعي(١) .

وعن أحمد روايتان ، إحداهما : أنّه يصحّ ضمان المميّز بإذن الولي ، كما يصحّ إقراره وتصرّفاته بإذن وليّه(٢)

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، التنبيه : ١٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ - ٤٧٥ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

(٢) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

٢٩٦

والأصل عندنا ممنوع ، على أنّ الفرق واقع بين الضمان والبيع ؛ فإنّ الضمان التزام مال لا فائدة له فيه ، فلم يصح منه ، كالنذر ، بخلاف البيع.

ولو قلنا بالرواية(١) الدالّة على نفاذ تصرّفه في المعروف إذا بلغ عشراً وكان مميّزاً ، احتُمل جواز الضمان إذا كان في معروفٍ.

مسألة ٤٨٦ : شرطنا في صحّة الضمان كون الضامن أهلاً للتبرّع ، فلا يصحّ ضمان العبد والمحجور عليه لسفهٍ ، فإنّه لو ضمن لم ينفذ ؛ لأنّ الضمان إمّا إقراض إن تعقّبه الرجوع ، وإمّا تبرّع إن لم يثبت الرجوع ، وكلاهما يتبع المحجور عليه لتبذيرٍ منه. ولأنّه إثبات مالٍ في ذمّته ، فلم يصح منه ، كالبيع وغيره ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال بعض العامّة : يصحّ ضمانه ، ويتبع به بعد فكّ الحجر عنه ؛ لأنّه مكلّف يصحّ إقراره ويتبع به بعد فكّ الحجر عنه ، فكذا ضمانه(٣) .

والفرق : أنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق ، وجاز أن يكون في ذمّته حقٌّ ، فوجب عليه الاعتراف به بحيث يؤدّي بعد فكّ الحجر عنه ، بخلاف الضمان ، فإنّه تبرّعٌ محض ، فكان ممنوعاً منه ، كسائر التبرّعات.

وقال بعض أصحاب الشافعي : إنّه يصحّ الضمان من المحجور عليه للتبذير ؛ لأنّه إقراض لا محض تبرّع ؛ لأنّ الشافعي قال : إذا ضمن في مرض موته بغير إذن مَنْ عليه الحقّ ، فهو محسوب من ثلثه ، وإن ضمن بإذنه ، فهو محسوب من رأس المال ؛ لأنّ للورثة أن يرجعوا على الأصيل(٤) .

____________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٤١ ، الهامش (١)

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦١ ، التنبيه : ١٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

(٣) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٥.

٢٩٧

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه وإن لم يكن تبرّعاً(١) فإنّه ممنوع منه ؛ كما مُنع(٢) من البيع وسائر التصرّفات الماليّة.

ولو أذن له الولي في الضمان ، فهو كما لو أذن له في البيع.

وأمّا المحجور عليه للفلس فإنّه يصحّ ضمانه مع رضا المضمون له ، ويتبع به بعد فكّ الحجر ؛ لأنّه من أهل التصرّف ، والحجر عليه في ماله لا في ذمّته ، فأشبه الراهن إذا تصرّف في غير الرهن ، وكما لو اقترض أو اشترى في ذمّته ، فإنّه لا يزاحم الغرماء.

مسألة ٤٨٧ : العبد إن أذن له مولاه في الضمان فضمن ، صحّ‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ الحجر لحقّ السيّد ، فإذا أذن له فيه ، زال الحجر ، وكان كما لو أذن له في الاستدانة فاستدان.

وإن ضمن بغير إذنه ، فإن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، فالأقرب عندي : صحّة الضمان ، كما لو استدان بغير إذن سيّده ، ويتبع به بعد العتق ، إلّا أنّ الفرق بين الدَّيْن والضمان : أنّ صاحب المال لو وجد عين ماله ، كان له انتزاعها منه ، والمضمون له ليس له انتزاع المال الذي ضمنه ما دام عبداً ؛ لأنّه مكلّف له قول صحيح ، وإنّما مُنع من التصرّف فيما يتعلّق بسيّده ؛ لاشتماله على ضرر سيّده ، والضمان لا ضرر فيه على السيّد ؛ لأنّه إنّما يطالب به بعد العتق ، فلا يُمنع منه ، ولهذا لو أقرّ بدَيْنٍ في ذمّته ، لزمه الإقرار ، وكان للمُقرّ له أن يتبعه به بعد العتق. ولو أقرّ بالجناية ، لم يُقبل.

لا يقال : في ذلك إضرار بالسيّد ؛ لأنّ السيّد يستحقّ إرث ماله بالولاء إذا أُعتق ، وثبوت الدَّيْن يمنع الإرث.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « متبرّعاً ».

(٢) في النسخ الخطّيّة : « يُمنع ».

٢٩٨

لأنّا نقول : حكم الإرث لا يمنع الضمان ، بخلاف حكم الملك ، ولهذا لا يمنع الإقرار ، والملك يمنع الإقرار فيه. وكذا الحُرّ لا يمنع من الضمان لحقّ ورثته.

وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّه لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه إثبات مال لآدميّ بعقدٍ ، فلم يصح من العبد بغير إذن سيّده ، كالمهر(١) .

والفرق : أنّ المهر يتعلّق بكسبه ، والنفقة بالسيّد ، فيضرّ به على التقديرين.

والشيخرحمه‌الله مالَ إلى بطلان الضمان ؛ لقوله تعالى :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) (٣) وهو الأصحّ عند الشافعيّة ، وبه قال ابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة(٤) .

وإن كان مأذوناً له في التجارة ، فحكمه حكم غير المأذون في التجارة في الضمان ، إن ضمن بإذن سيّده ، صحّ إجماعاً. وإن ضمن بغير إذن سيّده ، فالقولان.

وقال أبو ثور : إن كان من جهة التجارة ، جاز. وإن كان من غير ذلك ، لم يجز(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٧ ، التنبيه : ١٠٥ - ١٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ - ٤٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الوجيز ١ : ١٨٣ ، الوسيط ٣ : ٢٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦ ، المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٦.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٢١ ، المسألة ١٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦ ، المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٦.

(٥) المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٦ - ٧٧.

٢٩٩

مسألة ٤٨٨ : إذا ضمن بإذن سيّده ، صحّ قولاً واحداً.

وهل يتعلّق المال بالذمّة أو الكسب؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ ذمّة العبد محلّ الضمان ، فعلى هذا يتبع به بعد العتق ، ولا يجب على السيّد شي‌ء ، ولا يستكسب العبد فيه ، كما لو لم يأذن ، وهو أحد قولي الشافعيّة ؛ لأنّه إنّما أذن له في الالتزام دون الأداء.

وأظهرهما عندهم : أنّه يتعلّق بما يكسبه العبد بعد الإذن ؛ لأنّه ثبت بإذن السيّد ، كما لو أذن لعبده في النكاح ، تتعلّق النفقة والمهر باكتسابه(١) .

وحكى بعض الشافعيّة وجهاً غريباً للشافعيّة : أنّه يتعلّق برقبته ، فيباع فيه(٢) .

وعن أحمد روايتان :

إحداهما : أنّه يتعلّق برقبة العبد.

والثانية - وهي الأظهر عنده - : أنّه يتعلّق بذمّة السيّد(٣) .

هذا إذا لم يكن مأذوناً له في التجارة ، ولو كان مأذوناً له فيها فأذن له في الضمان ، فكالأوّل عندنا ، ويتعلّق بذمّته ؛ لما تقدّم من أنّه أذن له في التزام المال خاصّةً ، دون الأداء.

وللشافعيّة وجهان مرتَّبان على الوجهين في غير المأذون ، وأولى بأن [ لا ](٤) يحال على الذمّة ؛ لإشعار ظاهر الحال بخلافه(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ - ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٣) المغني ٥ : ٧٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٧.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨.

٣٠٠

وعلى هذا يتعلّق بما يكسبه من بعدُ ، أم به وبما في يده من الربح الحاصل ، أم بهما وبرأس المال؟ فيه وجوه ثلاثة أشبهها عندهم : الثالث(١) .

وعلى رأيٍ لبعض الشافعيّة : إذا كان مأذوناً له في الضمان ، تعلّق بكسبه ، وإلّا لم يتعلّق إلّا بالذمّة(٢) .

مسألة ٤٨٩ : إذا قال السيّد لعبده : اضمن واقضه ممّا تكتسبه ، صحّ ضمانه ، وتعلّق المال بكسبه.

وكذا لو قال للمأذون له في التجارة : اضمن واقض من المال الذي في يدك ، قضى منه. وكذا إن عيّن مالاً وأمره بالقضاء منه.

وحيث قلنا : يؤدّي ممّا في يده لو كان عليه ديون ، فإنّ المضمون له يشارك الغرماء ؛ لأنّه دَيْنٌ لزم بإذن المولى ، فأشبه سائر الديون ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّ الضمان لا يتعلّق بما في يده أصلاً ؛ لأنّه كالمرهون بحقوق الغرماء.

والثالث : أنّه يتعلّق بما فضل عن حقوقهم رعايةً للجانبين(٣) .

هذا إذا لم يحجر عليه الحاكم.

ويُحتمل عندي أنّ مال الضمان يُقدَّم على ديون الغرماء ؛ لأنّ مولاه عيّنه فيه.

أمّا لو حجر عليه الحاكم باستدعاء الغرماء ثمّ ضمن بإذن مولاه وجعل الضمان ممّا في يده ، لم يتعلّق الضمان بما في يده ؛ لتعلّق حقوق الغرماء به‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠١

بمقتضى حَجْر الحاكم عليه.

ولو عيّن السيّد مال الضمان من رقبته ، تعيّن ، كما لو ضمن الحُرّ على أن يؤدّي من مالٍ معيّن ، فإنّ مال الضمان يتعلّق بذلك المال المعيّن ، كذا هنا ؛ لأنّ الحقوق تتعلّق بأعيان الأموال كالرهن ، وأمّا تعلّق الضمان بعين ماله دون ذمّته فلا يصحّ ، وصحّ هذا في حقّ العبد ؛ لأنّ له ذمّةً.

ولو أذن للعبد في التجارة وفي الضمان ولم يعيّن المال من أين يؤدّى ، فقد قلنا : إنّ الأقوى تعلّقه بذمّة العبد. ويُحتمل بكسبه وبذمّة المولى.

وقال الشافعي : يتعلّق بما في يده من أموال التجارة ، فيقضيه منها على الوجه الذي يتعلّق بكسبه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه إنّما أذن له في الضمان بالإطلاق ، فهو ينصرف إلى ذمّته أو كسبه أو ذمّة مولاه.

مسألة ٤٩٠ : المدبَّر وأُمّ الولد والمكاتَب المشروط كالقِنّ في الضمان لا يصحّ إلّا بإذن سيّده‌ ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ ، فأشبه نذر الصدقة ، أو نقول : يصحّ ويتبع به بعد العتق على الخلاف الذي سبق كما قلناه في العبد القِنّ.

ولو ضمن بإذن سيّده ، صحّ ، كما لو أذن للعبد ، ولأنّ الحقّ للمكاتب أو للسيّد لا يخرج عنهما ، وقد اتّفقا على الضمان ، فلا مانع.

ويُحتمل أن لا يصحّ ؛ لأنّ فيه تفويتَ الحُرّيّة.

والوجه عندي : الصحّة إن استعقب ضمانه الرجوع ، كما لو أذن له المضمون عنه في الضمان ، ويكون الضمان مصلحةً لا مفسدة فيه ، كما لو كان المضمون عنه معسراً ، فإنّه لا يصحّ ، وكما لو تبرّع ؛ لأنّ للسيّد منعه من‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٥٠.

٣٠٢

التصرّف بغير الاكتساب.

وأمّا المكاتب المطلق فليس للسيّد منعه من الضمان مطلقاً كيف شاء ؛ لانقطاع تصرّفات المولى عنه.

ولو كان بعض العبد حُرّاً وبعضه رقّاً ولا مهايأة بينه وبين السيّد ، لم يكن له الضمان إلّا بإذنه ؛ لتعلّق حقّ السيّد برقبته وتصرّفه.

وكذا لو كان بينهما مهايأة وضمن في أيّام السيّد.

ولو ضمن في أيّام نفسه ، فالأقرب : الجواز.

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يخرج ضمان الـمُعتَق بعضُه على الخلاف في الاكتسابات النادرة هل يدخل في المهايأة أم لا؟(١) .

وضمان المكاتب - عند الشافعيّة - بغير إذن السيّد كضمان القِنّ ، وبالإذن مبنيّ على الخلاف في تبرّعاته(٢) .

مسألة ٤٩١ : إذا أذن السيّد لعبده في الضمان ، صحّ ، وانتقل المال إلى ذمّة العبد أو ذمّة السيّد أو مال العبد الذي في يده لمولاه على الخلاف.

فإن أدّى مال الضمان حالة الرقّ ، فحقّ الرجوع للسيّد ؛ لأنّ الأداء من مال السيّد ، سواء كان من رقبة العبد أو ممّا في يده أو من كسبه.

وإن أدّاه بعد عتقه ، فحقّ الرجوع للعبد ؛ لأنّه أدّاه من ماله.

ولو قلنا : إنّه إذا ضمن بإذن سيّده ، تعلّق الضمان بذمّة السيّد أو بكسب العبد ، فالأقرب : أنّ حقّ الرجوع للسيّد أيضاً.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أدّى بعد العتق :

أصحّهما : أنّ حقّ الرجوع للعبد.

والثاني : أنّه للسيّد ؛ لأنّ مال الضمان كالمستثنى عن اكتسابه ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠٣

فلا يستحقّها بالعتق(١) .

ولو ضمن العبد لسيّده عن أجنبيّ ، لم يصح ؛ لأنّه يؤدّيه من كسبِه ، وكسبُه لسيّده ، فهو كما لو ضمن المستحقّ لنفسه.

ولو ضمن لأجنبيّ عن سيّده ، فإن لم يأذن السيّد ، فهو كما لو ضمن عن أجنبيّ. وإن ضمن بإذنه ، صحّ.

ثمّ إن أدّى قبل العتق ، فلا رجوع له. وإن أدّى بعده ، ففي رجوعه على السيّد احتمال.

وللشافعيّة فيه وجهان مبنيّان على الوجهين فيما لو آجر(٢) عبده مدّة ثمّ أعتقه في ابتدائها أو(٣) في أثنائها هل يرجع بأُجرة المثل لبقيّة المدّة أو لا؟(٤) .

مسألة ٤٩٢ : يصحّ ضمان المرأة ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، كما يصحّ ضمان الرجل ؛ لأنّ الضمان عقد يقصد به المال ، فيصحّ من المرأة ، كالبيع. ولأنّها حُرّة عاقلة مالكة لأمرها نافذة التصرّف في مالها تصحّ منها الاستدانة وغيرها من التصرّفات ، فيصحّ منها الضمان ، كالرجل.

ولا فرق في صحّة ضمانها بين أن تكون خليّةً من بَعْل أو تكون ذات بعل.

ولا تحتاج إلى إذن الزوج ، كما في سائر تصرّفاتها ، وبه قال أكثر أهل العلم من العامّة والخاصّة.

وقال مالك : إنّه لا بدّ من إذن الزوج(٥) . وليس بمعتمد.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٢) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « آجره ».

(٣) كذا قوله : « في ابتدائها أو ». والجملة لم ترد في المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٥) الوجيز ١ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧.

٣٠٤

مسألة ٤٩٣ : المريض يصحّ ضمانه ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، سواء كان مرض الموت أو لا ، لكن إن لم يكن مرض الموت وعُوفي من مرضه ، صحّ ضمانه مطلقاً.

وإن كان مرض الموت ، فإن تبرّع بالضمان ، نفذ من الثلث عند كلّ مَنْ أثبت تبرّعاته من الثلث. ومَنْ جَعَل منجّزاته من الأصل أمضاه هنا من الأصل.

وإن لم يتبرّع بالضمان ، بل ضمن بسؤال المضمون عنه ، كان حكمه حكم ما لو باع نسيئةً.

والوجه : أنّه إن علم تعذّر الرجوع لفقر المديون بحيث يعلم عدم وصول مالٍ إليه ، كان ماضياً من الثلث ، كما لو تبرّع ، وإلّا مضى من الأصل.

وأطلق بعض العامّة احتسابَ ضمان المريض من الثلث ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ لا يلزمه ولم يأخذ عنه عوضاً ، فأشبه الهبة(١) .

ونمنع التبرّع في المتنازع.

النظر الثالث : في المضمون عنه.

مسألة ٤٩٤ : المضمون عنه هو المديون ، وهو الأصيل.

ولا يشترط رضاه في صحّة الضمان بالإجماع ، كما يجوز أداء الدَّيْن عن الغير بغير إذنه ، فالتزامه في الذمّة أولى بالجواز. ولأنّه يصحّ الضمان عن الميّت بالإجماع. ولما تقدّم(٢) من امتناع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصلاة على الميّت حتى ضمنه أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ومعلومٌ أنّه لا يتصوّر الرضا من‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٧٩ - ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٧ - ٧٨.

(٢) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

٣٠٥

الميّت.

مسألة ٤٩٥ : ولا يشترط حياة المضمون عنه ، بل يجوز الضمان عن الميّت‌ ، سواء خلّف الميّت وفاءً أو لا ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمّد(١) - لما تقدّم(٢) من أحاديث العامّة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام و [ أبي ] قتادة لمّا ضمنا الدَّيْن عن الميّت ، وما رواه الخاصّة أيضاً.

ولأنّ كلّ مَنْ يصحّ الضمان عنه إذا كان له ضامن صحّ وإن لم يكن له ضامن كما لو خلّف وفاءً أو كان حيّاً.

وقال أبو حنيفة والثوري : لا يصحّ الضمان عن الميّت إذا لم يخلّف وفاءً بمال أو ضمان ضامن ؛ لأنّ الموت مع عدم الوفاء يُسقط المطالبة بالحقّ والملازمة عليه ، فوجب أن يمنع صحّة الضمان ، كالإبراء(٣) .

وهو باطل ؛ لأنّ الإبراء إسقاط للحقّ ، ولهذا لا يصحّ بعده إبراء ، وهنا بخلافه.

وساعدنا أبو حنيفة فيما إذا ضمن عنه في حياته ثمّ مات معسراً أنّه‌

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ٢٢٩ - ٢٣٠ ، و ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، المهذّب – للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

(٢) في ص ٢٨١ و ٢٨٢ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، الأُم ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

٣٠٦

لا يبطل الضمان(١) .

مسألة ٤٩٦ : ولا تشترط معرفة المضمون عنه ، فلو ضمن الضامن عمّن لا يعرفه ، صحّ ضمانه‌ ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي في أصحّ القولين(٢) - لما تقدّم(٣) من أنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا عمّن لا يعرفانه. ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى معرفة مَنْ يؤدّى عنه ؛ لأنّه لا معاملة بينهما في ذلك. ولأنّه لا يشترط رضاه فلا تشترط معرفته ، وبه قال أحمد(٤) أيضاً.

والثاني للشافعي : أنّه تشترط معرفته ليعرف حاله ، وأنّه هل يستحقّ اصطناع المعروف إليه أو لا؟(٥) .

وليس بشي‌ء.

إذا عرفت هذا ، فهل تشترط معرفة ما يميّزه عن غيره؟ الأقرب : العدم ، بل لو قال : ضمنت لك الدَّيْن الذي(٦) لك على مَنْ كان من الناس ، جاز على إشكالٍ.

نعم ، لا بدّ من معرفة المضمون عنه بوصفٍ يميّزه عند الضامن بما يمكن القصد معه إلى الضمان عنه لو لم يقصد الضمان عن أيّ مَنْ كان.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، وراجع : بدائع الصنائع ٦ : (٦)

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٤) المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٦) في « ج ، ر » زيادة : « كان ».

٣٠٧

تذنيب : لو تبرّع الضامن بالضمان ورضي المضمون له بضمانه ، صحّ الضمان وانعقد وبرئت ذمّة المضمون عنه.

ولو أنكر المضمون عنه الضمانَ ، لم يبطل ضمانه ، وبه قال الشافعي(١) .

النظر الرابع : في المضمون له.

مسألة ٤٩٧ : المضمون له هو مستحقّ الدَّيْن.

وهل تشترط معرفته عند الضامن؟ إشكال ينشأ : من عدم التعرّض له والبحث عنه في ضمان(٢) عليّعليه‌السلام وأبي قتادة ، ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى ما سوى ذلك. ومن أنّه لا بدّ وأن يعرفه الضامن ليأمن الغرر ، فإنّ الناس يتفاوتون في المعاملة والاقتضاء والاستيفاء تشديداً وتسهيلاً ، وتختلف الأغراض في ذلك ، فالضمان مع إهماله غرر وضرر من غير ضرورة.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني عندهم(٣) .

ولا بأس به ؛ لحصول المعاملة بين الضامن وبينه بالضمان ، فافتقر إلى معرفته للحاجة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : لا تشترط معرفة الضامن المضمونَ له ولا المضمونَ عنه. واستدلّ بضمان عليّعليه‌السلام وأبي قتادة(٤) .

____________________

(١) لم نعثر على قوله بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التنبيه : ١٠٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ١.

٣٠٨

مسألة ٤٩٨ : يشترط رضا المضمون له في صحّة الضمان‌ ، وهو قول أكثر علمائنا(١) - وبه قال أبو حنيفة ومحمّد والشافعي في أحد القولين(٢) - لأنّه إثبات مالٍ لآدميّ ، وتجدّد سلطنة وولاية لم تكن ، فلا يثبت إلّا برضاه أو مَنْ ينوب عنه ، كالبيع والشراء ، ويبعد أن يتملّك الإنسان بتمليك الغير شيئاً من غير رضاه.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يشترط رضاه(٣) ، وهو قول الشيخ(٤) رحمه‌الله ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا الدَّيْن عن الميّت(٥) والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسأل عن رضا المضمون له.

ثمّ قال الشيخرحمه‌الله : ولو قيل : إنّ من شرطه رضا المضمون له ، كان أولى ؛ بدلالة أنّه إثبات حقٍّ في الذمّة ، فلا بدّ من اعتبار رضاه ، كسائر الحقوق.

ثمّ قال : والأوّل أليق بمذهبنا ؛ لأنّ الثاني قياس(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد قال أبو يوسف بالقول الثاني للشافعي أيضاً ؛ لأنّ‌

____________________

(١) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٠ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٠٨ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٠١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ٢

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٦) الخلاف ٣ : ٣١٣ - ٣١٤ المسألة ٢

٣٠٩

الضمان محض التزامٍ ، وليس موضوعاً على قواعد المعاملات(١) .

تذنيب : أبو حنيفة وافقنا على اشتراط رضا المضمون له في الضمان‌ إلّا في مسألة واحدة استثناها ، وهي : أنّ المريض لو التمس من الورثة أن يضمنوا دَيْنه فأجابوا ، صحّ وإن لم يرض المضمون له(٢) .

مسألة ٤٩٩ : نحن وأبو حنيفة والشافعي - في أحد القولين – لـمّا اشترطنا في صحّة الضمان رضا المضمون له تفرّع عندنا فرع‌ ، وهو : أنّه هل يُشترط قبول(٣) المضمون له ، أو لا ، بل يكفي في صحّة الضمان الرضا؟ إشكال ينشأ : من أنّه تملّك في مقابلة تمليك الضامن ، فيعتبر فيه القبول ، كسائر التمليكات والتملّكات. ومن أصالة عدم الاشتراط ، مع قيام الفرق بينه وبين سائر التملّكات ؛ فإنّ الضمان لا يُثبت ملكَ شي‌ء جديد ، وإنّما يتوثّق به الدَّيْن الذي كان مملوكاً.

ويُنتقض بالرهن ؛ فإنّه لا يفيد إلّا التوثيق ، ويُعتبر فيه القبول.

وللشافعيّة قولان - كالاحتمالين - لكنّ الأصحّ عندهم : الثاني(٤) .

والأقرب عندي : الأوّل ؛ لأنّه عقد ، فلا بدّ من القبول.

قال بعض الشافعيّة : يقرب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم يُجدّد سلطنةً لم تكن ، فإن شرطنا القبول فليكن بينه وبين الضمان من التواصل ما بين الإيجاب والقبول في‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) أي القبول لفظاً.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

٣١٠

سائر العقود. وإن لم نشترط ، فيجوز أن يتقدّم(١) (٢) .

وقد فرّع الجويني على عدم اشتراط رضا المضمون له ، فقال : إذا ضمن من غير رضاه ، نُظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه ، فالمضمون له بالخيار إن شاء طالَب الضامن ، وإن شاء تركه. وإن كان الضمان بإذنه ، فحيث قلنا : يرجع الضامن على المضمون عنه [ يُجبر ](٣) المضمون له على قبوله ؛ لأنّ ما يؤدّيه في حكم ملك المضمون عنه. وحيث قلنا : لا يرجع ، فهو كما لو قال لغيره : أدِّ دَيْني عنّي ، ولم يشترط الرجوع وقلنا : إنّه لا يرجع(٤) .

وهل يستحقّ المدين والحال هذه أن يمتنع من القبول؟ فيه وجهان بناءً على أنّ المؤدّى يقع فداءً أو موهوباً ممّن عليه الدَّيْن؟ إن قلنا بالثاني ، لم يكن له الامتناع ، وهو الأشهر عندهم(٥) .

وقد ظهر من هذا أنّ للشافعيّة في اشتراط معرفة المضمون له والمضمون عنه ثلاثة أقوال :

قال بعضهم : لا تشترط معرفتهما.

وقال آخَرون : تشترط معرفتهما.

وقال قوم : تشترط معرفة المضمون له دون المضمون عنه ؛ إذ لا معاملة معه(٦) .

____________________

(١) أي : يتقدّم الرضا على الضمان ، كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « روضة الطالبين ». وبدلها في « العزيز شرح الوجيز » : « يتخيّر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ - =

٣١١

وزاد الجويني قولاً رابعاً ، وهو : اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له(١) .

النظر الخامس : في الحقّ المضمون به.

مسألة ٥٠٠ : يشترط في الحقّ المضمون به أمران :

الأوّل : الماليّة ، فلا يصحّ ضمان ما ليس بمال. والضابط فيه أن يكون ممّا يصحّ تملّكه وبيعه ، وكما لا يصحّ بيع المحرَّمات والربويّات وغيرهما ممّا تقدّم ، كذا لا يصحّ ضمانها.

الثاني : الثبوت في الذمّة ، فلو ضمن دَيْناً لم يجب بَعْدُ وسيجب بقرضٍ أو بيعٍ أو شبههما ، لم يصح.

ولو قال لغيره : ما أعطيت فلاناً فهو علَيَّ ، لم يصح أيضاً عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد(٢) - لأنّ الضمان ضمّ ذمّةٍ إلى ذمّةٍ في التزام الدَّيْن ، فإذا لم يكن على المضمون عنه شي‌ء فلا ضمّ فيه ولا يكون ضماناً. ولأنّ الضمان شُرّع لوثيقة الحقّ ، فلا يسبق وجوب الحقّ كالشهادة.

وللشافعيّة هنا طريقان :

أحدهما : قال ابن سريج : المسألة على قولين :

القديم : أنّه يصحّ ضمان ما لم يثبت في الذمّة ولم يجب ؛ لأنّ الحاجة قد تمسّ إليه ، كما أنّه في القديم جوّز ضمان نفقة المستقبل. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.

والجديد : المنع ، وبه قال أحمد.

____________________

= ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

٣١٢

والثاني : القطع بالمنع ، ويخالف ضمان النفقة ؛ لأنّ النفقة - على القديم - تجب بالعقد ، فضمانها ضمان ما وجب لا ما لا يجب(١) .

مسألة ٥٠١ : لو قال : ضمنت لك ما تبيعه من فلان ، فباع الشي‌ء بعد الشي‌ء ، لم يصح هذا الضمان عندنا‌ ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وفي القديم : يصحّ ، ويكون ضامناً للكلّ ؛ لأنّ « ما » من أدوات الشرط فتقتضي التعميم(٣) .

ولو قال : إذا بعت من فلان فأنا ضامن ، فإنّه يضمن الأوّل لا غير ؛ لأنّ « إذا » ليست من أدوات الشرط.

وقال أبو حنيفة : إذا قال لغيره : إذا بعت فلاناً شيئاً فهو عَلَيَّ ، فباعه شيئاً ثمّ باعه شيئاً آخَر ، لزم الضامن المال الأوّل خاصّةً. ولو قال : ما بعته اليوم فهو علَيَّ ، لزمه ما يبيعه اليوم. ولو قال : مَنْ باع فلاناً اليوم فهو عَلَيَّ ، فباعه رجل ، لا يلزم الضامن(٤) .

مسألة ٥٠٢ : إذا شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدَّيْن ، فهنا - أي في صورة ضمان ما لم يجب - أولى.

وإن لم نشترط ، فللشافعيّة وجهان(٥) .

وكذا معرفة المضمون عنه.

وإذا ضمن ما لم يجب ، فلا يطالب الضامن ما لم يلزم الدَّيْن على الأصيل ، فيطالب حينئذٍ عند مَنْ جوّزه ، وأمّا عندنا فلا.

قال مجوّزوه : إذا ضمن ما لم يجب ثمّ رجع عن الضمان ، فإن كان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

٣١٣

بعد لزوم المال ، لم يكن له الرجوع.

وإن كان قبله ، فعن ابن سريج من الشافعيّة : أنّ له أن يرجع(١) .

وقال غيره من الشافعيّة : لا يرجع ؛ لأنّ وضع الضمان على اللزوم(٢) .

وعلى قولنا ببطلان ضمان ما لم يثبت لو قال : اقرض فلاناً كذا وعلَيَّ ضمانه ، فأقرضه ، قال بعض الشافعيّة : المذهب أنّه لا يجوز(٣) .

وقال ابن سريج : إنّه يجوز ؛ لأنّه ضمانٌ مقرون بالقبض(٤) .

مسألة ٥٠٣ : يصحّ ضمان النفقة الماضية للزوجة‌ ، سواء كانت نفقة الموسرين أو نفقة المعسرين ، وكذا ضمان الإدام ونفقة الخادم وسائر المؤن ؛ لأنّها تثبت في الذمّة واستقرّت بمضيّ الزمان.

وكذا يصحّ ضمان نفقة اليوم الحاضر ؛ لأنّها تجب بطلوع الفجر.

وأمّا النفقة المستقبلة - كنفقة الغد والشهر المستقبل والسنة المستقبلة - فإنّها غير واجبة في الذمّة ، فلا يصحّ ضمانها ؛ لأنّ النفقة عندنا إنّما تجب بالعقد والتمكين ، والتمكين في المستقبل لم يحصل ، فلم تجب النفقة إلّا مع حصوله ، فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يصحّ(٥) .

وهو مبنيّ على أنّ النفقة تجب بالعقد خاصّةً ، والأوّل مبنيّ على أنّها تجب بالعقد والتمكين.

وقال الجويني : إن قلنا بالقديم ، صحّ الضمان. وإن قلنا بالثاني ، فالأصحّ : البطلان(٦) .

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨ - ٤٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٤

وفيه قولٌ آخَر مع تفريعنا على أنّ ضمان ما لم يجب باطل ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة ناجز ، وهو النكاح(١) .

وفيه إشكال ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة إمّا النكاح أو التمكين في النكاح ، فإن كان الأوّل ، فالنفقة واجبة ، فكيف قال : ولم تجب!؟ وإن كان الثاني ، فالسبب غير موجود.

مسألة ٥٠٤ : قد بيّنّا أنّ ضمان نفقة المدّة المستقبلة للزوجة باطل.

وعلى قول الشافعي بالجواز يُشترط أمران :

أحدهما : أن يقدّر المدّة ، فلو أطلق لم يصح فيما بعد الغد. وفي الغد وجهان أخذاً من الخلاف فيما إذا قال : آجرتك كلّ شهر بدرهم ، ولم يقدّر ، هل يصحّ في الشهر الأوّل؟ قولان.

الثاني : أن يكون المضمون نفقة المعسرين وإن كان المضمون عنه موسراً أو متوسّطاً ؛ لأنّه ربما يعسر ، فالزائد على نفقة المعسر غير ثابتٍ ؛ لأنّه يسقط بالعسر(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يجوز ضمان نفقة الموسرين والمتوسّطين ؛ لأنّ الظاهر استمرار حاله(٣) .

وأمّا نفقة القريب للمدّة المستقبلة فإنّها عندنا أولى بالبطلان ؛ لعدم وجوبها ، وبه قال الشافعي(٤) .

أمّا نفقة اليوم ، فالأقرب : جواز ضمانها ؛ لوجوبها بطلوع الفجر.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : أنّه لا يصحّ(٥) .

والفرق بينها وبين نفقة الزوجة : أنّ سبيل هذه النفقة سبيل البرّ والصلة ، لا سبيل الديون ، ولهذا تسقط بمضيّ الزمان وضيافة الغير ، ونفقة الزوجة نفقة معاوضة ، فسبيلها سبيل الديون.

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٥

مسألة ٥٠٥ : لا يشترط في المال اللزوم‌ ، بل مطلق الثبوت ، سواء كان مستقرّاً لازماً ، كثمن المبيع إذا كان في الذمّة ، أو متزلزلاً ، كضمان الثمن في مدّة الخيار ، فإنّه يصحّ ضمانه - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لأنّه ينتهي إلى اللزوم بنفسه ، فيحتاج فيه إلى التوثيق ، وأصل وضع البيع اللزوم.

والثاني : لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

ويُمنع اشتراط اللزوم.

وهذا الخلاف بين قولي الشافعي إنّما هو فيما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما ، أمّا إذا كان الخيار مختصّاً بالبائع ، فإنّه يصحّ ضمانه بلا خلافٍ ؛ لأنّ الدَّيْن لازم في حقّ مَنْ هو عليه(٣) .

وهو ممنوع.

وقال الجويني : تصحيح الضمان في بيع الخيار مبنيّ على أنّ الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع ، أمّا إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بَعْدُ(٤) .

مسألة ٥٠٦ : الحقوق على أربعة أضرب :

[ الأوّل ] : حقٌّ لازم مستقرّ‌ ، كالثمن بعد قبض المبيع ، والأُجرة بعد انقضاء المدّة ، والمهر بعد الدخول ، وهذا يصحّ ضمانه إجماعاً.

الثاني : لازمٌ غير مستقرّ‌ ، كالثمن قبل القبض ، والمهر قبل الدخول ، والأُجرة قبل انقضاء المدّة ، فهذا يصحّ ضمانه أيضاً ؛ لأنّه لازمٌ في الحال وإن جاز أن يسقط ، كما يسقط المستقرّ بالقضاء والإبراء وبالردّ بالعيب وغير ذلك.

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣.

٣١٦

وكذا(١) السَّلَم يصحّ ضمانه عندنا وعند الشافعي(٢) ؛ لأنّه دَيْنٌ لازمٌ ، فصحّ ضمانه ، كالقرض.

وقال أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين : إنّه لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه يؤدّي إلى استيفاء الـمُسْلَم فيه من غير المُسْلَم إليه ، فلا يجوز ، كالحوالة به(٣) .

والفرق أنّه في الحوالة يطالب ببدل الحقّ ، وفي الضمان يطالب بنفس الحقّ.

الثالث : ما ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم‌ ، كالكتابة عند بعض(٤) علمائنا.

الرابع : ما ليس بلازمٍ ولكن يؤول إلى اللزوم‌ ، كمال الجعالة.

مسألة ٥٠٧ : الأقرب عندي : أنّه يصحّ ضمان مال الكتابة‌ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في وجهٍ(٥) ، وخرّجه ابن سريج على ضمان ما لم يجب ووُجد سبب وجوبه(٦) . وقال بعضهم : إنّه مأخوذ من تجويز ضمان الجُعْل في الجعالة على إحدى الروايتين(٧) - لأنّه دَيْنٌ على المكاتب ، فصحّ ضمانه ، كسائر الديون عليه وعلى غيره.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « كذلك ».

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، المغني ٤ : ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٨.

(٣) المغني ٤ : ٣٧٧ ، و ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، و ٥ : ٨٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) الشيخ الطوسيرحمه‌الله في المبسوط ٢ : ٣٢٥.

(٥) المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

٣١٧

والمشهور من مذهب الشافعي - وإليه مالَ الشيخ(١) رحمه‌الله وأحمد في الرواية الأُخرى - : أنّه لا يصحّ ؛ لأنّ مال الكتابة ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم ، فإنّ للمكاتَب أن يُعجّز نفسه ويمتنع من أدائه ، فإذا لم يلزم(٢) الأصيل فالضمين أولى(٣) .

ويُمنع عدم لزومه وأنّ للمكاتب تعجيز نفسه ، بل يجب عليه القيام في المال ؛ لأنّه قد صار دَيْناً عليه.

تذنيب : لو ضمن إنسان عن المكاتَب غير نجوم الكتابة‌ ، فإن كان الدَّيْن لأجنبيّ ، صحّ الضمان ، وإذا أدّى الضامن ، رجع على المكاتَب إن كان قد ضمن بإذنه.

وإن ضمنه لسيّده ، جاز أيضاً.

والشافعي بناه على أنّ ذلك الدَّيْن هل يسقط بعجزه؟ وهو على وجهين ، إن قلنا : نعم ، لم يصح ، كضمان النجوم ، وإلّا جاز(٤) .

مسألة ٥٠٨ : [ في ضمان ](٥) ما ليس بلازمٍ في الحال وله مصير إلى اللزوم ، والأصل في وضعه الجواز ، كمال الجعالة.

فنقول : إن ضمن قبل الشروع في العمل ، لم يصح الضمان ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٣٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزمه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢ ، المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه كما استُظهر في هامش الطبعة الحجريّة ، ولم يرد في النسخ الخطّيّة.

٣١٨

ضمان ما لم يجب ؛ إذ العقد غير لازم ، والمال الثابت بالعقد غير ثابت في الذمّة فكيف يلزم فرعه!؟

وإن ضمن بعد فراغ العمل واستحقاقه للمال ، صحّ ضمانه قطعاً ؛ لأنّه ضمان ما قد ثبت وجوبه.

وإن ضمن بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه ، فالأقرب : جواز الضمان ؛ لوجود سبب الوجوب ، ولانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ، كالثمن في مدّة الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.

وأصحّهما عنده : المنع ؛ لأنّ الموجِب للجُعْل هو العمل ؛ إذ به يتمّ الموجَب ، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(١) .

وقال بعض الشافعيّة : يمكن بناء الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل ، فنقول : إن لم نجوّز الرجوع ، فقد لزم الجُعْل من قِبَله. وإن جوّزناه ، لم يصح ضمانه(٢) .

وأمّا مال المسابقة والمناضلة فمبنيّ على أنّ عقدهما جعالة أو إجارة ، فإن كان إجارةً ، صحّ الضمان. وإن كان جعالةً ، فهو كضمان الجُعْل.

وقال الشيخ(٣) رحمه‌الله وأحمد : يصحّ ضمان مال الجعالة والمسابقة ؛ لأنّه يؤول إلى اللزوم. ولقوله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (٤) ولأنّه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل ، وإنّما الذي لا يلزم‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، و ٤ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٠ ، و ٥ : ١٥٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المسألتان ٧ و ٨ من كتاب الضمان ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢٥.

(٤) يوسف : ٧٢.

٣١٩

العملُ ، والمال يلزم لوجوده ، والضمان للمال دون العمل(١) .

وكلامه يشعر بجواز الضمان قبل الشروع في العمل.

مسألة ٥٠٩ : يصحّ ضمان أرش الجناية ، عند علمائنا‌ ، سواء كان من النقدين أو من الإبل وغيرها(٢) من الحيوانات - وبه قال أحمد(٣) - لأنّه ثابت مستقرّ في الذمّة ، فصحّ ضمانه ، كغيره من الحقوق الثابتة في الذمم ، وكغير الحيوانات من الأموال.

وقال أصحاب الشافعي : إذا لم نجوّز ضمان المجهول ففي ضمان إبل الدية وجهان ، ويقال قولان :

أحدهما : لا يصحّ ؛ لأنّه مجهول الصفة واللون.

والثاني : أنّه صحيح(٤) .

ونمنع بطلان ضمان المجهول.

سلّمنا ، لكن نمنع الجهالة ؛ فإنّ الإبل الواجبة في الذمّة عن النفس والأعضاء والجراحات معلومة العدد والسنّ ، وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا تضرّ ؛ لأنّ الذي يلزمه أدنى لون أو صفة أو غالب إبل البلد ، فتحصل معلومة. ولأنّ جَهْلَ ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام. ولأنّ الضمان تلو الإبراء ، والإبراء عنها صحيح فكذا الضمان.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « أو من غيرهما » بدل « وغيرها ».

(٣) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510