تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510
المشاهدات: 384186
تحميل: 4424

توضيحات:

الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 384186 / تحميل: 4424
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 14

مؤلف:
ISBN: 964-319-435-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لا يصحّ من غير البائع لا يصحّ من البائع(١) .

وهذا إن أُريد به أنّه لغو ، كما لو ضمن العهدة لوجوب الأرش عليه من غير التزامٍ ، فهو مستمرّ على ظاهر مذهب الشافعيّة(٢) ، وإلّا فهو ذهاب منهم إلى أنّه لا أرش عليه.

مسألة ٥٢٣ : استحقاق رجوع المشتري بالثمن إن كان بسببٍ حادث بعد العقد - كتلف المبيع في يد البائع أو بغَصْبٍ منه‌ ، أو تقايل المشتري - فإنّ المشتري يرجع هنا على البائع خاصّةً ؛ لأنّ هذا الاستحقاق لم يكن موجوداً حال العقد ، وإنّما ضمن في العقد الاستحقاق الموجود حال العقد.

ومَنْ جوّز ضمان ما لم يجب جَعَل للمشتري هنا الرجوعَ على الضامن.

وإن كان الاستحقاق للثمن بسببٍ كان موجوداً حال العقد ، فإن كان لا بتفريطٍ من البائع كالشفعة ، فإن أخذ الشقص من المشتري ، رجع المشتري عليه ، ولا يرجع على البائع ولا على الضامن ؛ لأنّ الشفعة مستحقّة على المشتري.

وإن كان بتفريطه ، فإن كان المشتري ردّ بعيبٍ كان موجوداً حال العقد ، رجع على البائع.

وفي رجوعه على الضامن إشكال.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

وإن كان فيه عيب وحدث فيه عند المشتري عيب ، فليس له ردّه ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

٣٤١

وله الرجوع بأرش العيب ، ويرجع به على البائع.

وفي رجوعه على الضامن الإشكال السابق.

والوجهان للشافعيّة(١) .

مسألة ٥٢٤ : لو ضمن البائع له ما يحدث المشتري في المبيع‌ من بناء أو غراس أو ما يلزمه من غرامة عن أُجرة ونفع ، فالأقرب : صحّة الضمان ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ؛ لأنّ ضمان ما لم يجب - عندهما - وضمان المجهول صحيحان(٢) .

وعندنا أنّ ضمان المجهول صحيح ، وضمان ما لم يجب باطل ، لكن نمنع هنا كون المضمون غيرَ واجب.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه مجهول ولم يجب ، وكلاهما لا يصحّ ضمانه(٣) .

فعلى قوله إذا ضمن ذلك البائعُ في عقد البيع أو ضمنه غيره وشرط ذلك في العقد ، فسد به العقد عنده ، وكذا إن كان في زمن الخيار. وإن كان بعد لزوم العقد ، لم يصح ولم يؤثّر في العقد.

وإن ضمن ذلك مع العهدة ، فإن كان البائعَ ، لم يصح ضمان ما يحدث عنده ، والعهدة واجبة عليه بغير ضمان. وإن كان أجنبيّاً ، فسد ضمان ما يحدث عنده.

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

(٢) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ٦٦.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٦٦ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦.

٣٤٢

البحث الرابع : في أحكام الضمان.

وهي أربعة : مطالبة المستحقّ والضامن ، والرجوع ، وما يرجع به ، ففيها أربعة أنظار :

الأوّل : الضمان عندنا ناقلٌ للمال من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن‌ ، فللمضمون له مطالبة الضامن بالمال ، وليس له مطالبة المضمون عنه ، عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداوُد وأبو ثور(١) - لما رواه العامّة عن أبي سعيد الخدري أنّه كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جنازة ، فلمّا وُضعت قال : « هل على صاحبكم من دَيْن؟ » قالوا : نعم ، درهمان ، فقال : « صلّوا على صاحبكم » فقال عليّعليه‌السلام : « يا رسول الله صلِّ عليه وأنا لهما ضامن » فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى عليه ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال : « جزاك الله عن الإسلام خيراً ، وفكّ رهانك كما فككت رهان أخيك » فقلت : يا رسول الله هذا لعليّ خاصّةً ، أم للناس عامّة؟ قال : « للناس عامّة »(٢) فدلّ على أنّ المضمون عنه بري.

وعن جابر قال : توفّي صاحبٌ لنا فأتينا به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليصلّي عليه ، فخطا خطوة ثمّ قال : « أعليه دَيْنٌ؟ » قلنا : نعم ، ديناران ، فانصرف فتحمّلهما أبو قتادة ، فقال : الديناران عَلَيّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وجب حقّ الغريم ، وبرئ الميّت منهما؟ » قال : نعم ، فصلّى عليه ، ثمّ قال بعد ذلك : « ما فعل الديناران؟ » قال : إنّما مات أمس ، قال : فعاد إليه من الغد فقال : قد‌

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠١ / ١٠١٢ ، المغني ٥ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٨.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ٧٨ - ٧٩ / ٢٩١ و ٢٩٢ ، المغني ٥ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١.

٣٤٣

قضيتهما ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الآن برّدتَ جلده »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عطاء عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : جُعلت فداك إنّ علَيَّ دَيْناً إذا ذكرته فسد عَلَيَّ ما أنا فيه ، فقال : « سبحان الله أوَما بلغك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول في خطبته : مَنْ ترك ضياعاً فعلَيَّ ضياعه ، ومَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ دَيْنه ، ومَنْ ترك مالاً فلله(٢) ، فكفالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميّتاً ككفالته حيّاً ، وكفالته حيّاً ككفالته ميّتاً » فقال الرجل : نفّست عنّي جعلني الله فداك(٣) . فلولا براءة ذمّته من الدَّيْن ، لم يحصل له نفع بالضمان ولا تنفّس عنه كربه.

ولأنّه دَيْنٌ واحد فمحلّه واحد ، فإذا صار في ذمّة الضامن ، برئت ذمّة الأوّل ، كالمحال به ، وذلك لأنّ الواحد لا يحلّ في محلّين ، وثبوت دَيْنٍ آخَر في ذمّة الضامن يقتضي تعدّد الدَّيْنين.

وقال عامّة الفقهاء - كالثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي - : إنّ المضمون عنه لا يبرأ من المال ، وللمضمون له مطالبة مَنْ شاء من الضامن ومن المضمون عنه ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي قتادة حين قضى الدَّيْن عن الميّت : « الآن برّدتَ عليه جلده »(٤) .

وقولهعليه‌السلام : « نفس المؤمن معلّقة بدَيْنه حتى يقضى عنه »(٥)

____________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ٧٩ / ٢٩٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٤ و ٧٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٨ ، مسند الطيالسي : ٢٣٣ / ١٦٧٣ ، مسند أحمد ٤ : ٢٨٠ - ٢٨١ / ١٤١٢٧ ، وعن الأخير ابنا قدامة في المغني ٥ : ٨٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٧٢.

(٢) في المصدر : « فأكله » بدل « فللّه ».

(٣) التهذيب ٦ : ٢١١ / ٤٩٤.

(٤) تقدم تخريجه في الهامش (١)

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٦ / ٢٤١٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ١٠٧٨ و ١٠٧٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٩ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٢٦ - ٢٧.

٣٤٤

ولأنّ الضمان يفارق الحوالة باسمٍ ، فاختصّ عنها بحكمٍ يخالفها(١) .

وقوله لأبي قتادة إنّما كان لأنّه بالقضاء تحقّق فائدة الضمان ، وعُلم إبراء ذمّة الميّت ، وصحّ الحكم منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ببرد جلده ، والضمان عنه قضاء أيضاً. والفرق بالاسم لا يستلزم ما ذكروه ؛ لجواز اختصاص الضمان بأُمور لا تثبت في الحوالة.

مسألة ٥٢٥ : ليس للمضمون له مطالبة المضمون عنه ، بل يطالب الضامن خاصّةً عندنا.

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم : يرجع على مَنْ شاء من الضامن والمضمون عنه(٢) .

وقال مالك : إنّه لا يطالب الضامن ، إلّا إذا عجز عن تحصيله من الأصيل ؛ لغيبته أو إعساره ؛ لأنّ الضمان وثيقة ، فلا يستوفى الحقّ منها إلّا عند تعذّره ، كالرهن(٣) .

واحتجّ الشافعي : بأنّ الحقّ ثابت في ذمّة كلٍّ منهما ، فكان له مطالبته كالضامنين ، ولا يشبه الرهن ؛ لأنّه مال مَنْ عليه الحقّ ، وليس بذي ذمّةٍ‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٨١ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٠ - ٧٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٢٩ ، المحلّى ٨ : ١١٣ ، مختصر المزني : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، الوسيط ٣ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، الوجيز ١ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٤ ، وراجع أيضاً المصادر في الهامش (١)

(٣) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٥٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، المغني ٥ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١.

٣٤٥

يطالب ، وإنّما يطالب مَنْ عليه الحقّ ، فيقضى منه أو من غيره(١) .

هذا إذا ضمن مطلقاً ، ولو ضمن بشرط براءة الأصيل ، ففي صحّته عند الشافعيّة وجهان :

أشبههما عندهم : المنع ؛ لأنّه قرن به شرطاً يخالف مقتضى الضمان.

والثاني : يصحّ ؛ لما روي أنّه لـمّا ضمن أبو قتادة الدينارين عن الميّت ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هُما عليك [ وجب ](٢) حقّ الغريم وبرئ الميّت؟ » فقال : نعم ، فصلّى عليه(٣) (٤) .

وهذا عندنا ساقط ؛ لأنّا نقول ببراءة الأصيل.

وإن لم يشترطه ، فلا فائدة لهذا الشرط عندنا. وأمّا عند الشافعي فوجهان كما قلنا.

فعلى تقدير الصحّة في صحّة الشرط وجهان عندهم يشبهان الخلاف في براءة المحيل إذا أحال على مَنْ لا دَيْن عليه وقلنا بصحّة هذه الحوالة(٥) .

وقد يعكس بعض الشافعيّة الترتيبَ فيقول : في صحّة الشرط وجهان ، إن فسد ، ففي فساد الضمان وجهان.

وإذا صحّحنا العقد والشرط ، برئ الأصيل ، وكان للضامن الرجوع عليه في الحال إن ضمن بإذنه ؛ لأنّه حصل له براءة ذمّته ، كما لو أدّى(٦) .

وعندنا ينبغي أن لا يكون ، بل يرجع عليه مع الأداء.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، المغني ٥ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه كما تقدّم.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٣ ، الهامش (١)

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ - ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

٣٤٦

مسألة ٥٢٦ : إذا أبرأ المالك للدَّيْن ذمّة الضامن ، برئ الأصيل عند علمائنا‌ ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقلٌ للدَّيْن من ذمّة الأصيل إلى ذمّة الضامن ، وليس للضامن أن يرجع على المضمون عنه إلّا بما أدّاه ، فإذا أُسقط الدَّيْن عنه لم يؤدّ شيئاً ، فلم يرجع بشي‌ء.

ولو تعدّد الضمناء على الترتيب بأن ضمن الدَّيْنَ ضامنٌ ثمّ ضمن الضامنَ ضامنٌ آخَر ، فإذا أبرأ الضامنَ الأخير ، برئ الأصيل ومَنْ تفرّع عليه عندنا ؛ لما تقدّم.

ولو أبرأ المستحقّ للدَّيْن ذمّة الأصيل ، لم يبرأ الضامن ؛ لأنّ الحقّ سقط عن ذمّة الأصيل بالنسبة إلى صاحب الدَّيْن ، فلا يصادف الإبراء استحقاقاً فلا يكون صحيحاً.

ولو أبرأ المستحقّ الضامنَ الأوسط ، لم يبرأ الأخير.

وقال العامّة : إذا أبرأ المستحقُّ الأصيلَ ، برئ الضمناء ؛ لسقوط الحقّ ، كما لو أدّى الأصيل الدَّيْنَ أو أحال مستحقَّ الدَّيْن على إنسان ، أو أحال المستحقّ غريمه عليه. وكذا يبرأ ببراءة ضامن الضامن(١) .

ولو أبرأ الضامنَ ، لم يبرأ الأصيل عندهم ؛ لأنّ إبراءه إسقاطٌ للوثيقة ، وذلك لا يقتضي سقوط أصل الدَّيْن كفكّ الرهن(٢) .

وهذا بناءً على بقاء الدَّيْن في ذمّة الأصيل ، وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٥٢٧ : لو ضمن الدَّيْن المؤجَّل فمات الأصيل وحلّ عليه الدَّيْن ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، الوسيط ٣ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ ، المغني ٥ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٣.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، الوسيط ٣ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٣٤٧

لم يحل على الضامن ؛ لأنّه حيّ يرتفق بالأجل ، قاله أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : يحلّ على الضامن أيضاً ؛ لأنّه فرع على الأصيل(٢) .

ويحجر الحاكم من تركة الأصيل بقدر الدَّيْن ، فإن تلف ، ضمن الوارث ، كما أنّ النماء له.

ولو أخّر المستحقّ المطالبةَ ، كان للضامن أن يطالبه بأخذ حقّه من تركة الأصيل ، ولا يجعل في يده ؛ لأنّه إنّما يستحقّ أن يأخذ ما أدّى ، وهو الآن لم يؤدّ شيئاً ، بل يجعل في يد أمين أو في يد الورثة مع التضمين إن رأى الحاكم ذلك صلاحاً ، أو يطالب المستحقّ بإبراء ذمّته ؛ لأنّه قد تهلك التركة ، فلا يجد مرجعاً إذا غرم.

وقال بعض الشافعيّة : ليس للضامن هذه المطالبة(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الميّت عليه دَيْنٌ قطعاً لم تبرأ ذمّته منه بالكلّيّة ، أقصى ما في الباب أنّ المال انتقل من ذمّته إلى ذمّة الضامن بالنسبة إلى المضمون له لا مطلقاً ، والديون على الميّت تحلّ قطعاً بلا خلاف ، وليس للمضمون له المطالبة بهذا الدَّيْن من التركة عندنا على ما تقدّم ، فيبقى المطالب الضامن خاصّةً ، لكنّ القبض على ما صوّرناه.

ولو مات الضامن ، حلّ عليه الدَّيْن فإن أخذ المستحقّ المالَ من تركة الضامن ، لم يكن لورثته الرجوعُ على المضمون عنه قبل حلول الأجل.

وقال زفر : إنّهم يرجعون عليه ؛ لأنّه هو أدخلهم في ذلك مع علمه أنّه يحلّ بموته(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ الدَّيْن مؤجَّل على المضمون عنه ، فلا تجوز مطالبته‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٥٨ ، المغني ٥ : ٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٤.

٣٤٨

به قبل الأجل ، ولم يدخله في الحال ، بل في المؤجَّل ، وحلوله بموته بسببٍ من جهته ، فهو كما لو قضى قبل الأجل.

وقال بعض الشافعيّة : لا يحلّ على الضامن ، كما لم يحل على الأصيل(١) .

النظر الثاني : في مطالبة الضامن.

مسألة ٥٢٨ : إذا ضمن الضامن دَيْناً على رجل من آخَر ، لم يثبت للضامن حقٌّ على الأصيل الذي هو المضمون عنه‌ إن كان قد تبرّع بالضمان ، وضمن بغير سؤالٍ من المضمون عنه ؛ لأنّه لم يدخله في الضمان.

وليس للضامن متبرّعاً مطالبة المضمون عنه بتخليصه من الضمان ، بل يؤدّي المال ، ولا يرجع به على أحد.

وإن لم يكن متبرّعاً بالضمان وضمن بسؤال المضمون عنه ، فهل يثبت للضامن حقٌّ عليه ويوجب علقةً بينهما؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يثبت ؛ لأنّه اشتغلت ذمّته بالحقّ كما ضمن ، فليثبت له عوضه على الأصيل.

والثاني : لا يثبت ؛ لأنّه لا يفوت عليه قبل الغُرْم شي‌ء ، فلا يثبت له شي‌ء إلّا بالغُرْم(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان المضمون له يطالب الضامن بأداء المال ، فهل للضامن مطالبة الأصيل بتخليصه؟ قال أكثر الشافعيّة : نعم ، كما أنّه يغرم إذا غرم(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ - ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

٣٤٩

وقال القفّال : لا يملك مطالبته به(١) ، وهو الأقوى عندي ؛ إذ الضامن إنّما يرجع بما أدّى ، فقبل الأداء لا يستحقّ الرجوع ، فلا يستحقّ المطالبة.

وإن كان المضمون له لم يطالب الضامن ، فهل للضامن أن يطالب المضمون عنه بالتخليص؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ، كما لو استعار عيناً ليرهنها ورهنها ، فإنّ للمالك المطالبة بالفكّ. ولأنّ عليه ضرراً في بقائه ؛ لأنّه قد يتلف مال المضمون عنه فلا يمكنه الرجوع عليه.

وأصحّهما عندهم : أنّه ليس له المطالبة ؛ لأنّه لم يغرم شيئاً ، ولا توجّهت عليه مطالبةٌ ، والضمان تعلّق بذمّته ، وذلك لا يُبطل شيئاً من منافعه ، فإذا لم يطالَبْ لم يطالِبْ ، بخلاف الرهن ؛ فإنّ الرهن محبوس بالدَّيْن ، وفيه ضررٌ ظاهر(٢) .

ومعنى التخليص أن يؤدّي دَيْن المضمون له ليبرأ ببراءة الضامن.

قال ابن سريج : إذا قلنا : ليس له مطالبته بتخليصه ، فللضامن أن يقول للمضمون له : إمّا أن تطالبني بحقّك ، أو تبرئني(٣) .

مسألة ٥٢٩ : إذا ضمن بسؤاله ، كان له الرجوع إذا غرم ، وليس له الرجوع قبل الغرم.

وللشافعيّة في أنّه هل يُمكَّن الضامن من تغريم الأصيل قبل أن يغرم؟ وجهان ؛ بناءً على الأصل المذكور ، إن أثبتنا له حقّاً على الأصيل بمجرّد الضمان ، فله أخذه ، وإلّا فلا(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

٣٥٠

إذا ثبت هذا ، فإن أخذ الضامن من المضمون عنه عوضاً عمّا يقضي به دَيْن الأصيل قبل أن يغرم ، الأقرب : أنّه لا يملكه ؛ لجواز السقوط بالإبراء ، فيكون للأصيل.

وللشافعيّة وجهان ؛ بناءً على الأصل السابق(١) .

ولو دفعه الأصيل ابتداءً من غير جبر ومطالبة ، فإنّ الضامن لا يملكه كما قلناه أوّلاً ، فعليه ردّه ، وليس له التصرّف فيه.

ولو هلك عنده ، ضمن ، كالمقبوض بالشراء الفاسد ، على إشكالٍ ، وهو أحد قولَي الشافعي.

وفي الآخَر : يملكه ، فله التصرّف فيه ، كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجَّلة ، لكن لا يستقرّ ملكه إلّا بالغُرْم ، حتى لو أبرأه المستحقّ ، كان عليه ردّ ما أخذ ، كردّ الزكاة المعجَّلة إذا هلك المال قبل الحلول(٢) .

ولو دفعه إليه وقال : اقض به ما ضمنتَ عنّي ، فهو وكيل الأصيل ، والمال أمانة في يده.

مسألة ٥٣٠ : لا يجوز للضامن حَبْسُ الأصيل إذا(٣) حَبَس المضمونُ له الضامنَ ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة - للضامن حبس المضمون عنه ؛ بناءً على إثبات العلاقة بين الضامن والأصيل(٤) .

وليس بجيّد.

ولو أبرأ الضامنُ الأصيلَ عمّا سيغرم ، لم يصح الإبراء ؛ لأنّه إبراء ممّا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٣) في « ث » والطبعة الحجريّة : « لو » بدل « إذا ».

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

٣٥١

لم يجب وعمّا يتجدّد ، والإبراء إسقاطٌ يستلزم الثبوت قبل الإبراء.

وقال الشافعي : إن أثبتنا العلاقة بين الضامن والمضمون عنه في الحال ، صحّ الإبراء ، وإلّا خرج على الإبراء عمّا لم يجب ووُجد سبب وجوبه(١) .

ولو صالح الضامن الأصيل عن العشرة التي سيغرمها على خمسة ، لم يصح.

وقالت الشافعيّة : إن أثبتنا العلاقة في الحال ، صحّ الصلح كأنّه(٢) أخذ عوض بعض الحقّ وأبرأ عن الباقي ، وإلّا لم يصح(٣) .

ولو ضمن ضامن عن الأصيل للضامن بما ضمن ، احتُمل صحّة الضمان ؛ لأنّ حقّ الضامن وإن لم يكن ثابتاً إلّا أنّ سبب ثبوته موجود. وبطلانُه.

ولو رهن الأصيل عند الضامن شيئاً بما ضمن ، ففي الصحّة إشكال.

والمنع في هذه المسائل كلِّها عند الشافعيّة أصحُّ الوجهين(٤) .

ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامناً ، ففي صحّة الشرط للشافعيّة الوجهان ، إن صحّ فإن أدّى الضامن وأعطاه ضامناً ، فذاك ، وإلّا فله فسخ الضمان. وإن فسد ، فسد به الضمان على أصحّ الوجهين(٥) .

النظر الثالث : في الرجوع.

مسألة ٥٣١ : مَنْ كان عليه دَيْنٌ فأدّاه غيره عنه تبرّعاً بغير إذنه‌ من غير‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

(٢) في « ث » : « لأنّه » بدل « كأنّه ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ - ١٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

٣٥٢

ضمان ، لم يكن له الرجوع به ؛ لأنّه متبرّع بفعله ، بخلاف ما لو أوجر طعامَه المضطرَّ ، فإنّه يرجع عليه وإن لم يأذن المضطرّ ؛ لأنّه ليس متبرّعاً بذلك ، بل يجب عليه إطعام المضطرّ استبقاءً لـمُهْجته ، ويخالف الهبة ؛ فإنّ في اقتضائها الثواب خلافاً يأتي ؛ لأنّ الهبة متعلّقة باختيار المتّهب ، ولا اختيار للمديون هنا ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال مالك : إنّه يثبت له الرجوع ، إلّا إذا أدّى العدوّ دَيْن العدوّ ، فإنّه يتّخذه ذريعةً إلى إيذائه بالمطالبة(٢) .

وإن أدّاه بإذن المديون ، فإن [ جرى بينهما ](٣) شرط الرجوع ، ثبت الرجوع.

وإن لم يَجْر شرط الرجوع بينهما ، ففي الرجوع إشكال ينشأ : من أنّه لم يوجد منه سوى الإذن في الأداء ، وذلك لا يستلزم الرجوع ؛ إذ ليس من ضرورة الأداء الرجوع ؛ لانتفاء الدلالات الثلاث في الأداء على الرجوع. ومن أنّ العادة قاضية في المعاملات بأنّ الرجوع تابع للإذن في الأداء ، والدافع جرى في ذلك على قانون العادات.

والثاني أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

قال بعض الشافعيّة : يقرب هذا الخلاف من الخلاف في أنّ الهبة‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨ ، منهاج الطالبين : ١٣٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٦١ / ١٩٧٩.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٥٥ و ٢١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٦١ / ١٩٧٩.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤.

٣٥٣

المطلقة هل تقتضي الثواب وترتيبه عليه؟ والحكم بالرجوع أولى من الحكم بالثواب ثَمَّ ؛ لأنّ الهبة مصرّحة بالتبرّع ، والأداء بخلافه. ولأنّ الواهب مبتدئ بالتبرّع ، والأداء هاهنا مسبوق بالاستدعاء الذي هو كالقرينة المشعرة بالرجوع(١) .

وأيضاً في الهبة قولٌ فارق بين أن يكون الواهب ممّن يطمع مثله في ثواب المتّهب ، أو لا يكون ، فخرج وجه ثالث للشافعيّة(٢) مثله هنا.

مسألة ٥٣٢ : إذا كان عليه دَيْنٌ فضمنه ضامنٌ عنه ويؤدّي المال عنه إلى المضمون له ، فأقسامه أربعة :

الأوّل : أن يضمن بإذن الأصيل ويؤدّي بإذنه.

الثاني : أن يضمن متبرّعاً من غير سؤالٍ ، ويؤدّي كذلك.

الثالث : أن يضمن متبرّعاً ، ويؤدّي بسؤالٍ.

الرابع : أن يضمن بسؤالٍ ، ويؤدّي متبرّعاً.

فالأوّل يرجع الضامن فيه على المضمون عنه ، سواء قال له المضمون عنه : اضمن عنّي ، أو أدِّ عنّي ، أو أطلق وقال : اضمن وأدِّ ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف(٣) - لأنّه صرف ماله إلى منفعته بأمره ، فأشبه ما لو قال : اعلف دابّتي ، فعلفها. ولأنّه ضمن بإذنه ودفع بإذنه ، فأشبه ما إذا كان مخالطاً له ، أو قال : اضمن عنّي.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : إنّما يرجع إذا قال : اضمن عنّي وأدِّ عنّي ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ و ١٣٢ ، المغني ٥ : ٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

٣٥٤

ولو لم يقل : أدِّ عنّي ، لم يرجع ، إلّا أن يكون مخالطاً له يستقرض منه ويودع عنده ، أو يكون مخالطاً له بشركة أو زوجيّة أو نحوهما ؛ لأنّه إذا قال : اضمن عنّي وأدِّ عنّي ، كان قوله هذا إقراراً منه بالحقّ ، وإذا أطلق ذلك ، صار كأنّه قال : هب لهذا أو تطوّع عليه ، وإذا كان مخالطاً له ، رجع - استحساناً - لأنّه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه(١) .

وليس بصحيح ؛ لأنّه إذا أمره بالضمان ، لا يكون إلّا لما هو عليه ؛ لأنّ أمره إنّما يكون بذلك ، وأمره بالنقد بعد ذلك ينصرف إلى ما ضمنه بدليل المخالطة له ، فيجب عليه أداء ما أدّى عنه ، كما لو صرّح به ، وليس هذا أمراً بالهبة.

هذا إذا عرف من الإطلاق إرادة الضمان عنه ، ولو لم يعرف ذلك ولا وُجد قرينة تدلّ عليه ، فالوجه : ما قاله أبو حنيفة ومحمّد.

مسألة ٥٣٣ : لا فرق في ثبوت الرجوع بين أن يشترط الرجوع أو لا يشترط‌ ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٢) .

وقال الجويني : يحتمل في القياس أن ينزّل الإذن في الضمان والأداء منزلة الإذن في الأداء من غير ضمان حتى نقول : إن شرط الرجوع ، ثبت له الرجوع ، وإلّا فلا ، كما في الإذن في الأداء من غير سبق ضمان ، وإن لم يشترط ، فعلى الخلاف(٣) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٥٣٤ : لو تبرّع بالضمان والأداء معاً‌ ، فإنّه لا يرجع الضامن على‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٦٢ - ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، المغني ٥ : ٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

٣٥٥

المضمون عنه بما أدّاه ، عند علمائنا كافّة - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لحديث عليّعليه‌السلام وأبي قتادة(٢) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على الميّتين بعد ضمانهما ما عليهما ، ولو كان لهما الرجوع لما صلّى ؛ لبقاء الدَّيْن في ذمّتهما. ولأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الآن برّدت جلده عن النار »(٣) ولو بقي الدَّيْن لما حصل التبريد. ولأنّه لو بقي الدَّيْن لما قال لعليّعليه‌السلام : « جزاك الله عن الإسلام خيراً ، فكّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك »(٤) ولو لا براءة الذمّة لما حصل فكّ الرهان. ولأنّه تبرّع بذلك ، فلا يرجع عليه ، كما لو علف دوابّه وأطعم عبيده بغير إذنه.

وقال مالك وأحمد في الرواية الثانية : إنّه يرجع بما أدّى - وهو قول عبيد الله بن الحسن وإسحاق - لأنّه قضاء مبرئ من دَيْنٍ واجب ، فكان من ضمان مَنْ هو عليه ، كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه. ولأنّ الضمان بغير إذنه صحيح ، فإذا لزمه الدفع عنه ، رجع عليه ، كما لو كان بأمره(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٧ - ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠١ / ١٠١٣ ، الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩١ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٦١ / ١٩٧٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٢ ، المغني ٥ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

(٢) راجع المصادر في الهامش ( ٥ و ٦ ) من ص ٢٨١ ، والهامش (١) من ص ٢٨٢.

(٣) راجع المصادر في الهامش (١) من ص ٣٤٣.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٥) من ص ٢٨١.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠١ / ١٠١٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٢ ، المغني ٥ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

٣٥٦

والفرق بين الضامن والحاكم ظاهر ؛ لأنّ للحاكم الاستدانة عن الممتنع والدفع ، بخلاف الضامن. والفرق بين الأمر بالضمان والأداء وعدمه ظاهر ، فلا يصحّ القياس.

مسألة ٥٣٥ : لو ضمن متبرّعاً بغير سؤالٍ ، وأدّى المال بالسؤال ، لا يرجع هنا أيضاً‌ ، عند علمائنا - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الدَّيْن لزمه بتبرّعه ، فإنّ اللزوم باعتبار الضمان ولم يأذن فيه ، وأمره بالقضاء انصرف إلى ما وجب عليه بالضمان ، كما لو أمره بقضاء دَيْنه الذي وجب عليه بالأصالة ، وكما لو أذن غير المضمون عنه.

وللشافعي(٢) وجهٌ آخَر : أنّه يرجع عليه - وبه قال أحمد - لأنّه دفع بأمره ، فأشبه ما إذا ضمن بأمره وما إذا لم يكن ضامناً. ولأنّه أسقط الدَّيْن عن الأصيل بإذنه(٣) .

وليس بصحيح ؛ لأنّه لا يملك مطالبته بفكّه ، فلا يرجع عليه إذا فكّ نفسه. والفرق بين ما إذا ضمن بإذنه وبغير إذنه ظاهرٌ ، فلا يصحّ القياس.

والحكم في غير الضامن ممنوع على ما تقدّم. وإسقاط الدَّيْن مستند إلى الضمان الذي تبرّع به ، والإذن إنّما كان في إسقاط الدَّيْن عن الضامن ، لا عنه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

(٢) كذا ، والظاهر : « وللشافعيّة ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ - ٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

٣٥٧

وبعض الشافعيّة رتَّب الوجهين على الوجهين فيما إذا أدّى دَيْن الغير بإذنه من غير ضمانٍ ومن غير شرط الرجوع.

قال : وهذه الصورة أولى بمنع الرجوع ؛ لأنّ الإذن في الأداء بعد اللزوم بالضمان في حكم اللغو.

وذكر احتمالين فيما إذا أذن في الأداء بشرط الرجوع والحالة هذه :

أحدهما : يرجع ، كما لو أذن في الأداء بهذا الشرط من غير ضمانٍ.

والثاني : أنّ الأداء مستحقّ بالضمان ، والمستحقّ بلا عوض لا يجوز أن يقابَل بعوضٍ ، كسائر الحقوق الواجبة(١) .

مسألة ٥٣٦ : لو ضمن بسؤالٍ وأدّى بغير سؤالٍ ولا إذن ، فإنّه يرجع الضامن عليه‌ ، عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد والشافعي في أحد الوجوه(٢) - لأنّ الضامن لم يتبرّع بالضمان ، بل نقل المال إلى ذمّته غيرَ متبرّعٍ ، بل بسؤال المضمون عنه ، والأصل في الباب الالتزام وقد صادفه الإذن فيكتفى به في الرجوع. ولأنّ إذنه في الضمان يتضمّن الإذن في الأداء ؛ لأنّ الضمان يوجب عليه الأداء ، فكان له الرجوع عليه ، كما لو أذن في الأداء.

والثاني للشافعي : لا يرجع ؛ لأنّ الغرم حصل بغير إذن الأصيل ، وربما لم يقصد إلّا التوثيق بالضمان. ولأنّه دفع بغير أمره ، فكان كما لو ضمن بغير أمره(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

٣٥٨

وقصد التوثيق يستلزم قصد الأداء عنه ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل. والقياس باطل ؛ للفرق ، وهو ما تقدّم من أنّ الأصل في الالتزام إنّما هو الضمان لا الأداء.

والثالث : إن أدّى من غير مطالبة أو عن مطالبةٍ لكن أمكنه مراجعة الأصيل واستئذانه فلم يفعل ، لم يثبت له الرجوع ؛ لأنّه لم يكن مضطرّاً إلى الأداء عنه ، فكان متبرّعاً به. وإن لم يتمكّن من مراجعته لغيبةٍ أو حبسٍ أو غير ذلك ، فله الرجوع(١) .

والحقّ ما تقدّم من وجوب المال بالضمان المأذون فيه ، وأنّه لا عبرة بالأداء.

وكذا لو وكّله في أن يشتري عبداً له بألف فاشتراه ، فإنّ الوكيل يطالب بالثمن ، فإن أدّى من ماله ، فإنّه يرجع عندنا إذا لم يكن البائع عالماً بالوكالة.

وللشافعيّة الوجوه الثلاثة فيه(٢) .

مسألة ٥٣٧ : لو أحال الضامن المضمون له بالدَّيْن - الذي ضمنه - على إنسان وقَبِل المحتال والمحال عليه الحوالةَ ، كان كالأداء‌ في صورة الرجوع له على المضمون عنه في كلّ موضعٍ ثبت له الرجوع فيه ، وعدمِه في موضع العدم.

ولو أحال ربّ المال غريماً له على الضامن بالمال الذي ضمنه له فقَبِل الضامن الحوالةَ عليه ، كان كالأداء أيضاً يرجع فيما يرجع في الأداء.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٠ - ٣٦١ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ و ١٣٥.

٣٥٩

ولو تصالح المضمون له والضامن [ عن ](١) مال الضمان على عوضٍ ، كان كالأداء أيضاً.

ولو صار الدَّيْن ميراثاً للضامن ، كان كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه.

النظر الرابع : فيما به يرجع الضامن.

مسألة ٥٣٨ : إذا دفع الضامن المالَ إلى ربّه وكان قد ضمن بسؤال المضمون عنه وكان المدفوع من جنس الدَّيْن وعلى صفته ، رجع به.

وإن اختلف الجنس ، فالمأذون له في الضمان لو صالَح ربَّ الدَّيْن على غير جنسه ، رجع إجماعاً ؛ لأنّ الضمان سبب لإثبات الحقّ في ذمّته ثبوتَه في ذمّة الأصيل ، والمصالحة معاملة مبنيّة عليه.

ثمّ يُنظر إن كانت قيمة المصالَح عليه أكثر من قدر الدَّيْن ، لم يرجع بالزيادة ؛ لأنّه متطوّع بها.

وإن كانت أقلّ - كما لو صالح عن ألف على عبدٍ يساوي ستمائة - لم يرجع إلّا بستمائة لا غير - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لما رواه عمر ابن يزيد عن الصادقعليه‌السلام في رجل ضمّن على رجل ضماناً ثمّ صالح عليه ، قال : « ليس له إلّا الذي صالح عليه »(٣) .

وعن ابن بكير قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن رجل ضمن عن رجل ضماناً ثمّ صالح على بعض ما عليه ، قال : « ليس له عليه إلّا الذي صالح عليه »(٤) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « على ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٠.

(٤) التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٨٩.

٣٦٠