تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510
المشاهدات: 385098
تحميل: 4432

توضيحات:

الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 385098 / تحميل: 4432
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 14

مؤلف:
ISBN: 964-319-435-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

« المؤمنون عند شروطهم »(١) .

ولأنّ مبنى الحوالة على الإرفاق ، وهذا مناسب لمقتضى العقد ، فيكون لازماً.

وكذا يصحّ لو كان الدَّيْنُ المحال به مؤجَّلاً ، فشرط المحتال في الحوالة الحلول ، ورضي الثلاثة به ، صحّ ولزم ؛ عملاً بالشرط.

و - لو اجتمعت شرائط الحوالة وجرى بينهما عقدها ثمّ رضي المحتال بأخذ الأقلّ أو الأردأ أو الصبر إلى أجلٍ ، صحّ إجماعاً‌ ، ولم يكن للمحيل الرجوعُ على المحال عليه بتمام دَيْنه.

وكذا لو رضي المحال عليه بدفع الأجود والأكثر والمعجَّل ، صحّ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

ز - لو احتال بالحقّ الذي له على مَنْ عليه مثله فتعاوضا عن الحقّ بمخالفه ، جاز‌ ؛ لأنّه يجوز اقتضاء أحد الجنسين من الآخَر مع التراضي.

وقد روى داوُد بن سرحان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال :

سألته عن الرجل كانت له على رجل دنانير فأحال عليه رجلاً بدنانير أيأخذ بها دراهم؟ قال : « نعم »(٢) .

البحث الثالث : في الأحكام.

مسألة ٦١٨ : إذا جرت الحوالة بشرائطها ، برىء المحيل من دَيْن المحتال‌ ، وتحوّل حقّ المحتال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحال عليه‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٢١٢ / ٤٩٩.

٤٦١

من دَيْن المحيل ، حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف ، لم يكن للمحتال الرجوعُ على المحيل ، كما لو أخذ عوضاً عن الدَّيْن وتلف في يده ، وقد سبق(١) .

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تعرّض للملاءة ، فقال : « إذا أُحيل أحدكم على ملي‌ء فليحتل »(٢) ولو تمكّن المحتال من الرجوع ، لما كان للتعرّض للملاءة كثير فائدةٍ.

ولأنّ الحوالة إمّا أن يتحوّل بها الحقّ ، فقد برئت ذمّته ، فوجب أن لا يعود إليه ، كما لو أبرأه. وإن لم يتحوّل ، فلتدم المطالبة كما في الضمان.

ولو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الإفلاس أو الجحود ، ففي صحّة الحوالة إشكال.

وللشافعيّة وجهان ، فإن صحّت ، ففي صحّة الشرط وجهان لهم إذا طرأ الإفلاس(٣) .

أمّا لو اقترن الإفلاس بعقد الحوالة وجَهِلَه المحيل ، فللمحتال هنا الرجوع - عندنا - على المحيل على ما تقدّم.

وعند الشافعيّة يُنظر إن لم يَجْر شرط الملاءة ، فالمشهور أنّه لا رجوع للمحتال ، ولا خيار له ، وما يلحقه من الضرر فهو نتيجة ترك التفحّص(٤) .

ولهم وجهٌ نَقَله الجويني : أنّه يثبت له الخيار تداركاً لما لحقه من الخسران ، كما لو اشترى شيئاً فبانَ معيباً(٥) .

____________________

(١) في ص ٤٣٥.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٧٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣‌

٤٦٢

وإن شرط ملاءة المحال عليه ، فبانَ معسراً ، فإن قلنا بثبوت الخيار عند الإطلاق ، فهنا أولى. وإن منعناه ثَمَّ ، ففي الحكم هنا قولٌ للمزني : إنّه لا يرجع(١) .

وقال ابن سريج : يرجع ، نقلاً عن الشافعي ، كما لو اشترى عبداً بشرط أنّه كاتب فبانَ خلافه ، يثبت له الخيار(٢) .

واختار أكثرهم نَقْلَ المزني ؛ لأنّه لو ثبت الرجوع بالحلف في شرط اليسار ، لثبت عند الإطلاق ؛ لأنّ الإعسار نقصٌ في الذمّة ، كالعيب في المبيع يثبت الخيار ، سواء شرطت السلامة أو لا ، بخلاف شرط الكتابة ؛ فإنّ فواتها ليس نقصاً ، وإنّما هو عدم فضيلةٍ(٣) .

فإذا جمع بين [ صورتي ](٤) الإطلاق والاشتراط ، حصل للشافعيّة في ثبوت الخيار ثلاثة أوجُه ثالثها : الفرق بين الصورتين(٥) .

تذنيب : لو صالح مع أجنبيّ عن دَيْنٍ على عينٍ ثمّ جحد الأجنبيّ وحلف ، هل يعود إلى مَنْ كان عليه الدَّيْن؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ، ويفسخ الصلح(٦) .

وقال بعضهم : لا يعود(٧) .

مسألة ٦١٩ : لو خرج المحال عليه عبداً ، فإن كان لأجنبيٍّ وللمحيل دَيْنٌ في ذمّته ، صحّت الحوالة‌ ، كما لو أحال على معسر ، ويتخيّر المحتال عندنا ؛ لأنّ إعسار العبوديّة أعظم إعسارٍ ، فإن رضي بالحوالة عليه ، تبعه‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣‌

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صورة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٧.

٤٦٣

المحتال بعد العتق.

ولو كان الدَّيْن الذي على العبد للمحيل ممّا يجب قضاؤه من كسبه أو من رقبته وصحّت الحوالة برضا المحتال ، كان له مطالبته على حدّ ما كان للمحيل.

وهل يلحق بالمعسر في تخيّر المحتال لو كان الدَّيْن ممّا يتعلّق بالرقبة كأرش الجناية؟ الأقرب ذلك أيضاً.

ولو كان عبداً للمحيل ، فالحوالة عليه حوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، فإن صحّحناها وقلنا : إنّها ضمان ، فهذا ضمان العبد عن سيّده بإذنه ، وقد سبق(١) .

وإنّما قلنا : إنّها حوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ؛ لاستحالة ثبوت دَيْن السيّد في ذمّة عبده.

وأمّا الشافعيّة فقالوا : إن كان في ذمّته دَيْنٌ - بأن ثبت قبل أن مَلَكه - وفرّعنا على أنّه لا يسقط إذا مَلَكه ، فهو كما لو كان لأجنبيّ(٢) .

مسألة ٦٢٠ : لو اشترى عبداً وأحال المشتري البائعَ بالثمن على رجلٍ ثمّ اطّلع على عيبٍ قديم في العبد فردّه ، قال الشيخ : تبطل الحوالة‌ ؛ لأنّها فرع البيع ، فإذا بطل الأصل بطل الفرع(٣) (٤) .

وقال المزني : إنّها لا تبطل(٥) .

____________________

(١) في ص ٣٠٣ ، ضمن المسألة ٤٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « فرعه » بدل « الفرع ».

(٤) الخلاف ٣ : ٣٠٨ ، المسألة ٧ ، المبسوط ٢ : ٣١٣.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٢٤ ، الوسيط ٣ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٤.

٤٦٤

وله قولٌ آخَر : إنّها تبطل(١) .

ولأصحاب الشافعي في ذلك ثلاثة طُرق ، أظهرها عندهم : أنّ في بطلان الحوالة قولين ، أظهرهما : البطلان.

وهُما مبنيّان على أنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض؟

إن قلنا : إنّها استيفاء ، بطلت وانقطعت ؛ لأنّ الحوالة على هذا التقدير نوع إرفاقٍ ومسامحة ، فإذا بطل الأصل ، بطلت هيئة الإرفاق ، التابعة له ، كما لو اشترى شيئاً بدراهم مكسَّرة وتطوّع بأداء الصحاح ثمّ ردّه بالعيب ، فإنّه يستردّ الصحاح ، ولا يقال : يطالب بمثل المكسَّرة ليبقى التبرّع بصفة الصحّة.

وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تبطل ، كما لو استبدل عن الثمن ثوباً ثمّ ردّ المبيع بالعيب ، فإنّه لا يبطل الاستبدال ، بل يرجع بمثل الثمن. على أنّ بعض الشافعيّة مَنَع هذه المسألة ، وجَعَلها كمسألة الحوالة.

والطريق الثاني : القطع بالبطلان.

والثالث : القطع بعدم البطلان.

وقد تأوّل أصحاب الطريقين الأخيرين ، وجمعوا بين قولَي المزني بوجوه :

أحدها : حَمْلُ قوله بالبطلان على ما إذا كان العيب لا يمكن حدوثه في يد المشتري ، أو كان بحيث يمكن حدوثه ، إلّا أنّ البائع أقرّ بقِدَمه ، وحَمْلُ قوله بالصحّة على ما إذا ثبت قِدَمه بالبيّنة وردَّه.

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٤.

٤٦٥

والفرق : أنّ في الحالة الأُولى اعترف البائع بسقوط الثمن عند الفسخ ، وأمّا في الحالة الثانية فإنّه يزعم بقاء حقّه واستمرار الحوالة ، فلا يمنع من مطالبة المحال عليه بدعوى المشتري.

والثاني : حَمْلُ الأوّل على ما إذا ذكر المحيل أنّه يحيله من جهة الثمن ، وحَمْلُ الثاني على ما إذا لم يذكر ذلك ، فإنّه إذا لم يذكر ، لا ينبغي العود إليه ؛ لبراءة ذمّته عن حقّه ظاهراً.

والثالث : أنّ البطلان مفرَّع على أنّ الحوالة تفتقر إلى رضا المحال عليه ، فإنّ الحوالة حينئذٍ تتمّ برضا الثلاثة ، فلا تنقطع بموافقة اثنين.

والرابع : حَمْلُ البطلان على ما إذا كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ورضي المحال عليه ، فإنّه إذا أسقط الثمن انقطع تطوّعه ، وسقطت المطالبة عنه(١) .

وعندي في قول الشيخرحمه‌الله بالبطلان نظر.

مسألة (٢) ٦٢١ : لم يفرّق الشيخرحمه‌الله بين ما إذا كان الردّ بالعيب بعد قبض المبيع أو قبله‌(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّ محلّ الخلاف ما إذا كان الردّ بعد قبض المبيع ، فإن كان قبله ، انقطعت الحوالة بلا خلافٍ ؛ لكون المبيع معرضَ الانفساخ ، وعدم تأكّده ، ولهذا جعلنا الفسخ قبل القبض ردّاً للعقد من أصله على رأي. ثمّ زيَّف ذلك ، وقضى بطرد القولين في الحالتين(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٤ - ١٣٥.

(٢) في « ث » : « تذنيب » بدل « مسألة ».

(٣) لاحظ : الهامش (٤) من ص ٤٦٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٥.

٤٦٦

وقضيّة الطريقين معاً تجويز الإحالة بالثمن قبل قبض المبيع ، لكنّه قبل قبض المبيع غير مستقرّ.

والمشهور في كتب الشافعيّة(١) أنّ من شرط الحوالة استقرار ما يحال عليه(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا تجوز الحوالة بالثمن قبل قبض المبيع(٣) .

مسألة ٦٢٢ : فرّق بعض الشافعيّة بين أن يتّفق الردّ بعد قبض المحتال مالَ الحوالة ، أو قبله.

وفيه للشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّ الحوالة لا تنقطع إذا اتّفق الردّ بعد القبض جزماً ، والخلاف مخصوص بما إذا كان [ ذلك ](٤) قبل القبض. والفرق تأكّد الأمر بالقبض ، وبراءة ذمّة المحال عليه.

والثاني : طرد القولين في الحالتين ، وهو قول أكثرهم(٥) .

قال المزني : إذا ردّه قبل قبض المحتال مالَ الحوالة ، بطلت الحوالة ، وتعدّى حقّ المشتري إلى ذمّة المحال عليه ، و [ به ](٦) قال أبو إسحاق(٧) .

____________________

(١) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٥ - ١٣٦.

(٢) في المصدر : « ما يحال به ويحال عليه ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٦.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٦.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء ما في المصادر إيّاه.

(٧) مختصر المزني : ١٠٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٤ و ١٣٥.

٤٦٧

[ وقال أبو علي : ](١) لا تبطل(٢) .

وإن كان الردّ في مدّة الخيار ، فالحوالة باطلة ؛ لأنّها كانت بالثمن ، فصار له الثمن في ذمّة المحال عليه ، وانتقل إليها من ذمّة المحيل ، فإذا انفسخ البيع ، سقط الثمن ، فوجب أن يسقط عن ذمّة المحال عليه.

واحتجّ القائل بعدم البطلان : بأنّ المشتري دفع إلى البائع بدل ما لَه في ذمّته ، وعاوضه عنه بما في ذمّة المحال عليه ، فإذا انفسخ العقد الأوّل ، لم ينفسخ ، كما لو أعطاه بالثمن ثوباً وسلّمه إليه ثمّ فسخ ، لم يرجع عليه بالثوب ، كذا هنا.

وقد عرفت ما اخترناه هنا.

مسألة ٦٢٣ : لو أحال البائع رجلاً على المشتري بالثمن ثمّ ظهر عيب فردَّه المشتري بالعيب ، فالأقرب : عدم بطلان الحوالة‌ ، بل هو أولى بعدم البطلان من المسألة السابقة التي احتال البائع فيها ؛ لأنّ الحوالة هنا تعلّقت بالأجنبيّ غير المتعاقدين.

واختلفت الشافعيّة هنا.

فمنهم مَنْ طرّد القولين.

والجمهور منهم قطعوا هنا بأنّه لا تنقطع الحوالة ، سواء قبض المحتال مالَ الحوالة من المشتري أو لم يقبضه ؛ لأنّ الحوالة هنا تعلّق بها حقّ غير المتعاقدين ، وهو الأجنبيّ المحتال ، فيؤخذ ارتفاعها بفسخٍ يخصّ المتعاقدين ، وصار كما لو اشترى عبداً بجارية وقبضه وباعه ثمّ وجد بائع‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء ما في المصادر إيّاه.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٧.

٤٦٨

العبد بالجارية عيباً فردّها ، لا يفسخ البيع الثاني ؛ لتعلّق حقّ الثالث به ، بخلاف المسألة الأُولى ، فإنّ المحال عليه لا حقّ له في الحوالة(١) .

ولو ظهر بطلان البيع من أصله ، بطلت الحوالة في المسألتين ، فيتخيّر المشتري في الرجوع على مَنْ شاء من المحتال والبائع.

مسألة ٦٢٤ : لو أحال المشتري البائعَ بالثمن ثمّ فسخ بالعيب‌ ، فإن قلنا : لا تبطل الحوالة ، برئ المحال عليه ، ولم يكن للمشتري مطالبة المحال عليه بشي‌ء بحال ؛ لأنّه قبض منه بإذنه ، بل يرجع على البائع فيطالبه إن كان قد قبض مال الحوالة ، ولا يتعيّن حقّ المشتري فيما أخذه البائع من المحال عليه ، بل للبائع أن يدفع إليه عوضه ؛ لبقاء الحوالة صحيحةً. وإن لم يكن البائع قد قبض ، فله أن يقبضه.

وهل للمشتري الرجوع عليه قبل قبضه؟ وجهان للشافعيّة :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ الحوالة كالمقبوضة ، ألا ترى أنّ المشتري إذا أحال البائع بالثمن ، سقط حقّ الحبس(٢) ، والزوج إذا أحال المرأة [ بالصداق ](٣) سقط حقّ حبسها(٤) .

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه لم توجد حقيقة القبض(٥) .

وإن كان للحوالة حكم القبض ، والغرامة إنّما تكون بحسب القبض ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، الوسيط ٣ : ٢٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٧ - ٤٦٨.

(٢) أي : حبس المبيع.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « التهذيب » - للبغوي - و« العزيز شرح الوجيز ».

(٤) أي : حبس نفسها عن الزوج.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٨.

٤٦٩

فإن قلنا : لا يرجع المشتري عليه قبل أن يقبض ، فله مطالبته بتحصيل مال الحوالة ليرجع عليه ؛ لأنّ البائع إنّما ملك مطالبة المحال عليه من جهته ، فكيف يمنعه من المطالبة مطلقاً!؟

وفيه للشافعيّة وجهٌ بعيد : أنّه لا يملك المطالبة بالتحصيل أيضاً(١) .

وإن قلنا : تبطل الحوالة ، فإن كان قد قبض المالَ من المحال عليه ، فليس له ردّه عليه ؛ لأنّه قبضه(٢) بإذن المشتري ، ولو ردّ لم تسقط مطالبة المشتري عنه ، بل حقّه الردّ على المشتري ويبقى حقّه فيما قبضه ، وإن كان تالفاً ، فعليه بدله.

وإن لم يكن قبضه ، فليس له قبضه ؛ لأنّه عاد إلى ملك المشتري كما كان ، ولو خالف وقبض ، لم يقع عنه.

وهل يقع عن المشتري؟ وجهان :

أحدهما : يقع ؛ لأنّه كان مأذوناً في القبض بحقّه(٣) ، فإذا بطلت تلك الجهة ، بقي أصل الإذن.

وأصحّهما : المنع ؛ لأنّ الحوالة قد بطلت ، والوكالة عقدٌ آخَر يخالفها ، فإذا بطل عقدٌ ، لم ينعكس عقداً آخَر(٤) .

وقد قرّب بعضُهم هذا الخلافَ من الخلاف في أنّ مَنْ يُحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نَفْلاً؟(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٨.

(٢) في « ث ، ج ، خ » : « قبض ».

(٣) في « العزيز شرح الوجيز » : « بجهة » بدل « بحقّه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٧.

٤٧٠

وأمّا في صورة المسألة الثانية - وهي التي أحال البائع فيها ثالثاً على المشتري بالثمن - إن قلنا بصحّة الحوالة مع فسخ البيع بالعيب - على ما هو الأصحّ عندنا - فإن كان المحتال قد قبض الحقّ من المشتري ، رجع المشتري على البائع.

وإن لم يكن قد قبضه ، فهل يرجع المشتري عليه ، أم لا يرجع إلّا بعد القبض؟ فيه الوجهان السابقان(١) .

فروع :

أ - لا فرق في هاتين المسألتين بين أن يكون الردّ بالعيب أو التحالف‌ أو الإقالة أو الخيار أو غير ذلك.

ب - إذا قلنا بعدم بطلان إحالة المشتري البائعَ بالثمن ، فللمشتري مطالبة البائع بأمرين‌ : إمّا التحصيل ليغرم ، وإمّا الغُرْم في الحال ، فإذا قلنا : له الرجوع قبل أن يقبض البائع مالَ الحوالة ، فله أن يقول : اغرم لي ، وله أن يقول تسهيلاً : خُذْه ثمّ اغرم لي. وإن قلنا : لا رجوع له قبل أن يقبض مالَ الحوالة ، فله أن يقول : خُذْه لتغرم لي ، وإن رضيت بذمّته فشأنك ، فاغرم لي.

ج - الحوالة إذا انفسخت ، فالإذن الذي كان ضمناً لا يقوم بنفسه ، فيبطل أيضاً.

لكن يشكل بالشركة والوكالة إذا فسدتا ، فإنّ الإذن الضمني يبقى ، ويصحّ التصرّف.

ويمكن الفرق بأنّ الحوالة تنقل الحقّ إلى المحتال ، فإذا صار الحقّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٨.

٤٧١

له ، ملك قبضه لنفسه بالاستحقاق ، لا للمحيل بالإذن ، بخلاف الوكالة والشركة ، فإنّه إذا بطل خصوص الإذن ، جاز أن يبقى عمومه.

مسألة ٦٢٥ : لو أحالت المرأة على زوجها بالصداق قبل الدخول ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّته بالعقد وإن كان متزلزلاً.

ومَنْ شرط اللزومَ أبطله.

ولو أحال الزوج زوجته بالصداق على غريمٍ ، صحّ ؛ لأنّ له تسليمه إليها ، وحوالته به تقوم مقام تسليمه ، فإذا أحالها على الغريم ثمّ طلّق قبل الدخول ، لم تبطل الحوالة ، وللزوج أخذها بنصف المهر.

وهذه المسألة مترتّبة على ما إذا أحال المشتري البائعَ على غريمه ، إن قلنا : لا تبطل الحوالة هناك ، فهنا أولى. وإن قلنا : تبطل ، ففي البطلان هنا في نصف الصداق وجهان للشافعيّة(١) .

والفرق : أنّ الطلاق سبب حادث لا استناد له إلى ما تقدّم ، بخلاف الفسخ ، والصداق أثبت من غيره ، ولهذا لو زاد الصداق زيادةً متّصلة ، لم يرجع في نصفه إلاّ برضاها ، بخلاف ما إذا كان(٢) في المبيع.

ولو أحالها ثمّ ارتدّت قبل الدخول ، أو فسخ أحدهما النكاح بعيب الآخَر ، ففي بطلان الحوالة هذان الوجهان(٣) .

والأظهر : أنّها لا تبطل ، ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في صورة الطلاق ، وبجميعه في الردّة والفسخ بالعيب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٨.

(٢) الظاهر : « كانت ».

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٨.

٤٧٢

وإذا قلنا بالبطلان ، فليس لها مطالبة المحال عليه ، بل تطالب الزوجَ بالنصف في الطلاق.

مسألة (١) ٦٢٦ : قد بيّنّا الخلافَ فيما إذا أحال المشتري البائعَ بالثمن ثمّ فسخ بعيبٍ وشبهه‌ ، فإنّ المزني أبطل الحوالة ؛ لأنّها كانت بالثمن ، فصار له الثمن في ذمّة المحال عليه ، وانتقل إليها من ذمّة المحيل ، فإذا انفسخ البيع ، سقط الثمن ، فيسقط عن ذمّة المحال عليه(٢) .

وقال غيره : لا تبطل(٣) ؛ لأنّ المشتري دفع مالاً بدل ما لَه في ذمّته ، وعاوضه بما في ذمّة المحال عليه ، فإذا انفسخ الأوّل ، لم تنفسخ المعاوضة ، كما لو أعطاه بالثمن ثوباً ثمّ فسخ بالعيب ، لم يرجع عليه بالثوب ، كذا هنا.

وأُجيب : بأنّ الثوب مَلَكه بعقدٍ آخَر ، بخلاف الحوالة ، فإنّ نفس الحقّ تحوّل إلى ذمّة المحال عليه ، ولهذا لا يجوز أن يختلف ما في ذمّة المحيل والمحال عليه.

وقال بعضهم : لا نسلّم مسألة الثوب أيضاً ، بل إذا فسخ العقد ، وجب ردّ الثوب الذي أخذه بدلاً من الثمن(٤) .

لا يقال : قد قال الشافعي : إذا باع عبداً بثوبٍ ثمّ سلّم العبد وتصرّف المشتري ، ثمّ وجد بالثوب عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يبطل التصرّف في العبد(٥) .

لأنّا نقول : إنّ العبد تعلّق به حقٌّ لغير المتعاقدين ، فلم يكن لهما إبطاله ، وهنا لم يخرج الحقّ عنهما ، فلهذا إذا فسخا البيع ، بطلت الحوالة.

____________________

(١) في « ث » : « تذنيب » بدل « مسألة ».

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٤٦٤.

(٣) راجع الهامش (١) من ص ٤٦٥.

(٤ و ٥) لم نعثر عليه في مظانّه.

٤٧٣

لا يقال : المحال عليه قد كانت برئت ذمّته من المحيل.

لأنّا نقول : الحقّ في ذمّته لا يتغيّر للمحيل أو للمحتال ، فلهذا لا تفتقر الحوالة إلى رضاه عند بعضهم(١) .

إذا ثبت هذا ، فإن كان المحتال قد قبض الحوالة ، فعلى الاختلاف ، إن قلنا : ينفسخ ، ردّ على المشتري ما أخذه. وإن قلنا : لا ينفسخ ، رجع عليه بالثمن.

وكذا يجري الوجهان(٢) لو أحال الزوجة بالصداق ثمّ ارتدّت قبل الدخول ، فهل تبطل الحوالة؟ على ما تقدّم(٣) من الخلاف.

مسألة ٦٢٧ : لو كان المبيع عبداً وأحال البائعُ غريمَه بالثمن على المشتري‌ ثمّ تصادق المتبايعان على أنّه حُرّ الأصل إمّا ابتداءً أو ادّعى العبد الحُرّيّةَ فصدّقاه ، فإن وافقهما المحتال ، بطلت الحوالة ؛ لاتّفاقهم على بطلان البيع ، وإذا بطل البيع من أصله ، لم يكن على المشتري ثمنٌ ، وإذا بطلت الحوالة ، ردّ المحتال على المشتري ، وبقي حقّه على البائع كما كان.

وإن كذّبهما المحتال ، فإمّا أن تقوم بيّنة على الحُرّيّة أولا.

فإن قامت ، بطلت الحوالة ، كما لو تصادقوا.

وهذه البيّنة يتصوّر أن يُقيمها العبد ؛ لأنّ العتق حقّه ، وأن يبتدئ الشهود على سبيل الحسبة ، ولا يمكن أن يُقيمها المتبايعان ؛ لأنّهما كذّباها بالدخول في البيع.

____________________

(١) راجع المصادر في الهامش (١) من ص ٤٤٣.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٨.

(٣) في ص ٤٧١ ، ذيل المسألة ٦٢٥.

٤٧٤

ويحتمل أن يقيماها إذا أظهرا عذراً بأن يكون البائع قد وكّل في العتق وصادف البيع العبد معتوقاً ، فإنّ للبائع هنا إقامةَ البيّنة حيث لم يكن في إقامته تكذيبٌ لها.

وكذا لو ادّعى المشتري عتق البائع وجهله.

وإن لم تكن بيّنة ، لم يلتفت إلى تصادقهما في حقّ المحتال ، كما لو باع المشتري العبد ثمّ اعترف هو وبائعه أنّه كان حُرّاً ، لم يقبل قوله على المشتري ، لكن لهما تحليف المحتال على نفي علم العتق ، فإن حلف ، بقيت الحوالة في حقّه ، ولم يكن تصادقهما حجّةً عليه ، وإذا بقيت الحوالة ، فله أخذ المال من المشتري.

وهل يرجع المشتري على البائع المحيل؟ الوجه : ذلك ؛ لأنّه قضى دَيْنه بإذنه ، وعلى هذا فيرجع إذا دفع المال إلى المحتال.

وهل يرجع قبله؟ الأقرب : لا.

ولو نكل المحتال ، حلف المشتري.

ثمّ إن جعلنا اليمين المردودة كالإقرار ، بطلت الحوالة. وإن جعلناها كالبيّنة ، فالحكم كما لو لم يحلف ؛ لأنّه ليس للمشتري إقامة البيّنة.

ولو نكل المشتري ، فهل للعبد الحلف؟ الأقرب : ذلك إن ادّعاه ولا بيّنة ونكل المحتال عن اليمين التي وجبت عليه للعبد.

وكذا للبائع الحلف أيضاً.

هذا إذا اتّفقوا على أنّ الحوالة بالثمن ، ولو لم يقع التعرّض لكون الحوالة بالثمن وزعم البائع أنّ الحوالة على المشتري بدَيْنٍ آخَر له على المشتري ، فإن أنكر المشتري أصل الدَّيْن ، فالقول قوله مع يمينه ؛ لأصالة‌

٤٧٥

براءة ذمّته.

وإن سلّمه وأنكر الحوالة به ، فإن لم نعتبر رضا المحال عليه ، فلا عبرة بإنكاره. وإن اعتبرناه ، فالقول قول مَنْ يدّعي صحّة الحوالة ، أو قول مَنْ يدّعي فسادها؟ فيه للشافعيّة قولان(١) ، أكثرهم على تقديم مدّعي صحّة الحوالة ؛ لأنّ الأصل صحّتها ، وهُما يدّعيان ما يفسدها ، فكانت حيثيّته أقوى ، فإن أقاما البيّنة بأنّ الحوالة كانت بالثمن ، سُمعت البيّنة في ذلك ؛ لأنّهما لم يكذّباها.

ولو اتّفق المحيل والمحتال على حُرّيّة العبد وكذّبهما المحال عليه ، لم يُقبل قولهما عليه في حُرّيّة العبد ؛ لأنّه إقرار على غيرهما ، وتبطل الحوالة ؛ لاتّفاق المرجوع عليه بالدَّيْن والراجع به على عدم استحقاق الرجوع ، والمحال عليه يعترف للمحتال بدَيْنٍ لا يصدّقه فيه ، فلا يأخذ منه شيئاً ، وإن كان قد أخذ ، لم يكن للمأخوذ منه الرجوعُ.

ولو اعترف المحتال والمحال عليه بحُرّيّة العبد ، عُتق ؛ لإقرار مَنْ هو في يده بحُرّيّته ، وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما ، وكان للمحيل الرجوعُ على المحال عليه بمال الحوالة ، ولم يكن للمحتال الرجوعُ على المحيل بشي‌ء ؛ لأنّ دخوله في قبول الحوالة بالثمن اعتراف ببراءته ، فلم يكن له الرجوعُ عليه.

ولو اتّفق المحيل والمحتال على الحُرّيّة وكذّبهما المحال عليه ، لم تبطل العبوديّة ، وسقط الثمن عنه ؛ لاعتراف البائع والمحتال ببراءة ذمّته ، لكنّه يعترف للمحتال بالثمن ، فليس للمحتال قبضه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٠.

٤٧٦

وإن كان قد قبضه ، لم يكن للمحال عليه استعادته ، لكن إن كان قد قبضه ، برئ المحيل على إشكالٍ أقربه : العدم ؛ لاعترافه بأنّ المحتال قد ظلم المحال عليه بأخذ المال منه ، فيجب عليه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦٢٨ : إذا كان لرجلٍ على آخَر دَيْنٌ فأذن المديون له في قبض دَيْنٍ له على ثالثٍ ثمّ اختلفا‌ ، فقال المديون للقابض : وكّلتك في قبض حقّي من الثالث لي ، وقال القابض : بل أحلتني على الثالث ، فإن اختلفا في أصل اللفظ فزعم المديون أنّه وكّله بلفظ الوكالة ، وزعم القابض أنّ الجاري لفظ الحوالة وهي مقصودة ، فالقول قول المديون مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأنّ الأصل استمرار حقّ القابض على المديون ، واستمرار حقّ المديون على الثالث ، فالموكّل يدّعي بقاء الأصل ، والآخَر يدّعي خلافه ، فكان المقدَّم مدّعي الوكالة.

ولو كان مع أحدهما بيّنة ، حُكم بها ؛ لأنّ اختلافهما في اللفظ ، ويمكن إقامة البيّنة عليه.

ولو اتّفقا على جريان لفظ الحوالة ثمّ ادّعى المديون أنّه قصد التسليط بالوكالة ، وعبّر عن الوكالة بلفظ الحوالة ، وادّعى القابض أنّه قصد حقيقة اللفظ ، وهو معنى الحوالة ، احتُمل تقديم قول المديون ؛ لأنّه أعرف بلفظه ، وأخبَر من غيره بقصده.

ولأنّ الأصل بقاء حقّ المحيل على المحال عليه ، وبقاء حقّ المحتال عليه ، والمحتال يدّعي نقلهما والمحيل ينكرهما ، والقول قول المنكر مع اليمين ، وكما يُستعمل اللفظ في معناه الحقيقي ، يُستعمل في معناه المجازي ، والتعويل في إرادة أحدهما إلى المتكلّم.

وهذا قول بعض الشافعيّة وأبي حنيفة وأصحابه ؛ لأنّ اللفظ محتمل‌

٤٧٧

لما يدّعيه المديون ، وهو أعرف بنيّته وإرادته ، فأشبه ما إذا قال له المديون : اقبض ، ثمّ اختلفا في المراد منه(١) .

ويحتمل تقديم قول المحتال ؛ عملاً بالظاهر من حمل الألفاظ على حقائقها ، ومَنْ يدّعي حملها على مجازاتها فقد ادّعى خلاف الظاهر لا يُقبل منه ، كما لو ادّعى ثوباً في يد زيد ، فإنّا نقضي لزيد به ؛ عملاً بظاهر اليد ، كذا هنا ، فيُقدَّم قول مدّعي الحوالة ؛ عملاً بظاهر اللفظ بشهادة لفظ الحوالة له.

هذا إذا قال له المديون : أحلتك بمائة على الثالث ، أمّا لو قال : أحلتك بالمائة التي لك علَيَّ على المائة التي لي على الثالث ، فهذا لا يحتمل إلّا حقيقة الحوالة ، فالقول قول مدّعيها قطعاً.

مسألة ٦٢٩ : إذا قدّمنا قول القابض باعتبار حمل اللفظ على حقيقته ، يحلف ، فإن حلف ، ثبتت الحوالة ، وبرئت ذمّته. وإن نكل ، حلف المديون ، وبطلت الحوالة.

وإن قدّمنا قول المديون فيما إذا اختلفا في اللفظ أو اتّفقا على جريان لفظ الحوالة واختلفا في المراد ، يحلف ، فإن حلف ، نُظر فإن كان القابض قبض ما على الثالث ، برئت ذمّة الثالث ؛ لأنّ القابض إمّا وكيل كما زعم المديون ، أو محتال كما زعم القابض ، وعلى كلا التقديرين يبرأ الثالث بالدفع إليه.

وحكى الجويني وجهاً ضعيفاً : أنّه لا يبرأ في صورة ما إذا اتّفقا على جريان لفظ الحوالة(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٠.

٤٧٨

ثمّ يُنظر فإن كان المقبوض باقياً ، فعليه تسليمه.

وهل للقابض مطالبة المحيل؟ الوجه : ذلك ؛ لأنّه إن كان وكيلاً ، فحقّه باقٍ على المديون. وإن كان محتالاً ، فقد استرجع المحيل ماله منه ظلماً ، فلا وجه لتضييع حقّه ، وبه قال أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ليس للقابض مطالبة المحيل بحقّه ؛ لاعترافه ببراءة المديون بدعوى الحوالة(٢) .

وليس شيئاً.

هذا كلّه من حيث الظاهر ، فأمّا فيما بينه وبين الله تعالى فإنّه إذا لم يصل إلى المحتال حقُّه من المحيل ، فله إمساك المأخوذ ؛ لأنّه ظفر بجنس حقّه من مال المديون ، والمديون ظالمٌ له.

وإن كان المقبوض تالفاً ، فإن لم يكن بتفريطٍ من القابض ، احتُمل أن لا يضمن ؛ لأنّه وكيل بقول المحيل ، والوكيل أمين ، وليس للقابض مطالبة المديون بحقّه ؛ لأنّه قد استوفاه بزعمه وهلك عنده.

ويحتمل الضمان ؛ لأنّه وكيل بحلف المحيل ، وتثبت وكالته ، والوكيل إذا أخذ المال لنفسه ، ضمن.

وإن كان المحتال لم يقبض من الثالث شيئاً ، فليس له القبض بعد حلف المحيل ؛ لأنّ الحوالة قد اندفعت بيمين المحيل ، وصار المحتال معزولاً عن الوكالة بإنكاره.

وللمديون أن يطالب الثالث بما كان له عليه ، وللمحتال مطالبة المديون بحقّه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٠ - ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٠.

٤٧٩

والثاني لهم : أنّه ليس له المطالبة(١) .

وقطع بعضهم على أنّه لا يطالب هنا وجهاً واحداً ؛ لاعترافه بأنّ حقّه ثابت على الثالث ، وأنّ ما يقبضه المديون من الثالث ليس حقّاً ، بخلاف ما إذا كان قد قبض ، فإنّ حقّه قد تعيّن في المقبوض ، فإذا أخذه المديون ، يكون قد أخذ مال المحتال ، فافترقا(٢) .

تذنيب : إذا ادّعى المحتال جريان لفظ الحوالة ، وصدّقه المحيل على ذلك وادّعى قصد الوكالة‌ وأنّه لا حقّ عليه للمحتال ، وادّعى المحتال ثبوت الحقّ في ذمّته ، فالوجه : أنّه لا يثبت الحقّ بمجرّد جري لفظ الحوالة.

مسألة ٦٣٠ : لو انعكس الفرض ، فقال المديون لزيد : أحلتك على عمرو ، وقال القابض : بل وكّلتني بقبض ما عليه ، وحقّي باقٍ عليك‌ - وتظهر الفائدة عند إفلاس عمرو - فإن اختلفا في أصل اللفظ ، قُدّم قول مدّعي الوكالة مع يمينه ؛ عملاً بأصالة بقاء الحقّين ، والمديون يدّعي خلافهما وانتقالهما ، فكان عليه البيّنة.

ولو اتّفقا على جريان لفظ الحوالة ، فالوجهان في المسألة الأُولى على العكس هنا ، فكلّ مَنْ قال في المسألة الأُولى : القول قول مدّعي الحوالة يقول هنا : القول قول مدّعي الوكالة ، وبالعكس مع اليمين فيهما ؛ لما مرّ في الوجهين السابقين.

فإذا قلنا : يُقدّم قول مدّعي الحوالة فحلف ، برئ من دَيْن المحتال ، وكان لزيد مطالبة عمرو إمّا بالوكالة أو بالحوالة ، وما يأخذه يكون له ؛ لأنّ المديون يقول : إنّه حقّه ، وعلى زعم زيد إنّه للمديون وحقّ زيد على‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٠.

٤٨٠