تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510
المشاهدات: 385094
تحميل: 4432

توضيحات:

الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 385094 / تحميل: 4432
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 14

مؤلف:
ISBN: 964-319-435-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لم يكن للمفلس بيّنة وردَّ المدّعى عليه اليمينَ فلم يحلف المفلس ، ففي إحلاف الغرماء للشافعي قولان(١) .

وعندنا ليس لهم الحلف.

واعلم أنّ بعض الشافعيّة ذكر طريقين في إحلاف غرماء المفلس مع شاهده :

أحدهما : طرد القولين.

والثاني : القطع بالمنع هنا ، والخلاف في الميّت.

والفرق : أنّ الحقّ للمفلس ، فامتناعه عن اليمين يورث ريبةً ظاهرة ، وفي الصورة الأُولى صاحب الحقّ غير باقٍ ، وإنّما يحلف الوارث بناءً على معرفته بحال مُورّثه وهو [ قد ](٢) يخفى عنه ولا يخفى عن الغرماء ، ولأنّ غرماء الميّت آيسون عن حلفه ، فمُكّنوا من اليمين لئلّا يضيع الحقّ ، وغرماء المفلس غير آيسين عن حلفه(٣) .

قال الجويني : الطريقة الثانية أصحّ. وحكى عن شيخه طرد الخلاف في ابتداء الدعوى من الغرماء(٤) .

وقطع أكثرهم بمنع الدعوى ابتداءً ، وتخصيص الخلاف باليمين بعد دعوى الوارث والمفلس(٥) .

ولا فرق بين أن تكون الدعوى بعينٍ أو بدَيْنٍ.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧١.

٤١

فروع :

أ - لو حلف بعض الغرماء - عند القائلين به - دون بعضٍ ، استحقّ الحالفون بالقسط‌ ، كما لو حلف بعض الورثة لدَيْن الميّت.

ب - ليس لمن امتنع من اليمين من الغرماء - إن جوّزنا لهم الحلف - مشاركة الحالف‌ ، كالوارث إذا حلف دون باقي الورثة ، لم يكن للباقين مشاركته ؛ لأنّ المقبوض باليمين ليس عينَ مال الميّت ولا عوضه بزعم الغريم.

ج - لو حلف الغرماء ثمّ أبرأوا عن ديونهم ، فالمحلوف عليه يُحتمل أن يكون للمفلس‌ ؛ لخروجه عن ملك المدّعى عليه بحلف الغرماء ، وعن ملك الغرماء بإبرائهم عن الدَّيْن ، فيبقى للمفلس. وأن يكون للغرماء ؛ لأنّه يثبت بحلفهم ، ويلغو الإبراء. وهو ضعيف. أو يبقى على المدّعى عليه ، ولا يستوفى أصلاً.

وللشافعي ثلاثة أوجُه(١) كهذه.

مسألة ٢٨٧ : الدَّيْن إن كان حالّاً أو حلّ بعد الأجل وأراد المديون السفر ، كان لصاحب الدَّيْن منعه من السفر حتى يقبض حقّه‌ ، وليس في الحقيقة هذا منعاً من السفر كما يمنع السيّدُ عبدَه والزوجُ زوجتَه ، بل يشغله عن السفر برفعه إلى الحاكم ومطالبته حتى يُوفي الحقّ ، وحبسه إن ماطَل.

وإن كان الدَّيْن مؤجَّلاً ، فإن لم يكن السفر مخوفاً ، لم يُمنع منه ؛ إذ ليس له مطالبته في الحال بالحقّ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧١.

٤٢

وليس له أيضاً أن يطالبه برهن ولا كفيل ؛ لأنّه ليس له مطالبته بالحقّ فكيف يكون له المطالبة بالرهن أو الكفيل وهو المفرط في حظّ نفسه حيث رضي بالتأجيل من غير رهنٍ ولا كفيل!؟

وهل له أن يكلّفه الإشهاد؟ قال الشافعي : ليس له ذلك(١) .

والأقرب عندي أنّه يجب عليه الإشهاد ؛ لما فيه من إبراء الذمّة.

وإن كان السفر مخوفاً - كالجهاد ، وركوب البحر - لم يكن له المنع منه أيضاً ولا المطالبة برهن ولا كفيل ؛ إذ لا مطالبة له في الحال ، وهو أصحّ وجوه الشافعي.

والثاني : أنّه يمنعه إلى أن يؤدّي الحقّ أو يُعطي كفيلاً ؛ لأنّه في هذا السفر يُعرّض نفسه للهلاك فيضيع حقّه.

والثالث : إن لم يخلّف وفاءً ، مَنَعه. وإن خلّف ، لم يكن له منعه اعتماداً على حصول الحقّ منه(٢) .

مسألة ٢٨٨ : ولا فرق بين أن يكون الأجل قليلاً أو كثيراً‌ ، ولا بين أن يكون السفر طويلاً أو قصيراً ، فلو بقي للأجل نصف نهار ثمّ أراد إنشاء سفرٍ طويل في أوّله ، لم يكن لصاحب الدَّيْن منعه منه ، فإنه لا يجب عليه إقامة كفيل ولا دَفْع رهن ، وليس لصاحب الدَّيْن مطالبته بأحدهما ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال مالك : إذا علم حلول الأجل قبل رجوعه ، فله أن يطالبه بكفيل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢.

٤٣

- وهو قول بعض الشافعيّة - لأنّ عليه ضرراً في تأخّر حقّه(١) .

والضرر لحقه بواسطة التأجيل ، وهو من فعله ، ورضي به من غير كفيل ، فلم يكن له إزالته بعد ذلك ، وكما أنّه ليس له مطالبته بالحقّ في الحال ، كذا ليس له المطالبة بكفيلٍ ، كما لو لم يسافر.

ولو أراد صاحب المال أن يسافر معه ليطالبه عند الحلول ، فله ذلك بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب.

إذا ثبت هذا ، فإنّه إذا حلّ الأجل وهو في السفر وتمكّن من الأداء ، وجب عليه إمّا برجوعه أو بإنفاذ وكيله أو ببعث رسالته(٢) أو بغيره من الوجوه.

مسألة ٢٨٩ : الهبة من الأدنى للأعلى لا تقتضي الثواب‌ ؛ للأصل ، وهو أحد قولي الشافعي(٣) .

فإن شرطه ، صحّ عندنا ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٤) .

وللشافعي قولان على تقدير عدم اقتضاء الثواب(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « رسالة ».

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٥٤ ، التنبيه : ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٤٩ ، حلية العلماء ٦ : ٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٣ ، و ٦ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٤٦ ، منهاج الطالبين : ١٧٢ ، المغني ٦ : ٣٣١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٥٤ ، التنبيه : ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣٠ ، حلية العلماء ٦ : ٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، منهاج الطالبين : ١٧٢ ، المغني ٦ : ٣٣٢.

٤٤

فإن قلنا بالاقتضاء ، أو شرطه مطلقاً ، ففيه ثلاثة أقوال للشافعي :

أحدها : قدر قيمة الموهوب.

والثاني : ما جرت العادة بأن يُثاب مثله في تلك الهبة.

والثالث : ما يرضى به الواهب(١) .

فإذا وهب المفلس هبة توجب الثواب ثمّ حُجر عليه ، لم يكن له إسقاطه ؛ لأنّه تصرّفٌ في المال بالإسقاط ، فيُمنع منه.

فإن قلنا بوجوب القيمة أو ما جرت العادة بمثله ، لم يكن له أن يرضى إلّا بذلك.

وإن قلنا : له ما يرضيه ، كان له أن يرضى بما شاء وإن قلّ جدّاً ، ولا يعترض عليه - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ المال لا يثبت إلّا برضاه ، فلو عيّنّا عليه الرضا ، لكان تعييناً للاكتساب.

مسألة ٢٩٠ : قد بيّنّا أنّه لو أقرّ بعين ، دُفعت إلى المـُقرّ له على إشكال.

ويُحتمل عدم الدفع ، ويكون حقّ الغرماء متعلّقاً بها.

فعلى تقدير عدم القبول لو فضلت عن أموال الغرماء دُفعت إلى المـُقرّ له قطعاً ؛ عملاً بالإقرار.

أمّا البيع فلو باعها حالة الحجر وقلنا بعدم النفوذ ففضلت عن أموال الغرماء ، ففي إنفاذ البيع فيها إشكال.

وكذا الإشكال لو ادّعى أجنبيّ شراء عينٍ منه في يده قبل الحجر‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٥٥ ، التنبيه : ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٥٠ - ٥٥١ ، حلية العلماء ٦ : ٥٨ - ٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، الوسيط ٤ : ٢٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٤٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٢.

٤٥

فصدّقه.

ولو قال : هذا المال مضاربة لغائبٍ ، قيل : يُقرّ في يده ؛ عملاً بمقتضى إقراره ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ أو بعينٍ.

ولو قال : لحاضرٍ ، فإن صدّقه ، دُفع إليه على إشكال. وإن كذّبه ، قُسّم بين الغرماء.

ويضرب المجنيّ عليه بعد الحجر بالأرش وقيمة المتلف ، ويُمنع من قبض بعض حقّه.

ولا يُمنع من وطئ مستولدته.

والأقرب : منع غير المستولدة من إمائه ، فإن فَعَل وأحبل ، صارت أُمَّ ولدٍ ، ولا يبطل حقّ الغرماء منها مع القصور دونها.

البحث الثاني : في بيع ماله وقسمته

مسألة ٢٩١ : كلّ مَن امتنع من قضاء دَيْنٍ عليه مع قدرته وتمكّنه منه وامتنع من بيع ماله فإنّ على الحاكم أن يُلزمه بأدائه‌ أو يبيع عليه متاعه ، سواء كان مفلساً محجوراً عليه أو لا ، ويقسّمه بين الغرماء - وبه قال الشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمّد(١) - لما رواه العامّة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حجر على معاذ ، وباع ماله في دَيْنه(٢) .

وخطب عمر فقال في خطبته : ألا إنّ أُسيفع جُهَيْنة قد رضي من دينه‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، التنبيه : ١٠١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٤ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٤ : ١٦٤ ، المغني ٤ : ٥٢٩ و ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٧ ، الهامش (٤)

٤٦

وأمانته أن يقال : سبق الحاجَّ ، فادّان معترضاً(١) فأصبح وقد رين به ، فمَنْ كان له عليه مالٌ فليحضر غداً فإنّا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه(٢) .

وهذا رجل من جُهَيْنة كان يشتري الرواحل ويُسرع السير فيسبق الحاجَّ فأفلس.

و« ادّان » يعني استقرض. وقوله : « معترضاً » أي اعترض الناس فاستدان ممّن أمكنه. و« رين به » أي وقع فيما لا يستطيع الخروج منه.

قال أبو عبيد : كلّ ما غلبك فقد ران بك ورانك(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمّار عن الصادقعليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص ، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم ، يعني ماله »(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يُباع ماله ، بل يحبسه ليبيع بنفسه ، إلّا أن يكون ماله أحدَ النقدين وعليه الآخَر ، فيدفع الدراهم عن الدنانير ، والدنانير عن الدراهم ؛ لأنّه رشيد لا ولاية لأحدٍ عليه ، فلم يجز للحاكم أن يبيع ماله عليه ، كما لو لم يكن عليه دَيْنٌ(٥) .

____________________

(١) في المصادر : « معرضاً ».

(٢) الموطّأ ٢ : ٧٧٠ / ٨ ( الباب ٨ من كتاب الوصيّة ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨ ، المغني ٤ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٥.

(٣) غريب الحديث - للهروي - ٣ : ٢٧٠ « رين » وفيه : « ران بك وران عليك ». وحكاه عنه - كما في المتن - الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب إذا التوى الذي عليه الدَّيْن على الغرماء ) ح ١ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١٢ ، الاستبصار ٣ : ٧ / ١٥.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٤ : ١٦٤ و ١٦٥ ، =

٤٧

وقياسهم يُنتقض ببيع الدراهم بالدنانير وبالعكس ، فإنّه عنده(١) جائز ، فجاز في غير النقدين. ويُمنع عدم الولاية ؛ لأنّه بمنعه ظالم ، فجاز أن تثبت الولاية عليه ، كما أنّ الحاكم يُخرج الزكاة من مال الممتنع من أدائها.

مسألة ٢٩٢ : إذا حجر الحاكم على المفلس ، استحبّ له المبادرة إلى بيع ماله وقسمته‌ ؛ لئلّا يتلف منه شي‌ء ، ولئلّا تطول مدّة الحجر ، ولا يفرط في الاستعجال ؛ لئلّا يطمع المشترون فيه بثمن بخس.

ويستحبّ إحضار المفلس أو وكيله ؛ لأنّه يحصي ثمنه ويضبطه. ولأنّه أخبرُ بمتاعه وأعرفُ من غيره بجيّده من رديئه وثمنِه ، فيتكلّم عليه ويُخبر بقدره ، ويعرف المعيب من غيره. ولأنّه يكثر الرغبة فيه ، فإنّ شراءه من صاحبه أحبّ إلى المشترين. ولأنّه أبعد من التهمة ، وأطيب لنفس المفلس ، وأسكن لقلبه ، وليطّلع على عيبٍ إن كان ليباع على وجهٍ لا يُردّ. وكذا يفعل إذا باع المرهون ، وليس ذلك واجباً فيهما.

ويستحبّ أيضاً إحضار الغرماء ؛ لأنّه يُباع لهم ، وربما رغبوا في شراء شي‌ء منه فزادوا في ثمنه فانتفعوا هُم والمفلس. ولأنّه أطيب لقلوبهم وأبعد من التهمة.

مسألة ٢٩٣ : وينبغي للحاكم أن يبدأ ببيع المرهون وصرف الثمن إلى المرتهن‌ ؛ لاختصاص حقّ المرتهن بالعين. ولأنّه ربما زادت قيمة الرهن على الدَّيْن فيضمّ الباقي إلى مال المفلس ، وربما نقصت عن الدَّيْن فيضرب‌

____________________

= النتف ٢ : ٧٥٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨ ، المغني ٤ : ٥٢٩ - ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٥.

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٦١.

٤٨

المرتهن بباقي دَيْنه مع الغرماء.

ثمّ إن كان له عبدٌ جانٍ ، قدّم بيعه أيضاً ؛ لما قلناه من تعلّق حقّ المجنيّ عليه برقبته واختصاصه به ، وربما فضل من قيمته شي‌ء فأُضيف إلى مال مولى الجاني. ولا يساوي الرهن ، فإنّه إن نقص قيمته عن حقّ الجناية ، لم يستحقّ الباقي. ولأنّ حقّه لا يتعلّق بالذمّة بل بالعين خاصّةً ، والمرتهن يتعلّق حقّه بالعين والذمّة معاً.

مسألة ٢٩٤ : ويقدّم بيع ما يخاف عليه الفساد كالفواكه وشبهها‌ ؛ لئلّا يضيع على المفلس وعلى الغرماء ، ثمّ الحيوان ؛ لحاجته إلى النفقة وكونه عرضةً للهلاك ، ثمّ سائر المنقولات ؛ لأنّ التلف إليها أسرع من العقارات ، ثمّ سائر العقارات ؛ لأنّه لا يخشى عليها التلف ولا السرقة ، إلّا(١) مسكنه فإنّه لا يباع.

وينبغي أن يشهر حال بيعها بين الناس فيظهر الراغبون.

مسألة ٢٩٥ : ينبغي للحاكم أن يقول للمفلس والغرماء : ارتضوا مَنْ ينادي على الأمتعة والأموال‌ ؛ لأنّ الحاكم لا يكلّف ذلك ، بل يردّه إليهم ، فإنّه أبعد من التهمة ، فإن اتّفقوا على رجل وكان مرضيّاً ، أمضاه الحاكم. وإن لم يكن ثقةً ، ردّه.

لا يقال : أليس إذا اتّفق الراهن والمرتهن على [ أن يبيع ] الرهنَ غيرُ ثقة(٢) ، لم يكن للحاكم الاعتراضُ عليهما؟

لأنّا نقول : الفرق أنّ الحاكم لا نظر له مع الراهن والمرتهن ، وفي‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولا » بدل « إلّا ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في « ج ، ر » : « على بيع الراهن غير ثقة ». وفي « ث » : « على بيع الرهن لغير ثقة ». وفي الطبعة الحجريّة : « على بيع الرهن من غير ثقة ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٤٩

صورة المفلس له نظر واجتهاد في مال المفلس. ولأنّه قد يظهر غريم فيتعلّق حقّه ، فلهذا نظر فيه ، بخلاف الرهن.

فإن اختار المفلس رجلاً واختار الغرماء غيره ، نظر الحاكم فإن كان أحدهما غير ثقة دون الآخَر ، أقرّ الثقة منهما. وإن كانا ثقتين فإن كان أحدهما متطوّعاً دون الآخَر ، أقرّ المتطوّع ؛ لأنّه أوفر(١) عليهما. فإن كانا متطوّعين ، ضمّ أحدهما إلى الآخَر ؛ لأنّه أحوط. وإن كانا غير متطوّعين ، اختار أوثقهما وأعرفهما وأقلّهما أُجرةً.

فإن كان المبيع رهناً أو جانياً ، أمر بدفع الثمن إلى المرتهن أو وليّ المجنيّ عليه. وإن لم يتعلّق به إلّا حقّ الغرماء ، أمرهم باختيار ثقة يكون المال عنده مجموعاً ليقسّم بينهم على قدر حقوقهم.

تذنيب : ينبغي أن يرزق المنادي من بيت المال‌ ، وكذا مَنْ يلي حفظه ؛ لأنّ بيت المال مُعدٌّ للمصالح ، وهذا من جملتها. فإن لم يكن في بيت المال سعة أو كان يحتاج إليه لما هو أهمّ من ذلك ، فإن وجد متطوّع ثقة ، لم يدفع أُجرة. وإن لم يوجد ، دفع الأُجرة من مال المفلس ؛ لأنّ البيع حقٌّ عليه.

مسألة ٢٩٦ : ينبغي أن يُباع كلّ متاع في موضع سوقه‌ ، فتباع الكتب في سوق الورّاقين ، والبزّ في البزّازين ، والحديد في الحدّادين ، وما أشبه ذلك ؛ لأنّ بيعه في سوقه أحوط له وأكثر لطُلّابه ومعرفة قيمته.

فإن باع شيئاً منه في غير سوقه بثمن مثله ، جاز ، كما لو قال لوكيله : بِعْ هذا المتاع في السوق الفلاني بكذا ، فباعه بذلك الثمن في غير ذلك‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وفر ». والصحيح ما أثبتناه.

٥٠

السوق وكان غرض الموكّل تحصيل ذلك القدر من الثمن لا غير ، فإنّه يصحّ ، كذا هنا ، بخلاف ما لو قال له : بِعْ من فلان بكذا ، فباع من غيره بذلك الثمن ، فإنّه يكون قد خالف ؛ لأنّه قد يكون له غرض في بيعه من واحدٍ دون واحدٍ.

فإذا باع بثمن المثل ثمّ جاءته الزيادة ، فإن كان في زمن الخيار ، فسخ البيع احتياطاً للمفلس والغرماء.

وهل يجب ذلك؟ إشكال أقربه : الوجوب ، كما لو جاءت الزيادة على ثمن المثل قبل البيع.

وإن جاءت بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار ، سئل المشتري الإقالة ، ويستحبّ له الإجابة إلى ذلك ؛ لتعلّقه بمصلحة المفلس والغرماء وقضاء دَيْن المحتاج. فإن لم يفعل ، لم يُجبر عليه.

مسألة ٢٩٧ : ويجب أن يبيع المتاع بثمن مثله حالّاً من نقد البلد‌ ، فإن كان بقُرْب بلدِ ملك المفلس بلدٌ فيه قوم يشترون العقار في بلد المفلس ، أنفذ الحاكم إليهم وأعلمهم ليحضروا للشراء ليتوفّر الثمن على المفلس ، فإذا بلغ ثمن مثله ، باعه ، ويبيع بنقد البلد وإن كان من غير جنس حقّ الغرماء ؛ لأنّه أوفر.

ثمّ إن كان الثمن من جنس مال الغرماء ، دفع إليهم. وإن كان من غير جنسه ، فإن لم يرض المستحقّون إلّا بجنس حقّهم ، صرفه إلى جنس حقّهم ، وإلّا جاز صَرفه إليهم.

ولو كان سَلَماً ومنعنا من المعاوضة عليه قبل قبضه ، اشترى الحاكم لهم من جنس حقّهم ، ودَفَعه إليهم.

ولو أراد الغريم الأخذ من المال المجموع ، وقال المفلس : لا أُوفيك‌

٥١

إلّا من جنس مالك ، قُدّم قول المفلس ؛ لأنّه معاوضة ، ولا يجوز إلّا بتراضيهما عليه.

مسألة ٢٩٨ : لا يدفع السلعة إلى المشتري حتى يقبض الثمن ؛ حراسةً لمال المفلس عن التلف.

وقد سبق(١) للشافعيّة أقوال ثلاثة في البداءة بالبائع أو لا؟ فقولٌ : إنّه يبدأ بالبائع ، فيسلّم المبيع ثمّ يقبض الثمن. وقولٌ : إنّهما يُجبران على التسليم إلى عَدْلٍ. والثالث : أنّهما لا يُجبران.

وهذا الأخير لا يتأتّى هنا ؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالثمن وهو حالّ ، فلا سبيل إلى تأخيره ، بل إمّا يُجبر المشتري على التسليم أوّلاً ، أو يُجبران معاً ، ولا يجي‌ء جبر البائع أوّلاً ؛ لأنّ مَنْ يتصرّف للغير لا بُدَّ وأن يحتاط. فإن خالف الواجب وسلّم المبيع قبل قبض الثمن ، ضمن.

وما يقبضه الحاكم من أثمان المبيع من أموال المفلس على التدريج إن كان الغريم واحداً ، سلّم إليه من غير تأخير. وكذا إن أمكنت قسمته بسرعة ، لم يؤخّر. وإن كان يعسر قسمته ؛ لقلّته وكثرة الديون ، فله أن يؤخّر ليجتمع. فإن امتنعوا من التأخير ، قسّمه عليهم.

وقال بعض الشافعيّة : يُجبرهم الحاكم على التأخير(٢) .

وليس بجيّد.

وإذا تأخّرت القسمة فإن وجد الحاكم مَنْ يقترضه من الأُمناء ذوي اليسار أقرضهم إيّاه ، فإنّه أولى من الإيداع ؛ لأنّ القرض مضمون على‌

____________________

(١) في ج ١٠ ص ١٠٨ - ١٠٩ ( النظر الثاني في وجوب القبض ).

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، وفيهما : « فإن أبوا التأخير ، ففي النهاية إطلاق القول بأنّه يجيبهم. والظاهر خلافه ».

٥٢

المقترض ، بخلاف الوديعة ، فإنّها غير مضمونة على المستودع ، وهي أمانة في يده لا يؤمن تلفها ، فلا يرجع المفلس والغرماء إلى شي‌ء. فإن لم يجد مَنْ يُقرضه إيّاه ، جَعَله وديعةً عند أمين. ولو أودع مع وجود المقترض الأمين المليّ ، كان جائزاً ، لكنّه يكون قد ترك الأولى.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يقرض المال من المليّ الثقة حالّاً غير مؤجَّل ؛ لأنّ الديون حالّة.

ولو أجّله بأن شرط الأجل في بيعٍ وشبهه عندنا ومطلقاً عند مالك(١) ، لم يجز.

قال الشافعي : مال الصبي يودع ولا يقرض(٢) .

وفرّق بعض أصحابه بأنّ مال الصبي يُعدّ لمصلحة تظهر له من شراء عقار ، أو تجارة ، وقرضه قد يتعذّر معه المبادرة إلى ذلك ، ومال المفلس مُعدٌّ للغرماء خاصّةً ، فافترقا(٣) .

مسألة ٢٩٩ : إذا لم يوجد المقترض ، أودعه الحاكم عند الثقة ، ولا يشترط فيه اليسار ، بل إن حصل كان أولى.

وينبغي أن يودع ممّن يرتضيه الغرماء ، فإن اختلفوا أو عيّنوا مَنْ ليس بعَدْلٍ ، لم يلتفت الحاكم ، وعيّن هو مَنْ أراد من الثقات ، ولا يودع مَنْ ليس بعَدْلٍ.

ولو تلف شي‌ء من الثمن في يد العَدْل ، فهو من ضمان المفلس ، وبه‌

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٣١٨.

(٢) لم نعثر على نصّه ، وانظر : المهذّب - للشيرازي - ٣ : ٣٣٦ ، وحلية العلماء ٤ : ٥٢٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

(٣) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر المتوفّرة.

٥٣

قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال مالك : العروض من ماله ، والدراهم والدنانير من مال الغرماء(٢) .

وقال المغيرة : الدنانير من مال أصحاب الدنانير ، والدراهم من مال أصحاب الدراهم(٣) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ المال للمفلس ، وإنّما يملكه الغرماء بقبضه ، لكن تعلُّق حقِّهم به يجري مجرى الرهن حيث تعلّق حقّ المرتهن به ، وكما أنّ تلف الرهن من الراهن وإن كان في يد المرتهن ، كذا هنا.

واعلم أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون الضياع في حياة المفلس أو بعد موته ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : ما يتلف بعد موته فهو من ضمان الغرماء(٥) .

مسألة ٣٠٠ : إذا ثبتت الديون عند الحاكم وطلب أربابها القسمةَ عليهم ، لم يكلّفهم الحاكمُ إقامةَ البيّنة‌ على أنّه لا غريم سواهم ، ويكتفي الحاكم في ذلك بالإعلان والإشهاد بالحجر عليه ؛ إذ لو كان هناك غريم لظهر وطالَب بحقّه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣١٧ و ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٨ ، المغني ٤ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٩.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٠ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٥٣٩.

(٣) المغني ٤ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٠.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ١٤١ و ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٨.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ١٤١ و ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠.

٥٤

ولا فرق بين القسمة على الغرماء والقسمة على الورثة ، إلّا أنّ الورثة يحتاجون إلى إقامة البيّنة على أنّه لا وارث غيرهم ، بخلاف الغرماء.

والفرق : أنّ الورثة أضبط من الغرماء ، وهذه شهادة على النفي يعسر تحصيلها ومدركها ، فلا يلزم من اعتبارها حيث كان الضبط أسهل اعتبارُها حيث كان أعسر(١) .

مسألة ٣٠١ : إذا قسّم الحاكمُ مالَ المفلس بين غرمائه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر ، احتُمل عدم نقض القسمة‌ ، بل يشاركهم الغريم الظاهر بالحصّة ؛ لأنّ المقصود يحصل به.

وقال الشافعي : تُنقض القسمة ، فيستردّ المال من الغرماء ، وتُستأنف القسمة ، كالورثة إذا قسّموا التركة ثمّ ظهر دَيْنٌ ، فإنّه تُنقض القسمة ؛ لأنّ الغريم لو كان حاضراً قاسَمهم ، فإذا ظهر بعد ذلك ، كان حقّه باقياً. ولا يلزم من ذلك نقض حكم الحاكم بالقسمة ؛ لأنّ ذلك ليس حكماً منه ، كما لو زوّج الصغيرة ، لم يصح نكاحه. ولو حكم بالتزويج حاكمٌ آخَر ، نفذ عند الشافعي(٢) .

وأمّا عندنا فالجواب أن نقول : إنّه قسّم على أنّه لا غريم هناك ، فإذا ظهر غريمٌ آخَر ، كان ذلك خطأً ، فلهذا نُقضت القسمة.

وعن مالك روايتان : إحداهما : تُنقض. والثانية : لا تُنقض ، ولا يخاصمهم الغريم الظاهر ؛ لأنّه نقضٌ لحكم الحاكم(٣) .

____________________

(١) أي : حيث كان الضبط أعسر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠ ، و ٧ : ٥٣٣ و ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٨ ، و ٥ : ٣٩٩ و ٤٣٦.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٥٢٢ ، المغني ٤ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٦.

٥٥

ووافقنا أحمد(١) على أنّه يشارك.

مسألة ٣٠٢ : لو قسّم الغريمان المالَ - وهو خمسة عشر ، ولأحدهما عشرون ، وللآخَر عشرة - أثلاثاً ، فأخذ صاحبُ العشرين عشرةً‌ ، وصاحبُ العشرة خمسةً ، ثمّ ظهر غريمٌ ثالث وله ثلاثون ، فإن قلنا بالنقض ، نقضت القسمة ، وبُسط المال على نسبة ما لكلّ واحدٍ منهم. وإن قلنا بعدم النقض ، استردّ الظاهرُ من كلّ واحدٍ منهما نصفَ ما حصل له.

ولو كان [ دين كلّ واحدٍ منهما عشرة وقسّم المال بينهما نصفين وكان ](٢) الذي ظهر له عشرةٌ ، رجع على كلّ واحدٍ منهما بثلث ما أخذ. فإن أتلف أحدهما ما أخذ وهو معسر لا يحصل منه شي‌ء ، احتُمل أن يأخذ الغريم الذي ظهر من الآخَر شطر ما أخذ ، فكأنّه كلّ المال ، ثمّ إن أيسر المتلف ، أخذ منه ثلث ما أخذه وقسّماه بينهما. وأن لا يأخذ منه إلّا ثلث ما أخذه ، وثلث ما أخذه المتلف دَيْنٌ عليه له.

ولو أنّ الغريم الثالث ظهر وقد ظهر للمفلس مالٌ قديم أو حادث بعد الحجر ، صُرف منه إلى مَنْ ظهر بقسط ما أخذه الأوّلان ، فإن فضل شي‌ء ، قُسّم على الثلاثة.

وإنّما يشارك الغريم الظاهر لو كان حقّه سابقاً على الحجر ، أمّا لو كان حادثاً بعد الحجر ، فلا يشارك الأوّلين في المال القديم.

وإن ظهر مالٌ قديم وحدث مال باتّهابٍ(٣) أو احتطابٍ وشبهه ، فالقديم للقدماء خاصّةً ، والحادث للجميع.

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٦.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اتّهاب ». والصحيح ما أُثبت.

٥٦

مسألة ٣٠٣ : إذا باع المفلس شيئاً من ماله قبل الحجر وتلف الثمن في يده بإتلافه‌ أو بغير إتلافه ثمّ حَجَر عليه الحاكمُ ، كان ذلك كدَيْنٍ ظهر على المفلس ، والحكم ما تقدّم.

ولو باع الحاكمُ مالَه وظهر الاستحقاق بعد قبض الثمن وتلفه ، رجع المشتري في مال المفلس ، ولا يطالب الحاكم به. ولو نصب الحاكم أميناً حتى باعه ، ففي كونه طريقاً إشكال ، كما في العَدْل الذي نصبه القاضي لبيع الرهن.

ثمّ رجوع المشتري في مال المفلس ورجوع الأمين إن قلنا : إنّه طريقٌ للضمان وغرم ، للشافعي فيه قولان :

أحدهما : أنّه يضارب مع الغرماء ؛ لأنّه دَيْنٌ في ذمّة المفلس ، كسائر الديون.

والثاني : أنّه يُقدَّم على الغرماء ؛ لأنّا لو قلنا بالضمان به ، لرغب الناس عن شراء مال المفلس ، فكان التقديم من مصالح الحَجْر ، كأُجرة الكيّال ونحوها من المـُؤن(١) .

والثاني عندي أقوى.

مسألة ٣٠٤ : يجب على الحاكم أن يُنفق على المفلس إلى يوم الفراغ من بيع ماله وقسمته‌ ، فيعطيه نفقة ذلك اليوم له ولعياله الواجبي النفقة من الزوجات والأقارب ؛ لأنّه موسر ما لم يزل ملكه. وكذا يكسوهم بالمعروف. وكلّ هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى هذه الجهات.

وهل ينفق على الزوجات نفقة المعسرين أو الموسرين؟ الأقرب عندي : الأوّل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٩.

٥٧

ويُحتمل الثاني ؛ لأنّه لو أنفق نفقة المعسر لما لزمه نفقة الأقارب.

وللشافعي قولان(١) .

مسألة ٣٠٥ : لا يُباع على المفلس مسكنه ولا خادمه ولا فرس ركوبه ، وقد تقدّم(٢) ذلك في باب الدَّيْن.

وقد وافقنا على عدم بيع المسكن أبو حنيفة وأحمد وإسحاق ؛ لأنّه ممّا لا غنى للمفلس عنه ، ولا يمكن حياته بدونه ، فلم يصرف في دَيْنه ، كقوته وكسوته(٣) .

وقال الشافعي : يُباع جميع ذلك - وبه قال شريح ومالك - ويستأجر له بدلها - واختاره ابن المنذر - لقولهعليه‌السلام في المفلس : « خُذُوا ما وجدتم »(٤) وقد وجد عقاره(٥) .

وهو قضيّة شخصيّة جاز أن يقع في مَنْ لا عقار له ، مع أنّ الشافعي قال : إنّه يُعدل في الكفّارات المرتّبة إلى الصيام وإن كان له مسكن وخادم ، ولا يلزمه صرفهما إلى الإعتاق(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٢) في ج ١٣ ، ص ١٦ ، المسألة ١٣.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، المغني ٤ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٦.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٩١ / ١٥٥٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٩ / ٢٣٥٦ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٦ / ٣٤٦٩ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٥ ، و ٦ : ٥٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٣١٩ / ٣٣٠٢ ، مسند أحمد ٣ : ٤٦١ / ١١١٥٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤١.

(٥) الأُمّ ٣ : ٢٠٢ ، مختصر المزني : ١٠٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، الوسيط ٤ : ١٥ ، الوجيز ١ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠ ، منهاج الطالبين : ١٢١.

(٦) الأُمّ ٥ : ٢٨٣ ، مختصر المزني : ٢٠٥ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٤٩٦ ، الوجيز ١ : =

٥٨

فبعض أصحابه خرّج منه قولين في الديون. وبعضهم قرّر القولين ، وفرّقوا من وجهين :

أحدهما : أنّ الكفّارة لها بدل ينتقل إليه ، والدَّيْن بخلافه.

وثانيهما : أنّ حقوق الله تعالى مبنيّة على المساهلة ، وحقوق الآدميّين على الشُّحّ والمضايقة.

ثمّ قالوا : المسكن أولى بالإبقاء من الخادم ، فينتظم أن يرتّب الخلاف ، فيقال : فيهما ثلاثة أوجُه ، في الثالث يبقى المسكن دون الخادم.

فإن قلنا بالإبقاء ، فذاك إذا كان الإبقاء لائقاً بالحال ، دون النفيس الذي لا يليق به ، ويشبه أن يكون المراد ذلك : أنّه إن كان ثميناً ، بِيع ، وإلّا فلا(١) .

مسألة ٣٠٦ : يجب على الحاكم أن يترك له دَسْت ثوبٍ يليق بحاله وقميص وسراويل ومنديل ومكعَّب‌(٢) ، ويزيد في الشتاء جبّة ، ويترك له العمامة والطيلسان والخُفّ ودراعة يلبسها فوق القميص إن كان لُبْسها يليق بحاله ؛ لأنّ حطّها عنه يزري بحاله.

وفي الطيلسان والخُفّ نظر.

والأولى الاعتبار بما يليق بحاله في إفلاسه ، لا في حال ثروته.

ولو كان يلبس قبل الإفلاس أزيد ممّا يليق بحاله ، رُدّ إلى اللائق. وإن كان يلبس دون اللائق تقتيراً ، لم يزد عليه في الإفلاس. ويترك لعياله من الثياب ما يترك له ، ولا تُترك الفُرُش والبُسُط ، بل يسامح باللبد والحصير القليل القيمة.

____________________

= ١٧١ ، و ٢ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، و ٩ : ٣١٤ - ٣١٥ ، الوسيط ٤ : ١٥ ، روضة الطالبين ٦ : ٢٧٠.

(١) الوسيط ٤ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٢) المكعَّب : البُرْدُ الموشى بوشْيٍ مربّع. ويقال : ثوبٌ مكعَّب : أي مطوي شديد الأدراج. شمس العلوم ٩ : ٥٨٥٢.

٥٩

مسألة ٣٠٧ : يجوز أن يترك له نفقة يوم القسمة‌ ، وكذا نفقة مَنْ عليه نفقته ؛ لأنّه موسر في أوّل ذلك اليوم. ولا يزيد على نفقة ذلك اليوم ، فإنّه لا ضبط بعده. وكلّ ما يُترك له إذا لم يوجد في ماله ، اشتري له ؛ لقولهعليه‌السلام : « ابدأ بنفسك ثمّ بمَن تعول »(١) ومعلومٌ أنّ في مَنْ يعوله مَنْ تجب نفقته عليه ، ويكون دَيْناً عليه ، وهي الزوجة ، فإذا قدّم نفقة نفسه على نفقة الزوجة ، فكذا على حقّ الغرماء ؛ لأنّ حرمة الحيّ آكد من حرمة الميّت ؛ لأنّه مضمون بالإتلاف ، ويتقدّم تجهيز الميّت ومؤونته على دَيْنه ، فكذا نفقة الحيّ.

وتُقدّم أيضاً نفقة أقاربه ، كالوالدين والولد ؛ لأنّهم يجرون مجرى نفسه ؛ لأنّ النفقة لإحيائهم. ولأنّهم يعتقون عليه إذا ملكهم ، كما يعتق إذا ملك نفسه ، فكانت نفقتهم كنفقته.

وكذا زوجته تُقدّم نفقتها ؛ لأنّ نفقتها آكد من نفقة الأقارب ؛ لأنّها تجب على طريق المعاوضة ، ويجب قضاؤها ، بخلاف نفقة الأقارب ، وفيها معنى الإحياء ، كما في الأقارب.

وتجب كسوتهم أيضاً ؛ لأنّ البقاء لا يتمّ بدونه. فإن كان ممّن عادته الثياب الخشنة ، دُفع إليه من الخشن. وإذا كانت عادته الناعم ، دُفع إليه أوسط الناعم. وإن كان لباسه من فاخر الثياب الجيّدة ، اشتري له من ثمنها أقلّ ما يلبس أقصد مَنْ هو في مثل حاله.

ولو كان ذا كسب ، جُعلت نفقته في كسبه ، فإن فضل الكسب ، فالفاضل للغرماء. وإن أعوز ، أُخذ من ماله.

مسألة ٣٠٨ : ولو مات ، كُفّن من ماله‌ ؛ لأنّ نفقته كانت واجبةً في ماله حالة الحياة فوجب تجهيزه إذا مات ، كأقاربه.

____________________

(١) نوادر الأُصول في أحاديث الرسول ١ : ٢٤٦.

٦٠