تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501
المشاهدات: 153856
تحميل: 5116


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153856 / تحميل: 5116
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 15

مؤلف:
ISBN: 964-319-436-1
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مسألة ٧٣٠ : لا يُقب ل إقرار الوكيل ، فلو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة ، أو المصالحة على مال ، أو بأنّ الحقّ مؤجَّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو قد زوّروا ، أو قد أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ المدّعى ، لم يُقبل ، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وابن أبي ليلى وزفر وأحمد(١) - لأنّ الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها ، فلا يملكه الوكيل فيها ، كالإبراء. ولأنّه غير وكيلٍ في الإقرار ، فلا يكون نائباً عنه ، وإخبار الغير عن حقّ الغير إن كان شهادةً سُمعت ، وإلّا فلا ، والإقرار إخبار.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : يُقبل إقراره إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص(٢) .

وقال أبو يوسف : يُقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره ؛ لأنّ الإقرار‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٣٢ ، مختصر المزني : ١١٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ - ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥١ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

١٢١

أحد جوابي الدعوى ، فصحّ من الوكيل في الخصومة ، كالإنكار(١) .

والفرق : أنّ الإنكار لا يقطع الخصومة ، ولا يسقط حقّ الموكّل منها ، بخلاف الإقرار ، ألا ترى أنّه يصحّ منه الإنكار في الحدود والقصاص ، ولا يصحّ منه الإقرار ، فنحن نقيس على أبي حنيفة على الحدود والقصاص ودعوى النكاح والطلاق والعفو عن القصاص ، فإنّه سلّم أنّه لا يملك الوكيل الإقرار في ذلك كلّه(٢) ، فنقيس المتنازع عليه. ولأنّ الوكيل لا يصالح ولا يبرئ ، فكذلك الإقرار. وكذا يُنقض عليه بما إذا أقرّ في غير مجلس الحكم لا يلزمه ، فكذا في مجلس الحكم. ولأنّ الوكيل لا يملك الإنكار على وجهٍ يمنع الموكّل من الإقرار ، فلو مَلَك الإقرار ، لامتنع على الموكّل الإنكار ، فافترقا.

فروع :

أ - لو وكّله في الإقرار ، ففيه خلاف ، واختار الشيخ جوازه(٣) . ولا استبعاد فيه. ويلزم الموكّل ما أقرّ به ، فإن كان معلوماً ، لزمه ذلك. وإن كان مجهولاً ، رجع في تفسيره إلى الموكّل دون الوكيل.

ب - لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء ، لم يلزم إقراره الموكّل على ما قلناه‌ ، لكن ينعزل الوكيل عن الوكالة. وكذا وكيل المدّعى عليه لو أقرّ بالحقّ في ذمّة موكّله ، لم يسمع في حقّه ، لكن تبطل وكالته بالإنكار ؛

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٤ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

١٢٢

لأنّه بعد الإقرار ظ الم في الخصومة بزعمه.

وللشافعيّة وجهان في بطلان وكالته(١) .

ج - هل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو مال ، أو عين أو دَيْن ، أو أرش جناية أو بدل مال؟ الأقرب عندي : عدم الاشتراط ، بل يصحّ التعميم.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

أمّا لو وكّله في خصومةٍ معيّنة وأبهم ، لم يصحّ.

د - الأقرب : عدم اشتراط تعيين مَنْ يخاصم معه.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

ه- الأقرب : إنّ الوكيل بالخصومة من جهة المدّعى [ عليه ] لا يُقبل منه تعديل بيّنة المدّعي(٤) ؛ لأنّه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة ، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّ تعديله وحده لا ينزّل منزلة إقرار الموكّل بعدالتهم ، لكن ردّه مطلقاً بعيد ؛ لأنّ التعديل غير مستفادٍ من الوكالة ، إلّا أن يوجّه بأنّه بالتعديل مقصّرٌ في الوكالة وتاركٌ حقَّ النصح(٦) .

مسألة ٧٣١ : لو وكّله في استيفاء حقٍّ له على غيره ، فجحده مَنْ عليه الحقّ وأمكن ثبوته عليه ، لم يكن للوكيل مخاصمته ولا محاكمته‌ ، ولا يثبت الحقّ عليه ؛ لأنّ الإذن إنّما انصرف إلى الاستيفاء ، وهذه طُرقٌ إليه مغايرة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من جهة المدّعي لا يقبل بيّنة المدّعى عليه ». والمثبت هو الموافق لما في المصدر من الهامش التالي.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٦) الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

١٢٣

له ، فلا يملكها ، و قد يرتضى للقبض مَنْ لا يرتضى للخصومة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد ، ورواه الحسن عن أبي حنيفة(١) - لأنّ الأمين قد لا يُحسن الخصومة ، فلا يرتضيه الموكّل في القبض لها.

والثاني : نعم ؛ لأنّه لا يتمكّن من الاستيفاء عند إنكار مَنْ عليه إلّا بالإثبات ، فليُمكَّن ممّا يتوسّل به إلى الاستيفاء(٢) ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الموكّل باستيفائه(٤) عيناً أو دَيْناً ، فإذا وكّله في قبض عينٍ فجحدها مَنْ هي في يده ، لم يكن وكيلاً في التثبيت أيضاً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن كان دَيْناً مَلَك الإثبات ، وإن كان عيناً لم يملكه ؛ لأنّه وكيل في النقل ، فلا يملك الإثبات ، كالوكيل في نقل الزوجة(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢.

(٤) في « ث ، ر » : « بالاستيفاء ». وفي « ج ، خ » : « بالاستيفاء به ».

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، وفي المغني ٥ : ٢١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ نسبة ذلك إلى بعض أصحاب أبي حنيفة.

١٢٤

والحقّ ما قلناه ؛ ف إنّ القبض في العين كالقبض في الدَّيْن ، فإذا جاز له الخصومة في الدَّيْن ، جاز له في العين ، بخلاف الزوجة ؛ لأنّ ذلك ليس بقبضٍ.

مسألة ٧٣٢ : إذا وكّله في تثبيت حقّه على خصمه ، لم يكن للوكيل القبضُ - وبه قال أحمد(١) - لأنّ القبض لم يتناوله الإذن نطقاً ولا عرفاً ؛ إذ ليس كلّ مَنْ يُرتضى للخصومة يُرتضى للقبض ، فإنّه قد يكون خائناً.

وللشافعيّة في استيفائه بعد الإثبات طريقان :

أحدهما : إنّ فيه وجهين أيضاً ، كالوجهين في أنّ الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن ؛ لأنّه من توابع الإثبات ومقاصده ، كقبض الثمن بالإضافة إلى البيع؟

وأظهرهما : القطع بالمنع ؛ لأنّ الاستيفاء يقع بعد الإثبات ، فليس ذلك نفس المأذون فيه ولا واسطته ، بخلاف العكس [ و ](٢) بخلاف مسألة قبض الثمن ؛ لأنّه إذا وكّله بالبيع ، أقامه مقام نفسه فيه ، وأنّه عقد يتضمّن(٣) عُهَداً(٤) منها : تسليم المبيع وقبض الثمن ، فجاز أن يُمكّن من قضاياه ، وأمّا الإثبات فليس فيه ما يتضمّن التزاماً(٥) .

قال بعض الشافعيّة : الخلاف في الصورة الثانية في الأموال ، أمّا القصاص والحدّ فلا يستوفيهما بحال(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في « ث ، خ » : « متضمّن ».

(٤) « عُهَد » جمعٌ ، واحدته : « عهدة » بمعنى الشرط.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ - ٢٣١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

١٢٥

وقال بعضهم : إنّه ع لى الوجهين(١) .

وإذا جمعت بين الأمرين : الاستيفاء والإثبات وقلت : الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني؟ حصل - عند الشافعيّة - في الجواب ثلاثة أوجُه ، لكنّ الظاهر عندهم أنّه لا يفيد واحد منهما الثاني(٢) .

فروع :

أ - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولا الإبراء منه‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك.

ب - قال بعض العامّة : لو كان الموكّل عالماً بجَحْد مَنْ عليه الحقّ ، أو مَطْله ، كان التوكيل في القبض توكيلاً في الخصومة والتثبيت ؛ لعلمه بوقوف القبض عليه(٣) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لاحتمال أن يرجع الغريم إلى الحقّ ، أو يستنيب الموكّل غير وكيل القبض وكيلاً في التثبيت بعد المطالبة وتصريح الجحود.

ج - قد عرفت أنّ الوكيل بالبيع لا يُسلّم المبيعَ قبل أن يقبض الموكّل(٤) أو وكيلُه الثمنَ ، فإن سلّمه قبله ، غرم للموكّل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواءً ، أو كان الثمن أكثر. وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل ، غرّمه جميع القيمة.

ويحتمل أن يحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، أصحّهما عندهم : الأوّل(٥) .

ولو باع بغبنٍ فاحشٍ بإذن الموكّل ، فقياس الوجه الثاني عندهم : إنّ

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٣) المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « المالك » بدل « الموكّل ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

١٢٦

المالك لا يغرّمه إلّا قدر الثمن ، ثمّ لو قبض الوكيل الثمنَ بعد ما غرم ، دَفَعه إلى الموكّل ، واستردّ الثمن(١) .

د - تُقبل شهادة الوكيل مع الشرائط على موكّله مطلقاً ، وتُقبل لموكّله في غير ما هو وكيلٌ فيه ، كما لو وكّله في بيع دارٍ فشهد له بعبدٍ.

ولو شهد فيما هو وكيلٌ فيه ، فإن كان ذلك قبل العزل ، لم تُقبل ؛ لأنّه متّهم حيث يجرّ إلى نفسه نفعاً ، وهو ثبوت ولاية التصرّف لنفسه.

وإن كان بعد العزل ، فإن كان قد خاصم الغريم فيه حالَ وكالته ، لم تُقبل أيضاً ؛ لأنّه متّهم أيضاً حيث يريد تمشية قوله وإظهار الصدق فيما ادّعاه أوّلاً.

وإن لم يخاصم ، سُمعت شهادته عندنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ الوجهين(٢) - لأنّه ما انتصب خصماً ، ولا يُثبت لنفسه حقّاً ، فكان كالأجنبيّ ، فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل.

وفي الثاني للشافعي : لا تُقبل أيضاً ، كما لو شهد قبل العزل(٣) .

والفرق ظاهر ، وهو أنّه قبل العزل يثبت لنفسه محلّ ولاية التصرّف.

وقال الجويني : هذه هي الطريقة المشهورة عند الشافعيّة ، وقياس المراوزة أن ينعكس ، فيقال : إن لم يخاصم ، تُقبل شهادته. وإن كان قد خاصم ، فوجهان. ورأى أنّ هذا التفصيل فيما إذا جرى الأمر على التواصل ، فأمّا إذا طال الفصل ، فالوجه : القطع بقبول الشهادة ، مع احتمالٍ فيه(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، البيان ١٣ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ - ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٧

مسألة ٧٣٣ : لو وكّل رجلين بالخصومة ولم يصرّح باستقلال كلّ واحدٍ منهما ، لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران ويتباصران(١) ، ويعضد كلّ واحدٍ منهما صاحبَه ، ويُعينه على ما فُوّض إليهما ، كما لو وكّل رجلين ببيعٍ أو طلاقٍ أو غيرهما ، أو أوصى إلى اثنين ، لم يكن لأحدهما الانفراد ، وهو أصحّ وجهي(٢) الشافعي.

والثاني : إنّ لكلّ واحدٍ منهما الاستقلال ؛ لعسر الاجتماع على الخصومة(٣) .

وكذا لو وكّل رجلين بحفظ متاعٍ ، حفظاه معاً في حرزٍ لهما ؛ لأنّ قوله : « افعلا كذا » يقتضي اجتماعهما على فعله ، وهو ممّا يمكن ، فتعلّق بهما ، بخلاف قوله : « بعتكما » حيث كان منقسماً بينهما ؛ لأنّه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع ، فانقسم بينهما ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إنّه ينفرد به كلّ واحدٍ منهما ، فإن قَبِل التقسيم قُسّم ليحفظ كلّ واحدٍ منهما بعضَه(٤) .

والحقّ ما قدّمناه ؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذنه ، فإذا أذن اتّبع حدّ إذنه.

مسألة ٧٣٤ : إذا وكّل اثنين في التصرّف فغاب أحدهما ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا للحاكم ضمّ أمينٍ إليه ليتصرّفا ؛ لأنّ الموكّل رشيد جائز التصرّف لا ولاية للحاكم عليه ، فلا يقيم الحاكم وكيلاً له بغير أمره ،

____________________

(١) في « ث » : « يتناصران ».

(٢) في « ث ، خ » : « قولَي » بدل « وجهي ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٨

بخلاف ما لو مات أحد الوصيّين حيث قال بعضهم بأنّ الحاكم يضيف إلى الوصي أميناً ليتصرّفا ؛ لكون الحاكم له النظر في حقّ الميّت واليتيم ، ولهذا لو لم يوص إلى أحدٍ أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم(١) .

فإن حضر أحد الوكيلين والآخَر غائب وادّعى الوكالة لهما وأقام البيّنة ، سمعها الحاكم ، وحَكَم بثبوت الوكالة لهما ، ولم يملك الحاضر التصرّف وحده ، فإذا حضر الآخَر تصرّفا معاً ، ولا يحتاج إلى إعادة البيّنة ؛ لأنّ الحاكم سمعها لهما مرّةً.

لا يقال : هذا حكم للغائب.

لأنّا نقول : الأصل الحكم للحاضر ، وأمّا الغائب فدخل ضمناً ، كما أنّه يحكم للوقف الذي ثبت لمن يخلق بَعْدُ لأجل مَنْ يستحقّه في الحال ، فكذا هنا.

ولو جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا نعلم فيه خلافاً. وجميع التصرّفات في هذا سواء.

وقال أبو حنيفة : إذا وكّلهما في خصومةٍ ، فلكلّ واحدٍ منهما الانفراد بها(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه لم يرض بتصرّف أحدهما ، فأشبه البيع والشراء.

مسألة ٧٣٥ : إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضرة الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه ، صحّت الوكالة ، فإذا قدّم الوكيل خصماً لموكّله بعد ذلك إلى الحاكم ، حَكَم الحاكم بعلمه عندنا - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - فيسمع‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٠ / ٩٩٤ ، المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) مختصر المزني : ٣٠٢ ، الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٧٠ ، الحاوي الكبير =

١٢٩

الحاكم دعواه على خصم موكّله.

وعند القائلين بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه لا يسمع دعواه حتى يشهد بوكالته شاهدان(١) .

وإن كان قد وكّله في غير حضور الحاكم وحضر عند الحاكم وادّعى وكالة موكِّله وأحضر شاهدين يشهدان له بالوكالة ، سمع الحاكم الشهادة بذلك ، وبه قال مالك والشافعي(٢) .

ولو أحضر خصماً وادّعى عليه الحقَّ لموكّله قبل ثبوت الوكالة ، لم يسمع الحاكم دعواه.

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع الشهادة على الوكالة ، إلّا أن يقدّم خصماً من خصماء الموكّل فيدّعي عليه حقّاً لموكّله ، فإذا أجاب المدّعى عليه حينئذٍ يسمع الحاكم البيّنةَ(٣) .

فحصل الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في فصلين :

أحدهما : إنّ عندنا يسمع الحاكم البيّنةَ من غير خصمٍ ، وعنده لا يسمع.

والثاني : إنّ عندنا لا تُسمع دعواه لموكّله قبل ثبوت وكالته ، وعنده‌

____________________

= ١٦ : ٣٢١ ، الإقناع في الفقه الشافعي : ١٩٦ ، التنبيه : ٢٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٠٤ ، الوسيط ٧ : ٣٠٨ ، الوجيز ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٨ : ١٤٢ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٨٦ ، أدب القضاء - لابن أبي الدم - : ٩٤ و ١٠٥ ، روضة الطالبين ٨ : ١٤١ ، منهاج الطالبين : ٣٣٩.

(١) راجع : المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، الذخيرة ٨ : ١٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ - ٥٥٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٣٠

تُسمع.

وأبو حنيفة بني ذلك على أصله ، وأنّ القضاء على الغائب لا يجوز ، وأنّ سماع البيّنة بالوكالة من غير خصمٍ قضاءٌ على الغائب ، وأنّ الوكالة من الحاضر لا تلزم الخصم ، فما لم يُجب عن دعوى الوكيل لم يكن رضاً بالوكالة(١) .

والشافعي وافقنا على ما قلناه ؛ لأنّه إثبات وكالةٍ ، فلم يفتقر إلى حضور الموكّل عليه ، كما إذا كان الموكّل [ عليه ](٢) جماعةً فأُحضر واحد منهم ، فإنّ الباقين لا يفتقر إلى حضورهم ، كذلك هنا الواحد.

وإنّما لم يسمع الحاكم الدعوى قبل ثبوت الوكالة ؛ لأنّ الدعوى لا تُسمع إلّا من خصمٍ إمّا عن نفسه أو عن موكّله ، وهذا لا يخاصم عن نفسه ، ولا يثبت أنّه وكيل لمن يدّعي له ، فلا تُسمع دعواه ، كما لو ادّعى لمن لم يدّع وكالته.

مسألة ٧٣٦ : إذا ادّعى أنّه وكيل فلان في خصومة فلان ، فإن كان المقصود بالخصومة حاضراً وصدّقه ، ثبتت الوكالة ، وله مخاصمته على إشكالٍ. وإن كذّبه ، أقام البيّنة على الوكالة ، فلا يحتاج إلى أن يدّعي حقّاً لموكّله على الخصم ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع البيّنة على الوكالة حتى يدّعي عليه حقّاً لموكّله فينكر(٤) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٩ - ١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٣١

وإن كان غائباً وأقا م البيّنةَ على الوكالة ، سمعها وأثبتها ، ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في إثبات الوكالة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تُسمع البيّنة إلّا في وجه الخصم ، بناءً على امتناع القضاء على الغائب(١) . وقد تقدّم(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا بدّ وأن ينصب القاضي مسخراً(٣) ينوب عن الغائب ، ليقيم المدّعي البيّنةَ في وجهه(٤) . وهو مخالف لباقي الشافعيّة.

ثمّ قال : وقد اصطلح القُضاة على أنّ مَنْ وكّل في مجلس القضاء وكيلاً بالخصومة ، يختصّ [ التوكيل ](٥) بالخصومة في ذلك المجلس(٦) .

قال الجويني : والذي يعرفه أصحاب الشافعي أنّه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ، ولا نعرف للقُضاة العرف الذي ادّعاه(٧) .

مسألة ٧٣٧ : لو وكّل رجلاً عند القاضي بالخصومة عنه وطلب حقوقه ، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً اعتماداً على العيان. فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناءً على اسمٍ ونسبٍ يذكره ولم يكن معروفاً عند الحاكم ، فلا بدّ من إقامة البيّنة على أنّ فلان بن فلان وكّله ، أو على أنّ الذي وكّله عند الحاكم هو فلان بن فلان.

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٥ / ١٨٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٨ / ١٧٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٢) في ص ١٢٩ و ١٣٠.

(٣) السخرة : ما تسخّرت من دابّة أو خادم بلا أجر ولا ثمن. لسان العرب ٤ : ٣٥٣ « سخر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والمثبت من المصدر.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

١٣٢

وبالجملة ، لا بدّ و أن يعرف الموكّل شاهدان يعرفهما القاضي ويوثّقهما إمّا بمعرفته بعدالتهما أو بحضور اثنين يزكّيانهما أو أكثر.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ القُضاة عادتهم التساهل في هذه البيّنة بالعدالة الظاهرة ، وترك البحث والاستزكاء ، تسهيلاً على الغرماء(١) .

وهو خطأ عندنا.

وقال بعضهم أيضاً : يمكن أن يكتفي بمعرِّفٍ واحد إذا كان موثوقاً به ، كما في تعريف المرأة في تحمّل الشهادة عليها يحصل بمعرِّفٍ واحد ؛ لأنّه إخبار وليس بشهادة(٢) .

وهو خطأ عندنا أيضاً ، بل لا بدّ في التعريف من عَدْلين.

مسألة ٧٣٨ : إذا وكّله في شراءٍ فاسد أو عقدٍ باطل ، مثل أن يقول : اشتر لي شيئاً إلى مقدم الحاج ، أو مجي‌ء الغلّة ، أو : بِعْ كذلك ، لم يملك هذا العقد ؛ لأنّ الله تعالى لم يأذن في الفاسد ، ولأنّ الموكّل لا يملكه فالوكيل أولى.

ولا يملك الصحيح عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، يكون فضوليّاً قد فَعَل غير المأذون فيه. ولأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، لم يلزم ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير. ولأنّه أذن له في محرَّمٍ ، فيكون الإذن محرّماً ، فلا يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٣) التنبيه : ١٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

١٣٣

لم يملك شراء الخَلّ والغنم.

وقال أبو حنيفة : يملك بذلك الشراءَ الصحيح ؛ لأنّ الشراء الفاسد يملك عقده ، فإذا عقد له عقداً صحيحاً فقد مَلَكه بما هو أولى(١) .

وهو ممنوع ، على أنّ البيع الصحيح يملك به ، والفاسد لا يملك بالعقد فيه ، وإنّما يملك بالقبض ملكاً غير لازمٍ.

مسألة ٧٣٩ : لو وكّله بالصلح عن الدم على خمرٍ ففَعَل ، حصل العفو‌ ، كما لو فَعَله الموكّل بنفسه ؛ لأنّ الصلح على الخمر وإن كان فاسداً فيما يتعلّق بالعوض ولكنّه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص ، فيصحّ التوكيل فيما لو فَعَله الموكّل بنفسه لصحّ ، لا أنّا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد.

ولو وكّله بالصلح عن القصاص على خمرٍ فصالح على خنزير ، فهو لغو ، ويبقى القصاص مستحقّاً على ما كان عليه قبل الصلح ؛ لأنّه مستبدّ بما فَعَل غير موافقٍ أمرَ الموكّل ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه كما لو عفا على خمر ؛ لأنّ الوكالة بالصلح تامّة ، والخمر لا تثبت وإن ذكرت ، وإنّما تثبت الدية ، فلا فرق فيما يصحّ ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير. وعلى هذا لو صالح على ما يصلح عوضاً كالعبد والثوب ، أو على الدية نفسها ، يجوز(٢) .

ولا خلاف بينهم في أنّه لو جرى هذا الاختلاف بين الموجب والقابل في الصلح ، يلغو ؛ لعدم انتظام الخطاب والجواب(٣) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٥٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٥ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١٣٤

ولو وكّله بأن يخالع زوجته على خمر ، فخالَع على خمر أو خنزير ، فعند الشافعيّة أنّه على ما تقدّم في الصلح عن الدم(١) .

المطلب الثاني : في حكم العهدة

مقدّمة : قد بيّنّا أنّه يجوز التوكيل بجُعْلٍ وبغير جُعْل ، فإذا وكّله على البيع أو الشراء أو غير ذلك وجَعَل له جُعْلاً ، كان للوكيل المطالبة بجُعْله قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن ؛ لأنّ الأُجرة مستحقّة بالبيع أو الشراء ، وليس التسليم شرطاً في ذلك.

وكذا لو وكّله في حجٍّ أو غيره ، استحقّ الأُجرة بنفس العمل.

وإنّما تقف الأُجرة على تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة ، كالحياكة والخياطة(٢) والصياغة(٣) وأشباه ذلك ، فإذا استأجره على نساجة ثوبٍ أو خياطته أو قصارته فإذا سلّمه إلى المستأجر معمولاً ، فله الأجر.

ولو كان العمل في دار المستأجر فكلّما عمل شيئاً ، وقع مقبوضاً ، فيستحقّ الخيّاط الجُعْل إذا فرغ من الخياطة.

أمّا في مسألتنا فقد استحقّ الأُجرة بالبيع ، فلا يقف ذلك على تسليم الثمن.

أمّا لو قال : وكّلتك في بيع مالي فإذا سلّمتَ الثمن إلَيَّ فلك كذا وكذا ، فإنّه يقف استحقاقه على التسليم ؛ لأنّه شرطه في الاستحقاق ، بخلاف الأوّل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٢) في « ج ، ر » : « كالخياطة والحياكة ».

(٣) في « ث ، ر » : « الصباغة ».

١٣٥

مسألة ٧٤٠ : الوكيل أمين ويده يد أمانةٍ لا يضمن ما يتلف في يده ، إلّا بتفريطٍ منه أو تعدٍّ فيه ، فإن تلف ما قبضه من الديون أو الأثمان أو الأعيان من الموكّل أو غرمائه ، فلا ضمان عليه ، سواء كان وكيلاً بجُعْلٍ أو بغير جُعْلٍ. فإن تعدّى فيه - كما لو ركب الدابّة ، أو لبس الثوب ، أو فرّط في حفظه - ضمن إجماعاً.

وكذا باقي الأمانات ، كالوديعة وشبهها.

وبالجملة ، الأيدي على ثلاثة أقسام :

يد أمانة ، كالوكيل والمستودع والشريك وعامل المضاربة والوصي والحاكم وأمين الحاكم والمرتهن والمستعير على وجهٍ يأتي.

ويد ضامنة ، كالغاصب والمستعير على وجهٍ والمساوم والمشتري شراءً فاسداً والسارق.

ويد مختلف فيها ، وهو يد الأجير المشترك ، كالقصّار والصائغ والحائك والصبّاغ وما أشبه ذلك.

وفيها للشافعيّة قولان(١) .

وعندنا أنّها يد أمانة.

إذا عرفت هذا ، فكلّ يد أمانة لا ضمان على صاحبها إلاّ بتعدٍّ أو تفريطٍ ؛ لأنّه لو كُلّف الضمان لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها ، فيلحقهم الضرر ، فاقتضت الحكمة زوال الضمان عنهم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٣٧ ، الوسيط ٤ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٤٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٦٦ ، البيان ٦ : ٤١١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤٧ - ١٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٩٩ ، المغني ٦ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٦ : ١٣٥ - ١٣٦.

١٣٦

مسألة ٧٤١ : إذا تعدّي الوكيل أو فرَّط - مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكّل إليه ليبيعه ، أو ركب الدابّة - ضمن إجماعاً ، سواء تلفت العين بذلك التصرّف أو بغيره. ولا تبطل وكالته بمجرّد التعدّي ، فله بيع الثوب بعد لُبْسه ، والدابّةِ بعد ركوبها - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الوكالة تضمّنت شيئين : الأمانة والإذن في التصرّف ، فإذا تعدّى ، زالت الأمانة وبقي الإذن بحاله. ولأنّ الوكالة أمانةٌ وإذنٌ في التصرّف ، والأمانة حكمٌ يترتّب عليه ، فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد ، كما أنّ الرهن لمّا كان المقصود منه التوثيق ومن حكمه الأمانة ، لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن ، بخلاف الوديعة ؛ فإنّها أمانة محضة ، فلا يبقى مع التعدّي.

والثاني : إنّه تبطل الوكالة ؛ لأنّها أمانة ، فترتفع بالتعدّي ، كالوديعة(٢) .

وقد بيّنّا بطلانه.

فعلى ما اخترناه من صحّة تصرّفه إذا باع وسلَّم العين إلى المشتري ، زال الضمان عنه إجماعاً ؛ لاستقرار ملك المشتري عليه ، وزوال ملك الموكّل عنه ، وقد أخرجه من يده بإذن المالك.

فروع :

أ - هل يخرج من الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم؟ الأقرب : عدم الخروج ؛ لأنّه ربما يبطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري ، فيكون التلف على ملك الموكّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٣ - ١٥٤ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤ - ٥٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٤.

١٣٧

والثاني : إنّه يخرج من ضمان عهدته ؛ لزوال ملك الموكّل عنه بالبيع ، ودخوله في ملك المشتري وضمانه(١) .

ونحن فيه من المتردّدين.

ب - إذا(٢) باع ما فرّط فيه وقبض الثمن ، كان الثمن أمانةً في يده غير مضمونٍ عليه وإن كان أصله مضموناً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه ، وقد قبضه بإذن الموكّل ، فيخرج عن العهدة.

ج - لو دفع إليه مالاً ووكّله في شراء شي‌ء به ، فتعدّى في الثمن ، صار ضامناً له ، فإذا اشترى به وسلّم ، زال الضمان.

وهل يزول بمجرّد الشراء به؟ وجهان تقدّما(٣) .

وإذا قبض المبيع ، كان أمانةً في يده.

د - لو تعدّى في العين ثمّ باعها وسلّمها ، زال الضمان على ما تقدّم(٤) ، فإذا ردّها المشتري عليه بعيبٍ ، عاد الضمان.

مسألة ٧٤٢ : لو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً - مثلاً - فتصرّف فيها على أن تكون قرضاً عليه ، صار ضامنا ؛ لتعدّيه بالتصرّف ، وليس له أن يشتري للموكّل بدراهم من نفسه ولا في الذمّة ، فإن فَعَل ونسب الشراء إلى الموكّل أو نواه ، كان فضوليّاً فيه إن أجاز الموكّل صحّ ، وإلّا بطل. وإن لم ينوه ولا سمّاه ، وقع عنه.

ولو عادت الدراهم التي أنفقها إلى يده فأراد أن يشتري بها للموكّل‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ث ، ج » : « لو » بدل « إذا ».

(٣) في الفرع « أ ».

(٤) في ص ١٣٦ ، ذيل المسألة ٧٤١.

١٣٨

ما أمره ، كان له ذلك ؛ لأنّ الوكالة لا تبطل بالتعدّي.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما كما قلناه.

والثاني : إنّ الوكيل ينعزل بتعدّيه ، فليس له الشراء حينئذٍ ، فإذا اشترى شيئاً ، لم يكن مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه. ولو ردّ ما اشتراه بعيبٍ واستردّ الثمن ، عاد مضموناً عليه(١) .

مسألة ٧٤٣ : إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده ، ولا يلزمه تسليمه إليه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره ؛ لأنّه رضي بكونه في يده حيث وكّله في القبض ، ولم يرجع عن ذلك ، فإن طلبه الموكّل فأخّر ردّه ، فإن كان لعذرٍ لم يضمن ، ويجب عليه مع أوّل وقت الإمكان وإن لم يجدّد الطلب ، فإن أخّر ضمن. وإن كان تأخيره لا لعذرٍ(٢) ، كان ضامناً كالمودع ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٧٤٤ : إذا وكّله في الشراء ، فإن اشترى ما أمره به على الوجه الذي أمره به ، وقع الملك للموكّل ، وانتقل من البائع إلى الموكّل ، ولا ينتقل إلى الوكيل بحالٍ عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي في أصحّ قولَيْه ، وأحمد(٣) - لأنّ الوكيل قَبِل عقداً لغيره ، فوجب أن ينتقل الملك إلى ذلك الغير دونه ، كالأب والوصي.

وقال أبو حنيفة : إنّه يقع للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموكّل ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ج ، ر » : « لغير عذر » بدل « لا لعذر ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢١١ - ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٣٩

حقوق العقد تتعلّق با لوكيل ؛ بدليل أنّه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ، ولم ينتقل إلى الموكّل(١) . ولأنّ الخطاب إنّما جرى مع الوكيل وأحكام العقد تتعلّق به(٢) .

ونمنع تعلّق حقوق العقد بالوكيل ، والخطاب وقع له على سبيل النيابة للغير.

وينتقض ما ذكره بشراء الأب للطفل ابتداءً.

ثمّ نقول : لو ثبت الملك للوكيل لكان إذا وكّله في شراء أب الوكيل فاشتراه ، وجب أن يعتق عليه ؛ لدخوله في ملكه ، وليس كذلك ، بل يملكه الموكّل.

وألزمتُ بعضَ الحنفيّة بذلك ، فأجاب بأنّه في الزمن الأوّل يقع للوكيل ، وفي الزمن الثاني ينتقل إلى الموكّل ، فألزمتُه بأنّه بِمَ يرجّح الانتقال في الزمن الثاني إلى الموكّل دون العتق؟

مسألة ٧٤٥ : إذا وكّل المسلم ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير ، فاشتراه له ، لم يصح الشراء عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه بنفسه لا يجوز أن يوكّل فيه الذمّي ، كالعقد على المجوسيّة ، وبهذا خالف سائر الأموال.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إلى ملك الموكّل ».

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٧ - ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٤ ، روضة القضاة ٢ : ٦٤٥ / ٣٦٣١ و ٣٦٣٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغنى ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٤٠