تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193610 / تحميل: 6213
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاء

الجزء الخامس عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن ا لرحيم

٤

٥

المقصد السادس : في الوكالة‌

وفيه فصول :

الأوّل : في حقيقتها ومشروعيّتها‌

الوكالة : عقد شُرِّع للاستنابة في التصرّف ، وهي جائزة بالكتاب والسنّة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) (١) فجوّز العمل [ عليها ](٢) وذلك بحكم النيابة عن المستحقّين.

وقوله تعالى :( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) (٣) وهذه وكالة.

وقوله تعالى :( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) (٤) وهذه وكالة.

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣) الكهف : ١٩.

(٤) يوسف : ٩٣.

٦

وأمّا السنّة : فما روى العامّة عن جابر بن عبد الله قال : أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقلت له : إنّي أردتُ الخروج إلى خيبر ، فقال : « إذا لقيتَ وكيلي فخُذْ منه خمسة عشر وسقاً ، فإن ابتغى منك آيةً فضَعْ يدك على ترقوته »(١) .

وروي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري في قبول نكاح أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان(٢) ، ووكّل أبا رافع في نكاح ميمونة(٣) .

وروى عروة بن الجعد البارقي قال : عُرض للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جَلَبٌ(٤) فأعطاني ديناراً ، فقال : « يا عروة ائت الجَلَب فاشتر لنا شاةً » قال : فأتيتُ الجَلَبَ فساوَمْتُ صاحبَه فاشتريتُ شاتين بدينار فجئتُ أسوقهما ، أو : أقودهما ، فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار وأتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدينار والشاة ، فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، قال : « وصنعتَ كيف؟ » قال : فحدّثته الحديث ، فقال : « اللَّهمّ بارك في صفقة يمينه »(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٣١٤ / ٣٦٣٢ ، سنن البيهقي ٦ : ٨٠.

(٢) المحبّر : ٧٦ و ٨٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٥ : ٤٢١ ، و ٦٩ : ١٣٨ و ١٤٥ ، الطبقات الكبرى ١ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، و ٨ : ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٢ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٣ : ٤٦١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٠١.

(٣) السيرة النبويّة - لابن هشام - ٤ : ١٤ ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٥ ، المحبّر : ٩١ - ٩٢ ، الطبقات الكبرى ٢ : ١٢٢ ، و ٨ : ١٣٢ - ١٣٤ ، الثقات - لابن حبّان - ٢ : ٢٦ ، العلل - للدارقطني - ٧ : ١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ / ٨٤١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٠١ ، التمهيد ٣ : ١٥٢.

(٤) الجَلَب : ما جُلب من خيلٍ وإبلٍ ومتاعٍ. لسان العرب ١ : ٢٦٨ « جلب ».

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٥٠ : ٢٩٩ ، سنن الدارقطني ٣ : ١٠ / ٣٠ ، مسند أحمد ٥ : ٥٠٧ / ١٨٨٧٣ ، و ٥٠٨ / ١٨٨٧٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٠١.

٧

وروي أنّه وكّل حكيم بن حزام في شراء شاة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعْلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها »(٢) وغير ذلك من الأحاديث.

وقد أجمعت الأُمّة في جميع الأعصار والأمصار على جواز الوكالة في الجملة.

ولأنّ اشتداد الحاجة الداعية إلى التوكيل ظاهرٌ ، فإنّه لا يمكن كلّ أحدٍ مباشرة جميع ما يحتاج إليه من الأفعال ، فدعت الضرورة إلى الاستنابة ، فكانت مشروعةً.

ولا بدّ في الوكالة من عقدٍ مشتملٍ على إيجابٍ وقبولٍ ، ومن موكّلٍ يصدر عنه الإيجاب ، ومن وكيلٍ يصدر عنه القبول ، ومن أمرٍ تقع الوكالة فيه. فأركان الوكالة أربعة نحن نذكرها في فصلٍ ثمّ نعقّب بأحكام الوكالة في فصلٍ آخَر إن شاء الله تعالى.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٦ / ٣٣٨٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٨ / ١٢٥٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٧ / ١٦٦ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٢.

٨

٩

الفصل الثاني : في أركا ن الوكالة‌

وفيه أربعة مباحث :

الأوّل : في الصيغة

الوكالة عقد يتعلّق به حقّ كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فافتقر إلى الإيجاب والقبول ، كالبيع.

والأصل فيه عصمةُ مال المسلم ، ومنعُ غيره من التصرّف فيه إلّا بإذنه ، فلا بدّ من جهة الموكّل من لفظٍ دالٍّ على الرضا بتصرّف الغير له ، وهو كلّ لفظٍ دالٍّ على الإذن ، مثل أن يقول : وكّلتك في كذا ، أو فوّضته إليك ، وأنَبْتُك فيه ، وما أشبهه.

ولو قال : وكِّلني في كذا ، فقال : نعم ، أو أشار بما يدلّ على التصديق ، كفى في الإيجاب.

ولو قال : بِعْ وأعتق ، ونحوهما ، حصل الإذن ، وهذا لا يكاد يُسمّى إيجاباً ، بل هو أمر وإذْنٌ ، وإنّما الإيجاب قوله : وكّلتك ، أو : استنبتك ، أو : فوّضت إليك ، وما أشبهه.

وقوله : « أذنتُ لك في فعله » ليس صريحاً في الإيجاب ، بل إذْنٌ في الفعل.

وقد وكّل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عروة بن الجعد البارقي في شراء شاة بلفظ الشراء(١) .

____________________

(١) راجع الهامش (٥) من ص ٦.

١٠

وقال تعالى مُخبراً عن أهل الكهف :( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) (١) .

ولأنّه لفظ دلّ على الإذن ، فجرى مجرى قوله : وكّلتك.

مسألة ٦٤٥ : لا بدّ من القبول إمّا لفظاً - وهو كلّ ما يدلّ على الرضا بالفعل - أو فعلاً.

ويجوز القبول بقوله : « قبلت » وما أشبهه من الألفاظ الدالّة عليه ، وبكلّ فعلٍ دلّ على القبول ، نحو أن يأمره بالبيع فيبيع ، أو بالشراء فيشتري ؛ لأنّ الذين وكّلهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ، ولأنّه إذنٌ في التصرّف ، فجاز القبول فيه بالفعل ، كأكل الطعام.

والقبول يُطلق على معنيين :

أحدهما : الرضا والرغبة فيما فوّضه إليه. ونقيضه الردّ.

والثاني : اللفظ الدالّ عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات.

ويعتبر في الوكالة القبولُ بالمعنى الأوّل حتى لو ردّ وقال : لا أقبل ، أو : لا أفعل ، بطلت الوكالة. ولو ندم وأراد أن يفعل أو يرجع [ لا ينفع ](٢) بل لا بُدَّ من استئناف إذنٍ جديد مع علم الموكّل ؛ لأنّ الوكالة جائزة من الطرفين ترتفع في الالتزام بالفسخ ، فلأن تُرتدّ في الابتداء بالردّ كان أولى.

وأمّا بالمعنى الثاني - وهو القبول اللفظي - فالوجه عندنا : أنّه لا يشترط ؛ لأنّه إباحة ورفع حجر ، فأشبه إباحة الطعام لا يفتقر إلى القبول اللفظي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) الكهف : ١٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١١

والثاني : الاشتراط ؛ لأنّه إثبات حقّ التسليط والتصرّف للوكيل ، فليقبل لفظاً ، كما في سائر المملّكات(١) .

ولهم طريقٌ آخَر : إنّ الوجهين فيما إذا أتى بصيغة عقدٍ بأن قال : وكّلتك ، أو : استنبتك ، أو : فوّضت إليك ، وأمّا في صِيَغ الأمر - نحو : بِعْ ، أو : اشتر - فلا يشترط القبول لفظاً جزماً ، بل يكفي الامتثال على المعتاد ، كما في إباحة الطعام(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّ قوله : « أذنت لك في كذا » بمثابة قوله : « بِعْ واعتق » لا بمثابة قوله : « وكّلتك » وإن كان « أذنت » على صِيَغ العقود(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ الوكيل إن شاء قَبِل بلفظه ، وإن شاء تصرّف ، وكان ذلك قبولاً منه ؛ لأنّ الوكالة أمر له ، فيصير بالتصرّف محصّلاً للأمر ، بخلاف سائر العقود من البيع والإجارة والهبة والوصيّة ، فإنّها تتضمّن التمليك ، فافتقرت إلى القبول بالقول ، والتوكيل جارٍ مجرى الوديعة والعارية لا يفتقر إلى القبول بالقول ؛ لأنّ ذلك أمر وإباحة.

مسألة ٦٤٦ : ويجوز عندنا القبول على الفور والتراخي ، نحو أن يبلغه أنّ رجلاً وكّله في بيع شي‌ء منذ سنة فيبيعه ، أو يقول : قبلت ، أو يأمره بفعل شي‌ء فيفعله بعد مدّة طويلة ؛ لأنّ قبول وكلاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لوكالته كان بفعلهم ، وكان متراخياً عن توكيله إيّاهم ، ولأنّه أذن في التصرّف ، والإذن قائم ما لم يرجع عنه ، فأشبه الإباحة ، ولأنّ الوكالة عقد يحتمل فيه‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

١٢

ضروب من الجهالة ، و يصحّ في الموجود والمفقود ، فيحتمل فيه تأخير القبول ، كالوصيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي(١) .

وقال القاضي أبو حامد من أصحابه : إنّه يجب أن يكون على الفور ، كالبيع(٢) .

وقال بعضهم : يكتفى بوقوعه في المجلس(٣) .

هذا في القبول اللفظي ، فأمّا بالمعنى الأوّل الفعلي فلا يجب التعجيل - عندنا وعنده(٤) - بحال.

وإن [ لم نشرط ](٥) القبول فلو وكّله والوكيل لا يشعر به ، ففي ثبوت وكالته إشكال.

وللشافعيّة وجهان يقربان من القولين في أنّ العزل هل ينفذ قبل بلوغ خبره إلى الوكيل؟ والوكالة أولى أن لا تثبت ؛ لأنّها تسليط على التصرّف(٦) .

فإن لم نثبتها ، فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل ، أم لا؟ للشافعيّة وجهان(٧) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، التنبيه : ١٠٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ ، المغني ٥ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

(٣) البيان ٦ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شرط ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤.

١٣

قال بعضهم : إن لم ن حكم به ، فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة(١) .

والأظهر : ثبوت الوكالة وإن لم يعلم.

فعلى هذا لو تصرّف الوكيل وهو غير عالمٍ بالتوكيل ثمّ ظهر الحال ، خرج على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ وكان ميّتاً.

مسألة ٦٤٧ : إذا شرطنا القبول ، لم يكتف بالكتابة والرسالة ، كما لو كتب بالبيع.

وإن لم نشترط القبول ، كفت الكتابة والرسالة ، وكان مأذوناً في التصرّف. وهو الأقرب عندي.

وإذا شرطنا القبول ، لم يكف الاستدعاء بأن يقول : وكِّلني ، فيقول : وكّلتك ، بل يشترط القبول ، فيقول بعد ذلك : قبلت.

وللشافعيّة قولان ، كما في البيع ، بل الوكالة أحوج إلى الاشتراط ؛ لأنّها ضعيفة(٢) .

وقيل : يجوز ؛ لأنّ الوكالة يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع ، فكانت أولى بعدم الاشتراط(٣) . ولا بأس به.

مسألة ٦٤٨ : لا يصحّ عقد الوكالة معلّقاً بشرطٍ أو وصف ، فإن عُلّقت عليهما ، بطلت - مثل أن يقول : إن قدم زيد ، أو : إذا جاء رأس الشهر فقد وكّلتك - عند علمائنا - وهو أظهر مذهب الشافعي(٤) - لأنّه عقد يملك به‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ - ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ - ٥٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥ ، المغني ٥ : ٢١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٣.

١٤

التصرّف حال الحياة لم يبن على التغليب والسراية ، فلم يجز تعليقه بشرطٍ ، كالبيع. ولأنّ الشركة والمضاربة وسائر العقود لا تقبل التعليق ، فكذا الوكالة.

وقال بعض الشافعيّة وأبو حنيفة وأحمد : يصحّ تعليقها على الشرط ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في جيش مُؤتة : « أميركم جعفر ، فإن قُتل فزيد بن حارثة ، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة »(١) ، والتأمير في معنى التوكيل.

ولأنّه لو قال : أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج ، أو : وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا ، صحّ إجماعاً ، ومحلّ النزاع في معناه(٢) .

والفرق ظاهرٌ بين تنجيز العقد وتعليق التصرّف ، وبين تعليق العقد.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في جواز تنجيز الوكالة وتعليق العقد ، مثل أن يقول : وكّلتُك في بيع العبد ولا تبعه إلّا بعد شهر ، فهذا صحيح ، وليس للوكيل أن يخالف.

واعلم أنّ بعض الشافعيّة خرّج الخلاف بينهم في وجوب التنجيز وصحّة التعليق على أنّ الوكالة هل تفتقر إلى القبول؟ إن قلنا : لا تفتقر جاز التعليق ، وإلاّ لم يجز ؛ لأنّ فرض القبول في الحال ، والوكالة لم تثبت بَعْدُ ، وتأخيرها إلى أن يحصل الشرط مع الفصل الطويل خارج عن قاعدة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ١٨٢ ، سنن البيهقي ٨ : ١٥٤ ، مسند أحمد ١ : ٤٢٤ / ٢٣١٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦٥ ، تاريخ الطبري ٣ : ٣٦ ، تاريخ الإسلام - للذهبي - ( المغازي ) : ٤٨٠ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٤ : ١٥ ، السيرة النبويّة - لابن كثير - ٢ : ٤٥٥ ، المغازي - للواقدي - ٢ : ٥٧٦ ، المنتظم ٣ : ٣١٨ ، وفيها بتقديم « زيد ابن حارثة » على « جعفر ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٨ - ١١٩ ، البيان ٦ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٦٤٣ / ٣٦٢٣ ، المغني ٥ : ٢١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣.

١٥

التخاطب (١) .

تذنيب : يصحّ توقيت الوكالة ، فيقول : وكّلتك إلى شهرٍ ، مثلاً ، فليس للوكيل بعد مضيّ الشهر التصرّف.

مسألة ٦٤٩ : قد بيّنّا بطلان الوكالة المعلّقة على الشرط ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة(٢) .

فلو تصرّف الوكيل بعد حصول الشرط ، فالأقرب : صحّة التصرّف ؛ لأنّ الإذن حاصل لم يزل بفساد العقد ، وصار كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً ، فقال : بِعْ كذا على أنّ لك العُشْر من ثمنه ، تفسد الوكالة ، ولكن إن باع يصحّ ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ؛ لفساد العقد ، ولا اعتبار بالإذن الضمني في عقدٍ فاسد ، ألا ترى أنّه لو باع بيعاً فاسداً وسلّم إليه المبيع ، لا يجوز للمشتري التصرّف فيه وإن تضمّن البيعُ والتسليمُ الإذنَ في التصرّف والتسليط عليه(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الإذن في تصرّف المشتري باعتبار انتقال الثمن إليه والملك إلى المشتري ، وشي‌ءٌ منهما ليس بحاصل ، وإنّما أذن له في التصرّف لنفسه ليسلم له الثمن ، وهنا إنّما أذن له في التصرّف عن الآذن لا لنفسه.

قال بعض الشافعيّة : أصل المسألة ما إذا كان عنده رهن بدَيْنٍ مؤجَّل ، فأذن المرتهن في بيعه على أن يعجّل حقّه من الثمن ، وفيه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ١٣.

(٣) البيان ٦ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥.

١٦

اختلاف سبق.

وهذا البناء يقتضي ترجيح الوجه الثاني ؛ لأنّ ظاهر المذهب للشافعيّة هناك فساد الإذن والتصرّف.

فإن قلنا بالصحّة - وهي الذي اخترناه نحن - [ فأثر ](١) بطلان الوكالة أنّه يسقط الجُعْل المسمّى إن كان قد سمّى له جُعْلاً ، ويرجع إلى أُجرة المثل ، وهذا كما أنّ الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق ، ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثّر في النكاح(٢) .

مسألة ٦٥٠ : لو قال : وكّلتك بكذا ومهما عزلتك فأنت وكيلي ، صحّت الوكالة المنجّزة ، وبطل التعليق ، فله عزله ، فإذا عزله لم يصر وكيلاً بذلك العقد ، بل بتجدّد عقدٍ آخَر.

وللشافعيّة في صحّة الوكالة المنجّزة وجهان :

أصحّهما : صحّة الوكالة في الحال.

والثاني : البطلان ؛ لاشتمالها على الشرط الفاسد ، وهو إلزام العقد الجائز(٣) .

فعلى قولنا وعلى الأصحّ من قولَي الشافعيّة أو كان قوله : « مهما عزلتك » مفصولاً عن الوكالة ، فإذا عزله نُظر إن لم يشعر به الوكيل واعتبرنا شعوره في نفوذ العزل ، فهو على وكالته. وإن لم نعتبره أو كان شاعراً به ، لم يَعُدْ وكيلاً بعد العزل عندنا.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة : « تأثير ». وفي الطبعة الحجريّة صُحّح بـ « فتأثير ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥.

١٧

وللشافعيّة وجهان مب نيّان على أنّ الوكالة هل تقبل التعليق ؛ لأنّه علّق التوكيل ثانياً بالعزل؟

أظهرهما : المنع.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة - أنّه يعود وكيلاً.

فعلى هذا يُنظر في اللفظة الموصولة بالعزل ، فإن قال : « إذا عزلتك » أو « مهما » أو « متى » لم يقتض ذلك عود الوكالة إلّا مرّة واحدة.

وإن قال : « كلّما عزلتك » اقتضى التكرار والعود مرّة بعد أُخرى ؛ لأنّ « كلّما » تقتضي التكرار ، دون غيرها.

فلو أراد أن لا يعود وكيلاً ، فسبيله أن يوكّل غيره بعزله ، فينعزل ؛ لأنّ المعلّق عليه عزل نفسه.

فإن كان قد قال : « إن عزلتك » أو : « عزلك أحدٌ من قِبَلي » فالطريق أن يقول : « كلّما عُدْتَ وكيلي فأنت معزول » فإذا عزله ينعزل(١) ؛ لتقاوم التوكيل والعزل ، واعتضاد العزل بالأصل ، وهو الحجر في حقّ الغير ، وعصمة مال المسلم عن تصرّف الغير(٢) .

قال الجويني : وفيه نظر على بُعْدٍ متلقّى من استصحاب الوكالة(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل ؛ لأنّ الوكالة عندنا لا تقبل التعليق.

مسألة ٦٥١ : كما أنّ الوكالة لا تقبل التعليق ، فالعزل هل يقبل التعليق؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّه لا يشترط فيه القبول ، واشتراطه في الوكالة مختلف فيه.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم ينعزل ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣.

١٨

والخلاف للشافعيّة في أنّ الوكالة هل تقبل التعليق أم لا؟ جارٍ في العزل هل يقبل التعليق أم لا؟ ولكن بالترتيب ، والعزل(١) أولى بقبوله ؛ لما تقدّم من عدم اشتراط القبول فيه. وتصحيح إرادة الوكالة والعزل جميعاً مبنيّ على قبولهما التعليق(٢) .

قال الجويني : إذا أنفذنا العزل وقلنا : تعود الوكالة ، فلا شكّ أنّ العزل ينفذ في وقتٍ وإن لطف ، ثمّ تترتّب عليه الوكالة(٣) .

فلو صادف تصرّف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ؟ فيه وجهان للشافعيّة(٤) .

وإنّما كان يتّضح هذا الفرض والتصوير أن لو وقع بينهما ترتّب [ زمانيّ ](٥) حتى يتصوّر(٦) وقوع التصرّف بينهما ، لكنّ الترتّب في مثل هذا لا يكون إلّا عقليّاً.

مسألة ٦٥٢ : تجوز الوكالة بجُعْلٍ وغير جُعْل ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكَّل أُنَيْساً(٧) في إقامة الحدود(٨) ، وعروةَ في شراء شاة(٩) من غير جُعْلٍ ، وكان يبعث عُمّاله ليقبضوا الصدقات ، ويجعل لهم عمالةً ، ولهذا قال له [ ابنا‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجرية : « فالعزل » بدل « والعزل » والظاهر ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٦.

(٥) إضافة يقتضيها السياق.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تصوّر ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنساً ». والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٨) صحيح البخاري ٣ : ١٣٤ و ٢٤١ و ٢٥٠ ، و ٨ : ٢٠٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٤ - ١٣٢٥ / ١٦٩٧ و ١٦٩٨ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٣ و ٢١٩ و ٢٢٢.

(٩) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٥)

١٩

عمّه ] (١) : لو بعث تنا على هذه الصدقات فنؤدّي إليك ما يؤدّي الناس ، ونصيب ما يصيبه الناس(٢) .

البحث الثاني : في الموكّل

مسألة ٦٥٣ : يشترط في الموكّل أن يملك مباشرة ذلك التصرّف ، ويتمكّن من المباشرة لما يُوكّل فيه إمّا بحقّ الملك لنفسه أو بحقّ الولاية عن غيره ، فلا يصحّ للصبي ولا المجنون ولا النائم ولا المغمى عليه ولا الساهي ولا الغافل أن يوكّلوا ، سواء كان الصبي مميّزاً أو لا ، وسواء كانت الوكالة في المعروف أو لا.

وعلى الرواية(٣) المقتضية لجواز تصرّف المميّز أو مَنْ بلغ خمسة أشبار في المعروف ووصيّته بالمعروف ينبغي القول بجواز توكيله.

وكذا لو وكّل مَنْ يعتوره الجنون حالَ جنونه.

ولو وكّل حالَ إفاقته ، صحّت الوكالة ، لكن إذا(٤) طرأ الجنون بطلت الوكالة.

مسألة ٦٥٤ : كلّ مَنْ صحّ تصرّفه في شي‌ء تدخله النيابة صحّ أن يوكّل فيه‌ ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، حُرّاً أو عبداً ، مسلماً أو كافراً ، فإنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أتباعه ». والصحيح ما أثبتناه حسب ما يقتضيه سياق النصوص في المصادر.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ - ٧٥٣ / ١٠٧٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٣١ ، التمهيد - لابن عبد البرّ - ٢٤ : ٣٥٩.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨ ( باب وصيّة الغلام والجارية ) ح ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٨ ، و ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٧ / ١٠٨٥.

(٤) في « ج ، ر » : « لو » بدل « إذا ».

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وأخرج الحفّاظ رواياته، منهم ابن كثير في البداية والنهاية، وأحمد بن حنبل في مسنده والهيثمي في مجمع الزوائد، والسيوطي في جمع الجوامع وتاريخ الخلفاء وابن حجر في تهذيب التهذيب، والطحاوي في مشكل الآثار: ج ٢ ص ٣٠٧، وبإسناده إلى عليّعليه‌السلام : أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر الشجرة بخم فخرج آخذاً بيد عليّ فقال: أيّها الناس ألستم تشهدون أنّ الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال:[ألستم تشهدون أنّ الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ وأنّ الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، إنّي تركت فيكم ما إنْ أخذتم لن تضلّوا بعدي: كتاب الله بايديكم وأهل بيتي].

ومن مشاهير الصحابة عبد الله بن عمر بن الخطّاب الّذي روى حديث الغدير كما أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد: ج ٩ ص ١٠٦ من طريق الطبري وبإسناده، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم:[من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه].

وأورد السيد علي بن شهاب الدين الهمداني في مودّة القربى: ص ٩١ في المودة التاسعة عن ابن عمر قال: كنّا نصلّي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالتفت الينا فقال:[أيّها الناس هذا وليّكم بعدي في الدنيا والآخرة فاحفظوه] يعني عليّاً.

ومن مشاهير الصحابة عبد الله بن عباس، فاخرج الحافظ محمد بن يوسف الكنجي في كتابه كفاية الطالب: ص ٧٥ ط ٣، مطبعة الفارابي، وبإسناده عن عبد الله: قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:[يا عبد الله أتاني ملك، فقال: يامحمّد واسأل من أرسلنا من قبلك على ما بُعثوا، قال: قلت على ما بُعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب].

وأخرج محب الدين الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة: ج ٢ ص ١٦٦، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :[أوصي من آمن بي وصدّقني، بولاية علي بن أبي طالب. فمن تولّاه فقد تولّاني، ومن تولّاني فقد تولّى الله، ومن أحبّه فقد أحبّني ومن أحبني فقد أحبَّ الله ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجل].

٤١

وروى المتّقي الهندي في كتابه كنز العمّال: ج ٦ ص ١٥٣ بروايته عن الحافظ المحاملي في أماليه، وكذلك نقله الوصابي الشافعي في (كتاب الاكتفاء) بالإسناد عن عبد الله بن عباس، قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم بعليّ بن أبي طالب المقام الذي قام به فانطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكّة، فقال:[رأيت الناس حديثي عهد بكفر وجاهليّة، ومتى أفعل هذا به يقولوا صنع هذا بابن عمّه. ثمّ مضى حتّى قضى حجّة الوداع ثمّ رجع حتّى إذا كان بغدير خم، أنزل الله عزّ وجل:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة ثمَّ قام وأخذ بيد عليّرضي‌الله‌عنه فقال:من كنت مولاه فعليٌّ مولاه أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه].

ومن مشاهير الصحابة، عمّار بن ياسر، العنسي، الشهيد بحرب صفّين سنة -٣٧هـ - الّذي روى حديث الغدير، فقد أوردت المصادر الكثيرة، رواية عمّار بن ياسر، منها كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص١٨٦ وروى الحمويني في كتابه فرائد السمطين، في الباب الرابعة، والثامن والخمسين وروى شمس الدين الجزري في أسنى المطالب.

وروى نصر بن مزاحم الكوفي في كتاب صفّين: ص ١٧٦ وفي حديث طويل عن عمّار بن ياسر يخاطب عمرو بن العاص يوم صفين قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله ، أن أقاتل الناكثين وقد فعلت وأمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم، وأمّا المارقين فما أدري أدركهم أم لا، أيّها الأبتر ألست تعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعليّ: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ وأنا مولى الله ورسوله وعليّ بعده، وليس لك مولى.

وأورد الحافظ الكنجي في كتابه كفاية الطالب: ص ٧٤ - ط، مطبعة الفارابي قال بالإسناد إلى عم ّ ار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله :[أوصي من أمن بي وصدقني، بولاية علي بن أبي طالب. فمن تولّاه فقد تولّاني ومن تولّاني فقد تولى الله عزّ وجل] حديث عال حسن مشهور أٌسند عند أهل النقل.

وأورد الكنجي في كفايته أيضا، ص ٧٥ وبإسناده عن عبد الله(بن العباس) قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:[يا عبد الله، أتاني ملك، فقال: يا محمّد واسأل من أرسلنا من قبلك على ما بعثوا؟ قال: قلت على مابعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب].

٤٢

وروى كل من المتّقى الهندي، في كنز العمّال: ج ٦ ص ١٥٤، ومجمع الزوائد لعلي بن أبي بكر الهيثمي: ج ٩ ص ١٠٨، والرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري: ج ٢ ص ١٦٦ الحديث بالنص التالي، عن النبي صلى الله عليه وآله :[أوصي من آمن بي وصدّقني، بولاية عليّ بن أبي طالب. فمن تولّاه فقد تولّاني، ومن تولّاني فقد تولّى الله، ومن أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبَّ الله ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجل].

٢٠- عمر بن الخطاب:

الخليفة الثاني توفّي عام ٢٣ للهجرة مقتولاً،

روى حديث الغدير، وأوردت كثير من المصادر روايته لحديث الغدير، منهم أبو الحسن علي ابن المغازلي في (مناقب عليّ بن أبي طالب)بإسناده عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم:[من كنت مولاه فعليٌّ مولاه].

وروى محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة: ج ٢ ص ١٦١ بنقله عن مناقب أحمد وكذلك محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ص ٦٧، أيضا نقلا عن مناقب أحمد وابن كثير الشامي في البداية والنهاية: ج ٧ ص ٣٤٩، وفي مقتل الحسين للخطيب الخوارزمي، وفي أسنى المطالب لشمس الدين الجزري.

وروى الشيخ سليمان القندورزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة: ج ١ ص ٢٤٩ ط اسطنبول سنة ١٣٠٢هـ، قال: عمر بن الخطّاب، قال: نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً علما فقال:[من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهم وال من والاه وعادي من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره أللّهم أنت شهيدي عليهم] ، وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيّب الريح فقال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله صلى الله عليه وآله عقداً لا يحلّه إلّا منافق، فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي فقال:[يا عمر أنّه ليس من ولد آدم لكنّه جبرئيل أراد أن يؤكِّد عليكم ما قلته في عليّ].

٤٣

وهذا الحديث عن عمر بن الخطّاب، أخذه القندوزي من كتاب مودّة القربى لشهاب الدين الهمداني.

وأورد الحافظ القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة: ج ١ ص ١٣٥ طبعة اسطنبول، قال، بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال لعليّعليه‌السلام :[إتّق الضغائن الّتي هي في صدور من لا يظهرها إلّا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللّاعنون وبكى صلى الله عليه وآله وسلم وقال:أخبرني جبرائيل أنّهم يظلمونه بعدي وأنّ ذلك الظلم يبقى حتّى إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم واجتمعت الأمّة على محبتّهم، وكان الشافي لهم قليلاً، والكاره لهم ذليلاً، وكثر المادح لهم وذلك حين تغيرت البلاد وضعف العباد، واليأس من الفرج فعند ذاك يظهر القائم المهدي من ولدي بقوم يظهر الله الحق بهم، ويخمد الباطل باسيافهم، ويتبعهم الناس راغبا إليه، أو خائفا ثمّ قال: معاشر الناس أبشروا بالفرج فانّ وعد الله حقّ لا يخلف، وقضاؤه لا يرد وهو الحكيم الخبير، وأنّ فتح الله قريب، أللّهم إنّهم أهلي فاذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، أللّهم أكلئهم وأرعهم وكن لهم وانصرهم وأعزّهم ولاتذّلهم واخلفني فيهم إنّك على ما تشاء قدير].

وروى جمال الدين بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي الحنفي في كتابه نظم درر السمطين: ص١١٩ ط النجف الأشرف قال بإسناده: عن عليٍّ قال:[قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سألت[الله] فيك خمسا فمنعني واحدة وأعطاني فيك أربعة، سألته أن تجمع عليك أمّتي فأبى عليَّ وأعطاني: أنا أوّل من تنشّق عنه الأرض وأنت معي لواء الحمد تحمله تسبق الأوّلين والآخرين، وأعطاني بأنّك أخي في الدنيا والآخرة، وأعطاني أن بيتك مقابل بيتي في الجنّة، وأنت ولي المؤمنين بعدي] (١) .

وروى ابن كثير في تاريخه: ج ٥ ص ٢١٣ بروايته عن الجزء الأوّل من كتاب غدير خم لابن جرير: وبالإسناد إلى سالم بن عبد الله بن عمر، قال ابن جرير: أحسبه قال - عن عمر وليس في كتابي -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذُ بيد عليّ يقول:[من كنت مولاه فهذا مولاه، أللّهم وال من والاه وعادِ من عاداه.]

____________________

١- كذلك أ ورده المتّقي الهندي في كنز العمّال: ج ٦- ص ١٥٩

٤٤

وروى الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخه: ج ٨ ص ٢٩ وبإسناد عن أبي هريره، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:[من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً . وهو يوم غدير خمّ لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد عليّ بن أبي طالب فقال:ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.] فقال عمر بن الخطاب: بخٍ بخٍ يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فأنزل الله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . الآية.

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: المجلد الاوّل الجزء الثاني ص ٢٩٧ ط مؤسسة الأعلمي، قال بإسناد عن ابن عباس، قال مرَّ عمر بعليِّ وعنده ابن عباس بفناء داره، فسلم فسألاه: أين تريد؟ فقال: مالي بينبع، قال علي: أفلا نصل جناحك ونقوم معك؟ فقال: بلى، فقال لابن عباس: قم معه، قال: فشبك أصابعه في أصابعي، ومضى حتّى إذا خلّفنا البقيع، قال: يا ابن عباس، أما والله إن صاحبك هذا كان أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله إلّا انّا خفناه على اثنتين. قال ابن عباس: فجاء بمنطق لم أجد بداً معه من مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، وما هما؟ قال: خشيناه على حداثة سنة وحبّه بني عبد المطلب.

وروى ابن أبي الحديد أيضا في ص ٢٩٨ بإسناده إلى ابن عباس رحمه الله تعالى، قال: تفرّق الناس ليلة الجابية(١) عن عمر، فسار كل واحد مع إلفه، ثمّ صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا، فحادثته، فشكا إليَّ تخلّف عليّ عنه. فقلت ألم يعتذر اليك؟ قال: بلى، فقلت: هو ما اعتذر به، قال: يا بن عباس، إنّ أوّل من ريّثكم عن هذا الامر أبو بكر، إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة، قلت: لمَ ذاك يا أمير المؤمنين؟ ألم ننلهم خيراً؟ قال: بلى، ولكنّهم لو فعلوا لكنتم عليهم جَحْفاً جَحْفاً(٢) .

____________________

١- الجابية:اسم قرية من أعمال دمشق

٢- جحفا جحفا: أي شرفا شرفا.

٤٥

وروى بن أبي الحديد في ص ٢٩٨ بإسناده إلى عاصم بن عمرو بن قتادة، قال: لقي عليّعليه‌السلام عمر، فقال له عليعليه‌السلام : [أُنشدك الله، هل استخلفك رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ؟ قال:لا، قال: فكيف تصنع أنت وصاحبك؟ قال: أمّا صاحبي فقد مضى لسبيله، وأمّا أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك، فقال:جدع الله أنف من ينقذك منها. لا، ولكن جعلني الله علماً، فاذا قمتُ فمن خالفني ضَلَّ].

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: المجلد السادس ص ١٩٩ ط مؤسسة الأعلمي، قال: وقال (عمر) لابن عباس: يا عبد الله أنتم أهل رسول الله وآله وبنو عمّه، فما تقول في منع قومكم منكم؟ قال: لا أدري علّتها، والله ما أضمرنا لهم إلّا خيراً. قال (عمر) أللّهم غَفْراً، إنّ قومكم كرهوا أنْ يجتمع لكم النبوّة والخلافة، فتذهبوا في السماء شمخاً وبذخاً ولعلّكم تقولون: إنّ أبا بكر أوّل من أخَّركم، أمّا إنّه لم يقصد ذلك، ولكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل، ولو لا رأي أبي بكر فيَّ لجعل لكم في الامر نصيباً، ولو فعل ما هنأكم مع قومكم.إنهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره.

عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد يكنّى أبا عبد الله ويقال: أبو محمد أبوه العاص بن وائل أحد المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمكاشفين له بالعداوة والأذى، وفيه وفي أصحابه أٌنزل قوله تعالى( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) (١) .

ويُلقّب العاص بن وائل في الاسلام بالأبتر، لانّه قال لقريش: سيموت(محمّد) هذا الابتر غداً فينقطع ذكره، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لانّه لم يكن له صلى الله عليه وآله ولد ذكر يعقب منه، فأنزل الله سبحانه وتعالى:( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ‌ ) (٢) .

وكان عمرو بن العاص يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكّه ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة لانّه كان صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة، وكان عمرو يجعل له الحجارة في طريقه ليعثر بها.

____________________

١- سورة الحجر: الآية ٩٥.

٢- سورة الكوثر: الآية ٣.

٤٦

وروى الواقدي أيضا وغيره من أهل الحديث، أنّ عمرو بن العاص هجا رسول الله صلى الله عليه هجاءاً كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلّي بالحِجْر:[أللّهم إنَّ عمرو بن العاص هجاني ولستُ بشاعر، فالعنه بعدد ما هجاني] ولشدّة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسله المشركون من أهل مكّة إلى النجاشي، ليطرد عن بلاده المهاجرين المسلمين، وليقتل جعفر بن أبي طالب.

وأم عمرو بن العاص، النابغة، وذكر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار قال: كانت النابغة أم عمرو بن العاص، أمَةٌ لرجل من عنزة، فسُبيت فاشتراها عبد الله بن جُدْعان التيمي بمكّة، فكانت بَغّياً.

ورَدّ حسان بن ثابت على عمرو بن العاص، وهجاه فقال لعمرو:

أبوك أبو سفيان لاشك قد بدت

لنا فيك منه بيِّنات الدلائل

ففاخر به إمّا فَخَرتْ ولا تكن

تُفاخر بالعاص الهجين بن وائل(١)

وإنّ الّتي في ذاك يا عمرو حُكّمتْ

فقالت رجاءً عند ذاك لنائل

من العاص عمرو تخبر الناس كلّما

تجمعت الأقوام عند المحافل

ولعمرو بن العاص قصيدة تسمى بالجلجليّة، ردّ بها على معاوية بن أبي سفيان الّذي طالبه بخراج مصر:

معاويةُ الحال لا تجهلِ

وعن سُبل الحقِّ لا تعدلِ

نسيتَ احتيالي في جُلَّق

على أهلها يوم لبس الحلي

وقد أقبلوا زمراً يهرعون

مهاليع كالبقر الجفَّلِ

وقولي لهم: إنَّ فرض الصلاة

بغير وجودك لم تُقبلِ

فولّوا ولم يعبأوا بالصلاة

ورمتَ النفارَ إلى القسطلِ

ولَمّا عصيتُ إمامَ الهُدى

وفي جَيْشه كلُّ مُستفحلِ

أَ بِا الْبَقَرِ البُكْم أهل الشام

لأهلِ التُّقى والحِجَى أُبتلي!

فقلت: نعم، قم فإنّي أرى

قتالَ المفضَّل بالأفضلِ

فَبِي حاربوا سيّدَ الأوصياء

بقَوْلي: دمٌ طُلَّ من نَعْثَلِ!!!

____________________

١- الهجين: الذي أبوه عربي وأمّه أمة غير محصنة.

٤٧

ويقول:

فقام البغاة على حيدرٍ

وكفّوا عن المشعل المصطلي

ومن ثَمّ يقول:

نصرناك من جهلنا يا بن هند

على النبأ الأعظم الأفضلِ

وحيث رفعناك فوق الرؤوس

نزلنا إلى أسفل الأسفلِ

وكم قد سمِعنا من المصطفى

وصايا مخصّصةً في عليّ!

وفي يوم ((خُمٍّ)) رقى منبراً

يُبلِّغ، والركبُ لم يَرحلِ

وفي كفِّهِ كفُّه مُعلناً

يُنادي بأمر العزيز العلي

ألستُ بكُمْ منكمُ في النفوس

بأَولى؟ فقالوا: بلى فافعلِ

فأَنحلَهُ إمرةَ المؤمنين

من الله مُستخلَف المنْحَلِ

وقال: فَمَن كنت مولىً له

فهذا له اليوم نِعْمَ الولي

فوالِ مُواليه ياذا الجلا

لِ وعادِ مُعادي أخِ المرسَلِ

ولا تَنْقُضوا العهدَ من عِترتي

فقاطِعُهم بيَ لم يُوصَلِ

فَبَخْبَخَ شيخُك لماّ رأى

عُرَى عَقدِ حَيْدرٍ لم تُحْلَلِ

فقال: وليُّكُمُ فاحفظوه

فَمَدْخَلُه فيكمُ مَدْخَلي

وإنّا وما كان من فعلنا

لَفي النار في الدَّرك الأسفلِ!

وما دمُ عثمان منجٍ لنا

من الله في الموقف المخْجلِ

وإنَّ عليّاً غداً خصمُنا

ويعتزُّ باللهِ والمرسَلِ

يُحاسبُنا عن أمورٍ جَرَتْ

ونحن عن الحقّ في مَعْزِلِ

فما عُذْرُنا يومَ كَشْفِ الغطا؟

لك الويلُ منه غداً، ثمّ لي

٤٨

وقال عمرو بن العاص مستمرا في قصيدته:

فإنّك من إمرة المؤمنين

ودعوى الخلافة في معزلِ

ومالك فيها ولا ذَرَّة

ولا لجدودِك بالأوّلِ

فإن كان بينكما نسبةٌ

فأين الحسام من المنجل؟

وأين الحصا من نجوم السما

وأين معاوية من علي؟

وأين الثريا وأين الثرى؟

وأين معاوية من علي؟

فإن كنتَ فيها بلغتَ المنى

ففي عنقي عَلَق الجلجل

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: المجلد الثالث ص ٣٦٩ ط مؤسسة الأعلمي، قال:وقال الامام السبط الحسن الزكي سلام الله عليه بمحضر معاوية وآخرين لعمرو بن العاص: أمّا أنت يا بن العاص فانّ أمرك مشترك، وضعتك أمّك مجهولاً من عهر وسفاح، فتحاكم فيك أربعة من قريش فغلب عليك جزّارها، ألأمهم حسبا وأخبثهم منصباً: ثمّ قام أبوك فقال: أنا شانئي محمّد الأبتر فأنزل الله فيه ما أنزل.

روى أبو محمد ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ص ٩٣، قال: وذكروا أنَّ رجلا من همْدان يقال له: بُرد، قدم على معاوية فسمع عمراً يقع في عليّعليه‌السلام فقال له يا عمر إنّ أشياخنا سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:[من كنت مولاه فعليٌّ مولاه]، فحقٌّ ذلك أم باطلٌ؟ فقال عمرو: حقّ وأنا أزيدك... إنّه ليس أحدٌ من صحابة رسول الله له مناقب ٌ مثل مناقبُ عليّ، ففزع الفتي، فقال عمرو: إنَّه أفسدها بأمره في عثمان، فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا ولكنّه آوى ومنع. قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال: نعم. قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: اتِّهامه في عثمان، قال له: وأنت اتُّهِمتَ: قال: صدقت فيها خرجت إلى فلسطين، فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنّا أتينا قوما أخذنا الحجَّة عليهم من أفواههم، عليٌّ على الحقّ فاتَّبعوه.

٤٩

وذكر الخطيب الخوارزمي الحنفي في المناقب: ص ١٢٤ كتابا لمعاوية كتبه إلى عمرو بن العاص، يستهويه لنصرته في حرب صفين ثمّ ذكر كتابا لعمرو مجيباً به معاوية، ومما جاء فيه - في كتاب عمرو بن العاص-: وأمّا ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله ووصيَّه إلى البغي والحسد على عثمان، وسمّيت الصحابة فسقةً وزعمت أنّه أشلاهم على قتله، فهذا كذب وغواية، ويحك يا معاوية أما علمت أنّ أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبات على فراشه؟ وهو صاحب السبق إلى الاسلام والهجرة، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم:[هو منّي وأنا منه، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي . وقال فيه يوم غدير خم:ألا من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهم وال من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله].

احتجاج عبد الله بن جعفر على معاوية بن أبي سفيان

روى سُليم بن قيس الهلالي في كتابه: ص٣٦١ الطبعة الثانية، تحقيق محمد باقر الأنصاري، قال أبان عن سُليم، قال: حدّثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: كنت عند معاوية، ومعنا الحسن والحسين، وعنده عبد الله بن العباس والفضل بن العباس. فالتفت إليَّ معاوية فقال: يا عبد الله بن جعفر، ما أشدّ تعظيمك للحسن والحسين! والله ما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولولا أنّ فاطمة بنت رسول الله أم ّ هما لقلت: ما أمّك أسماء بنت عُميس دونها. فغضبت من مقالته وأخذني مالم أملك معه نفسي، فقلت: والله إنّك لقليل المعرفة بهما وبابيهما وبامّهما، بل والله لهما خير منّي ولأبوهما خيرٌ من أبي ولأمّهما خيرٌ من أمّي. يا معاوية، إنّك لغافل عمّا سمعته أنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهما وفي أبيهما وفي أمّهما، قد حفظته ووعيته ورويته.

قال معاوية: هات ما سمعت - وفي مجلسه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس والفضل بن عباس، وابن أبي لهب - فو الله ما أنت بكذّاب ولا متَّهم فقلت: إنّه أعظم مما في نفسك. قال: وإن كان أعظم من أُحد وحراء جميعاً، فلست أُبالي إذا لم يكن في المجلس أحدٌ من أهل الشام وإذ قتل الله صاحبك وفرَّق جمعكم وصار الامر في أهله ومعدنه فحدِّثنا فإنّا لا نبالي ما قلتم ولا ما ادّعيتم. قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله - وقد سُئِل عن هذه الاية -:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّ‌ؤْيَا الَّتِي أَرَ‌يْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَ‌ةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْ‌آنِ ) (١) فقال:[إنّي رأيت اثني عشر رجلا من أئمّة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمّتي على أدبارهم القهقري.فيهم رجلان من حييّن من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أميّة، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص. وسمعته يقول:

____________________

١- سورة الأسراء: الآية ٦٠.

٥٠

إنّ بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً. يا معاوية، إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول - وهو على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقّاص وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام - وهو يقول: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقلنا: بلى، يارسول الله. قال:أليس أزواجي أمّهاتكم ؟ قلنا: بلى يارسول الله. قال:من كنت مولاه فعليٌّ مولاه - وضرب بيديه على منكب عليّعليه‌السلام -أللّهم وال من والاه وعادي من عاداه، أيها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معي أمر. وعليٌ من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر. ثمّ ابني الحسن من بعد أبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر. ثمّ ابني الحسين من بعد أخيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر، ثمّ عاد صلى الله عليه وآلهفقال: أيها الناس، إذا أنا استشهدت فعليٌّ أولى بكم من أنفسكم، فاذا استشهد عليٌّ فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فاذا استشهد ابني الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فاذا استشهد ابني الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر.

٥١

ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال:يا عليُّ، إنّك ستدركه فاقرأه عنّي السلام. فإذا استشهد فابنه محمّد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، وستدركه أنت يا حسين فاقرأه منّي السلام: ثمّ يكون في عقب محمّد رجال واحد بعد واحد وليس لهم معهم أمر. ثمّ أعادها ثلاثاً ثمّ قال:لا وليس منهم أحد إلّا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر، كلّهم هادون مهتدون تسعة من ولد الحسين،

فقام إليه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يبكي، فقال:بابي أنت وأمّي يانبي الله أتقتل؟ قال: نعم، أهلك شهيدا بالسم، وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك، ويقتل ابني الحسن بالسم، ويقتل ابني الحسين بالسيف، يقتله طاغ بن طاغ، دعي بن دعي، منافق بن منافق].

فقال معاوية: يا بن جعفر، لقد تكلّمت بعظيم ولئن كان ما تقول حقّاً لقد هلكت وهلك الثلاثة قبلي وجميع من تولّاهم من هذه الامّة، ولقد هلكت أمّة محمّد وأصحاب محمّد من المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم.

فقلت: والله إنّ الّذي قلت حقٌّ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال: يا حسن ويا حسين ويا بن عباس، ما يقول ابن جعفر؟ فقال ابن عباس: إنْ لا تؤمن بالّذي قال فأرسل إلى الّذين سمّاهم فاسألهم عن ذلك. فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة، وإلى أُسامة بن زيد فسألهما، فشهدا أنّ الذي قال عبد الله بن جعفر قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله كما سمعه. وكان هذا بالمدينة أوّل سنة جمعت الأمّة على معاوية.

معاوية بن أبي سفيان:

روى ابن أبي الحديد في المجلد الثاني ص ٣١٣ ط الأعلمي، قال: عن الأعمش، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:[سيظهر على الناس رجل من أمّتي، عظيم السرم (١) واسع البلعوم، ياكل ولا يشبع، وزر الثقلين، يطلب الامارة يوما، فاذا أدركتموه فابقروا بطنه] ، قال: وكان في يد رسول الله صلى الله عليه وآله قضيب قد وضع طرفه في بطن معاوية.

____________________

١- السرم: الدبر.

٥٢

قلت هذا الخبر مرفوع مناسب لما قاله عليّعليه‌السلام (في نهج البلاغة) ومؤكداً لاختيارنا أنّ المراد به معاوية.

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج: المجلد الثاني ص ٢٩٤ ط مؤسسة الأعلمي قال: وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم رحمه الله تعالى، عن نصر بن عاصم الليثي، عن أبيه، قال: أتيت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله: فقلت: ما هذا؟ قالوا: معاوية قام الساعة وأخذ بيد أبي سفيان، فخرجا من المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :[لعن الله التابع والمتبوع، رُبَّ يوم لأمّتي من معاوية ذي الاستاه] قالوا: يعني الكبير العجز.

وقال: وروى العلاء بن حريز القشيري أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاوية:[لتتخذن يامعاوية البدعة سنّةً، والقبح حسناً، أكلك كثير، وظلمك عظيم].

ونورد ما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد - المجلد الثاني الجزء الثالث ص ١٣١ ط مؤسسة الأعلمي بيروت- قال: فيما جاء بين محمد بن أبي بكر ومعاوية، قال نصر: وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر، سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله. أمّا بعد فانّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقا بلا عبث منه ولا ضعف في قوته، لا حاجة به إلى خلقهم، ولكنّه خلقهم عبيداً، وجعل منهم شقيّاً وسعيدا، وغويّا ورشيدا، ثمّ اختارهم على علمه، فاصطفى وانتخب منهم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، فاختصّه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولاً مصدّقاً لما بين يديه من الكتب، ودليلاً على الشرائع - فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أوّل من أجاب وأناب، وصدّق وآمن وأسلم وسلم أخوه وابن عمّه - عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - فصدّقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه كل هول، وواساه بنفسه في كل خوف، فحارب حربه، وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل، ومقامات الروع، حتّى برز سابقا لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو السابق المبرر في خير، أوّل الناس إسلاماً، وأصدق الناس نيّة، وأطيب الناس ذريّة، وأفضل النّاس زوجة، وخير الناس ابن عم، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجتهدان على إطفاء نور الله، وتجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان في ذلك القبائل، على هذا مات أبوك، وعلى ذلك خلّفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك، من بقيّة الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والشاهد لعليٍّ مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الّذين ذكرهم الله تعالى في القرآن، ففضّلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب، يجالدون حوله بأسيافهم، ويهريقون دمائهم دونه، يرون الفضل في إتّباعه والشِقاق والعصيان في خلافه،

٥٣

فكيف - يالَك الويل - تعْدل نفسك بعليّ، وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّه وأبو وُلْده، وأوّل الناس له إتّباعاً، وآخرهم به عهداً، يخبره بسرّه، ويشركه في أمره، وأنت عدوّه وابن عدوّه، فتمتّع ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، وسوف تستبين لمن تكون العاقبة العليا، واعلم أنّك إنّما تكايد رَبَّك الذي قد أمِنْتَ كيده، وأيست من روحه، وهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور، وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء. والسلام على من اتبع الهدى.

فكتب إليه معاوية: من معاوية بن أبي سفيان، إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر. سلام على أهل طاعة الله، أمّا بعد، فقد أتاني كتابك فيه ما لله أهله في قدرته وسلطانه، وما أصفى به نَبِيّه، مع كلام ألفته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت حقَّ ابن أبي طالب وقديم سابقته، وقرابته من نبيّ الله ونصرته له، ومواساته إيّاه، في كل خوف وهول، واحتجاجك عليَّ، وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد إلها صرف ذلك الفضل عنك، وجعله لغيرك، فقد كُنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا، نرى حقَّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزا علينا، فلمّا اختار الله لنبيّه ما عنده، وأتمّ له ما وَعَده، وأظهر دعوته، وأفلج حجّته، قبضه الله إليه، فكان أبوك وفاروقه أوّل من إبتزّه وخالفه، على ذلك اتّفقا واتّسقا، ثمّ دعواه إلى أنفسهما فابطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهمّا به الهموم، وأرادا به العظيم، فبايعهما وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرّهما، حتّى قبضا وانقضى أمرهما، ثمّ أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفّان، يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهم، فعبته أنت وصاحبك حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، وبطنتما وظهرتما، وكشفتما له عداوتكما وغلّكما، حتّى بلغتما مُناكما، فخذ حذرك يابن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك، تقصر عن أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه، ولا تلين على قَسْرٍ قناته ولا يدرك ذو مدى اناته، أبوك مهّد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فان يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله، وإنْ يكن جوراً فأبوك أُسّه(١) ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا، وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل مافعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فَعِبْ أباك بما بدا لك، أو دَعْ. والسّلام على من أناب ورجع من غوايته وناب.

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: المجلد الثالث ص ٣٦٩ ط الأعلمي في حديث للإمام الحسنعليه‌السلام بحضور معاوية، و آخرين، منهم عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وغيرهم في كلام لينالوا به من الامام عليّعليه‌السلام . فردّ عليهم واحداً بعد الآخر وابتدأ بالرد على معاوية بن أبي سفيان، قال:

فتكلّم الحسن بن عليٍّعليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ قال:

____________________

١- الأس: الأساس.

٥٤

[أمّا بعد يامعاوية، فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني، فحشاً ألفته، وسوءَ رأي عُرفت به، وخلقاً سيّئاً ثبت عليه، وبغياً علينا، عداوة منك لمحمّد وأهله، ولكن أسمع يا معاوية، وأسمعوا فلأقولنّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم .

أنشدكم الله أيّها الرهط، أتعلمون أنّ الذي شتمتموه منذ اليوم، صلّى القبلتين كلتيهما، وأنت يامعاوية بهما كافر، تراهما ضلالة، وتعبد اللات والعزى غواية .

وأنشدكم الله هل تعلمون أنّه أوّل الناس إيمانا، وأنّك يا معاوية و أباك من المؤلّفة قلوبهم تسرون الكفر، وتظهرون الاسلام، وتُستَمَالون بالاموال .

وأنشدكم الله، ألستم تعلمون انّه (يعني عليّ) كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر، وأنّ راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه. ثمّ لقيكم يوم أحد ويوم الأحزاب، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعك ومع أبيك راية الشرك، وفي كلّ ذلك يفتح الله له ويُفلج حجّته، وينصر دعوته، ويصدّق حديثه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تلك المواطن كلّها عنه راضٍ وعليك وعلى أبيك ساخط ،

٥٥

وأنشدك الله يا معاوية، أتذكر يوما جاء أبوك على جمل أحمر، وأنت تسوقه، وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أللّهم العن الراكب والقائد والسائق، أتنسى يامعاوية الشعر الّذي كتبته إلى أبيك لماّ همّ أن يسلم تنهاه عن ذلك :

يا صَخْرُ لا تُسْلِمَنْ يوماً فَتَفْضَحَنا

بَعْدَ الذين ببدر أصبحوا فرقا

خالي وعمِّي وعمُّ الأمِّ ثالثُهم

وحَنْظَلُ الخيرِ قد أهدى إلينا الأرَقا

لا تَرْكَنَنَّ إلى أمر تكلِّفُنا

والراقصاتِ بهِ في مكّةَ الخُرُقا

فالموتُ أهونُ من قولِ العِداة لقد

حاد ابن حربٍ عن العُزّى إذن فَرِقا

والله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت.

وأنشدكم الله أيّها الرهط، أتعلمون أنّ عليّا حرَّم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأُنزل فيه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّ‌مُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ ) (١) وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أكابر الصحابة إلى بني قُريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا، فبعث عليّاً بالراية، فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، وفعل في خيبر مثلها !.

ثمّ قال: يا معاوية أظنك لا تعلم أنّي أعلم ما دعا به عليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لماّ أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك ابن عباس،فوجدك تأكل، ثمّ بعثه إليك مرّة أخرى فوجدك تأكل،فدعا عليك الرسول بجوعك ونهمك إلى أن تموت .

وأنتم أيّها الرهط: أنشدكم الله، ألا تعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها :

أوّلها: يوم لَقِيَ رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم خارجا من مكّة إلى الطائف، يدعو ثقيفاً إلى الدين، فوقع به وسبّه وسفَّهه وشتمه وكذّبه و توعّده، وهمّ أن يبطش به، فلعنه الله ورسوله وصُرِفَ عنه.

والثانية يوم العير، إذ عرض لها رسول اللهصلى الله عليه وآله وهي جائية من الشام، فطردها أبو سفيان، وساحل بها، فلم يظفر المسلمون بها، ولعنه رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم ودعا عليه، فكانت وقعه بدر لأجلها.

____________________

١- سورة المائدة: الآية ٨٧.

٥٦

والثالثة يوم أُحُدْ، حيث وقف تحت الجبل، ورسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم في أعلاه، وهو ينادي: أُعْلُ هُبَل مرارا، فلعنه رسول الله عشر مرات، ولعنه المسلمون.

والرابعة يوم جاء بالاحزاب وغطفان واليهود، فلعنه رسول الله وابتهل.

والخامسة يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدُّوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المسجد الحرام ( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) (١) ذلك يوم الحديبيّة (٢) فلعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا سفيان، ولعن القادة والأتباع وقال: ملعونون كلّهم، وليس فيهم مؤمن فقيل: يارسول الله أفما يُرجى الاسلام لاحد منهم فكيف باللعنة؟ فقال: لا تصيب اللعنة أحداً من الأتباع، وأمّا القادة فلا يفلح منهم أحد .

والسادسة يوم الجمل الأحمر .

والسابعة يوم وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته، وكانوا إثني عشر رجلاً، منهم أبو سفيان ].

أقول: هذا هو معاوية وهذا أبوه أبو سفيان، فمن كان هكذا؟ أفيكون حاكما للمسلمين؟ فويل للقاسية قلوبهم وويل ثمّ ويل لمن يعتبرونه إمامهم والخليفة عليهم ولزوم طاعته. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : [يُحشر المرءُ مع من يحب ].

فاطمة الزهراء سلام الله عليها:

أورد السيد علي بن شهاب الدين الهمداني في كتابه مودّة القربى: ص ٥٧ ط لاهور،

في المودّة الخامسة، قال: عن فاطمة الزهراء، قالت:[قال رسول الله: من كنت مولاه فعليٌّ وليّه، ومن كنت إمامه فعليّ إمامه].

عدائية قريش:

لعدائيّة قريش أسباب: منها قلّة المتّقين وكثرة المؤذين لرسول الله ولأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وما أعلن النبي صلى الله عليه وآله بولاية عليٍّعليه‌السلام ، حتّى أمره الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ ) .

____________________

١- سورة الفتح: الآية ٢٥.

٢- يوم الحديبيّة أو بيعة الحديبيّة وهي بيعة الرضوان سميّت ببئر هناك عند مسجد الشجرة الّتي بايع رسول اللهصلى الله عليه وآله تحتها، وبين الحديبيّة ومكّة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل.

٥٧

روى الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ المتوفّى ٣١٠ هـ في كتابه (الولاية) بإسناده عن زيد بن أرقم في سبب نزول آية الاكمال والاتمام:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (١) قال: لما نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خمّ في رجوعه من حجّة الوداع، وكان وقت الضحى وحرٌّ شديد، أمر بالدوحات فقمت ونادى: [الصّلاة جامعة، فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة، ثمّ قال: إنّ الله تعالى أنزل إليّ :( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِ‌سَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢) .وقد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد، وأُعلم كل أبيض وأسود: أنَّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيي و خليفتي والامام بعدي، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربّي لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المؤذين لي واللائمين ولكثرة ملازمتي لعليّ وشدّة إقبالي عليه. حتّى سمّوني أُذناً. فقال تعالى :( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ‌ لَّكُمْ ) ولو شئت أنْ أسميهم وأدّل عليهم لفعلت ولكنّي بسترهم قد تكرّمت، فلم يرض الله الّا بتبليغي فيه .

فاعلموا معاشر الناس ذلك: فإنّ الله قد نصبه لكم وليّاً وإماما، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائزٌ قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدّقه، أسمعوا وأطيعوا، فانّ الله مولاكم وعليّ (عليه‌السلام ) إمامكم، ثمَّ الامامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، لا حلال إلّا ما أحلّه الله ورسوله، ولا حرام الّا ما حرّم الله ورسوله وهم. فما من علم إلّا وقد أحصاه الله فيَّ ونقلته إليه، فلا تضلّوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ولن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له، حتما على الله من يفعل ذلك أن يعذّبه عذاباً نكراً أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعون من خالفه، قولي عن جبريل عن الله: فلتنظر نفس ٌ ما قدّمت لغد.

إفهموا محكم القرآن ولا تتّبعوا متشابهه، ولن يفسِّر ذلك إلّا من أنا آخذٌ بيده، وشايل بعضُده، ومُعلِمُكُم :

____________________

١- سورة المائدة: الآية ٣.

٢- سورة المائدة: الآية ٦٧.

٥٨

أنّ من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، وموالاته من الله عزّ وجل أنزلها عليَّ. ألآ وقد أدّيت ألآ وقد بلّغت، ألآ وقد أسمعت، ألآ وقد أوضحت، لاتحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحدٍ غيره .

ثمّ رفعه إلى السماء حتّى صارت رجله مع ركبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال:معاشر الناس، هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربّي] (١) .

روى محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب: ص ٣١٢، ط ٣ مطبعة الفارابي، بإسناده عن سعيد بن زيد قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيت زينب حتّى دخل بيت أمّ سلمة، وكان يومها من رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يلبث أن جاء عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فدقّ الباب دقاً خفيفاً فاستثبت رسول الله الدق، وقال: يا أم سلمة قومي فافتحي، فقلت: يا رسول الله ما الّذي بلغ من خطره ما افتح له الباب وألقاه بمعاصي وقد نزلت فيَّ بالأمس آية من كتاب الله تعالى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله كالمغضب:[إنّ طاعة رسول الله كطاعة الله، وأنّ بالباب رجلا ليس بنزق ولاخرق يحبّ الله ورسوله لم يكن يدخل حتّى ينقطع الوطي ، قالت: فقمت ففتحت له الباب فأخذ بعضادتي الباب حتّى لم أسمع حساً استأذن ودخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:يا أم سلمة أتعرفينه ؟ قلت: نعم هذا عليّ بن أبي طالب، قال:صدقت سجيّته سجيتي ودمه دمي، وهو عيبة علمي فأسمعي واشهدي، لو أنّ عبدا من عباد الله عزّ وجل عبد الله ألف عام وألف عام بعد ألف عام بين الركن والمقام، ثمّ لقى الله عزّ وجل مبغضاً لعليّ بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله تعالى على منخره يوم القيامة في نار جهنّم]

قلت: هذا حديث سنده مشهور عند أهل النقل، وفيه موعظة ووعد شديد لمبغضي عليّعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام والويل لمن يشنأهم ويسبّهم، وطوبى لمن يحبّهم. وقد جعل الله تعالى شكر الرسول صلى الله عليه وآله وأجره على تبليغ رسالاته عن الله عزّ وجل المودّة لأهل بيته، قال الله تعالى:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرً‌ا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْ‌بَىٰ ) .

وروى الحافظ الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل: ج ١ ص ٤٢٣، ط ٣ مجمع إحياء الثقافة الاسلاميّة، في الحديث ٣٧٢ قال:

____________________

١- إحقاق الحق: ج ٢ ص ٤١٩ - ٤٢٠

٥٩

وقرأت في التفسير العتيق الّذي عندي: حدّثنا محمد بن سهل، أبو عبد الله الكوفي، عن عثمان بن يزيد، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر محمد بن علي قال:[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي سألت ربّي مواخاة عليّ ومودّته، فأعطاني ذلك ربّي.] فقال رجل من قريش: والله لصاع من تمر أحبّ إلينا مما سأل محمّد ربّه، أفلا سأل ملكا يعضده، أو ملكاً يستعين به على عدوّه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشقّ عليه ذلك فأنزل الله تعالى عليه:( فَلَعَلَّكَ تَارِ‌كٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُ‌كَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ‌ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) (١)

روى الحافظ الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل: ج ٢ ص ٤٥٥ ط ٣ في الحديث ١٠٥٠ قال: فرات بن إبراهيم الكوفي، حدّثنا جعفر بن محمد بن عتبة الجعفي، حدّثنا العلاء بن الحسن، حدّثنا حفص بن حفص الثغري، حدّثنا عبد الرزاق، عن سورة الأحول، عن عمّار بن ياسر، قال: كنت عند أبي ذرّ (الغفاري) في مجلس لابن عباس وعليه فسطاط وهو يُحدِّث الناس، اذ قام أبو ذر ّ حتّى ضرب بيده إلى عمود الفسطاط، ثمّ قال: أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بإسمي، أنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري، سألتكم بحقّ الله ورسوله أسمعتم رسول الله يقول(٢) :[ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذرّ ؟ قالوا: أللّهم نعم. قال: أتعلمون أيّها الناس أنّ رسول الله جمعنا يوم غدير خمّ ألف وثلاثمئة رجل، وجمعنا يوم سمرات خمسمئة رجل، كل ذلك يقول: أللّهم من كنت مولاه فإنَّ عليّا مولاه، أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه]،

____________________

١- سورة هود: الآية ١٢.

٢- وفي رواية: سألتكم بالله وبحق رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501