تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194053 / تحميل: 6219
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وعند العامّة يبرأ ا لضامن ؛ لأنّه فرع على المضمون عنه(١) .

وهنا للشافعيّة وجهٌ واحد : أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه ، وإنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه(٢) .

تذنيب : لو وكّله في إبراء غرمائه وكان الوكيل منهم ، لم يكن له أن يُبرئ نفسه ، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.

ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو وكّله في تفرقة شي‌ء على الفقراء وهو منهم ، لم يكن له أن يصرف إلى نفسه من ذلك شيئاً عند الشافعيّة ؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره ، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.

فإن صرّح له أن يُبرئ نفسه ، فالوجهان(٣) .

والمعتمد : الجواز في ذلك كلّه.

مسألة ٦٨٦ : إذا وكّله في الخصومة وأطلق بأن قال : وكّلتُك لمخاصمة خصمائي ، فإنّه يصح ، ويصير وكيلاً في جميع الخصومات ؛ عملاً بالعموم ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه ؛ لاختلاف العقوبة.

وهذا الاختلاف قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله وهي غير معلومة(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٥ و ٥١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٣) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠.

٦١

الفصل الثالث : في أ حكام الوكالة‌

وفيه مطالب :

الأوّل : في صحّة ما وافق من التصرّفات ، وبطلان ما خالف.

وتُعرف الموافقة باللفظ تارةً ، وبالقرينة أُخرى.

وفيه مباحث :

الأوّل : المباينة والمخالفة.

مسألة ٦٨٧ : يجب على الوكيل اعتماد ما عيّن الموكّل له وقرّره معه‌ ، ولا يجوز له المخالفة في شي‌ء ممّا رسمه له ، فيصحّ تصرّف الوكيل فيما وافق الموكّل ، ويبطل فيما خالفه مع صحّة الوكالة.

والموافقة والمخالفة قد تُعرفان بالنظر إلى اللفظ تارةً ، وبالقرائن التي تنضمّ إليه أُخرى ، فإنّ القرينة قد تقوى ، فيترك لها إطلاق اللفظ ، فإنّه إذا أمره في الصيف بشراء الجمد ، لا يشتريه في الشتاء.

وقد يتعادل اللفظ والقرينة ، وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة ، وهذا كما لو أطلق البيع وقال : قد وكّلتُك في بيعه ، ولم يعيّن ثمناً ولا نقداً ولا حلولاً ، فباع بغير نقد البلد من العروض والنقود ، أو بغبنٍ فاحش ، أو مؤجَّلاً ، فإذا فَعَل ذلك ، لم يصح ، وكان مخالفاً ؛ لأنّ العرف اقتضى انصراف إطلاق اللفظ إلى المعتاد المتظاهر بين الناس من البيع بالنقد ، ومن نقد البلد الذي يقع فيه البيع ، وبثمن المثل ، والحالّ ، فلا يملك الوكيل غير ذلك ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ومالك ؛ قياساً على الوصي ، فإنّه لا يبيع إلاّ بثمن المثل من نقد البلد حالّاً.

٦٢

ولأنّه وكيل في عقد البيع ، فتصرّفه بالغبن لا يلزم الموكّل ، كالوكيل بالشراء إذا اشترى بغبنٍ فاحش ، ولأنّه إذا باع وأطلق ، كان الثمن حالّاً ، فإذا وكّل بالبيع وأطلق ، حُمل على الثمن الحالّ(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا وكّله في البيع وأطلق ، جاز له أن يبيع بأيّ ثمن كان ، قليلاً كان أو كثيراً ، حالّاً ومؤجَّلاً من أيّ نقدٍ شاء ؛ لأنّ المبيع ملكه ، فإذا أمر ببيعه مطلقاً ، حُمل على العموم في كلّ بيعٍ(٢) .

وهو ينتقض بالشراء ، فإنّه إذا أطلق له الشراء ، انصرف الإطلاق إلى الشراء بثمن المثل عنده(٣) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : إذا أطلق له البيع ، لم يجز إلّا بثمن المثل من نقد البلد ، ويجوز حالًّا ومؤجَّلاً ؛ لأنّ البيع يقع بالحالّ والمؤجَّل في العادة ، فانصرف الأمر إليه(٤) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، التلقين : ٤٤٦ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ - ١٤٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية =

٦٣

وهو ممنوع ؛ فإنّ ال ثمن إنّما يكون حالّاً في غالب العادة ، فانصرف الإطلاق إليه ، كثمن المثل. وأمّا إذا قيّد الموكّل الأمر فأمره بأن يبيعه بنقدٍ بعينه ، فإنّه لا يجوز له مخالفته ، إلّا أن يأذن له في بيعه بنقدٍ فيبيعه بأكثر. وقال أحمد في الرواية الأُخرى : إذا باع بأقلّ من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به ، صحّ ، ولا يصحّ الشراء بأكثر من ثمن المثل ، ويضمن الوكيل في صورة البيع النقصَ ؛ لأنّ مَنْ صحّ بيعه بثمن المثل صحّ بدونه ، كالمريض(١) .

فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحاً ، وعلى الوكيل ضمان النقص.

وفي قدره وجهان :

أحدهما : ما بين ثمن المثل وما باعه به.

والثاني : ما بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به.

والوجه : الأوّل ؛ لأنّه لم يأذن للوكيل في هذا البيع ، فأشبه بيع الأجنبيّ.

وأمّا إذا باع بما يتغابن الناس بمثله ، فإنّه يجوز ويعفى عنه ولا ضمان عليه إذا لم يكن الموكّل قدّر له الثمن ؛ لأنّ ما يتغابن الناس به يُعدّ من ثمن المثل ، ولا يمكن التحرّز عنه.

فروع :

أ - إذا باع على الوجه الممنوع منه بأن يبيع بأقلّ من ثمن المثل أو بالعروض أو نسيئةً ، كان حكمه حكم الفضولي يكون بيعه موقوفاً إن أجازه الموكّل ، صحّ البيع ولزم ، وإلّا بطل ، ولا يقع باطلاً من أصله ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

____________________

= العلماء ٥ : ١٣٤ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦.

(١) المغني ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

٦٤

والمشهور عندهم : الأوّل (١) .

ب - لو كان في البلد نقدان وأحدهما أغلب ، فعليه أن يبيع به‌ ، فإن استويا في المعاملة ، باع بما هو أنفع للموكّل ، فإن استويا تخيّر.

وقال بعض الشافعيّة : إذا استويا في المعاملة ، وجب أن لا يصحّ التوكيل ما لم يبيّن ، كما لو باع بدراهم وفي البلد نقدان متساويان ، لا يصحّ حتى يقيّد بأحدهما(٢) .

والمشهور عندهم(٣) ما اخترناه أوّلاً.

ج - لو باع الوكيل على أحد الوجوه المذكورة ، لم يصر ضامناً للمال ما لم يسلّم إلى المشتري ، فإن سلّم ضمن.

د - بيع ما يساوي عشرةً بتسعةٍ محتملٌ في الغالب ما يتغابن الناس بمثله‌ ، فيصحّ فعله من الوكيل. وبيعه بثمانيةٍ غير محتملٍ ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : يختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها(٥) .

ه- كما لا يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل ، لا يجوز أن يقتصر عليه وهناك طالبٌ بالزيادة ، بل يجب عليه بيعه على باذل الزيادة مع تساوي الغريمين ؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وليس من مصلحته بيعه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، البيان ٦ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

٦٥

بالأقلّ مع وجود الأ كثر.

و - لو باع بثمن المثل ووجد مَنْ يزيد عليه ، فإن كان بعد انقضاء الخيار ، فلا كلام.

وإن كان في زمن الخيار ولو في المجلس ، فالأقرب : إنّ على الوكيل الفسخَ ؛ لاقتضاء مصلحة الموكّل ذلك ، والتزام البيع منافٍ لها ، فلا يملكه الوكيل.

وقال بعض العامّة : إنّه لا يلزمه فسخ العقد ؛ لأنّ الزيادة ممنوع منها منهيّ عنها ، فلا يلزمه الرجوع إليها ، ولأنّ المزايد قد لا يثبت على الزيادة ، ولا يلزم الفسخ بالشكّ(١) .

وهو غلط ؛ لأنّها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها ، فأشبه ما لو جاء به قبل البيع ، والنهي يتوجّه إلى الذي زاد ، لا إلى الوكيل ، فأشبه مَنْ جاءته الزيادة قبل البيع بعد الاتّفاق عليه.

مسألة ٦٨٨ : لو قال الموكّل للوكيل : بِعْه بكَمْ شئت ، جاز البيع بالغبن ، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ؛ لأنّه فوّض إليه تعيين القدر بلفظ « كَمْ » لأنّها كناية عن العدد ، ويبقى في النقد والنسيئة على إطلاق الإذن ، فلا يتناول إلّا الحالّ بنقد البلد ؛ لأنّ تعميمه في أحد الثلاثة لا يقتضي تعميمه في الباقيين.

ولو قال : بِعْه بما شئت ، فله البيع بغير نقد البلد ، ولا يجوز بالغبن ولا النسيئة.

ولو قال : بِعْه كيف شئت ، فله البيع بالنسيئة ، ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٦

وقال بعضهم : يجوز ا لجميع(١) . ولا بأس به عندي.

ولو قال : بِعْه بما عزّ وهان ، فهو كما لو قال : بِعْه بكَمْ شئت ، قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وقال آخَرون : له البيع بالعرض والغبن ، ولا يجوز بيعه بالنسيئة(٣) . وهو المعتمد.

مسألة ٦٨٩ : للحاكم بيع المرهون ومال المفلَّس بنقد البلد‌. ولو لم يكن دَيْن المستحقّين من ذلك الجنس أو على تلك الصفة ، صرفه إلى مثل حقوقهم.

وقد يحتاج الحاكم في ذلك إلى توسيط عقدٍ آخَر ومعاملةٍ أُخرى ، كما لو كان نقد البلد المكسَّرَ وحقُّهم الصحيحَ ، فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسَّر إلّا ببذل زيادةٍ وإنّه ربا ، فيحتاج إلى شراء سلعةٍ بالمكسّرة ثمّ يشتري الصحيحة بتلك السلعة.

ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء ، جاز ، وقد سبق(٤) .

والمرتهن عند امتناع الراهن عن أداء الحقّ يرفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذّر عليه وافتقر إلى بيّنةٍ ولم تكن له ، قام مقام الحاكم في توسيط المعاملة بالأُخرى وفي بيعه بجنس الدَّيْن وعلى صفته ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) في ج ١٤ ، ص ٥٠ ، ضمن المسألة ٢٩٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

٦٧

ومَنَع بعضُهم من تسلّط المرتهن على بيع المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه(١) .

وإذا أُلحق المرتهن بالحاكم فيما ذكرنا ، أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الدَّيْن منه بالمرتهن ، بل أولى ؛ لأنّ نيابة المرتهن حينئذٍ قهريّة ، و [ الموكّل ](٢) قد رضي بتصرّفه ، ونصبه لهذا الغرض.

مسألة ٦٩٠ : الوكيل بالبيع المطلق يبيع من ابنه الكبير وأبيه وسائر أُصوله وفروعه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّه باع بثمن المثل الذي لو باع به من أجنبيّ لصحّ ، فأشبه ما لو باع من صديقه ، ولأنّه يجوز للعمّ أن يزوِّج موليتَه من ابنه إذا أطلقت الإذن ، ولم يُجعل تعيين الزوج شرطاً ، فكذا هنا ، ولأنّ القابل غير العاقد ، فصحّ البيع ، كالأجنبيّ.

والثاني للشافعيّة : أنّه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة ، ويعتبر أبو حنيفة قبولَ الشهادة له(٤) - لأنّ التهمة تلحقه في حقّ أبيه وابنه الكبير بالميل إليهما ، كما تلحقه في حقّ نفسه ، ولهذا لا تُقبل شهادته لهما ، كما لا تُقبل شهادته لنفسه ، ومن الجائز أن يكون هناك راغب بأكثر من الثمن(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ٢٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٢ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ - ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : =

٦٨

وأُجري الوجهان للشا فعيّة في البيع من الزوج والزوجة ، فإذا قلنا : لا تُقبل شهادة أحدهما للآخَر ، فكالأب والابن ، وإلاّ فلا(١) .

وهذا عندنا باطل ؛ لأنّا نجوّز الشهادةَ لهم والبيعَ أيضاً ؛ إذ الضابط ثمن المثل ، فإذا بذله [ أيّ ](٢) مَنْ كان ، جاز البيع.

ولو باع من مكاتَبه ، صحّ أيضاً.

وللشافعيّة وجهان : الجواز ؛ لأنّ المكاتَب يملك دونه. والمنع ؛ للتهمة ، لأنّه يتعلّق حقّه بكسبه(٣) .

وكذا يصحّ البيع من جميع أقاربه ، كأخيه وعمّه وغيرهما.

والوجهان للشافعيّة في الفروع والأُصول المستقلّين(٤) .

أمّا لو باع من ابنه الصغير ، فإنّه جائز عندنا أيضاً.

ومَنَع منه الشافعيّة ؛ لأنّه يستقصي لطفله(٥) في الاسترخاص ، وغرض الموكّل الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما(٦) .

____________________

= ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « لابنه » بدل « لطفله ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٩

وعن أحمد روايتان. و للشافعيّة وجهان(١) .

مسألة ٦٩١ : إذا وكّله في بيع شي‌ء ، فإن جوّز له أن يشتريه هو ، جاز أن يبيعه على نفسه ، ويقبل عن نفسه.

وإن مَنَعه من ذلك ، لم يجز له أن يشتريه لنفسه إجماعاً.

وإن أطلق ، مَنَع الشيخ من ذلك ؛ لأنّه قال : جميع مَنْ يبيع مال غيره - وهُمْ ستّة أنفس : الأب والجدّ ووصيّهما والحاكم وأمين الحاكم والوكيل - لا يصحّ لأحدٍ منهم أن يبيع المال الذي في يده من نفسه إلّا لاثنين : الأب والجدّ ، ولا يصحّ لغيرهما ، وبه قال مالك والشافعي(٢) .

وقال الأوزاعي : يجوز ذلك للجميع. وهو منقول عن مالك(٣) أيضاً.

وقال زفر : لا يجوز لأحدٍ منهم أن يبيع من نفسه شيئاً(٤) .

وقال أبو حنيفة : يجوز للأب والجدّ والوصي ذلك ، إلّا أنّه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة ، مثل أن يشتري ما يساوي عشرةً بخمسة عشر ، فإن اشتراه بزيادة درهمٍ ، لم يمض البيع استحساناً(٥) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٦ - ٤٥٧ / ١٨٤٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

٧٠

ثمّ استدلّ رحمه‌الله على مذهبه : بإجماع الفرقة وأخبارهم أنّه يجوز للأب أن يقوّم جارية ابنه الصغير على نفسه ، ثمّ يستبيح وطأها بعد ذلك.

وأيضاً روي أنّ رجلاً وصّى إلى رجلٍ في بيع فرس ، فاشتراه الوصي لنفسه ، فاستفتى عبد الله بن مسعود ، فقال : ليس له(١) ، ولم يُعرف له مخالف(٢) .

إذا عرفت هذا ، فقد اختلفت الشافعيّة في صحّة بيع الوكيل من نفسه ، والوصي يبيع مال الطفل من نفسه.

فالمشهور عندهم : المنع - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّه يستقصي لنفسه في الاسترخاص ، وغرض البائع الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما.

وأيضاً فإنّ التوكيل بالبيع مطلقاً يشعر بالبيع من الغير ، والألفاظ المطلقة تُحمل على [ المفهوم ](٣) منها في العرف الغالب.

ولأنّه تلحقه التهمة ، بخلاف الأب والجدّ ، فإنّ شفقتهما الطبيعيّة على الولد تمنعهما من التسامح معه ، فانتفت التهمة عنهما ؛ لشفقتهما عليه(٤) .

ونقل عن الاصطخري من الشافعيّة أنّ للوكيل أن يبيع من نفسه ؛ لحصول الثمن الذي لو باع من غيره لحصل(٥) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٧ / ١٨٤٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، المسألة ٩ من كتاب الوكالة.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العموم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧١

واحتجّ أبو حنيفة عل ى جوازه للأب والجدّ والوصي إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل [ بأنّه ](١) إذا اشترى الوصي بأكثر من ثمن المثل ، فقد قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن(٢) ، فوجب أن يجوز(٣) .

واحتجّ مَنْ جوّز مطلقاً : بأنّ الوصي والوكيل نائب عن الأب ، فإذا جاز ذلك للأب ، جاز للنائب عنه(٤) .

وينتقض قول أبي حنيفة : بأنّ الوصي يلي بتوليته ، فأشبه الوكيل.

واحتجّ زفر : بأنّ حقوق العقد تتعلّق بالعاقد ، فلا يصحّ أن يتعلّق به حكمان متضادّان ، ويشبه في ذلك الوصي والوكيل(٥) .

واعلم أنّ المشهور أنّ للأب والجدّ أن يتولّيا طرفي العقد ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يلي بنفسه ، فجاز أن يتولّى طرفي العقد ، كالجدّ يزوّج ابن ابنه ببنت ابنه الآخَر.

ولا نسلّم ما ذكره من تعلّق حقوق العقد بالعاقد لغيره.

وأمّا غيرهما فالمشهور : المنع.

وعندي في ذلك تردّد.

فروع :

أ - إذا منعنا من شراء الوكيل لنفسه ، لم يجز أيضاً أن يشتري لولده‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين فيما عدا « ر » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ». وكلاهما ساقط في « ر ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) إشارة إلى الآية ٣٤ من سورة الإسراء.

(٣) المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٤) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ - ٥٣٧.

(٥) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧.

٧٢

الصغير ولا لمن يلي عليه بوصيّةٍ ؛ لأنّه يكون بيعاً من نفسه ، وبه قال الشافعي(١) .

وعندي فيه نظر أقربه : الجواز في ذلك كلّه.

وأمّا عبده المأذون له في التجارة فحكمه حكم بيعه من نفسه.

ب - إذا أذن لوكيله أن يبيع من نفسه ، جاز عندنا على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

قال ابن سريج : يجوز ، كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه ، وكما لو قال لزوجته : طلّقي نفسكِ على ألف ، ففَعَلت ، يصحّ ، وتكون نائبةً من جهته ، قابلةً من جهة نفسها.

ولأنّ التهمة قد انتفت عنه بذلك ، فجاز(٣) .

وهذا على قول مَن اعتبر التهمة.

وحكى أبو حامد من الشافعيّة في نكاح بنت العمّ من نفسه وجهين أيضاً(٤) .

وقال الأكثرون : لا يجوز ؛ لما تقدّم من تضادّ الغرضين ، وأيضاً فإنّ وقوع الإيجاب والقبول من شخصٍ واحد بعيد عن التخاطب ووَضْع الكلام ، وتجويزه في حقّ الأب والجدّ خلاف القياس ، ولأنّه لا يكون موجباً قابلاً فيما يتولّاه بالإذن ، كما لا يجوز أن يزوّج بنت عمّه من نفسه بإذنها(٥) .

ونحن نمنع الحكم في الأصل.

ج - لو وكّل أباه بالبيع ، فهو كالأجنبي إن جوّزنا في حقّ الأجنبيّ أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨.

٧٣

يشتري لنفسه جاز هنا ، وإن منعناه ثَمَّ منعناه هنا.

وقال بعض الشافعيّة المانعين في حقّ الأجنبيّ : يجوز هنا ؛ لأنّ الأب يبيع مال ولده من نفسه بالولاية ، فكذلك بالوكالة(١) .

وفيه بُعْدٌ.

د - لو صرّح له بالإذن في بيعه من ابنه الصغير ، قطع بعض الشافعيّة بالجواز - كما اخترناه نحن - لأنّه رضي بالنظر إلى الطفل وبترك الاستقصاء ، وتولّي الطرفين في حقّ الولد معهود على الجملة ، بخلاف ما لو باع من نفسه. ولأنّ التهمة قد انتفت ، والقابل غير الموجب(٢) .

وقال بعضهم : لا يجوز ، كما لو أذن في بيعه من نفسه(٣) .

ويجري الوجهان للشافعيّة فيما لو وكّله بالهبة وأذن له أن يهب من نفسه ، أو بتزويج ابنته وأذن له في تزويجها من نفسه.

والنكاح أولى بالمنع عندهم(٤) ؛ لأنّهم رووا أنّه « لا نكاح إلّا بأربعة : خاطبٍ ووليٍّ وشاهدَيْن »(٥) .

ه- لو وكّل مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه من نفسه‌ ، أو وكّل مستحقّ القصاص الجانيَ باستيفائه من نفسه إمّا في النفس أو الطرف ، أو وكّل الإمام السارقَ ليقطع يده ، جاز.

وللشافعيّة الوجهان(٦) .

أمّا لو وكّله الإمام في جلد نفسه ، فالأقرب : المنع ؛ لأنّه متّهم بترك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، وانظر : المصنّف - لعبد الرزّاق - ٦ : ١٩٧ / ١٠٤٨١ ، وسنن الدارقطني ٣ : ٢٢٤ - ٢٢٥ / ١٩.

٧٤

الإيلام ، بخلاف القطع ؛ إذ لا مدخل للتهمة فيه.

وظاهر مذهب الشافعيّة : المنع في الجميع(١) .

مسألة ٦٩٢ : لو وكّله المتداعيان أن يخاصم من الجانبين ، فيدّعي عن أحدهما ويُنكر عن الآخَر ، الأقرب : الجواز ؛ لأنّه يتمكّن من إقامة البيّنة للمدّعي ثمّ من إقامة البيّنة الدافعة للمدّعى عليه ، وعدالته وأمانته تمنعه(٢) من الميل عن أحد الجانبين ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لما فيه من اختلال غرض كلّ واحدٍ منهما ، فإنّه يحتاج إلى التعديل من جانبٍ وإلى الجرح من جانبٍ ، وعلى هذا [ فإليه ](٣) الخيرة يخاصم لأيّهما شاء(٤) .

ولا منافاة لما بيّنّاه من اقتضاء عدالته وأمانته عدمَ الميل بغير الحقّ ، وهو مكلّف باعتماد الصحيح ، حتى لو طلب الموكّل منه الخروجَ عنه ، لم يجز له موافقته عليه.

ولو توكّل رجل في طرفَي النكاح أو البيع ، جاز عندنا.

وعند الشافعيّة وجهان(٥) .

ومنهم : مَنْ قطع بالمنع(٦) .

ولو وكّل مَنْ عليه الدَّيْن بإبراء نفسه ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) الظاهر : « تمنعانه ».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ما إليه ». والمثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤.

(٥ و ٦) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧٥

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : التخريج على الوجهين.

والثاني : القطع بالجواز.

وهُما مبنيّان على أنّه(١) هل يحتاج إلى القبول؟ إن قلنا : نعم ، جرى الوجهان. وإن قلنا : لا ، قطعنا بالجواز ، كما لو وكّل مَنْ عليه القصاص بالعفو ، والعبد بإعتاق نفسه(٢) .

والوكيل بالشراء بمنزلة الوكيل بالبيع في أنّه لا يشتري من نفسه ولا مال(٣) ابنه الصغير على الخلاف السابق(٤) ، وفي تخريج شرائه من ابنه البالغ على الوجهين في سائر الصور.

مسألة ٦٩٣ : كلّ ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل وغيبته‌ ، عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل جاز في غيبته ، كالحدود وسائر الحقوق.

وقال أبو حنيفة وبعض الشافعيّة : لا يجوز استيفاء القصاص وحدّ القذف في غيبة الموكّل - وهو الرواية الأُخرى عن أحمد - لاحتمال أن يعفو(٦) .

____________________

(١) أي : الإبراء.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٣) أي : « من مال ».

(٤) في ص ٦٨.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، المغني ٥ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨.

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : =

٧٦

وهو بعيد ، والظاهر أنّه لو عفا ، لأعلم الوكيل ، والأصل عدمه ، وقد كان قُضاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تُدرأ بالشبهات ، مع احتمال النسخ.

وكذا لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغيّر اجتهاد الحاكم.

مسألة ٦٩٤ : إذا وكّل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها ، صحّ.

ولو وكّل العبد في إعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه ، لم يدخل العبد ولا المرأة في ذلك - على إشكالٍ - لأنّ ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرّف في غيره.

ويحتمل أن يملكا ذلك ؛ عملاً بعموم اللفظ ، كما يجوز للوكيل في البيع البيعُ من نفسه على ما اخترناه.

وكذا لو وكّل غريمه في إبراء غرمائه ، بخلاف ما إذا وكّله في حبسهم أو في خصومتهم ، لم يملك حبس نفسه ولا خصومتها ؛ عملاً بالظاهر.

ولو وكّل رجلاً في تزويج امرأة ولم يعيّن ، فالأقرب : أنّ له أن يزوّجه ابنته ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(١) .

ولو أذنت له في تزويجها ، فالأقرب : أنّه ليس له أن يزوّجها من نفسه ، بل لولده ووالده.

____________________

= ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٧٧

وفيه لبعض العامّة و جهان(١) .

ولو وكّله في شراء عبدٍ ، جاز أن يشتري نفسه له من مولاه.

والحكم في الحاكم وأمينه والوصي كالحكم في الوكيل في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو لعبده المأذون.

وقد سبق(٢) الخلاف في ذلك كلّه.

مسألة ٦٩٥ : لو وكّل عبداً بشراء نفسه من سيّده ، أو يشتري منه عبداً آخَر ، ففَعَل ، صحّ عندنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة(٣) - لأنّه يجوز أن يشتري عبداً من غير مولاه ، فجاز أن يشتريه من مولاه ، كالأجنبيّ ، وإذا جاز أن يشتري غيره من مولاه ، جاز أن يشتري نفسه ، كالمرأة لـمّا جاز توكيلها في طلاق غيرها ، جاز توكيلها في طلاق نفسها. ولأنّه قابل للنقل وقابل للاستنابة فيه ، فلا مانع مع وجود المقتضي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده ، فأشبه ما لو وكّله في الشراء من نفسه ، ولهذا يُحكم للإنسان بما في يد عبده(٤) .

وهو باطل ؛ لأنّ أكثر ما يقدّر فيه جَعْل توكيل العبد كتوكيل سيّده ، وقد ذكرنا صحّة ذلك ، فإنّ السيّد يصحّ توكيله في الشراء والبيع من نفسه ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) في ص ٦٩ وما بعدها ، المسألة ٦٩١.

(٣) بدائع الصنائع ٤ : ٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٨ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ - ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٧٨

فهنا أولى.

فعلى هذا لو قال العبد : اشتريت نفسي لزيدٍ ، وصدّقه سيّده وزيدٌ ، صحّ ، ولزم الثمن.

ولو قال السيّد : ما اشتريت نفسك إلّا لنفسك ، فإن جوّزناه ، عُتق العبد بقوله وإقراره على نفسه ، ويلزم العبد الثمن لسيّده ؛ لأنّ زيداً لا يلزمه الثمن ؛ لعدم حصول العبد له ، وكون سيّده لا يدّعيه عليه ، فلزم العبد ؛ لأنّ الظاهر ممّن يباشر العقد أنّه له.

وإن صدّقه السيّد وكذّبه زيدٌ ، نُظر في تكذيبه ، فإن كذّبه في الوكالة ، حلف وبرئ ، وللسيّد فسخ البيع واسترجاع عبده ؛ لتعذّر ثمنه. وإن صدّقه في الوكالة وكذّبه في أنّك ما اشتريت نفسك لي ، فالقول قول العبد ؛ لأنّ الوكيل يُقبل قوله في التصرّف المأذون فيه.

مسألة ٦٩٦ : لو وكّله في إخراج صدقته على المساكين وهو منهم ، أو أوصى إليه بتفريق ثلثه عليهم ، أو دفع إليه مالاً وأمره بتفريقه على مَنْ يريد أو يدفعه إلى مَنْ شاء ، ففي جواز الأخذ منه روايتان تقدّمتا(١) .

وقال أحمد : لا يجوز ؛ لأنّه أمره بتنفيذه(٢) .

وأصحابنا قالوا : إذا أخذ شيئاً ، فلا يفضّل نفسه ، بل يأخذ مثل ما يعطي غيره.

وهل هذا على سبيل(٣) الوجوب ، أو الاستحباب؟ نظر.

وهل له الاختصاص إذا سوّغ له تخصيص واحدٍ به؟ إشكال.

____________________

(١) في ج ٥ ، ص ٣٦٠ ، المسألة ٢٧٢.

(٢) المغني ٥ : ٢٤١.

(٣) في « ج ، ر » : « وجه » بدل « سبيل ».

٧٩

وله أن يعطي ولده وأ باه وامرأته ومَنْ تلزمه نفقته مع الاستحقاق.

وعن أحمد روايتان(١) .

مسألة ٦٩٧ : إذا وكّله في البيع مؤجَّلاً ، فإن قدّر الأجل صحّ التوكيل ، وإن أطلق فالأقرب : الجواز ، ويرجع في ذلك إلى مصلحة الموكّل ، والمتعارف إن كان فيه عرف.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه لا يصحّ التوكيل مع الإطلاق ؛ لاختلاف الأغراض بتفاوت الآجال طولاً وقصراً.

وأصحّهما عندهم : الصحّة.

وعلى ما ذا يُحمل؟ فيه ثلاث أوجُه :

أحدها : أنّه ينظر إلى المتعارف في مثله ، فإن لم يكن فيه عرفٌ راعى الوكيلُ الأنفعَ للموكّل.

والثاني : له التأجيل إلى أيّة مدّة شاء ؛ عملاً بإطلاق اللفظ.

والثالث : يؤجّل إلى سنة ولا يزيد عليها ؛ لأنّ الديون المؤجَّلة تتقدّر بها ، كالجزية والدية(٢) .

البحث الثاني : فيما يملك الوكيل بالبيع

مسألة ٦٩٨ : إذا وكّله في البيع مطلقاً ، لم يملك الوكيل قبض الثمن ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦١ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٦ ، البيان ٦ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ولو أقرّ المولى عليه ولم يُقر هو ، لم يُسمع ؛ لأنّه غيره وإقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ. ولأنّ المولى لا يملك من العبد إلّا المال.

وقال بعض العامّة : يصحّ إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ، ويجب المال دون القصاص ؛ لأنّ المال تعلّق برقبته ، وهي مال السيّد ، فصحّ إقراره به كجناية الخطأ(١) .

ولو أقرّ بما يوجب القتل ، لم يُقبل عندنا.

وقال أحمد : لا يُقبل أيضاً ، ويُتبع به بعد العتق - وبه قال زفر والمزني وداوُد [ و ] ابن جرير الطبري - لأنّه يسقط حقّ سيّده بإقراره. ولأنّه متّهم في أن يُقرّ لرجلٍ ليعفو عنه ويستحقّ أخذه فيتخلّص بذلك من سيّده(٢) .

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : يصحّ إقراره بما يوجب القتل أيضاً ؛ لأنّه أحد نوعي القصاص ، فصحّ إقراره به ، كما دون النفس(٣) .

وينبغي على هذا القول أن لا يصحّ عفو وليّ الجناية على مالٍ إلّا باختيار سيّده ؛ لئلّا يلزم إيجاب المال على سيّده بإقرار غيره.

وهذا كلّه عندنا باطل ، ولا شي‌ء ممّا يوجب القصاص في النفس أو‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٩ - ٢٨٠.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٤٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٤٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦ ، المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠.

٢٦١

الطرف أو الحدّ أو ا لمال بثابتٍ على العبد بإقراره على نفسه ولا بإقرار مولاه عليه.

ولا يُقبل إقرار العبد بجناية الخطأ ولا شبيه العمد ولا بجناية عمدٍ موجَبها المال ، كالجائفة والهاشمة والمأمومة ؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في رقبته ، وذلك يتعلّق بالمولى ، ويُقبل إقرار المولى عليه ؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في ماله.

ولو أقرّ بسرقةٍ توجب المال ، لم يُقبل إقراره ، ويُقبل إقرار المولى عليه.

وإن أوجبت القطع في المال فأقرّ بها العبد ، لم يُقبل منه.

وعند العامّة يُقبل في القطع ، ولم يجب المال ، سواء كان ما أقرّ بسرقته باقياً أو تالفاً ، في يد العبد أو في يد السيّد ، ويُتبع بذلك بعد العتق(١) .

وللشافعي في وجوب المال في هذه الصورة وجهان(٢) .

ويحتمل أن لا يجب القطع عند العامّة ؛ لأنّه شبهة ، فيُدرأ بها القطع ، لكونه حدّاً يدرأ بالشبهات - وبه قال أبو حنيفة - وذلك لأنّ العين التي يُقرّ بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها ، فلا يثبت حكم القطع بها(٣) .

مسألة ٨٥١ : لو أقرّ العبد برقّيّته لغير مَنْ هو في يده ، لم يُقبل إقراره بالرق ؛ لأنّ إقراره بالرقّ إقرار بالملك ، والعبد لا يُقبل إقراره في المال بحال. ولأنّا لو قَبِلنا إقراره لضرّرنا بسيّده ؛ لأنّه إذا شاء أقرّ بنفسه لغير سيّده‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٤٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢١٩ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦ ، المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٣) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

٢٦٢

فأبطل ملك سيّده.

ولو أقرّ به السيّد لرجلٍ وأقرّ هو بنفسه لآخَر ، فهو للّذي أقرّ له السيّد ؛ لأنّه في يد السيّد ، لا في يد نفسه. ولأنّ السيّد لو أقرّ به منفرداً قُبِل ، ولو أقرّ العبد منفرداً لم يُقبل ، فإذا لم يُقبل إقرار العبد منفرداً فكيف يُقبل في معارضة السيّد!؟ ولو قُبِل إقرار العبد لما قُبِل إقرار السيّد ، كالحدّ وجناية العمد عندهم(١) .

مسألة ٨٥٢ : المكاتَب المشروط كالقِنّ عندنا لا يُقبل إقراره‌ ؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير.

وعند العامّة إنّ حكمه حكم الحُرّ في صحّة إقراره(٢) . ولا بأس به.

ولو أقرّ بجناية خطأ أو عمد توجب المال ، فكالإقرار بالمال يُتبع به بعد العتق.

وعند العامّة يُقبل إقراره(٣) .

فإن عجز عن الكتابة ، بِيع في الجناية إن لم يفده سيّده.

وقال أبو حنيفة : يستسعى في الكتابة ، فإن عجز بطل إقراره بها ، سواء قضي بها أو لم يقض(٤) .

وعن الشافعي(٥) كقولنا.

وعنه قولٌ آخَر : إنّه مراعى إن أدّى لزمه ، وإن عجز بطل(٦) .

وأمّا المطلق : فإذا تحرّر بعضه ، كان حكمُ نصيب الحُرّيّة حكمَ الأحرار ، وحكمُ نصيب الرقّيّة حكمَ العبيد.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٧٥.

(٤ - ٦) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٦ / ١٩١٦ ، المغني ٥ : ٢٧٥.

٢٦٣

مسألة ٨٥٣ : قد بيّنّا أنّ العبد إذا أقرّ بالسرقة أو غيرها ، لم يلتفت إليه‌ ، خلافاً للعامّة(١) .

فإن صدّقه المولى ، نفذ إقراره.

ثمّ المال إن كان باقياً ، يُسلَّم إلى المالك ، سواء كان في يد العبد أو في يد المولى. ولو كان تالفاً ، تُبع به بعد العتق.

ولو لم يصدّقه المولى ، فللشافعيّة قولان :

أحدهما : إنّه يُقبل إقراره ، ويتعلّق الضمان برقبته مع تلف العين ؛ لأنّ إقراره لـمّا تضمّن عقوبةً ، انقطعت التهمة عنه.

وأصحّهما عندهم : إنّه لا يُقبل ، كما لو أقرّ بمال ، ويتعلّق الضمان بذمّته ، إلّا أن يصدّقه السيّد(٢) .

وإن كان الـمُقرّ به باقياً ، فإن كان في يد السيّد ، لم ينتزع من يده إلّا بتصديقه ، كما لو قال حُرٌّ : سرقتُه ودفعتُه إليه. وإن كان في يد العبد ، لم ينتزع منه ، ولم يُقبل قوله بسرقته.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما عن ابن سريج : إنّ في انتزاعه قولين ، إن قلنا : لا ينتزع ، ثبت بدله في ذمّته ، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وأبو حنيفة لا يوجب القطع أيضاً والحال هذه.

ومن الشافعيّة مَنْ قَطَع بنفي القبول في المال ، كما لو كان في يد السيّد ؛ لأنّ يده يد السيّد ، بخلاف ما لو كان تالفاً ؛ لأنّ غاية ما في الباب فوات رقبته على السيّد ؛ إذ يتبع في الضمان ، والأعيان التي تفوت عليه لو‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ - ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٢٦٤

قَبِلنا إقراره فيها لا تنضبط ، فيعظم ضرر السيّد.

ومنهم مَنْ عَكَس وقال : إن كان المال باقياً في يد العبد ، قُبِل إقراره ؛ بناءً على ظاهر اليد. وإن كان تالفاً ، لم يُقبل ؛ لأنّ الضمان حينئذٍ يتعلّق بالرقبة ، وهي محكوم بها للسيّد(١) .

فتلخّص من أقوال الشافعيّة أربعة أقوال :

أ : يُقبل مطلقاً.

ب : لا يُقبل مطلقاً.

ج : يُقبل إذا كان المال باقياً.

د : يُقبل إذا كان المال تالفاً.

ولو أقرّ ثمّ رجع عن الإقرار بسرقةٍ ، لم يجب القطع.

مسألة ٨٥٤ : لو أقرّ العبد بما يوجب القصاص على نفسه ، لم يُقبل.

وعند العامّة يُقبل(٢) .

فلو أقرّ فعفا المستحقّ على مالٍ أو عفا مطلقاً وقلنا : إنّه يوجب المال ، فوجهان :

أصحّهما عند الشافعيّة : إنّه يتعلّق برقبته وإن كذّبه السيّد ؛ لأنّه إنّما أقرّ بالعقوبة ، والمال توجّه بالعفو ، ولا يُنظر إلى احتمال أنّه واطأ المستحقّ على أن يقرّ ويعفو المستحقّ لتفوت الرقبة على السيّد ؛ لضعف هذه التهمة ، إذ المستحقّ ربما يموت أو لا يفي ، فيكون الـمُقرّ مخاطراً بنفسه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٢٦٥

والثاني : إنّه كذلك إن قلنا : إنّ موجَب العمد القصاصُ ، أمّا إذا قلنا : موجَبه أحدُ الأمرين ، ففي ثبوت المال عندهم قولان ؛ بناءً على الخلاف في ثبوت المال إذا أقرّ بالسرقة الموجبة للقطع(١) .

مسألة ٨٥٥ : إذا أقرّ العبد بدَيْن خيانةٍ من جهة غصبٍ أو سرقةٍ لا توجب القطع أو إتلافٍ وصدّقه السيّد ، تعلّق بذمّته يُتبع به بعد العتق ؛ لأنّ ما يفعله العبد لا يلزم السيّد منه شي‌ء.

وقال الشافعي : يتعلّق برقبته ، كما لو قامت عليه بيّنة ، فيباع فيه ، إلّا أن يختار السيّد الفداء(٢) .

وإذا بِيع فيه وبقي شي‌ء من الدَّيْن ، فهل يُتبع به بعد العتق؟ قولان للشافعيّة(٣) .

وإن كذّبه السيّد ، لم يتعلّق برقبته عندنا وعنده(٤) ، بل يتعلّق بذمّته ، ويُتبع به بعد العتق.

ولا يُخرَّج عندهم على الخلاف فيما إذا بِيع في الدَّيْن وبقي شي‌ء ؛ لأنّه إذا ثبت التعلّق بالرقبة فكأنّ الحقّ انحصر فيها وتعيّنت محلّاً للأداء(٥) .

وقال بعضهم : إنّ القياسيّين خرّجوه على ذلك الخلاف ، وقالوا : الفاضل عن قدر القيمة غير متعلّقٍ بالرقبة ، كما أنّ أصل الحقّ غير متعلّقٍ بها هنا(٦) .

مسألة ٨٥٦ : لو أقرّ العبد بدَيْن معاملةٍ ، نُظر إن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، لم يُقبل إقراره على السيّد ، ويتعلّق الـمُقرّ به بذمّته يُتبع به إذا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ - ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧.

٢٦٦

أُعتق ، سواء صدّقه السيّد أو كذّبه.

وإن كان مأذوناً له في التجارة ، ففي قبوله إشكال.

وقال الشافعي : يُقبل ويؤدّي من كسبه وما في يده ، إلّا إذا كان ممّا لا يتعلّق بالتجارة ، كالقرض(١) .

ولو أطلق المأذون الإقرارَ بالدَّيْن ولم يبيّن جهته ، احتُمل عندهم أن يُنزَّل على دَيْن المعاملة(٢) .

والأظهر : إنّه يُنزَّل على دَيْن الإتلاف.

ولا فرق في دَيْن الإتلاف بين المأذون وغيره.

ولو حجر عليه مولاه فأقرّ بعد الحجر بدَيْن معاملةٍ أسنده إلى حال الإذن ، فللشافعيّة وجهان مبنيّان على القولين فيما لو أقرّ المفلس بدَيْنٍ لزمه قبل الحجر ، هل يُقبل في مزاحمة الغرماء؟

والأظهر عندهم هنا : المنع ؛ لعجزه عن الإنشاء في الحال ، ويمكن التهمة(٣) .

قال الجويني : وجوب القطع على العبد في مسألة الإقرار بالسرقة إذا لم نقبله في المال مُخرَّج على الخلاف فيما إذا أقرّ الحُرّ بسرقة مال زيدٍ ، هل يُقطع قبل مراجعة زيد؟ لارتباط كلّ واحدٍ منهما بالآخَر(٤) .

مسألة ٨٥٧ : مَنْ نصفه حُرٌّ ونصفه رقيقٌ إذا أقرّ بدَيْن جنايةٍ ، لم يُقبل في حقّ السيّد ، إلّا أن يصدّقه ، ويُقبل في نصفه ، وعليه قضاؤه ممّا في يده.

وإن أقرّ بدَيْن معاملةٍ ، قضى نصفه - نصيب الحُرّيّة - ممّا في يده ،

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩.

٢٦٧

وتعلّق نصيب الرقّيّة بذمّته.

وقال الشافعيّة : إن صحّحنا تصرّفه ، قَبِلنا إقراره عليه ، وقضيناه ممّا في يده. وإذا لم نصحّحه ، فإقراره كإقرار العبد(١) .

وإقرار السيّد على عبده بما يوجب عقوبةً مردود ، وبدَيْن الجناية مقبول ، إلّا أنّه إذا بِيع فيه وبقي شي‌ء ، لم يُتبع به بعد العتق ، إلّا أن يصدّقه.

وأمّا إقراره بدَيْن المعاملة فلا يُقبل على العبد ؛ لأنّه لا ينفذ إقرار رجلٍ على آخَر.

مسألة ٨٥٨ : المريض مرضَ الموت يُقبل إقراره بالنكاح وبموجبات العقوبات.

ولو أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ لأجنبيٍّ ، فالأقوى عندي من أقوال علمائنا : إنّه ينفذ من الأصل إن لم يكن متّهماً في إقراره. وإن كان متّهماً ، نفذ من الثلث ؛ لأنّه مع انتفاء التهمة يريد إبراء ذمّته ، فلا يمكن التوصّل إليه إلّا بالإقرار عن ثبوته في ذمّته ، فلو لم يُقبل منه بقيت ذمّته مشغولةً ، وبقي الـمُقرّ له ممنوعاً عن حقّه ، وكلاهما مفسدة ، فاقتضت الحكمة قبول قوله. أمّا مع التهمة فإنّ الظاهر أنّه لم يقصد الإخبار بالحقّ ، بل قَصَد منعَ الوارث عن جميع حقّه أو بعضه والتبرّعَ به للغير ، فأُجري مجرى الوصيّة.

ويؤيّده ما رواه العلاء بيّاع السابري عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة استودعت رجلاً مالاً فلمّا حضرها الموت قالت له : إنّ المال الذي دفعتُه إليك لفلانة ، وماتت المرأة ، فأتى أولياؤها الرجل وقالوا له : إنّه كان لصاحبتنا مال لا نراه إلّا عندك ، فاحلف لنا ما قِبَلك شي‌ء ، أفيحلف لهم؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧.

٢٦٨

فقال : « إن كانت مأ مونةً عنده فليحلف ، وإن كانت متّهمةً فلا يحلف ، ويضع الأمر على ما كان ، فإنّما لها من مالها ثلثه »(١) .

وقال الشافعي : يصحّ إقراره للأجنبيّ(٢) ، وأطلق ، وهو إحدى الروايات عن أحمد(٣) .

وعنه رواية أُخرى : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه إقرار في مرض الموت ، فأشبه الإقرار لوارثٍ(٤) .

وعنه ثالثة : إنّه يُقبل في الثلث ، ولا يُقبل في الزائد ؛ لأنّه ممنوع من عطيّة ذلك للأجنبيّ ، كما هو ممنوع من عطيّة الوارث عندهم ، فلم يصحّ إقراره بما لا يملك عطيّته ، بخلاف الثلث فما دون(٥) .

والحقّ ما قلناه من أنّه إذا لم يكن متّهماً ، صحّ إقراره ، كالصحيح ، بل هنا أولى ؛ لأنّ حال المريض أقرب إلى الاحتياط لنفسه وإبراء ذمّته وتحرّي الصدق ، فكان أولى بالقبول ، أمّا الإقرار للوارث فإنّه متّهم فيه.

مسألة ٨٥٩ : لو أقرّ لأجنبيٍّ في مرضه وعليه دَيْنٌ ثابت بالبيّنة أو بالإقرار في الصحّة وهناك سعة في المال لهما ، نفذ إقراره من الأصل مع نفي التهمة ، ومطلقاً عند العامّة(٦) .

ولو ضاق المال عنهما ، فهو بينهما بالحصص - وبه قال مالك‌

____________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٥ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ / ٦٦١ ، الاستبصار ٤ : ١١٢ / ٤٣١ بتفاوت يسير.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٣٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٤.

(٥) المغني ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٤.

(٦) المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥.

٢٦٩

والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور(١) . قال أبو عبيد : إنّه قول [ أكثر ] أهل المدينة(٢) - لأنّهما حقّان تساويا في وجوب القضاء من أصل المال لم يختص أحدهما برهنٍ فاستويا ، كما لو ثبتا ببيّنةٍ.

وقال النخعي : إنّه يُقدَّم الدَّيْن الثابت بالبيّنة - وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين - لأنّه أقرّ بعد تعلّق الحقّ بتركته ، فوجب أن لا يشارك الـمُقرّ له مَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ ، كغريم المفلس الذي أقرّ له بعد الحجر عليه(٣) .

وإنّما قلنا : إنّه تعلّق الحقّ بتركته ؛ لأنّ الشارع مَنَعه من التصرّف في أكثر من الثلث ، ولهذا لم تُنفذ هباته وتبرّعاته من الأصل ، فلم يشارك مَنْ أقرّ له قبل الحجر ومَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ الذي أقرّ له المريض في مرضه.

ولو أقرّ لهما جميعاً في المرض ، فإنّهما يتساويان ، ولا يُقدَّم السابق منهما.

مسألة ٨٦٠ : لو أقرّ المريض لوارثه بمال ، فالأقوى عندي اعتبار‌

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ - ٦١٨ / ١٠٥٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٦ / ١١٩٤ ، الذخيرة ٩ : ٢٦٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٠ / ١٩٠٥ ، المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥.

(٢) المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٦٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٨ / ١٠٥٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٦ / ١١٩٤.

٢٧٠

العدالة.

فإن كان عَدْ لاً غير متّهمٍ في إقراره ، نفذ من الأصل ، كالأجنبيّ.

وإن لم يكن مأموناً وكان متّهماً في إقراره ، نفذ من الثلث ؛ لما تقدّم في الأجنبيّ.

ولما رواه منصور بن حازم عن الصادقعليه‌السلام أنّه سأله عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه دَيْناً ، فقال : « إن كان الميّت مريضاً فأعطه الذي أوصاه(١) له »(٢) .

وقال بعض علمائنا : إنّ إقرار المريض من الثلث مطلقاً(٣) .

وبعضهم قال : إنّه من الثلث في حقّ الوارث مطلقاً ؛ لأنّ الوراثة موجبة للتهمة(٤) .

ولما رواه هشام [ بن سالم عن إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ](٥) عن رجل أقرّ لوارثٍ له - وهو مريض - بدَيْنٍ عليه ، قال : « يجوز إذا كان الذي أقرّ به دون الثلث »(٦) .

وقال بعضهم : إنّ إقرار المريض مطلقاً من الأصل(٧) . ولم يعتبر التهمة.

____________________

(١) في المصادر : « أوصى » بدل « أوصاه ».

(٢) الكافي ٧ : ٤١ - ٤٢ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٩ / ٦٥٦ ، الاستبصار ٤ : ١١١ / ٤٢٦.

(٣) المختصر النافع : ١٦٨.

(٤) المقنع : ١٦٥.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٦) الكافي ٧ : ٤٢ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٢ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ / ٦٥٩ ، الاستبصار ٤ : ١١٢ / ٤٢٩.

(٧) السرائر ٢ : ٥٠٦ ، و ٣ : ٢١٧.

٢٧١

قال ابن المنذر من ا لعامّة : أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز(١) .

وللشافعيّة في الإقرار للوارث طريقان :

أحدهما : إنّه على قولين :

أحدهما : إنّه لا يُقبل - وبه قال شريح وأبو هاشم وابن أُذينة والنخعي والثوري ويحيى الأنصاري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل - لأنّه موضع التهمة بقصد حرمان بعض الورثة ، فأشبه الوصيّة للوارث. ولأنّه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته ، فلم يصح بغير رضا بقيّة ورثته ، كهبته. ولأنّه محجور عليه في حقّه ، فلم يصح إقراره له ، كالصبي.

وأصحّهما : القبول - كما ذهبنا إليه ، وبه قال الحسن البصري وعمر ابن عبد العزيز ، ومن الفقهاء أبو ثور وأبو عبيد - كما لو أقرّ لأجنبيٍّ ، وكما لو أقرّ في حال الصحّة ، والظاهر أنّه لا يُقرّ إلّا عن حقيقةٍ ، ولا يقصد حرماناً ، فإنّه انتهى إلى حالةٍ يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر.

الطريق الثاني : القطع بالقبول ، وحَمْلُ قول الشافعي : « فمَنْ أجاز الإقرار لوارثٍ أجازه ، ومَنْ أبى ردّه » [ على ](٢) حكاية مذهب الغير(٣) .

____________________

(١) الإجماع - لابن المنذر - : ٣٨ / ٣٤٤ ، المغني ٥ : ٣٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٤.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٩ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٢ ، البيان ١٣ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٣١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٩٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٠ / ١٩٠٦ ، المغني ٥ : ٣٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥ - =

٢٧٢

وقال مالك : إن كان الـمُقرّ متّهماً ، بطل الإقرار. وإن لم يكن متّهماً ، صحّ ونفذ ، ويجتهد الحاكم فيه(١) .

مسألة ٨٦١ : الأصل في إخبار المسلم الصدقُ ، فلا يُحمل على غيره إلّا لموجبٍ.

فإذا أقرّ المريض لوارثٍ أو لغيره واعتبرنا التهمة ، كان الأصل عدمها ؛ لأصالة ثقة المسلم وعدالته.

فإن ادّعاها(٢) الوارث وقال الـمُقرّ له : إنّه غير متّهم ، فالقول قول المُقرّ له مع اليمين ؛ لالتزامه بالظاهر ، فلا يُقبل قول الوارث إلّا بالبيّنة.

وإن اعتبرنا التهمة في الوارث خاصّةً وجعلنا الوراثة موجبةً للتهمة وأمضينا إقراره من الثلث كالوصيّة ، فالاعتبار في كونه وارثاً بحال الموت أم بحال الإقرار؟ الأقوى : الثاني - وبه قال مالك والشافعي في القديم ، وهو قول عثمان البتّي(٣) - لأنّ التهمة حينئذٍ تعرض.

وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد : إنّ الاعتبار بحال الموت ، كما في الوصيّة ، وهذا لأنّ المانع من القبول كونه وارثاً ، والوراثة تتعلّق بحالة‌

____________________

= ٢٧٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٨ / ١٠٥١ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٧ و ١٦٩٨ / ١١٩٤ و ١١٩٥.

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٨ / ١٠٥١ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٦ - ١٦٩٨ / ١١٩٤ و ١١٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٠ / ١٩٠٥ ، المغني ٥ : ٣٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل « ادّعاها » : « ادّعاه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، المغني ٥ : ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٨ ، الخلاف - للشيخ الطوسي - ٣ : ٣٦٩ ، المسألة ١٤ من كتاب الإقرار.

٢٧٣

الموت (١) .

وليس بمعتمدٍ .

فعلى ما اخترناه لو أقرّ لزوجته ثمّ طلّقها أو لأخيه ثمّ ولد له ولد ، صحّ الإقرار.

ولو أقرّ لأجنبيّةٍ ثمّ نكحها أو لأخيه وله ابن فمات ، لم يصح من الأصل ، وعلى الآخَر بالعكس فيهما.

ولو أقرّ في المرض أنّه كان قد وهب من وارثه وأقبض في الصحّة ، فالأقوى أنّه لا ينفذ من الأصل.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بالمنع ؛ لذكره ما هو عاجز عن إنشائه في الحال.

والثاني : إنّه على القولين في الإقرار للوارث [ و ] رجّح بعضهم القبولَ ؛ لأنّه قد يكون صادقاً فيه ، فليكن له طريق إلى إيصال الحقّ إلى المستحقّ(٢) .

ولو أقرّ لمتّهمٍ وغير متّهمٍ ، نفذ في حقّ غير المتّهم من الأصل ، وفي المتّهم من الثلث.

وعند الشافعيّة لو أقرّ لوارثه وأجنبيٍّ معاً ، هل يصحّ في حصّة الأجنبيّ إذا لم يُقبل للوارث؟ قولان ، والظاهر عندهم : الصحّة(٣) .

مسألة ٨٦٢ : لو أقرّ في صحّته أو مرضه بدَيْنٍ ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٠ ، الوسيط ٣ : ٣٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٢ ، البيان ١٣ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، المغني ٥ : ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٨.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

٢٧٤

بدَيْنٍ لآخَر وقصرت التركة عنهما ، احتُمل تساويهما وأنّهما يتضاربان في التركة ، كما لو ثبت الدَّيْنان بالبيّنة ، وكما لو أقرّ بهما في حياته ، فإنّ الوارث خليفته ، فإقراره كإقراره.

ويحتمل أنّه يقدَّم ما أقرّ به المورّث ؛ لأنّه تعلّق بالتركة ، فليس للوارث صَرف التركة عنه. وفي الثاني قوّة.

وللشافعيّة وجهان(١) كهذين.

والوجهان جاريان فيما لو أقرّ الوارث بدَيْنٍ عليه ثمّ أقرّ لآخَر بدَيْنٍ عليه(٢) .

وهُما مبنيّان على أنّ المحجور عليه بالفلس إذا أقرّ بدَيْنٍ أسنده إلى ما قبل الحجر هل يُقبل إقراره في زحمة الغرماء؟ للشافعي فيه قولان ، فالتركة كمال المحجور عليه من حيث إنّ الورثة ممنوعون عن التصرّف فيها(٣) .

ولو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته بالبيّنة ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه بدَيْنٍ ، جرى الخلاف أيضاً ، كما تقدّم.

مسألة ٨٦٣ : لو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته أو بعد موته بأن تردّت بهيمة في بئرٍ كان قد احتفرها في محلّ عدوان ، زاحم صاحبُ البهيمة ربَّ الدَّيْن القديم ؛ لأنّ وجود السبب كوجود المسبّب.

وللشافعي قولان تقدّما فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه(٤) .

ولو مات وخلّف ألف درهم فجاء مُدّعٍ وادّعى أنّه أوصى بثلث ماله ، فصدّقه الوارث ثمّ جاء آخَر وادّعى عليه ألف درهم دَيْناً ، فصدّقه الوارث ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٢١ - ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ - ٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٩ ، وراجع ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ٢٩ - ٣٠ ، المسألة ٢٧٦.

٢٧٥

احتُمل صَرفُ الثلث إلى الوصيّة ؛ لتقدّمها ، وتقدُّمُ الدَّيْن ، لأنّه في وضع الشرع مقدَّم على الوصيّة.

وللشافعيّة قولان مخرَّجان على قولهم : إنّ إقرار الوارث والموروث سواء(١) .

ولو صدّق الوارث مدّعي الدَّيْن أوّلاً ، فالأقوى صَرف المال إليه.

ولو صدّق المدّعيَيْن دفعةً ، قسّم الألف بينهما أرباعاً ؛ لأنّا نحتاج إلى ألف للدَّيْن وإلى ثلث ألف للوصيّة ، فيزاحم على الألف الألف وثلث الألف ، فيخصّ الوصيّة ثلث عائل ، فيكون ربعاً ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : تبطل الوصيّة ، ويُقدّم الدَّيْن كما لو ثبتا بالبيّنة(٣) .

وهو الأقوى ، سواء قدّمنا عند الترتيب الأوّلَ منهما أو سوّينا بينهما.

مسألة ٨٦٤ : لو أقرّ المريض بعين ماله لإنسان ثمّ أقرّ بدَيْنٍ لآخَر مستغرق أو غير مستغرقٍ ، سُلّمت العين للمُقرّ له‌ ، ولا شي‌ء للثاني ؛ لأنّ المُقرّ مات ولا شي‌ء له.

ولو أقرّ بالدَّيْن أوّلاً ثمّ أقرّ بعين ماله ، احتُمل مساواة هذه للأُولى - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّ الإقرار بالدَّيْن لا يتضمّن حَجْراً في العين ، ولهذا تنفذ تصرّفاته فيه.

ويحتمل تزاحمهما - وهو الثاني للشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة ٥ - لأنّ لأحد الإقرارين قوّةَ السبق ، وللآخَر قوّة الإضافة إلى العين ، فاستويا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩.

(٤ و ٥) الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩.

٢٧٦

البحث الثالث : في المُقرّ له

وله شروط ثلاثة : أهليّته للاستحقاق ، وأن لا يكذّب المـُقرّ له ، والتعيين ، فهنا مطلبان :

الأوّل : أهليّة الـمُقرّ له للاستحقاق للحقّ المـُقرّ به‌ ، وإلّا كان الكلام لغواً لا عبرة به ، فلو قال: لهذا الحمار أو الحائط أو لدابّة فلان علَيَّ ألف ، بطل إقراره.

ولو قال : لفلان علَيَّ بسببها ألف ، صحّ ، وحُمل على أنّه جنى عليها أو استعملها أو اكتراها.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ ؛ لأنّ الغالب لزوم المال بالمعاملة ، ولا تتصوّر المعاملة معها(١) .

ولو قال : لعبد فلان علَيَّ أو عندي ألف ، صحّ ، وكان الإقرار لسيّده ، بخلاف الدابّة ؛ لأنّ المعاملة معها لا تُتصوّر ، وتُتصوّر مع العبد ، والإضافة إليه كالإضافة في الهبة وسائر الإنشاءات.

ولو قال : علَيَّ ألف بسبب الدابّة ، ولم يقل : لمالكها ، فالأقرب : إنّه لا يلزمه لمالكها شي‌ء ؛ لجواز أن يلزمه بسببها ما ليس لمالكها بأن ينفرها على راكبٍ أجنبيّ فيسقط ، أو يركبها ويجني بيديها على أجنبيٍّ.

نعم ، إنّه يُسأل ويُحكم بموجب بيانه ، فإن امتنع من البيان وادّعى المالك قصده ، حلف له ، وإلّا فلا.

مسألة ٨٦٥ : الحمل يصحّ أن يملك ، ولهذا يُعزل له في الميراث‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١١.

٢٧٧

نصيبٌ ، وتصحّ الوصي ّة به وله.

فإذا قال : لحمل فلانة علَيَّ ألف ، أو عندي له ألف ، فأقسام أحواله ثلاثة :

فإن أسنده إلى جهةٍ صحيحة بأن يقول : ورثه من أبيه ، أو أوصى به فلان له ، صحّ(١) إقراره.

ثمّ إن انفصل الحمل ميّتاً ، فلا حقّ له ، ويكون لورثة مَنْ قال : إنّه ورثه منه ، أو للموصي ، أو لورثته إن أسنده إلى الوصيّة.

وإن انفصل حيّاً لدون ستّة أشهر من يوم الإقرار ، استحقّ ؛ لأنّا تبيّنّا وجوده يومئذٍ.

وإن انفصل لأكثر من مدّة الحمل - وهي سنة على روايةٍ(٢) ، وعشرة على أُخرى(٣) ، وتسعة على ثالثةٍ(٤) عندنا ، وعند الشافعي أربع سنين(٥) - فلا شي‌ء له ؛ لتيقّن عدمه حينئذٍ.

وإن انفصل لستّة أشهر فما زاد إلى السنة أو العشرة الأشهر أو التسعة عندنا أو إلى أربع سنين عند الشافعي ، فإن كانت فراشاً فالأقرب : صحّة الإقرار ؛ عملاً بأصالة الصحّة.

ويحتمل البطلان ؛ لاحتمال تجدّد العلوق بعد الإقرار ، والأصل عدم الاستحقاق ، وعدم المُقرّ له عند الإقرار.

والثاني قول الشافعيّة(٦) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « فيصحّ ».

(٢) الكافي ٦ : ١٠١ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٦٠٠.

(٣) لم نعثر عليها في المصادر الحديثيّة ، ونسبها إلى الرواية أيضاً ابن حمزة في الوسيلة : ٣١٨.

(٤) الكافي ٦ : ٥٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١١٥ / ٣٩٦ ، و ١٦٦ - ١٦٧ / ٥٧٨.

(٥) الأُم ٥ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ١١ : ٢٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ١٤٣ ، البيان ١٠ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٩ : ٤٥١ ، روضة الطالبين ٦ : ٣٥٤.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١١.

٢٧٨

وإن لم تكن مستفرشةً ، فللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه لا يستحقّ ؛ لأنّا لا نتيقّن وجوده عند الإقرار.

وأظهرهما عندهم : الاستحقاق - وهو المعتمد - إذ لا سبب في الظاهر يتجدّد به العلوق ، فالظاهر وجوده وقت الإقرار ، ولهذا يُحكم بثبوت نسبه ممّن كانت فراشاً له(١) .

فإن ولدت المرأة ذكراً ، فهو له.

وكذا لو ولدت ذكرين فصاعداً ، فلهم بالسويّة.

وإن ولدت أُنثى ، فلها.

وإن ولدتهما معاً ، فهو بينهما بالسويّة إن [ أسنده ](٢) إلى الوصيّة ، وإلّا فهو بينهما أثلاثاً إن أسنده إلى الإرث.

ولو اقتضى جهة الوراثة التسويةَ بأن يكونا ولدي الأُمّ ، كان ثلثه بينهما بالسويّة.

ولو أطلق الإرث حكمنا بما يجب به عند سؤالنا إيّاه عن الجهة.

مسألة ٨٦٦ : لو أسند الإقرار إلى جهةٍ فاسدة بأن يسند الاستحقاق إلى القرض منه أو البيع عليه ، فالوجه عندي : الصحّة - وهو أظهر قولَي الشافعيّة(٣) - لأنّه عقّبه بما هو غير معقولٍ ولا منتظم ، فأشبه ما إذا قال :

لفلان علَيَّ ألف لا تلزمني.

والثاني للشافعيّة : البطلان(٤) .

ولهم طريقٌ آخَر : إنّ المطلق إن كان فاسداً ، فهنا أولى بالبطلان. وإن

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أسند ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ و ٤) بحر المذهب ٨ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢.

٢٧٩

قلنا : المطلق صحيح ، كانت المسألة على قولين(١) .

ولو أطلق الإقرار ، فالأقوى عندي الصحّة أيضاً ؛ عملاً بمقتضى إقراره ، وحملاً للأقارير على الصحّة والجهة الممكنة في حقّه وإن كانت نادرةً ، وهو أصحّ قولَي الشافعي ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد(٢) .

والثاني للشافعي : البطلان - وبه قال أبو يوسف - لأنّ المال في الغالب إنّما يثبت بمعاملةٍ أو جنايةٍ ، ولا مساغ للمعاملة معه ولا للجناية عليه(٣) .

مسألة ٨٦٧ : لو انفصل الحمل ميّتاً وقلنا بصحّة الإقرار حالة ما إذا نسب الإقرار إلى المستحيل أو أطلق ، لم يكن له حق ؛ لأنّه إن كان عن وصيّةٍ ، فقد ظهر بطلانها ؛ لأنّه لا تصحّ الوصيّة إلّا بعد أن ينفصل حيّاً. وإن كان ميراثاً ، فلا يثبت له إذا انفصل ميّتاً.

ويُسأل المـُقرّ عن جهة إقراره من الإرث أو الوصيّة ويُحكم بموجبها.

قال بعض الشافعيّة : ليس لهذا السؤال والبحث طالبٌ معيّن ، وكان‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤ ، الوسيط ٣ : ٣٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٣ - ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٩٥ - ١٩٦ ، الوسيط ٣ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦١ ، البيان ١٣ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ / ١٩٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ١٩٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، المغني ٥ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٢.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ١٩٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٩ / ١٩٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٣ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٠ ، البيان ١٣ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501