تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392
المشاهدات: 104912
تحميل: 4868


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104912 / تحميل: 4868
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 16

مؤلف:
ISBN: 964-319-437-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الركن الثالث : المستعار.

وله شرطان : كونه منتفعاً به مع بقاء عينه ، وإباحة المنفعة ، فكلّ ما ينتفع به انتفاعاً محلّلاً مع بقاء عينه تصحّ إعارته ، كالعقارات والدوابّ والعبيد والثياب والأقمشة والأمتعة والصُّفْر والحُليّ والفحل للضراب والكلب للصيد والحفظ وأشباه ذلك بلا خلاف ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعار أدراعاً(١) .

أمّا ما لا ينتفع به إلّا بإتلافه كالأطعمة والأشربة فلا تجوز إعارتها ؛ لأنّ المنفعة المطلوبة منها إنّما تحصل في إتلافها ، والإباحة لم تقع على الإتلاف.

وتجوز إعارة جميع أصناف الحيوان المنتفع بها ، كالآدمي والبهائم على ما تقدّم ؛ لأنّ منفعة الحيوان تجوز إجارتها فجاز إعارتها ، والإعارة أوسع من الإجارة ؛ لأنّه تجوز إعارة الفحل للضراب ، ومَنَع كثيرٌ من إجارته لذلك(٢) .

والكلب تجوز إعارته ، ولا تجوز إجارته على أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

____________________

(١) راجع الهوامش ( ٥ و ٧ و ٨ ) من ص ٢٣٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٠١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٣١ ، الوسيط ٤ : ١٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠١ ، و ٦ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٢ ، و ٤ : ٢٥٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠٢ / ١٧٨٢ ، بدائع الصنائع ٤ : ١٧٥ ، المغني ٦ : ١٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١١٧ و ٤١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٠١ ، بحر المذهب =

٢٤١

مسألة ٨٥ : تجوز إعارة الغنم للانتفاع بلبنها وصوفها ، وهي المِنْحة ، وذلك لاقتضاء الحكمة إباحته ؛ لأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك ، والضرورة تبيح مثل هذه الأعيان ، كما في استئجار الظئر.

وقد روى العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « المِنْحة مردودة »(١) والمِنْحة هي : الشاة.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سمناً شيئاً معلوماً أو دراهم معلومة من كلّ شاة كذا وكذا ، قال : « لا بأس بالدراهم ، ولستُ أُحبّ أن يكون بالسمن »(٢) .

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن رجلٍ دفع إلى رجلٍ غنمه للسمن ودراهم معلومة لكلّ شاة كذا وكذا في كلّ شهرٍ ، قال : « لا بأس بالدراهم ، فأمّا السمن فلا أُحبّ ذلك ، إلّا أن تكون حوالب فلا بأس »(٣) وإذا جاز ذلك مع العوض فبدونه أولى.

واختلفت الشافعيّة على قولين :

أحدهما كما قلناه.

والثاني : المنع ، كما لا تجوز إجارتها(٤) .

والفرق : إنّ الإجارة لا تستباح بها الأعيان.

____________________

= ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٢٥ ، البيان ٧ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٥٣ ، المغني ٤ : ٣٢٥.

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٣٣ ، الهامش (١)

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٣ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٢٧ / ٥٥٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٣ / ٣٥٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٤ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٢٧ / ٥٥٦ ، الاستبصار ٣ : ١٠٣ / ٣٦٢.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٠٧ ، البيان ٦ : ٤٥٢.

٢٤٢

وكذا في الشجر.

قال بعض الشافعيّة : إذا دفع شاةً إلى رجلٍ وقال : ملّكتُك دَرَّها ونسلها ، فهي هبة فاسدة ، وما حصل في يده من الدّرّ والنسل كالمقبوض بالهبة الفاسدة ، والشاة مضمونة عليه بالعارية الفاسدة.

ولو قال : أبحتُ لك دَرَّها ونسلها ، فهو كما لو قال : ملّكتُك ، على أحد الوجهين. والثاني : إنّه(١) إباحة صحيحة ، والشاة عارية صحيحة. وعلى هذا فقد تكون العارية لاستفادة عينٍ ، وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرّد المنفعة ، بخلاف الإجارة.

ولو قال : ملّكتُك درَّها ، أو : أبحتُك على أن تعلفها ، فقد جعل العلف أُجرة الشاة وثمن الدّرّ والنسل ، فالشاة غير مضمونةٍ ؛ لأنّها مقبوضة بإجارةٍ فاسدة ، والدَّرّ والنسل مضمون عليه بالشراء الفاسد.

وكذا لو دفع فلساً إلى سقّاء وأخذ الكوز ليشرب فسقط من يده وانكسر ، ضمن الماء ؛ لأنّه مأخوذ بالشراء الفاسد ، ولا يضمن الكوز ؛ لأنّه في يده بإجارةٍ فاسدة ، وإن أخذه مجّاناً فالكوز عارية ، والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة(٢) .

مسألة ٨٦ : تجوز إعارة الدراهم والدنانير‌ - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ لها منفعةً حكميّةً تُفرض مطلوبةً للعقلاء ، فجاز التوصّل إليها بالإعارة والاستعارة ، من التزيّن بها ، وجذب قلوب الراغبين إلى معاملته وإقراضه ، وذلك فائدة عظيمة.

____________________

(١) الظاهر : « إنّها ».

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٤ - ٧٥.

(٣) الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

٢٤٣

وأيضاً فقد يرغب إلى أن يطبع مثلها ، ويجوز رهنها ، والإجارة للارتهان سائغة ، فوجب أن تشرع إعارتها.

وأصحّ الوجهين عند الشافعيّة : المنع ؛ لأنّ هذه منفعة ضعيفة قلّما تُقصد ، ومعظم منفعتها في الإنفاق والإخراج(١) .

قال الجويني : وما ذُكر من المنفعة في الدراهم والدنانير يجري في استعارة الحنطة والشعير وما في معناهما(٢) .

ويبطل ما ذكروه بما إذا صرّح في الإعارة بالمنفعة الضعيفة بأن استعارها للتزيّن بها ، فقد جعل هذه المنفعة مقصداً وإن ضعفت.

مسألة ٨٧ : إذا استعار الدراهم والدنانير ، كانت مضمونةً عليه‌ ، سواء شرط المالك ضمانها عليه أو لا ، وإن كانت العارية في غيرهما غير مضمونةٍ على ما سيأتي.

والعامّة أوجبوا الضمان في جميع العواريّ(٣) .

وللشافعيّة وجهٌ في أنّ عارية الدراهم والدنانير خاصّةً غير مضمونةٍ وإن قالوا بالضمان في البواقي(٤) .

لما رواه ابن مسكان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال :

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٣) الأُم ٣ : ٢٤٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٠ ، بحر المذهب ٩ : ٦ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، الوسيط ٣ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٨٥ / ١٨٧٦ ، المغني ٥ : ٣٥٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

٢٤٤

« لا تُضمن العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضماناً ، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمان »(١) .

وفي الحسن عن زرارة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : العارية مضمونة؟ قال : فقال : « جميع ما استعرته فتَوى(٢) فلا يلزمك تَواه إلّا الذهب والفضّة فإنّهما يلزمان ، إلّا أن يشترط أنّه متى تَوى لم يلزمك تَواه ، وكذلك جميع ما استعرت واشترط عليك لزمك ، والذهب والفضّة لازمان لك وإن لم يشترط عليك »(٣) .

ولأنّ المنفعة فيهما ضعيفة لا يعتد بها في نظر الشرع ، والنفع المقصود بالذات فيهما الإنفاق ، فكانت مضمونةً ؛ عملاً بالغاية الذاتيّة.

احتجّ القائل بعدم ضمانها : بأنّ العارية - سواء صحّت أو فسدت - تعتمد منفعة معتبرة ، فإذا لم توجد فما جرى بينهما ليس بعاريةٍ ، لا أنّه عارية فاسدة ، ومَنْ قبض مال الغير بإذنه لا لمنفعةٍ كان أمانةً(٤) .

احتجّ الآخَرون : بأنّ العارية الصحيحة مضمونة ، فكذا الفاسدة ؛ لأنّ كلّ عقدٍ يُضمن صحيحه يُضمن فاسده ، وعارية الدراهم والدنانير فاسدة(٥) .

مسألة ٨٨ : ولا بدّ وأن تكون المنفعة مباحةً‌ ؛ لتحريم الإعانة على المحرَّم ، فلو استعار آنية الذهب والفضّة للأكل والشرب ، لم يجز.

ولو استعار كلباً للصيد لهواً وبطراً لم يجز ، وإن كان للقوت أو التجارة جاز.

وكذا تجوز إعارة كلب الماشية والحائط والزرع ؛ لإباحة هذه المنافع‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٤.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ ( باب ضمان العارية والوديعة ) ح ٣ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

٢٤٥

منها.

وكلّ عينٍ يُفرض لها منفعة مباحة ومحرَّمة فإنّه تجوز إعارتها لاستيفاء المنفعة المباحة دون المحرَّمة ، فإن استعارها لاستيفاء المحرَّمة ، لم تصح الإعارة ، ولا يستباح بها المنفعة المحلَّلة ، والإطلاق ينصرف إلى المباح منها.

ولو لم يُفرض لها منفعة مباحة محلَّلة البتّة ، حرم استعارتها.

مسألة ٨٩ : لا تجوز استعارة الجواري للاستمتاع على الأشهر‌ ؛ لعموم قوله تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) والبُضْع لا يستباح إلّا بأحد الأسباب الآتية : الزوجيّة ، والملك ، والإباحة بلفظها أو بلفظ التحليل ، دون العارية والتمليك وشبهه.

وتجوز استعارتها للخدمة ، سواء كان الـمُستعير رجلاً أو امرأةً ، وسواء كانت الجارية شابّةً أو عجوزاً ، وسواء كانت قبيحةَ المنظر أو حسنته ، لكن تشتدّ كراهيّة إعارة الشابّة لـمَن لا يوثق به.

ومَنَعه الشافعيّة ؛ خوفَ الفتنة(٢) .

ولو أعارها من الـمَحْرم أو كانت صغيرةً لا تُشتهى أو قبيحةَ المنظر كذلك أو كبيرةً كذلك ، فلا كراهيّة.

وللشافعية وجهان : أحدهما : التحريم ، والثاني : الكراهيّة(٣) .

وتكره استعارة أحد الأبوين للخدمة ؛ لأنّ استخدامهما مكروه ؛ لمنافاة التعظيم لهما والتوقير.

وتستحبّ استعارتهما للترفّه.

____________________

(١) المعارج : ٢٩ و ٣٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٠ ، الوسيط ٣ : ٣٦٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٣.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٣.

٢٤٦

مسألة ٩٠ : لا يشترط تعيين العين الـمُستعارة عند الإعارة‌ ، فلو قال : أعرني دابّتك أو دابّةً ، فقال : ادخل الاصطبل فخُذْ ما شئت ، صحّت العارية ، بخلاف الإجارة ؛ لأنّ فيها عوضاً ، فلا يدخلها الغرر الذي لا يحتمل في المعاوضة.

الركن الرابع : الصيغة.

مسألة ٩١ : لـمّا كان الأصل في الأموال العصمة ، لم يُبَحْ شي‌ء منها على غير مالكها‌ ، إلّا بالرضا منه ، ولـمّا كان الرضا من الأُمور الباطنة الخفيّة تعذّر التوصّل إليه قطعاً ، فاكتفي فيه بالظنّ المستفاد من العبارات والألفاظ وما يقوم مقامها.

ولا يختصّ لفظٌ بعينه ، بل المعتد به في هذا الباب كلّ لفظٍ يدلّ على الإذن في الانتفاع بالعين مع بقائها مطلقاً أو مدّة معيّنة ، كقوله : أعرتُك ، أو أذنتُ لك في الانتفاع به ، أو انتفع به ، أو خُذْه لتنتفع به ، وما أشبه ذلك.

ولا يشترط القبول نطقاً ، فلو قال : أعرتُك ، جاز له الانتفاع به وإن لم يتلفّظ بالقبول ؛ لأنّه عقد ضعيف ، لأنّه يثمر إباحة الانتفاع ، وهي قد تحصل بغير عقدٍ ، كما لو حسن ظنّه بصديقه ، كفى في الانتفاع عن العقد ، وكما في الضيف ، بخلاف العقود اللازمة ، فإنّها موقوفة على ألفاظٍ خاصّة اعتبرها الشرع.

مسألة ٩٢ : والأقرب عندي : إنّه لا تفتقر العارية إلى لفظٍ‌ ، بل تكفي قرينة الإذن بالانتفاع من غير لفظٍ دالٍّ على الإعارة أو الاستعارة ، لا من طرف الـمُعير ولا من طرف الـمُستعير ، كما لو رآه عارياً فدفع إليه قميصاً فلبسه ، تمّت العارية.

٢٤٧

وكذا لو فرش لضيفه فراشاً أو بساطاً أو مصلّىً أو حصيراً أو ألقى إليه وسادة فجلس عليها أو مخدّةً فاتّكأ عليها ، كان ذلك إعارةً ، بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة ؛ لأنّه لم يقصد بها انتفاع شخصٍ بعينه - وهو قول بعض الشافعيّة(١) - قضاءً بالظاهر ، وقد قالعليه‌السلام : « نحن نقضي بالظاهر »(٢) .

وقال بعضهم : يعتبر اللفظ من جهة الـمُعير ، ولا يعتبر من جهة الـمُستعير ، وإنّما يعتبر منه القبول إمّا باللفظ أو بالفعل(٣) .

وقال بعضهم : لا بدّ من اللفظ من أحد الطرفين ، ولا يشترط أحدهما عيناً ، بل إمّا لفظ الـمُعير أو الـمُستعير ، وفعل الآخَر ، فلو قال المالك :

أعرتُك ، أو : انتفع به ، إلى غير ذلك من الألفاظ ، فأخذه الـمُستعير ، تمّت العارية. ولو قال الـمُستعير : أعرني ، فسلّمه المالك إليه ، صحّت العارية ، وكان كما لو قال : خُذْه لتنتفع به ، وأخذه ؛ تشبيهاً للإعارة بإباحة الطعام(٤) .

والأقرب : ما تقدّم.

وقد جرت العادة بالانتفاع بظرف الهديّة المبعوثة إليه واستعماله ، كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها ، فإنّه يكون عاريةً ؛ لأنّه منتفع بملك الغير بإذنه وإن لم يوجد لفظٌ يدلّ عليها ، بل شاهد الحال.

مسألة ٩٣ : لو قال : أعرتُك حماري لتعيرني فرسك ، فهي إجارة فاسدة‌ ، وعلى كلّ واحدٍ منهما أُجرة مثل دابّة الآخَر ، وكذا لو أعاره شيئاً‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٥.

(٢) المحصول ٢ : ٤٤٧ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٣٠٦.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٥.

٢٤٨

بعوضٍ مجهول ، كما لو أعاره دابّته ليعلفها ، أو داره ليطيّن سطحها ، وكذا لو كان العوض معلوماً ولكن مدّة [ الإعارة ](١) مجهولة ، كما لو قال : أعرتُك داري بعشرة دراهم ، أو لتعيرني ثوبك شهراً ، هكذا قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وليس بجيّدٍ ، بل هي عارية مشروط فيها استعارة أو نفع مجهول ، فتكون الأُولى صحيحةً له الانتفاع إذا فعل الشرط ، والثانية له الانتفاع بالإذن ، ولا تضرّ الجهالة في العوض ولا في المدّة ؛ لكونها من العقود الجائزة.

وقال بعض الشافعيّة : إنّها عارية فاسدة ، فتكون مضمونةً عليه ؛ بناءً منهم على أنّ العارية الصحيحة مضمونة ؛ نظراً إلى اللفظ ، وعلى القول بأنّها إجارة فاسدة لا تكون مضمونةً(٣) .

ولو بيّن مدّة الإعارة وذكر عوضاً معلوماً ، فقال : أعرتُك هذه الدار شهراً من اليوم بعشرة دراهم ، أو لتعيرني ثوبك شهراً من اليوم ، ففي كونه إجارةً صحيحةً أو إعارةً فاسدةً للشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ النظر إلى اللفظ أو المعنى؟(٤) .

ولو دفع دراهم إلى رجلٍ وقال : اجلس على هذا الحانوت واتّجر عليها لنفسك ، أو دفع إليه بذراً وقال : ازرع به هذه الأرض ، فهو مُعير للحانوت والأرض.

وأمّا الدراهم والبذر فإن كان قد قَبِلهما على سبيل الهبة حُكم بها ، وإلّا فهو قرض.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الإجارة ». والمثبت يقتضيه السياق وكما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٤ - ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦.

٢٤٩

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : إنّه قرض ، والثاني : إنّه هبة(١) .

مسألة ٩٤ : إذا قال : أعرتُك فرسي لتعيرني حمارك ، فقد بيّنّا أنّها عارية للفرس بشرط أن يعيره الـمُستعير ، لكن لا يجب على الـمُستعير للفرس إعارة حماره ؛ لأصالة عدم الوجوب ، فإن أعاره إيّاه استباح منفعة الفرس ، وإن لم يُعِرْه لم يُبَحْ له الانتفاع ، فإن انتفع به كان عليه الأُجرة ؛ إذ الإذن في الانتفاع لم يقع مطلقاً ، بل مع سلامة نفع الحمار ، فإذا لم يسلم كان له المطالبة بالعوض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦.

٢٥٠

٢٥١

الفصل الثاني : في الأحكام‌

ومباحثه ثلاثة :

الأوّل : في التسلّط والرجوع.

مسألة ٩٥ : العارية عقد جائز من الطرفين بالإجماع‌ لكلٍّ منهما فسخه ، فللمالك الرجوعُ فيه متى شاء ، وكذا للمُستعير الردُّ متى أراد ؛ لأنّ العارية تبرّع وتفضّل بالمنفعة ، فلا يناسب الإلزام فيما يتعلّق بالمستقبل.

وليس للمالك المطالبةُ بعوضٍ عن المنفعة التي استوفاها الـمُستعير قبل علم الرجوع.

ولو رجع قبل أن يعلم الـمُستعير ، فالأقرب : إنّه كذلك لا عوض له.

ولو رجع وعلم الـمُستعير برجوعه ثمّ استعمل ، فهو غاصب عليه الأُجرة ، إلّا إذا أعار لدفن ميّتٍ مسلمٍ ثمّ رجع بعد الدفن ، لم يصح رجوعه ، ولا قلع الميّت ولا نبش القبر ، إلّا أن يندرس أثر الميّت ؛ لما فيه من هتك حرمة الميّت ، ولا نعلم فيه خلافاً.

أمّا لو رجع قبل الحفر أو بعده قبل وضع الميّت ، فإنّه يصحّ رجوعه ، ويحرم دفنه فيه.

ولو رجع بعد وضع الميّت في القبر وقبل أن يواريه في التراب ، فالأقرب : إنّ له الرجوعَ أيضاً ، ومئونة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن لازمة لوليّ الميّت ، ولا يلزم وليّ الميّت الطمّ ؛ لأنّ الحفر مأذون فيه.

مسألة ٩٦ : لو نبتت في القبر شجرة ، كان لمالك الأرض سقيها‌ ، إلّا أن يفضي السقي إلى ظهور شي‌ءٍ من الميّت فيحرم ؛ لأنّه نبشٌ في الحقيقة.

واعلم أنّ الدفن من جملة منافع الأرض ، كالبناء والغراس ، فإذا أطلق‌

٢٥٢

إعارة الأرض لم يكن له الدفن فيها ؛ لأنّ مثل هذه المنفعة لا يكفي فيها إطلاق الإعارة ، بل يجب ذكرها بالنصوصيّة ، بخلاف سائر المنافع ؛ لأنّ هذه المنفعة تقتضي تسلّط الـمُستعير على الـمُعير بما فيه ضرر لازم ، ولو قدّر تسليطه عليه كان ذلك ذريعةً إلى إلزام إعارة الأرضين.

مسألة ٩٧ : لا تخلو العين التي تعلّقت بها العارية إمّا أن تكون جهة الانتفاع فيها واحدةً أو أكثر.

فإن كانت واحدةً لا ينتفع بالـمُستعار به إلّا بجهةٍ واحدة ، كالدراهم والدنانير التي لا ينتفع بها إلّا بالتزيّن ، والبساط الذي لا ينتفع به إلّا في فرشه ، والخيمة التي لا منفعة لها إلّا الاكتنان ، والدار التي لا منفعة فيها إلّا السكنى ، ومثل هذا لا يجب التعرّض للمنفعة ، ولا ذكر وجه الانتفاع بها ؛ لعدم الاحتياج إليه ؛ إذ المقتضي للتعيين في اللفظ حصر أسباب الانتفاع ، وهو في نفسه محصور ، فلا حاجة له إلى مائزٍ لفظيّ.

وإن تعدّدت الجهات التي يحصل بها الانتفاع - كالأرض التي تصلح للزراعة والغرس والبناء ، والدابّة التي تصلح للحمل والركوب - فلا يخلو إمّا أن يعمّم الإذن ، أو يخصّصه بوجهٍ واحد أو أزيد ، أو يطلق.

فإن عمّم ، جاز له الانتفاع بسائر وجوه الانتفاعات المباحة المتعلّقة بتلك العين - كما لو أعاره الأرض لينتفع بها في الزرع والغرس والبناء وغير ذلك - بلا خلاف.

وإن خصّص الوجه كأن يعيره الأرض للزرع أو البناء أو الغرس ، اختصّ التحليل بما خصّصه الـمُعير ، وبما ساواه أو قصر عنه في الضرر ما لم ينصّ على التخصيص ، ويُمنع من التخطّي إلى غيره ، فلا يجوز له التجاوز قطعاً.

٢٥٣

وإن أطلق ، فالأقوى : إنّ حكمه حكم التعميم ؛ لأنّ إطلاق الإذن في الانتفاع يُشعر بعمومه والرضا بجميع وجوهه ؛ إذ لا وجه من الوجوه أولى بجواز التصرّف من الآخَر ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه تبطل العارية ؛ لأنّهم اختلفوا في أنّه هل يشترط في العارية التعرّض لجهة الانتفاع؟ فشرطه بعضهم ؛ لأنّ الإعارة معونة شرعيّة جُوّزت للحاجة ، فلتكن على حسب الحاجة ، ولا حاجة إلى الإعارة المرسلة.

وبعضهم لم يشترط ، بخلاف الإجارة ؛ لأنّ الجهالة في الإعارة غير مُضرّةٍ ، بخلاف الإجارة ؛ لأنّه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الإجارة ، ولأنّ الجهالة إنّما تؤثّر في العقود اللازمة ، والإعارة إباحة ، فجاز فيها الإطلاق ، كإباحة الطعام(١) .

فإذا أعاره أرضاً مطلقاً ، كان له أن ينتفع بها بسائر وجوه الانتفاعات ، وجميع ما العين معدّة له في الانتفاع مع بقاء العين ، كالزرع والغرس والبناء ، ويفعل فيها كلّ ما هي مستعدّة له من الانتفاع.

وليس للمُستعير أن يُعير ولا أن يؤجّر ؛ لأنّها رخصة وُضعت للحاجة ، وهي منفيّة هنا.

وكذا ليس له أن يبيع ؛ لأنّه غير داخلٍ في مفهوم الإعارة.

والأقرب : إنّ له أن يرهن مع التعميم ، دون الإطلاق.

مسألة ٩٨ : وحكم جزئيّات المأذون فيه بالخصوصيّة حكم جزئيّات مطلق الانتفاع ، فلو أذن له في الزرع وأطلق ، استباح الـمُستعير زرع ما شاء‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، الوسيط ٣ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨١ - ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨١.

٢٥٤

من أصناف الزرع ، كالحنطة والشعير والدخن والذرّة والقطن والفوّه(١) وما يبقى زمناً طويلاً وقصيراً وسائر أصناف الخضر وجميع ما يطلق عليه اسم الزرع.

وليس له البناء ولا الغراس ؛ لأنّ ضررهما أكثر من ضرر الزرع ، والقصد منهما الدوام ، والإذن في القليل لا يستلزم الإذن في الكثير ، بخلاف العكس ، إلّا مع التنصيص ، فلو استعارها للبناء أو الغراس كان له أن يزرع ؛ لقصور ضرره عنهما ، فكأنّه استوفى بعض المنفعة التي أذن فيها ، ولو مَنَعه لم يَسُغْ له الزرع.

ولو أعارها للغراس ، لم يكن له البناء ، وبالعكس ؛ لأنّ ضررهما مختلف ؛ فإنّ ضرر الغراس في باطن الأرض ؛ لانتشار العروق فيها ، وضرر البناء في ظاهرها ، ولأنّ البناء يكون على موضعٍ واحد ، والغرس تنتشر عروقه في الأرض ، فلم يكن الإذن في أحدهما إذناً في الآخَر ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه إذا أذن له في أحدهما ، استباح به الآخَر ؛ لتقارب ضررهما ، فإنّ كلّاً منهما للدوام ، والأرض تُتّخذ للبناء وللغراس(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ للاختلاف ، كما قلناه.

مسألة ٩٩ : إذا أذن له في الزرع ، فإمّا أن يطلق أو يعمّم أو يخصّص‌ ، ولا بحث في الأخيرين ، وأمّا الأوّل فإنّه يصحّ عندنا ، ويستبيح الـمُستعير جميعَ أصناف الزرع ، اختلف ضررها أو اتّفق - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة -

____________________

(١) الفوّه : عروق يُصبغ بها. لسان العرب ١٣ : ٥٣٠ « فوه ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، الوسيط ٣ : ٣٧٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٦ ، البيان ٦ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨١.

٢٥٥

عملاً بإطلاق اللفظ.

والثاني : إنّه لا يستبيح شيئاً بهذه العارية ، وتكون عاريةً باطلة(١) .

وقال بعضهم : تصحّ الإعارة ، ولا يزرع إلّا أقلّ الأنواع ضرراً ؛ لأصالة عصمة مال الغير(٢) . ولا بأس به.

ولو قال : أعرتُك كذا لتفعل به ما بدا لك ، أو لتنتفع به كيف شئت ، صحّ عندنا ، وكان له أن ينتفع به كيف شاء ؛ لإطلاق الإذن ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : البطلان(٣) .

وقال بعضهم : ينتفع به بما هو العادة(٤) .

وهو حسن ، فلو أعاره الأرض ، كان له البناء والغرس والزرع ، دون الرهن والوقف والإجارة والبيع.

ولو قال : أعرتُكها لزرع الحنطة ، ولم ينه عن غيرها ، كان له زرع ما هو أقلّ ضرراً من الحنطة ؛ عملاً بشاهد الحال ، كالشعير والباقلّاء. وكذا له زرع ما ساوى ضرره ضرر الحنطة ، وليس له زرع ما ضرره أكثر من ضرر الحنطة ، كالذرّة والقطن.

ولو نهاه عن زرع غير الحنطة ، لم يكن له زراعة غيرها ؛ اقتصاراً على المأذون فيه.

تذنيب : إذا عيّن المزروع فزرع غيره ، كان لصاحب الأرض قلعه‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٢.

٢٥٦

مجّاناً ؛ لأنّه ظالم ، وقالعليه‌السلام : « ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ »(١) .

مسألة ١٠٠ : تنقسم العارية باعتبار الزمان إلى ثلاثة‌ ، كما انقسمت باعتبار المنافع إليها ؛ لأنّ الـمُعير قد يُطلق العارية من غير تقييدٍ بزمانٍ ، وقد يوقّت بمدّةٍ ، وقد يُعمّم الزمانَ ، كقوله : أعرتُك هذه الأرض ، ولا يقرن لفظه بوقتٍ وزمانٍ ، أو : أعرتُك هذه الأرض سنةً أو شهراً ، أو : أعرتُك هذه الأرض دائماً.

وإنّما جاز الإطلاق فيها بخلاف الإجارة ؛ لأنّ العارية جائزة ، وله الرجوع فيها متى شاء ، فتقديرها لا يفيد شيئاً ، وإنّما جاز تقييدها ؛ لأنّ إطلاقها جائز ، فتقييدها أولى.

مسألة ١٠١ : إذا أطلق العارية ، كان له الرجوع فيها متى شاء‌ ، ولا يجوز للمُستعير التصرّف بعد الرجوع ، فإن تصرّف ضمن العين والأُجرة ، إلّا في إعارة الدفن ، فلا يجوز الرجوع بعده ، ولا مع دفع شي‌ءٍ ، ولا في إعارة الحائط للتسقيف وشبهه ، فلا يجوز الرجوع قبل الخراب إلّا مع دفع(٢) الأرش ، وما عداهما يجوز الرجوع قبل التصرّف وبعده ، سواء كانت العارية موقّتةً أو لا - وفائدة الرجوع بعد التصرّف المطالبةُ بالأُجرة فيما يستقبل ، لا فيما مضى - عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٣) - لأنّ‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٩٢ ، الهامش (٣)

(٢) في الطبعة الحجريّة : « بدفع » بدل « مع الدفع ».

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٨٧ - ١٨٨ / ١٨٧٧ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٦٩ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٧ / ٦٧١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٤ / ٤٤٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٠ ، بحر المهذب ٩ : ٦ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، الوسيط ٣ : ٣٧٣ ،

٢٥٧

الـمُستعير استباح المنافع بالإذن ، فإذا رجع عن الإذن لم يجز له فعله ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فكان غصباً ، ولأنّ المنافع المستقبلة لم تحصل في يد الـمُستعير فلا يملكها بالإعارة ، كما لو لم تحصل العين في يده.

وقال مالك : إذا كانت العارية موقّتةً لم يكن للمُعير الرجوع فيها ، وإن لم يكن موقّتةً لزمه تركه مدّة ينتفع [ بها ](١) في مثلها ؛ لأنّ الـمُعير قد ملّكه المنفعة مدّةً معلومة ، وصارت العين في يده بعقدٍ مباح ، فلم يكن له الرجوع فيها بغير اختيار المالك ، كالعبد الموصى بخدمته(٢) .

والفرق : إنّ العبد الموصى بخدمته ليس للورثة الرجوع فيه ؛ لأنّ المتبرّع غيرهم ، وأمّا الموصي المتبرّع فله أن يرجع متى شاء.

مسألة ١٠٢ : إذا أعاره أرضاً للبناء أو الغراس(٣) أو الزرع ، أو أطلق له الانتفاع ، كان للمُستعير الانتفاع فيما أذن له فيه ما لم يمنعه.

فإن قدّر له المدّة ، كان له أن يبني ويغرس وينتفع بهما حسبما أذن ما لم يرجع عن إذنه أو تنقضي المدّة ، فإن رجع عن إذنه قبل انقضاء المدّة أو لم يرجع ولكن انقضت المدّة المأذون فيها ، لم يكن له استحداث شي‌ءٍ‌

____________________

= حلية العلماء ٥ : ١٩٤ ، البيان ٦ : ٤٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٣ ، المغني ٥ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٣ / ١٠٦٢.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٣ / ١٠٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٤ / ٤٤٦. بحر المذهب ٩ : ٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، البيان ٦ : ٤٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٨٨ / ١٨٧٧ ، المغني ٥ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « الغرس ».

٢٥٨

من ذلك ، فإن استحدث شيئاً من ذلك بعد علمه بالرجوع ، وجب عليه قلعه مجّاناً ؛ لقولهعليه‌السلام : « ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ »(١) وتجب عليه أُجرة ما استوفاه من منفعة الأرض على وجه التعدّي وطمّ الحُفَر التي حدثت لقلع ما غرسه ، كالغاصب.

وإن كان جاهلاً بالرجوع ، فالأقوى : إنّ له القلعَ مع الأرش ، كما لو لم يرجع ؛ لأنّه غير مفرّطٍ ولا غاصبٍ.

وللشافعيّة وجهان ، كالوجهين فيما لو حمل السيل نواةً إلى أرضه فنبتت ، وقد يشبه بالخلاف في تصرّف الوكيل جاهلاً بالعزل(٢) .

وأمّا ما بناه وغرسه قبل الرجوع : إن أمكن رفعه من غير نقصٍ يدخله ، رفع.

وإن لم يمكن إلّا مع نقصٍ وعيبٍ يدخل على الـمُستعير ، نُظر إن كان قد شرط عليه القلع مجّاناً عند رجوعه وتسوية الحُفَر ، أُلزم ذلك ؛ عملاً بمقتضى الشرط وقد قالعليه‌السلام : « المسلمون(٣) عند شروطهم »(٤) فإن امتنع ، قَلَعه الـمُعير مجّاناً.

وإن كان قد شرط القلع دون التسوية ، لم يكن على الـمُستعير‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في الهامش (٣) من ص ٩٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٣.

(٣) في « ث ، ر » : « المؤمنون ».

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٧ / ٩٨ و ٩٩ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٩ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٩ و ٥٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٦٨ / ٢٠٦٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٤ : ٢٧٥ / ٤٤٠٤ ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

٢٥٩

التسوية ؛ لأنّ شرط القلع رضا بالحفر.

وإن لم يشرط القلع أصلاً ، نُظر إن أراد الـمُستعير القلع مُكّن منه ؛ لأنّه ملكه ، فله نقله عنه.

وإذا قلع فهل عليه التسوية؟ الأقوى : ذلك ؛ لأنّه قلع باختياره لتخليص ماله ، فكان عليه أرش ما نقصه الحفر ، كما لو أراد إخراج دابّته من دار الغير ولا يمكن إلّا بحفر الباب(١) ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه ليس عليه التسوية ؛ لأنّ الإعارة مع العلم بأنّ للمُستعير أن يقلع رضا بما يحدث من القلع(٢) .

وإن لم يختر الـمُستعير القلع ، لم يكن للمُعير قلعه مجّاناً ؛ لأنّه بناء محترم صدر بالإذن ، ولكنّه يتخيّر بين أن يقلعه ويضمن الأرش - وهو قدر التفاوت بين قيمته مثبتاً ومقلوعاً - وبين إبقائه بأُجرة المثل يأخذها ، وبين أن يتملّكه بقيمته.

فإن اختار القلع وبذل أرش النقص ، فله ذلك ، ويُجبر الـمُستعير عليه ، وليس له الامتناع عنه.

وإن اختار أحد الأمرين الآخَرين ، افتقر إلى رضا الـمُستعير فيه ؛ لأنّ أحدهما بيع ، والآخَر إجارة ، وكلاهما يتوقّفان(٣) على رضا المتعاقدين معاً ،

____________________

(١) كذا قوله : « بحفر الباب » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، والظاهر : « بهدم الباب » أو « بنقض الباب ».

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، الوسيط ٣ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٢ - ٢٨٣ ، البيان ٦ : ٤٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٤ ، المغني ٥ : ٣٦٦ - ٣٦٧.

(٣) في « ث ، ج ، ر » : « موقوفان ».

٢٦٠