التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف0%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف:

الصفحات: 368
المشاهدات: 170934
تحميل: 5435

توضيحات:

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170934 / تحميل: 5435
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

 في أوائل المائة الخامسة.

29 - الحاكم النيسابوري، أبو عبدالله محمد بن عبدالله؛ الحافظ الكبير، إمام المحدّثين في عصره في الحديث والعارف به حق معرفته، وكان صالحاً ثقة يميل إلى التشيّع. (405).

30 - ابن مردويه، أبوبكر أحمد بن موسى الأصبهاني، الحافظ الكبير العلاّمة، كان فهماً بهذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف. (410).

31 - البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين؛ الإمام الحافظ العلاّمة، شيخ خراسان، إنفرد بالإتقان والضبط والحفظ، وعمل كتباً لم يسبق إليها وبورك له في علمه. (458).

32 - ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن؛ الإمام الكبير حافظ الشام بل حافظ الدنيا، الثقة الثبت الحجّة، سمع منه الكبار، وكان من كبار الحفّاظ المتقنين. (571).

33 - ابن الأثير، المبارك محمد بن محمد؛ من مشاهير العلماء وأكابر النبلاء وأوحد الفضلاء (606).

34 - الضياء المقدسي، أبو عبدالله محمّد بن عبدالواحد؛ الإمام العالم الحافظ الحجّة، محدّث الشام شيخ السنّة، رحل وصنّف، وصحّح وليّن، وجرّح وعدّل، وكان المرجوع إليه في الشأن، جبلاً ثقة ديّناً زاهداً ورعاً. (643).

35 - القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري؛ مصنّف التفسير المشهور الذي سارت به الركبان، كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، قال الذهبي: «إمام متقن متبحّر في العلم، له تصانيف مفيدة تدلّ على إمامته وكثيرة اطّلاعه ووفور

١٨١

 فضله». (671).

36 - إبن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر؛ الإمام المحدّث الحافظ، وصفه الذهبي بالإمام المفتي المحدّث البارع، ثقة متفنّن محدّث متقن. (774).

37 - إبن حجر العسقلاني، أحمد بن علي المصري؛ شيخ الإسلام، وإمام الحفّاظ في زمانه، وحافظ الديار المصرية، بل حافظ الدنيا مطلقاً، قاضي القضاة، صنّف التصانيف التي عمّ النفع بها. (852).

38 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر؛ الحافظ الشهير صاحب المؤلفات الكثيرة في العلوم المختلفة، أثنى عليه مترجموه كالشوكاني في (البدر الطالع) والسخاوي في (الضوء اللامع) وابن العماد في (شذرات الذهب) وغيرهم. (911).

39 - المتّقي، نور الدين علي بن حسام الهندي؛ كان فقيهاً محدّثاً صاحب مؤلفات، أشهرها: كنز العمّال، أثنى عليه ابن العماد في (شذرات الذهب) والعيدروسي في (النور السافر في أعيان القرن العاشر). (975).

40 - الآلوسي، شهاب الدين محمود بن عبدالله البغدادي؛ المفسّر المحدّث الفقيه اللغوي النحوي، صاحب «روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني». وغيره من المؤلفات (1270).

هؤلاء جملة ممّن روى أحاديث التحريف

١٨٢

من تجوز نسبة التحريف إليه منهم.

فهل تجوز نسبة القول بالتحريف إليهم جميعاً؟

لقد علم ممّا سبق في غضون الكتاب: أنّ مجرّد رواية الحديث وثقله لا يكون دليلاً على التزام الناقل والراوي بمضمونه، وعلى هذا الأساس لا يمكننا أن ننسب إليهم هذا القول الباطل

نعم، فيهم جماعة التزموا بنقل الصحاح، فلم يخرجوا في كتبهم إلاّ ما قطعوا بصدوره من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته، حسب شروطهم التي اشترطوها في الراوي والرواية، فهم - وكل من تبعهم في الإعتقاد بصحّة جميع أخبار كتبهم - ملزمون بظواهر ما أخرجوا فيها من أحاديث التحريف، مالم يذكروا لها محملاً وجيهاً أو تأويلاً مقبولاً

وممّن التزم بنقل الصحاح من هؤلاء:

1 - مالك بن أنس

لقد اشترط مالك في كتابه (المؤطّأ) الصحّة، ولذلك استشكل بعض الأئمة إطلاق أصحيّة كتاب البخاري مع اشترك البخاري ومالك في اشتراط الصحّة والمبالغة في التحرّي والتثبّت(1) .

وقال الشافعي: «ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك»(2) .

__________________

(1) هدى الساري 1: 21.

(2) مقدّمة ابن الصلاح: 14 وغيره.

١٨٣

وقال الحافظ مغلطاي: «أول من صنّف الصحيح مالك»(1) .

وقال الحافظ ابن حجر: «كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلّده على ما اقتضاء نظره من الإحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما»(2) .

2 - أحمد بن حنبل

قال أحمد في وصف مسنده:

«إنّ هذا كتاب قد جمعته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلاّ ليس بحجّة»(3) .

وعنه: إنّ شرط في مسنده الصحيح(4) .

وقال السبكي: «ألّف مسنده وهو أصل من اصول هذه الامّة»(5) .

وقال الحافظ المديني: هذا الكتاب أصل الكبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقي من حديث كثير ومسموعات وافرة، فجعل إماماً ومعتمداً وعند التنازع ملجأ ومستنداً»(6) .

هذا وقد ألّف الحافظ ابن حجر كتاباً في شأن «المسند»

__________________

(1) تنوير الحوالك: 8.

(2) تنوير الحوالك: 8.

(3) تدريب الراوي 1: 172 وغيره.

(4) تدريب الراوي وغيره.

(5) طبقات الشافعية، ترجمة أحمد.

(6) طبقات الشافعية. ترجمة أحمد.

١٨٤

سماّه «القول المسدّد في الذبّ عن المسند» ردّ به على قول من قال بوجود أحاديث ضعيفة في مسند أحمد.

وقد أتمّه الحافظ السيوطي بذيل سماّه «الذيل الممهّد»(1) .

3 - محمد بن إسماعيل البخاري

وقد شرط البخاري في كتابه: أن يخرج الحديث المتّفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متّصلاً غير مقطوع، وإن كان للصحابي راويان فصاعداً فحسن، وإن لم يكن إلاّ راو واحد وصحّ الطريق إليه كفى(2) .

وعن البخاري أنّه قال: «ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلاّ اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين»(3) .

وعنه أيضاً: «صنّفت كتابي الصحيح في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثاً حتّى استخرت الله تعالى وصلّيت ركعتين وتيقّنت صحّته»(4) .

وعنه: «صنّفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ستّ عشرة سنة وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله»(5) .

وعنه أيضاً: «رأيت النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وكأنّني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبّ بها عنه، فسألت بعض

__________________

(1) تدريب الراوي 1: 172.

(2) هدى الساري: 2: 261.

(3) هدى الساري 2: 261.

(4) هدى الساري 2: 261.

(5) هدى الساري 2: 261.

١٨٥

المعبّرين فقال لي: أنت تذبّ عنه الكذب.

فهذا الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح»(1) .

وعنه أنّه قال: «لم اخرج في هذا الكتاب إلاّ صحيحاً وما تركت من الصحيح أكثر ...»(2) .

وقال الحافظ ابن حجر:

«تقرّر أنّه التزم فيه الصحّة، وأنّه لا يورد فيه إلاّ حديثاً صحيحاً، هاذ أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إيّاه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأيّامه، وممّا نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحاً ...»(3) .

وقال ابن الصلاح: «أول من صنّف في الصحيح: البخاري أبو عبدالله محمد بن إسماعيل، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري، ومسلم مع أنّه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنّه يشارك البخاري في كثير من شيوخه، وكتاباهما أصحّ الكتب بعد كتاب الله العزيز ثمّ إنّ كتاب البخاري أصحّ الكتابين صحيحاً وأكثرهما فوائد ...»(4) .

وقد نقل هذا الحافظ ابن حجر وأثبت اصحيّة كتاب البخاري من كتاب مسلم، وذكر أنّ هذا ممّا اتّفق عليه العلماء، واستشهد بكلمات الأئمّة على ذلك(5) .

__________________

(1) هدى الساري 1: 18.

(2) هدى الساري 1: 18.

(3) هدى الساري 1: 19.

(4) مقدّمة ابن الصلاح: 13 - 14.

(5) هدى الساري 1: 21.

١٨٦

وكذا الحافظ النووي في التقريب، ووافقه الحافظ السيوطي في شرحه وقال: «وعليه الجمهور، لأنّه أشدّ اتصالاً وأتقن رجالاً ...»(1) .

4 - مسلم بن الحجّاج النيسابوري

وقال مسلم: «ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنّما وضعت ما أجمعوا عليه»(2) .

وقال: «لو أنّ أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند - يعني صحيحة -»(3) .

وقال أيضاً: «عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكلّ ما أشار أنّ له علّة تركته، وكلّ قال أنّه صحيح وليس له علّة أخرجته»(4) .

وقال: «صنّفت هذا السند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة»(5) .

هذا، وقد قالوا: إنّ أصحّ الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان، ثمّ اختلفوا في أنّ أيّهما أفضل وأصحّ، فذهب جمهورهم إلى أنّ البخاري أصحّ، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء

__________________

(1) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1: 88 - 91.

(2) مقدّمة ابن الصلاح: 16، تدريب الراوي 1: 98.

(3) المنهاج في شرح مسلم 1: 22 هامش إرشاد الساري.

(4) المصدر نفسه.

(5) المنهاج في شرح مسلم 1: 22 هامش إرشاد الساري.

١٨٧

كتاب أصحّ من كتاب مسلم، وتبعه بعض شيوخ المغرب(1) .

5 - أبو عيسى الترمذي

قال الترمذي: «صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به.

ومن كان بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبي يتكلّم»(2) .

وقال في كتاب العلل الذي في آخر جامعه:

«جميع ما في هذا الكتاب - يعني جامعه - من الحديث هو معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين: حديث عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنه: إنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر، وحديث النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه.

قال: وقد بيّنّا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب».

قال المباركفوري: «قلت: قد تعقّب الملاّ معين في كتابه (دراسات اللبيب) على كلام الترمذي هذا، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول به، والحقّ مع الملاّ معين عندي والله تعالى

__________________

(1) تدريب الراوي 1: 93 وغيره.

(2) تذكرة الحفّاظ - ترجمته.

١٨٨

أعلم»(1) .

هذا، وقد جاء في مقدّمة تحفة الأحوذي فصل «في بيان أنّه ليس في جامع الترمذي حديث موضوع»(2) .

وجامع الترمذي من الكتب الستّة الصحاح عند أهل السنّة بلا خلاف بينهم، غير أنّهم اختلفوا في رتبته هل هو بعد الصحيحين أو بعد سنن أبي داود أبو بعد سنن النسائي؟(3) .

6 - أحمد بن شعيب النسائي

وكتاب النسائي أحد الصحاح الستّة بلا خلاف.

قالوا: وقد صنّف النسائي في أول أمره كتاباً يقال له: «السنن الكبير» ثمّ اختصره وسماّه «المجتبى» وسبب اختصاره: أنّ أحداً من أمراء زمانه سأله أنّ جميع أحاديث كتابك صحيح؟

قال: لا.

فأمره الأمير بتجريد الصحاح وكتابة صحيح مجرّد.

فانتخب منه «المجتنى» وأسقط منه كل حديث تكلّم في إسناده(4) .

فإذا أطلق المحدّثون بقولهم: رواه النسائي، فمرادهم هذا المختصر المسمّى بالمجتنى لا السنن الكبير(5) .

__________________

(1) مقدّمة تحفة الاحوذي: 367.

(2) مقدّمة تحفة الاحوذي: 365 - 367.

(3) مقدّمة تحفة الاحوذي: 364.

(4) جامع الاصول 1: 66 وغيره.

(5) مقدّمة تحفة الاحوذي: 131.

١٨٩

وعن الحاكم وأبي علي الحافظ والخطيب: للنسائي شرط في الرجال أشدّ من شرط مسلم(1) .

7 - ابن ماجة القزويني

قال ابن ماجة: عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه وقال: أظنّ إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذا الجوامع أو أكثرها ...»(2) .

وقال المباركفوري: «وأمّا سنن ابن ماجة فهو سادس الصحاح الستّة ...»(3) .

وفي كشف الظنون: «إنّه سادس الصحاح الستّة عند بعض الأئمة»(4) .

قلت: وممّن بذلك الحافظان ابن طاهر وعبد الغني المقدسيان.

8 - الحاكم النيسابوري

وألّف أبو عبدالله الحاكم النيسابوري كتاب «المستدرك على الصحيحين»، ذكر فيه ما فات البخاري ومسلماً ممّا على شرطهما أو شرط أحدهما أو هو صحيح(5) .

__________________

(1) مقدّمة تحفة الاحوذي: 131.

(2) تذكرة الحفّاظ 2: 636.

(3) مقدّمة تحفة الاحوذي: 134.

(4) كشف الظنون: 1004.

(5) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 26.

١٩٠

فالمستدرك من الكتب التي التزم فيها بالصحّة، ولذا يعبّر عنه بالصحيح المستدرك(1) .

ولقد أثنى على الجاكم كلّ من جاء بعده من الحفّاظ، ونسبه بعضهم إلى التشيّع وقالوا: إنّه قد تساهل في ما استدر على شكرط الصحيح.

قلت: لا يبعد أن يكون من أسباب رميه بالتشيّع والتساهل إخراجه أحاديث في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل قد صرّح بذلك الخطيب(2) .

9 - أبو جعفر الطبّري

وقد التزم أبو جعفر محمد بن جرير الطبّري الصحّة في كتابه (تهذيب الآثار) الّذي أورد فيه بعض الأحاديث المذكورة كما أورد منها في (تفسيره) ...

10 - الضياء المقدسي

وقد التزم الحافظ الضياء المقدسي الصحّة في كتابه «المختارة».

قال الحافظ العراقي: «وممّن صحّح أيضاً من المتأخّرين الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، فجمع كتاباً سماّه (المختارة)

__________________

(1) تدريب الراوي 1: 108، مقدّمة تحفة الاحوذي: 155.

(2) مقدّمة تحفة الاحوذي: 156.

١٩١

التزم فيه الصحّة ...»(1) .

وقال الحافظ السيوطي: «ومنهم الحافظ ضياء الدين محمد بن عبدالواحد المقدسي، فجمع كتاباً سماّه (المختارة) التزم فيه الصحّه وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها»(2) .

وفي «كشف الظنون» بعد أن صرّح بما تقدّم: «قال ابن كثير: وهذا الكتاب لم يتمّ، وكان بعض الحفّاظ من مشايخنا يرجّحه على مستدرك الحاكم»(3) .

هذا، وقد أثنى عليه كل من ترجم له، قال الحافظ الذهبي ما ملخّصه: «الإمام العالم الحافظ الحجّة، محدّث الشام، شيخ السنّة، صاحب التصانيف النافعة، نسخ وصنّف، وصحّح وليّن، وجرّح وعدّل، وكان المرجع إليه في هذا الشأن، قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبدالله شيخ وقته ونسيج وحده علماً وحفظاً وثقة وديناً، من العلماء الربّانيّين، وهو أكبر من أن يدلّ عليه مثلي.

رأيت جماعة من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه ومدحوه بالحفظ والزهد.

سألت الزكيّ البرزالي عنه فقال: ثقة، جبل، حافظ، ديّن.

قال ابن النجّار: حافظ متقن حجّة، عالم بالرجال، ورع تقي.

وقال الشرف ابن النابلسي: ما رأيت مثل شيخنا الضياء»(4) .

__________________

(1) التقييد والإيضاح لما اطلق أو اغلق من كتاب ابن الصلاح.

(2) تدريب الراوي 1: 144.

(3) كشف الظنون.

(4) تذكرة الحفّاظ: 4: 1406.

١٩٢

الفصل الثالث

الأقوال والآراء في أهل السنّة

حول التحريف وأحاديثه

لقد تقدّم ذكر الأحاديث الدالّة على التحريف وعرفت من خلال ذلك أنّ القول بنقصان القرآن مضاف إلى جماعة كبيرة من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى راسهم:

عمر بن الخطّاب، عثمان بن عفّان، عبدالله بن العبّاس، عبدالله بن عمر، عبدالرحمن بن عوف، اُبيّ بن كعب، عبدالله بن مسعود، زيد بن ثابت، أبو موسى الأشعري، خديفة بن اليمان، جابر بن عبدالله، زيد بن أرقم، عائشة بنت أبي بكر، حفصة بنت عمر

ومن مشاهير التابعين وعلى رأسهم:

سعيد بن جبير، عكرمة، الضحّاك، سعيد بن المسّيب، عروة بن الزبير، محمد بن مسلم الزهري، زرّ بن حبيش، مجاهد، الحسن البصري

وعرفت أنّ تلك الاحاديث مخرجة في أهمّ كتب أهل السنّة

١٩٣

وأسفارهم، ومن أشهرها:

الموطّأ، صحيح البخاري، صحيح مسلم، صحيح الترمذي، صحيح النسائي، صحيح ابن ماجة، المصنّف لابن أبي شيبة، المسند لأحمد، المستدرك للحاكم، الجوامع الثلاثة للطبراني، المسند لأبي يعلى، السنن للبيهقي، جامع الاصول، فتح الباري، إرشاد الساري، المصاحف لابن الأنباري، الدرّ المنثور، كنز العمّال، تاريخ دمشق، تفسير الطبري، تفسير الرازي، تفسير القرطبي، تفسير البغوي، تفسير الخازن، الكشّاف، البحر المحيط تفسير ابن كثير، مشكل الآثار، التسهيل لعلوم التنزيل، البرهان في علوم القرآن، مناهل العرفان في علوم القرآن، الإتقان في علوم القرآن، وغيرها من الكتب في الحديث والفقه والتفسير ...

موقف علماء الشيعة من هذه الأخبار والآثار:

أمّا علماء الشيعة فإنّ موقفهم من هذه الأحاديث والآثار المنقولة عن الصحابة نفس الموقف الذي اتّخذوه تجاه الأحاديث المرويّة في كتبهم أنفسهم فإنّهم بعدما قالوا بعدم تحريف القرآن - للأدلّة القائمة عليه كتاباً وسنّة وإجماعاً - حملوا ما أمكن حمله من أحاديثهم المعتبرة سنداً على بعض الوجوه، وطرحوا كل خبر غير معتبر سنداً أو غير قابل للتأويل كما عرفت في (الباب الأول) بالتفصيل.

وهذا هو النهج الذي ينبغي اتّباعه بالنسبة إلى أحاديث التحريف في كتب أهل السنّة وبه يتمّ الجمع بين الإعتقاد بعدم التحريف والإعتقاد بصحّة أخبار الصحيحين وغيرهما على اصول أهل السنّة

١٩٤

إنّ التأويل إمّا الحمل على التفسير، وإمّا الحمل على اختلاف القراءة، وإمّا الحمل على نسخ التلاوة. لكنّ التأويل على الوجهين الأوّلين لا يتمّ إلاّ بالنسبة إلى قليل جدّاً من الأحاديث، والحمل على نسخ التلاوة غير تامّ صغروياً وكبروياً، كما ستعرف في «الفصل الرابع».

فلا مناص من الردّ والتكذيب ولا مانع، إلاّ ما اشتهر بينهم من عدالة جميع الصحابة وصحّة أخبار الصحيحين وأمثالها لكنّ هذين المشهورين لا أصل لهما كما ستعرف في «الفصل الخامس».

هذه خلاصة الطريقة الصحيحة لعلاج هذه الأحاديث، وعليها المحقّقون من أهل السنّة، كما سيظهر في هذا الفصل والفصلين اللاحقين.

موقف أهل السنّة من هذه الأحاديث والآثار:

وأمّا أهل السنّة فالرواة لهذه الأحاديث منهم من يلتزم بصحّتها كأصحاب الصحاح الستّة وأمثالهم من أرباب الكتب المشهورة والمسانيد، ومنهم من لا ندري رأيه فيها كما لا ندري أنّ القائلين بالحصّة يحملون تلك الآيات المحكيّة في هذه الأحاديث على النسخ، أو يقولون بالتحريف تبعاً لمن قال به من الصحابة والتابعين

وفي المقابل طائفتان من المحدّثين والعلماء؛ طائفة تقول بالتحريف صراحة، أخذاً بالأحاديث الظاهرة فيه، واقتداءاً بالصحابة المصرّحين به، وطائفة تقول ببطلان الأحاديث وتردّها الردّ القاطع

فأهل السنّة بالنسبة إلى أحاديث التحريف على ثلاثة طوائف:

١٩٥

طائفة يروون التحريف ولا نعلم رأيهم فيه

وهم المحدّثون والعلماء الّذين يروون أحاديث التحريف وينقلونها في كتبهم الحديثية وغيرها، ولا سبيل لنا إلى الوقوف على آرائهم في تلك الأحاديث، فهل يقولون بصحّتها أولا؟ وعلى الأول هل يحملونها على النسخ؟ أو يقولون بالتحريف حقيقة؟

وهؤلاء كثيرون، بل هم أكثر رجال الحديث والمحدّثين والعلماء الرواة والناقلين لهذه الأحاديث ...

طائفة يروونه ويقولون به:

وهم الّذين أوردوا الأحاديث والآثار الظاهرة أو الصريحة في نقصان القرآن من غير جواب أو تأويل، وهؤلاء عدّة من العلماء وليس عددهم بقليل

فمثلاً:

يقول ابن جزي الكلبي في تفسيره: «والصابئون. قراءة السبعة بالواو، وهي مشكلة، حتى قالت عائشة: هي من لحن كتاب المصحف»(1) .

- «والمقيمين» منصوب على المدح بإضمار فعل، وهو جائز كثيراً

__________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل 1: 173 وابن جزي الكلبي المالكي وصفه الداودي في طبقات المفسرين 1: 101 بقوله: كان شيخاً جليلاً ورعاً زاهداً عابداً متقلّلاً من الدنيا وكان فقيهاً مفسّراً وله تفسير القرآن العزيز، توفّي في حدود العشرين وستمّائة.

١٩٦

في الكلام، وقالت عائشة: هو من لحن كتّاب المصحف، وفي مصحف ابن مسعود: (والمقيمون) على الأصل»(1) .

- «إنّ هذان لساحران» قرىء: إنّ هذين، بالياء، ولا إشكال في ذلك وقالت عائشة رضي الله عنها: هذا ممّا لحن فيه كتاب المصحف»(2) .

ويقول الخطيب الشربيني في تفسيره:

«وحكي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وأبان بن عثمان: أنّ ذلك غلط من الكتاب، ينبغي أن يكتب «والمقيمون الصلاة». وكذلك قوله في سورة المائدة:( إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصابئون والنصارى ) وقوله تعالى:( إنّ هذان لساحران ) قالا: ذلك خطأ من الكاتب، وقال عثمان: إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها، فقيل له: ألا تغيّره؟! فقال: دعوه فإنّه لا يحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً. وعامّة الصحابة وأهل العلم على أنّه صحيح»(3) .

وإذا ما قارنت بين هذا الموقف وموقف الطائفة الثالثة من هذه الأحاديث، وأساليبهم في ردّها، أمكنك نسبة القول بالتحريف إلى هذين العالمين الجليلين وأمثالهما من أهل السنّة ...

التصريح بوقوع التحريف

بل في علماء أهل السنّة من يعتقد بتحريف القرآن الكريم

__________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل 1: 164.

(2) التسهيل لعلوم التنزيل 3: 15.

(3) السراج المنير 1: 345 لمحمد بن أحمد الخطيب الشربيني الفقيه الشافعي المفسّر، توفي سنة 977، له ترجمة في الشذرات 8: 384.

١٩٧

وينادي به بأعلى صوته إمّا اعتماداً على ما روي في كيفية جمع القرآن، وإمّا اعتقاداً بصحّة كل ما اخرج في كتابي البخاري ومسلم، وإمّا إنكاراً لنسخ التلاوة وعلى كلّ حال فقد ذهب جماعة منهم إلى القول بسقوط شيء من القرآن، قال الرافعي ما نصّه: «... فذهب جماعة من أهل الكلام - ممّن لا صناعة لهم إلاّ الظّن والتأويل واستخراج الأساليب الجدليّة من كلّ حكم وكلّ قول - إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء، حملاً على ما وصفوا من كيفيّة جمعه»(1) .

وقال القرطبي: «قال أبو عبيد: وقد حدّثت عن يزيد بن زريع، عن عمران بن جرير، عن أبي مجلز، قال: طعن قوم على عثمانرحمه‌الله - بحمقهم - جمع القرآن، ثمّ قرأوا بما نسخ»(2) .

وقال: «قال أبو عبيد: لم يزل صنيع عثمان - رضي الله عنه - في جمعه القرآن يعدّ له بأنّه من مناقبه العظام، وقد طعن عليه فيه بعض أهل الزيغ، فانكشف عواره ووضحت فضائحه»(3) .

وقال أيضاً: «قال الإمام أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري: ولم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون من شرف القرآن وعلوّ منزلته ما يوجب الحقّ والإنصاف والديانة، وينفون عنه قول المبطلين وتمويه الملحدين وتحريف الزائغين، حتى نبغ في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملّلة وهجم على الامّة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال الله يؤيّدها ويثبت اسّها وينمي فرعها ويحرسها عن معايب اولي

__________________

(1) إعجاز القرآن: 41.

(2) الجامع لأحكام القرآن 1: 84.

(3) الجامع لأحكام القرآن 1: 84.

١٩٨

الجنف والجور ومكائد أهل العداوة والكفر.

فزعم أنّ المصحف الذي جمع عثمان رضي الله عنه - باتّفاق أصحاب رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله ] على تصويبه فيما فعل - لا يشتمل على جميع القرآن، إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف، قد قرأت ببعضها وسأقرأ ببقيّتها، فمنها [ والعصر - ونوائب الدهر - ] فقد سقط من القرآن على جماعة المسلمين «ونوائب الدهر» ومنها [ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس - وما كان الله ليهلكها إلاّ بذنوب أهلها - ] فادّعى هذا الإنسان أنّه سقط عن أهل الإسلام من القرآن «وما كان الله ليهلكها إلاّ بذنوب أهلها» وذكر ممّا يدّعي حروفاً كثيرة ...»(1) .

ولقد نسب هذا القول إلى الحشوية من أهل السنّة والجماعة - وهم أصحاب أبي الحسن البصري - فإنّهم ذهبوا إلى وقوع التحريف في القرآن تغييراً ونقصاناً(2) .

وفي كلام النحّاس: إنّ العلماء تنازعوا حديث عائشة في الرضاع، فردّه جماعة وصحّحه آخرون، قال:

«وأمّا قول من قال: إنّ هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم - فعظيم ...» وستأتي عبارته كاملة.

ومن الواضح: أنّه إذا كان يقرأ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أصل القرآن وأنّه لا نسخ بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإجماع فهو

__________________

(1) الجامع لأحكام القرآن 1: 81 - 82.

(2) مجمع البيان وغيره.

١٩٩

إذاً ساقط من القرآن، فالقرآن محرّف ومن ثمّ استعظم النّحّاس هذا القول.

وأمّا توجيه البيهقي لهذا الحديث: فإقرار منه بأنّ هذا كان من القرآن حتى بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان المسلمون يتلونه في أصل القرآن.

وزعمه: أنّ الآية كانت منسوخة على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ الذّين كانوا يتلونها لم يبلغهم النسخ، عارٍ عن الصحّة ولا دليل يدلّ عليه، على أنّا نقطع بأنّه كما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ينشر سور القرآن وآياته ويأمر بقراءتها بمجّرد نزولها، فإنّه كان عليه - على فرض وجود النسخ بصورة عامّة - أن يذيع ذلك بين الامّة ويبلّغهم جميعاً ليطّلع الكلّ على ذلك، كما كان يفعل بالنسبة إلى نشر الآيات والسور النازلة.

على أنّ كلامه يستلزم أن تكون الآية من القرآن وأن لا تكون منه في وقت واحد، وهو باطل وسيأتي مزيد بحث حوله في «الفصل الرابع».

وقال الشعراني(1) : «ولو لا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان»(2) .

وقال الزرقاني - في بيان الأقوال في معنى حديث نزول القرآن على سبعة أحرف - ما نصّه: «وهو: أنّ المراد بالأحرف: السبعة أوجه من

__________________

(1) الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني، من فقهاء الحنفية ومن علماء المتصوّفين، له مؤلفات كثيرة في الحديث والمواعظ والتراجم وغيرها من العلوم، توفّي سنة 973، وله ترجمة في الشذرات: 8: 372 وغيرها.

(2) الكبريت الاحمر - المطبوع على هامش اليواقيت والجواهر: 143.

٢٠٠