التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف0%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف:

الصفحات: 368
المشاهدات: 170848
تحميل: 5435

توضيحات:

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170848 / تحميل: 5435
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

رجل - وأنا شاهد - بكتاب مسلم، فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر فقال: ما أبعد هذا عن الصحيح! ثم رأى قطن بن نسير فقال لي: وهذا أطمّ من الأول، قطن بن نسير يصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس ثم نظر فقال: يروي عن أحمد ابن عيسى في الصحيح! ما رأيت أهل مصر يشكّون في أنّه - وأشار إلى لسانه -»(1) .

وقال: «قال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم بن الحجّاج فسلّم عليه وجلس ساعة وتذاكرا، فلمّا قام قلت له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح. قال: فلمن ترك الباقي؟! ثمّ قال: هذا ليس له عقل، لو دارى محمد بن يحيى لصار رجلاً»(2) .

وقال الذهبي في ترجمة على بن المديني شيخ البخاري: «علي بن عبدالله بن جعفر ابن الحسن الحافظ، أحد الأعلام الأثبات، وحافظ العصر، ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع، فقال: جنح إلى ابن داود والجهمية، وحديثه مستقيم إن شاء الله. قال لي عبدالله بن أحمد: كان أبي حدّثنا عنه، ثم أمسك عن اسمه وكان يقول: حدّثنا رجل، ثمّ ترك حديثه بعد ذلك. قلت: بل حديثه عنه في مسنده، وقد تركه إبراهيم الحربي وذلك لميلة إلى أحمد بن أبي داود، فقد كان محسناً إليه.

وكذا امتنع مسلم عن الرواية عنه في صحيحة لهذا المعنى، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الرواية عن تلميذه محمد(3) لأجل مسألة اللفظ. وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: كان أبو زرعة ترك الرواية عنه من

__________________

(1) تذهيب التهذيب - ترجمة أحمد بن عيسى المصري، ميزان الاعتدال 1: 125.

(2) سير أعلام النبلاء - ترجمة محمد بن يحيى الذهلي 12: 280.

(3) هو محمد بن إسماعيل البخاري.

٣٠١

أجل ما كان منه في المحنة»(1) .

وقال المناوي في ترجمة البخاري: «زين الامّة، إفتخار الأئمّة، صاحب أصحّ الكتب بعد القرآن وقال المذهبي: كان من أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة. هذه عبارته في الكاشف. ومع ذلك غلب عليه الغضّ من أهل السنّة، فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين: ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ، تركه لأجلها الرازيّان(2) . هذه عبارته واستغفر الله تعالى، نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان»(3) .

ترجمة أبي زرعة الرازي

وقد ترجم الذهبي وابن حجر وغيرهما أبا زرعة ترجمة حافلة وأوردوا كلمات القوم في إمامته وثقته وحفظه وورعه بما يطول ذكره، والجدير بالذكر قول الذهبي في آخر ترجمته: «قلت: يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل يبين عليه الورع والخبرة»(4) .

وقول أبي حاتم في حقّه: «إذا رأيت الرازي ينتقص أبا زرعة فاعلم أنّه مبتدع»(5) .

وقول ابن حبّان: «كان أحد أئمّة الدنيا في الحديث، مع الدين والورع والمواظبة على الحفظ والمذاكرة وترك الدنيا وما فيه

__________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 138.

(2) هما: أبو زرعة الرازي وأبو حاتم الرازي.

(3) فيض القدير 1: 24.

(4) سير أعلام النبلاء 13: 81.

(5) تهذيب التهذيب 7: 30.

٣٠٢

الناس»(1) .

وقول ابن راهويه: «كلّ حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل»(2) .

إمتناع أبي حاتم من الرواية عن البخاري

2 - وامتنع أبو حاتم الرازي من الرواية عن البخاري كما عرفت.

تكلّم الذهلي في البخاري ومسلم

3 - وتكلّم محمد بن يحيى الذهلي في البخاري، وكذا إخراجه مسلماً من مجلس بحثه، مذكور في جميع كتب التراجم

قال الذهبي عن الحاكم: «وسمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول: لمّا استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم بن الحجّاج الإختلاف إليه، فلمّا وقع بين الذهلي وبين البخاري ما وقع في مسألة اللفظ ونادى عليه ومنع الناس عنه، انقطع عنه أكثر الناس غير مسلم، فقال الذهلي يوماً: ألا من قال باللفظ فلا يحلّ له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام على رؤوس الناس، وبعث إلى الذهلي ما كتب عنه على ظهر حمّال، وكان مسلم يظهر القول باللفظ ولا يكتمه.

قال: وسمعت محمد بن يوسف المؤذّن: سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول: حضرت مجلس محمد بن يحيى، فقال: ألا من قال: لفظي

__________________

(1) تهذيب التهذيب 7: 30.

(2) سير أعلام النبلاء 13: 71، تهذيب التهذيب 7: 29، الكاشف 2: 201.

٣٠٣

بالقرآن مخلوق فلا يحضر مجلسنا، فقام مسلم بن الحجّاج عن المجلس، رواها أحمد بن منصور الشيرازي عن محمد بن يعقوب، فزاد: وتبعه أحمد بن سلمة.

قال أحمد بن منصور الشيرازي: سمعت محمد بن يعقوب الأخرم، سمعت أصحابنا يقولون: لمّا قام مسلم وأحمد بن سلمة من مجلس الذهلي قال: لا يساكنني هذا الرجل في البلد. فخشي البخاري وسافر»(1) .

ترجمة الذهلي

وترجم له الخطيب فقال: «كان أحد الآئمة والعارفين والحفّاظ المتقنين والثقات المأمونين، صنّف حديث الزهري وجوّده، وقدم بغداد وجالس شيوخها وحدّث بها، وكان الإمام أحمد بن حنبل يثني عليه وينشر فضله، وقد حدّث عنه جماعة من الكبراء» فذكر كلمات الثناء عليه حتى نقل عن بعضهم قوله: «كان أمير المؤمنين في الحديث»(2) .

والجدير بالذكر رواية البخاري عنه بالرغم ممّا كان منه في حقّه، لكن مع تدليس في اسمه، قال الذهبي: «روى عنه خلائق منهم محمد بن إسماعيل البخاري، ويدلّسه كثيراً، لا يقول: محمد بن يحيى، بل يقول: محمد فقط، أو محمد ابن خالد، أو محمد بن عبدالله، ينسبه إلى الجدّ ويعمّي اسمه لمكان الواقع بينهما»(3) .

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 12: 460، هدى الساري في مقدّمة فتح الباري 2: 264.

(2) تاريخ بغداد 3: 415.

(3) سير أعلام النبلاء 12: 274.

٣٠٤

البخاري في كتاب (الجرح والتعديل).

4 - وأورد بن أبي حاتم البخاريّ في كتاب (الجرح والتعديل) وقال ما نصّه: «قدم محمد بن إسماعيل الريّ سنة 250 وسمع منه أبي وأبو زرعة، وتركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى أنّه أظهر عندهم بنيسابور أنّ لفظه بالقرآن مخلوق»(1) .

ترجمة ابن أبي حاتم

وقد وصفوا ابن أبي حاتم بالإمامة والحفظ والثقة والزهد، بل قالوا: «كان يعدّ من الأبدال»(2) . وقال الذهبي: «له كتاب نفيس في الجرح والتعديل»(3) . وعن ابن مندة: «له الجرح والتعديل في عدّة مجلّدات، تدلّ على سعة حفظه وإمامته»(4) .

طعن إبن الأعين في البخاري.

5 - وقال أبو بكر ابن الأعين: «مشايخ خراسان ثلاثة: قتيبة، وعلي بن حجر، ومحمد بن مهران الرازي. ورجالها أربعة: عبدالله بن عبدالرحمن السمرقندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري - قبل أن يظهر -،

__________________

(1) الجرح والتعديل 7: 191.

(2) سير أعلام النبلاء 103: 264، مرآة الجنان 2: 289، فوات الوفيات 2: 288.

(3) سير أعلام النبلاء 13: 264.

(4) فوات الوفيات 2: 288.

٣٠٥

ومحمد بن يحيى، وأبو زرعة»(1) .

وقوله: «قبل أن يظهر» طعن كما هو ظاهر.

وابن الأعين من أكابر الحفّاظ الأعلام.

البخاري في كتاب (الضعفاء للذهبي)

6 - وأورد الذهبي البخاري في كتاب «ميزان الإعتدال في نقد الرجال» وكتاب «المغني في الضعفاء»(2) وهو ما استنكره المناوي في عبارته آنفة الذكر.

(2)

آراء العلماء في الصحيحين

وتضمّنت الكلمات السالفة الذكر - عن جمع من أعلام الجرح والتعديل الّذين يكفي قدح الواحد منهم للسقوط عن درجة الاعتبار - الطعن في الصحيحين أو أحدهما. وفي ذلك كفاية في وهن دعوى الإجماع على تلقّي الامّة(3) أحاديثهما بالقبول وهنا نتعرّض لآراء عدّة من الأكابر السابقين واللاحقين في حكم أحاديث الصحيحين.

__________________

(1) سير أعلام النبلاء - ترجمة على بن حجر 11: 50.

(2) ميزان الاعتدال 3: 485، المغني 2: 557.

(3) مضافاً إلى أنّ الشيعة الاثني عشرية، والزيدية والحنفية، والظاهرية لا يقولون بذلك وهم من هذه الأمّة.

٣٠٦

معلومات عن الصحيحين

وقبل الورود في ذلك نذكر معلوماتٍ نقلاً عن شرّاح الكتابين والعلماء المحقّقين في الحديث:

1 - قد انتقد حفّاظ الحديث البخاري في «110» أحاديث، منها «32» حديثاً وافقه مسلم فيها، و «78» انفرد هو بها(1) .

2 - الّذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم «أربعمائة وبضعه وثلاثون» رجلاً. المتكلّم فيه بالضعف منهم «80» رجلاً. والّذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري «620» رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم «160» رجلاً(2) .

3 - الأحاديث المنتقدة المخرّجة عندهما معاً بلغت «210» حديثاً، اختصّ البخاري منها بأقلّ من «80» حديثاً، والباقي يختصّ بمسلم(3) .

4 - هناك رواة يروي عنهم البخاري، ومسلم لا يرتضيهم ولايروي عنهم، ومن أشهرهم: عكرمة مولى ابن عبّاس.

5 - قد اتفّق الشيخان على الرواية عن أقوام انتقدهم أصحاب الصحاح الاخرى وأئمّة المذاهب ومن أشهرهم: محمد بن بشّار حتى نسب إلى الكذب(4) .

__________________

(1) مقدّمة فتح الباري: 9.

(2) مقدّمة فتح الباري: 9.

(3) مقدّمة فتح الباري: 9.

(4) ميزان الاعتدال: 3 / 490.

٣٠٧

6 - إنّه قد اختلف عدد أحاديث البخاري في روايات أصحابه لكتابه، وقال ابن حجر: عدة ما في البخاري من المتون الموصولة بلا تكرار «2602» ومن المتون المعلّقة المرفوعة «159»، فالمجموع «2761»، وقال في شرح البخاري: إنّ عدّته على التحرير «2513» حديث(1) .

7 - إنّ البخاري ما قبل أن يبيّض كتابه، ولذا اختلفت نسخه ورواياته(2) .

8 - إن البخاري لم يكن يكتب الحديث في مجلس سماعه، بل بلده؛ فعن البخاري أنّه قال: ربّ حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، وربّ حديث سمعته بالشام كتبته بمصر، فقيل له: يا أبا عبدالله بكماله؟! فسكت»(3) .

أمّا مسلم فقد «صنّف كتابه في بلده بحضور اصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرّ في الألفاظ ويتحرّى في السياق ...»(4) .

وبعد، فإنّ دعوى تلقّي الامّة أحاديث الصحيحين بالقبول وقيام الإجماع عن صحّتها لا أساس لها من الصحّة لما تقدّم ويأتي:

النووي

1 - النووي: «ليس كلّ حديث صحيح يجوز العمل به فضلاً عن أن

__________________

(1) أضواء على السنّة المحمّدية: 307.

(2) انظر: مقدّمة فتح الباري: 6، أضواء على السنّة المحمّدية: 301.

(3) تاريخ بغداد 2: 11.

(4) مقدّمة فتح الباري: 10.

٣٠٨

يكون العمل به واجباً»(1) وقال: «وما يقوله الناس: إنّ من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا من التجوّه ولا يقوى»(2) .

ابن الهمام

2 - كمال الدين ابن لهمام: «وقول من قال: أصحّ الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما اشتمل على شرطهما، ثم ما اشتمل على شرط أحدهما، تحكّم لا يجوز التقليد فيه، إذا الأصحّيّة ليست إلا لاشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها، فإن فرض وجود تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين، أفلا يكون الحكم بأصحيّة ما في الكتابين عين التحكّم؟!»(3) .

أبو الوفاء القرشي(4)

3 - أبو الوفاء القرشي: «فائدة: حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسلم وغيره - يشتمل على أنواع منها التورّك في الجلسة الثانية - ضعّفه الطحاوي ولا يحنق علينا لمجيئه في مسلم، وقد وقع في مسلم أشياء لا تقوى عند الإصطلاح، فقد وضع الحافظ الرشيد العطّار على الأحاديث المقطوعة المخرّجة في مسلم كتاباً

__________________

(1) التقريب في علم الحديث، عنه في منتهى الكلام في الردّ على الشيعة: 27.

(2) المنهاج في شرح صحيح مسلم، وعنه أضواء على السنّة المحمّدية: 313، «والتجّوه» طلب الجاه بتكلّف.

(3) شرح الهداية في الفقه، وعنه في أضواء على السنّة المحمّدية: 312.

(4) ترجمته في: حسن المحاضرة 1: 471، الدرر الكامنة 2: 392، شذرات الذهب 6: 238.

٣٠٩

سماّه بـ (غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة) وبيّنها الشيخ محيي الدين في أوّل شرح مسلم.

وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضاً من التحنّق ولا يقوى، فقد روى مسلم في كتابه عن ليث بن أبي مسلم وغيره من الضعفاء، فيقولون: إنّما روى في كتابه للإعتبار والشواهد والمتابعات والإعتبارات، وهذا لا يقوى، لأنّ الحفّاظ قالوا: الإعتبار والشواهد والمتابعات والإعتبارات امور يتعرّفون بها حال الحديث، وكتاب مسلم التزم فيه الصحّة، فكيف يتعرّف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة.

واعلم أنّ (عن) مقتضية للإنقطاع عند أهل الحديث، ووقع في مسلم والبخاري من هذا النوع شيء كثير، فيقولون على سبيل التحنّق: ما كان من هذا النوع في غير الصحيحين فمنقطع، وما كان في الصحيحين فمحمول على الإتّصال.

وروى مسلم في كتابه عن أبي الزبير عن جابر أحاديث كثيرة بالعنعنة، وقال الحافظ: أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكّي يدلّس في حديث جابر، فما كان يصفه بالعنعة لا يقبل، وقد ذكر ابن حزم وعبدالحقّ عن الليث بن سعد أنّه قال لأبي الزبير: علّم لي أحاديث سمعتها من جابر حتى أسمعها منك، فعلّم لي أحاديث أظنّ أنّها سبعة عشر حديثاً فسمعتها منه، قال الحافظ: فما كان من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر صحيح.

وقد روى مسلم في كتابه أيضاً عن جابر وابن عمر في حجّة الوداع: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله توجّه إلى مكّة يوم النحر، وطاف

٣١٠

طواف الإفاضة، ثم رجع فصلّى الظهر بمنى، فينحنقون ويقولون: أعادها لبيان الجواز، وغير ذلك من التأويلات، ولهذا قال ابن حزم في هاتين الروايتين: إحداهما كذب بلا شكّ.

وروى مسلم أيضاً حديث الإسراء وفيه: «وذلك قبل أن يوحى إليه» وقد تكلّم الحفّاظ في هذه اللفظة وبيّنوا ضعفها.

وروى مسلم أيضأ: «خلق الله التربة يوم السبت»، واتفّق الناس على أنّ يوم السبت لم يقع فيه خلق.

وروى مسلم عن أبي سفيان أنّه قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أسلم: يا رسول الله اعطني ثلاثاً: تزوّج ابنتي أمّ حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتباً، وأمّرني أن اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، فأعطاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحديث معروف مشهور. وفي هذا من الوهم ما لا يخفى، فامّ حبيبة تزوّجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي بالحبشة وأصدقها النجاشي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعمائة دينار، وحضر وخطب وأطعم، والقصّة مشهورة. وأبو سفيان إنّما أسلم عام الفتح وبين الهجرة إلى الحبشة والفتح عدّة سنين، ومعاوية كان كاتباً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل، وأمّا إمارة أبي سفيان فقد قال الحافظ: إنّهم لا يعرفونها.

فيجيبون على سبيل التحنّق بأجوبة غير طائلة فيقولون في نكاح ابنته: إعتقد أن نكاحها بغير إذنه لا يجوز وهو حديث عهد بكفر، فأراد من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تجديد النكاح. ويذكرون عن الزبير بن بكّار بأسانيد ضعيفة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّره في بعض الغزوات، وهذا لا يعرف.

وما حملهم على هذا كلّه بعض التعصّب، وقد قال الحافظ:

٣١١

إنّ مسلماً لمّا وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي فأنكر عليه وقال: سمّيته الصحيح فجعلت سلّماً لأهل البدع وغيرهم، فإذا روى لهم المخالف حديثاً يقولون: هذا ليس في صحيح مسلم؛ فرحم الله تعالى أبا زرعة فقد نطق بالصواب، فقد وقع هذا.

وما ذكرت ذلك كلّه إلاّ أنّه وقع بيني وبين بعض المخالفين بحث في مسألة التورّك، فذكر لي حديث أبي حميد المذكور أولاً، فأجبته بتضعيف الطحاوي فما تلفّظ وقال: مسلم يصحّح والطحاوي يضعّف، والله تعالى يغفر لنا وله آمين»(1) .

الأدفوي

4 - أبو الفضل الأدفوي(2) : «ثم أقول: إنّ الامّة تلقّت كلّ حديث صحيح وحسن بالقبول، وعملت به عند عدم المعارض، وحينئذ لا يختصّ بالصحيحين، وقد تلقّت الامّة الكتب الخمسة أو الستّة بالقبول وأطلق عليها جماعة اسم (الصحيح) ورجّح بعضهم بعضها على كتاب مسلم وغيره.

قال أبو سليمان أحمد الخطّابي: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنّف في حكم الدين كتاب مثله، وقد زرق من الناس القبول كافّة، فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وكتاب السنن أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من كتب البخاري

__________________

(1) الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية 2: 428 - 430.

(2) ترجمته في: الدرر الكامنة 2: 72، النجوم الزاهرة 10: 237، البدر الطالع 1: 182، حسن المحاضرة 1: 320، شذرات الذهب 6: 153.

٣١٢

ومسلم.

وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: سمعت الإمام أبا الفضل عبدالله بن محمد الأنصاري بهراة يقول: وقد جرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه فقال -: كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم.

وقال الإمام أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني: إنّ لأبي عبدالرحمن النسائي شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم.

وقال أبو زرعة الرازي لمّا عرض عليه ابن ماجة السنن كتابه: أظنّ إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع كلّها، أو قال: أكثرها.

ووراء هذا بحث آخر وهو: أنّ قول الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح: إنّ الامّة تلقّت الكتابين بالقبول، إن أراد كلّ الامّة فلا يخفى فساد ذلك، إذ الكتابان إنّما صنّفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأئمّة المذاهب الأربعة، ورؤوس حفّاظ الأخبار ونقّاد الآثار المتكلّمين في الطرق والرجال، المميّزين بين الصحيح والسقيم.

وإن أراد بالأمّة الّذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الامّة، فلا يستقيم له دليله الذي قرّره من تلقّي الامّة وثبوت العصمة لهم، والظاهرية إنّما يعتنون بإجماع الصحابة خاصة، والشيعة لا تعتدّ بالكتابين وطعنت فيهما، وقد اختلف في اعتبار قولهم في الإجماع والإنعقاد.

ثم إن أراد كلّ حديث فيهما تلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما، فتكلّم الدار قطني في أحاديث وعلّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث

٣١٣

شريك في الإسراء، قال: إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، والقطع لا يقع التعارض فيه.

وقد اتّفق البخاري ومسلم على إخراج حديث «محمد بن بشّار بندار» وأكثرا من الإحتجاج بحديثه، وتكلّم فيه غير واحد من الحفّاظ، أئمّة الجرح والتعديل، ونسب إلى الكذب، وحلف عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري أنّ بندار يكذب في حديثه عن يحيى، وتكلّم فيه أبو موسى، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود: هذا كذب، وكان يحيى لا يعبأ به ويستضعفه، وكان القواريري لا يرضاه.

وأكثرا من حديث «عبد الرزّاق» والإحتجاج به، وتكلّم فيه ونسب إلى الكذب.

وأخرج مسلم عن «أسباط بن نصر» وتكلّم فيه أبو زرعة وغيره.

وأخرج أيضاً عن «سماك بن حرب» وأكثر عنه، وتكلّم فيه غير واحد، وقال الإمام أحمد بن حنبل: هو مضطرب الحديث، وضعّفه أمير المؤمنين في الحديث شعبة، وسفيان الثوري؛ وقال يعقوب بن شعبة: لم يكن من المتثبّتين؛ وقال النسائي: في حديثه ضعف؛ قال شعبة: كان سماك يقول في التفسير عكرمة، ولو شئت لقلت له: ابن عبّاس، لقاله: وقال ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث؛ وضعّفه ابن حزم قال: وكان يلقّن فيتلقّن.

وكان أبو زرعة يذمّ وضع كتاب مسلم ويقول: كيف تسمّيه الصحيح وفيه فلان وفلان وذكر جماعة.

وأمثال ذلك يستغرق أوراقاً، فتلك الأحاديث عندهما ولم يتلقّوهما بالقبول.

٣١٤

وإنّ أراد غالب ما فيهما سالم من ذلك لم يبق له حجّة»(1) .

القاري

5 - الشيخ علي القاري حول صحيح مسلم: «وقد وقع منه أشياء لا تقوى عند المعارضة، وقد وضع الرشيد العطّار كتاباً على الأحاديث المقطوعة فيه، وبيّنها الشيخ محيي الدين في أول شرح مسلم.

وما يقوله الناس: إنّ من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضاً من التجاهل والتساهل فقد روى مسلم في كتابه عن الليث ...» إلى آخر ما ذكره من الأمثلة لما قاله، بعبارات تشبه عبارات الأدفوي(2) .

محبّ الله بن عبد الشكور

6 - الشيخ محبّ الله بن عبدالشكور صاحب «مسلّم الثبوت».

عبدالعلي الأنصاري

7 - الشيخ عبدالعلي الأنصاري الهندي - شارح مسلّم الثبوت -، وهذا كلامه مازجاً بالمتن: «(فرع: إبن الصلاح وطائفة) من الملقّبين بأهل الحديث (زعموا أنّ رواية الشيخين) محمد بن إسماعيل (البخاري ومسلم) بن الحجّاج صاحبي الصحيحين (تفيد العلم النظري، للإجماع

__________________

(1) الإمتاع في أحكام السماع، عنه في خلاصة عبقات الأنوار - تأليف: علي الحسيني الميلاني - 6 / 169

(2) اُنظر: خلاصة عبقات الأنوار 6 / 167.

٣١٥

على أنّ للصحيحين مزيّة) على غيرهما، وتلقّت الامّة بقبولهما، والإجماع قطعي.

وهذا بهت، فإنّ من رجع إلى وجدانه يعلم بالضرورة أنّ مجرّد روايتهما لا يوجب اليقين ألبتّة، وقد روي فيهما أخبار متناقضة، فلو أفادت روايتهما علماً لزم تحقّق النقيضين في الواقع (وهذا) أي ما ذهب إليه ابن الصلاح وأتباعه (بخلاف ما قاله الجمهور) من الفقهاء والمحدّثين، لأنّ انعقاد الإجماع على المزيّة على غيرهما من مرويّات ثقات آخرين ممنوع، والإجماع على مزيّتهما في أنفسهما لا يفيد و (لأنّ جلالة شأنهما وتلقّي الأمّة لكتابيهما والإجماع على المزيّة لو سلم لا يستلزم ذلك) القطع والعلم، فإنّ القدر المسلّم المتلقّى بين الامّة ليس إلاّ أنّ رجال مرويّاتهما جامعة للشروط التي اشترطها الجمهور لقبول روايتهم، وهذا لا يفيد إلاّ الظنّ، وأمّا أنّ مرويّاتهما ثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا إجماع عليه أصلاً. كيف ولا إجماع على صحّة جميع ما في كتابيهما، لأنّ روايتهما منهم قدريّون وغيرهم من أهل البدع، وقبول رواية أهل البدع مختلف فيه، فأين الإجماع على صحّة مرويّات القدريّة؟!»(1) .

ابن أمير الحاج

8 - ابن أمير الحاجّ(2) : «ثم ممّا ينبغي التنبّه له أنّ أصحّيّتهما

__________________

(1) فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت 2 / 123.

(2) ترجمته في: شذرات الذهب 6 / 328، الضوء اللامع 9 / 210، البدر الطالع 2 / 254.

٣١٦

على ما سواهم تنزّلاً إنّما تكون بالنظر إلى من بعدهما، لا المجتهدين المتقدّمين عليهما، فإنّ هذا مع ظهوره قد يخفى على بعضهم أو يغالط به»(1) .

المقبلي

9 - المقبلي(2) في كتابه (العلم الشامخ): «في رجال الصحيحين من صرّح كثير من الأئمة بجرحهم، وتكلّم فيهم من تكلّم بالكلام الشديد، وإن كان لا يلزمهما إلاّ العمل باجتهادهما»(3) .

محمد رشيد رضا

10 - السيّد محمد رشيد رضا، بعد أن عرض للأحاديث المنتقدة على البخاري: «وإذا قرأت ما قاله الحافظ(4) فيها رأيتها كلّها في صناعة الفنّ ولكنّك إذا قرأت الشرح نفسه (فتح الباري) رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات(5) في معانيها أو تعارضها مع غيرها، مع محاولة الجمع بين المختلفات وحلّ المشكلات بما يرضيك بعضه دون بعض»(6) .

__________________

(1) التقرير والتحبير في شرح التحرير في اصول الفقه، وعنه في أضواء على السنّة المحمديّة: 314.

(2) صالح بن مهدي ترجمته في: الأعلام 3: 197.

(3) العلم الشامخ، وعنه في أضواء على السنّة المحمديّة: 310.

(4) هو الحافظ ابن حجر العسقلاني.

(5) قلت: سنشير على مواضع منها فيما سيأتي.

(6) المنار 29: 41.

٣١٧

وقال: «ممّا لا شكّ فيه أيضاً أنّه يوجد في غيرهما من دواوين السنّة أحاديث أصحّ من بعض ما فيهما ولا يخلو [ البخاري ] من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع، كحديث سحر بعضهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصّاص من المفسّرين المتقدّمين والاستاذ الإمام محمد عبده من المتأخّرين، لأنّه معارض بقوله تعالى:( إذ يقول الظالمون إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحوراً * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلاً ) [ الإسراء 17: 47 و 48 ].

هذا، وإنّ في البخاري أحاديث في امور العادات والغرائز ليست من اصول الدين ولا فروعه، فإذا تأمّلتم هذا وذاك علمتم أنّه ليس من اصول الدين ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام ولا في معرفته التفصيلية، الإطّلاع على صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه.

وعلمتم أيضاً أنّ المسلم لا يمكن أن ينكر حديثاً من هذه الأحاديث بعد العلم به إلاّ بدليل يقوم عنده على عدم صحّته متناً أو سنداً، فالعلماء الّذين أنكروا صحّة بعض هذه الأحاديث لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم، قد يكون بعضها صواباً وبعضها خطأً، ولا يعدّ أحدهم طاعناً في دين الإسلام»(1) .

أبورية

11 - الشيخ محمود أبو ريّة فإنّه انتقد الصحيحين انتقاداً

__________________

(1) المنار 2: 104 - 105.

٣١٨

علمياً، واستشهد في بحثه بكلمات العلماء من المتقدّمين والمتأخرين(1) .

أحمد أمين

12 - الدكتور أحمد أمين - حول البخاري -: «إنّ بعض الرجال الّذين روى لهم ثقات، وقد ضعّف الحفّاظ من رجال البخاري نحو الثمانين، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل ...»(2) .

شكيب أرسلان

13 - الأمير شكيب أرسلان: «إنّ كثير بن من المسلمين ومن ذوي الحميّة الإسلامية وممّن لا ينقصهم شيء من الإيمان والإيقان لا يرون من الواجب الديني الإيمان بكلّ ما جاء في الصحيحين وغيرهما من الأحاديث، لاحتمال أن يكون تطرّق إليها التبديل والتغيير أو دخلها الزيادة والنقصان ...»(3) .

أحمد محمد شاكر

14 - الشيخ أحمد محمد شاكر: «قد وقع في الصحيحين أحاديث كثيرة من رواية بعض المدلّسين»(4) .

__________________

(1) أضواء على السنّة المحمديّة: 299 - 316.

(2) ضحى الإسلام 2: 117 - 118.

(3) حاضر العالم الإسلامي 1: 44 - 51، وعنه في أضواء على السنّة المحمديّة: 326.

(4) شرح ألفيّة السيوطي، عنه في أضواء على السنّة المحمديّة: 311.

٣١٩

(3)

الصحيحان في الميزان

هذا وقد ألّف بعض أعاظم القوم «علل الحديث» المخّرج في الصحيحين كالدار قطني.

وآخر «غريب الصحيحين» كالضياء المقدسي.

وثالث: «نقد الصحيح» كالفيروز آبادي.

ورابع «التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح» كالزركشي.

وخامس «غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة» كالعطّار

ودافع ابن حجر العسقلاني عن البخاري وحاول رفع مشكلات حديثه في مقدّمة شرحه، لكنّه أخفق في موضع واعترف بالإشكال وستعلم بعض ذلك ...

مقدّمة فيها مطلبان

وقبل الشروع في ذكر نماذج من الأحاديث المحكوم عليها بالوضع أو الضعف أو الخطأ المخرّجة في الصحيحين نذكّر بمطلبين:

1 - إنّا عندما نلاحظ كتب الحديث وعلومه عند القوم، ونستعرض أحوال محدّثيهم ورواتهم، نجد أنّهم يهتمّون برواية الحديث ونقله بسنده ومتنه، ولا يعتنون بالنظر في معناه ومدلوله، وأنّ الأوصاف والألقاب والمناقب والمراتب تعطى لمن كان أوسع جمعاً وأكثر رواية، لا لمن أدقّ نظراً وأوفر درايةً ومن هنا كثرت منهم الأغلاظ الفاحشة، حتى

٣٢٠