التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف0%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف:

الصفحات: 368
المشاهدات: 170859
تحميل: 5435

توضيحات:

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170859 / تحميل: 5435
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

المهديعليه‌السلام (1) .

وبعد، فليس لأصحاب الشبهة إلاّ أن يزعموا أنّ القرآن على عهدهعليه‌السلام هو نفس ما جمعه الإمام أمير المؤمنين - كما هو ظاهر بعض الأحاديث - إذ القول بأنّه غيره قطعاً، فالشبهة هذه إذاً مبتنية على الشبهة السابقة، وهي مندفعة باندفاعها.

فالصحيح أنّ القرآن في عهده لا يختلف عن هذا القرآن الموجود من حيث الألفاظ، وعلى ذلك علماؤنا - رضي الله عنهم - بل قد صرّح شارح «الكافي» بأنّه: «يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به»(2) .

الشبهة الرابعة: كائن في هذه الامّة ما كان في الامم السالفة

إنّ التحريف قد وقع في التوراة والإنجيل، وقد ورد في الأحاديث عن النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه: «كائن في امته ما كان في الامم السالفة» بل قال المحدّث العاملي - بعد أن روى طرفاً من تلك الأحاديث عن أكابر المحدّثين كالصدوق والكليني - «والأحاديث في ذلك كثيرة متواترة بين الشيعة والسنّة»(3) .

وقال السيد الطباطبائي: «هي متضافرة أو متواترة»(4) .

ومقتضى المماثلة المذكورة ينبئ عن وقوع التحريف في

__________________

(1) نصّ على ذلك فقهاؤنا - رضي الله تعالى عنهم - في موسوعاتهم الفقيهة في مبحث القراءة من كتاب الصلاة، ولهم هناك بحوث طويلة.

(2) الفصول المهمّة للسيد شرف الدين: 166.

(3) الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: 111.

(4) الميزان 12: 120.

٨١

 القرآن الكريم كما وقع في العهدين، وهذا يوجب الشك في هذا القرآن الموجود بين المسلمين.

وقد أجاب السيد الخوئي(1) عن هذه الشبهة بوجوه نلخصها ونتكلم عليها فيما يلي:

الأول: «إنّ هذه الأحاديث أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، ودعوى التواتر فيها جزافية لا دليل عليها، ولم يذكر من هذه الروايات شيء في الكتب الأربعة».

أقول: ولكنّ إنكار تواتر هذه الأحاديث لا يفيد في الشبهة.

وقوله: «لم يذكر ...»:

فيه: إنّ منها ما أخرجه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)، فقد جاء فيه في باب فرض الصلاة: «وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون في هذه الامة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة»(2) .

الثاني: لو سلّم تواتر هذه الأحاديث في السّند وصحّتها في الدلالة لما ثبت بها أنّ التحريف قد وقع فيما مضى من الزمن، فلعلّه يقع في المستقبل زيادة ونقيصة.

أقول: ولكن تجويز وقوع ذلك سواء في الماضي أو المستقبل، ينافي ما تقدّم من الأدلّة القويمة والشواهد الرصينة على امتناعه، لا سيّما وإن الله سبحانه قد وعد وضمن حفظ القرآن إلى يوم القيامة.

الثالث: إنّ المراد بالمماثلة والمشابهة ليس من جميع الوجوه،

__________________

(1) البيان: 220 - 221.

(2) من لا يحضره الفقيه 1: 203.

٨٢

 وإنّما المراد بها المماثلة من بعض الوجوه.

أقول: وبهذا الجواب اكتفى السيد الطباطبائي(1) وهو الصحيح، فإنّ كثيراً من القضايا التي وقعت في الامم السالفة لم تقع في هذه الامة، وبعضها لن يقع أصلاً، ومنها ما سيقع في المستقبل قطعاً.

__________________

 (1) الميزان 12: 120.

٨٣

الفصل الخامس

الرواة لأحاديث التحريف من الشيعة

مقدّمات

لقد كان بحثنا حتى الآن يدور حول الأحاديث التي وردت في كتب الشيعة الإمامية، وهي تفيد - بظاهرها - تحريف القرآن، بمعنى نقصانه وضياع شيء ممّا نزل على النبي.

والآن يجدر بنا أن ننظر في الكتب التي أخرجت تلك الأحاديث فيها، والعلماء الذين رووها، لنرى مدى صحّة التمسّك بهذه الأحاديث من هذه الجهة.

وقبل الخوض في البحث يجب أن ننبّه على امور:

1 - الرواية أعم من الإعتقاد

الأول: إنّ رواية الخبر مطلقاً أعمّ من قبوله والإعتقاد بمضمونه، فقد عني محدّثو الشيعة منذ القرون الاولى بجمع الروايات الواصلة إليهم عن الأئمة، وتبويبها وتنظيمها، صوناً لها من الضياع والنسيان وما شابه

٨٤

ذلك، من غير نظر في متونها وأسانيدها، ولذا تجد في روايات الواحد منهم ما يعارض ما رواه الآخر، بل تجد ذلك في أخبار الكتابين بل الكتاب الواحد للمؤلّف الواحد، وترى المحدّث يروي في كتابه الحديثي خبراً ينصّ على عدم قبول مضمونه في كتابه الفقهي أو الإعتقادي، لذلك فالرواية أعمّ من القبول والتصديق بالمضمون.

فلا يجوز نسبة مطلب إلى راوٍ أو محدّث بمجرد روايته أو نقله لخبر يدلّ على ذاك المطلب، إلاّ إذا نصّ على الإعتقاد به أو أورده في كتاب التزم بصحّة أخباره،

أو ذكره في كتاب صنّفه في بيان اعتقاداته أو فتاواه.

وهل يوجد عند الشيعة كتاب التزم فيه مؤلّفه بالصحّة من أوّله إلى آخره؟ الجواب: لا، وهذا هو الأمر:

2 - لا كتاب عند الشيعة صحيح كلّه

الثاني: إنّه لا يوجد كتاب واحد من بين كتب الشيعة وصفت أحاديثه جميعها بالصحّة، وقوبلت بالتسليم والقبول لدى الفقهاء والمحدّثين، ولذا نجد أنّ أحاديث الشيعة - وحتى الواردة في الكتب الأربعة(1) التي عليها المدار في استنباط الأحكام الشرعية - قد تعرّضت لنقد علماء الرجال وأئمّة الجرح والتعديل، فكل خبر أجتمعت فيه شرائط الصحّة، وتوفّرت فيه مقتضيات القبول اخذ به، وكلّ خبر لم يكن بتلك المثابة، ردّ، أياً كان مخرجه وراويه والكتاب الذي أخرج فيه(2) .

__________________

(1) هي: الكافي للكليني، من لا يحضره الفقيه للصدوق، التهذيب والاستبصار للطوسي.

(2) مقباس الهداية في علم الرواية للمامقاني ط مع تنقيح المقال.

٨٥

ولنأخذ مثالاً على ذلك كتاب (الكافي)(1) ، الذي هو أهمّ الكتب الأربعة وأوثقها لدى هذه الطائفة، وهو الذي أثنى عليه العلماء والمحدّثون والفقهاء وتلقّوه بيد الإحترام والتعظيم، فإنّ العلماء وزّعوا أحاديثه وهي (16199) حديثاً على أساس تصنيف الأحاديث إلى الأقسام الخمسة(2) . على النحو التالي:

الصحيح منها: 5072 حديثاً.

والحسن: 144 حديثاً.

والموثّق: 1118 حديثاً.

والقوي: 302 حديثاً.

والضعيف: 9485 حديثاً(3) .

فقد لوحظ أنّ أكثرها عدداً الأحاديث الضعيفة، ويمكن الإطّلاع على ذلك بمراجعة كتاب (مرآة العقول في شرح الكافي)(4) للشيخ

__________________

(1) يقع في ثمانية أجزاء: إثنان منها في الاصول، وخمسة منها في الفروع والثامن الروضة.

(2) وهي على أقسام، ويراجع للوقوف على تعريف كل قسم واقسامه كتب الدراية لدى الشيعة ككتاب الدراية للشيخ الشهيد الثاني، والوجيزة للشيخ البهائي وشروح الوجيزة، ومقباس الهداية لشيخنا الجدّ المامقاني وغيرها.

(3) دراسات في الكافي والصحيح للحسني، عن المستدرك للمحدّث النوري 3: 541.

(4) وكذا فعل المحدّث الجزائري في شرح التهذيب، قال المحدّث النوري: «والعجب من العلامة المجلسي وتلميذه المحدث الجزائري مع عدم اعتمادهما بهذا النمط الجديد خصوصاً الثاني، وشدّة إنكاره على من أخذه بنيا في شرحيهما على التهذيب والأول في شرحه على الكافي أيضاً على ذلك فصنعا بهما ما أشار إليه في الرواشح، ولم أجد محملاً صحيحاً لما فعلا» المستدرك 3: 771.

٨٦

المجلسي، فإنّه شرح الكتاب المذكور على أساس النظر في أسانيده، فعيّن الصحيح منها والضعيف والموثّق والمرسل، على ضوء القواعد المقرّرة لتمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها.

وهذا كلّه دليل على أنّ أحاديث «الكتب الأربعة» غير قطعيّة الصدور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام عند الإمامية، إلاّ أنّه يبدو أنّ هناك جماعة قليلة ذهبوا إلى القول بذلك، ولكنه قول مردود:

قال المحقّق الأكبر الشيخ الأنصاري: «ذهب شرذمة من متأخري الأخباريين - فيما نسب إليها - إلى كونها قطعيّة الصدور».

قال: «وهذا قول لا فائدة في بيانه والجواب عنه إلاّ التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم كما حصل لهم، وإلاّ فمدّعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبنى قطعه، وقد كتبنا في سالف الزمان في ردّ هذا القول رسالة تعرّضنا فيها لجميع ما ذكروه وبيان ضعفها بحسب ما أدّى إليه فهمي القاصر»(1) .

وقال شيخنا الجدّ المامقاني: «وما زعمه بعضهم من كون أخبارها - أي

الكتب الأربعة - كلّها مقطوعة الصدور، إستناداً إلى شهادات(2) سطّرها في مقدمة الحدائق، لا وجه له كما اوضحناه في محلّه»(3) .

وتبعهما السيد الخوئي حيث قال: «ذهب جماعة من المحدّثين

__________________

(1) الرسائل: 67.

(2) أجاب عنها السيد حسن الصدر في شرح الوجيزة في علم الدراية.

(3) مقباس الهداية المطبوع في آخر تنقيح المقال في علم الرجال.

٨٧

إلى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعيّة الصدور، وهذا القول باطل من أصله، إذ كيف يمكن دعوى القطع لصدور رواية رواها واحد عن واحد، لا سيمّا وأنّ في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع على ما ستقف عليه قريباً وفي موارده إن شاء الله تعالى»(1) .

ومن قبلهم قال السيد المجاهد الطباطبائي بعد كلام طويل: «وبالجملة: دعوى قطعيّة ما في الأربعة ممّا لا ريب في فسادها»(2) .

فهذه الكلمات وغيرها صريحة في عدم قطعيّة صدور أحاديث الكتب الأربعة.

وأمّا بالنسبة إلى تاريخ تصنيف الأحاديث، فقد حكى المحدّث البحراني عن جماعة: إنّ أوّل من نوّع الأخبار هو (العلاّمة) أو شيخه (ابن طاووس) - رحمهما الله - وأمّا المتقدّمون فكانوا يأخذون بجميع الأخبار المدوّنة في (الكتب الأربعة) وغيرها من (الاصول) معتقدين بصحتها أجمع. وهذا ممّا دعا إلى الخلاف بين الأخباريين والمجتهدين(3) .

وتقدم عن المحدّث النوري تعبيره عن هذا التنويع بـ «النّمط الجديد».

فهذان المحدّثان وغيرهما يزعمان أنّ التنويع يختص بالمتأخرين المجتهدين، وأنّ قدماء الأصحاب كانوا يعتقدون بصحّة

__________________

(1) معجم رجال الحديث 1: 36.

(2) مفاتيح الاصول للسيد محمد الطباطبائي الحائري: 9.

(3) الحدائق الناضرة 1: 14.

٨٨

أحاديث «الاصول الأربعمائة» التي منها الّفت «الكتب الأربعة».

ولكنّ الظاهر أنّ هذه الدعوى لا أساس لها من الصحّة، فقد أجاب عنها شيخنا الجدّ - رحمة الله تعالى - بقوله: «وقد زعم القاصرين من الأخباريين اختصاص هذا الإصطلاح بالمتأخرين الذين أوّلهم (العلاّمة) رحمة الله على ما حكاه جمع منهم الشيخ البهائي رحمة الله في (مشرق الشمسين) أو (ابن طاووس) كما حكاه بعضهم، فأطالوا التشنيع عليهم بأنّه اجتهاد منهم وبدعة.

ولكنّ الخبير المتدبّر يرى أنّ ذلك جهل منهم وعناد، لوجود أصل الإصلاح عند القدماء، ألا ترى إلى قولهم: لفلان كتاب صحيح، وقولهم: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان، وقول الصدوق رحمة الله: كلّ ما صحّحه شيخي فهو عندي صحيح، وقولهم: فلان ضعيف الحديث، ونحو ذلك.

فالصادر من المتأخرين تغيير الإصطلاح إلى ما هو أضبط وأنفع، تسهيلاً للضبط وتمييزاً لما المعتبر منها عن غيره»(1) .

وأمّا قول المحدّث البحراني: «فأمّا المتقدّمون ...» ففيه: أنّ الأمر ليس كذلك، بل ربّما طعن الشيخ المفيد والشيخ الصدوق في بعض أحاديث الشيخ الكيني، وطعن الشيخ الطوسي في بعض أحاديث الصدوق والكليني(2) .

__________________

(1) مقباس الهداية في علم الدراية: 32.

(2) راجع: مفاتيح الاصول، وأوثق الوسائل، وقد بحث صاحب هذا الكتاب الموضوع من جميع جوانبه من ص 122 فراجعه فإنّه جدير بالملاحظة.

هذا، وذهب السيد الخوئي في (رجاله) إلى أنّ أخبار الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور، بل ليس صحيحاً، وأثبت أنّ المتقدّمين من المحدّثين أيضاً كانوا

٨٩

فإذا كان الأمر كذلك فيما بينهم - وهم أصحاب الكتب الأربعة - فكيف بالمتأخرين منهم المجدّدين لفكرة تنويع الأحاديث، والنظر في الأسانيد الواردة في كافة الكتب.

وهذا بحث واسع متشعّب الأطراف نكتفي بهذا المقدار بمناسبة المقام، فمن أراد التوسّع فيه فليراجع مظانّه من كتب الدراية والرجال.

والخلاصة: إنّ المحقّقين من الإمامية يبنون على أنّ وجود أيّ حديث في أيّ كتاب من كتب الشيعة لا يبرر بمجرّده الأخذ به والإعتقاد بصحّة مدلوله، إذ ليس عندهم كتاب التزم فيه مؤلّفه بالصحّة أبداً، بحيث يستغني بذلك الباحث عن النظر في أسانيد أحاديثه والفحص عن رجاله وما قيل فيهم من الجرح والتعديل.

وهذا بخلاف أهل السنّة، فإنّ لهم كتباً سمّوها بـ «الصحاح» وأهمها عند أكثرهم (صحيح البخاري) اعتقد جمهورهم بصحّة ما اخرج فيها، وقالوا في كتبهم الرجالية: من خرّج في الصحيح فقد جاز القنطرة، كما التزم أصحابها وبعض أصحاب «المسانيد» في كتبهم بالصحّة.

3 - لا تجوز نسبة معتقد صاحب الكتاب إلى الطائفة

الثالث: إنّه على فرض وجود هكذا كتاب لدى الشيعة، فإنّه

__________________

يعتقدون نفس هذا الإعتقاد بالنسبة إلى (الاصول) و (الكتب الأربعة)، واستنتج من جميع ذلك: أنّ أخبار هذه الكتب لابدّ من النظر في سند كل منها، فإن توفّرت فيه شروط الحجّية اخذ به وإلاّ فلا، كما الشيخ المجلسي المحدّث الجزائري بالنسبة إلى (الكافي) و (التهذيب).

٩٠

لا يجوز أن ينسب معتقد مؤلّفة إلى الطائفة كلّها، لأنّه قد يكون قوله بصحّة تلك الأخبار أو ذهابه إلى أحقّية ذاك المعتقد مبنيّاً على اسس غير صحيحة لدى غيره، كالقول بقطعيّة صدور أخبار الكتب الأربعة المذكورة سابقاً والمنسوب إلى مجموعة من متأخري الأخباريين، وهو باطل كما عرفت وستعرف، فإنّه يستلزم القول بالتحريف - لوجود ما يدلّ عليه فيها، بعد عدم قبول حملها على بعض الوجوه - إذن، لا يجوز إضافة معتقد لأحد العلماء وإن كان في غاية الشهرة والجلالة إلى الطائفة إلاّ في حال موافقة جمهور علماء الطائفة معه فيه، أو قولهم بصحّة كل ما ورد في ذلك الكتاب، كما هو الحال عند أهل السنّة بالنسبة إلى الصحاح الستّة والصحيحين بصورة خاصّة.

4 - وجود الأخبار الباطلة في الكتب المعروفة

الرابع: إنّ ممّا لا ريب فيه وجود أحاديث مزوّرة باطلة تسرّبت إلى الآثار الإسلامية بصورة عامّة، فقد تهاون الصحابة - إلاّ القليل منهم - في صدر الإسلام في تدوين الأحاديث النبوية، بل قد امتنع بعضهم من ذلك وكرهه ومنع الآخرين بالأساليب المختلفة، لأغراض مذكورة ليس هذا موضع إيرادها.

ثمّ لما أخذوا بالتدوين خبطوا خبط عشواء، وخلطوا الغثّ بالسمين، والصحيح بالسقيم، وأخذوا من أفواه اناس مشبوهين، وكتبوا عن أفراد كذّابين، حتى كثرت الأحاديث المدسوسة والموضوعة على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الأمر الذي علماء الحديث من أهل السنّة إلى وضع كتب تمكنّوا فيها من جمع مقدار كبير من تلك الموضوعات، ومن ناحية اخرى ألّفوا كتباً أوردوا فيها الأحاديث الصحيحة

٩١

فحسب، وذلك بحسب اجتهاداتهم وآرائهم في الرجال وغير ذلك.

ولكنّ الواقع أنّ اولئك وهؤلاء لم يكونوا موفّقين كلّ التوفيق في عملهم ذاك، ولم يكونوا معصومين من الخطأ، بل لم يكن بعضهم مخلصاً في قيامة بتلك المهمّة، إذ لم تخل الكتب التي وضعوها لجمع «الموضوعات» من الأحاديث الصحيحة، كما لم تسلم الكتب التي سمّوها بـ «الصحاح» من الأحاديث الموضوعة. هذا حال الأحاديث لدى أهل السنّة باختصار.

وكذا الحال في أحاديث الإماميّة، فما أكثر الأحاديث المدسوسة في كتبهم من قبل المخالفين وأصحاب المذاهب والآراء الفاسدة، ولقد كان قد زمن كل إمام من الأئمة عليهم الصلاة والسلام من يضع الأحاديث عن لسانه وينسبها إليه، وينشرها بي الشيعة، ويضعها في متناول أيدي رواتهم، حتى تسرّبت إلى مجاميعهم الحديثيّة.

فقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال: «إنّ لكلّ رجل منّا رجل يكذب عليه»(1) .

وقال: «إنا أهل البيت صادقون، لا تحلو من كذّابٍ يكذب علينا»(2) .

وقال: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن ولسنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإن المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث ...»(3) .

__________________

(1) المعتبر في شرح المختصر للمحقّق الحلّي: 2.

(2) رجال الكشي: 593 / 2.

(3) رجال الكشي: ترجمة المغيرة بن سعيد.

٩٢

ولذا، فإنّهمعليه‌السلام جعلوا الكتاب والسنة ميزاناً لأحدايثهم بعرض عليهما ما روي عنهم فما وافقهما اخذ به، وما خالفهما ردّ على صاحبه.

فالذي نريد أن نقوله هنا هو: إنّ إحتمال الدسّ والتزوير يدفع حجّيه كلّ خبر، ويمنع من الإعتماد عليه، ويفسد إعتباره «حتى ما كان منها صحيح الإسناد، فإنّ صحّة السند وعدالة رجال الطريق انّما يدفع تعمّدهم الكذب دون دسّ غيرهم في أصولهم وجوامعهم ما لم يرووه»(1) .

وإذ انتهينا ممّا مهّدناه تقول: إنّ الذي أنتجه بحثنا الطويل وفحصنا الدقيق في كتب الشيعة الإمامية هو: أنّ المعروف والمشهور بينهم هو القول بعدم تحريف الكتاب، فإنّه رأي أعلام هذه الطائفة، منذ أكثر من ألف سنة حتى يومنا الحاضر، بين مصرّخ بذلك ومؤلّف فيه ومؤوّل لما ينافيه بظاهره، بل هو رأي من كتب في الإمامة ولم يتعرّض للتحريف.

نكات في كلام الشيخ الصّدوق

وإنّ من أهمّ الكلمات في هذا الباب قولاً وقائلاً كلمة الشيخ محمد بن علي ابن بايوية الملقّب بالصدوق المتوفّى سنة (381) المتقدّمة في (الفصل الأول) وذلك:

أولاً: لقرب عهده بزمن الأئمةعليهم‌السلام وأصحابهم، فلو كان الأئمة وتلامذتهم قائلين بالتحريف لما قال ذلك.

__________________

(1) الميزان في تفسير القرآن 12: 115.

٩٣

وثانياً: لكونه من علماء الحديث بل رئيس المحدّثين، فلو كانت الأحاديث الظاهرة في التحريف مقبولة لدى الطائفة لما قال ذلك.

وثالثاً: لأنّها كلمة صريحة وقاطعة جاءت في رسالة اعتقادية كتبها على ضوء الأدلّة المتينة من الكتاب والسنّة، في حال أنّه بنفسه يروي بعض أخبار

التحريف في كتبه الحديثيّة مثل (ثواب الأعمال) و (عقاب الأعمال).

ورابعاً: لموافقة الأعلام المتأخرين عنه إيّاه في هذا الإعتقاد، لا سيمّا الشيخ المفيد الذي كتب شرحاً على عقائد الصدوق وخالفة في كثير من المسائل.

ذكر من وافقه من الأعلام

وكيف ينسب إلى الشيعة قول يتّفق على خلافة:

أبو جعفر الصدوق (381).

والشريف الرضي (406).

والمفيد البغدادي (413).

والشريف المرتضى (436).

وأبو جعفر الطوسي (460).

وأبو علي الطبرسي (548).

وابن شهر آشوب (588).

وابن إدريس الحلّي (598).

والعلاّمة الحلّي (726).

والزين البياضي (877).

والمحقّق الكركي (940).

٩٤

والشيخ فتح الله الكاشاني (988).

والشيخ بهاء الدين العاملي (1030).

والعلاّمة التوني (1071).

والفاضل الجواد. (من أعلام القرن الحادي عشر).

والسيد نور الله التستري (1019).

والفيض الكاشاني (1094).

والشيخ الحر العاملي (1104).

والشيخ محمد باقر المجلسي (1110).

والسيد علي خان المدني (1118).

والسيد الموسوي الخونساري (1157).

والسيد بحر العلوم (1212).

والشيخ كاشف الغطاء (1228).

والسيد الأعرجي الكاظمي، شارح الوافية (1228).

والسيد محمد الطباطبائي (1242).

والكرباسي، صاحب الإشارات (1262).

والسيد حسين التبريزي (1299).

والسيد مهدي صاحب منهاج الشريعة في الرد على ابن تيميّة (1300)؟

وإليه ذهب المتأخرين أمثال:

المحقّق التبريزي صاحب «أوثق الوسائل في شرح الرسائل».

والسيد محمد حسين الشهرستاني صاحب «رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف».

والشيخ محمد النهاوندي الخراساني صاحب التفسير.

٩٥

والشيخ محمد حسن الآشتياني صاحب حاشية الرسائل.

والشيخ محمود بن أبي القاسم صاحب «كشف الإرتياب في عدم تحريف الكتاب».

والسيد محمد الشهشهاني صاحب «العروة الوثقى».

والشيخ محمد حسن المامقاني صاحب «بشرى الوصول».

والشيخ عبدالله المالقاني صاحب «تنتيح المقال».

والشيخ أبي الحسن الخنيزي صاحب «الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة والإمامية».

والشيخ محمد جواد البلاغي صاحب «آلاء الرحمن في تفسير القرآن».

والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء صاحب «أصل الشيعة واصولها».

والشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي صاحب «كشف الإشتباه في الرد على موسى جارالله».

والسيد محسن الأمين العاملي صاحب «نقض الوشيعة في الرد على موسى جار الله».

والسيد عبد الحسين شرف الدين صاحب «أجوبة مسائل جار الله».

والشيخ عبد الحسين الأميني صاحب «الغدير».

والشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب «تفنيد قول العوام».

والسيد هبة الدين الشهرستاني صاحب «تنزيه التنزيل».

والسيد محمد هادي الميلاني جدّنا الراحل في فتوى له.

والشيخ محمد علي الاوردبادي الغروي صاحب «بحوث في علوم

٩٦

القرآن».

والشيخ أبي الحسن الشعراني صاحب «الحاشية على الوافي».

والشيخ محمد رضا المظفر صاحب «عقائد الإمامية».

والسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب «الميزان في تفسير القرآن».

والسيد روح الله الخميني كما في «تهذيب الاصول».

والسيد أبي القاسم الخوئي صاحب «البيان في تفسير القرآن».

المحدّثون وأخبار التحريف

نعم، هناك في بعض الكلمات نسبته إلى «المحدّثين» من علماء الشيعة، وقد بذلنا الجهد في التحقيق حول مدى صحة هذه النسبة، وراجعنا ما توفّر لدينا من الكتب والكلمات بإمعان وإنصاف، فلم نجد دليلاً على ذلك ولا وجهاً مبرّراً له، بل هو حدس وتخمين أو ذهول عن الواقع إن لم يكن تعصّب.

والتحقيق: إنّ «المحدّثين» من الشيعة الإمامية الرواة لأخبار التحريف على ثلاث طوائف:

فطائفة يروون من الأخبار الظاهرة في التحريف في كتبهم الحديثية ولا يعتقدون بمضامينها، بل يؤولونها أو يجمعون بينها وبين ما يدلّ على النفي ببعض الوجوه، ومنهم من ينصّ على اعتقاده، بخلافها أو بما يستلزم هذا الاعتقاد، وعلى رأسهم الشيخ الصدوق.

وطائفة يروونها ولا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم إلاّ أنّهم يروونها، وعلى رأسهم الشيخ الكليني، إن لم نقل بأنّه من الطائفة الاولى.

وطائفة يروونها وينصّون على اعتقادهم بمداليلها وإيمانهم

٩٧

بمضامينها، وعلى رأسهم الشيخ علي بن إبراهيم القمي، إن تمت النسبة إليه.

وبهذا يتبيّن أنّه لا يجوز نسبة القول بالتحريف إلاّ إلى هذه الطائفة الثالثة من «المحدّثين» من الإمامية، وقد وافقهم من شذّ من «الاصوليين» على تفصيل، وهو الشيخ النواقي.

فهذا مجمل ما توصّلنا إليه واعتقدنا به، وإليك تفصيله وإقامة البرهان عليه:

1 - الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفّي سنة 381.

ترجمة الشيخ الصّدوق

وقد أجمعت الطائفة على تقدّمه وجلالته، ووصفه الشيخ أبو العباس النجاشي بـ «شيخنا وفقيهنا، وجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن»(1) وعنونه الشيخ الطوسي قائلاً: «كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يرفي القمّيين مثله في حفظه وكثرة علمه»(2) وذكره شيخنا الجدّ الماقاني بقوله: «شيخ من مشايخ الشيعة وركن من أركان الشريعة، رئيس المحدّثين، والصدوق فيما يرويه عن الأئمةعليهم‌السلام »(3) .

__________________

(1) رجال النجاشي: 276.

(2) فهرست الطوسي: 184.

(3) تنقيح المقال 3: 154.

٩٨

ولد بدعاء الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه، كما نصّ عليه أعلام الطائفة «وصدر في حقه من الناحية المقدّسة بأنه فقيه خير مبارك، فعمّت بركته ببركة الإمامعليه‌السلام وانتفع به الخاصّ والعام، وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام، وعمّ الإنتفاع بفقهه وحديثه الفقهاء الأعلام»(1) .

رحل في طلب العلم ونشره إلى البلاد القريبة والبعيدة كبلاد خراسان وما وراء النهر والعراق والحجاز، وألّف نحواً من ثلاثمائة كتاب.

عبارته في اعتقاداته

وأحد هذه المصنّفات (كتاب الإعتقادات)، الذي قال فيه بكلّ وضوح وصراحة: «إعتقادنا في القرآن أنه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم، وأنّه القصص الحقّ، وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل، وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به.

إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة، وعندنا أنّ (الضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة، و (لايلاف) و (ألم تركيف) سورة واحدة»(2) .

__________________

(1) تنقيح المقال 3: 154.

(2) الإعتقادات - مطبوع مع النافع يوم الحشر، للمقداد السيوري -: 92.

٩٩

يعني رحمة الله: إن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه، أي: أن كل ما أوحي إليه بعنوان «القرآن» هو «ما بين الدفّتين» لا أنّ هذا الموجود «ما بين الدفّتين» بعضه، وهو ما في أيدي الناس، فما ضاع عنهم شيء منه، فالقرآن عند الشيعة وسائر «الناس» واحد، غير أنّ القرآن الموجود عند المهديعليه‌السلام - وهو ما كتبه عليعليه‌السلام - يشتمل على علم كثير.

ثم يقول: «ومن نسب إلينا أنّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب»(1) .

ومنه يظهر أنّ هذه النسبة «إلينا» أي: إلى الطائفة الشيعية قديمة جدّاً، وأنّ ما تلهج به أفواه بعض المعاصرين من الكتّاب المأجورين أو القاصرين ليس بجديد، فهو «كاذب» وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

إذن، يحرم نسبة هذا القول إلى «الطائفة» سواء كان الناسب منها أو من غيرها.

ثم قال رحمة الله: «وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن، وثواب من ختم القرآن كلّه، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة، والنهي عن القران بين السورتين في ركعة فريضة، تصديق لما قلناه في أمر القرآن، وأن مبلغه ما في أيدي الناس، وكذلك ما ورد من النهي عن قراءة كلّه في ليلة واحدة وأن لا يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيام، تصديق لما قلناه أيضاً، بل نقوى أنّه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية، ومثل هذا كثير،

__________________

(1) الإعتقادات: 93.

١٠٠