منهاج الصالحين ـ العبادات الجزء ١

منهاج الصالحين ـ العبادات12%

منهاج الصالحين ـ العبادات مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 482

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154453 / تحميل: 5937
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين ـ العبادات

منهاج الصالحين ـ العبادات الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

أبي إسحاق، عن البرّاء قال: بعثَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جيشين، وأمّرَ على أحدِهما علىّ بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد وقال: إذا كان القتال فعليّ. قال: فافتَتَح عليّ حصناً فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبيّ بشيء.

قال: فقدِمت على النبيّ فقرأ الكتاب فتغيّر لونه، ثمّ قال: ( ما ترى في رجلٍ يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله ).

قال: ( قلت: أعوذ بالله مِن غضَب الله ومِن غضب رسوله وإنّما أنا رسول )، فسكت .

هذا حديث حسن (1) .

لا يخفى ما في هذه الاحاديث مِن الدلالة على عظمة عليّ (عليه السلام) وقُربه من الله ورسوله ومنزلته لديهما، فيكون بهذا أولى بالخلافة مِن غيره.

في أنّه (عليه السلام) من النبيّ والنبي منه:

1 - أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوب، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا عبد الله بن موسى، أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن مريم وهاني بن هاني، عن عليّ قال:

( لما خرجنا مِن مكّة اتبعتنا ابنة حمزة فنادت يا عم، فأخذْتُ بيدها فناولتها فاطمة قلت: دونك ابنة عمّك، فلمّا قدمنا المدينة اختصمنا فيها أنا وزيد وجعفر فقُلت: أنا أخذتها وهي ابنة عمّي، وقال زيد ابنة أخي، وقال جعفر ابنة عمّي وخالتها عندي.

فقال رسول الله لجعفر أشبهت خَلْقي وخُلُقي، وقال لزيد أنتَ أخونا ومولانا، وقال لي أنت منّي وأنا منْك، ادفعوها إلى خالتها فإنّ الخالة أمّ. فقلت: ألا تزوّجها يا رسول الله؟ قال: إنّها ابنة أخي مِن الرضاعة ).

هذا حديثٌُ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه بهذه الألفاظ، إنّما اتفقا على حديث أبي إسحاق عن البرّاء مختصراً (2) .

____________________

(1) سنن الترمذي ج5 حديث 3809.

(2) المستدرك من الصحيحين 3/ 120، ورواه في مسند احمد مسند علي 115.

٤١

2 - حدّثنا إسماعيل بن موسى، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي ابن جنادة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( عليٌّ منّي وأنا مِن عليّ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ ).

هذا حديثٌ حسنٌ غريب (1) .

اعلم أنّ النصوص التي تدلّ على هذا الموضوع مِن طُرُق القوم فوق حدّ الاستفاضة ولا يبعد بلوغها حدّ التواتر معنى.

ثمّ أنّ المراد مِن قوله (صلى الله عليه وآله ( عليٌ منّي وأنا مِن عليّ )، أنّ وجوده الشريف مع وجود عليّ واحد؛ لأنّه المُتفاهم مِن هذا الاستعمال عُرفاً. وهذا منتهى درجة العظمة والشرافة لعليّ (عليه السلام)، بحيث لا يُتَصوّر فوقها مرتبة، وبعد موت النبيّ وجوده الشريف باقٍ لا يحتاج إلى غيره.

في أنّه (عليه السلام) وليّ النبيّ:

1 - حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أنا زياد بن الخلل القشيري، ثنا كثير بن يحيى، ثنا عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( أيّكم يتولاّني في الدنيا والآخرة، فقال لكلّ رجلٍ منهم أيتولاني في الدنيا والآخرة، فقال لا، مرّ على أكثرهم، فقال عليّ: أنا أتولاّك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليّي في الدنيا والآخرة ).

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (2) .

وقريب منه غيره مِن الأحاديث الواردة في يوم الدار وبعضها صريحة في

____________________

(1) سنن الترمذي ج5 حديث 3803.

(2) المستدرك من الصحيحين 3/ 135، ورواه في فرائد السمطين 21.

٤٢

خلافته وإمامته (عليه السلام) (1) .

فإذا كان وليّ النبيّ في الدارين فيكون أولى بخلافته والنيابة عنه في الأُمّة.

في أنّه (عليه السلام) أخو النبيّ:

1 - حدّثنا يُوسف بن موسى القطّان البغدادي، عن عليّ بن فام، عن عليّ بن صالح بن حي، عن حكيم بن جُبير، عن جميع بن عُمير التيمي، عن ابن عمر قال: آخى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين أصحابه، فجاء عليّ تَدمَع عيناه فقال:

( يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تُؤاخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله: أنت أخي في الدنيا والآخرة ).

هذا حديثٌ حسنٌ غريب (2) .

قد ذكر القوم حديث المؤاخاة بطُرُق عديدة بحيث لا يَبْعُد دعوى استفاضتها بل تواترها ولو من حيث المعنى أو الإجمال، فيكون ممّا لا ينبغي الإشكال في سنده لما عرفت (3) .

كما أنّه لا إشكال في دلالته على علوّ مقامه وعظمته وشرافته، حيث أنّه

____________________

(1) مثل ما رُوي في ينابيع المودّة ص 105 عن مسند احمد بسنده عن عبّاد بن عبد الله الأسدي عن عليّ قال: ( لما نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) جمع النبيّ أهل بيته، فاجتمع ثلاثون نفراً، فأكلوا وشربوا ثلاثاً ثمّ قال لهم: مَن يضمن عنّي ديني ومواعيدي يكون معي في الجنّة، ويكون خليفتي في أهلي. فقال عليّ: أنا يا رسول الله ). وروي أصل قصّة يوم الدار في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 222، تاريخ الطبري 2/ 319 - 321، ينابيع المودّة 105، كفاية الطالب 205.

(2) سُنن الترمذي ج5 حديث 804، الصواعق المحرقة 72.

(3) فانّه رواه احمد في الفضائل 106 - 107، وابن سعد في الطبقات 3/ 14، وابن الجوزي في تذكرة الخواص 19 وابن المغازلي في المناقب 38 وغيرهم من أئمّة الحديث.

وقد ذكرنا هذا الحديث وكلّ ما نذكره في التعليق في كتاب جامع فضائل أهل البيت.

٤٣

مختار النبيّ الأعظم للأُخوّة من بين الأصحاب حتّى الكبار منهم.

ويُستفاد منه أنّه لا يكون احدٌ منهم أفضل منه وإلاّ اختاره لنفسه الشريفة، ولا المساوي له وإلاّ اختاره في مرّة أُخرى لوقوعها مرّتين.

في حديث المنزلة:

1 - حدّثنا القاسم بن دينار الكوفي، عن أبي نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن سعيد بن أبي وقاص أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ: ( أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى ).

هذا حديثٌ حسنٌ صحيح (1) .

2 - عن أسماء بنت عُميس أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ ( أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى، إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ ).

رواه احمد والطبراني، ورجال احمد رجال الصحيح غير فاطمة بنت علي وهي ثقة (2) .

3 - عن عليّ أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( خلقتك أنْ تكون خليفتي. قال: أتخلّف عنك يا رسول الله. قال: ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون مِن موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ).

رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجالُ الصحيح (3) .

أقول: حديث المنزلة مثل حديث الغدير مِن المتواترات (4) وجمعه يحتاج إلى

____________________

(1) سُنن الترمذي ج5 حديث 3813، ورواه مسلم في صحيحه 15/ 176.

(2) مجمع الزوائد 9/ 109.

(3) المصدر 9/ 110.

(4) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 13/ 211: قال النبيّ في الخبر المجمع على =

٤٤

تأليف كتاب أو كُتُب كما صنَع ذلك بعض الأصحاب. ومقتضى عموم المنزلة، أنْ يكون جميع ما في هارون مِن المقامات متوفّرة لعليّ (عليه السلام)، ومِن جملة تلك المقامات الخلافة عنه في الأُمّة كما نصّ عليها الكتاب الكريم. ويؤيّده استثناء النبوّة منه فقط، فيكشف ذلك عن عمومه ودخول سائر مقاماته فيه.

وعلى فرض تسليم إجماله وعدم عمومه فخلافة هارون مِن أشهر أوصافه، فيكون دخولها فيه مِن القدر المتيقّن ولا يُمكن إخراجها. ولعَمري هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد تأمّل وبيان لِمَن كان له الاستعداد لأخذ الأنوار الإلهيّة.

في أنّه وليّ كلّ مؤمن بعد النبيّ:

1 - حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الحافظ، حدّثني أبي ومحمّد بن نعيم، قالا ثنا قُتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن حصين قال: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سريّة واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب، مضى عليّ في السريّة فأصاب جارية، فأنكروا ذلك عليه، فتعاقد أربعةٌ مِن أصحاب رسول الله إذا لقينا النبيّ أخبرناه بما صنع عليّ.

قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا مِن سفر بدأوا برسول الله فنظروا عليه ثمّ انصرفوا إلى رحالهم، فلمّا قدِمت السريّة سلّموا على رسول الله، فقام أحدٌ الأربعة فقال: يا رسول الله إنّ علياً صنع كذا وكذا. فأعرض عنه، ثمّ قام الثاني فقال مثل ذلك

____________________

= روايته بين سائر فرق الإسلام ( أنت منّي بمنزلة هارون مِِن موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) فأثبت له جميع مراتب هارون مِن موسى، فإذن هو وزير رسول الله وشادّ أزره، ولولا أنّه خاتم النبيّين لكان شريكاً في أمره.

وقال في الاستيعاب 3/ 34 روى قوله لعلي: ( أنتَ منّي بمنزلة هارون مِن موسى ) جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحّها.

٤٥

فأعرض عنه، ثمّ قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثمّ قام الرابع فقال: يا رسول الله ألم تر إلي أنّ عليّاً صنع كذا وكذا. فأقبل رسول الله والغضب في وجهه فقال: ( ما تريدون مِن عليّ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ووليّ كلّ مؤمن ).

هذا حديثٌ صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه (1) .

2 - عن وهب بن حمزة قال: صحِبت عليّاً إلى مكّة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لإن رجعت لا شكونّك إلى رسول الله. فلمّا قدمت لقيت رسول الله فقلت: رأيت مِن علي كذا وكذا. فقال:( لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي ).

رواه الطبراني، وفيه دكين ذكره ابن حاتم ولم يضعّفه أحد، وبقيّة رجاله وثقوا (2) .

والروايات الواردة فيه مستفيضة مِن طُرُق القوم، بل يُمكن أداء تواترها معنىً أو إجمالا ً(3) ، فلا مَجال للإشكال فيها مِن حيث السند، كما لا ينبغي الإشكال فيها من حيث الدلالة أيضاً على خلافته (عليه السلام) وإمامته؛ لأنه الظاهر منها كما لا يَخفى.

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 110 - 111، روى قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضا في خصائص أمير المؤمنين للنسائي 26 وفرائد السمطين 14 والمناقب لابن المغازي 229 وكفاية الطالب 113 - 114.

(2) مجمع الزوائد 9/ 109.

(3) فإنّه رواه في مسند ابي داود ج 11 حديث 2752 وغيره مِن كتب الحديث. وقال في الغدير 3/ 216: اخرج أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عبّاس أنّ رسول الله قال لعليّ: ( أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ) (تاريخ ابن كثير 7/ 375 الإسناد كما مر غير مرة صحيح رجاله كلّهم ثقات).

٤٦

في عظمته عند النبيّ:

1 - اخبرنا احمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا عبد الله بن محمّد بن شيبة، قال ثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة بن موسى عن أُمّ سلمة قالت: والذي أحلف به أنْ كان عليّ أقرب الناس عهداً برسول الله، عندنا رسول الله غداة وهو يقول: ( جاء عليّ جاء عليّ - مراراً ). فقالت فاطمة: ( كأنّك بعثته في حاجة )، فجاء بعد. قالت أُمّ سلمة: فظننت أنّ له إليه حاجة، فخرجنا مِن البيت فقعدنا عند الباب وكنت مَن أردناهم إلى الباب، فأكبّ عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجعل يُسارّه ويُناجيه، ثمّ قٌبِض رسول الله مِن يومه ذلك، فكان عليّ أقرب الناس عهداً به.

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

2 - عن ابي ذر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه آله وسلّم) لعليّ: ( يا عليّ مَن فارقني فارق الله، ومن فارقك يا عليّ فارقني ).

روا البزاز ورجاله ثقات (2) .

3 - عن ابن عمر قال: كنّا نقول في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): رسول الله خير الناس ثمّ أبو بكر ثمّ عمر، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاثَ خصال، لإن يكون لي واحدة منهن أحبّ اليّ مِن حُمر النِّعم: زوّجه رسولُ الله ابنته وولدت له، وسدّ الأبواب إلاّ بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خَيبر.

رواه احمد وأبو يعلى ورجالهما رجال صحيح (3) .

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 138.

(2) مجمع الزوائد 9/ 120.

(3) المصدر 9/ 135.

٤٧

4 - عن أبي بكر بن خالد بن عرفطة، أنّه أتى سعد بن مالك فقال: بلغني أنّكم تعرضون على سبّ عليّ بالكوفة فهل سببته؟ قال: معاذ الله، والذي نفس سعد بيده لقد سمعت مِن رسول الله يقول في عليّ شيئاً لو وضِع المنشار على مفرقي ما سَبَبْته أبداً.

رواه أبو يعلى وإسناده حسن (1) .

5 - قال العلاّمة المعاصر السيّد علي بن طاهر الحضرمي في القول الفصل 2/ 215 طبع جاوا: أخرج ابن أبي حاتم بسندٍ صحيح عن العوّام بن حوشب عن ابن عمٍّ له قال: دخلت مع أبي على عائشة، فسألتها عن عليّ فقالت: تسألني عن رجلٍ كان من أحبّ الناس إلى رسول الله، وكانت تحته ابنته وهي أحبّ الناس إليه، لقد رأيت رسولَ الله دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فألقى عليهم ثوباً فقال: ( اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ). فقلت أنا: يا رسول الله مِن أهل بيتك. فقال:( تنحّي فإنّك على خير ).

وهذا الخبر صحيحٌ على أصل الحنفيّة (2) .

أقول: تعرف عظمته (عليه السلام) عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِن هذه الروايات وغيرها، ويُستفاد مِن مجموعها أنّه لا يكون أحدٌ من أصحابه مثله، فيكون أولى بالخلافة مِن غيره، لتقدّم الفاضل على المفضول وقُبح عكسه عقلاً ونقلاً.

في حسن أخذه (عليه السلام) وليّاً:

1 - حدّثنا بكر بن محمّد الصيفي بمرو، ثنا إسحاق، ثنا القاسم بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن يعلى السلمي، ثنا عمار بن زريق، عن أبي إسحاق، عن

____________________

(1) المصدر 9/ 130.

(2) إحقاق الحق 9/ 11 - 12.

٤٨

زياد بن مطرف، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( مَن يُريد أنْ يحيى حياتي ويَموت موتي، ويسكن جنّة الخُلد التي وعدَني ربّي، فليتولّ عليّ بن أبي طالب، فإنّه لنْ يُخرجكم مِن هُدى، ولنْ يُدخلكم في ضلالة ).

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

وهذا المعنى يُستفاد أيضاً مِن غيره من الأخبار الواردة مِن طُرُق القوم، ودلالتها على حُسن أخذه وليّاً ظاهرة.

في أنّه لا يحبّه مُنافق ولا يبغضه مؤمن:

1 - حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، عن محمّد بن فضيل، عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي نصر، عن مساور الحميري، عن أُمّه قالت: دخلت على أُمّ سلمة فسمعتها تقول: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: ( لا يُحبّ عليّاً منافق ولا يبغضه مُؤمن ).

هذا حديثٌ حسن صحيح (2) .

2 - حدّثنا يحيى بن عثمان ابن أخي يحيى بن عيسى الرملي، عن يحيى ابن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن عدِي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن عليّ قال: ( لقد عهد إليّ النبيّ الأُمّيّ، أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق ).

هذا حديثّ حسن صحيح (3) .

ويُستفاد مِن هذه الأخبار أنّ مقتضى الإيمان عدم بغضه، ومقتضى النفاق بغضه، فيكون الميزان في النفاق والإيمان حبّه وبغضه، فيكون تلوَ الرسول

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 128.

(2) سنن الترمذي ج5 حديث 3800.

(3) المصدر حديث 3819.

٤٩

الأكرم فيهما.

وهذا يَكشف عن عُلوّ مقامه وعظمة شأنه (عليه السلام)، ومَن كان هذا مَقامه وشأنه فيكون مقدّماً على غيره في الخلافة؛ لأنّها كالنبوّة رئاسةً إلهيّة لا يليق بها إلاّ مَن كان له هذا المقام الشامخ.

في أنّه له (عليه السلام) الجنّة:

1 - حدّثنا عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا عبّاس بن الفضل الأسفاطي، ثنا عليّ بن عبد الله المديني وإبراهيم بن محمّد بن عرعرة، قالا ثنا حرمي بن عمارة حدّثني الفضل بن عُميرة، أخبرني ميمون الكردي، عن أبي عثمان الهندي أنّ عليّاً قال:

( بينما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ بيدي ونحن في سكك المدينة، إذ مررنا بحديقةٍ فقلت: يا رسولَ الله ما أحسنها مِن حديقة. قال: لك في الجنّة أحسن منها ).

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحُ الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

2 - عن جابر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( يطلع عليكم مِن تحت هذا الصور (2) رجلٌ مِن أهل الجنّة ). قال: فطلع أبو بكر فهنّأناه بما قال رسول الله، ثمّ لبث هُنيئة ثمّ قال: ( يطلع مِن تحت الصور رجلٌ مِن أهل الجنّة )، فطلع عمر فهنّأناه بما قال رسول الله. ثمّ قال: ( يطلع مِن تحت هذا الصور رجلٌ مِن أهل الجنّة ، اللهمّ إنْ شئت جعلته عليّاً ) - ثلاث مرات -. قال: فطلع عليّ. وفي رواية: اللهمّ اجعله عليّاً.

رواه احمد وإسناده حسن (3) .

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 138.

(2) الصور: جماعة من النخل.

(3) مجمع الزوائد 9/ 116 - 117.

٥٠

اعلم أنّ النصوص التي تدلّ على أنّه وشيعته مِن أهل الجنّة أو هُم الفائزون كثيرة تبلغ حدّ الاستفاضة أو التواتر (1) ، فيكون هو وشيعته هُم أهل الحق الناجون في القيامة.

في أنّ الجنّة اشتاقت إليه (عليه السلام):

1 - حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أنا محمّد بن عيسى بن السكن الواسطي، ثنا شهاب بن عباد، ثنا محمّد بن بشر، ثنا الحسن بن حي، عن أبي ربيعة الأيادي عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( اشتاقت الجنّة إلى ثلاث: عليّ، وعمّار، وسلمان ).

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (2) .

فإنّ أئمّة الحديث رَوَوا هذا الخبر في كُتُبِهم، (3) واعتمدوا عليه مع صحّة سند بعضهم كما عرفت، فلا مجال للتشكيك في سنده، وأمّا دلالته على اشتياق الجنّة إلى هؤلاء ظاهرة بل صريحة، وهو دليل على عظمتهم وعلوّ مرتبتهم عند الله عزّ وجل، خصوصاً عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث أنّه إمامهم وأفضلهم وأشرفهم، فيكون مقدّماً عليهم وعلى غيرهم بطريقٍ أولى.

____________________

(1) فقد روى في مناقب الخوارزمي 149، تذكرة الخواص 60، ينابيع المودّة 237، مناقب ابن المغازلي 293، مقتل الخوارزمي 40 - 41، دلائل الإمامة 2.

(2) المستدرك في الصحيحين 3/ 137.

(3) رواه في سنن الترمذي ج5 حديث 3884، كفاية الطالب 131، فرائد السمطين 63 و126 بأسانيدهم إلى أنس بن مالك.

٥١

في أنه يذود عن الحوض رايات المنافقين:

1 - أخبرنا عليّ بن عبد الرحمن بن عيسى السبيعي بالكوفة، ثنا الحسين ابن الحكم الجيزي، ثنا الحسن بن الحسين الأشقر، ثنا سعيد بن خيثم الهلالي، عن الوليد بن يسار الهمداني، عن عليّ بن طلحة قال: حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن الحديج، فقيل للحسن: إنّ هذا معاوية بن حديج الساب لعليّ، فقال: ( عليّ به، فأُتي به فقال: أنت الساب لعليّ؟ فقال: ما فعلت. فقال: ( والله إنْ لقيته - وما أحسبك تلقاه يوم القيامة - لتجده قائماً على حوضِ رسول الله يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصا من عوسج )، حدّثنيه الصادق المصدوق وقد خاب من افترى ).

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

ونحوه غيره من الروايات المتضمّنة لهذا المعنى (2) ، وهذا أيضاً مِن فضائله (عليه السلام) العظيمة كما هو واضح.

في حديث الراية:

1 - حدّثنا قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن بُكير بن مسمار، عن عامر

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 138.

(2) مثل ما روى الخوارزمي بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال عليّ بن أبي طالب: ( يا رسول الله أيما أحبّ إليك، أنا أم فاطمة؟ قال: فاطمة أحبّ إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس، وأنّ عليه الأباريق مثل عدد نجوم السماء، وأنّي وأنت والحسن والحسين وفاطمة وجعفر في الجنّة إخوانا،ً على سُررٍ متقابلين لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه ) (مقتل الخوارزمي 2 68 - 69).

٥٢

ابن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: أمَرَ معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما مَنَعَك أنْ تَسبّ أبا تراب. قال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلن أسبّه، لإن تكونَ لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ مِن حُمر النعم، سمِعت رسول الله يقول لعليّ وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ:( يا رسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون مِن موسى، إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي ) .

سمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله ، قال: فتطاول لها فقال: أُدعوا عليّاً قال: فأتاه وبه رمد، فبصق في عينه فدفع الراية إليه ففتح الله عليه وأُنزلت هذه الآية ( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) الآية، دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: هؤلاء أهلي ).

هذا حديثٌ حسنٌ غريب صحيح (1) .

2 - عن أبي سعيد الخدري قال: أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الراية فهزّها ثمّ قال: مَن يأخذها بحقّها. فجاء الزبير فقال: امض، ثمّ جاء رجل آخر فقال: أنا فقال أمط، فقال رسول الله: والذي أكرم وجه محمّد لأعطينّها رجلاً لا يفر، هاك يا عليّ. فقبضها ثمّ انطلق حتّى فتح الله عليه فدك وخيبر وجاء بعجوتها وقديدها.

رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عصمة وهو ثقة يخطأ (2) .

3 - عن ابن عبّاس قال: دفع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الراية إلى عليّ بن أبي طالب وهو ابن عشرين سنة.

____________________

(1) سنن الترمذي ج5 حديث 3808، صحيح مسلم 15/ 175، المستدرك من الصحيحين 3/ 108.

(2) مجمع الزوائد 9/ 124.

٥٣

رواه الطبراني وإسناده حسن (1) .

4 - أخرج احمد وأبو يعلى بسند صحيح عن عليّ (عليه السلام) قال: ما رمدّت ولا صدعت منذُ مسح رسول الله وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية (2) .

اعلم أنّ الأحاديث المرويّة في إعطاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الراية لعليّ (عليه السلام) مستفيضة بل لعلّها تبلغ حدّ التواتر ولو من حيث المعنى (3) فلا ينبغي الإشكال في سندها، ودلالتها على اختصاصه (عليه السلام) بها ظاهرة بل صريحة، خصوصاً مع تطاول الأصحاب لها وطلبهم قولاً وعملاً لها، فتكون فضيلة عظيمة له، خصوصاً مع ما فيها مِن قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ).

في عدم تأثير الحرّ والبرد فيه (عليه السلام):

1 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خرج علينا عليّ بن أبي طالب في الحرّ الشديد وعليه ثياب الشتاء وخرج علينا في الشتاء وعليه ثياب الصيف، ثمّ دعا بما نشد به، ثمّ مسح العرق عن جبهته ثمّ رجع إلى بيته، فقلت لأبي: يا أبتاه أما رأيت ما صنع أمير المؤمنين، خرج علينا في الشتاء عليه ثياب الصيف وخرج علينا في الصيف وعليه ثياب الشتاء. فقال أبو يعلى: ما فظنت، فأخذ بيد

____________________

(1) المصدر 9/ 125.

(2) تاريخ الخلفاء ص 66.

(3) فإنّه روي في صحيح البخاري ج5 مناقب عليّ حديث 18، صحيح مسلم 15/ 177، مسند احمد ج1 مسند علي، سنن ابن ماجة فضل عليّ ص 29، فضائل أمير المؤمنين لابن حنبل (مخطوط) ص 199، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص6، سنن المصطفى ج1/ 57، الاستيعاب 3/ 36، مناقب الخوارزمي 224 - 225.

٥٤

ابنه فأتى عليّاً فقال له الذي صنع، فقال له عليّ: ( إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّّم) كان بعثني وأنا أرمَد، فبزق في عيني ثمّ قال افتح عينيك، ففتحتهما فما اشكيتهما حتّى الساعة، ودعا لي فقال: اللهمّ أذهب عنه الحرّ والبرد، فما وجدت حرّاً ولا برداً حتّى يومي ).

رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن (1) .

لا يخفى أنّ هذا معجزة للنبيّ الأكرم وعظمة للوصيّ الأعظم حيث وقع مورداً للطفه ودعائه واستجاب الله له. والله أعلم بالشاكرين.

في حديث الطير:

1 - حدّثنا أبو عليّ الحافظ، أنبأ أبو عبد الله محمّد بن احمد بن أيّوب الصفّار، وحميد بن يوسف بن يعقوب الزيّات، قالا ثنا محمّد بن احمد بن عياض ابن أبي طيبة، ثنا يحيى بن حسان، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقدّم لرسول الله فرخ مشوي، فقال: ( اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي مِن هذا الطير ).

فقال: فقلت: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار، فجاء عليّ فقلت: إنّ رسول الله على حاجة، ثمّ جاء فقلت: إنّ رسول الله على حاجة، ثمّ جاء فقال رسول الله: إفتح فدخل، فقال رسول الله: ( ما حبسك عليّ؟ فقال إنّ هذه أخر ثلاث كرّات يردّني أنس يزعم أنّك على حاجة ).

فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أنْ يكون رجلاً مِن قومي.

فقال رسول الله: ( إنّ الرجل يحبّ قومه ).

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعةٌ مِن أصحابه زيادةً على ثلاثين نفساً، ثمّ صحّت الرواية عن عليّ وأبي سعيد

____________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 122.

٥٥

الخدري وسفينة (1) .

هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث الواردة في فضائل عليّ (عليه السلام)، مستفيض بحيث يُمكن دعوى التواتر فيه، ولو من حيث المعنى حتّى قال الموفق الخوارزمي: أخرج الحافظ ابن مردويه الحديث بمائة وعشرين إسناداً (2) .

وهو يدلّ على أنّه (عليه السلام) أحبّ الخلق إلى الله تعالى سِوى النبيّ الأكرم، خصوصاً مع تكرار الردّ والرجوع واعتراض الرسول على أنس واعتذاره بما اعتذر، فلا يكون مِن القضايا الاتفاقيّة، فيكون (عليه السلام) أولى بالخلافة ممّن لا يكون له هذا المقام الرفيع ولا أدنى منه.

في أنّ إيذاءه إيذاء النبيّ:

1 - عن سعد بن أبي وقّاص قال: كنت جالساً في المسجدين أنا ورجلين معي فنلنا من عليّ، فأقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوّذت بالله مِن غضبه فقال: ( مالك ومالي، مَن آذى عليّاً فقد آذاني ).

رواه أبو يعلى والبزّاز ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمّد بن خواش وقنان وهما ثقتان (3) .

2 - عن عمرو بن شاش الأسلمي - وكان مِن أصحاب الحديبيّة - قال: خرجت مع عليّ إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتّى وجدّت في نفسي عليه، فلمّا قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد حتّى سمع بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله جالس في أناس

____________________

(1) المستدرك من الصحيحن 3/ 131.

(2) مقتل الخوارزمي 1/ 45، مناقِب ابن المغازلي 435، كفاية الطالب 145، خصائص أمير المؤمنين 6 و20، انساب الأشراف 142.

(3) مجمع الزوائد 9/ 129.

٥٦

من أصحابه، فلما رآني أبدَ لي عينيه - يقول حدّد إليّ النظر حتّى إذا جلست - قال: يا عمرو والله لقد آذيتني. قلت: أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله. قال: ( بلى مَن آذى عليّاً فقد آذاني ).

روا احمد والطبراني باختصار والبزّاز أخصر منه ورجال احمد ثقات (1) .

ونحو هذين الحديثين غيرهما من الأحاديث الواردة في الباب مِن طُرُق القوم، وهي تدلّ على وحدة وجودهما (عليهما السلام، حيث رتّب على وجوده الشريف ما رتّب على وجود عليّ من الآثار، بل في جملة مِن أحاديثهم، أنّ النبيّ قال: ( أنا وعليّ من نورٍ واحد (2) . وفي جملة أُخرى منها: أنا وعليّ مِن شجرةٍ واحدة، والناس مِن أشجار شتّى ) (3) . أو نحو ذلك.

في أنّ النبيّ سدّ الأبواب إلاّ بابه:

1 - عن عبدالله بن الرقيم الكناني قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها، فقال: أمَرَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك بابَ عليّ.

رواه احمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، وزاد: قالوا: يا رسول الله سدَدْت أبوابنا كلّها إلاّ باب عليّ.

قال: ( ما سدَدْت أبوابكم ولكنّ الله سدّها ) وإسناد

____________________

(1) المصدر 9/ 128. وفي تذكرة الخواص 49 قال احمد في الفضائل ان هذا الحديث سالم من الطعن.

(2) مثل ما روي في كفاية الطالب 314، مقتل الخوارزمي 1/ 43، عبقات الأنوار - حديث النور ص 99 - 100.

(3) انظر مناقب ابن المغازلي ص 400 و90 و297، فرائد السمطين 13، شواهد التنزيل الحديث 588، كفاية الطالب 317.

٥٧

احمد حسن (1) .

والأخبار الواردة في سدّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبواب المسجد إلاّ باب عليّ (عليه السلام) عديدة، بل مستفيضة (2) مع صحّة سند بعضها، فلا إشكال فيها من جهة السدّ. ومن هنا تقدّم هذه الأحاديث على ما رُوي من أنّه سدّ الأبواب إلاّ باب أبي بكر. والحديث الأخير مع ضعفه - كما عن ابن أبي الحديد - لا يُعارض تلك لكثرتها وصحّة سندها واعتماد المشهور عليها، بل لا يُعرف الخلاف بين أصحابنا الإماميّة فيها.

وأمّا دلالتها على عظمته (عليه السلام) وعلوِّ مقامه عند الله تعالى ورسوله ممّا لا يُنكر، خصوصاً مع ما في ذيل غير واحدٍ منها مِن إسناد السدّ إلى الله كما مرّ، بل في بعضها: وإنّي والله ما سدَدْت شيئاً ولا فتحته ولكنّي أُمِرت فاتّبعت ( حم والضياء عن زيد بن أرقم ) (3) .

في حديث غدير خم:

1 - عن سعد بن وهب قال: نشد عليّ الناس، فقام خمسة أو ستّة مِن أصحاب النبيّ، فشهدوا أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: ( مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ).

____________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 114.

(2) سُنن الترمذي ج5 حديث 3815، مناقب ابن المغازلي 258، كنز العمّال 6/ 152، فرائد السمطين 96 بأسانيدهم إلى ابن عبّاس وزيد بن أرقم، بل نقل في المناقب لابن المغازلي أربعة أحاديث فيه.

(3) كنز العمّال 6/ 152، وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 11/ 49: ونحوه سدّ الأبواب فانّه كان لعليّ (عليه السلام) فقلبته البكريّة إلى أبي بكر.

٥٨

رواه احمد ورجاله رجال الصحيح (1) .

2 - عن عمرو بن ذي مرو سعيد وزيد بن بثيع قالوا: سمعنا عليّاً يقول: ( نشدت الله رجلاً سمع رسول الله يقول يوم غدير خم )، فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أن رسول الله قال: ( ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فأخذ بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من يبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله ).

رواه البزّاز ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة (2) .

3 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت عليّاً في الرحبة يُناشد الناس: ( أنشد الله مَن سمِع رسول الله يقول في يوم غدير خم: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، لمّا قام فشهد. قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدريّاً كأنّي أنظر إلى احدهم، عليه سراويل، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم وأزواجي أمّهاتهم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه ).

رواه أبو يعلى ورجاله وثقوا (3) .

4 - عن ملك بن الحُويْرِث قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ( مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ).

رواه الطبراني ورجاله وثقوا (4) .

5 - عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

____________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 114.

(2) مجمع الزوائد 9/ 105، مسند احمد 1119

(3) مجمع الزوائد 9/ 105، مسند احمد 1119

(1) مجمع الزوائد 9/ 106.

٥٩

يقول يوم غدير خم: ( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، وأعن مَن أعانه ).

رواه الطبراني ورجاله وثقوا (1) .

6 - حديث ( مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه ) حديثٌ صحيح لا مِرية فيه (2) .

7 - عن سعد بن أبي وقّاص أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ بيد عليّ فقال: ( ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم، من كنت وليّه فعليٌّ وليّه ).

رواه البزّاز ورجاله ثقات (3) .

اعلم أنّ حديثَ غديرِ خم مِن المتواترات، وقد صرّح جمعٌ كثير مثل جلال الدين السيوطي، والذهبي، وابن الجزري، وغيرهم بتواتره، بل قد ألّف فيه بعض العلماء تآليف خاصّة به، مثل كتابَيّ الغدير وعبقات الأنوار وغيرهما، بل قلّما يوجد في الأحاديث مثله (4) .

ودلالته على خلافته (عليه السلام) ظاهرة، خصوصاً مع القرائن الداخلية والخارجية من الآيات والروايات الواردة في تفسير لفظة (المولى) وأنّ المراد بها هو الأولى بالتصرّف، كما هو أظهر معانيه عند الإطلاق وقد استعمل فيه في كثير

____________________

(1) المصدر 9/ 106.

(2) ينابيع المودّة ص 274.

(3) مجمع الزوائد 9/ 107.

(4) انظر مسند احمد ج 1 حديث 76 و97 و118 و119، وج 4/ 281 و368 و372 و370 وج 5/ 419، فضائل أمير المؤمنين لابن حنبل 1/ 45، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/ 28 و4/ 74 و107 - 108 و19/ 217، انساب الأشراف فضائل علي 108، ينابيع المودّة 274، وقد ذكرت جميع هذه الأحاديث في كتابَي جامع فضائل أهل البيت.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

خاتمة : يحرم استعمال أواني الذهب والفضة ، في الأكل والشرب ، بل يحرم استعمالها في الطهارة من الحدث والخبث وغيرها على الأحوط لزوماً ، ولا يحرم نفس المأكول والمشروب ، والأحوط استحباباً عدم التزين بها وكذا اقتناؤها وبيعها وشراؤها ، وصياغتها ، وأخذ الأجرة عليها ، والأقوى الجواز في جميعها.

مسألة ٤٩٤ : يعتبر في صدق الآنية على الظرف أن يكون مظروفه مما يوضع فيه ويرفع عنه بحسب العادة فلا تصدق على إطار المرآة ونحوه مما يكون مظروفه ثابتاً فيه ، كما يعتبر أن يكون محرزاً للمأكول والمشروب بأن يكون له أسفل وحواشي تمسك ما يوضع فيه منهما فلا تصدق الآنية على القناديل المشبكة والأطباق المستوية ونحوهما كما لا تصدق على رأس الغرشة ورأس الشطب وقراب السيف والخنجر والسكين وقاب الساعة ومحل فص الخاتم بل وملعقة الشاي وأمثالها ، ولا يبعد ذلك أيضا في ظرف الغالية والمعجون والتتن والترياك والبن.

مسألة ٤٩٥ : لا فرق في حكم الآنية بين الصغيرة والكبيرة كما لا فرق بين ما يكون على هيئة الأواني المتعارفة من النحاس والحديد وغيرهما وبين ما لا تكون على تلك الهيئة.

مسألة ٤٩٦ : لا بأس بما يصنع بيتاً للتعويذ من الذهب والفضة كحرز الجوادعليه‌السلام وغيره.

مسألة ٤٩٧ : يكره استعمال القدح المفضض ، والأحوط عزل الفم عن موضع الفضة عند الشرب منه ، والله سبحانه العالم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١٦١

كتاب الصلاة

١٦٢
١٦٣

وفيه مقاصد

الصلاة هي إحدى الدعائم التي بني عليها الإسلام ، إن قبلت قبل ما سواها ، وإن ردت رد ما سواها.

المقصد الأول

أعداد الفرائض ونوافلها

ومواقيتها وجملة من أحكامها

وفيه فصول

الفصل الأول

الصلوات الواجبة في هذا الزمان خمس : اليومية ، وتندرج فيها صلاة الجمعة على ما هو الأقوى من أنها أفضل فردي التخيير في يوم الجمعة ، فإذا أقيمت بشرائطها أجزأت عن صلاة الظهر ، وصلاة الطواف الواجب ، وصلاة الآيات ، وصلاة الأموات التي مر بيان أحكامها في كتاب الطهارة ، وما التزم بنذر أو نحوه ، أو إجارة أو نحوها ، وتضاف إلى هذه الخمس الصلاة الفائتة عن الوالد فإن الأحوط وجوباً أن يقضيها عنه ولده الأكبر على تفصيل يأتي في محله. أما اليومية فخمس : الصبح ركعتان ، والظهر أربع ، والعصر أربع ،

١٦٤

والمغرب ثلاث ، والعشاء أربع ، وتقصر الرباعية في السفر والخوف بشروط خاصة فتكون ركعتين ، وأما النوافل فكثيرة أهمها الرواتب اليومية : ثمان للظهر قبلها ، وثمان بعدها قبل العصر للعصر ، وأربع بعد المغرب لها ، وركعتان من جلوس تعدان بركعة بعد العشاء لها ، وثمان صلاة الليل ، وركعتا الشفع بعدها ، وركعة الوتر بعدها ، وركعتا الفجر قبل الفريضة ، وفي يوم الجمعة يزاد على الست عشرة أربع ركعات قبل الزوال ، ولها آداب مذكورة في محلها ، مثل كتاب مفتاح الفلاح للمحقق البهائيقدس‌سره .

مسألة ٤٩٨ : يجوز الاقتصار على بعض أنواع النوافل المذكورة ، بل يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشفع والوتر ، وعلى الوتر خاصة ، وفي نافلة العصر على أربع ركعات بل على ركعتين ، وإذا أريد التبعيض في غير هذه الموارد فالأحوط الإتيان به بقصد القربة المطلقة حتى في الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين.

مسألة ٤٩٩ : يجوز الإتيان بالنوافل الرواتب وغيرها في حال المشي ، كما يجوز الإتيان بها في حال الجلوس اختياراً ، ولا بأس حينئذ بمضاعفتها رجاءً بأن يكرر الوتر مثلا مرتين وتكون الثانية برجاء المطلوبية.

مسألة ٥٠٠ : الصلاة الوسطى التي تتأكد المحافظة عليها ، صلاة الظهر.

الفصل الثاني

وقت صلاة الجمعة أول الزوال عرفاً من يوم الجمعة ، ووقت الظهرين من الزوال إلى المغرب ، وتختص الظهر من أوله ، بمقدار أدائها ، والعصر من آخره كذلك ، وما بينهما مشترك بينهما ، ووقت العشائين للمختار من المغرب

١٦٥

إلى نصف الليل ، وتختص المغرب من أوله بمقدار أدائها ، والعشاء من آخره كذلك ، وما بينهما مشترك أيضا بينهما ، وأما المضطر لنوم ، أو نسيان ، أو حيض ، أو غيرها فيمتد وقتهما له إلى الفجر الصادق ، وتختص العشاء من آخره بمقدار أدائها والأحوط وجوباً للعامد المبادرة إليهما بعد نصف الليل قبل طلوع الفجر من دون نية القضاء ، أو الأداء ، ومع ضيق الوقت يأتي بالعشاء ثم يقضيها بعد قضاء المغرب احتياطاً ، ووقت الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.

مسألة ٥٠١ : الفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الذي يتزايد وضوحا وجلاءاً ، وقبله الفجر الكاذب ، وهو البياض المستطيل من الأفق صاعداً إلى السماء كالعمود الذي يتناقص ويضعف حتى ينمحي.

مسألة ٥٠٢ : الزوال هوالمنتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها ويعرف بزيادة ظل كل شاخص معتدل بعد نقصانه ، أو حدوث ظله بعد انعدامه ، ونصف الليل منتصف ما بين غروب الشمس والفجر على الأظهر ، ويعرف الغروب بذهاب الحمرة المشرقية عند الشك في سقوط القرص واحتمال اختفائه بالجبال أو الأبنية أو الأشجار أو نحوها ، وأما مع عدم الشك فلا يترك مراعاة الاحتياط بعدم تأخير الظهرين إلى سقوط القرص وعدم نية الأداء والقضاء مع التأخير وكذا عدم تقديم صلاة المغرب على زوال الحمرة.

مسألة ٥٠٣ : المراد من اختصاص الظهر بأول الوقت عدم صحة العصر إذا وقعت فيه عمدا من دون أداء الظهر قبلها على وجه صحيح ، فإذا صلى الظهر قبل الزوال باعتقاد دخول الوقت فدخل الوقت قبل إتمامها صحت صلاته وجاز له الإتيان بصلاة العصر بعدها ولا يجب تأخيرها إلى مضي مقدار أربع ركعات من أول الزوال وكذا إذا صلى العصر في الوقت

١٦٦

المختص بالظهر ـ سهوا ـ صحت وإن كان الأحوط استحباباً أن يجعلها ظهراً ثم يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة أعم من الظهر والعصر ، وكذلك إذا صلى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر سهواً ، سواء كان التذكر في الوقت المختص بالعصر ، أوالمشترك ، وإذا تضيق الوقت في الوقت المشترك للعلم بمفاجأة الحيض أو نحوه يجب الإتيان بصلاة الظهر ، ومما تقدم تبين المراد من اختصاص المغرب بأول الوقت.

مسألة ٥٠٤ : وقت فضيلة الظهر بين الزوال وبلوغ الظل أربعة أسباع الشاخص والأفضل ـ حتى للمتنفل ـ عدم تأخيرها عن بلوغه سبعيه ، ووقت فضيلة العصر من بلوغ الظل سبعي الشاخص إلى بلوغه ستة أسباعه ، والأفضل ـ حتى للمتنفل ـ عدم تأخيرها عن بلوغه أربعة أسباعه ، هذا كله في غير القيظ - أي شدة الحر - وأما فيه فلا يبعد امتداد وقت فضيلتهما إلى ما بعد المثل والمثلين بلا فصل ، ووقت فضيلة الغرب لغير المسافر من المغرب إلى ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية ، وأما بالنسبة إلى المسافر فيمتد وقتها إلى ربع الليل ، ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل ، ووقت فضيلة الصبح من الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، والغلس بها أول الفجر أفضل كما أن التعجيل في جميع أوقات الفضيلة أفضل على التفصيل المتقدم.

مسألة ٥٠٥ : وقت نافلة الظهرين من الزوال إلى آخر إجزاء الفريضتين ، لكن الأولى تقديم فريضة الظهر على النافلة بعد أن يبلغ الظل الحادث سبعي الشاخص ، كما أن الأولى تقديم فريضة العصر بعد أن يبلغ الظل المذكور أربعة أسباع الشاخص ، ووقت نافلة المغرب بعد الفراغ منها إلى آخر وقت الفريضة ، وإن كان الأولى تقديم فريضة العشاء بعد ذهاب الحمرة المغربية ، ويمتد وقت نافلة العشاء بامتداد

١٦٧

وقتها ، ووقت نافلة الفجر - على المشهور - بين الفجر الأول وطلوع الحمرة المشرقية وإن كان يجوز دسها في صلاة الليل قبل الفجر ، ولكن لا يبعد أن يكون مبدأ وقتها مبدأ وقت صلاة الليل بعد مضي مقدار يفي بأدائها وامتداده إلى قبيل طلوع الشمس ، نعم الأولى تقديم فريضة الفجر عند تضيق وقت فضيلتها على النافلة ، ووقت نافلة الليل من منتصفه على المشهور ، ويستمر إلى الفجر الصادق وأفضله السحر ، والظاهر أنه الثلث الأخير من الليل.

مسألة ٥٠٦ : يجوز تقديم نافلتي الظهرين على الزوال يوم الجمعة بل وفي غيره أيضاً إذا كان له عذر - ولو عرفي - من الإتيان بهما بعد الزوال فيجعلهما في صدر النهار ، وكذا يجوز تقديم صلاة الليل على النصف للمسافر إذا خاف فوتها إن أخرها ، أو صعب عليه فعلها في وقتها ، وكذا الشاب وغيره ممن يخاف فوتها إذا أخرها لغلبة النوم ، أو طرو الاحتلام أو غير ذلك.

الفصل الثالث

إذا مضى على المكلف من أول الوقت مقدار أداء نفس الصلاة بحسب حاله في ذلك الوقت من الحضر والسفر والتيمم والوضوء والغسل والمرض والصحة ونحو ذلك ولم يصل حتى طرء أحد الأعذار المانعة من التكليف بالصلاة مثل الجنون والحيض والإغماء وجب عليه القضاء بل الأحوط وجوبه فيما إذا تمكن من الإتيان بها مع الطهارة الترابية لضيق الوقت عن الوضوء أو الغسل ، وأما مع استيعاب العذر لجميع الوقت فلا يجب القضاء في الأعذار المتقدمة ونحوها دون النوم فإنه يجب فيه القضاء ولو كان مستوعباً ، وإذا أرتفع العذر في آخر الوقت فإن وسع

١٦٨

الصلاتين مع الطهارة وجبتا جميعا ، وكذا إذا وسع مقدار خمس ركعات معها ، والا وجبت الثانية إذا بقي ما يسع ركعة معها ، والا لم يجب شيء.

مسألة ٥٠٧ : لا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت ـ بلا لا تجزئ ـ إلا مع العلم به ، أو قيام البينة ، نعم يجتزئ بأذان الثقة العارف بالوقت وبإخباره مع حصول الاطمئنان منهما بل بكل ما يوجب الاطمئنان من سائر الأمارات الموجبة له ، وفي جواز العمل بالظن في الغيم ، وكذا في غيره من الأعذار النوعية إشكال فضلاً عن الموانع الشخصية ، فالأحوط لزوما تأخير الصلاة إلى حين الاطمئنان بدخول الوقت.

مسألة ٥٠٨ : إذا أحرز دخول الوقت بالوجدان ، أو بطريق معتبر فصلى ، ثم تبين أنها وقعت قبل الوقت لزم إعادتها ، نعم إذا علم أن الوقت قد دخل وهو في الصلاة ، فالأظهر أن صلاته صحيحة ، وإن كان الأحوط إعادتها ، وأما إذا صلى غافلاً وتبين دخول الوقت في الأثناء ، ففي الصحة إشكال ، نعم إذا تبين دخوله قبل الصلاة أجزأت ، وكذا إذا صلى برجاء دخول الوقت ، وإذا صلى وبعد الفراغ شك في دخوله أعاد على الأحوط ولا يبعد عدم وجوبها.

مسألة ٥٠٩ : يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر ، وكذا بين العشائين بتقديم المغرب ، وإذا عكس في الوقت المشترك عمداً أعاد وإذا كان سهواً لم يعد على ما تقدم ، وإذا كان التقديم من جهة الجهل بالحكم ، فالأقرب الصحة إذا كان الجاهل معذوراً ، سواء أ كان متردداً ، أم كان جازماً.

مسألة ٥١٠ : قد يجب العدول من اللاحقة إلى السابقة كما في الأدائيتين المترتبتين ، فلو قدم العصر ، أو العشاء سهواً ، وذكر في الأثناء فإنه يعدل إلى الظهر ، أوالمغرب ـ إلا إذا لم تكن وظيفته الإتيان بها لضيق الوقت ـ ولا يجوز العكس كما إذا صلى الظهر ، أوالمغرب ، وفي الأثناء ذكر

١٦٩

أنه قد صلاهما ، فإنه لا يجوز له العدول إلى العصر أو العشاء.

مسألة ٥١١ : إنما يجوز العدول من العشاء إلى المغرب إذا لم يدخل في ركوع الرابعة ، والا أتمها عشاءً ثم أتى بالمغرب على الأظهر.

مسألة ٥١٢ : يجوز الإتيان بالصلاة العذرية في أول الوقت ولومع العلم بزوال العذر قبل انقضائه إذا كان العذر هو التقية ولا يجب إعادتها حينئذ بعد زوال موجبها إلا مع الإخلال بما يضر الإخلال به ولو في حال الضرورة كما إذا اقتضت التقية ان يصلي من دون تحصيل الطهارة الحدثية ، واما اذا كان العذر غير التقية فلا يجوز البدار مع العلم بارتفاع العذر في الوقت ويجوز مع اليأس عن ذلك وهل يجتزي بها حينئذ إذا اتفق ارتفاع العذر في الوقت أم لا؟ فيه تفصيل ، وكذا في جواز البدار اليها مع رجاء ارتفاع العذر في الوقت وقد تقدم التعرض لبعض مواردها في كتاب الطهارة وتأتي جملة أخرى في المباحث الآتية.

مسألة ٥١٣ : الأقوى جواز التطوع بالصلاة لمن عليه الفريضة أدائية ، أو قضائية مالم تتضيق.

مسألة ٥١٤ : إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد ، ولو صلى قبل البلوغ ثم بلغ في الوقت في أثناء الصلاة أو بعدها فالأقوى كفايتها وعدم وجوب الإعادة ، وإن كان الأحوط استحباباً الإعادة في الصورتين.

١٧٠

المقصد الثاني

القِبلة

يجب استقبال القبلة مع الإمكان في جميع الفرائض وتوابعها من الأجزاء المنسية بل وفي سجود السهو أيضاً على الأحوط الأولى ، وأما النوافل فلا يعتبر فيها الاستقبال حال المشي والركوب وإن كانت منذورة ، والأحوط اعتباره فيها حال الاستقرار ، والقبلة هي المكان الواقع فيه البيت الشريف ، ويتحقق استقباله بالمحاذاة الحقيقية مع التمكن من تمييز عينه والمحاذاة العرفية عند عدم التمكن من ذلك.

مسألة ٥١٥ : يجب العلم بالتوجه إلى القبلة وتقوم مقامه البينة ـ إذا كان إخبارها عن حس أوما بحكمه ـ ويكفي أيضا الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائية كإخبار الثقة أو ملاحظة قبلة بلد المسلمين في صلواتهم ، وقبورهم ومحاريبهم ، ومع تعذر ذلك يبذل جهده في تحصيل المعرفة بها ، ويعمل على ما يحصل له من الظن ، ومع تعذره يكتفي بالصلاة إلى أي جهة يحتمل وجود القبلة فيها ، والأحوط استحباباً أن يصلي إلى أربع جهات مع سعة الوقت ، والا صلى بقدر ما وسع وإذا علم عدمها في بعض الجهات اجتزأ بالصلاة إلى المحتملات الأخر.

مسألة ٥١٦ : من صلى إلى جهة اعتقد أنها القبلة ، ثم تبين الخطأ فإن كان منحرفا إلى ما بين اليمين ، والشمال صحت صلاته ، وإذا التفت في الأثناء مضى ما سبق واستقبل في الباقي ، من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه ، ولا بين المتيقن والظان ، والناسي والغافل ، نعم إذا كان ذلك عن

١٧١

جهل بالحكم ، فالأحوط لزوم الإعادة في الوقت ، والقضاء في خارجة ، وأما إذا تجاوز انحرافه عما بين اليمين والشمال ، أعاد في الوقت ، سواء كان التفاته أثناء الصلاة ، أو بعدها ، ولا يجب القضاء إذا التفت خارج الوقت إلا في الجاهل بالحكم فإنه يجب عليه القضاء.

١٧٢

المقصد الثالث

الستر والساتر

وفيه فصول

الفصل الأول

يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها ـ بل وسجود السهوعلى الأحوط استحبابا ـ وإن لم يكن ناظر ، أو كان في ظلمة.

مسألة ٥١٧ : إذا بدت العورة لريح أو غفلة ، أو كانت بادية من الأول وهولا يعلم ، أو نسي سترها صحت صلاته ، وإذا التفت إلى ذلك في الأثناء وجبت المبادرة إلى سترها وصحت أيضاً على الأظهر.

مسألة ٥١٨ : عورة الرجل في الصلاة القضيب ، والانثيان ، والدبر دون ما بينهما ، وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها ، حتى الرأس ، والشعر عدا الوجه بالمقدار الذي لا يستره الخمار عادة مع ضربه على الجيب ـ وإن كان الأحوط لها ستر ما عدا المقدار الذي يغسل في الوضوء ـ وعدا الكفين إلى الزندين ، والقدمين إلى الساقين ، ظاهرهما ، وباطنهما ، ولابد من ستر شيء مما هو خارج عن الحدود.

مسألة ٥١٩ : الصبية كالبالغة فيما تقدم إلا في الرأس وشعره والعنق ، فإنه لا يجب عليها سترها.

مسألة ٥٢٠ : إذا كان المصلي واقفاً على شباك ، أو طرف سطح

١٧٣

بحيث لو كان ناظر تحته لرأى عورته ، فالأقوى وجوب سترها من تحته نعم إذا كان واقفا على الأرض لم يجب الستر من جهة التحت إلا مع وقوفه على جسم عاكس ترى عورته بالنظر إليه فإنه يجب حينئذ سترها من هذه الجهة أيضا.

الفصل الثاني

يعتبر في لباس المصلي أمور

الأول : الطهارة ، إلا في الموارد التي يعفى عنها في الصلاة ، وقد تقدمت في أحكام النجاسات.

الثاني : الإباحة ، فلا تصح الصلاة في المغصوب على الأحوط لزوماً فيما كان ساتراً للعورة فعلاً ، واستحباباً في غيره ، نعم إذا كان جاهلاً بالغصبية أو ناسيا لها ولم يكن هو الغاصب أو كان جاهلاً بحرمته جهلاً يعذر فيه أو ناسيا لها أو مضطراً تصح صلاته.

مسألة ٥٢١ : لا فرق في الغصب بين أن يكون عين المال مغصوباً أو منفعته ، أو كان متعلقاً لحق موجب لعدم جواز التصرف فيه ، بل إذا اشترى ثوبا بعين مال فيه الخمس كان حكمه حكم المغصوب ، وأما إذا اشتراه بعين مال فيه حق الزكاة ففي كونه كذلك إشكال بل منع ـ كما سيأتي في محله ـ وإذا كان الميت مشغول الذمة بالزكاة أوالمظالم ونحوهما من الحقوق المالية سواء أ كان مستوعباً للتركة أم لا لم يجز التصرف في تركته بما ينافي أداء الحق منها وإذا كان له وارث قاصر لم يجز التصرف في تركته إلا بمراجعة وليه الشرعي من الأب أو الجد ثم القيم ثم الحاكم الشرعي.

مسألة ٥٢٢ : لا بأس بحمل المغصوب في الصلاة إذا لم يتحرك

١٧٤

بحركات المصلي ، بل وإذا تحرك بها أيضاً على الأظهر.

الثالث : أن لا يكون من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة ، من دون فرق بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم فيه الصلاة على الأحوط وجوباً ، والأظهر اختصاص الحكم بالميتة النجسة وإن كان الأحوط الاجتناب عن الميتة الطاهرة أيضا ، وقد تقدم في النجاسات حكم الجلد الذي يشك في كونه مذكى أولا ، كما تقدم بيان ما لا تحله الحياة من الميتة فراجع ، والمشكوك في كونه من جلد الحيوان ، أومن غيره لا بأس بالصلاة فيه.

الرابع : أن لا يكون من أجزاء السباع بل مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على الأحوط ، والأظهر اختصاص المنع بما تتم الصلاة فيه وإن كان الاجتناب عن غيره أيضا أحوط ، كما أن الأحوط الاجتناب حتى عن الشعرة الواحدة الواقعة منه على الثوب وإن كان الأظهر عدم وجوبه ، نعم لا يبعد المنع عن روثه وبوله وعرقه ولبنه إذا كان الثوب متلطخاً به ، وأما حمل بعض أجزائه ـ كما إذا جعل في قارورة وحملها معه في جيبه ـ فلا بأس به على الأقوى.

مسألة ٥٢٣ : إذا صلى في غير المأكول جهلاً به صحت صلاته وكذا إذا كان نسياناً ، أو كان جاهلاً بالحكم ، أو ناسياً به ، نعم تجب الإعادة إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير على ما تقدم.

مسألة ٥٢٤ : إذا شك في اللباس ، أو فيما على اللباس من الرطوبة أو الشعر ، أو غيرهما في أنه من المأكول ، أومن غيره ، أومن الحيوان ، أومن غيره ، صحت الصلاة فيه.

مسألة ٥٢٥ : لا بأس بالشمع ، والعسل ، والحرير الممزوج ، ومثل البق ، والبرغوث ، والزنبور ونحوها من الحيوانات التي لا لحم لها ، وكذا لا بأس بالصدف ، ولا بأس بفضلات الإنسان كشعره ، وريقه ، ولبنه ونحوها

١٧٥

وإن كانت واقعة على المصلي من غيره ، وكذا الشعر الموصول بالشعر المسمى بـ ( الباروكة ) سواء أ كان مأخوذاً من الرجل ، أم من المرأة.

مسألة ٥٢٦ : تجوز الصلاة في جلد الخز ، والسنجاب ووبرهما ، ما لم يمتزج بوبر غيرهما من السباع بل مطلق غير مأكول اللحم على الأحوط ، وفي كون ما يسمى الآن خزاً ، هو الخز إشكال ، وإن كان الظاهر جواز الصلاة فيه ، والاحتياط طريق النجاة ، وأما السمور ، والقماقم والفنك فالأحوط الاجتناب عن الصلاة في أجزائها وإن كان الأظهر الجواز.

الخامس : أن لا يكون من الذهب ـ للرجال ـ ولو كان حلياً كالخاتم ، أما إذا كان مذهباً بالتمويه والطلي على نحو يعد عند العرف لونا فلا بأس ويجوز ذلك كله للنساء ، كما يجوز أيضا حمله للرجال كالساعة ، والدنانير.نعم الظاهر المنع عن كل ما يطلق على استعماله عنوان اللبس عرفا مثل الزناجير المعلقة والساعة اليدوية.

مسألة ٥٢٧ : إذا صلى في الذهب جاهلاً ، أو ناسيا صحت صلاته.

مسألة ٥٢٨ : لا يجوز للرجال لبس الذهب في غير الصلاة أيضاً وفاعل ذلك آثم ، والأحوط ترك التزين به مطلقاً حتى فيما لا يصدق عليه اللبس ، كجعل أزرار اللباس من الذهب أو جعل مقدم الأسنان منه ، نعم لا بأس بشدها به أو جعل الأسنان الداخلية منه.

السادس : أن لا يكون من الحرير الخالص ـ للرجال ـ ولا يجوز لهم لبسه في غير الصلاة أيضاً كالذهب ، نعم لا بأس به في الحرب والضرورة والحرج كالبرد والمرض حتى في الصلاة ، كما لا بأس بحمله في حال الصلاة وغيرها وكذا افتراشه والتغطي والتدثر به على نحولا يعد لبساً له عرفاً ، ولا بأس بكف الثوب به ، والأحوط استحباباً أن لا يزيد على أربع أصابع ، كما لا بأس بالأزرار منه والسفائف والقياطين وإن تعددت وكثرت ، وأما ما لا

١٧٦

تتم فيه الصلاة من اللباس ، فالأحوط استحباباً تركه.

مسألة ٥٢٩ : لا يجوز جعل البطانة من الحرير وإن كانت إلى النصف.

مسألة ٥٣٠ : لا بأس بالحرير الممتزج بالقطن ، أو الصوف أو غيرهما مما يجوز لبسه في الصلاة ، لكن بشرط أن يكون الخلط بحيث يخرج اللباس به عن صدق الحرير الخالص ، فلا يكفي الخلط بالمقدار اليسير المستهلك عرفا.

مسألة ٥٣١ : إذا شك في كون اللباس حريراً ، أو غيره جاز لبسه وكذا إذا شك في أنه حرير خالص ، أو ممتزج.

مسألة ٥٣٢ : يجوز للولي إلباس الصبي الحرير ، أو الذهب ، وتصح صلاته فيه على الأظهر.

الفصل الثالث

الأحوط في الساتر الصلاتي في حال الاختيار صدق عنوان ( اللباس ) عليه عرفاً ، وإن كان الأظهر كفاية مطلق ما يخرج المصلي عن كونه عارياً كالورق والحشيش والقطن والصوف غير المنسوجين ، بل الطين إذا كان من الكثرة بحيث لا يصدق معه كون المصلي عارياً ، وأما في حال الاضطرار فيجزي التلطخ بالطين ونحوه ، وإذا لم يتمكن المصلي من الساتر بوجه فإن تمكن من الصلاة قائماً مع الركوع والسجود بحيث لا تبدو سوأته للغير المميز ـ أما لعدم وجوده أو لظلمة أو نحوها ـ فالأقوى وجوب الإتيان بها كذلك وإن كان الأحوط الجمع بينها وبين الصلاة قائماً مومياً ، ولو اقتضى التحفظ على عدم بدو سوءته ترك القيام والركوع والسجود الاختياريين صلى

١٧٧

جالساً مومياً ، ولو اقتضى ترك واحد من الثلاثة تركه وأتى ببدله فيومي بالرأس بدلاً عن الركوع والسجود ويجلس بدلاً عن القيام ، ولكن الأحوط في الفرض الأخير الجمع بينه وبين الصلاة قائما مومياً والأحوط لزوماً للعاري ستر السوأتين ببعض أعضائه كاليد في حال القيام والفخذين في حال الجلوس.

مسألة ٥٣٣ : إذا انحصر الساتر بالمغصوب أو الذهب أو الحرير أو السباع أو غيرها مما لا يؤكل لحمه فإن لم يضطر إلى لبسه صلى عارياً إلا في الأخير فيجمع بين الصلاة فيه والصلاة عارياً على الأحوط ، وإن اضطر إلى لبسه صحت صلاته فيه في حال الاضطرار وإن لم يكن مستوعباً للوقت إلا في الأخيرين فإنه لا تصح الصلاة في حال لبسهما اضطراراً ما لم يكن الاضطرار مستوعباً لجميع الوقت ، نعم لو اطمأن بالاستيعاب فصلى كذلك ثم اتفق زواله في الوقت لم يجب إعادتها على الأظهر. وإذا انحصر الساتر في النجس فالأحوط الجمع بين الصلاة فيه والصلاة عارياً وإن كان الأظهر الاجتزاء بالصلاة فيه كما سبق في أحكام النجاسات.

مسألة ٥٣٤ : الأحوط لزوماً تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل وجدانه قبل انقضائه ، نعم إذا يئس عن وجدانه في الوقت جاز له البدار إليها فإن استمر عذره إلى آخر الوقت فلا شيء عليه وكذا إن لم يستمر على الأصح.

مسألة ٥٣٥ : إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالاً أن أحدهما مغصوب أو حرير ، والآخر مما تصح الصلاة فيه ، لا تجوز الصلاة في واحد منهما بل يصلي عاريا ، وإن علم أن أحدهما نجس ، والآخر طاهر ، صلى صلاتين في كل منهما صلاة ، وكذا إذا علم أن أحدهما مما يؤكل لحمه والآخر من السباع أومن غيرهما مما لا يؤكل لحمه على ما تقدم.

١٧٨

المقصد الرابع

مكان المصلي

مسألة ٥٣٦ : لا تصح الصلاة فريضة ، أو نافلة في المكان المغصوب على الأحوط وإن كان الركوع والسجود بالإيماء ، ولا فرق في ذلك بين ما يكون مغصوباً عيناً أو منفعة أو لتعلق حق ينافيه مطلق التصرف في متعلقه حتى مثل الصلاة فيه ، والظاهر اختصاص الحكم بالعالم العامد فلو كان جاهلاً بالغصب أو كان ناسياً له ، ولم يكن هو الغاصب صحت صلاته وكذلك تصح صلاة من كان مضطراً لا بسوء الاختيار ، أو كان مكرها على التصرف في المغصوب كالمحبوس بغير حق ، والأظهر صحة الصلاة في المكان الذي يحرم المكث فيه لضرر على النفس ، أو البدن لحر ، أو برد أو نحو ذلك ، وكذلك المكان الذي فيه لعب قمار ، أو نحوه ، كما أن الأظهر صحة الصلاة فيما إذا وقعت تحت سقف مغصوب ، أو خيمة مغصوبة.

مسألة ٥٣٧ : إذا اعتقد غصب المكان ، فصلى فيه بطلت صلاته وإن انكشف الخلاف إلا إذا تمشى منه قصد القربة.

مسألة ٥٣٨ : لا يجوز لأحد الشركاء الصلاة في الأرض المشتركة إلا بإذن بقية الشركاء ، كما لا تجوز الصلاة في الأرض المجهولة المالك إلا بإذن الحاكم الشرعي مطلقا على الأحوط.

مسألة ٥٣٩ : إذا سبق واحد إلى مكان في المسجد للصلاة أو لغيرها من الأغراض الراجحة كالدعاء وقراءة القرآن والتدريس لم يجز لغيره إزاحته عن ذلك المكان أو إزاحة رحله عنه ومنعه من الانتفاع به سواء توافق السابق

١٧٩

مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه نعم يحتمل عند التزاحم تقدم الطواف على غيره في المطاف والصلاة على غيرها في سائر المساجد فلا يترك الاحتياط للسابق بتخلية المكان للمسبوق في مثل ذلك ، وعلى كل حال إذا أزاح الشخص من ثبت له حق السبق في مكان من المسجد أو أزاح رحله عنه ثم قام بالصلاة فيه أو بسائر التصرفات فالأظهر صحة صلاته وجواز تصرفاته وإن كان آثما في الإزاحة.

مسألة ٥٤٠ : إنما تبطل الصلاة في المغصوب مع عدم الإذن من المالك في الصلاة ، ولو لخصوص زيد المصلي ، والا فالصلاة صحيحة.

مسألة ٥٤١ : إنما يعتبر الإذن من المالك في جواز الصلاة وغيرها من التصرفات بما أنه كاشف عن رضاه وطيب نفسه بها ، والا فلا يعتبر الإذن ـ أي إنشاء الإباحة والتحليل ـ بعنوانه ، كما لا يعتبر في الرضا أن يكون ملتفتاً إليه فعلا فيكفي ولو لم يكن كذلك لنوم أو غفلة أو نحوهما ، فيجوز الصلاة وغيرها من التصرفات في ملك الغير مع غفلته إذا علم من حاله أنه لو التفت إليها لأذن.

مسألة ٥٤٢ : يستكشف الرضا بالصلاة ، إما بالقول كأن يقول : صل في بيتي ، أو بالفعل كأن يفرش له سجادة إلى القبلة ، أو بشاهد الحال كما في المضائف المفتوحة الأبواب ونحوها ، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة ولا غيرها من التصرفات ، إلا مع العلم بالرضا ولو لم يكن ملتفتاً إليه فعلاً ، ولذا يشكل في بعض المجالس المعدة لقراءة التعزية الدخول في المرحاض والوضوء بلا إذن ، ولا سيما إذا توقف ذلك على تغير بعض أوضاع المجلس من رفع ستر ، أو طي بعض فراش المجلس ، أو نحو ذلك مما يثقل على صاحب المجلس ، ومثله في الإشكال البصاق على المواضع النزهة ، والجلوس في بعض مواضع المجلس المعدة لغير مثل الجالس لما فيها من

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482