منهاج الصالحين ـ المعاملات الجزء ٢

منهاج الصالحين ـ المعاملات12%

منهاج الصالحين ـ المعاملات مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 491

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 491 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80620 / تحميل: 4859
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين ـ المعاملات

منهاج الصالحين ـ المعاملات الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

مسألة ١٢٩١ : لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله ، فإذا أقر وكيل المدعي بالقبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأن الحق مؤجل أوإن الشهود فسقة أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي لم يقبل وبقيت الخصومة على حالها ، سواء أقر في مجلس الحكم أو في غيره ، لكن ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة لأنه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

مسألة ١٢٩٢ : الوكيل في المرافعة لا يملك الصلح عن الحق ولا الإبراء منه إلا أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً.

مسألة ١٢٩٣ : يجوز أن يوكل اثنين فصاعداً في المرافعة كسائر الأمور ، فإن لم يفهم من كلامه استقلال كل واحد منهما فيها لم يستقل بها أحدهما ، بل يتشاوران ويعضد كل واحد منهما صاحبه ويعينه على ما فوض إليهما.

مسألة ١٢٩٤ : إذا وكل الرجل وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته وأستيفاء حقوقه مطلقاً أو في خصومة شخصية ثم قدم الوكيل خصماً لموكله ونشر الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه ، وكذا إذا ادعى عند الحاكم أنه وكيل في الدعوى وأقام البينة عنده على وكالته ، وأما إذا ادعى الوكالة من دون بينة عليها فإن لم يحضر خصماً عنده أو أحضر ولم يصدقه في وكالته لم يسمع دعواه ، وأما إذا صدقه فيها فالظاهر أن يسمع دعواه لكن لن يثبت بذلك وكالته عن موكله بحيث يكون حجة عليه ، فإذا قضت موازين القضاء بحقية المدعي يلزم المدعى عليه بالحق ، وأما إذا قضت بحقية المدعى عليه فالمدعي على حجته ، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها.

مسألة ١٢٩٥ : إذا وكله في الدعوى وتثبيت حقه على خصمه وثبته لم يكن له قبض الحق فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى

٤٠١

الوكيل.

مسألة ١٢٩٦ : لو وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه الحق لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة معه وتثبيت الحق عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة.

مسألة ١٢٩٧ : يجوز جُعلٍ جعل للوكيل ولكنه إنما يستحق الجُعل بتسليم العمل الموكل فيه ، فلو وكله في البيع أو الشراء وجعل له جُعلاً كان للوكيل مطالبة الموكل به بمجرد إتمام المعاملة وإن لم يتسلم الموكل الثمن أو المثمن ، وكذا لو وكله في المرافعة وتثبيت حقه استحق الجعل بمجرد إتمام المرافعة وثبوت الحق وإن لم يتسلمه الموكل.

مسألة ١٢٩٨ : لو وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء بطلت الوكالة ولم يكن له مطالبة وارثه ، نعم لو كانت الوكالة شاملة لأخذ الدين ولو من الورثة لم تبطل الوكالة وكان حينئذٍ للوكيل مطالبة الورثة بذلك.

مسألة ١٢٩٩ : لو وكله في استيفاء دينه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة فقال زيد للوكيل خذ هذه الدراهم وأقض بها دين فلان يعني موكله فأخذها صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين ولو بوكيله أو وليه ، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله ، ولو قال خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان فأخذها كان قابضاً للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد.

مسألة ١٣٠٠ : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما دفعه إليه الموكل لا يضمنه إلا مع التعدي أو التفريط ، فلو تلف اتفاقاً من دون أن يقصر في حفظه أو يتصرف فيه بغير ما أجازه الموكل فيه لم يكن عليه شيء ، وأما لو قصر في حفظه أو تعدى وتصرف فيه بغير ما أجازه الموكل وتلف ضمنه ، فلو لبس

٤٠٢

الثوب الذي وكل في بيعه وتلف حينذاك لزمه عوضه ، وأما لو رجع عن تعديه ثم تلف فالظاهر براءته عن الضمان.

مسألة ١٣٠١ : لو تصرف الوكيل في المال الذي دفعه الموكل إليه بغير ما أجازه لم تبطل وكالته ، فيصح منه الإتيان بما هو وكيل فيه ، فلو توكل في بيع ثوب فلبسه ثم باعه صح البيع.

مسألة ١٣٠٢ : يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل أو وكيله مع القدرة والمطالبة ، فلو تخلف عنه كان ضامناً.

مسألة ١٣٠٣ : لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل إلا إذا وكله في أن يودعه عنده مع الإشهاد ـ ولو لانصراف إطلاقه إليه ـ فأودع بلا إشهاد ، وكذا الحال فيما لو وكله في قضاء دينه فأداه بلا إشهاد وإنكر الدائن.

مسألة ١٣٠٤ : إذا وكله في بيع سلعة أو شراء متاع فإن صرح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعم نفسه فلا إشكال ، وإن أطلق وقال أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني فالظاهر أنه يعم نفس الوكيل فيجوز له أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه إلا مع انصراف الإطلاق إلى غيره.

مسألة ١٣٠٥ : لا تثبت الوكالة عند الاختلاف إلا بشاهدين عدلين.

مسألة ١٣٠٦ : لو زوجه فأنكر الموكل الوكالة حلف وعلى الوكيل نصف المهر لها وعلى الموكل إن كان كاذباً في إنكاره الزوجية طلاقها ، ولولم يفعل وقد علمت الزوجة بكذبه رفعت أمرها إلى الحاكم ليطلقها.

مسألة ١٣٠٧ : إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها بيمينه ، ولو اختلفا في التلف أو في تقصير الوكيل أو في العزل أو العلم به أو في التصرف فالقول قول الوكيل بيمينه ، وأذا ادعى الوكيل الإذن في البيع بثمن معين وإنكره

٤٠٣

الموكل فالقول قوله بيمينه فإن وجدت العين استعيدت وإن فقدت أو تعذرت فالمثل ، أو القيمة إن لم تكن مثلية.

مسألة ١٣٠٨ : إذا اختلفا في رد المال إلى الموكل فالقول قول الموكل بيمينه ، وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصي والموصى له في دفع المال الموصى به إليه ، أو اختلف الأولياء ـ حتى الأب والجد ـ مع المولى عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه ، فإن القول قول المنكر في جميع ذلك ، نعم لو اختلف الأولياء مع المولى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلق بهم في زمان ولايتهم كان القول قول الأولياء بيمينهم.

مسألة ١٣٠٩ : قبول قول الوكيل أو غيره مع اليمين في الموارد المتقدمة منوط بعدم كونه مخالفاً للظاهر ، مثلاً لو ادعى الوكيل تلف ما دفعه إليه الموكل بحريق أصابه وحده وقد كان بين أمواله لم يقبل قوله إلا بالبينة.

٤٠٤

كتاب الهبة

٤٠٥
٤٠٦

الهبة هي : ( تمليك عين من دون عوض عنها ) ويعبر عن بعض أقسامها بالعطية والنحلة والجائزة والصدقة.

مسألة ١٣١٠ : الهبة عقد يتوقف على إيجاب وقبول ، ويكفي في الإيجاب كل ما دل على التمليك المذكور من لفظ أو فعل أو إشارة ولا يعتبر فيه صيغة خاصة ولا العربية ويكفي في القبول كل ما دل على الرضا بالإيجاب من لفظ أو فعل أونحو ذلك.

مسألة ١٣١١ : يعتبر في الواهب البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر عليه من التصرف في الموهوب لسفه أو فلس ، وتصح الهبة من المريض بمرض الموت على تفصيل تقدم في كتاب الحجر.

مسألة ١٣١٢ : يعتبر في الموهوب له قابليته لتملك الموهوب شرعاً فلا تصح هبة الخنزير للمسلم ولو من قبل الكافر ، ولا يعتبر فيه البلوغ والعقل والقصد والاختيار إلا إذا كان هو القابل بنفسه أو بوكيله دون ما إذا كان القائل وليه.

مسألة ١٣١٣ : يعتبر في الموهوب أن يكون عيناً فلا تصح هبة المنافع ، وأما الدين فتصح هبته لغير من هوعليه ويكون قبضه بقبض مصداقه ، وأما هبته لمن هوعليه بقصد إسقاطه فهو إبراء ولا يحتاج إلى القبول.

مسألة ١٣١٤ : يشترط في صحة الهبة القبض ولابد فيه من إذن الواهب إلا أن يهب ما في يده فلا حاجة حينئذٍ إلى قبض جديد وإن كان

٤٠٧

الأحوط لزوماً اعتبار الإذن في القبض بقاءً.

مسألة ١٣١٥ : للأب والجد من جهته ولاية القبول والقبض عن الصغير والمجنون إذا بلغ مجنوناً ، أما لو جن بعد البلوغ والرشد ففي كون ولاية القبول والقبض لهما أو للحاكم الشرعي إشكال فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معاً ، ولو وهب الولي أحدهما وكانت العين الموهوبة بيد الولي لم يحتج إلى قبض جديد.

مسألة ١٣١٦ : يتحقق القبض في المنقول وغير المنقول باستيلاء الموهوب له على الموهوب وصيرورته تحت يده وسلطانه ، والظاهر اختلاف صدق ذلك بحسب اختلاف الموارد.

مسألة ١٣١٧ : تصح هبة المشاع ويمكن قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك أو بتوكيل الموهوب له إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقق القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء الموهوب له عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، وترتب الأثر عليه وإن فرض كونه تعدياً بالنسبة إليه.

مسألة ١٣١٨ : لا تعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد فيجوز فيه التراخي عن العقد بزمان كثير ، ومتى تحقق القبض صحت الهبة من حينه فإذا كان للموهوب نماء سابق على القبض قد حصل بعد الهبة كان للواهب دون الموهوب له.

مسألة ١٣١٩ : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وإنفسخ ، وإنتقل الموهوب إلى ورثته ولا يقومون مقامه في الإقباض. فيحتاج إلى إيقاع هبة جديدة بينهم وبين الموهوب له ، كما أنه لو مات الموهوب له لا يقوم ورثته مقامه في القبض بل يحتاج إلى هبة جديدة من الواهب إياهم.

مسألة ١٣٢٠ : إذا تمت الهبة بحصول القبض فإن كانت لذي رحم

٤٠٨

أباً كان أوأما أو ولداً أو غيرهم لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، كما لا يحق له الرجوع فيها بعد التلف أو مع التعويض عنها ولو بشيء يسير ، من غير فرق بين ما كان دفع العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره بأن أطلق في العقد لكن الموهوب له أثاب الواهب وأعطاه العوض ، وكذا لا يحق له الرجوع فيها لو قصد بهبته القربة وأراد بها وجه الله تعالى.

مسألة ١٣٢١ : في إلحاق الزوج والزوجة بذي الرحم في لزوم الهبة إشكال ، والأقرب عدمه ، وإن كان الأحوط عدم الرجوع فيها ولو قبل القبض.

مسألة ١٣٢٢ : يلحق بالتلف في عدم جواز الرجوع في الهبة التصرف الناقل كالبيع والهبة والتصرف المغير للعين بحيث لا يصدق معه كون الموهوب قائماً بعينه كطحن الحنطة وخبز الدقيق وصبغ القماش أو تقطيعه وخياطته ثوباً ونحو ذلك ، وأما التصرف غير المغير كلبس الثوب وفرش السجادة وركوب الدابة وأمثال ذلك فلا يمنع من الرجوع ، ومن الأول الامتزاج الموجب للشركة كما أن من الثاني قصارة الثوب.

مسألة ١٣٢٣ : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكل والبعض فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهب شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو معيناً ومفروزاً.

مسألة ١٣٢٤ : الهبة أما معوضة أو غير معوضة ، والمراد بالأولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض وما عوض عنها وإن لم يشترط فيها العوض.

مسألة ١٣٢٥ : إذا وهب وأطلق لم يلزم على الموهوب له إعطاء الثواب والعوض ، سواء أكانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى إعطاؤه ، ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذه لزمت الهبة ولم يكن له

٤٠٩

الرجوع فيما وهبه ولم يكن للموهوب له أيضاً الرجوع فيما أعطاه.

مسألة ١٣٢٦ : إذا شرط الواهب في هبته على الموهوب له أن يعوضه عليها كأن يهبه شيئاً مكافاة لهبته ووقع منه القبول على ما اشترط وكذا القبض للموهوب وجب عليه العمل بالشرط ، فإذا تعذر أو امتنع من العمل به جاز للواهب الرجوع في الهبة ولولم يكن الموهوب قائماً بعينه ، بل الظاهر جواز الرجوع في الهبة المشروطة قبل العمل بالشرط أيضاً ، نعم إذا كان تدريجياً وشرع فيه الموهوب له لم يكن للواهب الرجوع إلا مع عدم الإكمال في المدة المضروبة أو المتعارفة.

مسألة ١٣٢٧ : لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين ويلزم على الموهوب له بذل ما عين ، ولو أطلق ـ بأن شرط عليه أن يعوض ولم يعين العوض ـ فإن اتفقا على شيء فذاك ، والا فالأحوط أن يعوض بالمساوي من مثل أو قيمة إلا إذا كانت قرينة من عادة أو غيرها على الاجتزاء باليسير.

مسألة ١٣٢٨ : لا يعتبر في الهبة المعوضة سواءً أكان التعويض وفاءً بالشرط أم تبرعاً أن يكون العوض هبة الموهوب له عيناً للواهب بل يجوز أن يكون غيرها من العقود أو الإيقاعات كبيع شيء على الواهب بأقل من قيمته السوقية مثلاً أو إبراء ذمته من دين له عليه ونحو ذلك ، بل يجوز أن يكون عملاً خارجياً ـ ولو في العين الموهوبة ـ يتعلق به غرض الواهب كأن يشترط على الموهوب له أن يبني في الأرض الموهوبة مدرسة أو مسجداً أو غيرهما.

مسألة ١٣٢٩ : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له الرجوع وكان للموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض كالولد كان من مال الموهوب له ولا يرجع إلى الواهب ، وإن كان النماء متصلاً فإن كان غير قابل للانفصال كالسمن والطول فهو تابع للعين فيرجع الواهب إلى العين كما هي

٤١٠

إلا إذا كان النماء كثيراً كما سيأتي ، وإن كان قابلاً للانفصال كالصوف والثمرة ونحوهما ففي التبعية إشكال والأظهر عدمها وإن الزيادة للموهوب له بعد رجوع الواهب أيضاً.

مسألة ١٣٣٠ : إذا كان النماء المتصل غير القابل للانفصال بحيث لا يصدق معه كون الموهوب قائماً بعينه ، كما لو وهبه فرخاً في أول خروجه من البيضة فصار دجاجاً لم يكن للواهب الرجوع.

مسألة ١٣٣١ : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لأجنبي ولم تكن معوضة وليس لورثته الرجوع ، وكذلك لو مات الموهوب له ، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً.

مسألة ١٣٣٢ : لو باع الواهب العين الموهوبة فإن كانت الهبة لازمة بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة يقع البيع فضولياً ، فإن أجاز الموهوب له صح والا بطل ، وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع ووقوعه من الواهب وكان رجوعاً في الهبة ، هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته ، وأما لو كان ناسياً أو غافلاً وذاهلاً ففي كونه رجوعاً قهرياً إشكال فلا يترك الاحتياط.

مسألة ١٣٣٣ : الرجوع أما بالقول ، كأن يقول : ( رجعت ) وما يفيد معناه ، وأما بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد الموهوب له بقصد الرجوع ، ومن ذلك بيعها بل وأجارتها ورهنها إذ كان ذلك بقصد الرجوع.

مسألة ١٣٣٤ : لا يشترط في الرجوع اطلاع الموهوب له ، فلو أنشأ الرجوع من غير علمه صح.

مسألة ١٣٣٥ : يستحب العطية للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيداً بصلتهم ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن الباقرعليه‌السلام : ( في كتاب عليعليه‌السلام : ثلاثة لا يموت صاحبهن أبداً حتى يرى وبالهن : البغي ، وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة يبارز الله بها ، وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة

٤١١

الرحم ، وإن القوم ليكونون فجاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون ، وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها ) وخصوصاً الوالدين الذين أمر الله تعالى ببرهما ، فعن الصادقعليه‌السلام : ( أن رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : أوصني قال : لا تشرك بالله شيئاً وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الإيمان ).

ولا سيما الأم التي يتأكد برها وصلتها أزيد من الأب فعن الصادقعليه‌السلام : ( جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله من أبر؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال ثم من؟ قال : أمك ، قال ثم من؟ قال : أباك ).

مسألة ١٣٣٦ : يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية ، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى الفساد ، كما أنه ربما يفضل التفضيل فيما إذا أمن من الفساد وكان لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته.

٤١٢

كتاب الوصية

٤١٣
٤١٤

وهي قسمان :

١ ـ الوصية التمليكية : وه ي أن يجعل الشخص شيئاً مما له من مال أو حق لغيره بعد وفاته ، كأن يجعل شيئا من تركته لزيد أو للفقراء بعد مماته ، فهي وصية بالملك أو الاختصاص.

٢ ـ الوصية العهدية : وه ي أن يعهد الشخص بتولي أحد بعد وفاته أمراً يتعلق به أو بغيره كدفنه في مكان معين أو في زمان معين أو تمليك شيء من ماله لأحدٍ أو وقفه أو بيعه ، أو الاستنابة عنه في صلاة أو صوم أو حج أو القيمومة على صغاره ونحو ذلك ، فهي وصية بالتولية.

مسألة ١٣٣٧ : تتضيق الواجبات الموسعة إذا لم يطمئن المكلف بالتمكن من الامتثال مع التأخير كقضاء الصلاة والصيام وأداء الكفارات والنذور ونحوها من الواجبات البدنية وغيرها فتجب المبادرة إلى أدائها.

وإن ضاق الوقت عن أدائها فإن كان له مال لزمه الاستيثاق من أدائها عنه بعد وفاته ولو بالوصية به ، وإن لم يكن له مال وأحتمل ـ احتمالاً معتداً به ـ أن يؤديها شخص آخر عنه تبرعاً وجبت عليه الوصية به أيضا ، وربما يغني الإخبار عن الوصية كما لو كان له من يطمئن بأدائه لما وجب عليه كالولد الأكبر فيكفي حينئذٍ إخباره بما عليه من الواجبات.

وأما أمانات الناس من الوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها مما يكون تحت يده فإن أمكنه إيصاله إلى صاحبه أو وكيله أو وليه أو إعلامه بذلك تعين عليه ذلك على الأحوط ، وإن لم يمكنه لزمه الاستيثاق من وصوله إلى

٤١٥

صاحبه بعد وفاته ولو بالإيصاء به والاستشهاد على ذلك وأعلام الوصي والشاهد باسم صاحبه وخصوصياته ومحله.

وأما ديون الناس فإن كان له تركة لزمه الاستيثاق من وصولها إلى أصحابها بعد مماته ولو بالوصية بها والاستشهاد عليها ، هذا في الديون التي لم يحل أجلها بعد أو حل ولم يطالبه بها الديان أو حل وطالبوا ولم يكن قادراً على وفائها ، والا فتجب المبادرة إلى وفائها فوراً وإن لم يخف الموت.

وأما الحقوق الشرعية مثل الزكاة والخمس والمظالم فإن كان متمكناً من أدائها فعلاً وجبت المبادرة إليه ولا يجوز التأخير وإن علم ببقائه حياً ، وإن عجز عن الأداء وكانت له تركة وجب عليه الاستيثاق من أدائها بعد وفاته ولو بالوصية به إلى ثقة مأمون ، وإن لم يكن له تركة وأحتمل أن يؤدي ما عليه بعض المؤمنين تبرعاً وأحساناً وجبت الوصية به أيضاً ونحوه في ديون الناس إذا لم يكن له تركة.

مسألة ١٣٣٨ : يكفي في تحقق الوصية كل ما دل عليها من لفظ ـ صريح أو غير صريح ـ أو فعل وإن كان كتابة أو إشارة ، بلا فرق فيه بين صورتي الاختيار وعدمه ، بل يكفي وجود مكتوب بخطه أو بإمضائه بحيث يظهر من قرائن الأحوال إرادة العمل به بعد موته.

مسألة ١٣٣٩ : إذا قيل للشخص هل أوصيت؟ فقال : لا ، فقامت البينة على أنه قد أوصى ، كان العمل على البينة ولم يعتد بخبره ، نعم إذا كان قد قصد من إنكاره إنشاء العدول عن الوصية صح العدول منه.

وكذا الحكم لو قال : نعم ، وقامت البينة على عدم الوصية منه فإنه إن قصد الإخبار كان العمل على البينة ، وإن قصد إنشاء الوصية صح الإنشاء وتحققت الوصية.

مسألة ١٣٤٠ : الوصية التمليكية لها أركان ثلاثة : الموصي ،

٤١٦

والموصى به ، والموصى له ، وأما الوصية العهدية فيكون قوامها بأمرين : الموصي ، والموصى به ، نعم إذا عين الموصي شخصاً لتنفيذها كانت أطرافها ثلاثة بإضافة الموصى إليه وهو الذي يطلق عليه الوصي ، وأذا كان الموصى به أمراً متعلقاً بالغير كتمليك مال لزيد مثلاً كانت أطرافها أربعة بإضافة الموصى له.

مسألة ١٣٤١ : إذا لم يعين الموصي في الوصية العهدية وصياً لتنفيذها ، تولى الحاكم أمرها أو عين من يتولاه ، ولولم يكن الحاكم ولا منصوبه تولاه بعض عدول المؤمنين.

مسألة ١٣٤٢ : الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول ، نعم إذا كان الموصى به أمراً متعلقاً بالغير فربما احتاج إلى قبوله ، كما أنه إذا عين وصياً لتنفيذها فلابد من عدم ردها من قبله ـ كما سيأتي ـ ولكن هذا معتبر في وصايته لا في أصل الوصية.

وأما الوصية التمليكية فإن كانت تمليكاً لعنوان عام كالوصية للفقراء والسادة والطلبة فهي كالعهدية لا يعتبر فيها القبول وإن كانت تمليكاً للشخص فالأظهر أنه يعتبر فيها القبول من الموصى له والقول بعدم اعتباره وكفاية عدم الرد ضعيف.

مسألة ١٣٤٣ : يكفي في القبول كل ما دل على الرضا قولاً أو فعلاً ، كأخذ الموصى به بقصد القبول.

مسألة ١٣٤٤ : لا فرق في القبول بين وقوعه في حياة الموصي أو بعد موته ، كما أنه لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متصلاً به أو متأخراً عنه مدة.

مسألة ١٣٤٥ : الظاهر أن رد الموصى له الوصية في الوصية التمليكية مبطل لها إذا كان الرد بعد الموت ولم يسبق بقبوله ، أما إذا سبقه القبول بعد

٤١٧

الموت أو في حال الحياة فلا أثر له وكذا الرد حال الحياة.

مسألة ١٣٤٦ : لو أوصى له بشيئين فقبل أحدهما ورد الآخر صحت فيما قبل وبطلت فيما رد إلا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع ، وكذا لو أوصى له بشيء واحد فقبل في بعضه ورد في البعض الآخر.

مسألة ١٣٤٧ : لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من الرد والقبول ، وليس لهم إجباره على الاختيار معجلاً إلا إذا كان تأخيره موجباً للضرر عليهم فيجبره الحاكم حينئذٍ على اختيار أحدهما.

مسألة ١٣٤٨ : لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه رد أو قبول قام ورثته مقامه في الرد والقبول ، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورثهم لولم يرجع الموصى عن وصيته قبل موته.

مسألة ١٣٤٩ : إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم صحت الوصية فيمن قبل وبطلت فيمن رد بالنسبة إلا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع فتبطل مطلقاً.

مسألة ١٣٥٠ : الظاهر أن الوارث يتلقى المال الموصى به من الموصي ابتداءً لا أنه ينتقل إلى الموصى له أولاً ثم إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة في صورة التعدد على حسب قسمة المواريث ، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ولا تنفذ فيه وصاياه.

مسألة ١٣٥١ : المدار على الوارث للموصى له عند موته لا الوارث عند موت الموصي.

مسألة ١٣٥٢ : إذا مات الوارث في حياة الموصي أيضاً ففي انتقال الموصى به إلى ورثته أيضاً إشكال ، والانتقال أظهر.

مسألة ١٣٥٣ : إذا أوصى إلى أحد أن يعطي بعض تركته لشخص مثلا

٤١٨

فهل يجري الحكم المذكور من الانتقال إلى الوارث لو مات في حياة الموصي بتمليكه؟ الظاهر ذلك.

مسألة ١٣٥٤ : يشترط في الموصي أمور :

الأول : البلوغ فلا تصح وصية الصبي إلا إذا بلغ عشراً فإنه تصح وصيته في المبرات والخيرات العامة وكذا لأرحامه وأقربائه ، وأما الغرباء ففي نفوذ وصيته لهم إشكال ، وكذا في نفوذ وصية البالغ سبع سنين في الشيء اليسير فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.

الثاني : العقل ، فلا تصح وصية المجنون والمغمى عليه والسكران حال جنونه وأغمائه وسكره ، وأذا أوصى حال عقله ثم جن أو سكر أو أغمي عليه لم تبطل وصيته.

الثالث : الرشد ، فلا تصح وصية السفيه في أمواله وتصح في غيرها كتجهيزه ونحوه.

الرابع : الاختيار ، فلا تصح وصية المكره.

الخامس : الحرية ، على تفصيل مذكور في محله.

السادس : أن لا يكون قاتل نفسه ، فإذا أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه من جرح أو شرب سم أونحو ذلك لم تصح وصيته إذا كانت في ماله ، أما إذا كانت في غيره من تجهيز ونحوه صحت ، وكذا تصح الوصية في ماله وغيره إذا فعل ذلك لا عن عمد بل كان خطأً أو سهواً أو كان لا بقصد الموت بل لغرض آخر ، أو على غير وجه العصيان مثل الجهاد في سبيل الله ، وكذا إذا عوفي ثم أوصى ، بل الظاهر الصحة أيضاً إذا أوصى بعد ما فعل السبب ثم عوفي ثم مات.

مسألة ١٣٥٥ : إذا أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثم أحدث فيها صحت وصيته وإن كان حين الوصية بانياً على أن يحدث ذلك بعدها.

٤١٩

مسألة ١٣٥٦ : تصح الوصية من كل من الأب والجد بالولاية على الطفل مع فقد الآخر ولا تصح مع وجوده.

مسألة ١٣٥٧ : لا يجوز للحاكم الوصية بالولاية على الطفل بعد موته ، بل بعد موته يرجع الأمر إلى حاكم آخر غيره.

مسألة ١٣٥٨ : لو أوصى وصية تمليكية لصغير من أرحامه أو من غيرهم بمال ولكنه جعل أمره إلى غير الأب والجد وغير الحاكم لم يصح هذا الجعل بل يكون أمر ذلك المال للأب والجد مع وجود أحدهما وللحاكم مع فقدهما ، نعم لو أوصى أن يبقى ماله بيد الوصي حتى يبلغ فيملكه إياه صح ، وكذا إذا أوصى أن يصرف ماله عليه من دون أن يملكه إياه بشرط عدم منافاته لحقي الحضانة والولاية.

مسألة ١٣٥٩ : يجوز أن يجعل الأب والجد الولاية والقيمومة على الأطفال لاثنين أو أكثر كما يجوز جعل الناظر على القيم المذكور بمعنى كونه مشرفاً على عمله أو بمعنى كون العمل بنظره وتصويبه كما يأتي في الوصية بالمال.

مسألة ١٣٦٠ : إذا قال الموصي لشخص : أنت ولي وقيم على أولادي القاصرين وأولاد ولدي ولم يقيد الولاية بجهة بعينها جاز له التصرف في جميع الشؤون المتعلقة بهم من حفظ نفوسهم وتربيتهم وحفظ أموالهم والإنفاق عليهم وأستيفاء ديونهم ووفاء ما عليهم من نفقات أو ضمانات أو حقوق شرعية واجبة كالخمس أو مستحبة كالزكاة في بعض الموارد ، وغير ذلك من الجهات ، نعم في ولايته على تزويجهم كلام سيأتي إن شاء الله.

مسألة ١٣٦١ : إذا قيد الموصي الولاية بجهة دون جهة وجب على الولي الاقتصار على محل الإذن دون غيره من الجهات وكان المرجع في الجهات الأخرى الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491