منهاج الصالحين ـ المعاملات الجزء ٢

منهاج الصالحين ـ المعاملات8%

منهاج الصالحين ـ المعاملات مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 491

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 491 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80622 / تحميل: 4859
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين ـ المعاملات

منهاج الصالحين ـ المعاملات الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فصل

في شرائط العين الموقوفة

مسألة ١٥١٥ : يعتبر في الموقوف أن يكون عيناً خارجية فلا يصح وقف الدين ولا وقف المنفعة غير العينية ، فإذا قال : ( وقفت ما هو لي في ذمة زيد من فرش أو إناء أو نحوهما ) أو قال : ( وقفت منفعة داري ) لم يصح ، وأما وقف الكلي في المعين كوقف مائة متر مربع مثلاً من القطعة المعينة من أرض فالظاهر صحته.

مسألة ١٥١٦ : يعتبر أن تكون العين مملوكة أو بحكمها ، فلا يصح وقف الحر والمباحات الأصلية قبل حيازتها ، ويجوز وقف إبل الصدقة وغنمها وبقرها من سهم سبيل الله إذا اقتضته المصلحة العامة ، وكان الواقف هو الحاكم الشرعي أو المأذون من قبله.

مسألة ١٥١٧ : يعتبر في العين الموقوفة أن لا تكون متعلقة لحق الغير بحيث يمنع من التصرف الناقل أو ما بحكمه فيها ، فلا يصح وقف العين المرهونة قبل فكها على الأقوى.

مسألة ١٥١٨ : يعتبر في العين الموقوفة أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مدة معتداً بها مع بقائها ، فلا يصح وقف الأطعمة والخضر والفواكه ونحوها مما فيما لا نفع فيه إلا بإتلاف عينه ولا وقف الورد والريحان ونحوهما للشم مما لا يبقى إلا لفترة قصيرة ، كما يعتبر أن يكون الانتفاع بها محللاً ، فلا يصح وقف الآت اللهو المحرم والآت القمار والصلبان ونحوها مما يحرم الانتفاع به ، ويعتبر أن تكون المنفعة المقصودة بالوقف محللة فلا يصح وقف الدابة لحمل الخمر أو الدكان لحرزها أو بيعها.

٤٦١

مسألة ١٥١٩ : لا يعتبر في صحة الوقف أن تكون العين مما يمكن قبضها حال الوقف ، فإذا وقف الجمل الشارد أو الطير المملوك في الهواء وتحقق القبض بعده صح الوقف.

مسألة ١٥٢٠ : لا إشكال في صحة وقف الثياب والأواني والفرش والدور والبساتين والأراضي والكتب والسلاح والحيوانات إذا كان ينتفع بها في الركوب أو الحمل أو كان لها نماء من اللبن أو الوبر أو الشعر أو الصوف أو غير ذلك وكذا غيرها مما له منفعة محللة ، ويجوز وقف الدراهم والدنانير إذا كان ينتفع بها في التزيين ونحوه ، وأما وقفها لحفظ الاعتبار ففيه إشكال.

مسألة ١٥٢١ : المراد من المنفعة أعم من المنفعة العينية مثل الثمر واللبن ونحوهما والمنفعة الفعلية مثل الركوب والحرث والسكنى وغيرها.

مسألة ١٥٢٢ : لا يشترط في العين الموقوفة أن تكون محللاً للانتفاع حال الوقف بل يكفي كونها معرضاً للانتفاع ولو بعد مدة فيصح وقف الشجرة قبل أن تثمر ووقف الدابة الصغيرة قبل أن تقوى على الركوب أو الحمل عليها.

٤٦٢

فصل

في شرائط الموقوف عليه

مسألة ١٥٢٣ : يشترط في الموقوف عليه أمور :

الأول : التعيين ، فإذا وقف على المردد بين شيئين أو أشياء مثل أحد المسجدين أو أحد المشهدين أو أحد الولدين مثلاً لم يصح ، نعم إذا وقف على الجامع بين أمرين أو أمور صح.

الثاني : وجوده ـ في الوقف الخاص ـ حال الوقف فلا يصح الوقف على المعدوم حاله سواء أكان موجوداً قبل ذلك ، كما إذا وقف على زيد الذي مات أو يوجد بعد الوقف مثل أن يقف على ولده الذي سيولد ، وأما إذا كان حملاً لم ينفصل حين الوقف ففي بطلان الوقف تأمل ، نعم إذا وقف على الحمل أو المعدوم تبعاً للموجود بالفعل بأن يجعل طبقة ثانية أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه صح كما إذا وقف على أولاده ثم على أولادهم ثم على أولاد أولادهم وهكذا.

مسألة ١٥٢٤ : إذا وقف على أولاده الموجودين ثم على من سيوجد على أن يكون بعد وجوده مقدماً على الموجودين فالظاهر الصحة.

مسألة ١٥٢٥ : إذا وقف على الزائرين أو الحجاج أو عالم البلد أونحو ذلك من العناوين العامة التي توجد لها أفراد في وقت ولا توجد في وقت آخر صح وإن لم يكن له فرد حين الوقف ، فإذا وقف بستاناً مثلاً على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد صح الوقف كما أنه لو كان موجوداً ثم لم يوجد ثم وجد لم يبطل الوقف في فترة عدم وجوده بل هو باق على وقفيته فيحفظ ثمرة في زمان عدم وجود الفقير إلى أن يوجد وإن لم

٤٦٣

يمكن حفظه بعينه بيع وحفظ ثمنه إلى ذلك الزمان.

الثالث : أن لا يكون من الجهات المحرمة وما فيه إعانة على المعصية كفعل الزنا وشرب الخمر ونسخ كتب الضلال ونشرها وتدريسها وشراء آلات اللهو المحرم ونحو ذلك.

مسألة ١٥٢٦ : يجوز وقف المسلم على الكافر في الجهات المحللة.

مسألة ١٥٢٧ : إذا وقف على ما لا يصح الوقف عليه وما يصح على نحو التشريك بطل بالنسبة إلى حصة الأول وصح بالنسبة إلى حصة الثاني ، وإن كان على نحو الترتيب فإن كان الأول مقدماً فالأقوى بطلانه رأسا وإن كان مؤخراً كان من المنقطع الآخر فيصح فيما يصح الوقف عليه ويبطل فيما بعده كما تقدم.

مسألة ١٥٢٨ : إذا وقف على ما يصح الوقف عليه ثم على ما لا يصح الوقف عليه ثم على ما يصح الوقف عليه كان من المنقطع الوسط فيصح في الأول ويبطل فيما يعده مطلقاً حتى في الأخير.

٤٦٤

فصل

في بيان المراد من بعض عبارات الواقف

مسألة ١٥٢٩ : إذا وقف على الفقراء أو فقراء البلد اختص بفقراء ملته ونحلته لو وجدت قرينة على الاختصاص كما لو كان ممن لا يعطف على الفقراء من غير أهل نحلته ومذهبه إما مطلقاً أو مع وجود فقير من أهل نحلته ، كما لعله السائد في أتباع مختلف الأديان والمذاهب في غالب الأزمنة والأمكنة ، وعليه فلو كان الواقف من المسلمين اختص الوقف بفقراء المسلمين ولو كان من اليهود أو النصارى اختص بفقرائهم وإن كان الواقف من بعض الفرق والمذاهب اختص بأهل فرقته ومذهبه.

مسألة ١٥٣٠ : إذا وقف على فقراء البلد أو فقراء القرية أو فقراء المحلة فالظاهر منه أنهم مصرف لمنافعه لا أنها ملك لأشخاصهم ليلزم الاستيعاب ، وعليه فلا يجب توزيعها على جماعة معتد بها منهم فضلاً عن استيعابهم جميعاً ، نعم لو كانت هناك قرينة على ذلك لزم اتباعها ، كما لو كانت منافع الوقف كثيرة والموقوف عليهم قليلون لا سيما مع قلة مصرف كل واحد منهم ، فإنه لابد حينئذ من التوسع في المصرف حسبما تقتضيه القرينة ، ولو كانت قرينة على إرادته الاستيعاب والصرف على الجميع حتى الغائبين منهم تعين العمل بموجبها فإن لم يمكن لغيبة بعضهم أو لتفرقهم عزل حصة من لم يتمكن من إيصال حصته إليه إلى زمان التمكن ، وإذا شك في عددهم اقتصر على الأقل

٤٦٥

والأحوط التفتيش والفحص.

مسألة ١٥٣١ : إذا قال : ( هذا وقف على أولادي ، أو ذريتي ، أو أصهاري ، أو أرحامي ، أو تلامذتي ، أو مشايخي ، أو جيراني ) ، فالظاهر منه العموم فيجب فيه الاستيعاب.

مسألة ١٥٣٢ : إذا وقف على المسلمين كان لمن يعتقد الواقف إسلامه ، فلا يدخل في الموقوف عليهم من يعتقد الواقف كفره وإن أقر بالشهادتين ، ويعم الوقف المسلمين جميعاً الذكور والأناث والكبار والصغار والمجانين والسفهاء والعدول والفساق.

مسألة ١٥٣٣ : إذا وقف على المؤمنين اختص الوقف بمن كان مؤمناً في اعتقاد الواقف ، فإذا كان الواقف اثني عشرياً اختص الوقف بالاثني عشرية من الإمامية ، ولا فرق بين الرجال والنساء والأطفال والمجانين ولا بين العدول والفساق ، وكذا إذا وقف الاثنا عشري على الشيعة ، وأما إذا كان الواقف على الشيعة من بعض الفرق الأخر من الشيعة فقد يقال : أن الظاهر منه العموم لأتباع فرقته وغيرهم ممن يعتقد الخلافة لعليعليه‌السلام بلا فصل ، ولكن لا كلية له.

مسألة ١٥٣٤ : إذا وقف في سبيل الله تعالى أو في وجوه البر فالمراد منه ما يكون قربة وطاعة.

مسألة ١٥٣٥ : إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع فيه العرف ، وكذا إذا وقف على الأقرب فالأقرب ما لم تقم قرينة على إرادته الترتيب وفق طبقات الإرث وإلا لزم اتباعها.

مسألة ١٥٣٦ : إذا وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى والخنثى ،

٤٦٦

نعم إذا كان المفهوم في العرف الخاص لبعض البلاد خصوص الذكر اختص به دون الأنثى ، وكذا الحال إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده.

مسألة ١٥٣٧ : إذا وقف على أخوته اشترك الأخوة للأبوين والأخوة للأب فقط والأخوة للأم فقط بالسوية ، وكذا إذا وقف على أجداده اشترك الأجداد لأبيه والأجداد لأمه ، وكذا إذا وقف على الأعمام أو الأخوال فإنه يعم الأعمام للأبوين وللأب وللأم وكذلك الأخوال ولا يشمل الوقف على الأخوة أولادهم ولا الأخوات ولا الوقف على الأعمام والأخوال أعمام الأب والأم وأخوالهما والعمات مطلقاً والخالات كذلك.

مسألة ١٥٣٨ : إذا وقف على أبنائه لم تدخل البنات ، وإذا وقف على ذريته دخل الذكر والأنثى والصلبي وغيره.

مسألة ١٥٣٩ : إذا قال : ( هذا وقف على أولادي ما تعاقبوا وتناسلوا فالظاهر منه التشريك ، وإذا قال : ( هذا وقف على أولادي الأعلى فالأعلى ) فالظاهر منه الترتيب ، وإذا قال : ( هذا وقف على أولادي نسلاً بعد نسل ، أو طبقة بعد طبقة ، أو طبقة فطبقة ) ففي كونه للترتيب أو للتشريك قولان ولعل الأول أظهر.

مسألة ١٥٤٠ : إذا كان الوقف ترتيبياً كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف ، فتارة يجعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ويراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف ، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمه وعمته ولا ابن الأخت خاله وخالته ، وأخرى يجعل الترتيب بين خصوص الآباء من كل طبقة وأبنائهم ، فإذا توفي الآباء شارك الأولاد أعمامهم مثلاً ، ويمكن أن يجعل الترتيب على نحو آخر ويتبع ، فإن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها.

مسألة ١٥٤١ : لو قال : ( وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة وإذا مات أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده ) فلو مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه لولده ، ولو تعدد الولد يقسم النصيب بينهم على الرؤوس ، وإذا مات من لا

٤٦٧

ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته ولا يشاركهم فيه الولد الذي أخذ نصيب والده.

مسألة ١٥٤٢ : إذا تردد الموقوف عليه بين عنوانين أو شخصين فإن تصادق العنوانان في مورد أو أمكن التصالح بين الشخصين على شيء فهو وإلا أقرع بينهما ، وإذا شك في الوقف أنه ترتيبي أو تشريكي فإن كان هناك إطلاق في عبارة الواقف كان مقتضاه التشريك وإن لم يكن فيها إطلاق أعطي أهل المرتبة المحتملة التقدم حصتهم ، وأما الحصة المرددة فإن أمكن التصالح بينهم وبين من بعدهم بشأنها فهو وإلا أقرع بينهما فتعطى من خرجت القرعة باسمه.

مسألة ١٥٤٣ : إذا وقف على العلماء فالظاهر منه ـ بحسب الغالب ـ علماء الشريعة فلا يشمل علماء الطب والنجوم والهندسة والجغرافيا ونحوهم.

وإذا وقف على أهل بلد اختص بالمواطنين والمجاورين منهم ولا يشمل المسافرين وإن نووا إقامة مدة فيه.

مسألة ١٥٤٤ : إذا وقف على مسجد أو مشهد صرف نماؤه في مصالحه من تعمير وفرش وإنارة وكنس ونحو ذلك من مصالحه ، وفي جواز إعطاء شيء من النماء لإمام الجماعة إشكال إلا أن تكون هناك قرينة على إرادة ما يشمل بذلك فيعطى منه حينئذ.

مسألة ١٥٤٥ : إذا وقف على الحسينعليه‌السلام صرف في إقامة عزائه من أجرة القارئ وما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين من طعام أو غيره ، والأحوط الأولى إهداء ثواب ذلك إليهعليه‌السلام ، ولا فرق بين إقامة مجلس للعزاء وإن يعطى الذاكر لعزائهعليه‌السلام في المسجد أو الحرم أو الصحن أو غير ذلك ، هذا مع انصراف الوقف عليهعليه‌السلام إلى إقامة عزائه ، وإلا جرى عليه ما سيأتي في الوقف على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام .

٤٦٨

مسألة ١٥٤٦ : إذا وقف على أن يصرف على ميت أو أموات صرف في مصالحهم الأخروية من الصدقات عنهم وفعل الخيرات لهم ، وإذا احتمل اشتغال ذمتهم بالديون العرفية أو الشرعية صرف أيضاً في إفراغ ذمتهم.

مسألة ١٥٤٧ : إذا وقف على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام صرف في إحياء ذكرهم وإعلاء شأنهم كإقامة المجالس لذكر فضائلهم ومناقبهم ووفياتهم وبيان ظلاماتهم ونحو ذلك مما يوجب التبصر بمقامهم الرفيع ، والأحوط الأولى إهداء ثواب ذلك إليهمعليهم‌السلام ، ولا فرق بين إمام العصر عجل الله فرجه الشريف وآبائه الطاهرين.

مسألة ١٥٤٨ : إذا وقف على أولاده فالظاهر العموم لأولاد أولاده ، وأولادهم وإن سفلوا.

مسألة ١٥٤٩ : إذا قال : ( هذا وقف على أولادي فإذا انقرض أولادي وأولاد أولادي فهو على الفقراء ) فالأقوى أنه وقف على أولاده الصلبيين وغيرهم على التشريك ، وكذا إذا قال : ( هذا وقف على أولادي فإذا انقرضوا وانقرض أولاد أولادي فهو على الفقراء ).

مسألة ١٥٥٠ : إذا قال : ( هذه الدار وقف على أولادي ) جاز لهم الانتفاع منها بغير السكن فيها كأن يؤجروها ويقسموا بينهم ما يحصلون من الأجرة ، وإن قال : ( هذه الدار وقف على أولادي ليسكنوا فيها ) لم يجز لهم أن يؤجروها ويقتسموا الأجرة ، بل لكل منهم حق الانتفاع منها بالسكنى فقط ، فمن لم يرد السكنى فلا شيء له ، وإن أراده الجميع فإن اتسعت لذلك سكنوا جميعاً وإن تشاحوا في تعيين المسكن لكل واحد فالمرجع نظر المتولي ومع عدمه أو توقفه لفقدان المرجح فالمرجع القرعة ، وإن امتنع بعضهم عن السكنى حينئذ جاز للباقين الاستقلال فيها وليس عليهم شيء لصاحبهم ، وإن لم تتسع لسكنى الجميع اقتسموها بينهم يوماً فيوماً أو شهراً فشهراً أو سنة فسنة ، وإن

٤٦٩

اختلفوا في ذلك وتشاحوا فالحكم كما سبق وليس لبعضهم ترك السكنى والمطالبة بالأجرة حينئذ بالنسبة إلى حصته.

مسألة ١٥٥١ : إذا قال : ( هذا وقف على الذكور من أولادي ، أو ذكور أولادي نسلاً بعد نسل ، أو طبقة بعد طبقة ) اختص بالذكور من الذكور ولا يشمل الذكور من الأناث.

مسألة ١٥٥٢ : إذا قال : ( هذا وقف على أخوتي نسلاً بعد نسل ) فالظاهر العموم لأولادهم الذكور والأناث.

مسألة ١٥٥٣ : إذا قال : ( هذا وقف على أولادي ثم أولاد أولادي ) كان الترتيب بين أولاده الصلبيين وأولادهم ولا يكون بين أولاد أولاده وأولادهم ترتيب بل الحكم بينهم على نحو التشريك.

مسألة ١٥٥٤ : إذا وقف على زيد والفقراء فالظاهر التنصيف وكذا إذا قال : ( هذا وقف على زيد وأولاد عمرو ) أو قال : ( هذا وقف على أولاد زيد وأولاد عمرو ) أو قال : ( هذا وقف على العلماء والفقراء ).

مسألة ١٥٥٥ : إذا وقف على الزوار فالظاهر الاختصاص بغير أهل المشهد ممن يأتي من الخارج للزيارة ، وفي كونه كذلك إذا قال : ( هذا وقف على من يزور المشهد ) إشكال.

مسألة ١٥٥٦ : لو وقف على المشتغلين في النجف مثلا من أهل بلد آخر كلبنان لم يختص بمن هاجر من ذلك البلد إلى النجف للاشتغال بل يعم أولاد المهاجرين ممن ولدوا في النجف وصاروا مشتغلين فيها ، وهل يعم المشتغل الذي جعله وطناً له معرضاً عن بلده الأول أم لا؟ الأظهر الشمول مع صدق نسبته إليه عرفاً.

٤٧٠

فصل

في بعض أحكام الوقف

مسألة ١٥٥٧ : إذا تم الوقف لا يجوز للواقف ولا لغيره التبديل والتغيير في الموقوف عليه بنقله منهم إلى غيرهم وإخراج بعضهم منه وإدخال أجنبي عنهم معهم إذا لم يشترط ذلك ، وأما إذا اشترط إدخال من شاء معهم فالظاهر صحته وحينئذ إذا أدخل غيرهم معهم نفذ وإذا لم يدخل أحدا إلى أن مات بقي الوقف على حاله الأولى ، وإذا اشترط إخراج بعضهم فالظاهر صحته أيضاً.

مسألة ١٥٥٨ : إذا اشترط الواقف شرطاً في الموقوف عليه كما إذا وقف المدرسة على الطلبة العدول أو المجتهدين ففقد الشرط خرج عن الوقف ، وإذا اشترط عليه شرطاً كما إذا وقف على الطلبة واشترط عليهم التهجد في الليل فالظاهر أن مرجعه إلى ذلك أيضاً ، فلو ترك التهجد خرج عن الوقف لا أنه يجب عليه التهجد تكليفاً بحيث لو تركه بقى مشمولاً للوقف وإن كان عاصياً.

مسألة ١٥٥٩ : إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم لأجل بقائها وحصول النماء منها فإن عين الواقف لها ما يصرف فيها عمل عليه وإلا صرف من نمائها وجوباً مقدماً على حق الموقوف عليهم ، وإذا احتاج إلى التعمير أو الترميم بحيث لولاه لم يبق للبطون اللاحقة فالظاهر وجوبه وإن أدى إلى حرمان البطن السابق.

مسألة ١٥٦٠ : إذا احتاج الوقف إلى التعمير أو الترميم ولم يكن وجه يصرف

٤٧١

فيه يجوز للمتولي أن يقترض له بما هو متول عليه فلا يكون مديناً بشخصه بل بماله من الولاية على الوقف ، فيؤدي دينه ـ هذا ـ مما يرجع إلى الوقف كمنافعه أو منافع موقوفاته لا من أمواله الخاصة ، ولو صرف من ماله في تعميره بقصد الاستيفاء مما ذكر جاز له ذلك فإن مرجعه إلى ما تقدم.

مسألة ١٥٦١ : الثمر الموجود على النخل أو الشجر حين إجراء الوقف باق على ملك مالكها ولا يكون للموقوف عليه ، وكذا الحمل الموجود حين وقف الدابة واللبن والصوف الموجودان حين وقف الشاة ، وكذا ما يتجدد من الثمر أو الحمل أو اللبن أو الصوف ونحوها بعد إنشاء الوقف وقبل القبض فيما يعتبر القبض في صحته ، نعم إذا اكتمل نمو الثمرة أو نحوها بعد تحقق الوقف فالظاهر أن الموقوف عليهم يشاركون الواقف فيها بالنسبة ما لم تكن قرينة على استثناء ذلك عن منافع العين الموقوفة.

مسألة ١٥٦٢ : إذا جهل الموقوف عليه فإن كانت الشبهة غير محصورة فالأظهر جواز صرفه في وجه من وجوه البر ، والأحوط لزوماً إن لا يكون المصرف خارجاً عن أطراف الشبهة ، بل وأن لا يكون احتمال كونه مصرفاً أضعف من غيره ، وأما إذا كانت الشبهة محصورة فإن كانت أطرافها عناوين متصادقة في الجملة تعين صرف المال في المجمع كما إذا لم يدر أن الوقف وقف على العلماء مطلقاً أو على خصوص العدول منهم أولم يدر أنه وقف على العلماء أو الفقراء فإنه يصرف في الصورة الأولى على العلماء العدول وفي الصورة الثانية على العلماء الفقراء.

وإن كانت المحتملات متباينة كما إذا لم يدر أن الوقف وقف على المسجد الفلاني أو على المسجد الآخر أو أنه وقف لزيد وأولاده الذكور نسلاً بعد نسل أو لعمرو كذلك فالأقرب الرجوع إلى القرعة ويراعى في عدد السهام درجة الاحتمال ـ قوة وضعفا ـ في جميع الأطراف.

٤٧٢

هذا كله فيما إذا لم يعتبر في المصرف التوزيع على نحو الاستيعاب وإلا اختلف الحال فيه عما ذكر في الجملة ، ففي موارد العناوين المتصادقة لابد من الرجوع إلى القرعة في غير مورد الاجتماع ، وأيضاً لو كان الوقف على نحو يوجب ملكية المنافع فالمرجع فيه عند التردد في الشبهة المحصورة هو القرعة وفي غير المحصورة يعامل مع النماء معاملة مجهول المالك فيتصدق به ، ولابد أن يكون التصدق على المستحقين من أطراف الشبهة ولا يجوز التصدق على الخارج عنهم مع تيسر التصدق عليهم.

مسألة ١٥٦٣ : إذا أجر البطن الأول من الموقوف عليهم العين الموقوفة في الوقف الترتيبي وانقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة لم تصح الإجارة بالنسبة إلى بقية المدة وكذا الحكم في الوقف التشريكي إذا ولد في أثناء المدة من يشارك الموقوف عليه المؤجر فإنه لا تصح الإجارة بالنسبة إلى حصته ، والظاهر صحتها بالإجازة من البطن الثاني في الصورة الأولى ومن الشريك في الصورة الثانية فيكون للمجيز حصته من الأجرة ولا يحتاج إلى تجديد الإجارة وإن كان أحوط. نعم إذا كانت الإجارة من الولي لمصلحة الوقف صحت ونفذت وكذا إذا كانت لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فإنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة ١٥٦٤ : إذا كانت للعين الموقوفة منافع مختلفة وثمرات متنوعة كان الجميع للموقوف عليه مع إطلاق الوقف فإذا وقف الشجر أو النخل كانت ثمرتهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة وأكمام الطلع والفسيل ونحوها مما هو مبني على الانفصال للموقوف عليه ولا يجوز للمالك ولا لغيره التصرف فيها إلا على الوجه الذي اشترطه الواقف.

مسألة ١٥٦٥ : الفسيل الخارج بعد الوقف إذا نما واستطال حتى صار نخلا أو قلع من موضعه وغرس في موضع آخر فنما حتى صار مثمراً لا يكون

٤٧٣

وقفاً بل هو من نماء الوقف فيجوز بيعه وصرفه في الموقوف عليه ، وكذا إذا قطع بعض الأغصان الزائدة للإصلاح وغرس فصار شجرة فإنه لا يكون وقفاً بل يجري عليه حكم نماء الوقف من جواز بيعه وصرف ثمنه في مصرف الوقف.

مسألة ١٥٦٦ : إذا خرب المسجد لم تخرج العرصة عن الوقفية فلا يجوز بيعها وإن تعذر تعميره ، وكذا إذا خربت القرية التي هو فيها حتى بطل الانتفاع به إلى الأبد.

مسألة ١٥٦٧ : كما لا يجوز بيع عرصة المسجد بعد خرابه كذلك لا يجوز إجارتها ، ولو غصبها غاصب واستوفى منها منافع أخرى ـ كما إذا جعلها مسكناً أو محرزاً ـ لم يكن عليه أجرة المثل وإن كان آثماً ، نعم لو تلف بعض موقوفاته تحت يده أو أتلفه شخص فالظاهر ضمانه فيؤخذ منه البدل من المثل أو القيمة ويصرف على مسجد آخر.

مسألة ١٥٦٨ : ما يوقف على المساجد والمشاهد ونحوهما من آلات الإنارة والتكييف والفرش وشبهها ما دام يمكن الانتفاع بها باقية على حالها لا يجوز بيعها ، فإن أمكن الانتفاع بها في المحل الذي أعدت له ولو بغير ذلك الانتفاع الذي أعدت له بقيت على حالها في ذلك المحل ، فالفرش المتعلق بمسجد أو مشهد إذا أمكن الانتفاع به في ذلك المحل بقي على حاله فيه ، ولو فرض استغناء المحل عن الافتراش بالمرة لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحر أو البرد يجعل ستراً لذلك المحل ، ولو فرض استغناء المحل عنه بالمرة بحيث لا يترتب على إمساكه وإبقائه فيه إلا الضياع والتلف يجعل في محل آخر مماثل له ، بأن يجعل ما للمسجد لمسجد آخر وما للمشهد لمشهد آخر ، فإن لم يكن المماثل أو استغنى عنه بالمرة جعل في المصالح العامة. هذا إذا أمكن الانتفاع به باقيا على حاله ، وأما لو فرض أنه لا يمكن الانتفاع به إلا ببيعه وكان بحيث لو بقي على حاله ضاع وتلف بيع وصرف ثمنه في ذلك المحل إن احتاج إليه وإلا ففي

٤٧٤

المماثل ثم المصالح العامة حسبما مر.

مسألة ١٥٦٩ : غير المسجد من الأعيان الموقوفة مثل البستان والدار لا تخرج عن وصفها وقفاً بمجرد الخراب الموجب لزوال العنوان ، نعم إذا كانت الوقفية قائمة بعنوان كوقف البستان مادام كذلك بطلت الوقفية بذهاب العنوان وترجع ملكاً للواقف ومنه إلى ورثته حين موته ، وهذا بخلاف ما إذا لوحظ في الوقف كل من العين والعنوان فإنه إذا زال العنوان فإن أمكن تعمير العين الموقوفة وإعادة العنوان من دون حاجة إلى بيع بعضها كأن تؤجر لمدة معينة ولو كانت طويلة نسبياً ويصرف بدل الإيجار على تعميرها أو يصالح شخص على إعادة تعميرها على أن تكون له منافعها لفترة معينة لزم وتعين ، وإن توقف إعادة عنوانها على بيع بعضها ليعمر الباقي فالاحوط تعينه ايضاً ، وان تعذر اعادة العنوان اليها مطلقاً وامكن استنماء عرصتها بوجه آخر فالاظهر تعينه ، وان لم يمكن بيعت والاحوط حينئذٍ ان يشتري بثمنها ملك آخر ويوقف على نهج وقف الاول بل الاحوط أن يكون الوقف الجديد معنوناً بعنوان الوقف الأول مع الإمكان وإلا الأقرب فالأقرب إليه ، وإن تعذر هذا أيضاً صرف ثمنها على الجهة الموقوفة عليها.

مسألة ١٥٧٠ : إذا خرب الوقف ولم تبطل منفعته بل بقيت له منفعة معتد بها قليلة أو كثيرة فإن أمكن تجديده وإن كان بإجارته مدة وصرف الإجارة في العمارة وجب ذلك وإن لم يمكن فالظاهر بقاء الوقفية بحالها وتصرف منافعه في الجهة الموقوف عليها.

مسألة ١٥٧١ : إذا وقف على مصلحة فبطل رسمها كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو حسينية فخربت وصارت شارعاً أو نحوه فإن كانت خصوصية الموقوف عليه ملحوظة على نحو تعدد المطلوب ـ كما لعله الغائب ـ

٤٧٥

صرف نماء الوقف على مسجد أو حسينية أو مدرسة أخرى إن أمكن وإلا ففي وجوه البر الأقرب فالأقرب إلى نظر الواقف ، وإن كانت الخصوصية ملحوظة على نحو وحدة المطلوب بطل الوقف ورجع إلى الواقف أو إلى ورثته.

هذا إذا بطل رسمها ولم ترج إعادته وأما مع رجاء إعادته في المستقبل المنظور فاللازم تجميع عوائد الوقف وادخارها لذلك ، نعم إذا انقطع الرجاء عمل في هذه العوائد بما تقدم من الصورة السابقة.

مسألة ١٥٧٢ : إذا تعذر الانتفاع بالعين الموقوفة لانتفاء الجهة الموقوف عليها وكانت خصوصيتها ملحوظة على نحو تعدد المطلوب صرفت منافعها فيما هو الأقرب فالأقرب إلى نظر الواقف ، فإذا كان الوقف وقفاً على إقامة عزاء الحسينعليه‌السلام في بلد خاص بنحو معين ولم يمكن ذلك صرفت منافعه في إقامة عزائهعليه‌السلام في ذلك البلد بنحو آخر ، وإن لم يمكن ذلك أيضاً صرفت منافعه في إقامة عزائهعليه‌السلام بذلك النحو في بلد آخر.

مسألة ١٥٧٣ : إذا تعذر الانتفاع بالوقف لانقراض الموقوف عليه تبطل وقفيته ويرجع ملكاً للواقف فإن لم يكن موجوداً كان لورثته على ما تقدم في المسألة (١٤٨٤).

مسألة ١٥٧٤ : يجوز وقف البستان واستثناء نخلة منه ويجوز له حينئذٍ الدخول إليها بمقدار الحاجة كما إن له إبقاءها مجاناً وليس للموقوف عليهم قلعها ، وإذا انقلعت لم يبق له حق في الأرض فلا يجوز له غرس نخلة أخرى مكانها ، وكذا يجوز في وقف الدار استثناء غرفة منها ولكن إذا خربت بقيت له الأرض لأن الأرض جزء الغرفة.

مسألة ١٥٧٥ : إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والملك الطلق

٤٧٦

جازت قسمتها بتمييز الوقف عن الملك الطلق ويتولى القسمة المالك للطلق ومتولي الوقف ، بل الأقوى جواز القسمة إذا تعدد الواقف والموقوف عليه كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما نصفه المشاع على أولاده ، وكذا إذا اتحد الواقف مع تعدد الموقوف عليه كما إذا وقف مالك الدار نصفها على مسجد ونصفها الآخر على مسجد آخر ، وأما إذا اتحد الواقف والموقوف عليه فالظاهر عدم جواز القسمة إلا مع اشتراطها من قبل الواقف عند وقوع التشاح بين الموقوف عليهم أو مطلقاً ، نعم يجوز تقسيمه بمعنى تخصيص انتفاع كل قسم منه ببعض الموقوف عليهم مالم يكن ذلك منافياً لشرط الواقف ، فإذا وقف أرضاً زراعية مثلاً على أولاده وكانوا أربعة جاز لهم اقتسامها أرباعاً لينتفع كل بقسم منها ، فإذا صار له ولد آخر بطلت القسمة وجاز اقتسامها أخماساً ، فإذا مات اثنان منهم بطلت القسمة وجاز اقتسامها أثلاثاً وهكذا.

مسألة ١٥٧٦ : لا يجوز تغير عنوان العين الموقوفة إذا كان ظاهر الوقف إرادة بقاء عنوانها سواء فهم ذلك من كيفيته كما إذا وقف داره على السكنى فلا يجوز تغييرها إلى الدكاكين أم فهم من قرينة خارجية ، بل إذا احتمل ذلك ولم يكن إطلاق في إنشاء الوقف لم يجز ذلك ، نعم إذا كان إطلاق في إنشاء الوقف جاز للولي التغيير فيبدل الدار إلى دكاكين والدكاكين إلى دار وهكذا ، وقد يعلم من القرينة إرادة بقاء العنوان ما دام له دخل في كثرة المنفعة فحينئذ ٍلا يجوز التغيير ما دام الحال كذلك ، فإذا قلت المنفعة جاز التغيير.

مسألة ١٥٧٧ : النخلة الموقوفة للانتفاع بثمرها إذا انقلعت لعاصفة أو نحوها بيعت واشتري بثمنها فسيل أو نخلة أخرى ـ إن أمكن ـ وتوقف على نهج وقف الأولى ، وإن لم يمكن صرف ثمنها على الجهة الموقوفة عليها ، نعم إذا كانت النخلة المقلوعة في ضمن بستان موقوف فالظاهر أن حكمها

٤٧٧

حينئذٍ حكم الكرب والأغصان الزائدة فتصرف على الجهة الموقوفة عليها عيناً أو قيمة إلا مع حاجة البستان إلى ثمنها فتباع وتصرف عليه.

مسألة ١٥٧٨ : الأموال التي تجمع لعزاء سيد الشهداءعليه‌السلام من صنف خاص لإقامة مأتمهم أو من أهل بلدة لإقامة مأتم فيها أو للأنصار الذين يذهبون في زيارة الأربعين إلى ( كربلاء ) الظاهر أنها من قسم الصدقات المشروط صرفها في جهة معينة وليست باقية على ملك مالكها ولا يجوز لمالكها الرجوع فيها ، وإذا مات قبل صرفها لا يجوز لوارثه المطالبة بها ، وكذا إذا أفلس لا يجوز لغرمائه المطالبة بها ، وإذا تعذر صرفها في الجهة المعينة فالأحوط صرفها فيما هو الأقرب فالأقرب إلى الجهة الخاصة ، نعم إذا كان الدافع للمال يرى أن الآخذ للمال بمنزلة الوكيل عنه لم يخرج حينئذٍ عن ملك الدافع وجاز له ولورثته ولغرمائه المطالبة به بل يجب إرجاعه إليه أو إلى وارثه مع المطالبة وإلى غرمائه عند تفليسه ، وإذا تعذر صرفه في الجهة الخاصة واحتمل عدم رضاه بصرفه في غيرها وجبت مراجعته في ذلك.

مسألة ١٥٧٩ : لا يجوز بيع العين الموقوفة إلا في موارد ذكرناها في كتاب البيع.

مسألة ١٥٨٠ : إذا كان غرض الواقف من الوقف حصول شيء فبان عدم حصوله لا يكون ذلك موجباً لبطلان الوقف ، فإذا علم أن غرض الواقف من الوقف على أولاده أن يستعينوا به على طلب العلم أو الإقامة بالمشهد الفلاني أونحو ذلك فلم يترتب الغرض المذكور عليه لم يكن ذلك موجباً لبطلان الوقف وهكذا الحال في جميع الأغراض والدواعي التي تدعو إلى إيقاع المعاملات أو الإيقاعات ، فإذا كان غرض المشتري الربح فلم يربح لم يكن ذلك موجباً لبطلان الشراء أو التسلط على الفسخ.

٤٧٨

مسألة ١٥٨١ : الشرائط التي يشترطها الواقف تصح ويجب العمل عليها إذا كانت مشروعة ، فإذا اشترط أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة أولا يؤجر على غير أهل العلم لا تصح إجارته لأكثر من سنة ولا على غير أهل العلم.

مسألة ١٥٨٢ : تثبت الوقفية بالعلم والاطمئنان الحاصلين من المناشئ العقلائية ـ ومنها الشياع ـ وبالبينة الشرعية وبإقرار ذي اليد وإن لم تكن اليد مستقلة كما إذا كانت دار في يد جماعة فأخبر بعضهم بأنها وقف فإنه يحكم بوقفية الحصة التي تقتضي اليد ملكيته لها لولا الإقرار وإن لم يعترف غيره بها.

مسألة ١٥٨٣ : إذا أقر بالوقف ثم ادعى أن إقراره كان لمصلحة تسمع منه لكن يحتاج إلى الإثبات ، بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض في موضع الحاجة إليه ثم ادعى أنه لم يكن قاصداً فإنه لا تسمع منه أصلاً ، كما هو الحال في جميع العقود والإيقاعات.

مسألة ١٥٨٤ : إذا كان كتاب أو مصحف وقد كتب عليه أنه وقف فإن احتف بقرائن تورث الاطمئنان بصحة الكتابة كختم مكتبة معروفة أو عالم مشهور حكم بوقفيته ، وكذا إذا أحرز أنه كان تحت يد الكاتب واستيلائه حين الكتابة فإنه يحكم بوقفيته أخذاً بإقراره على نفسه. ولو ادعى بعد ذلك أن تلك الكتابة كانت لمصلحة فعليه إثباتها بالبينة إلا أن يحصل الوثوق بصدقه.

مسألة ١٥٨٥ : إذا وجدت ورقة في تركة الميت قد كتب عليها أن بعض ما تركه وقف فإن كان على نحو يعد اعتراًفا منه بوقفيته ، كما إذا كانت مذيلة بتوقيعه أو ختمه أو بصمة يده ولم يحرز فقدانه لبعض شرائط نفوذ الإقرار حين صدوره منه حكم بوقفية ذلك الشيء وإلا لم يحكم بها وإن كانت الورقة بخطه.

مسألة ١٥٨٦ : لا فرق في حجية إخبار ذي اليد بين أن يكون إخبارا

٤٧٩

بأصل الوقف وأن يكون إخبارا بكيفيته من كونه ترتيبيا أو تشريكياً وكونه على الذكور فقط أو على الذكور والأناث وأنه على نحو التساوي أو على نحو الاختلاف ، كما أنه لا فرق في الإخبار بين أن يكون بالقول وأن يكون بالفعل كما إذا كان يتصرف فيه على نحو الوقف أو يتصرف فيه على نحو الوقف الترتيبي أو التشريكي أو للذكور والأناث أو للذكور دون الأناث وهكذا ، فإن تصرفه إذا كان ظاهراً في الإخبار عن حاله كان حجة كخبره القولي.

مسألة ١٥٨٧ : إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية لكن علم أنه قد كان في السابق وقفاً لم ينتزع من يده بمجرد ذلك ما لم يثبت وقفيته فعلاً ، وكذا لو ادعى أحد أنه قد وقف على آبائه نسلاً بعد نسل وأثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفاً فعلا ، نعم لو أقر ذو اليد في مقابل خصمه بأنه قد كان وقفاً إلا أنه قد حصل المسوغ للبيع وقد اشتراه سقط حكم يده وينتزع منه ويلزم بإثبات الأمرين : وجود المسوغ للبيع ، ووقوع الشراء.

مسألة ١٥٨٨ : إذا أراد المتولي ـ مثلاً ـ بيع العين الموقوفة بدعوى وجود المسوغ للبيع لم يجز الشراء منه إلا بعد التثبت من وجوده ، وأما لو بيعت العين الموقوفة ثم حدث شك للمشتري أو لطرف ثالث في وجود المسوغ للبيع في حينه فالظاهر البناء على صحته ، نعم إذا تنازع المتولي والموقوف عليه مثلاً في وجود المسوغ وعدمه فرفعوا أمرهم إلى الحاكم الشرعي فحكم بعدم ثبوته وبطلان البيع لزم ترتيب آثاره.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491