منهاج الصالحين ـ المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين ـ المعاملات15%

منهاج الصالحين ـ المعاملات مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 374

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77023 / تحميل: 5778
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين ـ المعاملات

منهاج الصالحين ـ المعاملات الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
العربية

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد

وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

٣

٤

كِتابُ النِكاح

٥

٦

وفيه فصول :

الفصل الاول

في استحبابه وآدابه واحكام النظر واللمس والتستر وما يلحق بها

النكاح من المستحبات المؤكدة ، وقد وردت في الحثّ عليه وذمّ تركه أخبار كثيرة ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « من تزوج احرز نصف دينه » ، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « ما استفاد امرؤٌ مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر اليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله » ، وعن الصادقعليه‌السلام انه قال : « ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب » ، الى غير ذلك من الاخبار.

مسألة ١ : ينبغي ان يهتم الرجل بصفات من يريد التزوّج بها ، فلا يتزوج إلاّ امرأة عفيفة كريمة الاَصل صالحة تعينه على اُمور الدنيا والآخرة ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « إختاروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين » ، وعن الصادقعليه‌السلام لبعض أصحابه حين قال : قد هممت ان أتزوج : « انظر اين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك ، فان كنت لابد فاعلاً فبِكراً تنسب الى الخير والى حسن الخلق » ، وعنهعليه‌السلام : « إنما المرأة قلادة ، فانظر ما تتقلد ، وليس للمرأة خطر لا لصالحتهن ولا لطالحتهن ، فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة ، هي

٧

خير من الذهب والفضة ، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب ، التراب خير منها :

ولا ينبغي ان يقصر الرجل نظره على جمال المرأة وثروتها ، فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « من تزوج امرأة لا يتزوجها إلاّ لجمالها لم يرَ فيها ما يجب ، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلاّ له وكله الله اليه ، فعليكم بذات الدين » ، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ايضاً انه قال : « أيها الناس إياكم وخضراء الدمن » قيل : يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال : « المرأة الحسناء في منبت السوء ».

مسألة ٢ : كما ينبغي للرجل ان يهتم بصفات من يختارها للزواج كذلك ينبغي للمرأة واوليائها الاهتمام بصفات من تختاره لذلك ، فلا تتزوج إلاّ رجلاً ديّناً عفيفاً حسن الاخلاق ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « النكاح رقّ فاذا انكح احدكم وليدة فقد أرقها ، فلينظر احدكم لمن يرقّ كريمته » ، وعن الصادقعليه‌السلام : « من زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها » ، وعن الرضاعليه‌السلام في جواب من كتب اليه : ان لي قرابة قد خطب اليّ وفي خلقه سوء : « لا تزوجه إن كان سيّء الخلق ».

مسألة ٣ : يستحب عند ارادة التزويج صلاة ركعتين والدعاء بالمأثور وهو : ( اللهم اني اريد ان اتزوج فقدّر لي من النساء اعفهن فرجاً ، واحفظهن لي في نفسها وفي مالي ، واوسعهن رزقاً ، واعظمهن بركة ) ويستحب الاشهاد على العقد والاعلان به والخطبة امامه ، واكملها ما اشتمل على التحميد والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة المعصومينعليهم‌السلام والشهادتين والوصية بالتقوى والدعاء للزوجين ، ويجزي : الحمد لله والصلاة على محمد وآله.

٨

ويكره ايقاع العقد والقمر في برج العقرب ، وايقاعه في محاق الشهر.

مسألة ٤ : يستحب ان يكون الزفاف ليلاً والوليمة قبله أو بعده ، وصلاة ركعتين عند الدخول ، وان يكونا على طهر ، والدعاء بالمأثور بعد ان يضع يده على ناصيتها وهو : « اللهم على كتابك تزوجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها فإن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً ولا تجعله شرك الشيطان » وأمرُها بمثله ، ويسأل الله تعالى الولد الذكر.

مسألة ٥ : تستحب التسمية عند الجماع ، وان يكون على وضوء سيما إذا كانت المرأة حاملاً ، وان يسأل الله تعالى ان يرزقه ولداً تقياً مباركاً زكياً ذكراً سوياً.

ويكره الجماع في ليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، وعند الزوال إلاّ يوم الخميس ، وعند الغروب قبل ذهاب الشفق ، وفي المحاق ، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وفي أول ليلة من الشهر إلاّ شهر رمضان ، وفي ليلة النصف من الشهر وآخره ، وعند الزلزلة والريح الصفراء والسوداء.

ويكره مستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي السفينة ، وعارياً ، وعقيب الاحتلام قبل الغسل ، ولا يكره معاودة الجماع بغير غسل.

ويكره النظر الى فرج الزوجة ، والكلام بغير ذكر الله وان يجامع وعنده من ينظر اليه ـ حتى الصبي والصبية ـ ما لم يستلزم محرماً والا فلا يجوز.

مسألة ٦ : ينبغي ان لا يردّ الخاطب إذا كان ممن يرضى خلقه ودينه ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلاّّ تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير ».

٩

مسألة ٧ : يُستحب السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطرفين.

مسألة ٨ : لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، واما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم والتفخيذ فلا بأس بها ، ولو وطئها قبل اكمال التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شيء غير الاثم على الاقوى ، ـ والافضاء هو التمزق الموجب لاتحاد مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط أو اتحاد الجميع ـ ولو افضاها لم تخرج عن زوجيته ، فتجري عليها احكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة اختها معها وغيرها ، ولكن قيل : يحرم عليه وطؤها ابداً. إلاّ أن الاقوى خلافه ، ولا سيما إذا اندمل الجرح ـ بعلاج أو بغيره ـ نعم تجب عليه دية الافضاء ، وهي دية النفس ان طلقها ، بل وإن لم يطلقها على المشهور ، ولا يخلو عن وجه ، وتجب عليه نفقتها ما دامت مفضاة وإن نشزت أو طلقها ، بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الاحوط.

ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية ، ولكن الاحوط وجوب الاِنفاق عليها كما لو كان الافضاء قبل إكمال التسع ، ولو افضى غير الزوجة بزناء أو غيره تثبت الدية ، ولكن لا إشكال في عدم ثبوت الحرمة الاَبدية وعدم وجوب الانفاق عليها.

مسألة ٩ : لا يجوز ترك وطء الزوجة الشابة أكثر من أربعة أشهر إلاّ لعذر كالحرج أو الضرر ، أو مع رضاها ، أو اشتراط تركه عليها حين العقد ، والاحوط عدم اختصاص الحكم بالدائمة فيعم المنقطعة ايضاً ، كما ان الاحوط عدم اختصاصه بالحاضر فيعم المسافر ، فلا يجوز إطالة السفر من دون عذر شرعي إذا كان يفوّت على الزوجة حقّها ، ولاسيما إذا لم يكن

١٠

لضرورة عرفية كما إذا كان لمجرد التنزّه والتفرّج.

مسألة ١٠ : يجوز العزل ـ بمعنى افراغ المني خارج القبل حين الجماع ـ عن الزوجة المنقطعة وكذا الدائمة على الاقوى ، نعم الظاهر كراهته(١) الا مع رضاها أو اشتراطه عليها حين العقد ، واما منع المرأة زوجها من الانزال في قبلها فالاظهر حرمته إلاّ برضاه أو اشتراطه عليه حين التزويج ، ولكن لا تثبت عليها دية النطفة على الاقوى.

مسألة ١١ : يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر الى جسد الآخر ظاهره وباطنه حتى العورة وكذا لمس كل منهما بكل عضو منه كل عضو من الآخر مع التلذذ وبدونه.

مسألة ١٢ : يجوز للرجل النظر الى ما عدا العورة من مماثله ، شيخاً كان المنظور اليه أو شاباً ، حسن الصورة أو قبيحها ما لم يكن بتلذذ شهوي أو مع الريبة ، أي خوف الافتتان والوقوع في الحرام ، وهكذا الحال في نظر المرأة الى ما عدا العورة من مماثلها ، وأما العورة ـ وهي القبل والدبر والبيضتان ، كما مر في احكام التخلي ـ فلا يجوز النظر اليها حتى بالنسبة الى المماثل ، نعم حرمة النظر الى عورة الكافر والصبي المميز تبتني على الاحتياط اللزومي.

مسألة ١٣ : يجوز للرجل ان ينظر الى جسد محارمه ـ ما عدا العورة ـ

__________________

(١) هذا حكم الحرة واما الامة فيجوز العزل عنها مطلقاً من غير كراهة ، وليعلم ان الموضوع للاحكام المذكورة في هذا الكتاب هو الحر والحرة ، واما العبد والامة فيختلفان عنهما في بعض الاحكام ، وقد اهملنا - في الغالب - التعرض لاحكامهما لعدم الابتلاء بها في هذا العصر.

١١

من دون تلذذ شهوي ولا ريبة ، وكذا يجوز لهن النظر الى ما عدا العورة من جسده بلا تلذذ شهوي ولا ريبة ، والمراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهن أبداً من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة دون غيرها كالزناء واللواط واللعان.

مسألة ١٤ : لا يجوز للرجل ان ينظر الى ما عدا الوجه والكفين من جسد المرأة الاجنبية وشعرها ، سواء أكان بتلذذ شهوي أو مع الريبة أم لا ، وكذا الى الوجه والكفين منها إذا كان النظر بتلذذ شهوي أو مع الريبة ، واما بدونهما فلا يبعد جواز النظر ، وان كان الاحوط تركه ايضاً.

مسألة ١٥ : يحرم على المرأة النظر الى بدن الرجل الاجنبي بتلذذ شهوي أو مع الريبة ، بل الاحوط لزوماً ان لا تنظر الى غير ما جرت السيرة على عدم الالتزام بستره كالرأس واليدين والقدمين ونحوها وان كان بلا تلذذ شهوي ولا ريبة ، واما نظرها الى هذه المواضع من بدنه من دون ريبة ولا تلذذ شهوي فالظاهر جوازه ، وان كان الاحوط تركه أيضاً.

مسألة ١٦ : لا يجوز لمس بدن الغير وشعره ـ عدا الزوج والزوجة ـ بتلذذ شهوي أو مع الريبة ، واما اللمس من دونهما فيجوز بالنسبة الى شعر المحرم والمماثل وما يجوز النظر اليه من بدنهما ، واما بدن الاجنبي والاجنبية وشعرهما فلا يجوز لمسهما مطلقاً حتى المواضع التي يجوز النظر اليها ـ مما تقدم بيانها آنفاً ـ فتحرم المصافحة بين الاجنبي والاجنبية إلاّ من وراء الثوب ونحوه.

مسألة ١٧ : يحرم النظر الى العضو المبان من الاجنبي والاجنبية ـ مما حرم النظر اليه قبل الابانة ـ إذا صدق معه النظر الى صاحب العضو عرفاً ،

١٢

واما مع عدمه فالاظهر هو الجواز فيما عدا العورة ، وان كان الترك في غير السن والظفر أحوط.

مسألة ١٨ : يجب على المرأة ان تستر شعرها وما عدا الوجه والكفين من بدنها عن غير الزوج والمحارم ، واما الوجه والكفان فالاظهر جواز ابدائهما إلاّ مع خوف الوقوع في الحرام أو كونه بداعي ايقاع الرجل في النظر المحرّم فيحرم الابداء حينئذٍ حتى بالنسبة الى المحارم.

هذا في غير المرأة المسنّة التي لا ترجو النكاح ، واما هي فيجوز لها ابداء شعرها وذراعها ونحوهما مما لا يستره الخمار والجلباب عادة ولكن من دون ان تتبرج بزينة.

مسألة ١٩ : لا يجب على الرجل التستر من الاجنبية وان كان لا يجوز لها ـ على الاحوط ـ النظر الى غير ما جرت السيرة على عدم الالتزام بستره من بدنه كما تقدم.

مسألة ٢٠ : يستثنى من حرمة النظر واللمس ووجوب التستر في الموارد المتقدمة صورة الاضطرار ، كما إذا توقف استنقاذ الاجنبية من الغرق أو الحرق أو نحوهما على النظر أو اللمس المحرّم فيجوز حينئذٍ ، ولكن إذا اقتضى الاضطرار النظر دون اللمس أو العكس اقتصر على ما اضطر اليه وبمقداره لا ازيد.

مسألة ٢١ : إذا اضطرت المرأة ـ مثلاً ـ الى العلاج من مرض وكان الرجل الاجنبي أرفق بعلاجها جاز له النظر الى بدنها ولمسه بيده إذا توقف عليهما معالجتها ، ومع امكان الاكتفاء باحدهما ـ أي اللمس أو النظر ـ لا يجوز الآخر كما تقدم.

١٣

مسألة ٢٢ : إذا اضطر الطبيب أو الطبيبة في معالجة المريض ـ غير الزوج والزوجة ـ الى النظر الى عورته فالاحوط ان لا ينظر اليها مباشرة بل في المرآة وشبهها ، إلاّ إذا اقتضى ذلك النظر فترة اطول أو لم تتيسر المعالجة بغير النظر مباشرة.

مسألة ٢٣ : يجوز اللمس والنظر من الرجل للصبية غير البالغة ـ ما عدا عورتها كما عرف مما مر ـ مع عدم التلذذ الشهوي والريبة ، نعم الاحوط الاولى الاقتصار على المواضع التي لم تجر العادة بسترها بالملابس المتعارفة دون مثل الصدر والبطن والفخذ والاليين ، كما ان الاحوط الاولى عدم تقبيلها وعدم وضعها في الحجر إذا بلغت ست سنين.

مسألة ٢٤ : يجوز النظر واللمس من المرأة للصبي غير البالغ ـ ما عدا عورته كما عرف مما مر ـ مع عدم التلذذ الشهوي ، ولا يجب عليها التستر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يمكن ان يترتب على نظره اليها ثوران الشهوة ، وإلا وجب التستر عنه على الاحوط.

مسألة ٢٥ : الصبي والصبية غير المميزين خارجان عن احكام التستر وكذا النظر واللمس من غير تلذذ شهوي وريبة ، كما ان المجنون غير المميز خارج عن احكام التستر ايضاً.

مسألة ٢٦ : يجوز النظر الى النساء المبتذلات ـ اللاتي لا ينتهين إذا نهين عن التكشف ـ بشرط عدم التلذذ الشهوي ولا الريبة ، ولا فرق في ذلك بين نساء الكفار وغيرهن ، كما لا فرق فيه بين الوجه والكفين وبين سائر ما جرت عادتهن على عدم ستره من بقية اعضاء البدن.

مسألة ٢٧ : الاحوط وجوباً ترك النظر الى صورة المرأة الاجنبية غير

١٤

المبتذلة إذا كان الناظر يعرفها ، ويستثنى من ذلك الوجه والكفان فيجوز النظر اليهما في الصورة بلا تلذذ شهوي ولا ريبة كما يجوز النظر اليهما مباشرة كذلك.

مسألة ٢٨ : يجوز لمن يريد ان يتزوج امرأة ان ينظر الى محاسنها كوجهها وشعرها ورقبتها وكفيها ومعاصمها وساقيها ونحو ذلك ، ولا يشترط ان يكون ذلك باذنها ورضاها.

نعم يشترط : ان لا يكون بقصد التلذذ الشهوي وان علم انه يحصل بالنظر اليها قهراً. وان لا يخاف الوقوع في الحرام بسببه. كما يشترط ان لا يكون هناك مانع من التزويج بها فعلاً مثل ذات العدة واخت الزوجة. ويشترط ايضاً ان لا يكون مسبوقاً بحالها ، وان يحتمل اختيارها وإلاّ فلا يجوز ، والاحوط وجوباً الاقتصار على ما إذا كان قاصداً التزويج بها بالخصوص فلا يعم الحكم ما إذا كان قاصداً لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار ، ويجوز تكرر النظر إذا لم يحصل الاطلاع عليها بالنظرة الاولى.

مسألة ٢٩ : يجوز سماع صوت الاجنبية مع عدم التلذذ الشهوي ولا الريبة ، كما يجوز لها اسماع صوتها للاجانب إلاّ مع خوف الوقوع في الحرام ، نعم لا يجوز لها ترقيق الصوت وتحسينه على نحو يكون عادة مهيجاً للسامع وان كان مَحْرماً لها.

١٥

الفصل الثاني

في عقد النكاح واحكامه

عقد النكاح على قسمين دائم ومنقطع ، والعقد الدائم هو : ( عقد لا تُعيّن فيه مدة الزواج ) وتسمى الزوجة فيه بـ ( الدائمة ). والعقد غير الدائم هو : ( عقد تعيّن فيه المدة ) كساعة أو يوم أو سنة أو أكثر أو أقل وتسمى الزوجة فيه بـ ( المتعة ) و ( المتمتع بها ) و ( المنقطعة ).

مسألة ٣٠ : يشترط في النكاح ـ دواماً ومتعة ـ الايجاب والقبول اللفظيان ، فلا يكفي مجرد التراضي القلبي ولا الكتابة ولا الاِشارة المفهمة من غير الاخرس ، والاحوط لزوماً كونهما بالعربية مع التمكن منها ، ويكفي غيرها من اللغات المفهمة لمعنى النكاح والتزويج لغير المتمكن منها وان تمكن من التوكيل.

مسألة ٣١ : الاحوط تقديم الايجاب على القبول ، وان كان الاظهر جواز عكسه ايضاً إذا لم يكن القبول بلفظ ( قبلت ) أو نحوه مجرداً عن ذكر المتعلق ، فيصح ان يقول الرجل : ( اتزوجُكِ على الصداق المعلوم ) فتقول المرأة : ( نعم ) ، أو يقول الرجل : ( قبلت التزويج بكِ على الصداق المعلوم ) فتقول المرأة : ( زوجتُكَ نفسي ).

والاحوط ايضاً ان يكون الايجاب من جانب المرأة والقبول من جانب الرجل ، وان كان الاقوى جواز العكس ، فيصح ان يقول الرجل : ( زوجتُكِ نفسي على الصداق المعلوم ) فتقول المرأة : ( قبلت ).

مسألة ٣٢ : الاحوط ان يكون الايجاب في النكاح الدائم بلفظ النكاح

١٦

أو التزويج ، وان كان لا يبعد جواز انشائه بلفظ المتعة ايضاً إذا اقترن بما يدل على إرادة الدوام ، كما ان الاحوط ان يكون الايجاب والقبول بصيغة الماضي ، وان كان الاظهر عدم اعتبارها.

مسألة ٣٣ : يجوز الاقتصار في القبول على لفظ ( قبلت ) أو ( رضيت ) بعد الايجاب من دون ذكر المتعلقات التي ذكرت فيه ، فلو قال الموجب ـ الوكيل عن الزوجة ـ للزوج : ( انكحتُكَ موكلتي فلانة على المهر المعلوم ) فقال الزوج : ( قبلت ) من دون ان يقول : ( قبلتُ النكاح لنفسي على المهر المعلوم ) صحّ.

مسألة ٣٤ : إذا باشر الزوجان العقد الدائم وبعد تعيين المهر قالت المرأة مخاطبة للرجل : ( انكحتُكَ نفسي ، أو انكحتُ نفسي منك ، أو لك ، على الصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلتُ النكاح ) صح العقد ، وكذا إذا قالت المرأة : ( زوجتُكَ نفسي ، أو زوجتُ نفسي منكَ ، أو بكَ ، على الصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلتُ التزويج ).

ولو وكّلا غيرهما وكان إسم الرجل أحمد وإسم المرأة فاطمة مثلاً فقال وكيل المرأة : ( انكحتُ موكِّلَكَ أحمد موكِّلَتي فاطمة ، أو انكحتُ موكِّلَتي فاطمة موكِّلَكَ ، أو من موكِّلِكَ ، أو لموكِّلِكَ أحمد ، على الصداق المعلوم ) فقال وكيل الزوج : ( قبلتُ النكاح لموكِّلِي أحمد على الصداق المعلوم ) صح العقد ، وكذا لو قال وكيلها : ( زوجتُ موكِّلَكَ أحمد موكِّلَتي فاطمة ، أو زوجتُ موكِّلَتي فاطمة موكِّلَكَ ، أو من موكِّلِكَ ، أو بموكِّلِكَ أحمد ، على الصداق المعلوم ) فقال وكيله : ( قبلتُ التزويج لموكِّلِي أحمد على الصداق المعلوم ).

١٧

ولو كان المباشر للعقد وليّهما فقال وليّ المرأة : ( انكحتُ ابنَكَ أو حفيدَكَ أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة ، أو انكحتُ ابنتي أو حفيدتي فاطمة ابنَكَ أو حفيدَكَ ، أو من ابنِكَ أو حفيدِكَ ، أو لابنِكَ أو حفيدِكَ أحمد ) أو قال وليّ المرأة : ( زوجتُ ابنَكَ أو حفيدَكَ أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة ، أو زوجتُ ابنتي أو حفيدَتي فاطمة ابنَكَ أو حفيدَكَ ، أو من ابنِكَ أو حفيدِكَ أو بابنِكَ أو حفيدِكَ أحمد على الصداق المعلوم ) فقال ولّي الزوج : ( قبلت النكاحَ أو التزويجَ لابني أو لحفيدي أحمد على الصداق المعلوم ) صحّ العقد ، وتعرف كيفية ايقاع العقد لو كان المباشر له في أحد الطرفين اصيلاً وفي الطرف الآخر وكيلاً أو ولياً ، أو في أحد الطرفين ولياً وفي الآخر وكيلاً مما تقدم فلا حاجة الى التفصيل.

مسألة ٣٥ : لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الايجاب ، بل يصح الايجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر ، فلو قال : ( زوجتُكَ ) فقال : ( قبلت النكاح ) أو قال : ( انكحتُكَ ) فقال : ( قبلت التزويج ) ، صحّ وان كان الاحوط المطابقة.

مسألة ٣٦ : إذا لحن في الصيغة بحيث لم تكن معه ظاهرة في المعنى المقصود لم يكف وإلاّ كفى وان كان اللحن في المادة ، فيكفي ( جوزتك ) في اللغة الدارجة بدل ( زوجتك ) إذا كان المباشر للعقد من أهل تلك اللغة.

مسألة ٣٧ : يعتبر في العقد القصد الى ايجاد مضمونه ، وهو متوقف على فهم معنى لفظ ( زوجت ) أو ما يقوم مقامه ولو بنحو الاجمال ، ولا يعتبر العلم بخصوصياته ولا تمييز الفعل والفاعل والمفعول مثلاً ، فإذا كان الموجب بقوله ( زوجت ) قاصداً ايجاد العُلْقة الخاصة المعروفة التي يطلق

١٨

عليها الزواج في اللغة العربية وكان الطرف الاخر قابلاً لذلك المعنى كفى.

مسألة ٣٨ : تشترط الموالاة بين الايجاب والقبول على المشهور ، وتكفي العرفية منها فلا يضر الفصل في الجملة بحيث يصدق معه ان هذا قبول لذلك الايجاب ، كما لا يضر الفصل بمتعلقات العقد من القيود والشروط وغيرهما وان كثرت.

مسألة ٣٩ : يشترط في صحة النكاح التنجيز ، فلو علّقه على امر مستقبل معلوم الحصول أو متوقع الحصول بطل ، وهكذا اذا علّقه على امر حالي محتمل الحصول اذا كان لا تتوقف عليه صحة العقد ، واما اذا علّقه على امر حالي معلوم الحصول أو على امر مجهول الحصول ولكنه كان مما تتوقف عليه صحة العقد لم يضر ، كما إذا قالت المرأة في يوم الجمعة وهي تعلم انه يوم الجمعة : ( انكحتُكَ نفسي إن كان اليوم يوم الجمعة ) أو قالت : ( انكحتك نفسي إذا لم اكن اختَكَ ).

مسألة ٤٠ : يشترط في العاقد المجري للصيغة ان يكون قاصداً للمعنى حقيقة ، فلا عبرة بعقد الهازل والساهي والغالط والنائم ونحوهم ، ولا بعقد السكران وشبهه ممن لا قصد له معتداً به. كما يشترط فيه العقل فلا عبرة بعقد المجنون وان كان جنونه أدوارياً إذا أجرى العقد في دور جنونه. وكذلك يشترط فيه البلوغ فلا يصح عقد الصبي المميز لنفسه ـ وان كان قاصداً للمعنى ـ إذا لم يكن باذن الولي ، بل وان كان باذنه إذا كان الصبي مستقلاً في التصرف ، وأمّا إذا كان العقد من الولي وكان الصبي وكيلاً عنه في انشاء الصيغة ، أو كان العقد لغيره وكالة عنه أو فضولاً فاجازه ، أو كان لنفسه فاجازه الولي ، أو اجازه هو بعد البلوغ ففي صحته اشكال ، فلا يترك مراعاة

١٩

مقتضى الاحتياط في مثله.

مسألة ٤١ : يشترط في صحة العقد رضا الزوجين واقعاً ، فلو أذنت الزوجة متظاهرة بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صح العقد ، كما انه إذا عُلمت كراهتها واقعاً وان تظاهرت بالرضا بطل العقد.

مسألة ٤٢ : لو اُكره الزوجان على العقد ثم رضيا بعد ذلك واجازا العقد صح ، وكذلك الحال في اكراه احدهما ، والاولى إعادة العقد في كلتا الصورتين.

مسألة ٤٣ : يشترط في صحة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاِسم أو الوصف أو الاِشارة ، فلو قال : ( زوجتُكَ إحدى بناتي ) بطل ، وكذا لو قال : ( زوجتُ بنتي أحدَ إبنيكَ أو أحد هذين ).

نعم لو كانا معينين بحسب قصد المتعاقدين ، متميزين في ذهنهما وان لم يعيناهما عند اجراء الصيغة بالاِسم أو الوصف أو الاِشارة الخارجية ، كما لو تقاولا على تزويج بنته الكبرى من ابنه الكبير ولكن في مقام إجراء الصيغة قال : ( زوجتُ بنتي من ابنك ) وقبل الآخر ، فالظاهر الصحة.

مسألة ٤٤ : لو اختلف الاِسم مع الوصف أو اختلفا أو احدهما مع الاِشارة يتبع العقد ما هو المقصود ويلغى ما وقع غلطاً وخطأً ، فاذا كان المقصود تزويج البنت الكبرى وتخيل ان اسمها فاطمة وكانت المسماة بفاطمة هي الصغرى وكانت الكبرى مسماة بخديجة وقال : ( زوجتُكَ الكبرى من بناتي فاطمة ) وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة ويلغى تسميتها بفاطمة ، وان كان المقصود تزويج فاطمة وتخيل انها كبرى فتبين انها صغرى وقع العقد على المسماة بفاطمة والغي وصفها بانها الكبرى ،

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

البطالة ينافي ما عليه الإسلام ، وما هو معروف من مبادئه من انه ينكر البطالة ويحث عل العمل وعدم الاتكال على الآخرين.

ويقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ملعون من القى كلّه على الناس »(١) .

ويقول الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

« لنقـل الصخر من قلل الجبال

أعز الي من مـنـن الـرجال

يقول الناس لي في الكسب عار

فقلت العار في ذْل السؤال »(٢)

بهذا الأسلوب يواجه الإسلام الأفراد فهو دين العزة والرفعة ، وهو دين الجد والعمل ، ولا يريد للمجتمع أن يعيش أفراده يتسكعون ويتكففون.

فلماذا اذاً يعودهم على الاتكال على غيرهم ؟.

للإجابة على ذلك نقول :

إن الإسلام بتشريعه الانفاق بنوعيه الالزامي والتبرعي لم يرد للأفراد أن يتكلوا على غيرهم في مجال العيش والعمل بل على العكس نراه يحارب بشدة الاتكالية ، والاعتماد على أيديِ الآخرين.

بل الإسلام يكره للفرد أن يجلس في داره وله طاقة على العمل ، ويطلب الرزق من الله فكيف بالطلب من انسان مثله.

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام :

__________________

(١ و ٢) المحجة البيضاء ٧ / ٤٢٠.

٤١

« أربعة لا تستجاب لهم دعوة رجل جالس في بيته يقول : اللهم أرزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ »(١) .

وفي حديث آخر عنهعليه‌السلام فيمن ترد دعوته :

« ورجل جلس في بيته وقال : يا رب ارزقني »(٢) .

وهناك احاديث أخرى جاءت بهذا المضمون ان الله الذي قال في أكثر من آية( ادعوني أستجب لكم ) ، ووعد بالاستجابة بمجرد دعاء عبده ليكره على لسان هذه الأخبار وغيرها أن يدعوا العبد بالرزق ، وهو جالس لا يبدي أي نشاط وفعالية بالاسباب التي توجب الرزق.

واذاً فالإسلام عندما شرع بنوعية الإلزامي والتبرعي لم يشرعه لمثل هؤلاء المتسولين بل حاربهم ، واظهر غضبه عليهم.

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال :

« ثلاثة يبغضهم الله ـ الشيخ الزاني ، والفقير المحتال ، والغني الظلوم »(٣) .

إنما شرع الإنفاق للفقير الذي لا يملك قوت سنته ، وقد اضطره الفقر لأن يجلس في داره.

وقد تضمنت آية الزكاة مصرف الزكاة فحصرت الاصناف الذين يستحقونها في ثمانية اثنان منهم الفقراء ، والمساكين ، وستة أصناف لم يؤخذ الفقر صفة لهم بل لمصالح خاصة استحقوها :

__________________

(١ و ٢) أصول الكافي ٢ / ٥١١ ـ طبعة طهران ـ تصحيح وتعليق الغفاري.

(٣) الدر المنثور في تفسير الآية ٢٧١ من صورة البقرة.

٤٢

يقول سبحانه :

( إنما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) (١) .

وأما مصرف بقية موارد الانفاق الإلزامي من كفارات ، والإنفاق التبرعي فكلفه للفقراء.

والفقراء في المصطلح الشرعي هم الذين يستحقون هذا النوع من المساعدة كلهم اخذ فيهم أن لا يملكوا قوت سنتهم ، أو كان ما عنده من المال لا يكفيه لقوت سنته أما من كان مالكاً لقوت سنته وأخذ منها فهو محتال وسارق لقوت غيره.

ولا يعطى من الصدقات ، وإذا اعطي من الصدقات فمن التبرعية لا الإلزامية وله عند الله حسابه لو عوّد نفسه على التكفف والتسول والأخذ من الصدقات التبرعية ، وبه طاقة على العمل.

__________________

(١) سورة التوبة / آية : ٦٠.

٤٣

الطرق التي سلكها القرآن الكريم

للحث على الإنفاق

وكما قلنا إن الأساليب التي اتخذها القرآن الكريم لحث الفرد على هذه العملية الإنسانية كثيرة وبالامكان بيان ابرز صورها وهي :

١ ـ الترغيب والتشويق إلى الإنفاق.

٢ ـ التنأيب على عدم الإنفاق.

٣ ـ الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق.

١ ـ التشويق إلى الإنفاق والبذل والحث عليه :

ولم يقتصر هذا النوع من التشويق على صورة واحدة بل سلك القرآن في هذا المجال مسالك عديدة وصور لتحبيب الإنفاق صوراً مختلفة :

٤٤

الصورة الأولى من التشويق :

الضمان بالجزاء

لقد نوخت الآيات التي تعرضت إلى الإنفاق والتشويق له أن تطمئن المنفق بأن عمله لم يذهب سدى ، ولم يقتصر فيه على كونه عملية تكافلية إنسانية لا ينال الباذل من ورائها من الله شيئاً ، بل على العكس سيجد المنفق أن الله هو الذي يتعهد له بالجزاء على عمله في الدنيا وفي الآخرة.

أما بالنسبة إلى الجزاء وبيان ما يحصله الباذل ازاء هذا العمل فإن الآيات الكريمة تتناول الموضوع على نحوين :

الأول : وقد تعرضت إلى بيان أن المنفق سيجازيه الله على عمله ويوفيه حقه أما ما هو الحزاء ونوعيته فإنها لم تتعرض لذلك ، بل أوكلته إلى النحو الثاني الذي شرح نوعية الجزاء وما يناله المنفق في الدنيا والآخرة.

١ ـ الآيات التي اقتصرت على ذكر الجزاء فقط :

يقول تعالى :

( وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وانتم لا تظلمون ) (١) .

وفي آية أخرى قال سبحانه :

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٧٢.

٤٥

( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم تظلمون ) (١) .

ويظهر لنا من مجموع الآيتين أنهما تعرضتا لأمرين :

الأول : اخبار المنفق واعلامه بأن ما ينفقه يوقى إليه ، وكلمة ( وفى ) في اللغة تحمل معنيين :

أحدهما : انه يؤدي الحق تاماً.

ثانيهما : انه يؤدي بأكثر.

وقوله سبحانه :( يُوَفَ إليكُم ) تشتمل بإطلاقها المعنيين أي يعطى جزاءه تاماً بل بأكثر مما يتصوره ويستحقه والمنفق.

الثاني : تطمين المنفق بأنه لا يظلم إذا أقدم على هذه العملية الإنسانية وهذا تأكيد منه سبحانه لعبده وكفى بالله ضامناً ومتعهداً في الدارين ويستفاد ذلك من تكرار الآية الكريمة وبنفس التعبير في الأخبار بالوفاء ، وعدم الظلم وحاشا له وهو الغفور الرحيم أن يظلم عبداً أنفق لوجهه ، وبذل تقرباً إليه.

هذا النوع من الإطمئنان للمنفق بأنه لا يظلم بل يؤدى إليه حقه كاملاً بل بأكثر.

وفي آية أخرى نرى التطمين من الله عز وجل يكون على شكل آخر فيه نوع من الحساب الدقيق مع المنفقين.

( الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سراً وعلانية فلهم

__________________

(١) سورة الانفال / آية : ٦٠.

٤٦

أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (١) .

ولم يتعرض سبحانه لنوعية الجزاء من الأجر بل أخفاه ليواجههم به يوم القيامة فتزيد بذلك فرحتهم.

( ولا خوف عليهم ) من فقرٍ ، أو ملامة لأن الله عز وجل هو الذي يضمن لهم ، ثم ممن الخوف ؟

من اعتراض المعترضين ؟ ، وقد جاء في الحديث ( صانع وجهاً يكفيفك الوجوه ) ، أم من الفقر ، ونفاد المال ؟ وقد صرحت الآيات العديدة بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقسم بين الناس معايشهم كما ذكرنا ذلك في الآيات السابقة.

( ولا هم يحزنون ) .

وقد ورد في تفسير هذه الآية أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام : « كانت عنده أربع دراهم فانفق بالليل درهماً ، وفي النهار درهماً وسراً درهماً وعلانيةً درهماً »(٢) .

وتتفاوت النفوس في الإيمان والثبات فلربما خشي البعض من العطاء فكان في نفسه مثل ما يلقاه المتردد في الاقدام على الشيء.

لذلك نرى القرآن الكريم يحاسب هؤلاء ويدفع بهم إلى الإقدام على الانفاق وعدم التوقف فيقول سبحانه :

( قل إنّ ربّي يبسُطُ الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادِهِ ويقدِرُ له وما

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٤٧.

(٢) الدر المنثور : في تفسيره لهذه الآية.

٤٧

أنفقتُم من شَيءٍ فهو يخلفُهُ وهو خيرُ الرّازقينَ ) (١) .

ومع الآية الكريمة فإنها تضمنت مقاطع ثلاثة :

١ ـ قوله :( قل أن ربي يبسط الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادهِ ويقدِرُ له ) .

٢ ـ قوله :( وما أنفقتُم من شيء فهوَ يخلفْهُ ) .

٣ ـ قوله :( وهو خيرُ الرازقين ) .

أولاً :

( قل إن ربي يبسُطُ الرزق لمن يشاءُ ) .

ولا بد للعبد أن يعلم أن الرازق هو الله وأن بيده جميع المقاييس والضوابط فالبسط منه والتقتير منه أيضاً وفي كلتا الحالتين تتدخل المصالح لتأخذ مجراها في هاتين العمليتين ، وليس في البين أي حيف وميل بل رحمة وعطف على الغني بغناه ، وعلى الفقير بفقره فكلهم عبيده وعباده وحاشا أن يرفع البعض على اكتاف الآخرين.

أما ما هي المصالح ؟.

فإن علمها عند الله وليس الخفاء فيها يوجب القول بعدم وجودها.

وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله سبحانه يقول :

__________________

(١) سورة سبأ / آية : ٣٩.

٤٨

( عبدي أطعني بما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ) .

ثانياً :

( وما أنفقتُم من شيءٍ فهو يخلفْهُ ) .

فعن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

« كل معروف صدقة ، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة ، وما انفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامناً »(١) .

ثالثاً :

( وهو خير الرازقين ) .

أما أنه خير الرازقين فلأن عطاءه يتميز عن عطاء البشر.

عطاؤه يأتي بلا منة.

وعطاء البشر مقرون بمنة.

وعطاؤه من دون تحديد نابع عن ذاته المقدسة الرحيمة الودودة التي هي على العبد كالأم الرؤوم بل وأكثر من ذلك ، وعطاء البشر محدود.

وكذب من قال انه محدود العطاء :

( بل يداهُ مبسوطتانِ ينفِقُ كيفَ يشاءُ ) (٢) .

وقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.

(٢) سورة المائدة / آية : ٦٤.

٤٩

« ان يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سخاء بالليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه »(١) .

وقد جاء الوعد بالجزاء فقط في آيات أخرى فقد قال سبحانه :

( وما تُنفقوا من خيرٍ فأنَّ اللهَ به عليمٌ ) (٢) .

( وما أنفقتُم من نفقةٍ أو نذرتُم من نذرٍ فأنَّ الله يعلَمَهُ ) (٣) .

( وما تُنفقُوا من شيءٍ فإنَّ الله به عليمٌ ) (٤) .

وقد فسر قوله «عليم » أو «يعلمه » بالجزاء لأنه عالم فدل ذكر العلم على تحقيق الجزاء.

وفي تفسير آخر للآيات الكريمة أن معنى عليم أو يعلمه في هذه الآيات أي يجازيكم به قل أو كثر لأنه عليم لا يخفى عليه شيء من كل ما فعلتموه وقدمتموه لوجهه ولمرضاته عز وجل.

٢ ـ الآيات التي تطرقت لنوعية الجزاء :

يختلف لسان الآيات بالنسبة لبيان نوعية الجزاء فهي تارة : تذكر الجزاء ولا ذكر فيه للجنة.

وأخرى : تذكر الجنة وتبشر المنفق بأنها جزاؤه.

وما ذكر فيه الجنة أيضاً جاء على قسمين :

__________________

(١) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية.

(٢) سورة البقرة / آية : ٢٧٣.

(٣) سورة البقرة / آية : ٢٧٠.

(٤) سورة آل عمران / آية : ٩٢.

٥٠

فمرة : نرى الآية تقتصر على ذكر الجنة جزاء.

وثانية : تحبب إلى المنفق عمله فتذكر الجنة وما فيها من مظاهر تشتاق لها النفس كالانهار والاشجار وما شاكل.

ومن الاجمال إلى التفصيل :

يقول سبحانه :

( إنما المؤمنونَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وجلَتْ قلوبُهُم وإذا تليَتْ عليهِم آياتُهُ زادتهُم إيماناً وعلى ربِّهِم يتوكَّلُون *الذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وممّا رزقناهُم يُنفِقون *أولئِكَ هُمُ المؤمنونَ حقّاً لهم درجاتٌ عندَ ربِّهِم ومغفرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ ) (١) .

( إنما المؤمنون ) إنما أداة حصر تفيد أن ما بعدها هم المؤمنون هؤلاء الذين عددت الآية الكريمة صفاتهم وهم الذين جمعوا هذه الصفات.

وكانت صفة الانفاق من جملة مميزات المؤمنين وصفاتهم التي بها نالوا هذا التأكيد من الله سبحانه بقوله :

( أولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حقّاً ) (٢) .

أما ما أعد لهم من جزاء فهو :

( درجات عند ربهم ) وهي الحسنات التي استحقوا بها تلك المراتب العالية.

__________________

(١) سورة الانفال / آية : ٢ ـ ٤.

(٢) سورة الانفال / آية : ٤ و ٧٤.

٥١

( ومغفرة ) لذنوبهم من غير حساب على ما فعلوه في هذه الدنيا من مخالفات.

( ورزق كريم ) : وهو رزق لا يصيبه ضرر ولا يخاف من نقصانه لأنه من الله جلت عظمته ، وما كان من الله ينمو وتكون فيه البركة فهو رزق طيب ومن كريم.

وفي آية كريمة أخرى يقول عز وجل :

( إنّ المسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والقانتينَ والقانتاتِ والصّادقينَ والصّادقاتِ والصّابرينَ والصّابراتِ والخاشعينَ والخاشعاتِ والمُتصدّقينَ والمُتصدّقاتِ ـ إلى قوله تعالى ـأعدَّ اللهُ لهم مغفرةً وأجراً عظيماً ) (١) .

( والمتصدقين والمتصدقات ) .

هؤلاء من جملة من أعد الله لهم المغفرة والأجر العظيم جزاء على هذه الصفة وهذا الشعور التعاطفي بالنحو على الضعيف.

وأما الأيات التي ذكرت الجنة جزاء للمنفق فمنها قوله تعالى :

( أفمن يعلمُ أنّما أُنزلَ إليكَ من ربّكَ الحقُّ كمن هو أعمَى إنّما يتذكّرُ أولُوا الألبابِ *الّذينَ يُوفُونَ بعهدِ اللهِ ولا يُنقضُونَ الميثاقَ *والّذين يصلُونَ ما أمرَ اللهُ بهِ أنْ يوصَلَ ويخشونَ ربّهم ويَخافونَ سوءَ الحساب *والّذينَ صَبَرُوا ابتغاءَ وجهِ ربّهم وأقامُوا الصّلاة وأنفَقُوا ممّا رزقناهُم سرّاً وعلانِيَةً ويدْرَءُونَ بالحَسَنَةِ السّيِّئَةَ أولئك لهم عقبى الدّارِ *جنّاُت عدنٍ يَدخلونَهَا ) (٢) .

__________________

(١) سورة الأحزاب / آية : ٣٥.

(٢) سورة الرعد / آية : ١٩ ـ ٢٣.

٥٢

يقف الإنسان عند هذه الآيات وهو يرتلها بخشوع ليلحظ من خلالها إنها فرقت بين صنفين من الناس كافر ، ومؤمن ، وقد وصفت الكافر أنه( أعمى ) لا يتذكر ولا ينفع معه شيء.

أما المؤمن ، وهو من يتذكر فأنه ينظر بعين البصيرة ، وقد شرعت ببيان أوصاف هؤلاء المؤمنين ، ومن جملة صفاتهم أنهم الذين ينفقون مما رزقناهم سراً وعلانيةً.

في السر : فإنما هي لرعاية الفقير وحفظ كرامته لئلا يظهر عليه ذل السؤال.

ويحدثنا التاريخ عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام إنهم كانوا إذا أرادوا العطاء أعطوا من وراء ستار حفاظاً منهم على عزة السائل وكرامته ، وتنزيهاً للنفس لئلا يأخذ العجب والزهو فتمن على السائل بهذا العطاء فيذهب الأجر.

أما في العلانية : فإنما هو لتشجيع الأخرين على التسابق على الخير والاحسان أو لدفع التهمة عن النفس لئلا يرمى المنفق بالبخل والامتناع عن هذا النوع من التعاطف الإنساني.

أما جزاؤهم : فهو العاقبة الحسنة ، وأن لهم الجنة جزاء قيامهم بهذه الأعمال وتفقدهم لهؤلاء الضعفاء في جميع الحالات سراً وعلانيةً.

وفي آيات أخرى نرى القرآن لا يقتصر على ذكر الجنة فقط كجزاء للمنفق بل يتطرق لبيان ما فيها وما هي ليكون ذلك مشوقاً للمنفق في أن يقوم بهذه الأعمال الخيرة لينال جزاءه في الآخرة.

٥٣

قال تعالى :

( وسارعُوا إلى مغفرةٍ من ربّكُم وجنّةٍ عرضُهَا السماواتُ والأرضُ أعدَّت للمُتّقينَ *الّذين ينفقونَ في السّرّاءِ والضّرّاءِ والكاظِمِينَ الغيظَ والعافينَ عن النّاسِ واللهُ يحبُّ المُحسنينَ ) (١) .

وقال جلت عظمته :

( قل أؤنبّئكمُ بخيرٍ من ذلكُم للذينَ اتّقَوا عندَ ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللهِ واللهُ بصيرٌ بالعبادِ *الّذين يقولونّ ربّنا إنّنا آمَنّا فأغفِر لنا ذُنُوبَنَا وقِنا عذابَ النّار *الصّابرينَ والصّادقينَ والقانتينَ والمُنفقينَ والمُستغفرينَ بالأسحارِ ) (٢) .

وقد تضمنت الآيات نحوين من الجزاء :

الأول : جزاء حسي.

الثاني : جزاء روحي.

أما الجزاء الحسي : فيتمثل بقوله تعالى في الآية الأولى :

( جنة عرضُها السماواتُ والأرضُ ) .

وفي الآية الثانية فيتمثل بقوله تعالى :

( جنّاتٌ تجري من تَحتِها الأنهارُ خالدينَ فيها وأزواجٌ مطهرةٌ ) .

وتأتي هذه الصفات أو المشوقات للجنة من كونها بهذا الحجم الواسع عرضاً فكيف بالطول لأن العرض غالباً يكون أقل من الطول ،

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) سورة آل عمران / آية : ١٥ ـ ١٦ ـ ١٧.

٥٤

ومن أن فيها الأشجار ، ومن تحت تلك الأشجار الأنهار الجارية وفيها أزواج ، وتلك الأزواج مطهرة من دم الحيض والنفاس ، ومن كل الأقذار والقبائح وبقية الصفات الذميمة.

تأتي كل هذه الصفات مطابقة لما تشتهيه النفس ، وما اعتادت على تذوقه في الدنيا من مناظر الأشجار والأنهار والنساء وأن ذلك غير زائل بل هو باقٍ وكل هذه الأمور محببة للنفس وقد استحقها المنفق جزاء تعاطفه وإنفاقه في سبيل الله ونيل مرضاته جلت عظمته.

أما الجزاء الروحي : فيتمثل بقوله تعالى في الآية الأولى :

( والله يحبُ المحسنين ) .

( ورضوانٌ من اللهِ ) .

رضا الله ومحبته له والتفاته وعطفه كل هذه غاية يتوخاها الإنسان يبذل بازائها كل غالٍ ونفيس ، وما أسعد الإنسان وهو يرى نفسه محبوباً لله سبحانه راضياً عنه.

على أن في الأخبار بالرضا والمحبة في آيتين تدرجاً ظاهراً وواضحاً فإن المحبة أمر أعمق من مجرد الرضا وواقع في النفس من ذلك.

وصحيح ان الإنسان يسعى جاهداً ويقوم بكل عبادة ليحصل على رضا الله ، ولكن محبة الله له هي معنى له تأثيره الخاص في النفس.

ان عباد الله المؤمنين يشعرون بهذه اللذة وهذه الراحة النفسية عندما يجد الفرد منهم أنه مورد عناية الله في توجهه إليه.

٥٥

الصورة الثانية من التشويق :

جعل المنفقين من المتقين أو المؤمنين

ويتحول القرآن الكريم إلى إعطاء صورة أخرى من صور التشويق للانفاق والبذل والعطاء فنراه يرفع من مكانة هؤلاء المحسنين ، ويجعلهم بمصاف النماذج الرفيعة من الذين اختارهم وهداهم إلى الطريق المستقيم.

ففي آية يعدّهم من أفراد المتقين ، وفي أخرى من المؤمنين ، وفي ثالثة يقرنهم بمقيم الصلاة ، والمواظبين عليها ، وهو تعبير يحمل بين جنباته بأن هؤلاء من المطيعين لله والمواظبين على امتثال أوامره يقول سبحانه عز وجل :

( ذلكَ الكتابُ لا ريبَ فيه هدىً للمُتّقينَ *الذينَ يؤمنونَ بالغيبِ ويقيمونَ الصّلاةَ وممّا رزقناهُم يُنفقونَ ) (١) .

ومن خلال هذه الآية نلمح صفة الإنفاق وما لها من الأهمية بحيث كانت إحدى الركائز الثلاثة التي توجب إطلاق صفة المتقي على الفرد.

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢ ـ ٣.

٥٦

فمن هم المتقون ؟.

ويأتينا الجواب عبر الآية الكريمة بأنهم :

( الّذين يؤمنونَ بالغيبِ ويُقيمونَ الصلاةَ ومما رزقناهم يُنفقونَ ) .

( يُؤمنونَ بالغيبِ ) :

يؤمنون بما جاء من عند الله من أحكامه وتشريعاته وما يخبر به من المشاهد الآتية من القيامة والحساب والكتاب والجنة والنار وما يتعلق بذلك من مغيبات يؤمنون بها ، ولا يطلبون لمثل هذا الايمان مدركاً يرجع إلى الحس والنظر والمشاهدة بل تكفيهم هذه الثقة بالله وبما يعود له.

( ويقيمونَ الصلاة ) :

فمنهم في مقام اداء فرائضهم مواظبون ولا يتأخرون ويتوجهون بعملهم إلى الله يطلبون رضاه ، ولا يتجهون إلى غيره ، يعبدونه ولا يشركون معه أحداً ، وأداء الصلاة هو مثال الخضوع والعبودية بجميع الأفعال ، والأقوال. يقف الفرد في صلاته خاشعاً بين يدي الله ويركع ويسجد له ، ويضع أهم عضو في البدن وهو الجبهة على الأرض ليكون ذلك دليلاً على منتهى الإطاعة والخضوع ، ويرتل القرآن ليمجده ويحمده ويسبحه ويهلله فهي إذاً مجموعة أفعال وأقوال يرمز إلى الاذعان لعظمته ، والخضوع لقدرته وبذلك تشكل عبادة فريدة من نوعها لا تشبهها بقية العبادات.

( ومما رزقناهم ينفقون ) :

كل ذلك من الجوانب الروحية ، وأما من الجوانب المالية ،

٥٧

فإن المال لا يقف في طريق وصولهم إلى الهدف الذي يقصدونه من الاتصال بالله فهم ينفقون مما رزقناهم غير آبهين به ولا يخافون لومة لائم في السر والعلن ، وفي الليل والنهار كما حدّث القرآن الكريم في آيات أخرى مماثلة.

هؤلاء هم المنفقون الذين كات الإنفاق من جماة مميزاتهم ، وقد مدحهم الله جلت قدرته بقوله :

( أولئكَ على هدىً من ربّهم وأولئكَ هُمُ المُفلحونَ ) (١) .

( هدىً من ربهم ) :

بلى : هدى وبصيرة فلا يضلون ولا يعمهون في كل ما يعود إلى دينهم ودنياهم.( وأولئك هم المفلحون ) :

بكل شيء مفلحون في الدينا بما ينالهم من عزٍ ورفعة لأنهم خرجوا من ذل معصية الله إلى عز طاعته تماماً كما يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« إذا أردت عز بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته »(٢) .

ومفلحون في الآخرة التي وعدهم بها كما جاء ذلك في آيات عديدة من كتابه الكريم.

ولم يقتصر الكتاب على هذه الآية في عد الانفاق من جملة صفات المتقين بل درج مع الذين ينفقون من المتقين حيث قال سبحانه :

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٥.

(٢) من كلماتهعليه‌السلام في نهج البلاغة.

٥٨

( وسارعُوا إلى مغفرةٍ مِن ربّكُم وَجنَّةً عرضُهَا السَمَاواتُ و الأرضُ أعِدَّتْ للمتّقينَ *الّذين يُنفقونَ في السّرّاءِ والضّرّاءِ والكاظمينَ الغيظَ والعافينَ عن النّاسِ واللهُ يُحبُّ المُحسنينَ ) (١) .

ومن خلال هذه الآية نرى الأهمية للإنفاق تبرز بتقديم المنفقين على غيرهم من الأصناف الذين ذكرتهم الآية والذين أعدت لهم الجنة من الكاظمين والعافين.

هؤلاء المنفقون الذين لا يفترون عن القيام بواجبهم الإجتماعي في حالتي اليسر والعسر في السراء والضراء يطلبون بذلك وجه الله والتقرب إلى ساحته المقدسة.

وعندما نراجع الآية الكريمة في قوله تعالى :

( الم *تلك آياتُ الكتابِ الحكيمِ *هدىً ورحمةً للمحسنينَ *الذينَ يقيمونَ الصّلاةَ ويؤتونَ الزّكاةَ وهم بالأخرةِ هُم يوقنونَ *أولئكَ على هدىً من ربّهِم وأولئكَ هُمُ المُفلحونَ ) (٢) .

نرى نفس الموضوع تكرره الآية هنا ، ولكن في الآية السابقة قالت عن المنفق بأنه من المتقين ، وهنا من المحسنين.

وفي الآية السابقة الانفاق بكل ما ينفق وهنا عن الانفاق بالزكاة ، فالنتيجة لا تختلف كثيراً ، والصورة هي الصورة نفسها إنفاق من العبد ، وتشويق من الله ، ومدح له بنفس ما مدح المتقي سابقاً.

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) سورة لقمان / آية : ١ ـ ٥.

٥٩

والحديث في الآيتين عن المتقين والمحسنين ، ومن جملة صفاتهم الإنفاق وأداء ما عليهم من الواجب الإجتماعي المتمثل في الإنفاق التبرعي ، أو الإلزامي ، وقد قال عنهم في نهاية المطاف بنفس ما مدح به المتقين في الآية السابقة.

( أولئكَ على هدىً من ربّهم وأولئكَ هُمُ المفلحونَ ) (١) .

وفي وصف جديد في آية كريمة أخرى يصفهم الله بأنهم من المخبتين.

( وبشِّرِ المخبتينَ *الذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قلوبهم والصّابرينَ على ما أصابَهُم والمُقيمي الصّلاةِ وممّا رزقناهُم يُنفقونَ ) (٢) .

( والمخبتون ) هم المتواضعون لله المطمئنون إليه.

وعندما شرعت الآية بتعدادهم قالت عنهم :

( الذين إذا ذُكِرَ الله وجلتْ قلوبهُمْ ) .

انها النفوس المطمئنة التي إذا ذكر الله ، ـ وذكر الله هنا التخويف من عقابه وقدرته وسطوته ـ وجلت قلوبهم أي دخلها الخوف ولكنه خوف مشوب برجاء عطفه ورحمته.

ولا يأس معه من روح الله لأنه :

( لا يايئسُ من روحِ اللهِ إلا القومُ الكافرونَ ) (٣) .

__________________

(١) سورة لقمان / آية : ٥.

(٢) سورة الحج / آية : ٣٤ ، ٣٥.

(٣) سورة يوسف / آية : ٨٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374