ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 117583
تحميل: 5803


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117583 / تحميل: 5803
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الصلوات والبغض لعليّ بن أبي طالب»(1) . هذا الحديث وله شواهد نذكرها أنكره ابن تَيمِيه في منهاج ضلاله، وعلّة ذلك واضحة فهو إمام الناصبة، ما من فضيلة أو خصوصيّة لأميرالمؤمنينعليه‌السلام إلاّ وأنكرها، وإذا وجد نفسه ملزماً بذكرها عمد إلى قطع بعض ألفاظها وقال: هذه الزيادة لم تصحّ من غير أن يقيم برهاناً على قوله أو أنّه يصرف اللفظ إلى معنىً غير المعنى الذي وُضع له ويُأوّله تأويلاً بعيداً.

وما يدرينا زيادةً على ما تقدّم في سبب إنكاره الحديث هو الحكم الصادر بحقّه أنّه منافق لقوله: أنّ عليّاً [عليه‌السلام ] أسلم صغيراً لا يدري ما يقول، وإسلام الصغير لا يُقبل منه! فمارس وحسب منهجه إسقاط ما في نفسه على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فظهر نفاقه ببغضه لعليّعليه‌السلام .

وعن أبي سعيد الخُدْريّ قال: «ما كنّا نعرف منافقي هذه الأُمّة إلاّ ببغضهم عليًّا»(2) . وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ ولفظه نفس حديث أبي سعيد(3) .

وفي المصنّف لابن أبي شيبة 7/505/64 - فضائل عليّ - حدّثنا خلف ابن خليفة عن أبي هارون قال: كنت مع ابن عمر جالساً إذ جاءه نافع بن الأزرق

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3: 139/43.

(2) سنن الترمذيّ - في المناقب ح 3800 -، و تاريخ الإسلام، للذهبيّ 3: 434.

(3) الاستيعاب 3: 46 و 47، وتاريخ الإسلام 3: 634، ومختصر تاريخ دمشق. ثمّة ملاحظة فمفارقة بين قول ابن الأزرق هنا وبين احتجاجه على ابن الزبير إذ وصف الإمام عليّعليه‌السلام بأجمل الأوصاف على ما مرّ بنا! فلعلّ هذا بعد استعراض ابن الأزرق الناس للقتل؟!

١٠١

- أحد رؤوس الخوارج - فقال: والله إنّي لأبغض عليّاً! قال: فرفع ابن عمر رأسه فقال: أبغضك الله، تُبغض رجلاً سابقة من سوابقه خيرٌ من الدنيا وما فيها.

وفي صحيح مسلم، بسندٍ عن زِرٍّ بن حُبيش قال: قال عليٌّ [عليه‌السلام ]:

«والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهدُ النبيّ الأمّيّ إليَّ أن لا يُحبّني إلاّ مؤمنٌ ولا يُبغضني إلاّ منافقٌ»(1) . وبنفس السند والمتن في سُنن ابن ماجة(2) .

وهذه بعض المصادر التي ذكرت حديث حبّ عليّ وأنّ إيمانه، وأنّ بغضه نفاق: مسند الحَميدي ح 58، وأنساب الأشراف 1: 383، ومسند أبي يَعْلى 1/251: 291، وخصائص أميرالمؤمنين للنَّسائيّ ح 100 و 102، وصحيح ابن حبّان 15/ 367: 6924 ومعرفة علوم الحديث للحاكم 180، وشرح السنّة، للبغويّ 14/ 14: 3909، وحلية الأولياء 4: 185، ومجمع الزوائد 9: 133.

خلاصة: العجب من ابن تَيمِيه، ثمّ ابن سِتّ النَّعَم، أن يُنكر حديث: حبّ عليّعليه‌السلام إيمان، وبُغضه نفاق، وأسانيد الحديث لا مطعن فيها وهي تنتهي بأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وأبي سعيد الخُدْريّ، وجابر بن عبد الله، وأبي ذرّ.

والحكم في النقل للعلماء المتقدّمين عهداً لا للجهلة المتأخّرين زمناً، أفنعرض عن أصحاب الصحاح والمسانيد والسُنن والتاريخ صفحاً ونتمسّك بصاحب عاهات لا يفقه ما يقول أطلّ بقرنه بعد أولئك بمئات السنين؟! إنّ الفاصلة الزمنيّة بين ابن تَيمِيه وبين الحَميدي الذي ذكر الحديث في مسنده

____________________

(1) صحيح مسلم 2: 64.

(2) سنن ابن ماجة 1: 42 ح 114.

١٠٢

لا تزيد على (496) سنة، فقد توفّي الحَميدي سنة (219) وتوفّي ابن تَيمِيه سنة (728)، ولكنّنا مدينون للحَميدي أكثر من ابن تَيمِيه لتقدّم الحَميدي فهو ابن العقد الأوّل للقرن الثالث الهجريّ قد سمع من الأوائل وسبق ابن تَيمِيه بخمسة قرون إلاّ أربع سنين. هذا من الناحية الزمنيّة؛ وأمّا السيرة: فلم نجد في سيرة الحَميدي إلاّ الحميد فأصبح مسنده أحد المصادر التي يرجع إليها، فيما عرفتَ من سلوك وعقيدة الثاني وما انتهى إليه أمره.

وما قلناه عن الحَميدي، نقوله عن بقيّة مشيخة السَلَف: فهذا ابن أبي شيبة أبو بكر، عَلَمٌ لا يتخطّاه مشايخ الصحاح والمسانيد والسُنن فقد أكثروا عنه واعتبروه حجّة، وهو وإن كان متأخّراً عن الحَميدي، إلاّ أنّه أيضاً توفّي في النصف الأوّل من القرن الثالث الهجريّ، فقد كانت سنة وفاته (235 هـ) وقد ذكر الحديث كما ذكرنا. فكم تكون الفاصلة الزمنيّة بينه وبين الخارجيّ الثاني ابن تَيمِيه، بل كم تكون بينه وبين خارجة عصرنا؟

إنّها تصل اثنى عشر قرناً وهم ينفخون ببوق إمامهم الذي عكفوا عليه من دون أصحاب الصحاح والتصانيف والسُنن والمسانيد ...، ولو بُعث ابن تَيمِيه ونُشر من قبره لا ندري ما يصنع هؤلاء ومن قبل كانت نبوّة سجاح التميميّة النجديّة، ونبوّة مسيلمة التميميّ النجديّ الكذّاب الذي اشترى نبوّة سجاح بنكاح مشبوه! واتّبعهم من أسلافكم أكثر أهل نَجْد وشكّلوا خطراً على الإسلام حتّى قتل الله مسيلمة، وارتدّ طُليحة وارتدّت معه قبائل كثيرة ثمّ فرّ إلى الشام؛ فأنتم ينطبق عليكم قول الخوارج: تتّبعون الرجال على أسمائهم فما قولكم وقول إمامكم ابن

١٠٣

تَيمِيه في أحمد بن حنبل؟ هل عاصرتموه، أم عاصره إمامكم وما الذي خلصتم إليه من القول وهو يذكر كثيراً من فضائل أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ومنها حديث حبّه وبغضه وأنّه علامة الإيمان والذي كذّبه إمامكم فكذّبتموه وبذا كذّبتم أحمد بن حنبل إمام الحنابلة، وتزعمون أنّكم سَلَفيّون!

إنّ أحمد توفّي سنة (241 هـ) أي قبل وفاة ابن تيميه بـ (487 سنة)، وبينه وبينكم مثل الفاصلة بين ابن أبي شيبة وبينكم. ولعلّكم تقولون: ما لنا ولأحمد فلقد صبا فصار رافضيًّا! أو القول ما قاله ابن سِتّ النِعَم وما قولكم بصحيح مسلم وصاحبه المتوفّى سنة (261 هـ) فهو ابن النصف الثاني من القرن الثالث الهجريّ وفاةً وسابق على ابن تَيمِيه مثل أحمد وأمّا صاحب الصحيح مسلم وهو ممّن ذكر الحديث، فلم يتأخّر وفاةً عن أحمد، فقد توفّي سنة (261 هـ)؛ وتأخّر عنهم ابن ماجة والترمذيّ والبلاذريّ وقد ذكروا الحديث وهم جميعاً توفّوا في النصف الثاني من القرن الثالث الهجريّ. فلقد توفّي ابن ماجة سنة (275 هـ) والترمذيّ سنة (279 هـ) ومثله البلاذريّ. وأمّا الذهبيّ الحنبليّ وهو ممّن ذكر الحديث فهو متأخّر إذ توفّي سنة (748 هـ) وهو حجّة عليكم لأنّه تلميذ ابن تَيمِيه لسنين طويلة إلاّ أنّه لمّا عرف من حاله ومن عقيدته ابتعد عنه وندم على السنوات التي أمضاها معه وكتب إليه رسالةً طويلةً يؤنّبه ويعاتبه وقد أثبتناها ضمن فصل أصحاب الردود على ابن تَيمِيه.

لقد استوجب ابن تَيمِيه ومَن والاه الحكم بالنّفاق لبغضه لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لنفيه فضائله وخصائصه بكلّ عناد وذهبت به

١٠٤

وقاحته إلى القول: أنّ الرافضيّ لا يمكنه أن يُثبت إيمان عليّ وعدالته وأنّه من أهل الجنّة، ورماه بالنّفاق وأنّه أوقد نار الفتنة في قتل أصحاب محمّد [ انظر من غير تسميته بالنبوّة والرسالة!! ] بُغضاً له [ أي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ! ] وأنّه كان مباطناً للمنافقين وغير ذلك مما مرّ ذكره.

وكذلك استوجب وأتباعه الحكم بالنّفاق بموجب القرار الذي أصدره قضاة المذاهب الإسلاميّة المالكيّة والحنفيّة والشافعيّة والتي انضمّ إليها أخيراً القاضي الحنبليّ؛ فصار الحكمُ إجماعاً، ولم يُرفع فهو ماضٍ فيه وفي مَن اعتقد عقيدته في ذات الله جلّ وعزّ، وفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الكرام والأولياء ومسألة الزيارة ومجموع أفكاره التي أحياها الوهّابيّون الإرهابيّون ممّن لا يخاف المعاد، عاملهم الله بعدله في الدنيا والآخرة.

الإسلام يبسط سلطانه على حَرّان

دخلت حَرّان ظلّ الإسلام أيّام عمر بن الخطّاب (رض)(1) ، على يد الصحابيّ: «عِياض بن غَنْم بن أبي شدّاد بن ربيعة بن هلال بن أُهَيب بن ضَبّة بن الحارث بن فِهْر، أسلم قبل الحديبيّة وشهد الحديبيّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(2) .

____________________

(1) المصادر جميعاً.

(2) النّسب، لابن سلام 220، والمـُحبَّر، لابن حبيب 432، وطبقات ابن سعد 7: 398، ومختصر تاريخ دمشق 20: 60. وذكره خليفة بن خيّاط وشكّك في انتسابه إلى (غَنْم). وقال: فتح عامّة الجزيرة. وذكره ابن الكلبيّ في جمهرة النّسب ولم يُترجم له.

١٠٥

واُختلف في سنة وأسلوب فتح حَرّان وما والاها من أرض الجزيرة. فقد ذكر خليفة في تاريخه في أحداث سنة «ثمان عشرة» قال:

«قال ابن إسحاق: وفي سنة ثمان عشرة فُتحت الرُّها(1) ، وحدّثني حاتم بن مسلم أنّ أبا موسى الأشعريّ افتتح الرُّها وسُمَيْساط(2) صلحاً وما والاهما عنوةً.

قال: وكان أبو عبيدة بن الجرّاح وجّه عياض بن غَنْم الفهري(3) إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى بعد فتح هذه المدائن، فمضى ومضى معه أبو موسى، فافتتحا حَرَّان ونَصِيبيِن(4) وطوائف الجزيرة عنوةً(5) ؛ ويقال: وجّه أبو عبيدة خالد بن الوليد

____________________

زاد ابن حبيب: (أم الحكم) بنت أبي سفيان، كانت عند عياض بن غنم بن شدّاد الفهريّ، ولحقت بالمشركين. (المحبّر 432)

(1) الرُّها: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام؛ بينهما ستّة فراسخ (انظر معجم البلدان 2: 106).

وظلّت تعرف بهذا الاسم إلى وقت انتقالها إلى أيدي الترك العثمانيّين فصارت تُعرف باسم (أورف)؛ قيل: إنّ هذا الاسم تحريف (الرها) العربيّ. (انظر بلدان الخلافة الشرقيّة 135). وموقعها اليوم في الجنوب الشرقي من تركية على بضعة أميال من سورية.

(2) سُمَيْساط: مدينة على شاطئ الفرات في طرف بلاد الروم على غربي الفرات (انظر معجم البلدان 2: 258) وموقعها اليوم إلى الشمال الغربي من الرُّها.

(3) ذكر ابن عساكر: وقيل: كان عياضٌ ابنَ امرأةِ أبي عبيدةَ بنِ الجرّاح. (مختصر تاريخ دمشق 20: 61).

(4) نَصِيبين: من بلاد الجزيرة، بينها وبين سنجار تسعة فراسخ (معجم البلدان 5: 288، وبلدان الخلافة الشرقية 124، وموقعها اليوم إلى الجنوب الشرقي من تركية، وهي معدودة من أراضيها ومحاذية للحدود السورية شمالي القامشلي).

(5) تاريخ خليفة بن خيّاط (ت 240 هـ) 96.

١٠٦

إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد افتتح الرُّها وسميساط فوجّه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حَرَّان فصالحا أهلها(1) . ثمّ مضى خالد إلى نَصيبين فافتتحها. ثمّ رجع إلى آمِد(2) فافتتحها صلحاً، وما بينهما عنوةً. وحُدّثت أنّ عياض كتب لهم كتاباً وهو عندهم اليوم يُسمّى باسم عياض(3) .

الطبريّ: وفي تاريخ الطبريّ ذكر روايتين في فتح حَرَّان، وافق في إحداهما خليفة بن خيّاط، فجعل فتحها سنة ثمان عشرة، وأنّ الفتح كان على يد عياض ابن غَنْم؛ وخالفه في الأخرى - والتي لم يذكرها خليفة، فجعلها في السنة التاسعة عشر ولم يقل على يد مَن! وإن كانت القرائن ترجّح حملها على يد عياض.

قال الطبريّ في أحداث سنة ثمان عشرة:

وزعم الواقديّ (ت 207 هـ) أنّ الرقّة والرهاء وحَرَّان، فُتحت في هذه السنة على يدي عياض بن غَنْم، وأنّ عَيْن الوردة(4) فُتحت فيها على يدي عمير بن سعد(5) .

____________________

(1) نفسه.

(2) آمِد: أعظم مدن ديار بكر، بلد حصن قديم على نشز دجلة (معجم البلدان 1: 56) تقع اليوم في الجنوب الشرقي من تركية وتسمّى ديار بكر (بلدان الخلافة الشرقية 140).

(3) تاريخ خليفة 96.

(4) عَيْنُ الوَردة: وهي رأسُ العَين، من مدن الجزيرة، وهي محاذية للحدود السوريّة التركيّة وإلى الشمال الشرقيّ من الرقّة. فيها كانت الوقعة المشهورة بين التّوّابين الأحرار الذين خرجوا للأخذ بثار دم الحسينعليه‌السلام من بني أميّة. (معجم البلدان 5: 288، وبلدان الخلافة الشرقيّة 125).

(5) تاريخ الطبري 3: 194.

١٠٧

رواية الطبريّ الثانية

قال: قال ابن اسحاق: كان فتح الجزيرة والرُّهاء وحَرّان ورأس العين ونَصيبين في سنة تسع عشرة(1) .

ابن عساكر محدّث الشام يروي خبر فتح الجزيرة:

قال ابن عساكر (ت 571 هـ): وفي سنة تسع عشرة كتب عمر إلى سعد بن أبي وقّاص، أن ابعثْ جنداً إلى الجزيرة وأمِّرْ عليهم أحد الثلاثة: خالد بن عُرفُطَة، أو هاشم بن عتبة، أو عياض بن غَنْم؛ فلمّا انتهى إلى سعد كتابُ عمر قال: ما أخّر أميرُ المؤمنين عياضاً إلاّ أنّ له فيه هوىً أن أوّليه، وأنا مولّيه. فبعثه وبعث معه أبا موسى وابنه عمر بن سعد، وهو غلامٌ حدَثُ السنّ، وعثمان بن أبي العاص ابن بشر الثّقفيّ في سنة تسع عشرة؛ فخرج عياض إلى الجزيرة فنزل بجنده على الرُّها، ثمّ بعث أبا موسى إلى نصيبين ووجّه عمر بن سعد إلى رأس العين في خيلٍ ردءاً للناس، وسار بنفسه إلى دارا فافتتحها، وافتتح أبو موسى نصيبين، وذلك في سنة تسع عشرة، ثمّ وجّه عثمان بن أبي العاص أرمينيّة الرابعة، فكان عندها شيء من قتال ...، ثمّ صالح أهلها عثمان بن أبي العاص على الجزية.

ولمّا وجّه أبو عبيدة عياض بن غَنْم إلى الجزيرة يقال إنّه وجّه خالد بن الوليد إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد افتتح الرُّها وسُمَيْساط ثمّ ذكر عين الخبر الذي في الطبري(2) .

____________________

(1) نفسه.

(2) مختصر تاريخ دمشق 20: 62 - 63.

١٠٨

إنّ قصدنا ممّا ذكر وما سنذكر سواء من بيئته الأُسريّة مجهولة المعالم إلى شخصه عَلَماً فيه أكثر من سؤال وآخر لافت للنظر إلى ضياع منحدره القبليّ الذي منع التاريخ من الكتابة فيه كما منع الأوائل من كتابة الحديث النبويّ الشريف! في حين كان كتابته جارية في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى تربيته البيئيّة وما اشتبكت عليها الأزمان وضربتها الفِتَن بأجرانها فورث خلاصة ضلالها وباءَ ببوائِقِ فِتَنها.

وإذا كانت جارةُ حَرَّان والبوابّة التي يبدأ بها كلّ فاتح إلى حَرَّان، (الرُّها) كلّهم نصارى وفيها كنيسة عظمى ...، فحَرَّان وقد علمنا أنّها موطن الصابئة والصابئين منذ أقدم عصورهم. وكما ذكرنا تلك المبهمات في شأن ابن تَيمِيه، فقد وجدنا اختلافاً في الأمير: أبو عبيدة بن الجرّاح، وسعد بن أبي وقّاص ...؛ الفتح عنوةً أو صلحاً. والقيادة وفي بعضها خالد ابن عُرفُطة عوضاً من خالد بن الوليد ...، إلاّ أن المـُجمع عليه أنّ ذلك كان أيّام عمر بن الخطّاب. وحتّى سنة الفتح جرى فيها اختلاف بين سنة ثمان عشرة وتسع عشرة. هذا شيء من تاريخ حَرَّان.

وسنذكر شيئاً من تاريخها زيادةً في البيان، مع ما ذكرناه سابقاً لإعطاء صورةً أوضح عنها.

النفوذ الأُمويّ في الشام وانطباع الجزيرة بأثر ذلك

بدأ النفوذ الأمويّ يمدّ جذوره في بلاد الشّام والأصقاع المجاورة صدر

١٠٩

الإسلام، وتحديداً أيّام أبي بكر الذي كان عهده تمهيداً، وعصر عمر تثبيتاً وتركيزاً، وعهد عثمان توسيعاً ...

ففي سنة اثنتي عشرة جهّز أبوبكر الجيوش إلى الشام، فبعث عمرو بن العاصي قِبَل فلسطين، وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجرّاح وشُرَحبيل ابن حَسْنة على البلقاء من علياء الشام(1) .

ذكر الطبريّ: وحدّثني عمر بن شبّة بإسناده قال: ثمّ وجّه أبوبكر الجنود إلى الشام أوّل سنة ثلاث عشرة، وأوّل لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاصي ثمّ عزله قبل أن يسيّره! وولّى يزيد بن أبي سفيان، فكان أوّل الأمراء الذين خرجوا إلى الشام. وكان سبب عزل أبي بكر خالد بن سعيد، فيما ذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أن خالد بن سعيد حين قدم من اليمن بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تربّص ببيعته شهرين يقول: قد أمّرني رسول الله ثمّ لم يعزلني حتّى قبضه الله؛ وقد لقي عليّ بن أبي طالب وعثمان بن عفّان فقال: يا بني عبد مناف لقد طبتم نفساً عن أمركم يليه غيركم! فأمّا أبوبكر فلم يَحْفلها عليه وأمّا عمر فاضطغنها عليه ثمّ بعث أبوبكر الجنود إلى الشام وكان أوّل مَن استعمل على ربُع منها خالد بن سعيد فأخذ عمر يقول: أتؤمّره وقد صنع ما صنع وقال ما قال فلم يزل بأبي بكر حتّى عزله وأمّر يزيد بن أبي سفيان(2) .

وخالد قديم الإسلام أسلم بمكّة من كبار الصحابة بالإسلام. وقد ذكر

____________________

(1) تاريخ الطبريّ 2: 586.

(2) نفسه 2: 586.

١١٠

أبو اليقظان وغيره أنّ خالد بن سعيد أسلم قبل أبي بكر، وذلك لرؤيا رآها(1) .

وكان يكتب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حاجاته(2) ...، وقد بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عاملاً على صدقات اليمن، وأخاه عمراً على تَيْماء وخَيْبر، وأخاهما أباناً على البحرين، فلمّا توفّي رسول الله رجعوا عن أعمالهم فقال لهم أبوبكر: ما لكم رجعتم؟ فقال خالد: لا نعمل لأحدٍ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجوا إلى الشام فقُتلوا جميعاً(3) .

وقد امتنع خالد بن سعيد وأخواه عمرو وأبان عن بيعة أبي بكر، إذ كان هواهم في بني هاشم وكانوا يرون أنّ الإمامة لعليّ بن أبي طالب، ولم يبايعوا أبا بكر حتّى بايعه بنو هاشم، وهذا الذي أوغر قلب عمر بن الخطّاب عليهم ...

وخالد بن سعيد أخد الاثني عشر الّذين أنكروا على أبي بكر وحاجّوه في يوم الجمعة وهو على المنبر، وهم: سلمان الفارسيّ، وأبوذرّ الغفاريّ، والمقداد الكنديّ، وعمّار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين، وأبو أيّوب الأنصاريّ ...

لم تهدّ استرجاع الراية من عزيمة خالد وإيمانه وجهاده؛ فلمّا بعث أبوبكر الجنود إلى الشام عقد لخالد وجاء باللواء إلى بيته! فكلّم عمر أبا بكر وقال: أتولّي خالداً وهو القائل ما قال؟! فلم يزل به حتّى أرسل أبا أروى الدَّوسيّ فقال:

____________________

(1) كتاب الثقات، لابن حبّان 1: 301، والمستدرك على الصحيحين 3: 278/ 5086، والإصابة 1: 406، والموفقيّات، للزبير بن بكّار: 594 وقال: هو وأخوه عمرو أوّل مَن أسلم من قريش وأسلمت مع خالد زوجته.

(2) الوزراء والكتّاب، للجهشياري 12.

(3) الموفقيّات: 333، والمستدرك على الصحيحين 3: 278، والاستيعاب 1: 401، وأسد الغابة 2: 278.

١١١

إنّ خليفة رسول الله يقول لك: اردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه وقال: والله ما سرّتنا ولايتكم ولا ساءنا عزلكم وإنّ المـَليم لَغيرُك. فما هو إلاّ قليل حتّى دخل أبوبكر على خالد يعتذر إليه ويعزم عليه ألاّ يذكر عمر بحرف!(1)

ثمّ إنّ أبابكر كتب إلى خالد بن الوليد في العراق أن يعجّل في مدّ جيوش الشّام، وقد عارضه عمر وقبّح فعلته بمالك بن نُويرة وهو مسلم إذ قتله خالد ودخل بزوجته ليلة مقتله! فقال أبوبكر: إنّ خالداً تأوّل فأخطأ! فقال: اعزله، قال: ما كنتُ أغمدُ سيفاً سلّه الله عليهم!!(2)

ومن مفارقات خالد وهو يخوض حروب الشام ولمّا بلغه وفاة أبي بكر واستخلاف ابن خاله عمر، قال: الحمدُ لله الذي قضى على أبي بكر! الموت وكان أحبّ إليَّ من عمر، والحمدُ لله الذي ولّى عمر وكان أبغض إليَّ من أبي بكر، ثمّ ألزمني حُبّه!(3)

خرج أبوبكر يشيّع قوّاده الذين ذكرنا وفيهم يزيد بن أبي سفيان ويحمل رايته أخوه معاوية بن أبي سفيان.

وقعة أجنادين

كانت وقعةُ أجنادَين - ويقال بكسر الدال - سنة ثلاث عشرة، ذلك أن أبا

____________________

(1) طبقات ابن سعد 4: 97، والمستدرك على الصحيحين 3: 279، ومختصر تاريخ دمشق 7: 348.

(2) تاريخ ابن الوردي 1: 136.

(3) تاريخ الطبري 2: 598.

١١٢

بكر بعث عمرو بن العاص قِبَل فلسطين؛ ويزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجرّاح، وشُرَحبيل بن حسنة وأمرهم أن يسلكوا على البَلْقاء، وهي كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى.

وكتب أبوبكر إلى خالد بن الوليد، فسار إلى الشام فأغار على غسّان بمَرج راهِط فقتل وسبى. ثمّ ساروا جميعاً قِبَل فلسطين، فالتقوا بأجنادين بين الرَّملة وبين بيت جبريل، والأمراء كلّ على جنده، ويقال: إنّ عمرو بن العاص كان عليهم جميعاً. وكان الروم زهاء مائة ألف فهُزموا شرّ هزيمة وقُتل قائدهم. وبعدها تُوفّي أبوبكر(1) .

وقعة مرج الصُّفَّر

بعد وقعة أجنادين بعشرين يوماً، كانت وقعة مرج الصفَّر. ومرج الصفَّر خارج دمشق في جنوبها قرب قرية شقحب، حيث اجتمعت فيها الروم اجتماعاً عظيماً وأمدّهم هِرقَل بمَدَدٍ بعد مدّد، فلقيهم المسلمون وهم متوجّهون إلى دمشق، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتّى جرت الدماء وطحنت بهم الطاحونة، وجُرح من المسلمين زهاء أربعة آلاف. وقُتل خالد بن سعيد بن العاص، وقاتلت يومئذٍ امرأة

____________________

(1) تاريخ خليفة 79 - 80، وفتوح البلدان 120 - 121، والفتوح 1: 132 - 147، ومختصر تاريخ دمشق 1: 201.

١١٣

خالد فقتلت سبعة نفر. وولّت الروم منهزمين إلى دمشق وبيت المقدس(1) .

يوم فِحْل

كانت وقعة فِحْل من الأُردنّ، لليلتين بقيتا من ذي الحجّة بعد خلافة عمر بخمسة أشهر(2) .

وأمير الناس يومئذ أبو عبيدة عارم بن الجرّاح، وكان عمر قد كتب إليه بولايته الشام وإمرة الأُمراء وعزل خالد بن الوليد عن ذلك، ويقال: إنّ ولايته أتته في الحرب والناس محاصرون دمشق فكتمها خالداً أيّاماً؛ لأنّ خالداً كان أمير النّاس في الحرب وكان سبب هذه الوقعة أنّ هِرَقْل لمّا صار إلى أنطاكية استنفر الرّوم (وأهل الجزيرة) وبعث إليهم رجلاً من خاصّته وثقاته في نفسه فلقوا المسلمين بفِحْل من الأُردنّ، فقاتلوهم أشدّ القتال وأبرحه حتّى أظهرهم الله عليهم، وقُتل بطريقهم، وزهاء عشرة آلاف معه، وتفرّق الباقون في مدن الشّام ولحق بعضم بهِرقَلْ. وتحصّن أهل (فِحْل)، فحصرهم المسلمون حتّى سألوا الأمان على أداء الجزية عن رؤوسهم والخراج عن أرضهم، فأمنوهم على أنفسهم وأموالهم وأن لا تُهدم حيطانُهم. وتولّى عقْدَ ذلك أبو عبيدة بن الجرّاح، ويقال:

____________________

(1) تاريخ خليفة 80، والفتوح 1: 150، وفتوح البلدان 125، وتاريخ الطبري 3: 96، ومختصر تاريخ دمشق 1: 201. وقد خالف البلاذريّ في تاريخ الوقعة فقال: أوّل المحرّم سنة أربع عشرة. أمّا الطبريّ فذكرها في أحداث سنة خمس عشرة.

(2) فتوح البلدان 122.

١١٤

تولاّه شُرَحبيل بن حسنة(1) .

وقد ذكرنا أنّ الوقعة كانت سنة ثلاث عشرة، إلاّ أنّ هناك رواية عن ابن الكلبيّ تقول أنّ وقعة «فِحْل» كانت يوم السبت لثمانٍ بقين من ذي الحجّة سنة أربع عشرة(2) . وعن ابن إسحاق قال: صالح أبو عبيدة في رجب.(3)

وقعة اليرموك

كانت وقعة اليرموك من أشدّ الوقائع التي شهدتها الشام. كانت الوقعة يوم الإثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. واليرموك نهر من أنهار الأردنّ.

بعد استيلاء المسلمين على مدينة حِمص، نزل بملك الرّوم همّ شديد، فجمع للمسلمين جمعاً لم يُرَ مثله، فقد قيل إنّ عدد الرّوم ومَن والاهم كانوا ثلاثمائة ألف، وقيل أربعمائة ألف فارس وراجل وأمّا المسلمون فلم يزد عددهم على خمسة وأربعين ألفاً. ونزل الرّوم على نهر اليرموك وعليهم وزير الملك يقال له «ماهان» من أهل فارس تنصّر وانضمّ إلى الرّوم. وكان مع الرّوم جَبَلة بن الأَيْهم الغسّانيّ في مستعربة الشام من لَخْم وجُذام وغيرهم.

ولما بلغ المسلمين ما جمع لهم هِرقَل من الجموع ردّوا على أهل حمص ما

____________________

(1) تاريخ خليفة 80، وفتوح البلدان 122، والفتوح 1: 189 - 195.

(2) تاريخ خليفة 85.

(3) نفسه.

١١٥

كانوا أخذوا منهم من الخراج وقالوا: قد شُغلنا عن نُصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم فقال أهل حمص: لَولايَتُكم وعدلُكم احبُّ إلينا ممّا كنّا فيه من الظلم والغَشم، ولَندفعنّ جند هِرقَل مع عاملكم. ونهض اليهود، فقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هِرقَل مدينة حمص إلاّ أن نُغلب ونجهد، فأغلقوا الأبواب وحرسوها. وعبّى الجمعان صفوفهما، وجعل أبو عبيدة النساء ومعهن الأطفال والصغار على التلّ وقال لهنّ: خُذن بأيديكنّ أعمدة السيوف وأعمدة البيوت والفساطيط، واجمعن الحجارة بين أيديكنّ، وحرّضن المؤمنين على قتال المشركين. ووقف أبو عبيدة في القلب تحت رايته، وكان على الدراجة شُرحبيل بن حَسَنة، وعلى الميمنة يزيد بن أبي سفيان، وعلى جناح الميسرة قيس بن هبيرة المراديّ. ثمّ خرج معاذ بن جبلة ففعل مثله. وكان قد انفرد من عظماء الرّوم وفرسانهم ثلاثون ألفاً، حفروا لهم حفائر ونزلوا فيها وشدّوا خيلهم بالسلاسل، واقترن كلّ عشرة في سلسلة وحلفوا بعيسى ومريم والصليب ان لا ينهزموا أو يقتلوا العرب عن آخرهم.

والتحم الجيشان في معركة قلّ نظيرها، فقُتل «جرجيس» أمير من أمراء الرّوم، قتله أبو عبيدة بن الجرّاح. فلمّا رأى «ماهان» أنّ جرجيس قد قُتل، برز بنفسه فقتل اثنين من المسلمين ثمّ برز إليه مالك بن الحارث النَّخعيّ فضربه فلمّا أحسّ بحرارة الضربة ولم تكن قاتلة ولّى منهزماً. ثمّ حمل الأمراء بمَن معهم بالتكبير والتهليل والنكشفت الروم منهزمة وأخذهم السيف من ورائهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ووقع في الأسر أعداد هائلة وغرق منهم في الماء أُمم لا تُحصى

١١٦

وغنم المسلمون غنائم كثيرة. فلمّا أصبحوا لم يجدوا من الروم أحداً، وأراد أبو عبيدة أن يُحصي عدد القتلى من الروم فلم يقدر أن يحصي ذلك إلاّ بالقصب، فجعل على كلّ ألفٍ قصبة، وعدّ القصب فكان عدد القتلى مائة ألف وخمسة آلاف، وأسروا أربعين ألفاً. وقُتل من المسلمين أربعة آلاف ونيف. وانبثّ المسلمون في الجبال والأودية يطلبون الروم حتّى أدركوا ماهان في أربعين ألف فارس متوجّهاً إلى حمص، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وقتلوا ماهان.

ولمّا بلغ هِرقَل خبر أهل اليرموك هرب من أنطاكية إلى قسطنطينيّة، فلمّا جاوز الدرب قال: عليكِ يا سورية السلام ونعم البلد هذا للعدوّ، يعني أرض الشام لكثرة مراعيها(1) .

فتح دمشق

سنة أربع عشرة، سار أبو عبيدة بن الجرّاح ومعه خالد بن الوليد فأحاطوا بدمشق.

قال خليفة بسنده: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم على أن لا يُمنعوا من أعيادهم ولا يُهدم شيء من كنائسهم. صالح على ذلك أهل المدينة، وأخذ سائر الأرض عنوة(2) .

____________________

(1) تاريخ خليفة 89، وفتوح البلدان: 140 - 143، والفتوح 1: 218 - 271، وتاريخ الطبري 590 - 628، ومختصر تاريخ دمشق 1: 212 - 223.

(2) تاريخ خليفة 84.

١١٧

قال: قال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنصف من رجب سنة أربع عشرة، صالحهم أبو عبيدة(1) .

وراح أبو عبيدة يبثّ البعوث لفتح الشّامات، فافتتح شرحبيل بن حسنة الأُردن كلّها عنوةً ما خلا طبريّة فإنّ أهلها صالحوه وذلك بأمرِ أبي عبيدة، وذلك سنة خمس عشرة. وفيها بعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع وصالحه أهل بعلبك وكتب لهم كتاباً. صالحهم على أنصاف منازلهم وكنائسهم ووضع الخراج.(2)

ثمّ خرج أبو عبيدة يريد حِمْص، وقدّم خالداً أمامه فقاتلوه قتالاً شديداً، ثمّ هُزمت الرّوم حتّى دخلوا مدينتهم، فحصرهم فسألوه الصلح على أموالهم وأنفسهم وكنائسهم وعلى أرض حمص على مائة ألف دينار وسبعين ألف دينار.

وحدّثني عبد الله بن مغيرة عن أبيه قال: صالحهم أبو عبيدة على المدينة على ما صالحهم عليه أهل دمشق وأخذ سائر مدائنهم عنوةً(3) .

وبعث أبو عبيدة بعد حمص خالد بن الوليد إلى «قِنَّسرين» فزحف إليه الرُّوم وعليهم «مِيناس» وهو رأس الرّوم وأعظمهم بعد هِرقَل، فالتقوا بالحاضر(4) ، فقُتل ميناس ومَن معه مقتلةً عظيمةً لم يُقتلوا مثلها. فأمّا الرّوم فماتوا على دمه حتّى لم

____________________

(1) نفسه 85، ومختصر تاريخ دمشق 1: 202.

(2) تاريخ خليفة 88، ومختصر تاريخ دمشق 1: 211.

(3) تاريخ خليفة، مصدر سابق، وتاريخ الطبري 3: 98.

(4) الحاضر: قريب من حلب يجمع أصنافاً من العرب. (معجم البلدان 2: 206).

١١٨

يبق منهم أحد! وأمّا أهل الحاضر فأرسلوا إلى خالد فعقد لهم على إخراب المدينة فأخربها(1) .

وذكر خليفة أنّ أبا عبيدة بعث عمرو بن العاصي بعد فراغه من اليرموك إلى قِنَّسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية، وافتتح سائر أرض قِنَّسرين عنوةً.

وذلك سنة ست عشرة(2) .

وفي سنة ثمان عشرة وجّه أبوعبيدة البعوث إلى الجزيرة، ففُتحت حَرَّان ونَصيبين وطوائف الجزيرة والرُّهَا وسُمَيساط ...؛ وقد ذكرنا تفصيل ذلك في أوّل الفصل هذا لانتساب ابن تَيمِيه إلى تلك الديار، ومن ثَمّ إلى حَرَّان، وقادنا البحث إلى تتبّع مواطن نشأته فكان بعد حَرَّان: الشّام؛ وثَمّة موطن لابدّ من الحديث عنه لأنّ ابن تَيمِيه أمضى فيه بعضاً من عمره وتأثّر بأحداثه، ذلك هو مصر.

فتح مصر

سنة عشرين كتب عمر إلى عمرو بن العاصي أن سر إلى مصر، فسار وبعث عمر الزبير بن العوّام وبُسر بن أبي أرطاة وعُمير الجُمَحيّ مدَداً لعمرو، ففتحوا مصر والإسكندرية عنوةً بعد قتال شديد(3) .

____________________

(1) الطبريّ 3: 98، وتاريخ ابن الورديّ 1: 137، قالا: سنة خمس عشرة. وتاريخ خليفة 1: 137 وقال: سنة ست عشرة.

(2) تاريخ خليفة 93.

(3) تاريخ خليفة 100 - 101، وفتوح البلدان 214 - 225، وتاريخ الطبري 3: 195 - 199، وتاريخ ابن الوردي 1: 141.

١١٩

ولاة عمر: توفّي عمر بن الخطّاب وواليه على مصر هو عمرو بن العاص وعلى الشام جميعاً معاوية بن أبي سفيان!؛ وكان على الجزيرة عياض بن غَنْم الذي بعثه أبو عبيدة ففتحها، على ما ذكرنا، فلمّا توفّي صارت الجزيرة تابعة لمعاوية وخلَفِه(1) ...

ولمّا انتهى الأمر إلى عثمان بن عفّان جعل ولاة الأمصار الإسلاميّة جميعاً من بني أُميّة وآل مروان ممّا أدّى إلى ثورة الأقاليم الإسلاميّة انتهت بقتل عثمان.

الخليفة يعزّي أبا سفيان

ذكر البلاذريّ: «ولما توفّي يزيد بن أبي سفيان كتب عمر إلى معاوية بتوليته ما كان يتولاّه فشكر أبوسفيان ذلك له وقال: وصِلَتُك يا أمير المؤمنين رحم!»(2) .

وفي تاريخ ابن عساكر: «وعزّى عمر أبا سفيان بابنه يزيد، فقال له أبوسفيان: مَن جعلتَ على عمله؟ قال: جعلتُ أخاه معاوية؛ وابناك مصلحان، ولا يحلُّ لنا أن ننزع مصلحاً!»(3) .

ويبدو أن الخليفة كان مفتتناً بمعاوية: «كان عمر بن الخطّاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب»(4) .

____________________

(1) تاريخ خليفة 112، وتاريخ الطبري 3: 303، ومختصر تاريخ دمشق 25: 17.

(2) فتوح البلدان 146.

(3) مختصر تاريخ دمشق 25: 18.

(4) أنساب الأشراف 5: 155، ومختصر تاريخ دمشق 25: 19.

١٢٠