ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 117585
تحميل: 5803


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117585 / تحميل: 5803
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والسلام؟!

أفرسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحقُّ أن تتَّبعوا سُنَّتَهُ؟ أم سُنّةَ عُمر(1)

وللشافعيّ في ذلك قول قاطع، قال:

لقد ضَلّ مَنْ ترك قولَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقولِ مَن بعده(2) . وقال ابن حزم: ومن جاءه خبرٌ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يُقرُّ أنّه صحيح، وأنّ الحجّة تقوم بمثله، أو قد صحّح مثل ذلك الخبر في مكان آخر، ثمّ ترك مثله في هذا المكان، لقياسٍ، أو لقولِ فلان وفلان؛ فقد خالفَ أمر الله ورسوله، واستحقّ الفتنة، والعذاب الأليم(3) .

وقال الدكتور عبد الغني عبد الخالق: لا يصحّ لنا أن نقول بالتعارض بين قول صحابيٍّ، وبين قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والإجماع، فإنّهما مقدّمان عندنا.

وقال: إنّ عملَ الصحابيّ، أو قوله، ليس بحجّة(4) .

أساليب عمر في المنع

«قال قرظة بن كعب: بَعَثنا عمرُ بن الخطّاب إلى الكوفة، وشيَّعَنا إلى موضع قرب المدينة، يقال له: «صِرَار»، وقال: أتدرون لِمَ شيّعتُكم، أو مشيت معكم؟

قال: قلنا: نعم؛ لِحَقِّ صُحبة رسول الله، أو: نحنُ أصحابُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(1) مسند أحمد - طبعة شاكر - 8: 77/ 5700. وإسناده صحيح ونقله ابن كثير في البداية والنهاية 5: 141، السنّة قبل التدوين: 90.

(2) الفقيه والمتفقّه 1: 149.

(3) الأحكام، لابن حزم 1: 98.

(4) حجيّة السنّة، عبد الغني عبد الخالق: 465.

١٨١

ولِحَقِّ الأنصار.

قال عمر: لكنّي مشيتُ معكم لحديثٍ أردتُ أن أُحدّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم: إنّكم تُقْدِمون على قوم، أو تأتون قوماً تهتزُّ ألسنتُهم بالقرآن اهتزازَ النَخْل - أو: للقرآن في صدورهم هَزيرٌ كهزير المِرْجَل، أو: لهم دَوِيّ بالقرآن كدويّ النَّحْل - فإذا رأوكم مَدّوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحابُ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله - أو: فيأتونكم، فيسألونكم عن الحديث -؟

فأقلّوا الرواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا شريكُكم(1) !

وفي المستدرك على الصحيحين، بسنده عن قرظة بن كعب قال:

خرجنا نريد العراق، فمشى معنا عمر بن الخطّاب إلى صِرَار، فتوضّأ ثمّ قال: لِمَ مشيت معكم؟ قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مشيت معنا، قال: إنّكم تأتون أهل قرية لهم دَويّ بالقرآن كَدَويّ النحْل، فلا تبدونهم بالأحاديث فيشغلونكم، جَرّدوا القرآنَ، وأقلّوا الرّواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمضوا وأنا شريككم. فلمّا قدم قرظة قالوا: حدّثنا، قال: نهانا ابن الخطّاب.

هذا حديث صحيح الإسناد له طُرُق تُجمع ويُذاكر بها، وقرظة بن كعب الأنصاري صحابيّ سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن شرطنا في الصحابة أن لا

____________________

(1) ذكرناه بألفاظه المختلفة من مصادره:

طبقات ابن سعد: 6، سنن الدارمي 1: 73 ح 285 و 286، سنن ابن ماجة 1: 12 ح 28، باب التّوقّي في الحديث، شرف أصحاب الحديث، للخطيب: 92، جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البرّ 2: 120، تذكرة الحفّاظ 1: 7، كنز العمّال 2: 284 - 285/رقم 4017.

١٨٢

نطويهم، وأمّا سائر رواته فقد احتجّا به(1) .

عجب! أُناس لهم دَويّ بالقرآن كَدَويّ النّحل، فلماذا أرسل عمر إليهم عدداً من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ألاَ يكفيهم كتاب الله تعالى أم أنّهم مفتقرون إلى من صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلِم سننه ممّا ليس في القرآن الكريم، وسمعوا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله تفصيل المـُجْمَل من كتاب الله تعالى؛ فهم بهذا حملة قرآن كريم وحديث شريف، فلِمَ النهي الشديد عن حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدخول من قِبَلِ صاحب الأريكة في شراكة مع وفده في ذلك المنع؟! وما هذا التعلّل بتجريد القرآن؟! أي أن لا يتحدّثوا بأحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لئلاّ يختلط بالقرآن!!

قومٌ ليسوا من البربر ولا أقاصي الصين والهند، إنّما هم جمجمة العرب وأشهر أمصارها «الكوفة» حاضرة العلم والفقهاء وبعد: فهم قوم لهم دَويّ بالقرآن كَدَويّ النَحْل - بوصف عمر -، فكيف والحال هذه يغيب عليهم ما هو من القرآن أو من غيره؟

والقرآن جاء معجزاً ببلاغته ولفظه، فكيف يجاريه حديث بشر حتّى وإن كان من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! إنّ القرآن الكريم الذي بأيدي الصحابة وبأيدي أولئك الذين لهم دَويّ بالقرآن كَدَويّ النَّحْل؛ القرآن هو نفس القرآن الذي بأيدينا اليوم، وسيبقى نفسه إذ تكفّل الله تعالى بحفظه حتّى قيام الساعة:( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (2) .

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 1: 183/347. قال في التلخيص ذيل المصدر: صحيح وله طرق.

(2) الحِجْر: 9.

١٨٣

فالقرآن غير الكتب السابقة التي امتدّت إليها يدُ التحريف والتغيير وأمّا القرآن فالإجماع حاصل على أنّه لم تزد فيه سورة ولا آية، بل ولا كلمة ولا نقطة؛ ولم يسقط منه شيء من كلّ ذلك، فهو معصوم بمشيئة الله تعالى.

إلاّ أن يكون مصحف الفاروق عمر فيه اختلاف وزيادات غابت عن أهل الكوفة وغيرهم وثبتت في مصحفه لعنايته الفائقة بالقرآن، فأراد أن يفيدهم بها - هذا في أحسن الظنّ -، فضلاً عن سوء ظنّه بالنّاس! وأنّهم سيعرض لهم ما عرض له - أي لعمر - من تجربة التهوّك، فنهره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على رؤوس الأشهاد أَخْذَه من اليهود ونبّهه أن لا يعود لمثل ذلك ولا يُلبس القرآن بغيره ممّا يجده بأيدي اليهود، لا بأحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ الأخيرة لفظها مُباين لألفاظ أهل الكتاب، ولأنّ الصحابة قد سمعوها وميّزوها، وسيأتي الكلام عن التهوّك.

مُصحف عمر بن الخطّاب

عن سعيد بن المسيّب قال: لمّا أفاض عمر من مِنْى أناخ بالأبطح فكوّم كَوْمة من بطحاء وطرح عليها طرف ثوبه ثمّ استلقى عليها ورفع يديه إلى السماء وقال: اللّهمّ كبُرتْ سِنّي وضعُفت قوّتي وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غيرَ مضيِّع ولا مفرِّط. فلمّا قدم المدينة خطبَ الناس فقال: أيّها الناس، قد فُرضت لكم الفرائض وسُنّتْ لكم السُّنن وتُركتم على الواضحة، ثمّ صفَقَ يمينه على شماله، وقال: إلاّ أنْ تضلّوا بالناس يميناً وشمالاً، ثمّ إيّاكم ان تهلِكوا عن آية الرجم وأنْ يقول قائل: لا نُحَدّ حَدّين في كتاب الله، فقد رأيت رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله ]

١٨٤

رجم ورجمنا بعده، فواللهِ لو لا أن يقول الناس أحدثَ عمرُ في كتاب الله، لكتبتها في المـُصحف، فقد قرأناها، والشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما البتّة. قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجّة حتّى طُعن(1) .

إنّ عمر يؤكّد على مسألة خطرة تلك هي نقصان القرآن الكريم من آية فتعطّل بذلك حكم من أحكام الشريعة!

وإذا كان قد ذكر هنا أنّه قد سقطت من القرآن آية واحدة، فإنّه ذكر أنّ كثيراً من القرآن قد سقط!

«أخرج عبد الرزّاق في المصنّف عن ابن عبّاس قال: أمر عمر بن الخطّاب مناديه فنادى أنّ الصلاة جامعة، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أيّها الناس، لا تجزعُنّ من آية الرَّجْم، فإنّها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها، ولكنّها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمّد(2) !!

وهنا المصيبة أعظم وأدعى من وجهين أوّلهما:

أنّه لم يكتفِ بالتشكيك بصحّة القرآن الكريم وأنّه على حاله الذي أنزله الوحي الكريم وتكفّله الربّ العظيم، فلم يشبع رغبته في ذلك آية الرجم المزعومة، وإنّما ذهب إلى القول: لكنّها ذهبت في قرآن كثير! ولم يحدّد هذا الكثير ممّا يفتح الباب لمن يزعم بعده أنّ هذا كان من القرآن وقد سقط، ويأتي بكلامٍ من عنده!

____________________

(1) طبقات ابن سعد 3: 255.

(2) الدرّ المنثور 5: 179.

١٨٥

ومسألة أخرى: أنّه لم يذكر من هذا الكثير الذي كان من القرآن الكريم ثمّ سقط إلاّ آية الرجم للشيخ والشيخة، وما ذكره من سقوط سورتين من القرآن!! وتحريفه لنصّ آية - سنأتي على ذلك -؛ فلو أنّه ذكر ذلك الكثير أو الكثير من الكثير، فلعلّه أفاد المسلمين بذلك؟!

واعتراض آخر: أين غاب طليعة السبق إلى الإسلام، وأوّل سابق هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي تربّى في حِجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يفارقه ليلة الخميس فيلتحق في صفّ أهل السقيفة التي وطّأت الأمر لأهل «الأريكة»، وكانعليه‌السلام يسمع الوحي ويراه إلاّ أنّه ليس بنبيّ كما قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . هلاّ سمع وسمع صاحبه «أبوبكر» وأفاضل الصحابة ما سمعه عمر؟!

الطّامّة العظمى: وكما أنّ عمر كان من المتهوّكين كما قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ كان من المفتتنين بأهل الكتاب وأحضر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نُسخاً من كتبهم أعجبته فنهره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغضب - يأتي بيانه -، وأنّه هدم ركن النبوّة كما ذكرنا في أكثر من موضع من ذلك يوم أُحد حينما كان مع طلحة ومجموعة فلمّا سُئلوا قالوا: قُتل محمّد! ويوم الرزيّة وما أحدثه من الجَلَبة في معارضته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابة الكتاب وقوله: إن الرجل لَيَهْجُر، أي يهذي لا يدري ما يقول - معاذ الله -، وكما سمّاه وجماعته «محمّد»! من غير أن يكلّفوا أنفسهم أن يقولوا: قُتل رسول الله، أو قُتل نبيّ الله؛ فهو هنا أيضاً سلك ذات المسلك، فإنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل جاء بشيء اسمه قرآن فلمّا ذهب؛ وهذه لا تخلو من سوء، فهي تعني انتهى أمره ...؛ ذهب معه كثير ممّا جاء به من قرآن!.

١٨٦

وممّا جاء في مصحف عمر: ما ذكره في كنز العمّال، من مسند عمر، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: قال عمر لعبد الرحمان بن عَوْف: ألَم نجد فيما أُنزل علينا أن (جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة)؟، فإنّا لم نجدها، قال: أُسقط من القرآن(1) !.

غفرانك ربَّنا أن نقول ما قالوا، ونبرأ إليك من ذلك.

ومن ذلك: عن عَدي بن عَدي بن عَميرة بن فَرْوة(2) عن أبيه عن جدّه، أنّ عمر بن الخطّاب قال لأبي: أوَ ليسَ كنّا نقرأ من كتاب الله: أنّ انتفاءكم من آبائكم كفرٌ؟ فقال: بلى، ثمّ قال: أوّ ليسَ كنّا نقرأ: الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحجر؟ فُقد فيما فقدنا من كتاب الله؟ قال: بلى(3) .

آيةٌ أُخرى

وأخرج في كنز العمّال «من مسند عمر» عن حذيفة، قال: قال عمر بن الخطّاب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلتُ: اثنتين أو ثلاثاً وسبعين، قال: كانت

____________________

(1) كنز العمّال 2: 567/4741.

(2) ذكره العجليّ فقال: ثقة (تاريخ الثقات: 330/ 1116). عمل لمر بن عبد العزيز مات سنة (120). تاريخ البخاري الكبير (4: 1: 44) والثقات، لابن حبّان 5: 270، الجرح والتعديل: 7/ الترجمة 6،

(3) كنز العمّال 6: 208/ 37215.

١٨٧

لتقارب سورة البقرة، وإن كان فيها آية الرَّجْم(1) . ومثله ذكر ابن مَرْدَويه بسنده عن حُذيفة(2) .

وعن زِرّ - بن حُبَيْش، قال: قال لي أُبي بن كعب: يا زِرّ، كأيّن تقرأ سورة الأحزاب؟ قلتُ ثلاثاً وسبعين آية، قال: إن كانت لتضاهي سورة البقرة، أو هي أطول من سورة البقرة، وإن كنّا لنقرأ فيها آية الرَّجْم. وفي لفظ آخر في آخرها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالاً من الله. واللهُ عزيزٌ حكيم. فرفع فيما رُفع(3) .

وعن عمر قال: قرأ رجلان من الأنصار سورةً أقرأهما رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكانا يقرآن بها فقاما يقرآن بها ذاتَ ليلة يصلّيان، فلم يقدرا على حرفٍ منها، فأصبحا غاديين على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرا ذلك له فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّهما ممّا نُسخ أو نُسيَ فالْهَوا عنها(4) .

وقد شايعه ابنُه عبد الله مع اختلاف في آخره، قال: وأُنسي. رواه الطبراني في الأوسط(5) .

____________________

(1) نفسه 2: 480/4550، مسند أحمد 5: 132؛ المستدرك على الصحيحين 2: 415، و 4: 359، سنن البيهقي 8: 211.

(2) نفسه.

(3) نفسه: 567.

(4) مجمع الزوائد 6: 315.

(5) نفسه 7: 156.

١٨٨

تحريفُ كتاب الله عزّ وجلّ

أنزل الله تعالى القرآن العظيم وتكفّل حفظَه وصَوْته من التحريف الذي مارسه اليهودُ والنصارى وغيرُهم بما أنزل الله عزّ وجلّ:( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) ،( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) (2) ،( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (3) فالقرآن الكريم نزل به جبريل الأمين على النبيّ الصادق الأمين من لَدُن حَكيمٍ في أقواله، خبير بعواقب الأُمور. فآياته محكمة في لفظها، مصونة من أيّ دخَل؛ مفصّلة في معناها، فهو كامل صورةً ومعنىً، ولذا بقي على الصورة التي نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رغم محاولات البعض العبث ببعض ألفاظه فذهبت محاولاتهم هباءً منثوراً.

محاولات البعض: من طُرُقٍ مختلفة، أنّ عمر بن الخطّاب كان يقرأ «فاسعوا» في سورة الجمعة «فامضوا».

ذكر مالك في الموطّأ، قال: حدّثني يحيى عن مالك أنّه سأل ابن شهاب - الزهريّ - عن قول الله عزّ وجلّ( يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى‏ ذِكْرِ اللّهِ ) (4) الآية؛ فقال ابن شهاب: كان عمرُ بن الخطّاب يقرؤها: إذا

____________________

(1) الحِجْر: 9.

(2) يونس: 1.

(3) هود: 1.

(4) الجُمعة: 9.

١٨٩

نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله.(1)

ومثله ذكر البخاري(2) .

وأخرج الطبريّ بسنده، قال: حدّثنا عبد الحميد بن بيان السكّريّ، قال: أخبرنا سفيان، عن الزُهريّ، عن سالم - بن عبد الله بن عمر -، عن أبيه، قال: ما سمعتُ عمر يقرؤها قطّ إلاّ فامضوا(3) .

والطبريّ: حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن عَديّ، عن شُعبة، قال: أخبرني مغيرة، عن إبراهيم أنّه قيل لعمر: إنّ أُبيًّا يقرؤها: «فاسعوا»، قال: أما إنّه أقرؤنا وأعلمـُنا بالمنسوخ، وإنّما هي «فامضوا»(4) .

هذا بعضُ ما ورد عن عمر بشأن القرآن؛ فجمع بذلك أمرين:

الأوّل: هو المنع من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومارسه عمليّاً بجمع كتب الحديث لدى الناس فأحرقها، ففُقد بذلك كثير من أحكام الله تعالى!.

والثاني: نسبته إلى القرآن ما ليس منه، وتحديّه للهِ تعالى بهتكه حُرمة القرآن الكريم، بزعمه سقوط الكثير منه، فخالف بذا وذا قول الله تعالى بتكلّفه صَوْن القرآن وحفظه.

ولعلّ ما كان من عمر بشأن القرآن هو الذي شجّع غيره على ممارسة

____________________

(1) المـُوطّأ، لمالك 1: 106/13.

(2) صحيح البخاري 1: 106/13 - باب تفسير القرآن -.

(3) تفسير الطبريّ 27: 127/26428.

(4) نفسه/26429.

١٩٠

إساءاتٍ في تحريف بعض آيات القرآن المبين؛ أو تأييد قول عمر، وقد ذكرنا قول أُبيّ بن كعب: إنّ سورة الأحزاب كانت أطول من سورة البقرة، ثمّ زعم أنّ آية الرَّجْم منها؛ وهو قول عمر، ثمّ قرأ آيةً مفتعلة.

وذكرنا تأييد ابن عمر لأبيه في زعمه أنّ سورتين من القرآن نُسختا أو نُسيتا.

أُمّهات المؤمنين يُحرّفن آية

حدّث يحيى بن يحيى التميميّ، قال: قرأتُ على مالك عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت: إذا بلغتَ هذه الآية فآذنّي:( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى ) (1) ، فلمّا بلغتُها آذنتُها فأملت عليَّ «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين» قالت عائشة: سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

وبسندين عن أمّ حميد بنت عبد الرحمان، أنّها سألت عائشة عن الصلاة الوسطى، قالت: كنّا نقرؤها في الحرف الأوّل عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، «وحافظوا على الصلوات الوسطى صلاةِ العصر وقوموا لله قانتين»(3) .

____________________

(1) البقرة: 238.

(2) تفسير الطبريّ 2: 665، و 675.

(3) نفسه 2: 665.

١٩١

وعن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن حَفْصة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها قالت لكاتبِ مصحفها: إذا بلغتَ مواقيتَ الصلاة فأخبرني حتّى أُخبرك بما سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أخبرها، قالت: اكتب، فإنّي سمعتُ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله - يقول: «وحافظوا على الصّلاة والصّلاة الوسطى وهي العصر»(1) .

أيضاً عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، أن حَفْصة أمرت مولىً لها أن يكتب مصحفاً فقالت: إذا بلغت هذه الآية( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى ) فلا تكتبها حتّى أمليها عليك! كما سمعتُ رسول الله يقرؤها، فلمّا بلغها أمرته فكتبها «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر». قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدتُ فيه الواو(2) .

ومن الصحابة ممّن اقتدى بأُمّهات المؤمنين ثمّ رجع عن ذلك:

البَراءُ بن عازِب، قال: نزلت هذه الآية «حافظوا على الصلوات والصلاة العصر»، قال: فقرأتُها على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نقرأها، ثمّ إنّ الله نسخها فأنزل:( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى ) (3) .

أحاديث التهوّك

كان من المبرّرات التي احتجّ بها عن لمنع تدوين الحديث، وشايعه آخرون

____________________

(1) نفسه: 666.

(2) تفسير الطبريّ 2: 274.

(3) نفسه: 673.

١٩٢

على ذلك، هو التخوّف من ترك القرآن والاشتغال بغيره، ذلك قوله: «إنّي كنتُ أردتُ أن أكتب السنن، وإنّي ذكرتُ قوماً كانوا قبلكم كبتوا كتباً فأكبّوا عليها، وتركوا كتابَ الله تعالى، وإنّي - والله - لا ألْبس كتابَ الله بشيءٍ أبداً»(1) .

وكان عبد الله بن مسعود يؤكّد على تبرير المنع بهذا.

عن إبراهيم التميميّ، قال: بلغَ ابنَ مسعود أنّ عند ناسٍ كتاباً يُعجبون به، فلم يزل معهم حتّى أتوه به فمحاه، ثمّ قال: إنّما هلك أهل الكتاب قبلكم أنّهم أقبلوا على كُتب علمائهم، وتركوا كتاب ربّهم(2) .

والرّوايات عن ابن مسعود في هذا الميدان عدّة نكتفي بالرّواية السابقة وما سنذكره من رواية:

عن سليم بن الأسود، قال: كنتُ أجالس أباناً في المسجد، فأتيتُهم ذات يوم، فإذا عندهم صحيفة يقرؤونها، فيها ذِكرٌ، وحمدٌ، وثناءٌ على الله، فأعجبتني، فقلتُ لصاحبها: أعطنيها، فأنسخها.

قال: فإنّي وعدتُ بها رجلاً، فأعدّ صحفك، فإذا فرغ منها، دفعتُها إليك.

فأعددتُ صحفي، فدخلتُ المسجدَ ذات يومٍ، فإذا غلامٌ يتخطّى الخَلْق، يقول: أجيبوا عبد الله بن مسعود في داره.

فانطلق الناس، فذهبتُ معهم، فإذا تلك الصحيفةُ بيدِه، وقال: ألاَ إنّ ما في هذه الصحيفة فتنة، وضلالة، وبِدعة، وإنّما هلك مَن كان قبلكم من أهل الكتب -

____________________

(1) تقييد العلم: 49.

(2) سنن الدارمي 1: 100 ح 475.

١٩٣

باتّباعهم الكتب، وتركهم كتاب الله، وإنّي أُحرّج على رجلٍ يعلم منها شيئاً إلاّ دلّني عليه، فوالذي نفسُ عبد الله بيده، لو أعلم منها صحيفة بدَيْر هندٍ لأتيتُها، ولو مشياً على رجلي، فدعا بماءٍ فغسل تلك الصحيفة(1) .

وروى الدارميّ ذلك، ومحتوى الكتاب في روايته: «سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر». فقال عبد الله: إنّ ما في هذا الكتاب: بدعة، وفتنة، وضلالة، وإنّما أهلك من كان قبلكم هذا وأشباه هذا، إنّهم كتبوها، فاستلذّتها ألسنتُهم واُشربتها قلوبُهم(2) .

وعن أبي موسى الأشعريّ، قال: إنّ بني إسرائيل كتبوا كتاباً واتّبعوه، وتركوا التوراة(3) .

وقد ذكر الخطيبُ البغداديّ هذا التبرير، وقال: فقد ثبت أنّ كراهة مَنْ كره الكتابَ من الصدر الأوّل إنّما هي لئلاّ يُضاهى بكتاب الله تعالى غيره، أو يُشتغل عن القرآن بسواه.

ونُهي عن الكتب القديمة أن تُتّخذ، لأنّه لا يُعرف حقّها من باطلها وصحيحها من فاسدها، مع أنّ القرآن كفى عنها، وصار مهيمناً عليها(4) .

____________________

(1) تقييد العلم: 5 - 65.

(2) سنن الدارمي 1: 102 ح 485.

(3) تقييد العلم: 56.

(4) نفسه: 57.

١٩٤

نقدُ التبرير

أوّلاً: لا يخفى أنّ بعض هذا التبرير حقّ، وبعضه باطلٌ، وقد أراد أصحابه الخلط بينهما؛ فالمفروض في كلامهم أمران:

1 - إنّ ترك القرآن منهيّ عنه، وحرامٌ شرعاً.

وهذا حقّ لا ارتياب فيه.

2 - إن الاشتغال بغير القرآن يؤدّي إلى ترك القرآن، وهو أيضاً حرام، وهذا ليس بإطلاقه صحيحاً، بل:

إن كان الاشتغال بغير القرآن مؤدّياً إلى ترك القرآن، كان حراماً. وإلاّ، فإنْ لم يكن الاشتغالُ بغير القرآن  مؤدّياً إلى ترك القرآن، فهو ليس بحرامٍ قطعاً!

فانظر رحمك الله! مَن جعل الفرض الأوّل، كالفرض الثاني - في الحكم - وإطلاق أنّهما يؤدّيان إلى ترك القرآن، فهو خلطٌ بين حقّ وباطل وإيهام وإغراء قبيح!

ونجدهم قد استعملوا كلمات «الاشتغال» و «الانكباب» و «الانهماك» ليضخّموا ويهوّلوا الأمر ويزيدوه تبشيعاً.

وإلاّ، فليس في مجرّد كتابة شيءٍ من الحديث «اشتغال» أو «انكباب» أو «انهماك» عن القرآن، ولا يؤدّي إلى «ترك» القرآن.

ومن هنا، نجد بشاعة قول ابن مسعود: إنّ الصحيفة المحتوية على قول: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر» بدعة وفتنة وضلالة!! ولماذا، متى كانت هذه الكلمات الأربع باطلة؟! وهي من الأذكار التي جاء بها الإسلام،

١٩٥

ومفرداتها إنّما هي كلماتٌ وجُمَل من القرآن، توحيد لله تعالى وتسبيح وحمدٌ وتكبير؛ فأيّ باطل فيها، وكيف تُؤدّي إلى ترك القرآن؟!

ثانياً: إن ترك القرآن - وهو فعل محرّم باطل عند المسلمين - مَن هو المتّهمُ به من بين المسلمين الذين أرادوا جمع الحديث، وتأليفه، وتدوينه وتقييده؟ وهم في ذلك العصر، بين صحابيّ جليل، أو تابعيّ فاضل، أو مؤمن طالب للعلم الذي هو حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أو كلمة ذكرٍ وثناءٍ وتمجيدٍ لله، كما كان في صحيفة ابن مسعود؟

أليس اتّهام أهل تلك الطبقة، اتّهاماً لأهل خير القرون وهم سلف المسلمين وهتكاً لحرماتهم؟

فلا يبقى مَن يتصوّر أنّ ترك القرآن والاشتغال بغيره بحقّهم، إلاّ القلائل من الشذّاذ الجهلة، أو الذين دخلوا الإسلام طمعاً أو خوفاً، أو بغرض التشويش بين المسلمين كالمتهوّكين، وخاصّة من أهل الديانات الأُخرى وحتّى من الجاهليّة، ممّن لم يكن يرغب في تدوين السنّة وكتابة الحديث قطعاً!

ثالثاً: إنّ ما يؤدّي إلى ترك القرآن من الكتب هو ما كان منافياً للقرآن في أهدافه ومحتوياته، من عقائد، وأحكام، وأخبار. وأشهرها آنذاك كتب الضلالة التي كان يتداولها أهل الكتاب من يهود ونصارى، وهي: التوراة، والإنجيل المحرّفان، وما دار حولهما من أساطير.

وقد جاء التصريح بذلك في أكثر كلمات المانعين بهذا التبرير. فقد ذكر عمر

١٩٦

ذلك - لما أحرق كتب الناس - فقال: اُمنية كاُمنية أهل الكتاب(1) ، أو: مثناة كمثناة أهل الكتاب(2) .

ويلاحظ أنّ كلمة «مشناة» إنّما هو مصطلح يهوديّ عبّروا به عن التوراة المبدّلة المحرّفة، في قبال التوراة التي لم تبدّل، وقد فسّر الكلمة بهذا المعنى أبو نعيم الإصفهاني(3) .

وكان ابن مسعود تلميذ عمر في هذه السياسة لا يتخطّاها. وقد علّق مُرَّة - الذي نقل عن ابن مسعود أنّه محا كتاباً - بقوله: «لو كان من القرآن أو السنّة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب»(4) .

ولا ريب أنّ الاعتماد على كتب أهل الكتاب يؤدّي إلى ترك القرآن، لما بين القرآن وتلك الكتب من التنافي البيّن.

____________________

(1) تقييد العلم: 52.

(2) طبقات ابن سعد 5: 140 - طبع ليدن -، والصواب (مشناه) ويلاحظ أن عمر هو أوّل مَن أطلق (مشناه) على السنّة المحمّديّة والحديث النبويّ، حيث استعملها في مقام تشبيه ما كتبه الناس من الحديث بما كتبه اليهود.

ولاحظ بهذا الصدد: الإسلام عقيدةً وشريعة لمحمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر (492 - 494)، والسنّة النبويّة وعلومها لأحمد عمر هاشم (18 - 19). وعن ارتباطه بالتوراة وسائر الكتب اليهوديّة، وبأحبار اليهود في المصنّف، لعبد الرزّاق (10: 313) وسنن الدارمي (1: 115) وتقييد العلم: 52.

(3) دلائل النبوّة، لأبي نعيم - طبعة حلب: 638، ذيل رقم 428.

(4) سنن الدارمي 1: 102.

١٩٧

فالقرآن جاء ناسخاً لتلك الكتب، والإسلام جاء ناسخاً لتلك الأديان. مع عدم وضوح ما في تلك الكتب من الحقّ والباطل، وكفاية القرآن عن حقّها - كما يقول الخطيب البغداديّ(1) .

ويكون نفس الالتزام بتلك الكتب دليلاً على الضلال، حيث يكون الملتزم بها غير مُعتقدٍ بحقّية القرآن أو بطلان تلك الكتب، أو أنّ ميله إليها وإعجابه بها - على الأقلّ - يكشف عن تردّده في الإسلام، وشكّه في القرآن، وهو «التهوّك» الذي أغضب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحذّر عنه بأساليب، هذه بعض الروايات في ذلك:

1 - روي عن عمر بن الخطّاب أنّه قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّا نسمع أحاديث من يهود، تُعجبنا! أفترى أن نكتبّها؟

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمُتَهوِّكُون أنتم؟ كما تَهَوَّكَتْ اليهودُ والنصارى، لقد جِئْتُكم بها بيضاءَ نقيّةً(2) .

2 - روى الخطيب البغداديّ بسنده، عن عبد الله بن ثابت الأنصاريّ - خادم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - قال: جاء عمر بن الخطّاب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه «جوامع من التوراة» فقال: مررتُ على أخٍ لي من قُريظة، فكتب لي جوامع من التوراة، أفلا أعْرضُها عليك؟

فتغيّر وجهُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الأنصاريّ: أما ترى ما بوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال عمر: رضيتُ باللهِ ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمّدٍ رسولاً.

____________________

(1) تقييد العلم: 57.

(2) تقييد العلم: 57.

١٩٨

فذهب ما كان بوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده لو أنّ موسى أصبحَ فيكم ثمّ اتّبعتموه وتركتموني لَضللتم؛ أنتم حظّي من الأُمم وأنا حظّكم من النبيّين(1) .

وعن بعض المصادر: إنّ الذي ردّ على عمر هو عبد الله بن زيد - الذي اُري الأذان - قال لعمر: أمسَخَ اللهُ عقلك؟ ألا ترى الذي بوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

3 - وقال عمر: انطلقتُ أنا، فانتسختُ كتاباً من أهل الكتاب، ثمّ جئتُ به في أديمٍ.

فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما هذا في يدك يا عمر؟

قلتُ: يا رسول الله، كتابٌ انتسختُه، لنزداد به علماً إلى علمنا! فغضبَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى احمرّت وجنتاه، ثمّ نُودِيَ بـ «الصلاة جامعة».

فقالت الأنصار: أُغضِبَ نبيّكم صلّى الله عليه، السلاحَ السلاحَ، فجاؤوا حتّى أحدقوا بمنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال: يا أيّها الناس، إنّي اُوتيتُ جوامع الكلم وخواتيمه، واختُصر لي اختصاراً، ولقد أتيتُكم بها بيضاء نقيّة، فلا تتهوّكوا، ولا يقربنّكم المتهوّكون. قال عمر: فقمتُ، وقلتُ: رضيتُ بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبك رسولاً! ثمّ نزل رسول

____________________

(1) الأسماء المبهمة، للخطيب: 188 - 189 رقم 95، مجمع الزوائد 1: 174 عن أبي الدرداء. وفي ثلاث روايات برقم 10163 - 10165 - والمعترض على عمر في الثانية (عبد الله بن ثابت).

(2) الأسماء المبهمة، للخطيب البغداديّ: 189، رقم 95.

١٩٩

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

4 - وروى ابن أبي شيبة، بسنده عن جابر: أنّ عمر بن الخطّاب أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبتُ كتاباً حسناً من بعض أهل الكتاب إلى آخره(2) .

5 - روى أبو داود عن أبي قلابة: أنّ عمر مرّ بقوم من اليهود، فسمعهم يذكرون دعاءً من التوراة، فاستحسنه، ثمّ جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يقرؤه، ووجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يتغيّر.

فقال رجل: يا ابن الخطّاب، ألا ترى ما في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فوضع عمر الكتاب.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزّ وجلّ بعثني خاتماً، واُعطيت جوامع الكلم وخواتيمه، واختصر لي الحديث اختصاراً، فلا يُلهِيَنّكم المتهوِّكون؟

قلت لأبي قلابة: ما المتهوّكون؟

قال: المتحيّرون(3) .

6 - ذكر عبد الغني عبد الخالق رواية عن الدارميّ، عن جابر بن عبد الله: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أتاه عمر فقال: إنّا نسمع أحاديث من يهود تُعجبنا، أفَترى أن نكتب بعضها؟

____________________

(1) تقييد العلم: 52، وجامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البرّ 2: 42.

(2) المصنّف، لابن أبي شيبة 9: 47 رقم 6472، مجمع الزوائد 8: 262، جامع بيان العلم 2: 42.

(3) المراسيل، لأبي داود السجستاني 3: 224، رقم 1.

٢٠٠