ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 117782
تحميل: 5814


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117782 / تحميل: 5814
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جُنْدب حتّى شهد مقتل الحسينعليه‌السلام (1) .

وروى أحمد بن بشير عن مسعر بن كدام، قال: كان سَمُرة بن جندب أيّام مسير الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة على شُرطة عبيد الله بن زياد، وكان يحرِّض النّاس على الخروج إلى الحسينعليه‌السلام وقتاله(2) .

وكانت وفاتُه بالبصرة سنة ثمان وخمسين، وقيل: إنّه مات في آخر أيّام معاوية، آخر سنة تسع وخمسين أو أوّل سنة ستّين سقط في قدرٍ مملوءةٍ ماءً حارّاً كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد أصابه فسقط في القدر فمات فكان ذلك تصديقاً لقولِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله له ولأبي هريرة، وثالث معهما «آخركم موتاً في النّار»(3) .

هذه هي سيرة الصحابيّ - كذا! - سَمُرة بن جنْدب: جنديّ مأمور في جيش معاوية، مبتذَل خسيس يُباع ويُشترى بدراهم معدودات! قد خسر الدنيا والآخرة، في الدنيا كزاز، فماء مغليّ، فعذاب البرزخ، فيوم المحشر؛ فأين المفرّ؟! أم تناله شفاعة ابن هند، وابن سُميّة، وابن مرجانة؛ فتمنعه من سقر؟ ثمّ أين حقوق الأبرياء الذين غصبهم أموالهم وقطع رؤوسهم؛ وما مصير شهادته الزور بحقّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ وتحريفه للقرآن مقابل دراهم ابن هند؟! وماذا عن تحريضه وحربه لسيّد شباب أهل الجنّة الإمام السبط الحسينعليه‌السلام ، الذي حربُه

____________________

(1) نفسه.

(2) نفسه 78 - 79.

(3) تهذيب الكمال 12: 123.

٣٢١

حربٌ لرسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ بسندٍ عن السدّيّ عن صبيح مولى أُمّ سَلَمة، عن زيد بن أرقم: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ وفاطمة وحسن وحسينعليهم‌السلام : «أنا حربٌ لمـَنْ حاربكم، سِلمٌ لِمَن سالمكم»(1) .

وعن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: أبصرَ النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وحسناً وحسيناً، فقال: «أنا حربٌ لِمَن حاربتم، سِلمٌ لِمَن سالمتم»(2) . وإنّ معاوية حارب عليّاً أميرَ المؤمنين في سوح القتال بصفّين كما حاربه فكراً بالاجتراء على السنّة الشريفة من خلال وضع أحاديث في تنقيص شخصهعليه‌السلام - ويأبى الله! - وأعدّ لذلك رجالاً ضعاف النفوس اشترى ذممهم كما مرّ بنا. ولم يسلم القرآن الكريم من هذه المحاولات الدنيئة، فلمّا عجز عن تحريف نصّه وقد كفاه سَلَفه بالمزاعم التي أشرنا إليها في القراءات الشاذّة! ومزاعم سقوط آيات بل سورة ...، اكتفى هو بتفسير القرآن الكريم بغير ما أراد الله تعالى، كما وجدنا في قصّة البائس المحترق في الدنيا قبل الآخرة: سَمُرة بن جُنْدب...

____________________

(1) المـُعجم الصغير، للطبرانيّ 2: 3، صحيح الترمذي 2: 319، المستدرك على الصحيحين 3: 149، مسند أحمد بن حنبل 2: 442، تاريخ بغداد 7: 126، سنن ابن ماجة 2: 14، ذخائر العُقبى 25، الرياض النضرة 2: 199، الصواعق المحرقة 112، كنز العمّال 6: 216، مجمع الزوائد 9: 169، الكامل، لابن عدي 2/147، مسند الحَميدي ح 58، المصنّف، لابن أبي شيبة 7/505/64، صحيح مسلم 2: 64، تفسير الطبريّ 30: 171، أنساب الأشراف 1: 383.

(2) مسند أحمد بن حنبل 2: 442، تاريخ بغداد 7: 137، المستدرك على الصحيحين 3: 149، البداية والنهاية 8: 205، مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ 64، كفاية الطّالب 231، ينابيع المودّة 261، مسند أبي يعلى 1/251: 291، شرح السنة، للبغوي 14/14: 3909.

٣٢٢

فلم تذق دمشق آنذاك حلاوة الإيمان رغم وجود عدد من الصحابة الأسبق إسلاماً، والأعمق إيماناً والأكثر وعياً للإسلام وأشدّ حماساً له؛ فإنّ قيوداً تحدّ من حركتهم وتشلّ نشاطهم التربويّ والتعليميّ والتوعويّ هناك؛ منها ما يعود إلى الوالي - وذلك قبل أن يتفرّد بالأريكة والملوكيّة - نفسه الذي لا يسمح بنشر ما يخالف سياسته ولو كان ذلك نصوصاً من القرآن الكريم والسنّة المطهّرة! ومن الأدلّة على ذلك قصّته مع الصحابيّ الجليل خامس الإسلام صادق اللهجة أبي ذرّ الغفاريّ، وتسييره من الشام إلى المدينة، ثمّ يُنفى من هناك إلى صحراء الرَّبَذة ليموت هناك وحيداً في أرضٍ لا يسكنها بشر غيره.

ومن تلك القيود ما كان مصدره عاصمة الخلافة، فحين كانت العاصمة توجّه الصحابة إلى الأمصار، كان يُؤخذ عليهم العهود والمواثيق ألاّ يحدّثوا بشيءٍ من حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . وقد تحدّثنا عن هذه المسألة بتوسّع فيما مضى.

فكان للعامل الثاني أثر كبير في تمادي معاوية في طُغيانه وبلغت به الجرأة وهو الوالي المطلق على الشام أن يترك تجارة الخمر حرّةً ولم يكن في أهلها مَن يُنكر عليه! ولا حتّى من بعضِ مَنْ يدّعون صحابة ممّن حوله؛ ولذا عُدّ فعل الصحابيّ البَدْريّ العقبيّ النقيب عُبادة بن الصامت شاذّاً، لينال جزاءه من عاصمة الخلافة، ذلك أنّهرضي‌الله‌عنه كان في الشام فمرّت قِطارةٌ من الإبل تحمل خمراً، فقال: ما هذه، أزيتٌ؟ قيل: لا، بل خمرٌ يُباع لمعاوية! فأخذ شفرةً من السوق، فقام إليها وأراق ما فيها.

فأرسل معاوية إلى أبي هريرة، وكان هناك، فقال له: ألا تُمسك عنّا أخاك

٣٢٣

عُبادة! فأتاه أبو هريرة فقال: يا عُبادة، ما لَكَ ولمعاوية! ذَرْهُ وما حُمّل.

فقال عُبادة: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطّاعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المـُنكر، وألاّ يأخذنا في الله لومة لائم، فسكت أبو هريرة. فكتب معاوية إلى عثمان بن عفّان: أنّ عُبادة بن الصامت قد أفسد عليَّ الشام!

فكان قرار العاصمة على الأثر بإجلاء عُبادة من دمشق إلى المدينة، حفاظاً على (صلاح الشام)(1) !

وهكذا كلّما ظهر مَن يُنكر فساد والي الشام، هرع الوالي حفاظاً على ولايته وإبقاءً لرعيّته على الصورة التي شرحها وزيره عمرو بن العاص - مرّ بنا - ليتمكن من التسلّط عليهم وإدارتهم كيف شاء! وبالحالة التي تيسّر له الخروج على الإمام الحقّ المفترض الطّاعة الذي عُقدت له البيعة، فلا مانع من ذلك، وليسلك أيّ سبيل يفي له بالمقصد، فليس في مَن حوله مَن يعرف أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التي عدّت الخروج على الإمام العادل كفراً وخروجاً عن الإسلام، وليس فيهم مَن يعرف مَن هو عليّ بن أبي طالب فيتردّد في الخروج عليه.

فمن كلام معاوية حين قدم من الشام إلى المدينة وكانت مضطربةً على عثمان، مخاطباً عمّار بن ياسر في مجلسٍ ضمّ جمعاً من الصحابة قال: يا عمّار، إنّ بالشام مائة ألف فارس كلٌّ يأخذ العطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعُبدانهم، لا يعرفون عليّاً ولا قرابته، ولا عمّاراً ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحبته، ولا

____________________

(1) الرياض النضرة 3: 84، سير أعلام النبلاء 2: 9 - 10.

٣٢٤

طلحة ولا هجرته، ولا يهابون ابن عوفٍ ولا ماله، ولا يتّقون سعداً ولا دعوته(1) .

هذا كلّه وهو ما زال والياً فكيف حال الشام وبعد الذي كان من صفّين وما بعدها وما رافق ذلك من حملات التضليل وقلب الحقائق زادت في بُعد مسلمي الشام آنذاك عن هدى القرآن والسنّة «فنشأوا على النَّصب»(2) - وقد ذكرنا أنّ مراكز النّصب ثلاثة منها الشام، والبصرة، ومرو - لا يعرفون إلاّ معاوية رمزاً للإسلام! وأنّ الباطل والضَّلال في خلافه.

وازداد الأمر ظُلمةً بعد معاوية، فالحاكم الجديد يزيد بن معاوية أشدّ بُعداً من الدين وأهدافه وضروراته وأحكامه؛ فبعد كونه ابن معاوية، المولود في الشام، كان قد نشأ وترعرع بين النّصارى مع أُمّه النّصرانيّة ميسون، إذ كان معاوية قد طلّقها بعد ما أسمعته أبياتاً تُفضّل فيها عيش البادية وزوجاً من بني عمّها على عيش القصور معه، تقول في أوّلها:

لَلُبْسُ عباءَةٍ وتَقَرَّ عيني

أحبّ إليَّ من لبس الشُفوف

وآخرها:

وخرق من بني عمّي ثقيفٍ

أحبّ إليَّ من علجٍ عنيف

من هناك جاء يزيد إلى قصر الحكم، ورغم أنّه عُرف جهاراً بيزيد الخمور واللهو والطيور وملاعبة القرد على «الأريكة» غير أنّه لم يجد من أهل دمشق إلاّ

____________________

(1) الإمامة والسياسة 46.

(2) سير أعلام النبلاء 3: 128 ترجمة معاوية بن أبي سفيان والنَّصْب هو البغض والعداء لعليّ وأهل البيتعليهم‌السلام .

٣٢٥

السمع والطّاعة في الخروج لقتال ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سيّد شباب أهل الجنّة، ذكر ابن أعثم أنّ عدد تجاوز الأربعة آلاف فارساً،(1) وذكر رقماً آخر: عشرون ألفاً. ولمّا عادوا بالرؤوس مرفوعةً على الرماح يتقدّمها رأس السبط الشهيد الحسينعليه‌السلام ، خرج أهل دمشق بالزينة يتبادلون التبريك والتهنأة للفتح على ملكهم.

وحينما انتدبهم ابن ميسون للإيقاع بأهل مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأباحها لهم ثلاث أيّام يفعلون ما يشاؤون، لم يتخلّف أحد، فكانت وقعة الحرّة المنكرة، قتلاً من غير تمييز بين رجل وامرأة، وشيخ وطفل، ونهبوا الأثاث «فهم لُصوص»، ووقعوا على النساء حتّى حبلت ألف امرأة من غير زوج؛ ولم يكن من شفيع لأحد إلاّ أن يشهد على نفسه أنّه عبدٌ قَنّ لأمير يزيد يفعل به ما يشاء!! فإن أبى قُتل ...

وفعلته الثالثة حيث لجأ ابن الزبير إلى بيت الله وسمّى نفسه العائذ، وكان ممكناً لجيش دمشق اليزيدي أن يصبر عليه ويضيّق الخناق حتّى يجبره على الاستسلام، إلاّ أنّ جند الشام هتكوا حرمة بيت الله، فنصبوا المجانيق ورموه بالحجارة والنار فتهدّمت الكعبة واحترقت أستارها وجند الشام يرقصون لفعلهم ذاك.

وآل الأمرُ إلى مروان بن الحكم وبنيه، فلم يكن أحدهم أقلّ نصْباً من سَلَفه، خلا عمر بن عبد العزيز الذي أظهر عدلاً واجتهد في تصحيح المسار، غير

____________________

(1) الفتوح 5: 158.

٣٢٦

أنّ مدّة حكمه القصيرة، وعودة السياسة الأمويّة بعده إلى نهجها الأوّل، قد أجهز على تلك الإصلاحات وبدّد آثارها. فعاشت دمشق أُمويّة أكثر من قرنٍ من الزمن، من تولّي معاوية سنة 20 هـ، و 132 هـ سنة مقتل مروان الحمار على أيدي العبّاسيّين، تعاقب عليها أمويّون قد وصفهم ابن كثير في اُرجوزته، فيقول:

وكلّهم قد كان ناصبيّاً

إلاّ الإمام عمر التقيّا(1)

فنشأ على أيديهم جيلٌ يصفه أبو سَلَمة الأنصاريّ على لسان صاحب له، قال: كنتُ بالشام، فجعلتُ لا أسمعُ أحداً يُسمّى عليّاً ولا حسناً ولا حُسيناً، وإنّما أسمع: معاوية ويزيد والوليد. فمررتُ برجلٍ جالس على باب داره، فاستسقيتُه، فقال: يا حسَن! اسقِه.

فقلتُ له: أَسْمَيتَ حَسَناً؟

فقال: إي والله، إنّ لي أولاداً أسماؤهم: حسن و حسين وجعفر، فإنّ أهل الشام يُسمّون أولادهم بأسماء خلفاء الله، ولا يزال أحدُنا يلعنُ ولدَه ويشتُمه، وإنّما سمّيتُ أولادي بأسماء أعداء الله، فإن لعنتُ فإنّما ألعنُ أعداء الله(2) !

أيّ ناصبيّة هذه، وأيّ جهل مركّب هو: فهو يخاف إن سمّاهم معاوية الملعون على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ويزيد الذنوب والخطايا، والوليد المتهتّك المتقيِّىء في محراب الصلاة خمراً، عنده مقدّسون لا يقع عليهم لعن. وأمّا سيّدا شباب أهل الجنّة وولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعفر الشهيد الذي أبدله الله تعالى

____________________

(1) البداية والنهاية 13: 222.

(2) معجم الأدباء 14: 128، سير أعلام النبلاء 1: 402.

٣٢٧

جناحين بعد أن قُطعت يداه دفاعاً عن الإسلام، فهو يطير بهما في الجنّة، فهؤلاء موضع لعن وسُباب؛ متى شاء هذا الشامي أن يشتمهم نادى واحداً من أبنائه فشتمه!!

ودخل دمشق الحافظ النَّسائي في سنة 302 هـ فوجد أهلها مغالين في بني أُميّة، مُفرطين في النَّصْب، فأثاره ذلك فكتب كتاباً في فضائل أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وأذاعه بينهم، فثاروا عليه يطالبونه أن يكتب نظيره في معاوية، فأجابهم بقوله: لا أجد له فضيلةً إلاّ «لا أشبع اللهُ بطنك»! فضربوه وسحقوه بأقدامهم سحقاً عنيفاً كان سبباً في وفاته.

وقع هذا مع الحافظ الكبير النَّسائي بعد 170 سنةً من سقوط الدولة الأُمويّة!

فدمشق لم تستقم للقيادة العبّاسيّة، بل ظلّت مضطربة عليهم طوال عهدهم، وقامت بها حركات فصلتها عن بغداد العاصمة العبّاسيّة فجاء أحمد بن طولون من مصر ليخمدها فوجد الفرصة مناسبة له لأن يستقلّ بها هو الآخر وينشئ المملكة الطولونيّة في الشام ومصر سنة 266 هـ حتّى أزاحه القرامطة من دمشق سنة 290 هـ، ثمّ هُزموا بعد عامٍ واحد على يد (طغج التركي)، ثمّ انفصلت دمشق مرّة اُخرى على يد (كافور الإخشيدي) العبد الذي حكم مصر و سوريا حكم الجبّارين، وخلفه ابنه أبو الفوارس الغلام ابن الحادية عشرة الذي هُزم سنة 296 هـ على يد (جوهر) القائد الفاطميّ القادم من المغرب لتدخل دمشق تحت الحكم الفاطميّ حتّى سقوطهسنة 567 هـ.

غير أنّ ذلك كلّه لم يغيّر من ولاء دمشق الأُمويّ، فنجد مَنْ يصرّح بأنّ

٣٢٨

النَيل من مروان أو بنيه غلوّ في التشيّع!

تلك كانت صورة دمشق. وأمّا تفصيل حالها في العهود اللاّحقة فيأتي خلال الحديث عن سمات عصر ابن تَيمِيه.

وقبل الحديث عن عصر ابن تَيمِيه وسماته، ينبغي لنا أن نتحدّث عن أمرٍ قد وعدنا الكتابة فيه ولو بما يقتضيه الحال، وهو الجبهة المعارضة لجبهة المنع من كتابة الحديث.

الجبهة المعارضة للمنع

وإذا كانت جبهة الرافضة لكتابة السنّة الشريفة محدودة في الأشخاص الذين ذكرناهم، وتمسّك بها رجال الشجرة الملعونة أشدّ التمسّك، بل وزادوا في الأمر أن فتحوا باباً واسعاً للوضع في الحديث؛ فإنّا وجدنا جبهةً أوسع امتازت في جملة من شخوصها بالعصمة والطهارة، وفي جملة بالصدق والثقة والعدالة، هذه الجبهة أجمعت على التدوين من غير التفات إلى دستور المخالفين، وقد ضمّت بل كان في طليعتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نصّ القرآن الكريم على حُسن الاقتداء به، واتّباع أوامره ونواهيه، فقال تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (1) وقال جلّ وعلا:( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (2) . وجعل طاعة الرسول من طاعة الله تعالى وقَرنَهما في محلٍّ واحد، وأمر المؤمنين بهما،

____________________

(1) الأحزاب: 21.

(2) الحشر: 7.

٣٢٩

فقال تعالى:( ... مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) (1) .

ثمّ جعل ما ينطق به الرسولُ وحياً، وإنْ لم يكن قرآناً، في قوله تبارك اسمُه:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏ * إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحَى ) (2) .

وقد قام الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بأداء المهمّة الرساليّة خَيْرَ قيام، فدعا إلى كلّ ما يرفع من قيمة الإنسان ويسمو به إلى المكارم؛ ومن ذلك الدعوة إلى نبذ الأمّيّة، وإلى تعليم الناس الكتابة والقراءة. وتمثّلت جهوده في هذا الصدد بأشكالٍ منها:

1 - السنّة التقريريّة

كان في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعض الكتّاب، يُمارسون الكتابة في المدينة، منهم: سَعْد ابن الربيع الخزرجيّ(3) . وبشير بن سعد بن ثعلبة(4) .

وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بحاجة ماسّة إلى الكتابة، حيثُ يوجّه رسائل الدعوة إلى الأطراف، ويُراسل الملوك والرؤساء، ويكتب العقود والمعاهدات، فكان من الضروريّ وجود كتّاب مُجيدين لدى حضرته المـُنيفةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

بالإضافة إلى أنّ كتابة القرآن المجيد، كانت تستدعي وجود كتّابٍ مُحسنين.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزاول الكتابة بنفسه - الكتابة

____________________

(1) النساء: 80.

(2) النجم: 3 و 4.

(3) طبقات ابن سعد 3: 522.

(4) نفسه: 531، وتهذيب التهذيب 1: 464.

٣٣٠

والقراءة - بشكل ظهر معه إعجازُ القرآن جليّاً وواضحاً حتّى أُطلق عليه «الأُمّيّ» في القرآن(1) وإنْ كان معنى «الأُمّيّة» والمقصود منها في القرآن أمراً مختَلَفاً فيه إلى حدّ بعيد(2) .

علِمنا أنّ وجودَ مَن يمارس الكتابة عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أمَسِّ الحاجات.

وبالنسبة إلى الحديث الشريف

عن عبد الله بن عمر قال: كان عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُناسٌ من أصحابه، وأنا معهم، وأنا أصغر القوم، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ كَذِبَ عليَّ مُتعمِّداً فَلْيَتبوَّأ مقعدَهُ من النار».

فلمّا خرج القوم قلتُ لهم: كيف تُحدِّثون عن رسول الله، وقد سمِعتُم ما قالَ، وأنتم تَنهمِكونَ في الحديث عن رسول الله؟

قال: فضحِكوا، فقالوا: يا ابنَ أخينا، إنّ كلَّ ما سمِعْنا منه فهو عندنا في كتاب(3) .

فكانوا يكتبون الحديثَ من دون تحرّج، ولو لا معرفتُهم إباحتَه لم يكونوا يفعلون ذلك، مع أنّ جميع ذلك كان بمرأى من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسمعه، بل كان بعضُها بأمرٍ منه وتوجيهٍ، فسكوتُه عليها، وعدم منعه عنها، يدلُّ على رضاه

____________________

(1) الأعراف: 157 و 158.

(2) لاحظ تفسير القرطبي 13: 1 - 353، وكتاب (محمّد وعليّ، وأبناؤه الأوصياء) للشيخ نجم الدين العسكري، ففيه بحث مشبَع عن ذلك.

(3) الكامل، لابن عديّ 1: 36، تقييد العلم 98 (عن عبد الله بن عمرو).

٣٣١

بعملهم.

وهذا ما يُسمّيه علماء الأُصول «السُنّة التقريريّة».

2 - السُنّة الفعليّة

لقد واجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله موضوع الكتابة بشكل إيجابيّ منذ بداية الإسلام، فقام بأعمال تدلّ بوضوح على رغبته الأكيدة في تعميمها، وقد تناقل أهلُ العلم مواقفَ عديدة له نذكر منها:

- أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أدخل الكتابة في قضيّةٍ سياسيّة عسكريّة، حيث جعل فداءَ الأسرى من المشركين، مَن كان يعرفُ منهم الكتابة والقراءة، أن يُعلّمَ كلّ منهم عشَرةً من أولاد المسلمين، فيكون فداؤه ذلك(1) .

روى الماورديّ عن عكرمة أنّه قال: بلغ فِداءُ أهل بَدْرٍ أربعة آلاف، حتّى إنّ الرجل لَيفادي على أنّه يُعلّم الخطّ.

قال الماورديّ: لما هو مستقرٌّ في نفوسهم من عظم خَطَره، وجلالة قَدْره، وظُهور نفعه وأثره.

- وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بعضَ صحابته، بتعليم الخطّ في المدينة، منهم عبد الله بن سعيد ابن العاص، وكان كاتباً مُحسِناً.(2)

- وأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعضَ الصحابة بكتابة الأحاديث الشريفة المسموعة منه، أو سائر أخبار المسلمين وحوادث عصر النبوّة، وخاصّة الأحكام الشرعيّة

____________________

(1) طبقات ابن سعد 20: 22.

(2) الاستيعاب 2: 374.

٣٣٢

والأقضية الصادرة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

- وكذلك أملىصلى‌الله‌عليه‌وآله على بعض أصحابه ما كتبوه من أحاديثه وأقواله. ويمكن أن يعتبر ذلك النواة الأُولى لكتابة الحديث.

ودلالةُ هذه السنّة على جواز التدوين، وإباحته منذ البداية، أقوى من غيرها:

1 - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هوالقائمُ بها، وقد تمّت على يده وتحت إشرافه المباشر.

وهذه أوضح دلالة ممّا تمّ كتابتُه في عصره، وسكوته عليه، وتقريره له.

2 - إنّ السنّة الفعليّة، أقوى دلالةً من القوليّة، لعدم قبولها التأويل، أو التفسير المـُختلَف فيه.

وقد تحقّقت في الأعمال التالية:

1 - صحيفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت عند الإمام عليّعليه‌السلام والمعروفة عند العامّة بـ «صحيفة عليّعليه‌السلام ». قالوا عنها: خبرُ صحيفة عليّعليه‌السلام مشهور(1) .

وهي صحيفةٌ صغيرةٌ تشتمل على العَقْل - مقادير الدّيات - وعلى أحكام فكاك الأسير(2) .

وقد وقفنا على روايات عديدة ذكرت نبأ هذه الصحيفة، منها:

* أخرج البخاري، وغيره، عن أبي جُحيفة، قال:

قلتُ لعليّ [عليه‌السلام ] هل عندكم كتابٌ؟

____________________

(1) السنّة قبل التدوين، لمحمّد عجاج الخطيب 137 و 345.

(2) منهج النقد 46.

٣٣٣

قال: لا، إلاّ كتاب الله، أو فَهْمٌ اُعطيه رجُلٌ، أو ما في هذه.

قال: قلتُ: فما في هذه الصحيفة؟

قال: العَقْلُ، وفِكاك الأسر، وأن لا يُقتل مسلمٌ بكافر(1) .

* وروى أبو حسان الأعرج: أنّ عليّاً كان يأمر بالأمر، فيقالُ: قد فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق اللهُ ورسولُه.

فقيل له: أشيءٌ عَهِده إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال: فقال: ما عَهِدَ إليَّ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً خاصّةً دونَ الناس، إلاّ شيئاً سمِعتُه منه في صحيفة في قِراب سيفي. قال: فلمّا نَزَلْ به حتّى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: مَنْ أحْدَثَ حَدَثاً أو آوى مُحْدِثاً فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ.

وإذا فيها: إنّ إبراهيم حرّمَ مكّةَ، وإنّي اُحرّم مكّة، وإنّي اُحرّم المدينة ما بين حَرّتَيْها وحِماها، لا يُخْتلى خلاها، ولا يُنَفَّرُ صيدُها، ولا يُلْتَقط لُقَطتُها، إلاّ لِمَن أشادَ بها - يعني مُنشداً - ولا يُقْطَعُ شجرُها، إلاّ أن يَعْلِفَ رجلٌ بعيراً، ولا يُحْمَلُ فيها سلاحٌ لقتال. وإذا فيها: المؤمنونَ يكافأ دماؤُهم، ويسعى بِذمَّتِهم أدناهم، وهم يَدٌ على مَنْ سِواهم، ألا، لا يُقتلُ مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهد في

____________________

(1) صحيح البخاري، باب كتاب العلم من كتاب العلم (1/38) كتاب الديات، باب الديّة على العاقلة (9/13)، سنن ابن ماجة 2/887 ح 2658، جامع بيان العلم 1/71.

٣٣٤

عهده(1) .

* وعن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبيه، قال: خَطَبَنا عليّ [عليه‌السلام ]، فقال: مَن زَعمَ أنّ عندنا شيئاً نقرؤُه، ليس في كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة - قال: صحيفةٌ معلّقةٌ في سيفه، فيها: أسنان الإبل، وشيءٌ من الجراحات - فقد كذب.

وفيها: قال رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «المدينةُ حَرَمٌ، ما بين عَيْر إلى ثور، فمَنْ أحدثَ فيها حدَثاً، أو آوى مُحْدِثاً، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللهُ منه صَرْفاً ولا عَدْلاً، وذمّةُ المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم، فمَنْ أخْفَرَ مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبلُ اللهُ منه صرفاً ولا عدلاً»(2) .

* وعن طارق، قال: رأيت عليّاً [عليه‌السلام ] على المنبر، وهو يقول: ما عندنا كتابٌ نقرؤُه عليكم، إلاّ كتاب الله عزّ وجلّ، وهذه الصحيفة. وصحيفةٌ معلّقةٌ في سيفٍ عليه حلقةُ حديد، وبَكْرَاتُه حديدٌ، فيها فرائضُ الصدقة، قد أخذها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

وورد نَبأُ هذه الصحيفة في مؤلّفات أخرى للعامّة.

____________________

(1) دلائل النبوّة، للبيهقيّ 7/228، وأخرجه أبو داود، في المناسك (2/216 ح 4 - 2035). وانظر السنن الكبرى، للبيهقي 8/30، وسنن الدار قطني 343 ومناقب الشافعي، للبيهقي 1: 4.

(2) دلائل النبوّة، للبيهقيّ 7/227 - 228، صحيح البخاري 1/58 باب ذمّة المسلمين 4/12، مسند أحمد 1/81، أبو داود في المناسك 2/216، تقييد العلم 8 - 89، جامع بيان العلم 1/71، إرشاد الساري 1/166، عمدة القاري 1/561، فتح الباري 1/182، و 7/83، وصحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة 2/995، ومسند أحمد (ط شاكر) 2/45/615.

(3) تقييد العلم 89.

٣٣٥

لفت نظر: إنّ الرواية الأخيرة تُصرّح بأنّ الإمامعليه‌السلام أخذ الصحيفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكلمة «عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » وإنْ كان يحتمل الرواية عنه، لا أخذ الصحيفة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو ظاهر الروايتين الأولتَيْن. إلاّ أنّ النصوص المتضمّنة لذكر الصحيفة هذه، والمنقولة بطريق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تُصرّح بأنّ تلك الصحيفة كانت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي ذؤابة سيفه، وهذه بعض النصوص.

1 - عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليه‌السلام ، قال:

وُجِدَ في قائم سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صحيفة فيها مكتوب: ملعونٌ مَنْ سرَقَ تُخُومَ الأرض، ملعونٌ مَن تولّى غيرُ مواليه، أو قال: ملعونٌ مَن جَحَدَ نعمةَ مَن أنعم عليه(1) .

2 - وعن أبي عبد الله، جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام قال: وُجِد في ذؤابة سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صحيفةً، فإذا فيها:

«بسم الله الرحمان الرحيم، إنّ أعتى الناس على الله عزّ وجلّ، يومَ القيامة مَن قتلَ غيرَ قاتِله، والضارب غيرَ ضاربه، ومن تولّى غير مَواليه - ومن ادّعى لغير أبيه - فهو كافرٌ بما أنزل اللهُ على محمّد؛ ومَن أحدَثَ حدَثاً أو آوى مُحدثاً لم يَقبل اللهُ عزّ وجلّ منه يومَ القيامة صرفاً ولا عَدْلاً.(2)

3 - وعن أيّوب بن عطيّة الحَذّاء، قال: سمعتُ أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ

____________________

(1) جامع بيان العلم، للقرطبي 1/71.

(2) الكافي/ح 1.

٣٣٦

عليّاًعليه‌السلام وجدَ كتاباً في قراب سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثل الإصبع، فيه: إنّ أعتى الناس ...

وأورد مثل ما مضى، إلاّ أنّه زاد فيه: ولا يحِلُّ لمسلمٍ أن يشفعَ في حدٍّ(1) .

4 - وروى الدولابي بسنده عن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه قال: وجدتُ في قائم سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صحيفة مربوطة: أشدّ الناس عذاباً القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومَن جحَدَ نعمة مواليه فقد برئ ممّا أنزل الله عزّ وجلّ(2) .

وهذه النصوص تدلّ على أنّ الصحيفة المحتوية على المطالب المذكورة إنّما كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي سيفه.

والنصّ التالي، يدلّ على أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ورّث هذه الصحيفة لعليّعليه‌السلام :

5 - في مسند الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام بسنده عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، قال: ورِثتُ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كتابَيْن: كتابَ الله عزّ وجلّ، وكتاباً في قِراب سيفي.

فقيل: يا أمير المؤمنين، وما الكتابُ الذي في قِراب سيفك؟ قال: مَنْ قتل غيرَ قاتله، أو ضرب غير ضاربه، فعليه لعنةُ الله(3) . ويُصرّح الدكتور أبو شُهْبة بأنّ

____________________

(1) المحاسن، للبرقي - كتاب القرائن - 1/18 ح 49 باب وصايا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(2) الذريّة الطاهرة، للدولابي 126 ح 146.

(3) صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام ، الحديث (139)، وانظر عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، للصدوق 2/40 ح 122.

٣٣٧

الصحيفة كانت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأعطاها لعليّعليه‌السلام ، خاصّةً(1) .

ولعلّ من هذه الصحيفة ما جاء ذكره عند ابن حزم في الأحكام من أنّ عثمان حمل إليه محمّد بن عليّ بن أبي طالب من عند أبيهعليه‌السلام كتاب حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الزكاة!

فقال: أغنها عنّي - عنّا -، فرجع إلى أبيه فقالعليه‌السلام : ضع الصحيفة حيث وجدتها(2) .

ونقل آخرون أنّ هذه الصحيفة كانت موجودة عند أبي بكر، أيضاً.(3)

وقال ابن حجر بصدد هذه الصحيفة: والجمع بين هذه الأحاديث أنّ الصحيفة كانت واحدةً، وكان جميع ذلك مكتوباً فيها، ونقل كلّ واحد من الرواة ما حفظه عنها(4) .

والمهمُّ ذكره: أنّ وجود هذه الصحيفة وأخبارها دليلٌ حاسمٌ على جواز كتابة العلم، وخاصّة الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ذلك قد تمّ في حياته، وبعلمٍ وبإشرافٍ تامّ منه، بل كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله يحافظ على هذه الكتابة في «ذؤابة سيفه».

قال الدكتور رفعت: قد روى البخاريّ حديثاً من أحاديث الصحيفة في

____________________

(1) صحيفة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، جمع وتأليف الدكتور رفعت فوزي 41.

(2) الأحكام، لابن حزم 1: 240 و 253، توجيه النظر، لطاهر الجزائري 16.

(3) فتح الباري 3/318، صحيح البخاري 2/146، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، السنن الكبرى، للبيهقي 4/88، سنن أبي داود 2/97، سنن النَّسائي 5/18 - 23، الفقيه والمتفقّه، للخطيب 1/120 و 135، السنّة قبل التدوين، للدكتور عجّاج 1/345.

(4) فتح الباري 1: 183.

٣٣٨

كتاب العلم، وترجم له بـ «باب كتابة العلم» دلالةً على جواز كتابة الحديث، ردّاً على مَن كرِهوا ذلك، وفيه دلالةٌ - كذلك - على أنّ الحديث قد كُتِب - فعلاً - بمرأىً ومسمعٍ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

ولا بدّ أن تكون هذه الصحيفةُ، غير «كتاب عليّعليه‌السلام » الذي سنذكره بعد هذا، فإنّ هذه الصحيفةَ مُختصرةٌ ومُقتصرةٌ على الجُمَل المذكورة، بينما ذلك الكتاب، واسعٌ ومفصّلٌ جدّاً، إلاّ أن يكون هذا جزءاً من ذاك!

واعترف بعضُ العامّة بأنّ هناك خبر صحيفة أُخرى عند أمير المؤمنينعليه‌السلام غير تلك الصحيفة(2) .

2 - كتاب الإمام عليّعليه‌السلام

انتشر نبأُ هذا الكتاب انتشاراً واسعاً، وأجمع أهل الحديث - خاصّةً - على وجوده، فتناقل خبره علماء المسلمين على اختلافهم.

لكنّ أئمّة أهل البيت الأطهارعليهم‌السلام ؛ وهم أدرى بما في البيت؛ أفصحوا عن سَعَة هذا الكتاب واحتوائه على علمٍ كثير، فقالوا: إنّها صحيفةٌ طولُها سبعون ذراعاً، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أملاها على الإمام عليّعليه‌السلام ، فكتبها الإمام بخطّه وأنّه «أوّلُ كتاب جُمِع فيه العلم» على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الأئمّة الاثني عشر

____________________

(1) صحيفة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، جمع وتأليف الدكتور رفعت فوزي 41.

(2) انظر: ردّ الدارميّ على بِشْر المـُريسي، واصول الحديث، للخطيب محمّد عجّاج 190، ولاحظ توجيه النظر ن للجزائري 16، عن الأحكام، لابن حزم.

٣٣٩

من ذريّتهعليهم‌السلام ، يتوارثون ذلك الكتاب(1) وقد وصفوه بكونه كتاباً مدروجاً عظيماً(2) .

واعترف العامّةُ بأهميّته وسَعَته:

فقال بعضُهم - محتمِلاً أن تكون هي الصحيفةُ التي أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة الأولى للهجرة بكتابتها -: فكانت أشْبَهَ شيءٍ بدستور الدولة الناشئة - آنذاك - في المدينة، وعنوانها «هذا كتاب محمّد النبيّ، رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش، وأهل يثرِب ومَنْ تَبِعَهم ولَحِق بهم وجاهد معهم: أنّهم أُمّةٌ واحدةٌ، من دون الناس ...». وقد بلَغَ من أمرها أنّها أصبحت تُقْرنُ - وحدَها - بكتاب الله، لتواتُرها وكثرة ما فيها من أحكام الإسلام، وكليّاته الكُبرى(3) .

وقال آخر: إنّه جمع فيها عدّة أحكام(4) .

وقال آخر: إنّ هذه الصحيفة فيها أُمورٌ كثيرةٌ، وموضوعاتٌ متعدّدةٌ(5) .

____________________

(1) انظر عن هذا الكتاب: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للطهراني 2/306 بعنوان (أمالي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ). وأعيان الشيعة 1/330 - 338.

(2) رجال النجاشي 360، الترجمة 966.

(3) علوم الحديث، لصبحي الصالح 30، السنّة قبل التدوين 344، أصول الحديث، للعجّاج 188 - 189، دلائل التوثيق المبكّر 383 - 384؛ بعنوان (دستور المدينة) عن صحيفة همام، الأموال، لأبي عبيد 202، جمهرة رسائل العرب 1: 25، تقييد العلم 72، مسند أحمد 1/79 و 119 و 122 و 271، وغيرها، صحيح البخاري 2/274 و 4/428، صحيح مسلم 2/702، سنن أبي داود 4/252 رقم 453، الترمذي 1/180، النَّسائي 8/23، ابن ماجة 2/145.

(4) الأنوار الكاشفة 37.

(5) عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام 41.

٣٤٠