ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 492
المشاهدات: 156054
تحميل: 5165


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156054 / تحميل: 5165
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: وأمّا رواية «أمير المؤمنين»(1) عن جويرية بنت مسهر قالت! قال: وهذا الإسناد أضعف ممّا تقدّم، وفيه من الرجال المجاهيل... وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة، ولا يعرف حال هذه المرأة(2) !!

قال: وقد حكى أبو جعفر الطحاويّ، عن عليّ بن عبد الرحمان، عن أحمد بن صالح المصريّ: أنّه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء من ردّ الشّمس؛ لأنّه من علامات النبوّة.

قلت - ابن تيميه - أحمد بن صالح رواه من الطريق الأوّل، ولم يجمع طرقه وألفاظه التي تدلّ من وجوه كثيرة على أنّه كذب. وتلك الطريق راويها مجهول عنده... والطحاويّ ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم، فإنّه لم تكن معرفته بالأسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث عالماً.(3)

آثرنا أن نورد كلام ابن تيميه بطوله - وإن كان أطول ممّا ذكرناه، لما فيه من حشوٍ وإعادة عبارات، وجعلنا الردّ بعد استيفاء كلامه فنقول، وبالله التوفيق: قوله: هذا الحديث موضوع بلا شكّ، ذكره ابن الجوزيّ في الموضوعات، وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى... قال أبو الفرج: وهذا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه.

الجواب: إنّ حديث أسماء بنت عميس، يرد من أكثر من طريق، ليس فيها

____________________

(1) ما بين القويستين من لفظ أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، هو من كلام العلاّمة الحلّيّ.

(2) منهاج السنّة 4: 194.

(3) منهاج السنة 4: 194.

١٤١

فضيل بن مرزوق ولا عبيد الله بن موسى.

كما وإنّ الحديث يرد عن غير أسماء، فهو يرد عن: ابن عبّاس، وأبي هريرة، وجابر، وأبي رافع... وكلّها ناهضة بصحّة الحديث معضّدة له.

ورفضُ ابن تيميه الحديث إنّما مداره على شيخه: ابن الجوزيّ؛ إذ لم أجد في أهل العلم من كذّب الحديث ووهّنه غير هذا الرجل!

وبين وفاة ابن تيميه ووفاة ابن الجوزيّ (131 سنة)، وبين وفاة ابن الجوزيّ ووفاة عبيد الله بن موسى (384 سنة)، وبينه وبين وفاة فضيل بن مرزوق (437 سنة). فهما أقرب عهداً بالتّابعين وأتباعهم، وقد عاشا وماتا في عصر ازدهار تدوين الحديث ونقده، وجَرْح الرّجال وتقويمهم، فإن فضيلاً مات قبل سنة (170 هـ)، وعبيد الله مات سنة (213 هـ) والحكم عليهما لمن عاصرهما أو كان قريباً من ذلك، فإذا عُدِم ذلك وخفي حالهما؛ جاز للمتأخّر التفتيش عن حالهما.

وقبل النظر في الرجلين نذكر رجلاً تشدّد على من توقّف وتخلّف عن حفظ حديث أسماء!

ذلك هو: أحمد بن صالح المصريّ، شيخ البخاريّ، والمتوفّى سنة (246 هـ)، وقد روى له البخاريّ في صحيحه، سنقف على كلامه.

حال عبيد الله بن موسى، وفضيل بن مرزوق:

عبيد الله بن موسى بن أبي المختار، باذام، أبو محمّد العبسيّ، مولاهم

١٤٢

الكوفيّ الحافظ المقرئ(1) .

ولد بعد العشرين ومائة، وتوفّي بالكوفة في آخر شوّال سنة ثلاث عشرة ومائتين في خلافة المأمون.

روى عن: الأعمش، وهشام بن عروة، والأوزاعيّ، وابن جريج، وإسماعيل بن أبي خالد، وزكريّاء بن أبي زايدة، وعثمان بن الأسود، ومحمّد ابن عبد الرحمان بن أبي ليلى، وحنظلة بن أبي سفيان المكّيّ وعائذ بن حبيب؛ قال يحيى: حدّث عنه عبيد الله بن موسى، وقد سمعت من عائذ بن حبيب. وكان يقال: إنّه زيديّ وكان مسجده ومسجد عبيد الله بن موسى واحداً. قال: وحدّث عن أسامة بن زيد اللّيثي، وهو ثقة (تاريخ ابن معين 1: 251 / 1654).

وكان من أروى زمانه عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق. قرأ على عيسى بن عمر، وعلى عليّ بن صالح بن حيّ - من قرّاء الكوفة، من السابعة، كلاهما ثقة؛ - انظر: تاريخ الثّقات للعجليّ وغيره - وكان يقرأ القرآن في مسجده.

____________________

(1) الطبقات الكبرى، لابن سعد 6: 400، 6: 368 / 2748؛ التاريخ، لابن مَعين - برواية الدوريّ - 1: 309 / 2062، 1: 381 / 258؛ معرفة الرجال، لابن مَعين 1 / الترجمة 883؛ طبقات خليفة 292 / 1321؛ تاريخ خليفة: 54؛ التاريخ الكبير، للبخاريّ 5: 401؛ المعارف 519، 532 و 624؛ المعرفة والتاريخ 1: 198؛ تاريخ الثقات، للعجليّ 319 / 1070؛ الكامل، لابن عديّ 327؛ تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين 239 / 910؛ الجرح والتعديل للرازيّ 4: 1 / 496؛ الثّقات لابن حِبّان 4؛ 92 / 2961؛ الكنى والأسماء للدولابيّ 2: 221 / 2504؛ تهذيب التهذيب لابن حجر 10 / 479؛ تهذيب الكمال للمزّيّ 7: 50؛ الكاشف للذهبيّ 2: 234، تحرير تقريب التهذيب 2: 415 / 4345؛ رجال الطوسيّ 111 / 311.

١٤٣

روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن راهويه، وعبّاس الدّوريّ، والدارميّ، ومحمّد بن سليمان الباغنديّ، والحارث بن أسامة، وابن نمير ويعقوب بن سفيان الفسويّ وقد أكثر في الرواية عنه.

(الطبقات الكبرى لابن سعد 6: 368؛ الثقات لابن حبّان 4: 92؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ 15: 283...).

أقوال العلماء فيه

ابن سعد: عبيد الله بن موسى، ثقه صدوق حسن الهيئة، وكان يتشيّع ويروي أحاديث في التشيّع، فضُعّف بذلك عند كثير من النّأس؛ وكان صاحب قرآن(1) .

يحيى بن معين: عبيد الله بن موسى، ثقه(2) . سمعت جامعَ سفيان - الثّوريّ - من عبيد الله بن موسى، قرأه عليّ من صحيفته(3) .

وقد ذكره في مواضع كثيرة من كتاب «التاريخ» بجزءيه، في من روى عنه، أو من روى عنه عبيد الله بن موسى، ولم يضعّفه في أيّ مورد.

الحافظ العجليّ: عبيد الله بن موسى العبسيّ، يكنّى أبا محمّد: صدوق، كان يتشيّع، وكان صاحب قرآن رأساً فيه، شجيّ القراءة. ما رأيت عبيد الله رافعاً بصره إلى السّماء، وما رُؤيَ ضاحكاً(4) .

____________________

(1) الطبقات الكبرى 6: 368 / 2748.

(2) الجرح والتعديل للرازيّ 5: 334؛ تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين 239 / 910.

(3) تاريخ ابن معين 1: 381 / 2580.

(4) تاريخ الثقات للعجليّ: 319 / 1070.

١٤٤

الحافظ ابن حبّان: ذكره في الثّقات من أهل الكوفة. قال: مات سنة ثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائتين، وكان يتشيّع(1) .

الحافظ ابن شاهين: عبيد الله بن موسى: ثقة، قال يحيى.

قال عبيد الله بن موسى، صدوق ثقة(2) .

خليفة بن خيّاط: ذكره في الطبقة التاسعة. يروي عن عمر بن صُهبان الأسلميّ التابعيّ(3) .

وحدّث عنه في تاريخه، عن غزوة الطائف؛ عنه عن طلحة بن جبر، عن المطّلب بن عبد الله، عن مصعب بن عبد الرحمان بن عوف، عن أبيه(4) ...

وكذلك عن مِشعَر، عن عمرو بن مرّة، عن الحارث بن جمهان الجعفيّ، عن صفة معركة الجَمَل(5) ...

النسائيّ: ولم يذكره النسائيّ في كتاب: «الضعفاء والمتروكين» وهذا دليل على حسن حال عبيد الله بن موسى عنده.

الطوسيّ: عدّه الطوسيّ في أصحاب الصادقعليه‌السلام (6) .

____________________

(1) الثقات لابن حبّان 4: 92: 2961.

(2) تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين 239 / 910.

(3) طبقات خليفة بن خيّاط 292 / 1321.

(4) تاريخ خليفة بن خيّاط 54.

(5) نفسه 143.

(6) رجال الطوسيّ 111 / 311.

١٤٥

الدّولابيّ: ذكره في ترجمة أبيه أبي المختار موسى بن باذام؛ قال: وابنه عبيد الله بن موسى سمع الثّوريّ(1) .

أبو حاتم الرازيّ: قال ابن معين وغيره: ثقة(2) .

قال أبو حاتم: ثقةٌ صدوق، وأبو نعيم أتقنُ منه، وعبيد الله أثبتُهم في إسرائيل(3) .

الذهبيّ: هو من كبار شيوخ البخاري. كان صاحب تعبّد وزهادة(4) .

ابن حجر: عبيد الله بن موسى بن باذام الكوفيّ: ثقة(5) .

خلاصة الأقوال في عبيد الله بن موسى:

لقد وقفنا على أقوال العلماء ممّن عاصر عبيد الله بن موسى أو جاء بعده بقليل؛ إلاّ ما كان من الطوسيّ - أي من حيث المعاصرة - (توفي 460 هـ) وناهيك به في هذا الفنّ، ثمّ الذهبيّ وابن حجر...

وكان الإجماع على توثيق عبيد الله بن موسى وتصديقه وحسن سيرته وعبادته؛ فمَن كان هذا شأنه فهو أحرى أن يؤخذ عنه إذ صار مدار الحديث بزعم ابن الجوزيّ عليه عن فضيل بن مرزوق. وحان الآن أن ننظر في سيرة

____________________

(1) الكنى والأسماء للدّولابيّ 2: 221 / 2504.

(2) الجرح والتعديل للرازيّ 5: 334.

(3) نفسه 335.

(4) تاريخ الإسلام للذهبيّ 15: 283 / 285.

(5) تحرير تقريب التهذيب لابن حجر 2: 415 / 4345.

١٤٦

الثاني وأقوال العلماء فيه:

فضيل بن مرزوق:

فضيل بن مرزوق الأغرّ الرقاشيّ، ويقال: الرؤاسيّ، أبو عبد الرحمان الكوفيّ مولى بني عنزة(1) .

روى عن: حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، وسليمان الأعمش وعديّ بن ثابت، وعطيّة العوفيّ، وأبي إسحاق السبيعيّ، ومحمّد بن سعيد صاحب عكرمة، وأبي عمر صاحب عكرمة...

روى عنه: أبو أسامة حمّاد بن أسامة، وعبيد الله بن موسى، وسفيان الثوريّ، وعبد الله بن صالح العجليّ، ووكيع بن الجرّاح، وأبو نعيم الفضل بن دُكَين، ويزيد بن هارون، ويحيى بن آدم، وعليّ بن الجعد، وسعيد بن محمّد الورّاق، وأبو غسّان مالك بن إسماعيل، ومحمّد بن يوسف الفريابيّ، وأبو أحمد الزبيريّ، وعبد الله بن المبارك...

توفّي فضيل بن مرزوق سنة مائة وستّين.

____________________

(1) تاريخ يحيى بن معين 1: 200 / 1298، 226 / 1462، 306 / 2040؛ تاريخ الثقات للعجلي 384 / 1359؛ كتاب الثقات لابن حبّان 4: 195 / 3778؛ المعرفة والتاريخ للفسويّ 3: 207؛ تاريخ البخاريّ الكبير 7 / الترجمة 547؛ الكامل لابن عديّ 2: 338؛ تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين 263 / 1068؛ الجرح التعديل للرازيّ 7 / الترجمة 423؛ سؤالات الآجريّ 5 / 47؛ رجال صحيح مسلم 145؛ موضّح أوهام الجمع والتفريق للخطيب 2 / 322؛ تهذيب الكمال للمزّيّ 23: 305؛ الكاشف للذهبيّ 2: 486؛ تهذيب التهذيب 8: 298.

١٤٧

أقوال العلماء فيه

يحيى بن معين: فضيل بن مرزوق ثقة(1) . وحدّث عن وكيع عن فضيل عن عطيّة عن عائشة(2) . وروى له في غير هذا الموضع ممّا يعني وثاقته عنده.

ابن سعد: روى له ابن سعد، من ذلك حديث المنزلة؛ قال أخبرنا الفضل ابن دُكَيْن قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطيّة، حدّثني أبو سعيد قال: غزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غزوة تبوك وخلّف عليّاً في أهله، فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج به إلاّ أنّه كره صحبته! فبلغ ذلك عليّاً، فذكره للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: أيا ابن أبي طالب، أما ترضى أن تنزل منّي بمنزلة هارون من موسى؟(3)

وذكر خبرَ مقتل الزبير بن العوّام يوم الجمل؛ قال:أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق قال: حدّثني سفيان بن عقبة، عن قرّة بن الحارث، عن جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير بن العوّام يوم الجَمَل وكانوا يسلّمون عليه بالإمرة،... الخبر.(4)

قال: أخبرنا شبابة بن سوّار الفزاريّ قال: أخبرني الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجلٍ ممّن يغلو فيهم: وَيْحكم! أحبّونا لله، فإن

____________________

(1) تاريخ يحيى بن معين 1: 200 / 1298.

(2) نفسه: 226 / 1462.

(3) الطبقات الكبرى 3: 24.

(4) نفسه: 82.

١٤٨

أطعنا الله فأحبّونا، وإن عصينا الله فأبغضونا.(1)

الفسويّ: قال يعقوب بن سفيان الفسويّ: فضيل بن مرزوق: كوفيّ ثقة.(2)

العجليّ: فضيل بن مرزوق: جائز الحديث، ثقة، وكان فيه تشيّع، وهو كوفيّ.(3)

ابن حبّان: ذكره في الثّقات وقال: فضيل بن مرزوق الرؤاسيّ، كنيته أبو عبد الرحمان، من أهل الكوفة، يروي عن أبي إسحاق وعطيّة. روى عنه عبد الله بن المبارك. كان ممّن يُخطئ.(4)

ابن شاهين: فضيل بن مرزوق: وثّقه يحيى مرّةً وضعّفه أخرى.(5)

سفيان الثّوريّ: قال المثنّى بن معاذ العنبريّ، عن أبيه: سألت سفيان الثوريّ عنه؟ فقال: ثقة.(6)

أحمد بن حنبل: قال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل: لا أعلم إلاّ خيراً.(7)

____________________

(1) نفسه: 245.

(2) المعرفة والتاريخ 3: 133.

(3) تاريخ الثّقات 384: 1359.

(4) كتاب الثّقات 4: 195 / 3778. وقوله: يُخطئ؛ فسبحان من لا يخطئ، سيّما وقد ذكره في الثّقات.

(5) تاريخ أسماء الثّقات 263 / 1068.

(6) الجرح والتعديل للرازيّ 7 / الترجمة 423.

(7) الجرح والتعديل للرازيّ 7 / الترجمة 423.

١٤٩

سفيان بن عيينة: قال الحسن بن عليّ الحلوانيّ، عن الشافعيّ: سمعتُ ابن عيينة يقول: فضيل بن مرزوق ثقة.(1)

ابن عديّ: قال: أرجو أنّه لا بأس به.(2)

الهيثم بن جميل: قال الحسين بن الحسن المروزيّ: سمعت الهيثم بن جميل يقول: فضيل بن مرزوق: كان من أئمّة الهدى زهداً وفضلاً.(3)

عبّاس الدّوريّ: فضيل بن مرزوق: ثقة.(4)

الخطيب: عن عبد الرحمان بن يوسف بن خراش أنّه قال: فضيل بن مرزوق ثقة.(5)

وقال ابن محرز ك قال يحيى بن أيّوب: حدّثنا حميد الرؤاسيّ قال: حدّثنا فضيل بن مرزوق وكان أصدق من رأينا الناس.(6) وقال البخاريّ: مُقارب الحديث.(7) روى له البخاريّ في كتاب «رفع اليدين في الصلاة»، والباقون.(8)

____________________

(1) تهذيب الكمال للمزيّ 23: 307؛ عن سؤالات الآجريّ 5: 47، تاريخ ابن معين 2: 476؛ تاريخ الإسلام للذهبي 1: 396 / 321.

(2) الكامل لابن عديّ 2: 338.

(3) تهذيب الكمال للمزّيّ 23: 308.

(4) تاريخ الدّوريّ 2: 476.

(5) الموضّح للخطيب 2: 323.

(6) تهذيب الكمال 23: 309.

(7) علل الترمذيّ: 76.

(8) تهذيب الكمال 23: 309.

١٥٠

النّسائيّ: لم يذكره في كتاب «الضعفاء والمتروكين».

الدارميّ: صالح الحديث، لا بأس به.(1)

عبد الرحمان بن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: صدوقٌ صالح الحديث، يَهِمُ كثيراً، يُكتبُ حديثه. قلت: يُحتجّ به؟ قال: لا.(2)

الذهبيّ: كان معروفاً بالتشيّع من غير سبّ.(3)

ابن حجر: فضيل بن مرزوق الأغرّ الرّقاشيّ الكوفيّ، أبو عبد الرحمان: صدوق يَهِمُ، ورُمي بالتشيّع، من السابعة مات في حدود سنة ستّين.

قال المحقّق: قوله: «يَهِمُ» لا معنى لها بعد أن أنزله إلى مرتبة الصدوق الحسَن الحديث؛ فقد وثّقه: سفيان الثوريّ، وابن معين في أصحّ الروايات عنه، والعجليّ، ويعقوب بن سفيان، وابن خراش.

وقال البخاريّ: مُقاربُ الحديث، وقال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به. وذكره ابن حبّان في الثّقات، وقال أحمد: لا أعلم إلاّ خيراً.

وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث يَهِمُ، يُكتب حديثه، لا يحتجّ به.

____________________

(1) تاريخ الدارميّ 698.

(2) الجرح والتعديل للرازيّ 7 / الترجمة 423. (وقوله: لا يحتجّ به، غريب بعد أن حكم بصدقه وصلاح حديثه وكتابته!).

(3) تحرير تقريب التهذيب 3: 163 / 5437.

١٥١

خلاصة أقوال العلماء في فضيل بن مرزوق

والكلام في فضيل المتوفّى أوائل النصف الثاني من القرن الثاني الهجريّ هو في عهدة رجال الحديث والجرح وتراجم الرجال المتقدّمين، وقد وجدنا الإجماع على توثيقه ابتداء بابن سعد (168 - 230 هـ) ومروراً بابن معين (ت 233 هـ) والذي اعتبره ابن تيميه عمدته في رفض وقبول كثير، فالعجليّ (ت 261 هـ)... وهكذا رجال القرن الثالث الهجريّ وغيرهم ممّن بَعُدت الشُّقّة بين ابن تيميه وابن الجوزيّ وبينهم. هذا في حال حسن الظنّ! وإلاّ فالقصد العمديّ في إنكار الحديث وتضعيف رواته ورميهم بالكذب أبينُ من أن يقام عليه دليل.

وقد تراوحت أقوال العلماء في فضيل بن مرزوق، بين: ثقة، وأنّه من أئمّة الهدى، وأصدق الناس، وصدوق صالح الحديث، وقول إمام الحنابلة أحمد: لا أعلم إلاّ خيراً. وروى له البخاريُّ ومسلم والباقون، ولم يُذكر في الضعفاء. ولم يكن رافضيّاً كما نصّ عليه الذهبيّ. وقد وقفنا على قول محرّر تقريب التهذيب.

وأما قول ابن تيميه: وإذا روى له مسلم، ما تابعه غيره عليه لم يلزم أن يروي ما انفرد به!

فإذا سلّمنا له أنّ مسلماً صاحب الصحيح ليس بحجّة! فإذا انفرد برواية لا تكون ملزمة؛ فمن باب أولى أن لا يكون قول ابن الجوزيّ ملزماً، بل ويكون مرفوضاً إزاء أقوال أئمّة الحديث والجرح والتعديل المتقدّمين.

وتعلّل ابن تيميه بانفراد مسلم في روايات، ليس أمراً مستهجناً، فقد انفرد هو برواياتٍ لم يخرّجها البخاريّ في صحيحه، كما ذكر البخاريّ روايات لم

١٥٢

يذكرها مسلم، وعللّ بعضهم ذلك أنّ وثاقة رواة ثبتت عند مسلم ولم تثبت عند البخاريّ، وبالعكس، وغير ذلك من الأسباب.

ذكر الحاكم أبو عبد الله النيسابوريّ في كتابه «المدخل إلى معرفة المستدرك»: عدد من خرّج  لهم البخاريّ في «الجامع الصحيح» ولم يخرّج لهم مسلم أربعمائةٍ وأربعة وثلاثون شيخاً، وعدد من احتجّ بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتجّ بهم البخاريّ في الجامع الصحيح ستّمائة وخمسة وعشرون شيخاً، والله أعلم.(1)

فإذا كان هذا هو عدد من أعرض عنه مسلم ولم يذكر روايته، وكذلك فعل البخاريّ؛ فكم هو عدد الأحاديث التي يجب أن لا يحتجّ بها وفقاً لقاعدة ابن تيميه؟!

وذكرنا من قبل أنّ الحاكم النيسابوريّ قد استدرك على البخاريّ ومسلم أحاديث كثيرة لم يذكراها، وهي على شرطيهما في تخريج الأحاديث، وقد وافقه الذهبي على كثيرٍ منها في كتابه «التلخيص». ونذكر هنا أنّ ما استدركه الحاكم عليهما تجاوز الثمانية آلاف حديثاً ورواية!

قال النّوويّ: ألزم الإمام الدار قطنيّ وغيره البخاريّ ومسلماً إخراج أحاديث تركا إخراجها، مع أنّ أسانيدها أسانيد قد أخرجا لرواتها في صحيحيهما بها. وذكر الدار قطنيّ وغيره أنّ جماعة من الصحابة روَوا عن رسول الله؛ رُوِيت

____________________

(1) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم 1: 16.

١٥٣

أحاديثهم من وجوه صحاح لا مطعن في ناقليها، ولم يخرّجا من أحاديثهم شيئاً فيلزمهما إخراجها على مذهبيهما. وذكر البيهقيّ: أنّهما اتّفقا على أحاديث من صحيفة همّام بن منبّه(1) ، وأنّ كلّ واحدٍ منهما انفرد عن الآخر بأحاديث منها مع أنّ الإسناد واحد.(2)

قال النوويّ في تعليل ذلك: إنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صحّ عنهما تصريحهما بأنّهما لم يستوعباه، وإنّما قصدا جمع جُملٍ من الصحيح.(3)

وقال ابن الصلاح: ما وقع في صحيحي البخاريّ ومسلم ممّا صورته المنقطع، وهو في كتاب البخاريّ كثير جدّاً وفي كتاب مسلم قليل جدّاً. وكذلك ما روياه عمّن ذكراه بلفظ مبهم لم يعرف به وأورداه أصلاً محتجّين به، وذلك مثل: حدّثني بعض أصحابنا.(4)

ذكرنا هذه الأقوال؛ لأنّ ابن تيميه إذا أنكر حديثاً لاذ بصاحبَي الصحيحين أو بأحدهما وقال: لو كان الحديث صحيحاً لذكراه، أو لذكره فلان في صحيحه. وحين تنزع نفسه لا يتوقّف عن التوهين بأحدهما محتجّاً أنّه لم يتابعه الآخر عليه، وقد وقفنا على أقوال العلماء فيهما وفي صحيحيهما.

وأمّا تعليقه الحديث على ابن عقدة، وقوله: إنّه كان رافضيّاً.

____________________

(1) هَمّام بن منبّه الصنعانيّ، قال العجليّ: تابعيّ ثقة (تاريخ الثّقات 461 / 1750).

(2) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم 1:24.

(3) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم 1: 24.

(4) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم 1: 16.

١٥٤

فقبل الشروع بترجمته وقول العلماء فيه، فقد ذكر أنّه كان زيديّاً جاروديّاً، وعلى هذا مات.(1) وقد روى للسّنّه كما روى للإماميّة، فقد روى الخطيب وتبعه الذهبيّ؛ رويا عن ابن عقدة الحديث: «إنّ أبابكرٍ وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة!»(2)

ورويا عنه عن سفيان قوله: لا يجتمع حبّ عليّ وعثمان إلاّ في قلوب نبلاء الرجال.(3)

نقول: فقوله - أبو الفرج -: إنّه كان رافضيّاً يكتب في مثالب الصحابة، ينافي ما ذكرناه.

التحقيق في مذهبه: إنّ القول في مذهبه وأنّه كان زيديّاً ومات على ذلك، وكذلك كان أبوه زيديّاً؛ يعارضه ما رواه عن زيد بن عليّ، وربّما كان زيديّاً أوّلاً ثم رجع. فقد نقل النعمانيّ - وهو قريب عهد منه (توفّي سنة 380 هـ) - عنه روايته عن أبي الصبّاح(4) ، قال: دخلت على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فقال لي: ما وراء؟ فقلت: سرورٌ من عمّك زيد، خرج يزعم أنّه ابن سبيّة، وأنّه قائم هذه الأمّة، وأنّه ابن حِيَرة الإماء؛ فقال: كذب! ليس هو كما قال، إن خرج قتل.(5)

____________________

(1) رجال النجاشيّ: 94، الفهرست: 73.

(2) تاريخ بغداد 5 / 15، سير أعلام النبلاء 15: 343.

(3) نفسه.

(4) رجال ابن داود: 19: إبراهيم بن نعيم، أبو الصبّاح العبديّ. قال له الصادقعليه‌السلام : (أنت ميزان لا عين فيه)، مات بعد السبعين والمائة.

(5) الغيبة للنعماني: 229.

١٥٥

وثمّة أمر مهمّ للغاية؛ فإنّ «الجاروديّ»: مَن كان عقيدته أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على عليّعليه‌السلام بالوصف دون التسمية، والإمام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ، والناس قصّروا؛ حيث لم يتعرّفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف.(1)

وهذا التعريف ينافي ما ذكره الشيخ في الفهرست والنجاشيّ في رجاله في ذكر كتبه، قالا: كتاب الولاية ومن روى غدير خمّ.(2)

وذكر السيّد ابن طاووس أنّ كتاب الولاية لابن عقدة في حوزته.(3)

وذكر الكتاب المذكور جمع من مصنّفي السنّة والشيعة، وممّن ذكره ابن تيميه.

ولأجل كتابه المذكور وما نقله من أحاديث في شأن أهل البيتعليهم‌السلام رُمي بالتشيّع! وضعّف عند البعض، كما حصل لغيره. قال الذهبيّ: مُقت لتشيّعه.(4) وقال ابن عديّ: كان مقدّماً في الشيعة.(5) وقال ابن حجر: كان يُزَنّ(6) بالتشيّع، والناس يختلفون في أمانته، فمن راضٍ ومن ساخط به.(7)

حقيقة الأمر: والواقع أنّ ابن عقدة لم يكن رافضيّاً بالمعنى الذي قاله ابن

____________________

(1) الملل والنحل، للشهرستانيّ 1: 157.

(2) الفهرست: 72، رجال النجاشيّ: 94.

(3) الطرائف لابن طاووس 1: 111.

(4) تذكرة الحفّاظ للذهبيّ 3: 839.

(5) الكامل، لابن عديّ 1: 206، لسان الميزان 1: 264.

(6) يزنّ: يتّهم.

(7) السان الميزان 1: 263.

١٥٦

الجوزيّ، إلاّ أنّه أثبت في كتبه كثيراً من الأحاديث الثابتة عنده بشأن أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ قال أبو الحسن عليّ بن عمر - وهو الدار قطنيّ -: سمعت أبا العبّاس بن عقدة يقول: أن أجيب في ثلثمائة ألف حديثٍ من حديث أهل البيت خاصّة.

قال أبو الحسن: وكان أبوه عقدة أنحى الناس.(1)

ذكر ذلك الدار قطنيّ ولم يقع فيه لما يذكره من هذا العدد من الأحاديث الخاصّة بأهل البيت!

وقال أبو الطيّب أحمد بن الحسن بن هرثمة: كنّا بحضرة أبي العبّاس بن عقدة الكوفيّ المحدّث نكتب عنه وفي المجلس رجل هاشميّ إلى جانبه، فجرى حديث حفّاظ الحديث، فقال أبو العبّاس: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث هذا سوى غيرهم. وضرب بيده على الهاشميّ.(2)

وقال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: سمعت أبا العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد يقول: أحفظ لأهل البيت ثلاثمائة ألف حديث.(3)

فإذا تقرّرت شيعيّة ابن عقدة بسبب ذكره فضائل أهل البيت، فهل تُترك روايته حتّى لو ورد لها شاهد من غيره؟

إنّ الجرح على المذهب باطل لا يُعتدّ به، وإلاّ لقال الشيعيّ: فلان عامّيّ

____________________

(1) تاريخ بغداد 5: 16.

(2) نفسه.

(3) نفسه.

١٥٧

فروايته باطلة، وقال الآخر: فلان شيعيّ فروايته باطلة؛ فترك لذلك أكثر الأحاديث والروايات، وعُطّلت كثير من الأحكام الشرعيّة.

إذ الأخبار تأتي في تحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب...

وقد قال مسلم: وإنّما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر...، فإذا كان الرّواي لها ليس بمعدنٍ للصدق والأمانة، ثمّ أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبيّن ما فيه لغيره، ممّن جهل معرفته، كان آثماً بمفعله ذلك، غاشّاً لعوامّ المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلّها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أنّ الأخبار الصّحاح من رواية الثّقات أكثر من أن يضطرّ إلى نقل من ليس بثقة(1) .

فمسلم لم يعلّق الرّواية على المذهب، وإنّما جعل مدار ذلك هو صدق وأمانة ووثاقة الرّاوي. ولذلك نجدهم حين يُسألون عن رجل يقولون: ثقة؛ صدوق؛ محلّه الصدق؛ ليس بثقة...؛ وقد يقولون: ثقة صدوق، يُحتجّ به وفيه تشيّع.  فتراهم ناظرين إلى عدالته ووثاقته، لا إلى مذهبه.

وعلى هذا، فإنّ الأصل في صحّة الحديث هو الضبط والعدالة؛ والضبط هو حفظ الرواي ويتقّظه، والعدالة: هي صدق الراوي في نفسه وأمانته في النقل.

قال الخطيب: ذهب جماعة من أهل الحديث والمتكلّمين إلى أنّ أخبار

____________________

(1) صحيح مسلم 1: 14.

١٥٨

أهل الأهواء كلّها مقبولة، وإن كانوا كفّاراً أو فساقاً بالتأويل.(1)

قال ابن القيّم الحنبليّ: الفاسق باعتقاده إذا كان متحفّظاً في دينه، فإنّ شهادته مقبولة وإن حكَمنا بفسقه، كأهل البدع والأهواء الذين لا نكفّرهم كالرافضة والخوارج والمعتزلة ونحوهم، هذا منصوص الأئمّة، ولم يزل السلف والخلف على قبول شهادة هؤلاء وروايتهم.(2)

وقال الذهبيّ: فلو ردّ حديث الشيعة لذهب جملة من الآثار النبويّة وهذه مفسدة بيّنة.(3)

وليس بدعةً أن يطعن على ابن عقدة! وقد تعرّض جهابذة علم الحديث والرجال للجرح والتعديل من علماء زمانهم أو ما هو قريب من ذلك، فهذا يحيى ابن مَعين وهو هو في هذا الميدان، قال أبو زرعة فيه: ولم يُنتفع به - أي بيحيى -؛ لأنّه كان يتكلّم في الناس، ويُروى هذا عن عليّ - ابن المدينيّ - من وجوه.(4)

وقال أبو زرعة: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التّمّار ولا عن يحيى بن مَعين ولا عن أحدٍ ممّن امتُحن فأجاب.(5)

وقال إبراهيم بن هانئ: رأيت أبا داود يقع في يحيى بن معين، فقلت: تقع

____________________

(1) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغداديّ: 335.

(2) الطرق الحكميّة، ابن القيّم: 173.

(3) ميزان الاعتدال 1: 5 (ترجمة أبان بن تغلب).

(4) تاريخ يحيى بن معين 1: 8.

(5) تهذيب الكمال 31: 564.

١٥٩

في مثل يحيى بن مَعين؟! فقال: من جرّ ذيول الناس جرّوا ذيله.(1)

وقد تحدّث يحيى عن نفسه وجرحه لأناسٍ يبدو أنّه تعجّل الحكم عليهم.

قال محمّد بن الفضل البلخيّ: سمعت محمّد بن مهرويه يقول: سمعت عليّ بن الجنيد يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: إنّا لنطعن على أقوامٍ لعلّهم قد حطّوا رحالهم في الجنّة من أكثر من مئتي سنة!

قال ابن مهرويه: فدخلت على عبدالرحمان بن أبي حاتم وهو يُقرئ الناس كتاب «الجرح والتعديل» فحدّثته بهذه الحكاية، فبكى، وارتعدت يداه حتّى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية.(2)

هذا بعض شأن يحيى، وهو قدوة ابن تيميه، يأتمّ به ولا يتعدّى حكمه وقوله. ورأينا حكمه على نفسه، وقول الإمام أحمد فيه. وهذا البخاريّ أخرج لجماعةٍ رمَوهم بالقدَر، مثل هشام بن عبد الله الدستوائيّ، والقدريّة ممّن يحمل عليهم ابن تيميه ويكفّرهم! كما أخرج لعمران بن حطّان الخارجيّ. ولمّا سُئل مالك: كيف رويتَ عن داود بن الحصين وثور بن يزيد، ولقد كانوا يَرون القدَر؟!

قال: كانوا لإن يخرّوا من السماء على الأرض أسهلُ من أن يكذبوا.(3)

فالقاعدة عندهم، بعد تحقّق الإيمان: صدق الراوي، وضبط روايته. وكم

____________________

(1) نفسه.

(2) تهذيب الكمال 31: 564. [ ويحيى ولد سنة 158 هـ ومات سنة 233 هـ؛ فالرجال الذين حطّوا رحالهم في الجنّة كما يقول وطعن بهم يحيى هم مَن عاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ].

(3) إرشاد النقّاد لمحمد بن إسماعيل الصنعانيّ: 19.

١٦٠