ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 492
المشاهدات: 155980
تحميل: 5165


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155980 / تحميل: 5165
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ينطق عن الهوى؟

- عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله: «أيّتُكنّ صاحبة الجمل الأدبب يُقتل حولَها قتلى كثيرةٌ تنجو بعد ما كادت».(1)

فإذا لم يسمع ابن تيميه الحديث الأوّل، أو أنّه لم يفهم مفاده! فهل غاب عنه هذا الحديث الصريح بخروجها للقتال وأنّها تكاد أن تهلك؟

- عن أبي بكرة قيل له: ما منعك أن تكون قاتلتَ على بصيرتك يوم الجمل؟ قال: سمعتُ رسول الله يقول: «يخرُج قوم هَلْكى لا يُفلحون، قائدهم امرأة».(2)

فهم خارجة على إمامهم الحقّ، ولذا لن يُفلحوا ومصيرهم البَوار «هَلكى»، وقائدهم إلى الهلاك امرأة، ولم يكن معهم يومئذ إلاّ عائشة تتقدّمهم على جملٍ يخدعون النّاس بوجودها معهم ليسوقوهم إلى حربٍ خاسرةٍ ؛ وهذا من أعلام النبوّة إذ وقع الأمر كما أنبأصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لم تنسَ عائشة كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلاّ أنّها سارت على مقدّم القوم حتّى إذا نبحتها كلاب الحَوْأب(3) فقالت: ما اسمُ هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملها: الحوأب ؛ «فصرخت بأعلى صوتها، ثم ضربت عَضُد بعيرها فأناخته، ثمّ قالت: أنا

____________________

(1) المصنّف: ابن أبي شيبة 7: 538 / 3774.

(2) المصنّف: ابن أبي شيبة 7: 538 / 3777.

(3) الحوأب: موضع بئر في طريق البصرة. معجم البلدان 2: 314.

٤٤١

والله صاحبة ماء الحوأب طُروقاً، رُدّوني، تقول ذلك ثلاثاً...»(1) .

وفي الفتوح: «... فقالت عائشة: ردّوني، فقيل لها: ولِمَ ذلك؟ فقالت: لأنّي سمعتُ رسول الله وهو يقول: «كأنّي بامرأة من نسائي تنبح عليها كلاب الحوأب، فاتّقي الله أن تكوني أنتِ يا حُمَيراء»(2) .

وعن الشعبيّ عن ابن عبّاس، قال: طرقت عائشة وطلحة والزبير ماء الحوأب ومَن معهم ليلاً، وهو ماء لبني عامر بن صعصعة، فنبحتهم كلاب الحوأب، فنفرَت صِعابُ إبلهم، فقال قائل: لعن الله أهل الحوأب ما أكثر كلاَبهم! قالت عائشة: أيّ ماء هذا؟

فقال محمّد بن طلحة وعبد الله بن الزبير: هذا ماء الحوأب، فقالت عائشة: والله لا صحبتُكم، رُدّوني رُدّوني، إنّي سمعتُ رسول الله يقول: كأنّي بكلاب ماءٍ يُدعى الحوأب قد نبحت على امرأةٍ من نسائي في فئةٍ باغية! ثمّ قال: لعلّك أنت يا حُمَيراء، قالت: ثمّ دعا عليّاً فناجاه بما شاء» رُدّوني رُدّوني.(3)

أوّل شهادة زور في الأسلام:

إلاّ أنّ الرجال الذين زعم ابن تيميه أنّهم مثل عائشة لم يخرجوا لقتال عليّ، فإنّهم أقاموا لها خمسين رجلاً من الأعراب يشهدون أنّه ليس ماء الحوأب،

____________________

(1) تاريخ الطبريّ 3: 475.

(2) الفتوح: ابن أعثم 2: 288، أنساب الأشراف 3: 24.

(3) المعيار والموازنة: الإسكافيّ المعتزليّ (المتوفّى 220 هـ) 55.

٤٤٢

وجعلوا لهم جُعلاً - أي مالاً - وكانت أوّل شهادة زور أقيمت في الإسلام.(1)

وقد حلف لها عبد الله بن الزبير فقال: ليس هذا ماء الحوأب.(2)

إنّ أمّ المؤمنين تيقّظت إلى نفسها، فهي في فئةٍ باغية أي مقاتلة لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فهلاّ رجعت ولم تلتفت إلى حلف ابن الزبير ولا إلى تلك الشهادة المزوّرة؟ وهلاّ قدّمت شهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على شهادة الأعراب؟! وبعد كلّ ذلك هل يصحّ قوله أنّهم جميعاً لم يخرجوا محاربين عليّاً؟

ثمّ أيّ إصلاح خرجت أمّ المؤمنين إليه في البصرة، ولم يكن فيها قتال ولا فتنة، إنّما صارت الفتنة ووقع القتال لمّا خرجوا إليها وأحدثوا فيها ما أحدثوا على ما سنذكره قدر الوسع.

ولقد ناقض ابن تيميه نفسه وهو يتحدّث عن عائشة، فأثبت ما نفاه من خروجها للقتال. قال: وأيضاً عائشة ظهر منها من التألّم لقتل عثمان! والذمّ لقتلته وطلب الانتقام منهم...

و ما جاء في الحديث الشريف من قتال عائشة لعليّ، فقد جاء في الزبير وأنّه سيقاتل عليّاً وهو ظالم له ؛ ممّا سنذكره ان شاء الله.

قال: وأمّا قولُه: وخالفت أمر الله في قوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ ... ) الآية.

قال: فهي لم تتبرّج...

جوابه: إنّ مخالفتها للآية في خروجها من البيت الذي تركها فيه رسول

____________________

(1) نفسه.

(2) نفسه.

٤٤٣

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان خروج معصية وهي الحرب وسفك دماء المسلمين الذي هو أعظم عند الله تعالى من التبرّج.

وقد احتجّ عليها بالآية كلّ من أمّ سلمة، وابن عبّاس، وعمران بن حُصَين الخزاعيّ، وأبو الأسود الدّيليّ، وجارية بن قُدامة السعديّ...

قال: وأمّا قوله: إنّ عائشة كانت تأمر بقتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلاً... ؛ قال: أين النقل الثابت عن عائشة بذلك، ويقال ثانياً: إنّ المنقول عن عائشة يكذّب ذلك ويبيّن أنّها أنكرت قتله...

جوابه: في الحِجاج الذي جرى بين عبيد بن مسلمة الليثي، وبين عائشة، قال: والله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ، ولقد كنتِ تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر...(1) .

ومن ردّ أمّ المؤمنين أمّ سَلَمة عليها لمّا دعتها لتخرج معها إلى قتال عليّ! قالت أمّ سلمة: يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين! والله لقد كنتِ من أشدّ النّاس عليه، وما كنتِ تسمّيه إلاّ نعثلاً، فما لكِ ودم عثمان؟...(2) .

وحين وقع الخلاف بينها وبين عثمان، كانت تقول: أيّها النّاس، هذا قميص رسول الله لم يَبلَ وبَليت سنّته، اتقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً.(3) وكانت تحرّض

____________________

(1) أنساب الأشراف 3: 18، تاريخ الطبريّ 3: 476 - 477، الفتوح 2: 249، تذكرة الخواصّ 66، الكامل في التاريخ 3: 102.

(2) الفتوح 2: 283، تاريخ الطبريّ 3: 470.

(3) أنساب الأشراف 6: 209، الفتوح 2: 225.

٤٤٤

وتقول: إنّي أرى عثمان سيشوم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر.(1)

هذا بعض من النقل الثابت في تحريضها على عثمان وقولها فيه وما يأتي أكثر بكثير.

وأمّا إنكارها قتله ؛ فإنّما كان لمّا بلغها أنّ النّاس قد بايعوا عليّاًعليه‌السلام ، فعند ذلك رفعت صوتها بمظلوميّة عثمان وراحت تنادي أنّ عليّاً قتله! وأنّها ستأخذ بثأره.

وما ذكره من قوله إنّ القَدْح في طلحة والزبير، ينقلب ما هو أعظم منه في حقّ عليّ...، وإن كان فعل طلحة والزبير معها ذنباً، ففعل عليّ أعظم ذنباً!!

بربّك أيها المنصف مهما كان مذهبك أترضى بهذا القول؟ أوَ طلحة والزبير عِدْل عليّ الذي هو عدل القرآن الكريم كما في حديث الثّقلين، وهو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في آية المباهلة، وهو المعصوم كما في آية التطهير وحديث الكساء، وسبّه والعدوان عليه سبّ للنبيّ ومعاداة له، ومن ثمّ سبّ للهِ تعالى ومعاداة له.

وقد أخبر النبيّ القوم أنّهم سيقاتلون عليّاً وهم ظالمون له وقد عقدوا له البيعة ثمّ نكثوها ومَن ينكث فإنّها ينكث على نفسه ؛ فكيف سوّغ لنفسه شيخ الإسلام والإمام المطلق أن ينزل عليّاً بمنزلة الظالم ويجعل فعله أعظم من ذنب أولئك؟!

ولماذا يلوذ دائماً بعائشة ويشنّ غارته على عليّ؟ ألأنّها أمّ المؤمنين؟ فإنّ

____________________

(1) نفسه 6: 212 - 213.

٤٤٥

أمّ سَلَمة أيضاً أمّ المؤمنين، فلمّا طلبت منها عائشة الخروج لحرب عليّ زجرتها أمّ سَلَمة وذكّرتها بمقام عليّ وبقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لها في شأن خروجها على عليّ، ولمّا رأت أمّ سَلَمة أنّه لا يجوز لها الخروج من بيتها في مثل هذا الأمر اعتذرت من عليّعليه‌السلام وأرسلت معها ابنها عمر.

وأمّا حفصة فكادت تخرج معها إلاّ أنّ عبد الله بن عمر نهاها عن مثل هذا الخروج!

ثمّ ما الذي فعله عليّ مع عائشة؟ هل أخرجها من بيتها لحربٍ؟ أم مشى إليها في حرب، أم خرجت هي عليه محاربة في فئةٍ باغية، كما في الأحاديث التي ذكرناها؟ وهل خدعها عليّ فزوّر لها شهادة في شأن الحوأب وسنقف على معاملته لها حتّى أقرّت أنّها ما رأت منه إلاّ جميلاً!

وذهب أبعد من ذلك فأفصح عن هويّته التي احتملناها في أوّل كتابنا هذا حين قال: فإن قالوا: هما أحوجا عليّاً إلى ذلك لأنّهما أتيا بها...، قيل وهكذا معاوية لمّا قيل له: قتلت عمّاراً وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تقتلك الفئة الباغية» قال: أو نَحنُ قتلناه؟ إنّما قتله الذين جاؤا به حتّى جعلوه تحت سيوفنا...

الجواب: إنّ معاوية الباغي على إمام الحقّ، لم ينكر حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولذا لم يُنكره شيخ الإسلام ؛ إلاّ أنّ معاوية ادعى مدّعىً شايعه عليه ابن تيميه، فجعل أميرالمؤمنينعليه‌السلام هو الذي قتل عمّاراً! وعلى هذا القياس فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي قتل حمزةعليه‌السلام يوم أحد ؛ لأنّه هو الذي أخرجه إليها، وهكذا كلّ الشهداء...

٤٤٦

حقيقة الأمر

ومن أجل الوقوف على حقيقة الأمر، فعلينا أن نتحدّث عن حرب الجمل بما تقتضيه الضرورة:

قُتل عثمان بن عفّان في ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين بعد حصار دام تسعةً وأربعين يوماً ن وكان لذلك أسباب يطول شرحها وألّب على قتله أناس ثمّ خرجوا بعد ذلك يطالبون أبرأ النّاس من دمه ؛ بل وأصدقهم في الدفع عنه، يقاتلونه على دم عثمان!

بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام

بويع لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام في الليلة التي قُتل فيها عثمان وقيل في صبيحتها، وكان أوّل من بايعه طلحة بن عبيد الله ثمّ تبعه النّاس.

عن الشعبيّ أنّ عثمان لمّا قُتل أقبل النّاس إلى عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ليبايعوه، فمدّوا يده فكفّها، وبسطوها فقبضها وقالوا: بايع، فإنّا لا نرضى إلاّ بك ولا نأمن من اختلاف الناس وفرقتهم فبايعه الناس وخرج حتّى صعد المنبر.

وكان طلحة أوّل من بايع من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال قبيصة بن ذؤيب: أوّل يد بايعت هذا الرجل من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، شلاّء، والله ما أرى هذا الأمر يتمّ! وأخذ طلحة والزبير مفتاح بيت المال! فبعث عليّ مَن أخذ مفاتيح بيت المال.(1)

____________________

(1) أنساب الأشراف 3: 8.

٤٤٧

وأقبل النّاس إلى عليّ بن أبي طالب فقالوا: يا أبا الحسن، إنّه قد قُتل هذا الرجل ولا بدّ للنّاس من إمام، وليس لهذا الأمر أحد سواك فهلمّ، فقال عليّ: لا حاجة لي في البيعة، التمسوا غيري، فإنّي أرى أمراً له وجوه لا تقوم لها القلوب... فعليكم بطلحة والزبير! قالوا: فانطلق معنا إلى طلحة والزبير، فقال عليّ: أفعل ذلك.

ثمّ خرج مع القوم حتّى صار إلى دار طلحة فقال: يا أبا محمّد إنّ الناس قد اجتمعوا إليّ في البيعة، وأمّا أنا فلا حاجة لي فيها، فابسط يدك حتّى يبايعك الناس. فقال طلحة:

يا أبا الحسن، أنت أولى بهذا الأمر وأحقّ به منّي لفضلك وقرابتك وسابقتك، فقال له عليّ: إنّي أخاف إن بايعني النّاس واستقاموا على بيعتي أن يكون منك أمرٌ من الأمور! فقال طلحة: مهلاً يا أبا الحسن، فلا والله لا يأتيك منّي شيء تكرهه أبداً.

قال عليّ: فالله تبارك وتعالى عليك راعٍ وكفيل! فقال طلحة: يا أبا الحسن، نعم.

قال عليّ: فقُم بنا إذن إلى الزبير بن العوّام، فأقبل معه طلحة إلى الزبير فكلّمه عليّ بما كلّم به طلحة، فردّ عليه الزبير شبيهاً بكلام طلحة، وعاقده وعاهده أنّه لا يغدر به ولا يحبس بيعته. فرجع عليّ إلى المسجد واجتمع النّاس فقام نفرٌ من الأنصار فتكلّموا، قالوا: إنّكم قد عرفتم فضل عليّ بن أبي طالب وسابقته وقرابته ومنزلته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع علمه بحلالكم و حرامكم و حاجتكم

٤٤٨

إليه من بين الصحابة، ولن يألوكم نُصحاً، ولو علمنا مكان أحدٍ هو أفضل منه وأجمل لهذا الأمر وأولى به لدعوناكم إليه. فقال الناس كلّهم بكلمة واحدة:

رضينا به طائعين غير كارهين، فقال لهم عليّ: أخبروني عن قولكم هذا: أحقّ واجب من الله عليكم أم رأيٌ رأيتموه من عند أنفسكم؟ قالوا: بل هو واجبٌ أوجبه الله عزّ وجل لك علينا، فقال عليّ: فانصرفوا يومكم هذا إلى غدٍ.

فلمّا كان من غدٍ أقبل النّاس إلى المسجد، وجاء عليّ بن أبي طالب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس إنّ الأمر أمركم فاختاروا لأنفسكم من أحببتم وأنا سامع مطيع لكم!

فصاح النّاس من كلّ ناحية وقالوا: نحن على ما كنّا عليه بالأمس، فابسط يدك حتّى يبايعك الناس، فسكت عليّ. وقام طلحة إلى عليّ فبايعه وضرب يده على يد عليّ، وكان به شلل من ضربة أصابته يوم أحُد، فلمّا وقعت يده على يده عليّ، قال قُبيصة بن جابر: إنّا لله وإنّا إليه راجعون!

أوّل يدٍ وقعت على كفّ أمير المؤمنين يدٌ شلاّء، لا والله لا يتمّ هذا الأمر من قِبَل طلحة بن عُبيد الله أبداً. ثمّ وثب الزبير وبايع، وبايع الناس بعد ذلك.(1)

إنّ الذي كان من أميرالمؤمنينعليه‌السلام إنّما أراد به قطع الطريق على معاذير المشاغبين لعلمِه ما تُكنّه صدور طلحة والزبير من حسدٍ له وتطلّع إلى الإمارة، وقد أعلمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيكون من الرجلين وحرب الجمل ؛ ولذا أخذ أمير

____________________

(1) تاريخ الطبريّ 3: 456، الفتوح 2: 243 - 246.

٤٤٩

المؤمنين العهود والمواثيق والأيمان عليهما أن لا يغدرا ولا ينكثا البيعة له.

ذكر الطبريّ عن خبيّة الزبير، قال: عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: لمّا قتل الناس عثمان وبايعوا عليّاً، جاء عليّ إلى الزبير فاستأذن عليه فأعلمتُه به، فسلّ السيف ووضعه تحت فراشه! ثمّ قال: ائذن له فأذِنت له، فدخل فسلّم على الزبير وهو واقف بنحوه ثمّ خرج، فقال الزبير: لقد دخل الرجل ما اقصاه، قُم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئاً فقمت في مقامه فرأيت ذُبابَ السيف فأخبرتُه فقال: ذاك أعجلَ الرجُلَ.(1)

فيا شيخ الإسلام! ومن تولاّك ؛ فحتّى هنا ماذا عساك قائلاً في قتال القوم عليّاً؟ أم تريد مزيداً من الوثائق؟ فسنوافيك.

وضع الأقاليم:

هذا هو الوضع والحال في مدينة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي البصرة: أخذ جارية ابن قدامة السَّعديّ البيعة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان بها عبد الله بن عامر والياً لعثمان، ففرّ منها إلى مكّة.

الكوفة: وفي الكوفة، بايع هاشم بن عتبة المِرقال أميرَالمؤمنين وقال: هذه يميني وشمالي لعليّ، وقال:

أبايع غير مكتتم عليّاً

ولا أخشى أميري الأشعريّا(2)

____________________

(1) تاريخ الطبريّ 3: 454.

(2) أنساب الأشراف 3: 14.

٤٥٠

وفي المدائن: بايع حذيفة بن اليمان لأمير المؤمنين واضعاً يده اليمنى على اليسرى، وقال له أبايع بعده لأحدٍ من قريش...، وقال: من أراد أن يلقى أميرالمؤمنين حقّاً فليأت عليّاً.(1)

الشام: وفي الشام كان معاوية والياً لعثمان ومن قبله لعمر بن الخطّاب، فأظهر الخلاف لأميرالمؤمنين، ومنع واليَه من دخول الشام.

مكّة: وفي مكّة كانت عائشة، وكانت قد خرجت مباينةً لعثمان ومغاضبةً له. وكان بمكّة جمع من بني أميّة فرّوا إليها بعد مقتل عثمان، منهم عبد الله بن عامر، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وعبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد بن أبي العاص ؛ والمغيرة بن شعبة الثقفيّ. وكان يَعلى بن مُنية عامل عثمان على اليمن، فلمّا رأى وفود اليمن تترى على المدينة لمبايعة أميرالمؤمنينعليه‌السلام خرج منها إلى مكّة ومعه أربعمائة بعير بحُملانها وأموال وفيرة، فكانوا يداً واحدة على عليّعليه‌السلام .

تحرّك طلحة والزبير: واستأذن طلحة والزبير أميرَ المؤمنينعليه‌السلام في العمرة فقال لهما: لعلّكما تريدان البصرة! فأقسما أنّهما لا يقصدان غير مكّة.(2)

وفي رواية أبي مخنف، فقالا: اللّهمّ غفراً، إنّما نوينا العمرة. فأذن لهما فخرجا مسرعين جعلا يقولان: لا والله ما لعليّ في أعناقنا بيعة، وما بايعناه إلاّ مُكرَهين تحت السيف! فبلغ ذلك عليّاً فقال: أخذهما الله إلى أقصى دارٍ وأحرّ

____________________

(1) نفسه: 17.

(2) مروج الذهب 2: 357.

٤٥١

نارٍ.(1)

وفي الفتوح: قلت لكما في أوّل الأمر إنّكما تفعلان أمراً من الأمور، فأبيتما إلاّ بيعتي طائعين غير مُكرَهين، والآن فقد أذنت لكما فاذهبا حيث شئتما راشدين. فخرج الزبير وطلحة إلى مكّة، وخرج معهما عامر بن كُرَيز - وهو ابن خال عثمان - فجعل يقول لهما: أبشرا، فقد نلتما حاجتكما، والله لأمدّنّكما بمائة ألف سيف!(2)

إنّ فعل الزبير على ما مرّ بنا من سلّه السيف، وتذكير أمير المؤمنين لهما وقد طلبا الإذن، بما سيكون منهما، ثمّ ادعّا أنّهما بايعا مكرهين تحت السيف! وقد مرّ بنا أنّ عليّاً قد جعل الإمرة لطلحة فأظهر الرفض ومثله فعل مع الزبير وكلاهما قد جعلاها لعليّ وقولهما واحد في أنّه أولى بالأمر منهما ولذا أعطيا الأيمان والمواثيق أن لا يخونا...

عمر بن الخطّاب والزبير: إنّ التوجّس من الزبير وممّا يأتي منه تيقّظ له عمر بن الخطّاب فلم يأذن له بالغزو.

إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: جاء الزبير إلى عمر ابن الخطّاب يستأذنه في الغزو فقال عمر: اجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فردّد ذلك عليه فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها: اقعد في بيتك!

____________________

(1) أنساب الأشراف 3: 22.

(2) الفتوح 2: 276.

٤٥٢

فو الله إنّي لأجد بطرف المدينة منك ومن(1) أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عود على الجمل:

وكان من خبر عائشة أن بلغها - وهي بمكّة - أنّ النّاس بايعوا لطلحة فقالت: إيه ذا الإصبع لله أنت! لقد وجدوك لها محشاً، وأقبلت جذِلةً مسرورة حتّى إذا انتهت إلى «سَرِف»(2) استقبلها عبيد بن مسلمة اللّيثيّ، فسألته عن الخبر، قال: قتل النّاس عثمان. قالت: ثمّ صنعوا ماذا؟ قال: خيراً، أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على ابن عمّ نبيّهم عليّ فبايعوه.

فقالت: أوَ فعلوها؟! وَدِدتُ أنّ هذه أطبقت على هذه إن تمّت الأمور لصاحبك الذي ذكرت! رُدّوني رُدّوني إلى مكّة وهي تقول: قُتل عثمان مظلوماً، والله لأطلبنّ بدمه! فقال لها عُبيد بن مسلمة: ولِمَ؟ فو الله إنّ أوّل من أمالَ حرفه لأنتِ، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر!

قالت: إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه، وقد قلتُ وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأوّل، فقال لها عبيد:

منك البَداءُ ومنك الغيرْ

ومنك الرِّياحُ ومنك المطَرْ

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3: 129 / 4612، قال في التلخيص صحيح.

(2) «سرف» موضع على ستّة أميال من مكّة. معجم البلدان 3: 212.

٤٥٣

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا: إنّه قد كفرْ

فَهَبْنا أطعناك في قتله

فقاتلُه عندنا مَن أمَرْ

فانصرفت إلى مكّة فنزلت على باب المسجد، فقصدت للحجر فسترت، واجتمع الناس إليها فقالت: إنّ عثمان قُتل مظلوماً، ووالله لأطلبنّ بدمه!(1)

فأنت تجد أنّ عائشة قد خرجت مغاضبة لعثمان تنعته بالكفر! وتسمّيه نعثلاً - اسم رجل يهوديّ بمصر، وقيل اسم رجل طويل اللحية بالمدينة كانت عائشة تشبّه به عثمان - وقبل وصولها مكّة بلغها أنّ الناس بايعوا لطلحة فملئت سروراً(2) وأدارت رأس جملها صوب المدينة فلمّا أخبرها عبيد بن مسلمة أنّ البيعة تمّت لعليّعليه‌السلام تمنّت أنّ السماء أطبقت على الأرض!!، فلماذا يا شيخ الإسلام ذلك؟ أو ليس عليّ خليفةً راشداً، سابقاً، أعلمَ مطهّراً بحكم القرآن وأحد أصحاب الكساء، الشاري نفسه لله تعالى، الذي لم تكن لأحدٍ من الصّحابة من الفضائل ما كان له كما قال أحمد بن حنبل؟

____________________

(1) أنساب الأشراف 3: 18، تاريخ الطبريّ 3: 476 - 477، الفتوح 2: 249، تذكرة الخواصّ 66، الكامل في التاريخ 3: 102.

(2) وذلك أنّ طلحة كان من أشدّ المؤلّبين على عثمان هو والزّبير وعائشة. وطلحة من قوم عائشة تيميّ قال عبد الله بن وهب (160 - 240 هـ): حدّثني الليث بن سعد أنّ طلحة بن عبيد الله قال: لئن قبض رسول الله تزوّجت عائشة ؛ قال: فنزل القرآن:( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنّ ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللّهِ عَظِيماً ) (الأحزاب: 53)

قال الليث: عائشة بنت عمّه لأنّه من قومها. قال: وظننتُ أنّ عمر بن الخطّاب حين قال: لقد توفّي رسول الله، وأنّه على طلحة لعاقبٌ - لعلّه لعاتب - لهذا الأمر.

الجامع لابن وهب 2: 164 / 348.

٤٥٤

أم لم يبلغك ما بلغنا من قول عائشة فيه؟ وكيف انقلب الموقف تماماً فصار عثمان الكافر - عندها - مظلوماً؟ وليتها قالت الحقيقة: إنّي وطلحة والزبير قتلنا عثمان فنتوب إلى الله!

صفقةٌ خاسرة:

وفي مكّة اجتمع إلى عائشة طلحة والزبير ومروان وعقدوا صفقةً خاسرة هي حرب أمير المؤمنينعليه‌السلام واتّهامه بما جنت أيديهم من التحريض على قتل عثمان.

عائشة وأم سلمة:

وأقبلت عائشة على أمّ سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي يومئذٍ بمكّة، فقالت لها: با بنت أبي أميّة! إنّك أوّل ظعينة هاجرت مع رسول الله، وأنت كبيرةُ أمّهات المؤمنين، وقد كان رسول الله يَقسم لنا من بيتك، وقد خُبِّرت أنّ القوم استتابوا عثمان بن عفّان حتّى إذا تابَ وثبوا عليه فقتلوه! وقد أخبرني عبد الله بن عامر أنّ بالبصرة مائة ألف سيف يقتل فيها بعضهم بعضاً، فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة لعلّ الله أن يُصلح هذا الأمر على أيدينا؟ فقالت لها أمّ سَلَمة: يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين! والله لقد كنت من أشدّ الناس عليه، وما كنتِ تسمّيه إلاّ نعثلاً، فما لك ودم عثمان؟ وعثمان رجل من عبد مناف وأنت امرأة من بني تيم ابن مرّة. ويحك يا عائشة! أعلى عليّ وابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تخرجين وقد بايعه

٤٥٥

المهاجرون والأنصار؟! ثمّ جعلت أمّ سَلمة تذكّر عائشة فضائل عليّ، وعبد الله بن الزبير على الباب. يسمع ذلك، فصاح بأمّ سَلمة: يا بنت أبي أميّة!! إنّنا قد عرفنا عداوتك لآل الزبير! فقالت أمّ سلمة: والله لتوردنّها ثمّ لا تُصدرنّها أنت ولا أبوك؟ أتطمع أن يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعليُّ بن أبي طالب حيٌّ وهو وليُّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟! فقال عبد الله بن الزبير: ما سمعنا هذا من رسول الله ساعةً قطّ، فقالت أمّ سَلمة: إن لم تكن أنت سمِعَته فقد سمِعَته خالتُك عائشة وها هي فاسألها ؛ فقد سمعته يقول: «عليّ خليفتي عليكم في حياتي ومماتي، فمَن عصاه فقد عصاني». أتشهدين بهذا يا عائشة؟ فقالت عائشة: اللّهمّ نعم! فقالت أمّ سَلمة: فاتّقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذّرك الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تكوني صاحبة الحوأب، ولا يَغرنّك الزبير ولا طلحة فإنّهما لا يُغنيان عنك من الله شيئاً.

وخرجت عائشة من عند أمّ سَلمة وهي حَنِقة عليها، ثمّ إنّها بعثت إلى حفصة فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة، فأجابتها حفصة إلى ذلك، فلمّا نادوا بالرحيل وأرادت حفصة الخروج أتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت، وبعثت إلى عائشة أنّ عبد الله حال بيني وبين الخروج، فقالت: يغفر الله لعبد الله!(1)

أيّ بيّنة أوضح من هذه! فعائشة صارت تطلب بدم عثمان وتتّهم به أبرأ الناس بل وأكثرهم نصرةً له ؛ ذلك هو وليّ المؤمنين وخليفة رسول الله، حيّاً كان

____________________

(1) الفتوح 2: 283، تاريخ الطبريّ 3: 470.

٤٥٦

أو ميّتاً ؛ فطاعته واجبة على عائشة وطلحة... فكيف بخروجها عليه؟!

ولو أجابتها أمّ سلمة، وهذا ممّا لا يخطر ببال أبداً! فخرجت معها هي وحفصة التي أجابت، فلا ندري ماذا سيقول الرجل!

الإعداد للحرب:

ولمّا عزمت عائشة على المسير نَهتَها أمّ سَلمة وقالت لها: يا هذه، إنّ حجاب الله لن يُرفع، وما أنتِ يا هذه وهذا الأمر وقد تنازعته الأيدي وتهافت فيه الرجال، وتسكينُه أصلح للمسلمين، فاتّقي على رسول الله من الافتضاح في زوجته، واتّقي دماً لم يبُحه الله لك. فلمّا رأتها لا تصغي إلى قولها قالت:

نصحت ولكن ليس للنصح قابل

ولو قَبِلت ما عَنَّفتها العواذل

كأنّي بها قد ردّت الحربُ رحلها

وليس لها إلاّ الترجّلُ راحلُ

ثمّ إنّ القوم اجتمعوا في دار عائشة، وأجمعوا على المسير إلى البصرة، وانطلقوا إلى حفصة بنت عمر فقالت: رأيي تبع لعائشة إلاّ أنّ عبد الله بن عمر منعها. وجهّزهم يَعلى بن منية بالمال والجمال، وكتبت أمّ سَلمة رضي الله عنها إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام تعلمه خبر القوم، كما كتبت إليه أمّ الفضل بنت الحارث.

وكان من كلام أمّ المؤمنين أمّ سلمة مع أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين، لو لا أنّي أخاف أن أعصيَ الله وأنّك لا تقبله منّي لخرجت معك، ولكن هذا ابني عمر أعزّ عليَّ من نفسي يخرج معك ويشهد مشاهدك. فخرج معه ولم يزل معه واستعمله على البحرين.

٤٥٧

سار القوم وعلى مقدّمهم عائشة، حتّى إذا بلغت بعض مياه بني عامر نَبَحت عليها الكلاب، فقالت: ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملِها: الحوأب، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك فقالت: ردّوني لا حاجة لي في المسير.

فقال الزبير: بالله ما هذا الحوأب! ولقد غلط فيما أخبرك به. ولحقها طلحة فأقسم أنّ ذلك ليس ماء الحوأب، ثمّ جاء عبد الله بن الزبير وحلف لها على ذلك ؛ وأقاموا لها خمسين رجلاً من الأعراب يشهدون أنّه ليس ماء الحوأب، وجعلوا لهم جُعلاً - أي مالاً - وكانت أوّل شهادة زور أقيمت في الإسلام.(1)

التزاحم على إمامة الصلاة:

كان مؤذّنهم مروان بن الحكم - طريد رسول الله - فقال: من أدعو للصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: ادعُ أبا عبد الله. وقال محمّد بن طلحة: ادع أبا محمّد. فقالت عائشة: ما لنا ولك يا مروان؟! أتريدأن تغري بين القوم وتحمل بعضهم على بعض؟! فليصلّ اكبرُهما، فصلّى الزبير.(2)

«وتشاحّ طلحة والزبير في الصلاة بالناس، ثم اتفقوا على أن يصلّي بالنّاس عبد الله بن الزبير يوماً، ومحمّد بن طلحة يوماً، في خَطبٍ طويل كان بين طلحة والزبير إلى أن اتّفقا على ما وصفنا».(3)

____________________

(1) مروج الذهب 2: 358، الفتوح 2: 288، أنساب الأشراف 3: 24، المعيار والموازنة: 55.

(2) أنساب الأشراف 3: 24.

(3) المعيار والموازنة: 56، مروج الذهب 2: 358.

٤٥٨

وقفة قصيرة:

هذه هي مواقف المصلحين - كذا! - يكذبون، ويحلفون كذباً، ويفتحوا باب شهادة الزور...، ويتشاحّون على إمامة صلاة الجماعة ؛ فكيف إذن الإمامة الكبرى، إمامة المجتمع الإسلاميّ؟!

ولقد أنبأ أمير المؤمنينعليه‌السلام عمّا سيصير إليه القوم، لمّا بلغه مسير القوم، قال: «قد سارت عائشة والزبير وطلحة، وكلّ يدّعي الأمر دون صاحبه، يطلبه طلحة لأنّه ابن عمّ عائشة، ولا يرى الزبير إلاّ أنّه أحقُّ بالخلافة لأنّه خَتنُ عائشة. فو الله لئن ظفروا بما يريدون، ولا يرون ذلك أبداً! ليضربنّ طلحةُ عنقَ الزبير، والزبيرُ عنقَ طلحة ؛ تنازعاً شديداً على الملك».(1)

ولما اقترب القوم من البصرة بعث اليهم عثمانُ بن حُنيف والي أميرالمؤمنين على البصرة عمرانَ بن الحُصَين الخزاعيّ، وأبا الأسود الديليّ - الدّؤليّ - فلمّا دخلا عليها قالا لها: يا أمّ المؤمنين! أبعهدٍ من رسول الله خرجتِ من بيتك؟ ألم يبايع الناس لابن عمّ نبيّهم ووصيّ رسولهم كما تعلمين؟ فتركتِ بلد رسول الله وحرَمه وأتيتِ البصرة! قالت: جئنا نطلب بدم عثمان! فقال عمران ابن حصين: ليس بالبصرة أحد من قتلة عثمان. قالت: لكنّهم مع عليّ بن أبي طالب فجئنا لنقاتلهم فيمَن تَبِعَنا من أهل البصرة وغيرهم!! غضبنا لكم من

____________________

(1) المعيار والموازنة: 53.

٤٥٩

السوط والعصا على عثمان(1) ، ولا نغضب لعثمان على السيف؟! فقالا لها: وما أنت من سيفنا وسوطنا وسوط عثمان وعصاه؟ إنّما أنت حبيسة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أمرك أن تقرّي في بيتك وتذكري ما يُتلى فيه من آيات ربّك، فتركتِ ذلك وجئت تضربين الناس بعضهم ببعض، ولستِ من طلب الدماء وحضور القتال في شيء، وعليّ أولى بعثمان منك. فقالت: وهل أحد يقاتلني؟! قالا: إي والله قتالاً أهوَنُه الشديد.

وقال لها عمران بن حصين: اتّقي الله يا أمّ المؤمنين، فإنّ الله إنّما عظّمك وشرّفك في أعين الناس ببني هاشم، فاتّقي الله واحفظي قرابة عليّ من رسول الله وحبّه إيّاه ؛ قد بايع الناس بعد رسول الله أباك ولم يخالف ولم ينكث، ثمّ جعله عمر سادس ستّة، ثمّ كان من أحداث عثمان وأمر الناس فيه ما قد علمتِ، وكنتِ أشدّ الناس فيه قولاً وأكثرهم عليه تحريضاً. ثمّ بايعه الزبير وطلحة والناس، وأتتنا كتبهم بذلك فرضينا وبايعنا، فما الذي بدا لكم؟!

فلم يكن عندها شيء أكثر من أن قالت: القياطلحة. وقالت لأبي الأسود: قد بلغني عنك يا أبا الأسود ما تقول فيّ! فانصرف عمران وأبو الأسود إلى ابن حُنيف، وجعل أبو الأسود يقول:

____________________

(1) فمجيء عائشة وطلحة والزبير ومن تبعهم إنّما للقتال لا للإصلاح... وإقرار صريح منها بما كان منها بحقّ عثمان، وسوطه وعصاه إشارة إلى عدوان عثمان على أبي ذرّ الغفاريّ وتسييره إلى الربذة ليموت وحيداً في الفلاة، وعلى عبد الله بن مسعود حتّى أصابه الفتق وعلى عمّار بن ياسر...

٤٦٠