ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب15%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88228 / تحميل: 19606
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[6]

قول رسول الله (ص):

(أول من يدخل الجنة: شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده،

ورجل عفيف متعفف (1) ذو عبادة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل الحديث 8. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 20.

كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 99، المجلس 12، الحديث الاول، ووراه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، عن صحيفة الرضا عليه السلام ومجالس المفيد وفي 71: 272 و 72: 126، ذيل الحديث السابق (5) عن العيون وفي 74: 144.

والعلامة النوري في مستدرك الوسائل 15: 489 الحديث 5، عن العيون.

ورواه العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 3: 9 بلفظ: (وعبد أحسن).

فقه الحديث:

الاوائل ممن يدخل الجنة - حسب ما ورد في هذا الحديث - ثلاثة فالشهيد - وهو من يقتل في سبيل الله - قد صرح القرآن بدخوله الجنة في آيات وعدد ما لهم من النعيم في بعضها، حيث قال:

( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ) (2) .

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي متكلف على العفة).

(2) النساء 4 / 69.

٨١

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبييل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .

والثاني: العبد المخلص في طاعة ربه، والذي يمحض سيده النصيحة ويعمل بما يرضاه.

والثالث: هو الفقير الذى لا يظهر فقره، وقد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ) (2) وليست العفة وحدها تسبب دخوله الجنة، بل لابد من أن يكون عابدا لله تعالى.

وملاحظة الحديث بصورة عامة تكشف عن أن المحور الاساسي في دخول الجنة هو عبادة الله سبحانه، أما الاخيران فقد صرح فيهما بلزوم العبادة، وأما الاول، فلان الشهيد لا يكون مفتخرا بوسام الشهادة إلا إذا كان في قتله في سبيل الله وطاعته، فتكون الطاعة والعبادة هي السبب في إدخاله الجنة فما هي العبادة؟

ورد في الحديث عن عيسى بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما العبادة؟ قال: (حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها...) (3) .

وفي حديث المعراج: (يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا؟ قال لا يا رب، قال إذا اجتمع فيه سبع خصال، ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحي مني في الخلاء وأكل ما لابد منه، ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الاخيار لحبي إياهم) (4) .

__________________

(1) آل عمران 3 / 169، والبقرة 2 / 154.

(2) البقرة 2 / 273.

(3) الكافي 2: 83.

(4) البحار 77: 30.

٨٢

[7]

قول رسول الله (ص)

أول من يدخل النار: أمير مسلط (1) لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه (2)

وفقير فخور (3) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل حديث 8 أيضا، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الحديث 20، وعنه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، الحديث 75، عن صحيفة الرضا عليه السلام و 73: 126، الحديث 8، ذيل الحديثين السابقين (5 و 6)، عن العيون، و 73: 290، الحديث 10 و 75: 341 و 96: 13، الحديث 22، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 7: 34، الحديث الاول عن كتاب دعائم الاسلام 1: 247.

ورواه من العامة:

الديلمي في الفردوس، الحديث 32 و 33، عن علي، وفيه: (أول من يدخل النار سلطان مسلط لم يعدل). (أول من يدخل النار سلطان جائر وذو إثرة).

فقه الحديث:

الامارة والسلطة على الناس هي من الامور التي لا يحسد عليها الامير

__________________

(1) في هامش صحيفة الرضا، عن بعض النسخ: (إمام متسلط). وفي البحار 69: 393 و 73: 290 و 75: 341: (إمام متسلط).

(2) في الصحيفة: (لم يقض حقه). وفي الهامش، عن بعض النسخ: (لم يعط من المال حقه).

(3) في المستدرك: (ومفتر فاجر). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ، (فقير فجور).

٨٣

فإنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الامير المسلط، من تطبيق العدل، ورفع الظلم والاحسان إلى الاخرين. وهذا مما لا يمكن لكل إنسان مسلط إجرائه بحذافيره إلا من عصم الله، خصوصا مع ما يتمتع به من أنانية وجهل وغرور وحرص.

فأي إمير لا يهتم بشؤون المجتمع الذي يحكمه، فإنه يكون أول من يرد النار حسب هذا الحديث الشريف، ومن يدخل النار مقترنا بورود هذا الامير ذو الثروة الذى لم يعط حق المال، من الزكاة والخمس والحقوق اللازمة للثروات.

وأما الفقير الفخور، فإن السر في دخوله النار هو الفخر لا الفقر، وقد ورد الذم في القرآن الكريم لمن كان مختالا فخورا فقال سبحانه، ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) (1) . وفي الحديث: لا حمق أعظم من الفخر، والافتخار من صغر الاقدار. وإن أول من هوى بالفخر هو إبليس. وفي البحار عن أمير المومنين علي عليه السلام: (ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) (2) . وإن كان ولابد من الافتخار فليكن الفخر بما ورد في الدعاء والمناجاة مع الله: (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).

وفي غرر الحكم عن علي عليه السلام: (ينبغي إن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم، ورذائل الشيم) (3) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس من آدم شرع سواء).

__________________

(1) لقمان: 31 / 18.

(2) البحار 73: 294 و 78.

(3) ميزان الحكمة 7: 419.

٨٤

[8]

قول رسول الله (ص):

(لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن (1) ما حافظ على الصلوات (2) الخمس (3)

فإذا ضيعهن (4) تجرأ (5) عليه (6) وأوقعه (7) [في] (8) العظائم).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 9. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 21، كما رواه في الامالي: 391، الباب 73، الحديث 9، وثواب الاعمال: 274، الحديث 3. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 269، الباب 168، الحديث 8. والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236، الحديث 933.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 227، الحديث 54، عن المعتبر، وفي 83: 11، الحديث 12، و 83: 13، الحديث 22، عن العيون وصحيفة

__________________

(1) في البحار 82: 227، عن المعتبر: (من أمر المؤمن). وفي هامش صحيفة الرضا عليه السلام عن بعض النسخ: (من المؤمنين ما حافظوا).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (الصلاة). وفي الوسائل: (مواقيت الصلوات).

(3) في الوسائل زيادة: (لوقتهن).

(4) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ضيعوها).

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يجرأ). وعن بعضها: (يجرؤ)، وفي المعتبر: (اجترأ عليه). وهنا ينهى الحديث في المعتبر.

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (عليهم).

(7) في الوسائل 3: 18 و 81: (فأدخله في).

(8) من البحار 83: 14، والوسائل 3: 18 و 281 وصحيفة الرضا عليه السلام.

٨٥

الرضا عليه السلام.

ورواه العلامة النوري في المستدرك 3: 30، الحديث 11، عن المحقق في المعتبر، مع اختلاف.

ورواه الحر العاملي في الوسائل 3: 18 الباب 7 من ابواب أعداد الفرائض الحديث 2. بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم). كما رواه في 3: 81، بإسناده عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي السكوني، عن ابن فضال، عن سعيد بن غزوان، عن اسماعيل ابن ابي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم، ذعرا منه، ما صلى الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم).

قال المحدث العاملي: ورواه البرقي في المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال، مثله (1) .

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 14، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19061، عن أبي نعيم. ورواه أبو بكر محمد بن الحسين النجار، في أماليه. والرافعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في التدوين. ورواه الديلمي في الفردوس، الحديث 7591، عن علي عليه السلام.

__________________

(1) انظر المحاسن 1: 82، الحديث 12.

٨٦

[9]

قول رسول الله (ص):

(من أدى (1) فريضة (2)

فله عند الله دعوة مستجابة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 10، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 الباب 31، الحديث 22. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 118، الباب 14، الحديث الاول. والشيخ الطوسي في أماليه 2: 608، الباب 26.

ورد معناه في الكافي 3: 498، الباب 27، الحديث 8. والفقيه 2: 62 الباب 112، الحديث 1710.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 207، الحديث 13 عن العيون 2: 28 و 85: 321، الحديث 7: عن العيون 2: 28، الحديث 22 وصحيفة الرضا عليه السلام: 10 وأمالي الطوسي 2: 210 وأمالي المفيد 76 وفي البحار 93: 344، الحديث 8، عن أمالي المفيد: 76.

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 11، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله ابن احمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص)...).

__________________

(1) في الوسائل: (من صلى).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فريضته).

٨٧

وروى في الحديث 12، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله إلا كان له عند أدائها دعوة مستجابة).

كما رواه في الوسائل 4: 1016، الحديث 11، عن الامالي. وفي 4: 1015 الحديث 10، عن أمالي ابن الشيخ 1: 295، بإسناده عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام وفي 4: 1116، الحديث 10، عن الامالي.

ورواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 27، الحديث 47 وعنه البحار 86: 218، الحديث 34 و 93: 347، الحديث 14، والمستدرك 1، 355 الحديث 8.

وروى نحوه البرقي في المحاسن 1: 50، الحديث 72. وعنه الوسائل 4: 1016، الحديث 12. والبحار 8: 322، الحديث 10.

وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 112. وابن فهد الحلي في عدة الداعي: 58، وعنه الوسائل 4: 1015، الحديث 9.

والشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر 2: 76 و 168.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19040، عن الديلمي، عن علي عليه السلام.

والشوكاني في الفوائد المجموعة للشوكاني: 28.

ورواه الديلمي في الفردوس عن سلمان الفارسي، الحديث 5921، وفيه زيادة: (في شهر رمضان).

وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

والطبراني في الكبير بلفظ: (من صلى فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة).

٨٨

[10]

قول رسول الله (ص):

(العلم خزائن، ومفتاحه (1) السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة:

السائل، والمعلم، والمستمع (2) والمحب لهم (3) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 11. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 23. وفي الخصال: 245 الباب 4، الحديث 101، عن ابن المغيرة، بإسناده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، مع اختلاف ذكرناه في الهامش.

ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، 239. والعلامة المجلسي في البحار 1: 196 و 197، الحديث 3، عن صحيفة الرضا عليه السلام. وكنز الفوائد، باختلاف يسير ذكرناه في الهامش. وكذا في 10: 368، الحديث 12.

ورواه البحراني في العوالم 3: 217، الحديث الاول، عن الكنز. وفي الصفخة 219، الحديث 5، عن الخصال. وأورد صدره في منية المريد، 71، عن الصادق عليه السلام، عنه البحار 1: 198، الحديث 7، والعوالم 3: 219، الحديث 7.

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (ومفتاحها) وفي هامش الصحيفة عن (ن): (ومفاتيحه). وعن بعض النسخ: (ومفتاحه). وفي البحار: (ومفاتحه). وفي الخصال: (والمفاتيح).

(2) في كنز العمال: (والمستمع والسامع)

(3) في صحيفة الرضا عليه السلام: (والمحب له). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (والمجيب له).

٨٩

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 28662. عن علي عليه السلام. والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1: 99. والعراقي في المغني عن حمل الاسفار 1: 10. وأبو نعيم في حلية الاولياء 3: 192. والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 2: 85. والسيوطي في الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: 115. والديلمي في الفردوس، الحديث 4192. والرافعي في التدوين 3: 3. وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

فقه الحديث:

من خصوصيات الدين الاسلامي والمذهب الشيعي هو الحث على العلم والتعليم، وهذا الحديث يبين طريقة الاستفادة من العلماء، وهو اقتراح فريد وهام لا يقف على أهميته إلا من واجه الامر بصورة جدية.

فالعالم - وهو الذى أتعب نفسه في تحصيل العلم مثل في الحديث بالكنز والخزينة المحتوية على أنواع التحفيات والذخائر، لا يمكن أن تثار محتوياته كلها - قد يتحير هو عند ما يطلب منه الافادة في نقطة الانطلاق، والموضوع الضروري الذي ينبغي طرحه في هذا المجلس الخاص، أو بالنسبة إلى هذا المستمع بالخصوص.

وقد يكون ما يطرحه من مواضيع لا تفيد السامعين فائدة تامة لبعدها عن واقع حياتهم وحاجتهم الفعلية.

أما لو كان المتعلم هو البادئ بالسؤال والمفترح لموضوع البحث، فإن الفائدة المتوخاة تكون قطعية.

وربما كانت هناك نقاط يستفيدها المسؤول من نفس السائل، فيطرح الجواب بصورة تكون أنفع بحال السائل مما لو كان طرحه ابتداء ومن دون سؤال مسبق.

٩٠

[11]

قول رسول الله (ص):

لا تزال امتي بخير ما تحابوا (1) ، وأدوا الامانة، وأجتنبوا الحرام (2) ، وقروا الضيف (3)

[وأقاموا الصلاة] (4) وآتوا (5) الزكاة، فإذا (6) لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (7) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 12. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 9، الحديث 25. وثواب الاعمال: 300 الحديث الاول. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2: 260. والسبزواري في جامع الاخبار، الحديث 1052.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 69: 394، الحديث 76. و 405 الحديث 110. و 71: 206 الحديث 11. و 73: 352، الحديث 52. و 74: 392، الحديث 10. و 75: 115، الحديث 7. و 75: 460 الحديث 14. و 82: 207، الحديث 14. و 96: 14، الحديث 23، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام،

__________________

(1) في العيون، والبحار: 71 و 73 و 74، والوسائل، زيادة: (وتهادوا).

(2) لم ترد عبارة: (وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام) في البحار 69: 405.

(3) في صحيفة الرضا: (واقرؤوا). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وقروا). وفي بعض النسخ: (ووقروا). وعن بعضها: (وقرؤوا) - من القرى -.

(4) الزيادة من صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث 12، والبحار 69: 394 و 71: 206 و 73: 352 و 74: 392 و 75: 460. والمستدرك 16: 258. والوسائل.

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وأدوا).

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فإن).

(7) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (بالسنين والقحط). وفي البحار 69: 405: (بالسنين والجدب).

٩١

وصحيفة الرضا عليه السلام، وأمالي الطوسي، وجامع الاخبار، مع اختلاف في بعض الموارد. ورواه العلامة النوري في المستدرك 16: 258، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

كما روى معناه المحدث العاملي في الوسائل 11: 202. و 16: 557.

ورواه من العامة:

ابن خزيمة في صحيحه: 339 وابن عبد البر في التمهيد 8: 91. والبخاري في التأريخ الكبير 7: 34.

فقه الحديث:

يؤكد النبي (ص) في هذا الحديث على ستة أشياء، هي اسس سعادة المجتمع وأولها المحبة، فالحب هو أساس الثقة والسبب في التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع. وقد ذكر الرسول الاعظم بعض ما يورث المحبة في حديث أورده العلامة المجلسي في البحار (70: 15) فقال (ص): (إرغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).

وروي: (البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، وقربة من الله) (1) .

وعن الصادق عليه السلام، (ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل) (2) .

وأما الخصال الاخرى من أداء الامانة، وإجتناب الحرام، وأضافة الضيوف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأثارها الاجتماعية واضحة.

وكون ترك هذه الامور موجبة للقحط والجدب، يستفاد من قوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (الاعراف: 7 / 96).

__________________

(1) تحف العقول: 217.

(2) البحار 78: 229.

٩٢

[12]

قول رسول الله (ص):

(ليس منا من غش (1) مسلما (2) أو ضره (3) أو ما كره (4) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 13. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الباب 21 (في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة) الحديث 26.

ورواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار 10: 367، الحديث 4. وفي 75: 285، الحديث 5، عن العيون. ورواه العلامة الحر العاملي في الوسائل 12: 211، الحديث 12 عن العيون. ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 9: 82، الحديث 9. وفي 13: 201، الحديث 1، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه الفقيه الايلاقي في جامع الاحاديث بالرقم 379.

هذا وروى معناه في الكافي 5: 160. ومن لا يحضره الفقيه 3: 273 وأمالي الصدوق: 223. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 50. وثواب الاعمال 2: 320. وسلسلة الابريز: 84.

ورواه من العامة:

السيوطي في الجامع الصغير 2: الحديث 7688. وروى معناه الطبراني

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي خان).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (مؤمنا).

(3) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (أو غره).

(4) المماكرة: من المكر وهو الخداع.

٩٣

في الكبير: 10234، والصغير 1: 161. وأبو نعيم في حلية الاولياء 4: 188 - 189. والترمذي: 1315. والحاكم في المستدرك 2: 9. وابن ماجه في سننه: 224 و 225. والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 78 و 79 و 8: 16. والسنن الصغير للبيهقي 2: 1938. ومسلم في صحيحه: 101 و 102. وابن حبان: 556 و 1107. والخطيب في تأريخه 3: 178. والمتقي في كنز العمال 4: 9503، 9506 و 9975.

فقه الحديث:

النصيحة للمسلمين فريضة لازمة لحفظ العدالة الاجتماعية، وبسط الاعتماد بين أفراد المجتمع، وعند نقشي الغش والاضرار والمكر فإنه يوجب الحقد والعداء والتفرقة بين أفراد المجتمع، فإن الحقيقة لا تبقى خافية إلى الابد، وبمجرد أن تنكشف يتولد البغضاء والتصدي للمقابلة بالمثل والانتقام.. إلى غير ذلك.

وفي حديث: (الغش شيمة المردة، ومن أخلاق اللئام، ومن علامات الشقاء) (1) .

وأما الاضرار بالغير والمكر، فهي كالغش في إيجاد التفرقة والفساد. وقد ورد النهي عن الضرر والضرار في ضمن أحاديث كثيرة، وكتب فيها العلماء رسائل متعددة، وقيل في معنى الضر: أن ينقص الرجل أخاه شيئا من حقه، وفي المكر، إن أصله الخداع (2) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر العرب) (3) .

__________________

(1) ميزان الحكمة 7: 220.

(2) راجع النهاية: لابن الاثير، مادة: (ضرر) و (مكر).

(3) البحار 41: 109.

٩٤

[13]

قول رسول الله (ص):

(قال الله تعالى: يابن آدم، لا يغرنك (1) ذنب الناس عن ذنبك (2)

ولا نعمة الناس عن (3) نعمة الله تعالى عليك

ولا تقنط الناس (4) من رحمة الله (5) وأنت ترجوها لنفسك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 15، ورواه الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 27. وأورده العلامة المجلسي في البحار 70: 388، الحديث 55. و 71: 45، الحديث 50. و 73: 359، الحديث 81. وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 72، عن الباقر، عن النبي (ص) والشيخ ورام في تنبيه الخواطر 2: 77، عن علي، عن النبي (ص).

ورواه من العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 4: 316. وابن عراق في تنزيه الشريعة 2: 344.

__________________

(1) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (لا يغرك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ذنب نفسك).

(3) في البحار 70: 388: (من).

(4) في هامش الصحيفة: (لم ترد (من نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس) في بعض النسخ).

(5) في صحيفة الرضا عليه السلام زيادة: (تعالى عليهم). وفي البحار زيادة: (تعالى). وفي هامش الصحيفة: (لم ترد (عليهم) في العيون والبحار) وعن بعض النسخ: (عليك).

٩٥

[14]

قول رسول الله (ص):

(ثلاثة (1) أخافهن على امتي (2) :

الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة (3) البطن والفرج).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 17. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29: الباب 31، الحديث 28 والمواعظ: 104، الباب 9، الحديث 1. ومن لا يحضره الفقيه 4: 407، الباب 175، الحديث 5881. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 111، المجلس 13. الحديث الاول. والشيخ الكليني في الكافي 2: 79، الباب 38، الحديث 6. والشيخ الطوسي في أماليه 1: 158، الباب 6، الحديث 15. والعلامة المجلسي في البحار 10: 368، الحديث 15. و 22: 451، الحديث 7، عن العيون، وعن أمالي الشيخ: 97 و 98. وفي البحار 71: 273، الحديث 19، عن المحاسن 1: 295 الحديث 462. ورواه المحدث العاملي في الوسائل 11: 198، كتاب الجهاد الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5. والعلامة النوري في المستدرك 11: 276، الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 11، عن أمالى المفيد.

ورواه من العامة:

التبريزي في مشكاة المصابيح، الحديث 3712. والمتقي الهندي في كنز العمال،

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام، والبحار: (ثلاث).

(2) في صحيفة الرضا عليه السلام والبحار وكنز العمال زيادة: (من بعدي).

(3) في كنز العمال: (وشهوات).

٩٦

الحديث 43864، عن الديلمي، عن أنس.

فقه الحديث:

الحديث الشريف يبين أمورا هي أعظم الاخطار التي تهدد كيان الامة ويعرف المسلمين ذلك للاجتناب عنها والحذر منها. أولها: الضلالة بعد المعرفة، فإن الهداية الالهية بإرشاد الناس إلى الدين القويم والتمسك بشريعة سيد المرسلين مهدد بميل النفس إلى الضلال والغواية، والشيطان بالمرصاد لكل مؤمن متقي ليلقيه في أحضان الكفر والضلال. فلابد للانسان المسلم من الحذر عن الوقوع في الضلالة بالاستزادة من نور المعرفة، وارتياد مجالس العلم، وطلب الحكمة أينما كانت ليكون على أتم استعداد لمواجهة قوى الكفر والضلال.

وأما الفتن، وهي ثاني الامور التي تهدد كيان المسلم إذا لم يتأهب لها بالتسلح بالعلم والعقيدة الصحيحة. والفتنة لابد منها، فبها يمتاز الصادق في إيمانه عن المتظاهر، والمؤمن عن الكافر، والمستقيم على الهدى عن غيره، قال سبحانه: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) (العنكبوت: 29 / 1).

فالفتنة بالنسبة إلى المؤمن المتقي الثابت تكون كالكير ينفي خبث الحديد وهو تمحيص، وأما بالنسبة إلى من لم يأخذ من الايمان بالحظ الا وفى فقد توجب له الانزلاق والتردي في الضلال والارتداد بعد الهدى، فلا بد قبل أوان الامتحان من الاستزادة بالعلم والمعرفة وتقوية جذور الايمان في القلب، حتى لا يكون الممتحن فيها من الفئة الاخيرة.

وأما شهوة البطن والفرج، فهما من أعظم الفتن التي ابتلي بها الانسان في الدنيا، وهما مصدر كل شر لو لم يتوقى الانسان من شرهما بتهيئة ما يغنيهما من الحلال.

٩٧

[15]

قول رسول الله (ص)

(أتاني ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك (1) السلام، ويقول (2) :

إن شئت جعلت لك بطحاء مكة (3) ذهبا. قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت (4) :

يا رب (5) أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 76. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 36، كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 124، المجلس 15، الحديث الاول. والسبزواري في جامع الاخبار: 126. والحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 52، الحديث 139. وعنه البحار 16: 283، الحديث 130. ومشكاة الانوار: 294. ورواه العلامة المجلسي في البحار 16: 220، الحديث 12، عن العيون، وصحيفة الرضا عليه السلام. وفي 72: 164، الحديث 13، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 12: 52 الباب 63 من

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (يقرأ عليك). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يقرأك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ويقول لك).

(3) بطحاء مكة، ويقال لها الابطح أيضا، وهو البطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

(4) كذا في أمالي المفيد، وفي الاصل: (فأرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي المصادر الاخرى: (فرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي البحار (16: 220): (فرفع رأسه إلى السماء وقال). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فرفعت رأسي إلى السماء فقلت).

(5) في كنز العمال: (لا يا رب).

٩٨

أبواب جهاد النفس، الحديث 3، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط: 37. وفيه: (جاء إلى رسول الله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (1) ذهب. قال: فرفع رأسه... الحديث).

ورواه من العامة:

أحمد بن حنبل في المسند 4: 30. والمتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 18616، عن الحسن، عن أمير المؤمنين عليه السلام. والسيوطي في الدر المنثور 5: 338، ورواه الجزري في جامع الاصول 10: 137، ذيل الحديث 7614.

والترمذي في سننه برقم 2348، بلفظ، (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا...).

فقه الحديث:

النبي (ص) اسوة كل مسلم في كل شئ، وقد اختار الله له أن يكون أعرف الناس بالحقائق، فمن هناك عزف عن المال والذهب وما يتعلق بالدنيا، وانتخب الزهد، ليكون دائم الاتصال بربه، إذا جاع سأله، وأذا شبع شكره.

وهذا تعليم لاتباعه على سلوك نفس الطريق وعدم التكالب على الدنيا، لانه موجب للاعراض عن الاخرة، والغفلة عن الرب تعالى. وقد قال الله تعالى: ( إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ) (2) ، فالغني موجب للطغيان إلا من عصم الله.

__________________

(1) الرضراض: الحصى أو صغارها، والارض المرضوضة بالحجارة. والمراد دقاق الذهب، أي ما رض منه.

(2) العلق: 96 / 6.

٩٩

[16]

قول رسول الله (ص):

(عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة [لا محالة] (1) ،

وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق (2) في النار لا محالة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 86. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 31، الباب 31، الحديث 41، وعنهما البحار 71: 386، الحديث 31. ورواه الطبرسي في مجمع البيان 5: 333، وعنه البحار 71: 383. ورواه العلامة المجلسي في البحار 10: 369، الحديث 19. والمحدث العاملي في الوسائل 8: 506 الباب 104 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 17 و 11: 324، الباب 69 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

وورد مرسلا في روضة الواعظين: 441، ومشكاة الانوار: 223.

ورواه من العامة:

الحاكم في المستدرك 1: 23. والديلمي في مسند الفردوس، الحديث 4033، عن علي عليه السلام.

فقه الحديث:

الخلق الحسن مفتاح السعادة والفلاح، ليس في الدنيا فقط، بل هو مفتاح الجنة أيضا.

فصاحب الخلق الحسن كثير الاصدقاء والاعوان والاحبة، وإن كان

__________________

(1) من صحيفة الرضا عليه السلام والمصادر الناقلة لهذا الحديث.

(2) في هامش النسخة: (أي صاحب سوء الخلق).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) (١) .

قال : ويتعلّق الزوج بزوجته ، فيقول : يا فلانة ! أيّ زوج كنت لك في الدنيا ؟ فتثني عليه خيراً وتقول : نعم الزوج كنت لي ، فيقول لها : أطلب منك حسنة واحدة لعلّي أنجو بها ممّا ترين من دقّة الحساب ، وخفّة الميزان ، والجواز على الصراط ، فتقول له : لا والله ، إنّي لا أُطيق ذلك ، وإنّي أخاف مثل ما تخافه أنت ، فيذهب عنها بقلب حزين حيران في أمره .

وذلك ورد في تأويل قوله تعالى :( وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) (٢) ، يعني إنّ النفس المثقلة بالذنوب تسأل أهلها وقرابتها أن يحملوا عنها شيئاً من حملها وذنوبها ، فإنّهم لا يحملونه بل يكون حالهم يوم القيامة نفسي نفسي ، كما قال تعالى :( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) (٣) .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبرني جبرئيل قال : بينما الخلائق وقوف في عرصة القيامة إذ أمر الله تعالى ملائكة النار أن يقودوا جهنّم ، فيقودوها سبعون ألف ملك في سبعين ألف زمام ، فيجد الخلائق حرّها ووهجها من مسيرة شهر للراكب المجد ، وقد تطاير شررها وعلا زفيرها .

فإذا دنت من عرصة القيامة صارت ترمي بشرر كالقصر ، فلا يبقى يومئذ من نبي ولا وصي نبي ولا شهيد إلاّ وقع من قيامه جاثياً على ركبتيه وغيرهم من سائر الخلائق إلاّ ويخرّ على وجهه ، وكل منهم ينادي بأعلى صوته : يا ربّ نفسي نفسي إلاّ أنت يا نبي الله ، فإنّك قائم تقول : يا ربّ نجّ ذرّيتي وشيعتي ومحبّ ذريتي .

____________

(١) المؤمنون : ١٠١ .

(٢) فاطر : ١٨ .

(٣) عبس : ٣٧ـ٣٤ .

١٢١

قال : فيطلب النبي أن تتأخّر عنهم جهنّم ، فيأمر الله تعالى خزنتها أن يرجعوها إلى حيث أتت منه ، وذلك في تفسير قوله تعالى في سورة الفجر :( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) (١) ، معنى يومئذ : أي يوم القيامة ، ومعنى يتذكّر : أي ابن آدم يتذكّر ذنوبه ومعاصيه ، ويندم كيف ما قدم ماله ليقدم عليه يوم القيامة ، وقوله تعالى( وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) أي أنّى له الذكرى يوم القيامة حيث ترك الذكرى في دار الأعمال ، وما تذكّر حاله في دار الجزاء ، فما عاد تنفعه الذكرى يومئذ .

وقوله يحكي عن ابن آدم :( يقول يا ليتني قدّمت لحياتي ) (٢) أي قدّمت أمامي ، فتصدّقت به لوجه ربّي ، وتزيّدت من عمل الخير والصلاة والعبادات والتسبيح ، وذكر الله تعالى حتّى نلت به في هذا اليوم درجات العلى في الآخرة ، والنعيم الدائم في أعلى الجنان مع الشهداء والصالحين .

وإنّما سمّى الله الآخرة الحياة ؛ لأنّ نعيم الجنّة خالد دائم لا نفاد له ، باقٍ ببقاء الله تعالى ، بخلاف الدنيا فإنّ الحياة فيها منقطعة ، مع أنّه مشوب بالهمّ والغمّ والمرض والخوف والضعف والشيب والدين وغير ذلك .

فاستيقظ يا أخي من نومك ، واخرج من غفلتك ، حاسب نفسك قبل يوم الحساب ، واخرج من تبعات العباد ، وصالح الذين أخذت منهم الربا ، واعتذر إلى مَن قذفته بالزنا واغتبته ونلت من عرضه ، فإنّ العبد مادام في الدنيا تُقبل توبته إذا تاب من ذنوبه ، وإذا اعتذر من غرمائه رحموه وعفو عنه وأسقطوا عنه حقوقهم الذي عليه ، فأمّا في الآخرة فلا حق يوهب ، ولا معذرة تقبل ، ولا ذنب يغفر ، ولا بكاء ينفع ](٣) .

____________

(١) الفجر : ٢٣ .

(٢) الفجر : ٢٤ .

(٣) إلى هنا تمّ ما نقلناه من ( ج ) و ( د ) .

١٢٢

وقالعليه‌السلام :ما فرغ امرء فرغة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة (١) يوم القيامة ، فما خلق امرء ليلهوا (٢) .

وانظروا إلى قوله تعالى :( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) (٣) .

وقال تعالى :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ) (٤) .

واعلموا أيّها الإخوان أنّ العمر متجر عظيم الربح ، وكلّ نَفَس منه جوهرة ، وكيف لا يكون ذلك وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن قال ( أشهد أن لا اله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولد ) ، كتب الله له بكلامه خمساً وأربعين ألف ألف حسنة ، ومحى عنه خمساً وأربعين ألف ألف سيّئة ، ورفع له خمساً وأربعين ألف ألف درجة في علّيين (٥) .

وقال له جبرئيل : يا رسول الله صلّى الله عليك وآلك ، كل شيء يحصى ثوابه إلاّ قول الرجل : ( لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له ) فإنّه لا يحصي ثوابه إلاّ الله تعالى ، فإنّ الله تعالى ادخر لك ولاُمّتك قوله :( فاذكروني أذكركم ) (٦) .

وأنّه سبحانه يقول :أهل ذكري في ضيافتي ، وأهل طاعتي في نعمتي ، وأهل شكري في زيادتي ، وأهل معصيتي لا اؤيسهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن مرضوا فأنا طبيبهم ، أداويهم بالمحن والمصائب لأُطهرهم من الذنوب والمعايب (٧) .

وقال علي بن الحسينعليه‌السلام :العقل دليل الخير ، والهوى مركب المعاصي ، والفقه وعاء العمل ، والدنيا سوق الآخرة ، والنفس تاجر ، والليل والنهار

____________

(١) في ( ج ) : ما فزع امرء فزعة إلاّ كانت فزعته .

(٢) عنه معالم الزلفى : ٢٤٥ .

(٣) القيامة : ٣٦ .

(٤) المؤمنون : ١١٥ .

(٥) التوحيد للصدوق : ٣٠ ح ٣٥ ، عنه البحار ٩٣ : ٢٠٦ ح٥ .

(٦) البقرة : ١٥٢ .

(٧) راجع البحار ٧٧ : ٤٢ ح١٠ .

١٢٣

رأس المال ، والمكسب الجنّة ، والخسران النار ، وهذه والله هي التجارة التي لا تبور ، والبضاعة التي لا تخسر .

سوق مثله(١) صلوات الله عليه وآله ، وسوق الفائزين من شيعته وشيعة آبائه وأبنائهعليهم‌السلام ، ولقد جمع الله هذا كلّه بقوله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (٢) .

وقال سبحانه :( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) (٣) .

وقال سبحانه :( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) (٤) .

وقال سبحانه :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) (٥) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ الله سبحانه جعل الذكر جلاءً للقلوب ، تسمع به بعد الوقرة ، وتبصر به بعد الغشوة ، وتنقاد به بعد المعاندة ، وما برح لله عزّت أسماؤه في البرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم(٦) ، وكلّمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع والأبصار والأفئدة .

يذكّرون بأيّام الله ،[ ويخوّفون مقامه ](٧) ، بمنزلة الأدلّة في الفلوات(٨) ، مَنْ أَخَذ القصد حمدوا إليه الطريق ، وبشّروه بالنجاة ، ومَنْ أَخَذ يميناً وشمالاً ذمّوا إليه الطريق ،

____________

(١) كذا ، وفي ( ج ) : وقال مثله .

(٢) المنافقون : ٩ ٣ـ النور : ٣٧ .

(٣) النجم : ٢٩ـ٣٠ .

(٤) الكهف : ٢٨ .

(٥) في ( ج ) : قلوبهم .

(٦) أثبتناه من نهج البلاغة .

(٧) في النسخ : القلوب ، وأثبتنا قوله : ( الفلوات ) من نهج البلاغة .

١٢٤

وحذّروه من الهلكة .

كانوا لذلك مصابيح تلك الظلمات ، وأدلّة تلك الشبهات ، وإنّ للذكر أهلاً أخذوه بدلاً من الدنيا فلم تشغلهم تجارة ولا بيع ، يقطعون به أيّام الحياة ، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين .

يأمرون بالمعروف ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه ، فكأنّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك ، وكأنّما اطلعوا على عيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه ، وحقّقت القيامة عليهم عذابها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتّى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس ، ويسمعون ما لا يسمعون .

فلو مثّلتهم بعقلك(١) في مقاماتهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، قد نشروا دواوين أعمالهم ، ففزعوا لحساب أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة أُمروا بها فقصّروا عنها ، أو نُهوا عنها ففرّطوا فيها ، وحملوا ثقل أوزارهم على ظهورهم فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجاً(٢) ، وتجاوبوا نحيباً ، يعجّون إلى الله من مقام ندم واعتراف بذنب ، لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دجى .

قد حفّت بهم الملائكة ، ونزلت عليهم السكينة ، وفتحت لهم أبواب السماء ، وأُعدّت لهم مقاعد الكرامات في مقعد اطلع الله عليهم فيه فرضي سعيهم ، وحمد مقامهم ، يتنسّمون بدعائه روح التجاوز ، رهائن فاقة إلى فضله ، وأُسارى ذلّة لعظمته .

جرح طول الأذى قلوبهم ، وأقرح طول البكاء عيونهم ، لكل باب رغبة إلى الله منهم يدٌ قارعة ، يسألون مَن لا تضيق لديه المنادح ، ولا يخيب عليه السائلون ، فحاسب نفسك لنفسك ، فإنّ غيرها من النفوس لها حسيب غيرك(٣) .

____________

(١) في ( ب ) : بقلبك .

(٢) نشج الباكي ينشج نشيجاً : غصّ بالبكاء في حلقه .

(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٢٢٢ ، عنه البحار ٦٩ : ٣٢٥ ح٣٩ .

١٢٥

وروي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :ارتعوا في رياض الجنّة ، فقالوا : وما رياض الجنّة ؟ فقال :الذكر غدوّاً ورواحاً ، فاذكروا (١) .

ومَن كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده ، فإنّ الله تعالى ينزل العبدَ حيث أنزل اللهَ العبدُ من نفسه ، ألا إنّ خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها عند ربّكم في درجاتكم ، وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله سبحانه وتعالى ، وقد أخبر عن نفسه وقال : ( أنا جليس مَن ذكرني ) وأيّ منزلة أرفع منزلة من جليس الله تعالى (٢) .

وروي أنّهما اجتمع قوم يذكرون الله إلاّ اعتزل الشيطان عنهم والدنيا ، فيقول الشيطان للدنيا : ألا ترين ما يصنعون ؟ فتقول الدنيا : دعهم فلو قد تفرّقوا أخذت بأعناقهم (٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يقول الله تعالى : مَن أحدث ولم يتوضّأ فقد جفاني ، ومَن أحدث وتوضّأ ولم يصلّ ركعتين (٤) فقد جفاني ، ومَن أحدث وتوضّأ وصلّى ركعتين ودعاني فلم أجبه فيما يسأل من أمر دينه ودنياه فقد جفوته ، ولست بربٍّ جاف (٥) .

وروي انّهإذا كان آخر الليل يقول الله سبحانه : هل من داع فأجيبه ؟ هل من سائل فأعطيه سؤله ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ (٦) .

وروي أنّ الله تعالى أوحى إلى داودعليه‌السلام :يا داود ! مَن أحبّ حبيباً صدّق قوله ، ومَن آنس بحبيب قبل قوله ورضي فعله ، ومَن وثق بحبيب اعتمد

____________

(١) عنه مستدرك الوسائل ٥ : ٣٠١ ح٥٩٢٠ .

(٢) راجع البحار ٩٣ : ١٦٣ ضمن حديث ٤٢ ، عن عدّة الداعي .

(٣) عنه مستدرك الوسائل ٥ : ٢٨٧ ح٥٨٧٦ ، وأورده في أعلام الدين : ٢٧٣ .

(٤) زاد في ( ج ) : ولم يدعني .

(٥) عنه البحار ٨٠ : ٣٠٨ ح ١٨ .

(٦) راجع البحار ٨٧ : ١٦٧ ح ٩ ، عن عدّة الداعي ، وأورده في أعلام الدين : ٢٧٧ .

١٢٦

عليه ، ومَن اشتاق إلى حبيب جدّ في المسير إليه يا داود ! ذكري للذاكرين ، وجنّتي للمطيعين ، وزيارتي للمشتاقين ، وأنا خاصّة المحبّين (١) .

وقالعليه‌السلام :على كل قلب جاثم من الشيطان ، فإذا ذكر الله تعالى خنس ، وإذا ترك الذكر التقمه ، فجذبه وأغواه واستزلّه وأطغاه (٢) .

وروى كعب الأحبار قال : أوحى الله إلى نبي من أنبيائه : إن أردت أن تلقاني غداً في حضرة القدس فكن في الدنيا ذاكراً غريباً محزوناً مستوحشاً ، كالطير الوحداني الذي يطير في الأرض المقفرة ، ويأكل من رؤوس الأشجار المثمرة ، فإذا جاءه الليل آوى إلى وكره ، ولم يكن مع الطير استيحاشاً من الناس واستيناساً بربّه(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الملائكة يمرّون على مجالس الذكر ، فيقفون على رؤوسهم ويبكون لبكائهم ، ويؤمّنون على دعائهم ، وإذا صعدوا إلى السماء يقول الله : ملائكتي أين كنتم ؟ وهو أعلم بهم فيقولون : ربّنا أنت أعلم ، كنّا حضرنا مجلساً من مجالس الذكر ، فرأيناهم يسبحونك ويقدّسونك ويستغفرونك ، يخافون نارك ، ويرجون ثوابك .

فيقول سبحانه : أُشهدكم أنّي قد غفرت لهم ، وآمنتهم من ناري ، وأوجبت لهم الجنّة ، فيقولون : ربّنا تعلم أنّ فيهم مَن لا يذكرك ؟! فيقول سبحانه : قد غفرت له بمجالسته أهل ذكري ، فإنّ الذاكرين لا يشقى بهم جليسهم(٤) .

وروي عن بعض الصالحين أنّه قال : نمت ذات ليلة فسمعت هاتفاً يقول : أتنام عن حضرة الرحمان وهو يقسم الجوائز بالرضوان ، بين الأحبّة والخلاّن ، فمَن

____________

(١) عنه البحار ١٤ : ٤٠ ح ٢٣ ، وأورده في أعلام الدين : ٢٧٩ .

(٢) راجع البحار ٧٠ : ٦١ ح ٤٢ ، عن عدّة الداعي ، وفي أعلام الدين : ٢٧٩ .

(٣) أورده في أعلام الدين : ٢٧٩ .

(٤) البحار ٧٥ : ٤٦٨ ح ٢٠ ، وأورده في أعلام الدين : ٢٨٠ .

١٢٧

أراد منّا المزيد فلا ينانم ليله الطويل ، ولا يقنع من نفسه بالقليل(١) .

وقال كعب الأحبار : مكتوب في التوراة : يا موسى مَن أحبّني لم ينسني ، ومَن رجى معروفي ألحّ في مسألتي ، يا موسى لست بغافل عن خلقي ، ولكن أحب أن تسمع ملائكتي ضجيج الدعاء ، وترى حفظتي تقرّب بني آدم إليّ ممّا أنا مقوّيهم عليه ومسبّبه لهم .

يا موسى قل لبني إسرائيل : لا تبطركم النعمة فيعاجلكم السلب ، ولا تغفلوا عن الذكر والشكر فتسلبوا النعم ، ويحلّ بكم الذلّ ، وألحّوا بالدعاء تشملكم الإجابة وتهنّيكم النعمة بالعافية(٢) .

وجاء في قوله تعالى :( اتقوا الله حقّ تقاته ) (٣) قال : يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا يُنسى ، ويُشكر فلا يُكفر .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر :يا أبا ذر ! أقلل من الشهوات يقلل عليك الفقر ، وأقلل من الذنوب يخف عليك الحساب ، واقنع بما أُوتيته يسهل عليك الموت ، وقدّم مالك أمامك يسرّك اللحاق به ، وانظر العمل الذي تحب أن يأتيك الموت وأنت عليه فاعمله ، ولا تتشاغل عمّا فرض عليك بما ضمن لك ، واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه (٤) .

____________

(١) أورده المصنّف في أعلام الدين : ٢٨١ .

(٢) راجع البحار ٧٧ : ٤٢ ح ١١ .

(٣) آل عمران : ١٠٢ .

(٤) أورده المصنّف في أعلام الدين : ٣٤٤ .

١٢٨

الباب الخامس عشر : في حال المؤمن عند موته

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ المؤمن إذا حضره الموت جاءت إليه ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء ، فيقولون لنفسه : اخرجي راضية مرضية إلى روح وريحان وربٍّ غير غضبان فتخرج كأطيب من المسك حتّى يتناولها بعض من بعض ، فينتهي بها إلى باب السماء ، فيقول سكّانها : ما أطيب رائحة هذه النفس ، وكلّما صعدوا بها من سماء إلى سماء قال أهلها مثل ذلك ، حتّى يؤتى بها إلى الجنّة مع أرواح المؤمنين ، فيستريح من غم الدنيا .

وأمّا الكافر فتأتيه ملائكة العذاب فيقولون لنفسه : اخرجي كارهة مكروهة إلى عذاب الله ونكاله وربٍّ عليك غضبان(١) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أما ترون المحتضر يشخص ببصره ، قالوا : بلى ، قال :يتبع بصره نفسه (٢) .

____________

(١) عنه معالم الزلفى : ٦٧ .

(٢) عنه معالم الزلفى : ٦٧ .

١٢٩

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما من بيت إلاّ وملك الموت يأتيه كل يوم خمس مرّات ، فإذا وجد الرجل قد انقطع أجله ، ونفذ أكله ، ألقى عليه غم الموت ، فغشيته كرباته ، وغمرته غمراته ، فمن أهل بيته الناشرة شعرها ، والضاربة وجهها ، والباكية شجوها ، والصارخة بويلها .

فيقول ملك الموت : ويلكم فما الفزع وما الجزع ، والله ما أذهبت لواحد منكم رزقاً ، ولا قرّبت له أجلاً ، ولا أتيته حتّى أُمرت ، ولا قبضت روحه حتّى استأمرت ، وإنّ لي فيكم عودة ثم عودة حتّى لا يبقى (١) منكم أحداً .

قال :والذي نفسي بيده لو يرون مكانه ، ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميّتهم ، ولبكوا على نفوسهم ، حتّى إذا حمل الميت في نعشه رفرفت روحه فوق نعشه ، ينادي : يا أهلي ! يا ولدي ! لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي ، مال جمعته من حلّه ومن غير حلّه وخلّفته لكم ، فالمهناة لكم والتبعة عليّ ، فاحذروا مثل ما نزل بي (٢) .

ولقد أحسن القائل :

لقد لهوت وجدّ الموت في طلبي

وإنّ في الموت لي شغل عن اللعبِ

لو شمّرت فكرتي فيما خلقت له

ما اشتدّ حزني (٣) على الدنيا ولا طلبي

وقال محمود الورّاق :

أبقيت مالك ميراثاً لوارثه

فليت شعري ما أبقى لك المالُ

القوم بعدك في حالٍ يسرّهم

فكيف بعدهم حالت بك الحالُ

ملّوا البكاء فما يبكيك من أحدٍ

واستحكم القيل في الميراث والقالُ

أنستهم العهد دنياً أقبلت لهم

وأدبرت عنك والأيّام أحوالُ

____________

(١) في ( ب ) : أُبقي .

(٢) عنه معالم الزلفى : ٦٧ .

(٣) في ( ج ) : حرصي .

١٣٠

وقال آخر :

هوّن الدنيا وما فيها عليك

واجعل الهمّ لما بين لديك

إنّ هذا الدهر يدنيك إلى

ملك الموت ويدنيه إليك

فاجعل العدّة ما عشت له

إنّه يأتيك إحدى ليلتيك

وقال سلمانرحمه‌الله : أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث ، أضحكني غافلاً وليس بمغفول عنه ، وضاحك ملأ فيه والموت يطلبه ، ومؤمّل الدنيا ولا يدري متى أجله وأبكاني فراق الأحبّة ، وهول المطلع ، والوقوف بين يدي الله تعالى ، لا أدري(١) أساخط هو أم راض(٢) .

واعلموا رحمكم الله إنّما يتوقّع الصحيح سقماً يرديه ، وموتاً من البلاء يدنيه ، فكأنّه لم يكن في الدنيا ساكن ، وإليها راكن ، نزل به الموت فأصبح بين أهله وولده لا يفهم كلاماً ، ولا يردّ سلاماً ، قد اصفرّ وجهه ، وشخص بصره ، وشرح(٣) صدره ، ويبس ريقه ، واضطربت أوصاله ، وقلقلت أحشاؤه ، والأحبّة حوله .

يرى فلا يعرف ، ويسمع فلا يرد ، وينادي فلا يجيب ، خلّف القصور ، وخلت منه الدور ، وحمل على أعتاق الرجال ، يسرعون به إلى محلّة الأموات ، ودار الحسرات(٤) ، وبيت الوحدة والغربة والوحشة ، ثم قسّموا أمواله ، وسكنوا داره ، وتزوّجوا أزواجه ، وحصل هو برهنه(٥) ، فرحم الله مَن جعل الهمّ همّاً واحداً ، وأكل قوته ، وأحسن عمله ، وقصر ليله(٦) .

____________

(١) في ( ب ) : لا يُدرى .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢٢٤ .

(٣) في ( ب ) : تحرج ، وفي ( ج ) : حشرج .

(٤) في ( ج ) : دار الخسران .

(٥) في ( ج ) : برمسه .

(٦) في ( ج ) : قصر أمله .

١٣١

وروي أنّه إذا حمل عدوّ الله إلى قبره ، نادى إلى من تبعه : يا إخوتاه ! احذروا مثل ما وقعت فيه ، إنّي أشكو دنياً غرّتني حتّى إذا اطمأننت إليها وضعتني ، وأشكو إليكم أخلاّء الهوى حتّى إذا وافقتهم تبرّؤوا منّي وخذلوني ، وأشكو إليكم أولاداً آثرتهم على نفسي فأسلموني .

وأشكو إليكم مالاً كدحت في جمعه البر والبحر ، وقاسيت الأهوال ، فأخذه أعدائي وصار وبالاً عليّ ، وعاد نفعه لغيري وأصبحت مرتهناً به ، وأشكو إليكم بيت الوحدة والوحشة والظلمة والمساءلة عن الصغيرة من عملي والكبيرة ، فاحذروا مثل ما قد نزل بي ، فوا طول بلائي ، وعظم عنائي ، مالي شفيع ولا رحيم حميم(١) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل الجبانة يقول :السلام عليكم أيّها الأبدان البالية ، والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا بحسراتها ، وحصلت منها برهنها ، اللّهمّ أدخل عليهم روحاً منك وسلاماً منّا ومنك يا أرحم الراحمين .

وقال عبد الله الجرهمي ـ وكان من المعمّرين : تبعت جنازة فخنقتني العبرة ، فأنشدت :

يا قلب إنّك في الدنيا لمغرور

فاذكر فهل ينفعنّ اليوم تذكيرُ

فبينما المرء في الأحياء مغتبطاً

إذ صار في الرمس تقفوه الأعاصيرُ

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه

وذوا قرابته في الحيّ مسرورُ

واسترزق الله خيراً ثمّ إرض به

فبينما العسر إذ دارت مياسيرُ

فقال رجل من أصحاب الجنازة : تعرف لمَن هذا الشعر ؟ فقلت : لا والله ، فقال : هو [ والله ](٢) لصاحب هذه الجنازة ، وأنت غريب تبكي عليه وأهله

____________

(١) مجموعة ورام ٢ : ٢٢٤ .

(٢) أثبتناه من ( ب ) .

١٣٢

مسرورون بتركته ، فقال أبو العتاهيّة :

أرى الدنيا تجهز بانطلاقِ

مشمّرة على قدمٍ وساقِ

فلا الدنيا بباقية لحيٍّ

ولا حيّ على الدنيا بباقِ

وقال بعضهم : محلّة الأموات أبلغ العظات ، فزوروا القبور واعتبروا للنشور(١) .

وكان(٢) بعضهم يدخل المقبرة ليلاً فينادي : يا أهل القبور من أنتم ؟ ثم يجيب عن نفسه : نحن الآباء والأمهات والإخوة ، نحن الأصدقاء والإخوان والأخوات ، نحن الأحباب والجيران ، نحن الأحبّة والخلاّن ، طحننا البلاء ، وأكلتنا الجنادل والثرى .

وأنشد بعضهم :

خمدوا فليس يُجاب من ناداهم

موتى وكيف إجابة الأمواتِ

قال براء بن عازب : بينما نحن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أبصر بجنازة تدفن ، فبادر إليها مسرعاً حتّى وقف عليها ، ثم بكى حتّى بلّ ثوبه ، ثم التفت إلينا فقال :يا إخوتي ! لمثل هذا فليعمل العاملون ، احذروا هذا واعملوا له (٣) .

وكتب بعضهم إلى ملك يعظه : أيّها الملك أعدل برعيّتك ، وارحم مَن تحت يدك ولا تتجبّر عليهم ، ولا تعل قدرك ، ولا تنس قبرك الذي هو منتهى أمرك ، فإنّ الموت يأتيك وإن طال عمرك ، والحساب أمامك ، والقيامة موعدك ، وقد كان هذا الأمر الذي أنت فيه بيد غيرك ، فلو بقي له لم يصل إليك ، وسينقل عنك كما انتقل عنه ، وإنّه لا يبقى لك ولا تبقى له .

____________

(١) مجموعة ورام ٢ : ٢٢٤ .

(٢) في ( ج ) : وروي .

(٣) مجموعة ورام ٢ : ٢٢٥ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٤٦٥ ح ٢٤٧٦ .

١٣٣

فقدّم لنفسك خيراً تجده محضراً ، وتزوّد من دار الغرور لدار الفرح والسرور ، واعتبر بمَن كان قبلك ممّن خزن الأموال ، وخلّد الأقلال ، وجمع الرجال ، فلم يستطع دفع المنيّة ، ولا ردّ الرزيّة ، فلا تغتر بدنيا دنيّة ، لم يرضها الله جزاء لأوليائه ولا عذاباً لأعدائه ، واعتبر بقول الشاعر :

وكيف يلذّ العيش مَن كان موقناً

بأنّ المنايا بغتة ستعاجله

وكيف يلذّ النوم مَن كان موقناً

بأنّ إله الخلق لابد سائله

وكيف يلذّ العيش مَن كان صائراً

إلى جدث تبلى الثياب (١) منازله

وكيف يلذّ النوم مَن أثبتوا له

مثاقيل أوزار الذي هو فاعله

____________

(١) في ( ألف ) : الشباب .

١٣٤

الباب السادس عشر : من كلام المصنّف في الموعظة

قال جامع هذا الكتاب : إنّ الموعظة لا تنجع فيمن لا زاجر له ولا واعظ من نفسه ، وما وهب الله تعالى لعبده هبة أنفع له من [زاجر](١) من نفسه ، وقلّ أن تنجع الموعظة في أهل التجبّر والتكبّر .

وإنّي لأعجب من قوم غدوا في المطارف(٢) العتاق ، والثياب الرقاق ، يحيطون الولايات ، ويتحمّلون الأمانات ، ويتعرّضون للخيانات ، حتّى إذا بلغوا بغيتهم ونالوا أُمنيتهم أخافوا مَن فوقهم مِن أهل الفضل والعفّة(٣) ، وظلموا مَن دونهم مِن أهل الضعف والحرفة .

وسمّنوا براذينهم(٤) ، وأهزلوا دينهم ، وعمّروا دنياهم ، وخرّبوا أُخراهم ، وأوسعوا دورهم ، وضيّقوا قبورهم ، يتّكئ أحدهم على شماله ويأكل غير ماله ،

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) المِطرَف والمُطرَف ـ واحد المطارف : وهي أردية من خزّ مربّعة لها أعلام (لسان العرب) .

(٣) في ( ج ) : الفقه .

(٤) في ( ج ) : أبدانهم .

١٣٥

يدعو بحلو بعد حامض ، ورطب بعد يابس ، وحار بعد بارد ، حتّى إذا غصّته الكظّة ، وأثقلته البطنة ، وغلبه البشم قال : يا جارية ! هاتي هاضوماً ، هاتي حاطوماً .

والله يا جاهل يا مغرور ، ما حطمت طعامك بل حطمت دينك ، وأزلت يقينك ، فأين مسكينك ، وأين يتيمك ، وأين جارك ، وأين مَن غصبته وظلمته ؟! استأثرت بهذا عليه ، وتجبّرت بسلطانك عليه حتّى إذا بالغ هذا في المظالم ، وارتطم في المآثم ، قال : قد زرت وقد حججت وقد تصدّقت ، ونسى قول الله تعالى :( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (١) .

وقوله تعالى :( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) (٢) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما آمن بالقرآن مَن استحلّ محارمه (٣) .

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :ليس من شيعتي مَن أكل مال مؤمن حراماً (٤) .

إنّما يعيش صاحب هذا الحال مفتوناً ، ويموت مغروراً ، يقول يوم القيامة لمَن دخل الجنّة من أهل السعادة هو وأمثاله : ألم نكن معكم ؟ قالوا : بلى ، ولكنّكم فتنتم أنفسكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأمانيّ ، حتّى جاء أمر الله وغرّكم بالله الغرور ، فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ، ( دل هذا على أنّه غير الكافرين )(٥) .

____________

(١) المائدة : ٢٧ .

(٢) القصص : ٨٣ .

(٣) كنز الفوائد : ١٦٣ ، عنه البحار ٩٢ : ١٨٥ ح ٢٣ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٥٠ ح ٤٦٢٠ .

(٤) البحار ١٠٤ : ٢٩٦ ح ١٧ ، عن مجموعة ورام .

(٥) في ( ج ) : على أنّهم غير الكفّار .

١٣٦

الباب السابع عشر : في أشراط الساعة وأهوالها

قال الله تعالى :( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) (١) .

وقال سبحانه :( السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) (٢) .

وقال تعالى :( إنّ الساعة آتية لا ريب فيها ) (٣) .

وخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :أصدق الحديث كتاب الله ، وأفضل الهدى هدى الله ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ، فقام إليه رجل وقال : يا رسول الله متى الساعة ؟

فقال :ما المسؤول بأعلم بها من السائل ، لا تأتيكم إلاّ بغتة ، فقال : فأعلمنا أشراطها ، فقال :لا تقوم الساعة حتّى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، وتكثر الفتن ،

____________

(١) محمد : ١٨ .

(٢) القمر : ٤٦ .

(٣) الحج : ٧ .

١٣٧

ويظهر الهرج والمرج ، وتكثر فيكم الأموال(١) ، ويخرّب العامر ، ويعمّر الخراب ، ويكون خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب .

وتطلع الشمس من مغربها ، وتخرج الدابة ، ويظهر الدجّال ، وينتشر يأجوج ومأجوج ، وينزل عيسى بن مريمعليه‌السلام ، فهناك تأتي ريح من جهة اليمن ألين من الحرير ، فلا تدع أحداً فيه مثقال ذرّة من الإيمان إلاّ قبضته إنّه لا تقوم الساعة إلاّ على الأشرار ، ثم تأتي نار من قِبل عدن تسوق سائر مَن على الأرض تحشرهم ، فقالوا : فمتى يكون ذلك يا رسول الله ؟ .

قال : إذا داهن قرّاؤكم أمراءكم ، وعظّمتم أغنياءكم ، وأهنتم فقراءكم ، وظهر فيكم الغناء ، وفشا الزنا ، وعلا البناء ، وتغنّيتم بالقرآن ، وظهر أهل الباطل على أهل الحق ، وقلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأُضيعت الصلاة ، واتبعت الشهوات ، وميل مع الهوى ، وقدّم أُمراء الجور فكانوا خونة ، والوزراء فسقة ، وظهر الحرص في القرّاء ، والنفاق في العلماء ، فعند ذلك ينزل بهم البلاء .

إنّه ما تقدست أُمّة لا ينتصر لضعيفها من قويّها ، وتزخرف المساجد ، وتزوّق(٢) المصاحف ، وتعلى المنابر ، وتكثر الصفوف ، وترتفع الضجّات في المساجد ، وتجتمع الأجساد والألسن مختلفة ، ودين أحدهم لعقة على لسانه .

إن أُعطي شكر ، وإن منع كفر ، لا يرحمون صغيراً ، ولا يوقّرون كبيراً ، يستأثرون أنفسهم ، توطأ حريمهم ، ويجوروا في حكمهم ، تحكم عليهم العبيد ، وتملكهم الصبيان ، وتدبّر أُمورهم النساء ، تتحلّى الذكور بالذهب والفضّة ، ويلبسون الحرير والديباج ، يسرون الجواري ، ويقطعون الأرحام ، ويخيفون(٣)

____________

(١) في ( ج ) : الأهواء .

(٢) في ( ج ) : تُذَهّب .

(٣) يحيفون : ( خل ) .

١٣٨

السبيل ، وينصبون العشّارين .

يجاهدون المسلمين ، ويسالمون الكافرين ، فهناك يكثر المطر ، ويقلّ النبات ، وتكثر الهزّات ، وتقلّ العلماء ، وتكثر الأُمراء ، وتقلّ الأُمناء ، فعند ذلك يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتتل الناس عليه ، فيقتل من المائة تسعة وتسعون ، ويسلم واحد .

وقال [رجل](١) : صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غلس(٢) فنادى رجل : متى الساعة يا رسول الله ؟ فزبره حتّى إذا أسفرنا رفع طرفه إلى السماء فقال :تبارك خالقها وواضعها وممهّدها ومحلّيها بالنبات ، ثم قال :أيّها السائل عن الساعة ، تكون عند خبث الأُمراء ، ومداهنة القرّاء ، ونفاق العلماء ، وإذا صدّقت أُمتي بالنجوم ، وكذّبت بالقدر ، ذلك حين يتخذون الأمانة مغنماً ، والصدقة مغرماً ، والفاحشة رباحة ، والعبادة تكبّراً واستطالة على الناس .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتّى يكون عليكم أُمراء فجرة ، ووزراء خونة ، وعرفاء ظلمة ، وقرّاء فسقة ، وعبّاد جهّال ، يفتح الله عليهم فتنة غبراء مظلمة ، فيتيهون فيها كما تاهت اليهود ، فحينئذ ينقص الإسلام عروة عروة حتّى يقال : الله الله .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :ما من سلطان آتاه الله قوّة ونعمة فاستعان بها على ظلم عباده إلاّ كان حقّاً على الله أن ينزعها منه ، ألم تروا إلى قول الله تعالى : ( إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ) (٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا تزال هذه الأُمّة تحت يد الله وفي كنفه ما لم

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح ( لسان العرب ) .

(٣) الرعد : ١١ .

١٣٩

يمالئ قرّاؤها أُمراؤها ، ولم يوال (١) صلحاؤها أشرارها ، فإذا فعلوا نزع الله يده منهم ، ورماهم بالفقر والفاقة ، وسلّط عليهم شرارهم ، وملأ قلوبهم رعباً ، ورمى جبابرتهم بالعذاب المهين ، ويدعون دعاء الغريق لا يستجيب لهم (٢) .

وقالعليه‌السلام :بئس العبد عبد يسأل المغفرة وهو يعمل بالمعصية ، ويرجو النجاة ولا يعمل لها ، ويخاف العذاب ولا يحذره ، يعجّل الذنب ويؤخّر التوبة ، ويتمنّى على الله الأماني الكاذبة ، فويل له ثم ويل له ثم ويل له من يوم العرض على الله .

وروي أنّ عمر بن هبيرة لمّا ولي العراق من قبل هشام بن عبد الملك أحضر السبعي(٣) والحسن البصري وقال لهما : إنّ هشام بن عبد الملك أخذ بيعتي له على السمع والطاعة ، ثم ولاّني عراقكم من غير أن أسأله ، ولا تزال كتبه تأتيني بقطع(٤) قطائع الناس ، وضرب الرقاب ، وأخذ الأموال ، فما تريان في ذلك ؟

فأمّا السبعي فداهنه وقال قولاً ضعيفاً ، وأمّا الحسن البصري فإنّه قال له : يا عمر ! إنّي أنهاك عن التعرّض لغضب الله برضى هشام ، واعلم أنّ الله تعالى يمنعك من هشام ، ولا يمنعك هشام من الله تعالى ولا أهل الأرض .

أيأتيك كتاب من الله بالعمل بكتابه والعدل والإحسان ، وكتاب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّك ، وكتاب من هشام بخلاف ذلك فتعمل بكتاب هشام وتترك كتاب الله وسنّة رسوله ، إنّ هذا لهو الحرب الكبير ، والخسران المبين ، فاتق الله تعالى واحذره ، فإنّه يوشك أن ينزل إليك ملك من السماء فينزلك من علوّ سريرك ، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، ثم لا يوسعه عليك إلاّ عملك

____________

(١) في ( ألف ) و ( ب ) : لم تزل .

(٢) أورده المصنّف في أعلام الدين : ٢٨١ .

(٣) في ( ب ) : الشبقي .

(٤) في ( ب ) : قبض .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381