ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381
المشاهدات: 84157
تحميل: 18566


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84157 / تحميل: 18566
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويقول الحق : قد أزلت المطل واللّي ، وفصل هذا الأمر إليّ ، وانتصار(١) المظلوم من ظالمه عليّ ، لا تختصموا لديّ وقد قدمت لديكم بالوعيد ، أما أنذرتكم فيما مضى من الأيّام ؟ أما حذّرتكم بعواقب المعاصي والآثام ؟! أما وعدتكم بهذا اليوم من سائر الأيام ؟!( ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ ) .

فالعياذ بالله من هذا الأمر المهول الذي يحار فيه الغافل الجهول ، وتذهل منه ذوي الألباب والعقول ، قد أعد للكافر اللعين ابن ملجم وللكافر يزيد ،( يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) .

فيا حسرة على العاصين حسرة لا يملك(٢) تلافيها ، ويا نصرة للمخلصين قد تكامل صافيها ، ادخلوا الجنّة( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) ، انظروا عباد الله فرق ما بين الفريقين بحضور القلب ، واغتنموا الصحّة قبل أن ينخلع القلب ، فاللذات تفنى ويبقى العار والثلب ،( إنّ في ذلك لذكرى لمَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما أصاب أحد همٌّ أو غمٌّ فقال : ( اللّهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، نفسي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضائك ، أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك ، أو أنزلته في كتبك ، أو علّمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تصلّي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور بصري ، وشفاء صدري ، وذهاب غمّي ، وجلاء حزني يا أرحم الراحمين ) إلاّ أذهب الله همّه وغمّه ، ونفّس كربه وقضى حوائجه .

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو فيقول :( اللّهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما يبلغنا به جنّتك ، ومن اليقين ما يهوّن علينا

____________

(١) في ( ب ) : انتصاف .

(٢) في ( ب ) : يمكن .

١٦١

مصائب الدنيا ، ومتّعنا بأسماعنا ، وانصرنا على مَن عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا تسلّط علينا مَن لا يرحمنا ، اللّهمّ لك الحمد وإليك المشتكى ، وأنت المستعان وفيما عندك الرغبة ولديك غاية الطلبة .

اللّهمّ آمن روعتي ، واستر عورتي ، اللّهمّ أصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح آخرتنا التي إليها منقلبنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والوفاة راحة لنا من كل سوء .

اللّهمّ إنّا نسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كل برٍّ ، والسلامة من كل إثم ، يا موضع كل شكوى ، وشاهد كل نجوى ، وكاشف كل بلوى ، [فإنّك](١) تَرى ولا تُرى ، وأنت بالمنظر الأعلى ، أسألك الجنّة وما يقرّب إليها من قول أو فعل ، وأعوذ بك من النار وما يقرّب إليها من فعل أو قول .

اللّهمّ إنّي أسألك خير الخير رضوانك والجنّة ، وأعوذ بك من شر الشر سخطك والنار ، اللّهمّ إنّي أسألك خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، إنّك أنت علاّم الغيوب ) .

وروي عن ذي النون المصري أنّه قال : وجدت على صخرة في بيت المقدس مكتوب : ( كل خائف هارب ، وكل راج طالب ، وكل عاص مستوحش ، وكل طائع مستأنس ، وكل قانع عزيز ، وكل طالب ذليل ) ، فنظرت فإذا هذا الكلام أصل لكل شيء ، وكان يقول : يقدّر المقدّرون والقضاء يضحك منهم .

____________

(١) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

١٦٢

الباب الثاني والعشرون : في الذكر والمحافظة عليه

قال الله تعالى :( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ) (١) .

وقال سبحانه في بعض كتبه :أهل ذكري في ضيافتي ، وأهل طاعتي في نعمتي ، وأهل شكري في زيادتي ، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن مرضوا فأنا طبيبهم ، أداويهم بالمحن والمصائب لأطهّرهم من الذنوب والمعايب (٢) .

وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام :إنّ بين الليل والنهار روضة يرتقي (٣) في نورها الأبرار ، ويتنعّم في حدائقها المتقون ، فذابوا سهراً من الليل وصياماً من النهار ، فعليكم بتلاوة القرآن في صدره ، والتضرّع والاستغفار في آخره وإذا ورد النهار فأحسنوا مصاحبته بفعل الخيرات وترك المنكرات ، وترك ما يرديكم (٤) من

____________

(١) البقرة : ١٥٢ .

(٢) راجع عدة الداعي : ٢٥٢ ، عنه البحار ٧٧ : ٤٢ ح١٠ ، وأورده في أعلام الدين : ٢٧٩ .

(٣) في ( ج ) : يرتع .

(٤) في ( الف ) : يؤذيكم .

١٦٣

محقّرات الذنوب ، فإنّها مشرفة بكم إلى قبائح العيوب ، وكأنّ الموت قد دهمكم ، والساعة قد غشيتكم ، فإنّ الحادي قد حدا بكم مجدّاً لا يلوي دون غايتكم ، فاحذروا ندامة التفريط حيث لا تنفع الندامة إذا زلّت الأقدام .

وقالعليه‌السلام :[قال الله سبحانه :] (١) إذا عصاني مَن يعرفني سلّطت عليه مَن لا يعرفني (٢) .

وقالعليه‌السلام :المؤمن نطقه ذكر ، وصمته فكر ، ونظره اعتبار .

وقالعليه‌السلام :إنّ عدوّي يأتيني في الحاجة فأُبادر إلى قضائها خوفاً أن يسبقني أحد إليها وأن يستغني عنّي فتفوتني فضيلتها .

وسُئل عن الزاهد فقال :هو المبتلغ (٣) بدون قوته ، المستعد ليوم موته .

وقال :الدنيا سبات ، والآخرة يقظة ، ونحن بينهما أضغاث أحلام .

وقال :أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب ، ومن طاعة الشيطان إذا حرد (٤) .

وخطب عمر بن عبد العزيز فقال : أيّها الناس إنّكم لم تخلقوا عبثاً ، ولم تتركوا سدى ، وأنّ لكم معاداً يجمعكم الله فيه ليوم الفصل والحكم بينكم ، وقد خاب وخسر مَن أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء وجنّته التي عرضها السماوات والأرض بسوء عمله ، وإنّ الأمان غداً لمَن باع قليلاً بكثير ، وفانياً بباق ، وشقاوة بسعادة .

ألا ترون أنّكم أخلاف الماضين ويستخلفكم الله قوماً آخرون ، يأخذون تراثكم ، ويبوّء بكم أجداثكم ، وفي كل يوم تجهزون غادياً ورائحاً قد قضى نحبه

____________

(١) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

(٢) الكافي ٢ : ٢٧٦ ح٣٠ ، عنه البحار ٧٣ : ٣٤٣ ح٢٧ .

(٣) في ( ج ) : المتبلّغ .

(٤) حرد : غضب (القاموس) .

١٦٤

ولقى ربه ، فتجعلونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد ، قد خلع الأسلاب(١) ، وسكن التراب ، وفارق الأحباب ، وواجه الحساب ، أصبح فقيراً إلى ما قدم ، غنيّاً عمّا خلّف ، ولا يزيد من حسنة ولا ينقص من سيّئة .

واعلموا أنّ لكل سفر زاداً لابد منه ، فتزوّدوا لسفركم التقوى ، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه لترغبوا وترهبوا ، ولا يغرّنّكم الأمل ، ولا يطولنّ عليكم الأمد ، فإنّه والله ما بسط أمل مَن لا يدري إذا أصبح أنّه يمسي ، وإذا أمسى أنّه يصبح ، وبين ذلك خطفات المنايا ، وخطرات الأمل من الشيطان الغرور .

يزيّن لكم المعصية لتركبوها ، ويمنّيكم التوبة لتسوّفوها(٢) حتّى تأتي المنيّة أغفل ما يكون عنها ، فلا تركنوا إلى غروره فيصيدكم بشركه ، واعلموا إنّما يغتبط ويطمئنّ مَن وثق بالنجاة من عذاب الله وأهوال يوم القيامة ، فأمّا مَن لا يدري ربّه ساخط عليه أم راض عنه كيف يطمئن ، أعوذ بالله من أن آمركم أو أنهاكم بما أخالفكم فيه فتخسر صفقتي ، وتعظم عولتي(٣) يوم لا ينجي منه إلاّ الحق والصدق ، ولا يفوز إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أيّها الناس استقيموا إلى ربّكم كما قال تعالى : ( فاستقيموا إليه واستغفروه ) (٤) وقال سبحانه :( إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا ) (٥) .

أيّها الناس لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم ، واعلموا أنّ من لم يكن مستقيماً في صفته لم يرتق من مقام إلى

____________

(١) في ( ج ) : الأسباب .

(٢) في ( ج ) : لتنسوها .

(٣) في ( ب ) و )ج ) : لوعتي .

(٤) فصلت : ٦ .

(٥) فصلت : ٣٠ .

١٦٥

غيره ، ولم يتبيّن سلوكه على صحّة ، ولا تخرجوا عن عز التقوى إلى ذل المعصية ، ولا من أُنس الطاعة إلى وحشة الخطيئة ، ولا تسرّوا لإخوانكم غشاً فانّه مَن أسرّ لأخيه غشاً أظهره الله تعالى على صفحات وجهه ، وفلتات لسانه ، فأورثه به الذلّ في الدنيا والخزي والعذاب والندامة في الآخرة فأصبح من الخاسرين أعمالاً .

وقال الصادقعليه‌السلام : ثلاثة لا يضرّ معهم شيء :الدعاء عند الكربات ، والاستغفار عند الذنب ، والشكر عند النعمة (١) .

وقالعليه‌السلام : في حكمة آل داود :يا ابن آدم كيف تتكلّم بالهدى وأنت لا تفيق عن الردى ، يا ابن آدم أصبح قلبك قاسياً ، ولعظمة الله ناسياً ، ولو كنت بالله عالماً وبعظمته عارفاً لم تزل منه خائفاً ، ولموعده راجياً ، فيا ويحك كيف لا تذكر لحدك ، وانفرادك فيه وحدك (٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد السيّئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : لا تعجل وانظره سبع ساعات [لعلّه يستغفر] ، فإذا مضى سبع ساعات ولم يستغفر قال : اكتب فما أقلّ حياء هذا العبد (٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام :إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على سعد بن معاذ وقال : لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه تسعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلّون عليه ، فقلت : يا جبرئيل بما استحق صلاتكم عليه ؟ قال : بقراءته ( قل هو الله أحد ) قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وذاهباً وجائيا ً(٤) .

____________

(١) مشكاة الأنوار : ٣٠ ، عنه البحار ٧١ : ٥٥ ح٨٦ .

(٢) أمالي الطوسي : ٢٠٣ ح٣٤٦ ، عنه البحار ١٤ : ٣٦ ح١٠ .

(٣) أمالي الطوسي : ٢٠٧ ح٣٥٥ ، عنه البحار ٧١ : ٢٤٧ ح٥ .

(٤) أمالي الطوسي : ٤٣٧ ح٩٧٥ ، عنه البحار ٢٢ : ١٠٨ ح٧٢ ، وأمالي الصدوق : ٣٢٣ ح٥ مجلس : ٦٢ ، وفي مجموعة ورام ٢ : ١٦٩ .

١٦٦

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لمّا أُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة ، فرأيت فيها قصراً من ياقوت أحمر ، يرى باطنه من ظاهره لضيائه ونوره وفيه قبّتان من درٍّ وزبرجد ، فقلت : يا جبرئيل لمَن هذا القصر ؟ قال : هو لمَن أطاب الكلام ، وأدام الصيام ، وأطعم الطعام ، وتهجّد بالليل والناس نيام .

قال عليعليه‌السلام : وفي أمّتك مَن يطيق ذلك يا رسول الله ؟ قال : أتدري ما إطابة الكلام ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : مَن قال : ( سبحان الله والحمد لله ولا اله إلاّ الله والله أكبر ) ، أتدري ما إدامة الصيام ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : مَن صام شهر الصبر شهر رمضان ولم يفطر يوماً .

أتدري ما إطعام الطعام ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : مَن طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس ، أتدري ما التهجّد بالليل والناس نيام ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : مَن لم ينم حتّى يصلّي العشاء الآخرة ، والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين نيام بينهما(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لمّا أُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة ، فرأيت فيها قيعاناً بقعاً (٢) من مسك ، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضّة وربما أمسكوا ، فقلت لهم : ما بالكم ربّما بنيتم وربّما أمسكتم ؟ فقالوا : حتّى تجيئنا النفقة ، قلت : وما نفقتكم ؟ قالوا : قول المؤمن ( سبحان الله والحمد لله ولا اله إلاّ الله والله أكبر ) فإذا قالهنّ بنينا ، وإذا سكت وأمسك أمسكنا (٣) .

____________

(١) أمالي الطوسي : ٤٥٨ ح١٠٢٤ ، عنه البحار ٦٩ : ٣٨٨ ح٥٨ ، معالم الزلفى : ٢٨١ .

(٢) في أمالي الطوسي : يققاً ، أي بيضاً .

(٣) أمالي الطوسي : ٤٧٤ ح١٠٣٥ ، عنه البحار ٩٣ : ١٦٩ ح٧ ، معالم الزلفى : ٢٨١ .

١٦٧

الباب الثالث والعشرون : في فضل صلاة الليل

قال الله تعالى :( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون ) (١) .

وقال :( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً وممّا رزقناهم ينفقون ) (٢) .

وقال سبحانه :( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه ) (٣) .

وقال :( والذين يبيتون لربّهم سجّداً وقياماً ) (٤) .

وقال :( ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً

____________

(١) الذاريات : ١٧ و١٨ .

(٢) السجدة : ١٦ .

(٣) الزمر : ٩ .

(٤) الفرقان : ٦٤ .

١٦٨

محموداً ) (١) .

وقال سبحانه :( يا أيّها المزمّل * قم الليل إلاّ قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلاً ) (٢) .

وما كان الله ليدعو نبيّه إلاّ لأمر جليل وفضل جزيل ، فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزّه استغناؤه عن الناس (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا جمع الله الأولين والآخرين نادى مناد : ليقم الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً ، فيقومون وهم قليل ، فيحاسب الله الناس من بعدهم .

[(٤) وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّ في جنّة عدن شجرة تخرج منها خيل بلق مسرّجة بالياقوت والزبرجد ، ذوات أجنحة لا تروث ولا تبول ، يركبها أولياء الله ، فتطير بهم في الجنّة حيث شاؤوا .

قال : فيناديهم أهل الجنّة : يا إخواننا ما أنصفتمونا ، ثم يقولون : ربّنا بماذا أنال عبادك منك هذه الكرامة الجليلة دوننا ؟ فيناديهم ملك من بطان العرش : إنّهم كانوا يقومون الليل وكنتم تنامون ، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون ، وكانوا يتصدّقون بمالهم لوجه الله تعالى وأنتم تبخلون(٥) ، وكانوا يذكّرون الله كثيراً لا يفترون ، وكانوا يبكون من خشية ربّهم وهم مشفقون(٦) .

____________

(١) الإسراء : ٧٩ .

(٢) المزمل : ١ـ٤ .

(٣) الكافي ٢ : ١٤٨ ح١ ، عنه البحار ٧٥ : ١٠٩ ح١٤ .

(٤) من هنا إلى ص ١٨١ لم يكن في ( ألف ) و ( ب ) ، وأثبتناه من ( ج ) و ( د ) .

(٥) في ( د ) : تمسكون .

(٦) أمالي الصدوق : ٢٣٩ ح١٤ مجلس ٤٨ ، عنه البحار ٨٧ : ١٣٩ ح٧ .

١٦٩

وكان ممّا ناجى به الباري تعالى داود عليه‌السلام : يا داود عليك بالاستغفار في دلج الليل والأسحار ، يا داود إذا جنّ عليك الليل فانظر إلى ارتفاع النجوم في السماء وسبّحني ، وأكثر من ذكري حتّى أذكرك .

يا داود إنّ المتقين لا ينامون ليلهم إلاّ بصلاتهم إليّ ، ولا يقطعون نهارهم إلاّ بذكري ، يا داود إنّ العارفين بي كحلوا أعينهم بمرود السهر ، وقاموا ليلهم يسهرون ، يطلبون بذلك مرضاتي(١) ، يا داود إنّه مَن يصلّي بالليل والناس نيام يريد بذلك وجهي ، فإنّي آمر ملائكتي أن يستغفروا له وتشتاق إليه جنّتي ، ويدعو له كل رطب ويابس .

يا داود اسمع ما أقول والحق أقول : إنّي أرحم بعبدي المذنب من نفسه لنفسه ، وأنا أحب عبدي ما لا يحبني ، واستحي منه ما لا يستحي منّي .

وصيّة : واعلم يا أخي أنّ الليل والنهار لا يفتران من سيرهما ، وإنّما يسيران بنقص عمر ابن آدم وهما ساعات ولحظات ، فإذا لهوت مع سرعة سيرهما لحظة ، واشتغلت عن الصلاة والذكر لحظة أُخرى ، ذهبت ساعات النهار كلها في غفلة ، ثم جاء الليل فإن نمته كلّه كنت ممّن لا خير فيه ليلاً ولا نهاراً ، ومَن كان هذا حاله فموته خير له من حياته ؛ لأنّه قد مات قلبه ولا خير في حياة جسد(٢) قد مات قلبه .

ولله درّ القائل :

أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم

وكيف يلذّ النوم حيران هائم

فلو كنت يقظان الغداة لحرقك (٣)

مدامع عينيك الدموع السواجم

نهارك يا مغرور لهو وغفلة

وليلك نوم والردى لك لازم

____________

(١) في ( د ) : قاموا بأرجلهم يطلبون . .

(٢) في ( د ) : حيّ .

(٣) في ( د ) : لحرقت .

١٧٠

وسعيك ممّا سوف تكره عنده

وعيشك في الدنيا كعيش البهائم

تسر بما يفنى وتفرح بالمنى

كما سرّ باللذات في النوم حالم

فلا أنت في اليقظان يقظان ذاكر

ولا أنت في النوم ناجٍ وسالم

ثم قال : يا جيفة بالليل بطالة بالنهار ، تعمل عمل الفجّار وأنت تطلب منازل الأبرار ، هيهات هيهات كم تضرب في حديد بارد .

وقد ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ليس (١) من بني آدم إلاّ وفي غفلة ونقص ، ألا ترى إذا نمى له مال بالزيادة فيسر بذلك ، وهذا الليل والنهار يجريان بطيّ عمره فلا يهمّه ذلك ولا يحزنه ، وما يغني عنه مال يزيد وعمر ينقص ، [ودين يذهب] (٢) .

وقد قيل لرجل : إنّ فلاناً استفاد مالاً ، فقال له : فهل استفاد أيّاماً يتفقّه(٣) فيها ؟ .

وقيل : إنّ لله ملكاً ينادي : يا أبناء الخمسين زرع قد دنا حصاده ، ويا أبناء الستين ماذا قدمتم لأنفسكم من العمل الصالح ، وماذا أخّرتم من أموالكم لمَن لا يترحّم عليكم ، ويا أبناء السبعين عدوا أنفسكم من الموتى .

ليت الخلائق لم يخلقوا ، وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا ، فاعرف يا أخي ذلك وبادر لعمل الخير ، ثم بادر قبل أن ينزل بك ما تحاذر ، ولا يلهيك أحد من الناس عن صلاتك ودعائك وذكرك ربّك ، فيرفعان الملكان رقيب وعتيد دون ما كان يرفعان من عملك من قبل ، والله لا يرضى منك بذلك بل يريد من عبده أن يزيد كل يوم في طاعته أكثر ممّا كانت .

____________

(١) في ( ج ) : قليل .

(٢) أثبتناه من ( د ) .

(٣) في ( د ) : ينفعه .

١٧١

وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن استوى يوماه فهو مغبون ، ومَن كان غده شراً فهو ملعون ، ومَن لم يتفقّد النقصان في عمله (١) كان النقصان في عقله ، ومَن كان نقصان في عمله (٢) وعقله فالموت خير له من حياته (٣) .

واعلم يا أخي أنّ العقلاء العارفين بالله المجتهدين في تحصيل رضى الله ، تراهم عامة ليلهم بذكر ربهم يتلذّذون ، وفي عبادته يتقلّبون ما بين صلاة نافلة ، وقرآءة سورة ، وتسبيح واستغفار ، ودعاء وتضرّع ، وابتهال وبكاء من خشيته ، لا ينامون من ليلهم إلاّ ما غلبوا عليه وما أراحوا به أبدانهم ، فهم الرجال الأخيار ، ووصفك وصف اغترار(٤) ، جيفة بالليل بطّال بالنهار ، تعتذر في ترك القيام بالليل بأعذار كاذبة .

تقول : أنا ضعيف القوى ، أنا تاعب بكدر الدنيا ، بي مرض وصداع ، وتجمع بالبرد في الشتاء والحر في الصيف وهذه أعذار كاذبة ، ولو أنّ سلطاناً أعطاك ديناراً أو كسوة وأمرك أن تقف ببابه تحرسه بالليل لبادرت إلى ذلك ، لا بل لو قال لك : خذ سلاحك واخرج قدّامي تحارب عدوي ، لبذلت روحك العزيزة دونه وإن قتلت .

وكم من إنسان يأخذ درهماً أجرة له على حراسة زرع غيره ، أو ثمرة غيره ، ويسهر الليل كله في برد شديد وحرّ عظيم ، ولو أنّك أردت سفراً أو عملاً من أعمال الدنيا لسهرت عامة الليل في تعبية أشغالك(٥) ، وتحفظ تجارتك ، ولم تعتذر بتلك الأعذار عن خدمة ربّك .

وهذا يدل على كذبك ، وضعف يقينك بما وعد الله العاملين(٦) بالثواب والجنّة على الطاعة ، فإنّك قد أطعت في ذلك نفسك الأمّارة بالسوء ، وأطعت إبليس وقد

____________

(١) في ( د ) : في جسده .

(٢) في ( د ) : في جسده .

(٣) البحار ٧١ : ١٧٣ ح٥ ، عن أمالي الصدوق نحوه .

(٤) في ( د ) : يوصفك بوصف الاختيار .

(٥) في ( د ) : بقية أسفارك .

(٦) في ( د ) : العالمين .

١٧٢

حذّرك الله من طاعته ، فقال تعالى :( إنّ الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنّما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) (١) .

وقال تعالى :( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً ) (٢) ، فاحذر(٣) نفسك يا أخي من طول الرقاد ، واعبد ربّك حتّى تبلغ منه المراد .

ولله درّ بعض الزهّاد حيث قال :

حبيبي تجاف من المهاد

خوف من الموت والمعاد

مَن خاف من سكرة المنايا

لم يدر ما لذّة الرقاد

قد بلغ الزرع منتهاه

لابدّ للزرع من حصاد

فاستيقظ يا أخي من رقدتك ، فقد مضى من عمرك أكثره في غفلة ونوم ، ولا تنس نصيبك من قيام الليل فيما بقي من عمرك لتكون خاتمتك خاتمة خير ، فاغتنمها تغنم ، ولا تغفل عنها فتندم ، فقد سمّى الله تعالى يوم القيامة يوم الحسرة والندامة ، وسمّاها في موضع آخر يوم التغابن .

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : ما من مخلوق يوم القيامة إلاّ ويندم ولكن لا تنفعه الندامة ، فأمّا السعيد إذا رأى الجنّة وما أعد الله فيها لأوليائه المتقين يندم حيث لا عمل له مثل عملهم ، ويريد من العبادة أكثر منهم لينال درجتهم العليا في الفردوس الأعلى ، وإن كان من الأشقياء إذا رأى النار وزفيرها وما أعدّ الله فيها من العذاب الأليم ، صرخ وندم حيث لم يكن أقلع من ذنوبه ومعاصيه ليسلم ممّا هو فيه .

____________

(١) الفاطر : ٦ .

(٢) البقرة : ٢٦٨ .

(٣) في ( د ) : فازجر .

١٧٣

فهذه هي الطامة الكبرى ، فاستدرك يا أخي ما فرّطت من أمرك ، واسكب الدمع بكاءً على نفسك حيث لم تكن صالحاً للقيام بباب ربّك فأنامك ، ولو علم انّك صالح للقيام لأقامك بالبدار قبل نفاد(١) الأعمار ، فإنّ الدنيا مزرعة الآخرة وعلى قدر ما تزرعه في الدنيا تحصده في الآخرة ، وقد أمر الباري عزّ وجل عباده بالمسارعة إلى الطاعات والاستباق إليها ، فقال تعالى :( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ) (٢) .

ومَن نام عن العبادات سائر ليله لم يمتثل ما أمره الله به من المسارعة إلى المغفرة ، ودخول الجنّة العريضة التي أعدها للعاملين(٣) ، واعلم أنّ مَن نام عامة ليله كان ذلك دليل على أنّه عمل في نهاره ذنباً عظيماً فعاقبه الله ، فطرده عن بابه ومرافقة العابدين الذين هم أحباؤه ، ولو علم النائم عن صلاة الليل ما فاته من الثواب العظيم والأجر المقيم لطال بكائه عليه .

وعن ابن مسعود قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :حسب الرجل من الخيبة أن يبيت ليله لا يصلّي فيها ركعتين ، ولا يذكر الله فيها حتّى يصبح .

وقيل : يا رسول الله إنّ فلاناً نام البارحة عن ورده حتّى أصبح ، قال :ذلك الرجل بال الشيطان في أذنه فلم يستيقظ .

وكان بعض العباد يصلّي عامة الليل فإذا كان السحر أنشد يقول :

ألا يا عين ويحك أسعديني

بطول الدمع في ظلم الليالي

لعلّك في القيامة أن تفوزي

بحور العين في قصر اللئالي

وقال بعض العابدين : رأيت في منامي كأنّي على شاطئ نهر يجري بالمسك الأذفر ، وعلى حافته شجر من اللؤلؤ وقصب الذهب ، وإذا بجوار مزينات لابسات

____________

(١) في ( د ) : انقضاء .

(٢) الحديد : ٢١ .

(٣) في ( د ) : أعدها الله للعابدين .

١٧٤

ثياب السندس ، كأنّ وجوههنّ الأقمار ، وهنّ يقلن : سبحان المسبّح بكل لسان سبحانه ، سبحان الموجود في كل مكان سبحانه ، سبحان الدائم في كل الأزمان سبحانه ، فقلت لهنّ : مَن أنتنّ ؟ فقلن :

ذرأنا إله النّاس ربّ محمّد

لقوم على الأطراف بالليل قوّم (١)

يناجون ربّ العالمين إلههم

وتسري حمول القوم والناس نوّم

فقلت : بخ بخ لهؤلاء القوم ، مَن هم ؟ فقلن : هؤلاء المتهجّدون بالليل بتلاوة القرآن ، الذاكرون الله كثيراً في السر والإعلان ، المنفقين والمستغفرين بالأسحار .

فعاتب يا أخي نفسك ، ولا تقبل منها اعتذارها في ترك القيام ، فتلك معاذير كاذبة ، فقوّام الليل تحمّلوا السهر والقيام والقعود ، وصبروا صبراً جميلاً ، أعقبهم ذلك راحة طويلة في نعمة لا انقطاع لها .

وأنت يا مسكين لو صبرت صبرهم وعملت مثل عملهم فزت بما فازوا ، ولكنّك آثرت لذّات الرقاد على تحصيل الزاد ، ولم تجد الزاد ولم تَجُد بمالك على المساكين من العباد ، فآثر الله عليك العباد الزهاد ، فقرّبهم وأبعدك ، وأدناهم من بابه وطردك .

واعلم أنّك إذا لم تنشط(٢) لأفعال الخير وعبادة الله ، فاعلم أنّك مكبّل مقيّد قد قيّدتك ذنوبك وخطاياك ، فسابق يا أخي العابدين بسهر الليل لتسبقهم إلى جنّات العلى ، فالليل أسبق جواد ركبه الصالحون إلى رفيع الدرجات من الجنّات ، فتكون ممّن مدحهم الله في كتابه العزيز ، فقال تعالى :( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً وممّا رزقناهم ينفقون ) (٣) .

____________

(١) في ( د ) : ساجد .

(٢) في ( د ) : تمشي .

(٣) السجدة : ١٦ .

١٧٥

فانظروا إلى ما مدحه الله به المصلّين بالليل ، المنفقين ممّا رزقهم الله على المستحقين ، وإن خفت ألاّ تستيقظ للصلاة بعد النوم فخذ حظّك من الصلاة قبل النوم ، وإيّاك أن تغفل عن الاستغفار في وقت الأسحار ، فذلك وقت لا تنام فيه الأطيار بل ترفع أصواتها بالتسبيح والأذكار ، وعليك بتلاوة الأدعية والمناجاة فإنّ الدعاء مخ العبادة .

وإن كنت ولابد من النوم(١) فاستيقظ منه ساعة للتوبة والبكاء والدعاء ، فإن غفلت ونمت الليل كله حتّى ساعة الدعاء فقد مات قلبك ، ومَن مات قلبه أبعده الله عن قربه .

قلت : وأقلّ حالات المؤمن أن يصلّي في ليله أربع ركعات من صلاة الليل ، وأدنى من ذلك أن يقرأ مائة آية من كتاب الله العزيز ، ثم يسبّح الله تعالى ويدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين ، ثم يستغفر الله تعالى حتّى لا يكتب في ديوان الغافلين .

اعلم أنّ الصلاة بين المغرب والعشاء لها فضل عظيم ، وهي صلاة الأوّابين ، وروي أنّها تسمّى ساعة الغفلة ، وهي ركعتين بين المغرب والعشاء ، يُقرأ في الأُولى ( الحمد ) و( ذا النون إذ ذهب مغاضب ) ، وفي الثانية ( الحمد ) و( وعنده مفاتح الغيب ) وهي أفضل عند الله من صوم النهار .

واعلم يا أخي إنّك إذا عملت الطاعات وواظبت على العبادات ، من صيام أو صدقة أو بر أو صلة رحم ، فاقصد به وجه الله تعالى خالصاً مخلصاً من الرياء المحبط للأفعال ، واتبع فيه قول الله تعالى :( ولدار الآخرة خير ) (٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله تعالى يقول : لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل مخلصاً لي حتّى أُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي

____________

(١) في ( د ) : فإن كنت غافلاً بعض الليل للنوم .

(٢) يوسف : ١٠٩ .

١٧٦

يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، إن سألني أعطيته وإن استعاذني أعذته (١) (٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا قام العبد من مضجعه والنعاس في عينيه ليرضي ربّه بصلاة الليل ، باهى الله به ملائكته فيقول : أما ترون عبدي هذا قام من مضجعه ، وترك لذيذ منامه إلى ما لم أفرضه عليه ، اشهدوا أنّي قد غفرت له (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :استعينوا بطعام السحر على صيام النهار ، وبالقيلولة على قيام الليل ، وما نام الليل كله أحد إلاّ بال الشيطان في أُذنه (٤) ، وجاء يوم القيامة مفلساً ، وما من أحد إلاّ وله ملك يوقظه من نومه كل ليلة مرّتين ، يقول : يا عبد الله اقعد لتذكر ربّك ، ففي الثالثة إن لم ينتبه يبول الشيطان في أُذنه .

روت عائشة قالت : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم من فراشه ويصلّي ويقرأ القرآن ويبكي ، ثم يجلس يقرأ ويدعو ويبكي حتّى إذا فرغ اضطجع وهو يقرأ ويبكي حتّى بلّت الدموع خدّيه ولحيته ، قلت : يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال :بلى ، أفلا أكون عبداً شكوراً .

وقال :الشتاء ربيع المؤمن ، قصر نهاره فصامه وطال ليله فقامه (٥) .

وقال :مَن خاف أن ينام عن صلاة الليل فليقرأ عند منامه : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٦) .

ويقول : اللّهمّ أنبهني لأحبّ الساعات إليك ، فأدعوك فتجيبني ، وأسألك

____________

(١) البحار ٨٧ : ٣١ ح١٥ ، عن المحاسن .

(٢) إلى هنا تمّ ما نقلناه من نسخة ( ج ) و ( د ) .

(٣) روضة الواعظين : ٣٢٠ ، عنه البحار ٨٧ : ١٥٦ ح٤٠ ، معالم الزلفى : ٤٥ .

(٤) في ( ج ) : أُذنيه .

(٥) معاني الأخبار : ٢٢٨ ، عنه البحار ٨٣ : ١٣٣ ح١٠٢ .

(٦) الكهف : ١١٠ .

١٧٧

فتعطيني ، واستغفرك فتغفر لي ويقول : اللّهمّ ابعثني من مضجعي لذكرك (١) وشكرك وصلاتك واستغفارك ، وتلاوة كتابك ، وحسن عبادتك يا أرحم الراحمين (٢) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ البيوت التي يُصلّى فيها بالليل ويُتلى فيها القرآن تضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّي لأهل الأرض (٣) .

واعلموا علماً يقيناً أنّه ما تقرّب المؤمن بقربان أعظم عند الله سبحانه وأفضل من صلاة الليل ، والتسبيح والتهليل بعدها ومناجات ربّه العزيز الحميد ، والاستغفار من ذنوبه ، وأدعية صلاة الليل ببكاء وخشوع ، ثم قرآءة القرآن إلى طلوع الفجر وإيصال صلاة الليل بصلاة النهار ، فإنّي أُبشّره بالرزق الواسع بالدنيا من غير كدٍّ ولا تعب ولا نصب ، وبعافية شاملة في جسده ، وأُبشّره إذا مات بالنعيم في قبره من الجنّة ، وضياء قبره بنور صلاته تلك إلى يوم محشره .

وأُبشّره بأنّ الله تعالى لا يحاسبه ، وأن يأمر الملائكة تدخله الجنّة في أعلى عليين في جوار محمد وأهل بيته الطاهرين ، فيا لها من فرصة ما أحسن عاقبتها إذا سلمت من الرياء والعجب .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيّته لأمير المؤمنينعليه‌السلام :وعليك بصلاة الليل ـ وكرّر ذلك ثلاثاً(٤) .

وقال :ألا ترون إلى المصلّين بالليل وهم أحسن الناس وجوهاً ؛ لأنّهم خلوا بالليل لله سبحانه فكساهم من نوره (٥) .

وسُئل الباقرعليه‌السلام عن وقت صلاة الليل فقال :هو الوقت الذي جاء

____________

(١) في ( ب ) : أيقظني لذكرك .

(٢) عنه البحار ٨٧ : ١٧٣ ح٢ .

(٣) روضة الواعظين : ٣٢١ .

(٤) البحار ٨٧ : ١٥٧ ح٤٢ ، عن روضة الواعظين .

(٥) علل الشرائع : ٣٦٥ ح١ باب٨٧ ، عنه البحار ٨٧ : ١٥٩ ح ٤٨ .

١٧٨

عن جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّ لله تعالى منادياً ينادي في السحر : هل من داع فأُجيبه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب فأعطيه ؟ .

ثم قال :هو الوقت الذي وَعَدَ فيه يعقوب بنيه أن يستغفر لهم ، وهو الذي مدح فيه المستغفرين فقال : ( والمستغفرين بالأسحار ) (١) إنّ صلاة الليل في آخره أفضل من أوّله ، وهو وقت الإجابة ، والصلاة فيه هدية المؤمن إلى ربّه ، فأحسنوا هداياكم إلى ربّكم يحسن الله جوائزكم ، فإنّه لا يواظب عليها إلاّ مؤمن صدّيق (٢) .

واعلم أيّدك الله أنّ صلاة الليل من أوّل نصفه الأخير لمَن يطول في قراءته ودعائه أفضل ، وهي في آخره لمن يقتصر أفضل .

وقال الصادقعليه‌السلام :لا تعطوا العين حظّها من النوم فإنّها أقلّ شيء شكراً (٣) .

وروي أنّ الرجل يكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل ، فإذا حرم صلاة الليل حرم بذلك الرزق(٤) .

وقالعليه‌السلام :كذب مَن زعم أنّه يصلّي صلاة الليل ويجوع بالنهار (٥) .

وفيما أوحى الله إلى موسى بن عمران :لو رأيت الذين يصلّون لي في [ظلم] (٦) الدياجي وقد مثّلت نفسي بين أعينهم (٧) وهم يخاطبوني وقد جليت عن المشاهدة ، ويكلّموني وقد تعزّزت عن الحضور ، يا ابن عمران ! هب لي من عينيك الدموع ، ومن قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ثم ادعني في ظلم الليالي تجدني قريباً

____________

(١) آل عمران : ١٧ .

(٢) عنه البحار ٨٧ : ٢٢٢ ح٣٢ .

(٣) البحار ٨٧ : ١٥٦ ح٣٩ ، عن عدّة الداعي .

(٤) عنه معالم الزلفى : ٤٥ .

(٥) روضة الواعظين : ٣٢١ ، عنه البحار ٨٧ : ١٥٧ ح٤٢ ، والمحاسن ١ : ١٢٥ ح١٤١ .

(٦) أثبتناه من ( ب ) .

(٧) في ( ب ) : أيديهم .

١٧٩

مجيباً ، يا ابن عمران ! كذب مَن يقول (١) إنّه يحبّني وإذا جنّه الليل نام عنّي (٢) .

وروي عن المفضل بن صالح قال : قال لي مولاي الصادقعليه‌السلام :يا مفضل إنّ لله تعالى عباداً عاملوه بخالص من سرّهم فقابلهم (٣) بخالص من برّه ، فهم الذين تمرّ صحفهم يوم القيامة فرغاً ، فإذا وقفوا بين يديه ملأها لهم من سرّ ما أسرّوا إليه ، فقلت : وكيف ذلك يا مولاي ؟ فقال :أجلّهم أن تطّلع الحفظة على ما بينه وبينهم (٤) .

وفي هذا دلالة على أنّ الإخفاء بها أفضل من الإجهار بها ، وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( خير العبادة أخفاها ، وخير الذكر الخفي ) وقولهعليه‌السلام :( صلاة السر تزيد على الجهر بسبعين ضعف ) ، ومدح الله تعالى زكريا إذ نادى ربّه نداءً خفيّاً ، وقال سبحانه :( واذكر ربّك تضرّعاً وخيفة ودون الجهر من القول ) (٥) وهذا صريح في فضل إخفائها .

وسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوماً يرفعون أصواتهم بالدعاء ، فقال :على رسلكم إنّما تدعون سميعاً بصيراً حاضراً معكم (٦) .

وما ورد من استحباب الجهر في صلاة الليل فإنّه يختصّ بالقراءة دون الدعاء ، واعلم أنّ كيفيّة رفع اليدين في الصلاة أن تكونا مبسوطتين تحاذي صدر الإنسان .

[وعن سعد بن يسار قال :](٧) قال الصادقعليه‌السلام :هكذا الرغبة ـ وأبرز

____________

(١) في ( ج ) : زعم .

(٢) البحار ١٣ : ٣٦١ ح٧٨ ، عن عدّة الداعي .

(٣) في ( ج ) : فعاملهم .

(٤) عنه البحار ٧٠ : ٢٥٢ ح٧ ، ومعالم الزلفى : ٢٤٧ .

(٥) الأعراف : ٢٠٥ .

(٦) البحار ٩٣ : ٣٤٣ ح١٢ نحوه .

(٧) أثبتناه من ( ب ) .

١٨٠