ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381
المشاهدات: 84163
تحميل: 18566


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84163 / تحميل: 18566
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالصلاة والصيام حتّى لو تركها استوحش لذلك ، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الأرحام ، والبرّ بالإخوان (١) .

قيل للأحنف بن قيس : ممّن تعلّمت الحلم ؟ فقال : من قيس بن عاصم المنقري ، قال : كان عنده ضيف فجاءت جارية بشواء في سفود(٢) ، فوقع على ابن له فمات من ساعته ، فدهشت الجارية فقال لها : لا روع ولا خوف ولا جزع عليك ، وأنت حرّة لوجه الله .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه ، وحسن الخلق (٣) .

وعنهعليه‌السلام :ثلاثة لا تعرف إلاّ في ثلاثة : لا يعرف الحليم إلاّ في الغضب ، ولا الشجاع إلاّ عند الحرب ، ولا الأخ إلاّ عند الحاجة (٤) .

وتبع الأحنف رجل يشتمه في طريقه ، فلمّا قرب من داره قال له : يا هذا إن كان بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك خدمي وقومي فيقتلوك .

ودعا علي بن الحسينعليه‌السلام عبداً له فلم يجبه مرات ، فقال له : ما منعك من جوابي ؟ فقال :أمنت عقوبتك ، فقال : امض فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى (٥) .

ومن حسن الخلق أنّ العبد يعطي الناس من نفسه ما يحبّ أن يعطوه من أنفسهم ، وهو أيضاً احتمال ما يقع من جفاء الناس ، واحتمالهم من غير ضجر ولا حرد ، وقال موسىعليه‌السلام في مناجاته :أسألك يا ربّ أن لا يقال فيّ ما ليس فيّ ، فقال : يا موسى ما فعلت هذا لنفسي فكيف لك ؟! .

____________

(١) الكافي ٢ : ١٠٤ ح ٢ ، عنه البحار ٧١ : ٢ ح ٢ .

(٢) السَّفُود والسُّفُود ـ بالتشديد : حديدة ذات شعب مُعَقَّفَة معروف يُشوى به اللحم ، وجمعه سفافيد (لسان العرب) .

(٣) مجموعة ورام ١ : ٩٠ ، وروضة الواعظين : ٣٧٦ .

(٤) تحف العقول : ٢٣٣ ، عنه البحار ٧٨ : ٢٢٩ ح ٩ .

(٥) إرشاد المفيد : ٢٥٨ ، عنه البحار ٤٦ : ٥٦ ح ٦ نحوه .

٢٦١

والخلق الحسن احتمال المكروه مع بسط الوجه وتبسّم السنّ ، وسُئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشؤم ، فقال :سوء الخلق (١) .

وقيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين يهلكهم الله ، قال :إنّما بعثت رحمة لا عذاباً .

وقال رجل للرضاعليه‌السلام : ما حد حسن الخلق ؟ فقال :أن تعطي الناس من نفسك ما تحبّ أن يعطوك مثله ، فقال : ما حدّ التوكّل ؟ فقال :أن لا تخاف مع الله أحداً ، فقال : أُحب أن أعرف كيف أنا عندك ، فقال :انظر كيف أنا عندك (٢) .

وقال المتوكّل لعليّ الهاديعليه‌السلام كلاماً يعاتبه ويلومه فيه ، فقال له :لا تطلب الصفو ممّن كدرت عليه ، ولا الوفاء ممّن صرفت سوء ظنّك إليه ، فإنّما قلب غيرك لك كقلبك له (٣) .

وقالعليه‌السلام :لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى تكون فيه ثلاث خصال ، خصلة من ربّه ، وخصلة من نبيّه ، وخصلة من إمامه ، فأمّا التي من ربّه : فكتمان السرّ فإنّه قال تعالى : ( فلا يظهر على غيبه أحد * إلاّ مَن ارتضى من رسول ) (٤) . وأمّا من نبيه : [فمداراة الناس] (٥) ، فانّه قال تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (٦) ، وأمّا من إمامه : فالصبر على البأساء والضرّاء فإنّ الله تعالى يقول : ( والصابرين في البأساء والضرّاء ) (٧) .

ومن حسن الخلق أن يكون الرجل كثير الحياء ، قليل الأذى ، صدوق

____________

(١) مجموعة ورام ١ : ٨٩ .

(٢) أمالي الصدوق : ١٩٩ ح ٨ مجلس : ٤٢ ، عنه البحار ٧١ : ١٣٤ ح ١١ .

(٣) راجع البحار ٧٤ : ١٨٢ ح ٨ ، عن الدرة الباهرة .

(٤) الجن : ٢٦ـ٢٧ .

(٥) أثبتناه من الخصال .

(٦) الأعراف : ١٩٩ .

(٧) الخصال : ٨٢ ح ٧ باب ٣ ، عنه البحار ٧٥ : ٤١٧ ح ٧١ ، والآية في سورة البقرة : ١٧٧ .

٢٦٢

اللسان ، قليل الكذب ، كثير العمل ، قليل الزلل ، وقوراً صبوراً ، [رضيّاً](١) تقيّاً شكوراً ، رفيقاً عفيفاً شفيقاً ، لا نمّام ولا غيّاب ولا مغتاب ، ولا عجول ولا حسود ولا بخيل ، يحبّ في الله ، ويبغض في الله ، ويعطي في الله ، [ويمنع في الله](٢) ، ويرضى في الله ، ويسخط في الله ، يحسن ويبكي كما أنّ المنافق يُسيء ويضحك .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة مَن طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا ، فهم الأتقياء الأنقياء الذين إذا شهدوا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفقدوا ، تعرفهم بقاع الأرض ، وتحفّ بهم ملائكة السماء ، ينعم الناس بالدنيا وتنعّموا بذكر الله .

افترش الناس الفرش وافترشوا الجباه والركب ، وَسَعُوا الناس بأخلاقهم ، تبكي الأرض لفقدهم ، ويسخط الله على بلد ليس فيها منهم أحد ، لم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف ، شعثاً غبراً تراهم الناس فيظنّون أنّ بهم داء وقد خولطوا أو ذهبت عقولهم ، وما ذهبت بل نظروا إلى أهوال الآخرة فزال حبّ الدنيا عن قلوبهم ، عقلوا حيث ذهبت عقول الناس ، فكونوا أمثالهم(٣) .

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :مكارم الدنيا والآخرة أن تصل مَن قطعك ، وتعطي مَن حرمك ، وتعفو عمّن ظلمك (٤) .

____________

(١) أثبتناه من ( ب ) و (ج ) .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) مجموعة ورام ١ : ١٠٠ .

(٤) الكافي ٢ : ١٠٧ ح ٣ ، عنه البحار ٧١ : ٣٩٩ ح ٣ ، وفيه : تحلم إذا جهل عليك .

٢٦٣

الباب الرابع والأربعون : في السخاء والجود في الله تعالى

قال الله تعالى :( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (١) .

وقال سبحانه :( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) (٢) .

فمدح سبحانه أهل الإيثار وان كان بهم خصاصة ، والمعطين(٣) الطعام على حبه ، قيل : على حب الطعام ، وقيل : على حب الله تعالى ، ويجوز أن يكون على حبّهما معاً ، وهذه الآية نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) بلا خلاف .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :السخي قريب من الله ، قريب من الناس ، [قريب من الجنّة] (٤) ، وبعيد من النار والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، [بعيد

____________

(١) الحشر : ٩ .

(٢) الإنسان : ٨ .

(٣) في ( ب ) و ( ج ) : المطعمين .

(٤) أثبتناه من ( ج ) .

٢٦٤

من الجنة] (١) ، قريب من النار ؛ والجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل (٢) .

ولا فرق بين الجود والسخاء ، ولا يسمّى الله تعالى بالسخي لعدم التوقيف على ذلك من كلامه أو كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلّ كلام العلماء .

وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام :إنّي لأبادر إلى قضاء حاجة عدوّي خوفاً أن يقضيها له غيري أو أن يستغني (٣) .

وقال آخر : ما أحب أن أرد أحداً عن حاجة ، إمّا أن يكون كريماً فأصون عرضه ، أو لئيماً فأصون عرضي .

وقال رجل لرجل : من أين أنت ؟ فقال : أنا من المدينة ، فقال له : لقد أغنانا رجل منكم سكن عندنا وذكره له ، فقال له : إنّه أتاكم ولا مال له ، فقال : ما أغنانا بماله ولكن علّمنا الكرم فجاد بعضنا على بعض .

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أتاه طالب في حاجة فقال له :اكتبها على الأرض فإنّي أكره أن أرى ذلّ السؤال في وجه السائل (٤) .

وجاء رجل إلى الرضاعليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله قد نفذت نفقتي ولم يبق معي ما يوصلني إلى أهلي ، فأقرضني وأنا أتصدّق به عنك ، فدخل داره وأخرج يده من الباب وقال :خذ هذه الصرّة ـ وكان فيها مائتي دينار ـ وقال :لا حاجة لنا إلى صدقتك ، فقال له : يا ابن رسول الله لم لا تخرج وجهك ؟ فقال :نحن أهل بيت لا نرى ذلّ السؤال في وجه السائل (٥) .

وسأل رجل الحسن بن عليّعليهما‌السلام شيئاً فأعطاه خمسين ألف درهم

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) عنه معالم الزلفى : ٣٢٢ ، ونحوه في مجموعة ورام ١ : ١٧١ ، وروضة الواعظين : ٣٨٥ .

(٣) في البحار ٧٨ : ٢٠٧ ح ٦٤ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام نحوه .

(٤) عنه مستدرك الوسائل ٧ : ٢٣٨ ح ٨١٣١ .

(٥) الكافي ٤ : ٢٣ ح ٣ ، عنه البحار ٤٩ : ١٠١ ح ١٩ بتفصيل أكثر .

٢٦٥

وأعطى الجمال طيلسانة وكراه وقال :تمام المروّة إعطاء الأجرة لحمل الصدقة .

وقيل إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بكى يوماً فسألوه عن سبب بكائه فقال :لنا سبعة أيام لم يأتنا ضيف (١) وما كانوا يبنون بيتاً إلاّ وفيه موضع الضيافة ، وضيف الكريم كريم .

وأربعة أشياء لا ينبغي للرجل أن يأنف منها ، قيام الرجل في مجلسه لأبيه وإجلاسه فيه ، وخدمة الرجل لضيفه ، وخدمة العالم لمَن يتعلّم منه ، والسؤال عمّا لا يعلم ، وكانوا يخدمون الضيف فإذا أراد الرحيل لم يعينوه على رحيله كراهة لرحلته ، وأعظم الجود الإيثار مع الضرورة الشديدة ، كما آثر آل محمد عليه وعليهم السلام بالقرص عند حضور إفطارهم وباتوا طاوين ، فمدحهم الله سبحانه وتعالى بسورة هل أتى .

قال مصنف هذا الكتاب : ينبغي للعبد أن يكون الغالب عليه الإيثار ، والسخاء ، والرحمة للخلق ، والإحسان إليهم ، فإنّ هذه أخلاق الأولياء ، وهو أصل من أصول النجاة والقرب من الله تعالى ، فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :السخاء شجرة من شجر الجنة من تعلّق بغصن (٢) منها فقد نجى .

وقال جبرئيلعليه‌السلام : قال الله تعالى :هذا دين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلاّ السخاء وحسن الخلق ، فالزموهما ما استطعتم (٣) .

وقالعليه‌السلام :جبل الله أولياءه على السخاء وحسن الخلق (٤) .

وقالوا : يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ فقال :السخاء وحسن الخُلُق ، فألزموهما تفوزوا .

____________

(١) راجع إحياء العلوم للغزالي ٣ : ٢٣٩ ، حكايات الأسخياء .

(٢) في ( ألف ) : ببعض منها .

(٣) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ .

(٤) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ .

٢٦٦

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الرزق إلى السخي أسرع من السكين إلى ذروة البعير ، وإنّ الله تعالى يباهي بمطعم الطعام الملائكة (١) .

وقال :خلقان يحبهما الله : السخاء وحسن الخلق ، وخلقان يبغضهما الله : البخل وسوء الخلق (٢)

ولقد جمع الله تعالى ذلك في قوله :( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون ) (٣) .

وروي أنّ بني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لاموه في كثرة عطائه ، فقال : يا بني إنّ الله عوّدني أن يمدني وعوّدته أن أجود به على خلقه ، فأخاف أن أقطع العادة فيقطع(٤) المادة .

وروي أنّه دخل ذات يوم إلى حائط له وفيه عبد لجاره وبين يديه ثلاثة أقراص ، فدخل إليه كلب فرمى له بواحد ثم الآخر ثم الآخر ، فقال له : هلاّ أكلت منها وأطعمته ؟ فقال : إنّه غريب جائع فآثرته على نفسي ، فقال عبد الله : تلوموني على السخاء وهذا أسخى منّي ، ثم اشتراه وأعتقه وملكه الحائط(٥) .

والعجب لمَن يبخل بالدنيا وهي مقبلة فإنّ الجود لا يفنيها ، أو هي مدبرة فإنّ البخل لا يبقيها ، ولقد أحسن مَن قال :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرّاً قبل أن تتفلّتِ

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا هي ولّتِ

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لكميل بن زياد :يا كميل مر أهلك أن يروحوا في المكارم ، ويدلجوا في حاجة مَن هو نائم ، فو الذي وسع سمعه

____________

(١) مجموعة ورام ١ : ١٧١ .

(٢) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ نحوه .

(٣) الحشر : ٩ .

(٤) في ( ج ) : فتنقطع .

(٥) مجموعة ورام ١ : ١٧٣ نحوه .

٢٦٧

الأصوات ما من أحد أودع قلباً سروراً إلاّ وخلق الله من ذلك السرور لطفاً ، إذا نابته نائبة انحدر عليها كالسيل في انحداره ، فيطردها كما يطرد غرائب الإبل (١) .

وقالعليه‌السلام :تنافسوا إلى المكارم ، وسارعوا إلى الغنائم ، واعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نعمة الله تعالى (٢) عليكم ، وأجود الناس مَن يعطي مَن لا يرجوه ، ومَن نفّس عن مؤمن كربة نفّس الله عنه اثنين وسبعين كربة من كرب الدنيا ، واثنين وسبعين كربة من كرب الآخرة ، ومَن أحسن أحسن الله إليه ، والله يحب المحسنين .

وقالعليه‌السلام :مَن تيقّن أنّ الله يخلف ما ينفقه لم يمسك عن الإنفاق .

وروي أنّ الشمس كل يوم تطلع على قرني ملك ينادي : اللهم عجّل لكل منفق خلفاً ، ولكل ممسك تلفاً(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن أكرم الضيف فقد (٤) أكرم سبعين نبيّاً ، ومَن أنفق على الضيف درهماً فكأنّما أنفق ألف ألف دينار في سبيل الله عزّ وجل .

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :أتدري ما الشحيح ؟ قلت : هو البخيل ، قال :الشح أشد من البخل ، إنّ البخيل يبخل بما في يده والشحيح على ما في أيدي الناس وعلى ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي الناس شيئاً إلاّ تمنّى أن يكون له بالحلّ والحرام ، ولا يشبع ولا ينتفع (٥) بما رزقه الله (٦) .

وللبخيل ثلاث علامات : يخاف من الجوع ، ويخاف من سائل يأتيه ، ويرحب باللسان مع إخوان الخير ، وللسخي ثلاث علامات : العفو بعد القدرة ،

____________

(١) نهج البلاغة : قصار الحكم ٢٥٧ ، عنه البحار ٧٤ : ٣١٨ ح ٨٢ .

(٢) في ( ألف ) و ( ج ) : من نعمته .

(٣) كنز العمال ٦ : ٣٧٤ ح ١٦١٢٢ نحوه .

(٤) في ( ب ) : فكأنّما .

(٥) في ( ب ) و ( ج ) : يقنع .

(٦) تحف العقول : ٢٧٧ ، عنه البحار ٧٨ : ٢٥٦ ح١٣٠ .

٢٦٨

وإخراج الزكاة ، وحب الصدقات .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لمّا خلق الله الجنّة قالت : يا ربّ لمن خلقتني ؟ قال : لكل سخيّ تقيّ ، قالت : رضيت يا رب (١) .

وقيل : إنّ رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله ما حد التدبير والتبذير والتقتير ؟ فقال :التبذير أن تتصدّق بجميع مالك ، والتدبير أن تنفق بعضه ، [والتقتير أن لا تنفق من مالك شيئاً] (٢) ، فقال : زدني بياناً يا ابن رسول الله .

[قال :] (٣) فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبضة من الأرض وفرّق أصابعه ثم فتح كفّه فلم يبق في يده شيئاً ، فقال : هذا التبذير ، ثم قبض قبضة أخرى وفرّق أصابعه فنزل البعض وبقي البعض فقال : هذا التدبير ، ثم قبض قبضة أخرى وضمّ كفّه حتّى لم ينزل منه شيء فقال : هذا التقتير .

وقالعليه‌السلام :المؤمن مَن كان بماله متبرّعاً وعن مال غيره متورّعاً .

وقالعليه‌السلام :السخاء اسم شجرة في الجنّة ترفع يوم القيامة كل سخي إلى الجنّة بأغصانها ، والبخل اسم شجرة في النار تقود بأغصانها كل بخيل إلى النار (٤) .

وقالعليه‌السلام :رأيت على باب الجنّة مكتوب : أنت محرمة على كل بخيل ومرائي وعاق ونمّام .

____________

(١) عنه مستدرك الوسائل ٧ : ١٨ ح ٧٥٢٦ ، ومعالم الزلفى : ٣٢٢ .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) أثبتناه من ( ج ) .

(٤) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ نحوه ، ومعالم الزلفى : ٣٢٢ .

٢٦٩

الباب الخامس والأربعون : في سؤال أبي ذرّ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال أبو ذر (رحمة الله عليه) : دخلت يوماً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في المسجد(١) جالس وحده ، فاغتنمت وحدته فقال :يا أبا ذر إنّ للمسجد تحيّة ، فقلت : وما تحيّته يا رسول الله ؟ فقال : ركعتان ، فركعتهما ثم التفتّ إليه فقلت : يا رسول الله أمرتني بالصلاة فما حدّ الصلاة ؟ قال :خير موضوع فمَن شاء أقلّ ومَن شاء أكثر .

فقلت : يا رسول الله أيّ الأعمال أحب إلى الله تعالى ، قال : الإيمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله ، قلت : يا رسول الله أيّ المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال : أحسنهم خلقاً ، قلت : فأيّ المؤمنين أفضل ؟ قال :مَن سلم المسلمون من لسانه ويده ، قلت : فأيّ الهجرة أفضل ؟ قال :من هجر السوء ، قلت : فأيّ [وقت من](٢) الليل أفضل ؟ قال :جوف الليل الغابر .

____________

(١) في ( ألف ) و ( ج ) : المجلس .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

٢٧٠

قلت : أيّ الصلاة أفضل ؟ قال :طول القنوت ، قلت : أيّ الصدقة أفضل ؟ قال :جهد من مقلّ إلى فقير في سرّ ، قلت : فما الصوم ؟ قال :فرض مجز وعند الله أضعاف ذلك ، قلت : فأيّ الرقاب أفضل ؟ قال :أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها ، قلت : فأيّ الجهاد أفضل ؟ قال :من عقر جواده وأهرق دمه .

قلت : فأيّ آية أنزلها عليك أفضل وأعظم ؟ قال : آية الكرسي، قلت : يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم عليه‌السلام ؟ قال : كانت أمثالاً كلّها ، أيّها الملك المغرور المسلّط المبتلى إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكن بعثتك لترد عنّي دعوة مظلوم فإنّي لا أردّها وإن كانت من كافر أو فاجر ففجوره على نفسه .

وكان فيها أمثالاً ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يفكّر في صنع الله عزّ وجل ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخّر ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب .

وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلاّ في ثلاث : تزوّد لمعاد ، أو مرمّة(١) لمعاش ، أو لذّة في غيرِ ذات محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه .

قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسىعليه‌السلام ؟ قال :كانت عبراً كلها ، عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك ، عجباً لمن أبصر الدنيا وتقلّبها بأهلها حال بعد حال ثم هو يطمئنّ إليها ، عجباً لمن أيقن بالحساب غداً ثم لم يعمل ، قلت : يا رسول الله فهل في الدنيا(٢) شيء ممّا كان في

____________

(١) في ( ج ) : سعي .

(٢) في ( ج ) : في أيدينا .

٢٧١

صحف إبراهيم وموسى ممّا أنزل الله عليك ؟

قال : اقرأ يا أباذر :( قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربه فصلّى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى * إنّ هذا ـ يعني ذكر هذه الأربع آيات ـ لفي الصحف الأُولى * صحف إبراهيم وموسى ) (١) .

قلت : يا رسول الله أوصني ، قال :أوصيك بتقوى الله فإنّه رأس أمرك كلّه ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنّه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : عليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة أُمّتي ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :عليك بالصمت إلاّ من خير فإنّه مطردة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك .

قلت : يا رسول الله زدني ، قال :إيّاك وكثرة الضحك فإنّه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :انظر إلى مَن هو تحتك ولا تنظر إلى مَن هو فوقك ، فإنّه أجدر أن لا تزدري نعمة الله تعالى عليك ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :صل قرابتك وإن قطعوك ، وحب المساكين وأكثر مجالستهم .

قلت : يا رسول الله زدني ، قال :لا تخف في الله لومة لائم ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : يا أبا ذر ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما تأتي ، وكفى بالرجل عيباً أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ، ويجد عليهم فيما يأتي ، قال : ثم ضرب على صدري وقال : يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكفّ ، ولا حسب كحسن الخلق (٢) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام انّه قال :في خطبة أبي ذر رضي‌الله‌عنه : يا مبتغي العلم لا تشغلك الدنيا ولا أهل ولا مال عن نفسك ، أنت يوم تفارقهم كضيف

____________

(١) الأعلى : ١٩ـ١٤ .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٦٧ ، وكنز العمال ١٦ : ١٣١ ح ٤٤١٥٨ ، وأورده في أعلام الدين : ٢٠٤ .

٢٧٢

بتّ فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم ، الدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره ، وما بين البعث والموت إلاّ كنومة نمتها ثم استيقظت منها ، يا جاهل تعلّم العلم فإنّ قلباً ليس فيه علم كالبيت الخراب الذي لا عامر له (١) .

وعن أبي ذر (رحمة الله عليه) قال : يا باغي العلم قدّم لمقامك بين يدي الله عزّ وجل فإنّك مرتهن بعملك كما تدين تدان ، يا باغي العلم صلّ قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلّي فيه ، إنّما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل دخل على ذي سلطان فأنصت إليه حتّى فرغ من حاجته ، فكذلك المرء المسلم بإذن الله تعالى ما دام في الصلاة ، لم يزل الله عزّ وجل ينظر إليه حتّى يفرغ من صلاته .

يا باغي العلم تصدّق قبل أن لا تقدر تعطي شيئاً ولا تمنعه ، إنّما مثل الصدقة لصاحبها مثل رجل طلبه قوم بدم فقال لهم : لا تقتلوني واضربوا لي أجلاً أسعى في رضاكم ، كذلك المرء المسلم بإذن الله كلّما تصدّق بصدقة حلّ بها عقدة من رقبته حتّى يتوفّى الله أقواماً وهو عنهم راض ، ومَن رضي الله عزّ وجل عنه فقد أُعتق من النار .

يا باغي العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ ، فاختم على فمك كما تختم على ذهبك وورقك(٢) ، يا باغي العلم إنّ هذه الأمثال ضربها الله عزّ وجل للناس [وقال :](٣) ( وما يعقلها إلاّ العالمون ) (٤) .

يا باغي العلم كأنّ شيئاً من الدنيا لم يكن إلاّ عمل ينفع خيره ويضرّ شرّه إلاّ ما رحم الله عزّ وجل ، يا باغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك فلن يغنوا عنك شيئاً(٥) .

____________

(١) مجموعة ورام ٢ : ٦٩ .

(٢) في ( ألف ) : رزقك .

(٣) أثبتناه من ( ج ) .

(٤) العنكبوت : ٤٣ .

(٥) مجموعة ورام ٢ : ٦٦ بحذف الأخير ، وفي أعلام الدين : ٢٠٧ .

٢٧٣

الباب السادس والأربعون : في الولاية لله تعالى

قال الله تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) .

فولاية الله معرفته ومعرفة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعرفة الأئمّة من أهل بيتهعليهم‌السلام ، وموالاتهم وموالاة كافّة أولياء الله ، [والمعاداة في الله](٢) ومعاداة أعداء الله وأعداء رسوله وأهل بيته ، والتبرّي من كل من لم يدن لهم بدين الإسلام .

وأعظم عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله ، ولا طريق إلى ذلك إلاّ بعد المعرفة لهم ، وإذا لم يعرف أولياء الله فيواليهم وأعداء الله فيعاديهم ، لا يأمن أن يعادي لله وليّاً أو يوالي لله عدوّاً ، فيخرج بذلك عن طريق الولاية بل عن الإيمان ، وما من شيء من ذلك إلاّ وعليه دلالة من كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرح ذلك مذكور في كتب العلم .

وينبغي للعاقل الالتزام بعرى الإيمان ، والتحلّي بحلية أهل الولاية ، فمن أراد

____________

(١) يونس : ٦٢ .

(٢) أثبتناه من ( ب ) .

٢٧٤

ذلك فليلزم لسانه الذكر ، وقلبه الفكر ، ويعتزل أهل الدنيا ويجالس الصالحين من أهل العلم ، ويتبع آثار الصالحين ، ويقتدي بهداهم من الرفض للدنيا ، ويقنع من العيش بما حضر .

ويتقرب إلى الله بصالح القربات من صلاة النوافل ، والبرّ بالإخوان ، وقضاء حوائجهم وصلتهم ، والإيثار على نفسه بما يقدر عليه ، وصيام الأوقات المندوب إليها ، وصيانة بطنه عن الحرام ، ولسانه عن فضول الكلام ، وليعلم أنّ الله يتولاّه ، فانّه تعالى قال :( وهو يتولّى الصالحين ) (١) ، فحينئذ لا يكله إلى نفسه بل يتولّى عنايته وحوائجه .

وقال سبحانه :فليأذن بحرب منّي مَن آذى عبدي المؤمن ، أو أخاف لي وليّاً (٢) .

وقال سبحانه :ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته (٣) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :إذا كان يوم القيامة ينادي المنادي : أين المؤذون لأوليائي ؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم ، فيقال : هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم [العداوة] (٤) وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم ، ثم يؤمر بهم إلى جهنّم (٥) .

وقالعليه‌السلام :مَن حقّر مؤمناً لم يزل الله عزّ وجل له حاقراً حتّى يرجع عن محقرته إيّاه (٦) .

____________

(١) الأعراف : ١٩٦ .

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٠ ح ١ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥٢ ح ٢٢ نحوه .

(٣) المحاسن ١ : ٤٥٤ ح ٤٤٩ ، عنه البحار ٨٧ : ٣١ ح ١٥ .

(٤) أثبتناه من ( ج ) .

(٥) الكافي ٢ : ٣٥١ ح ٢ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥٤ ح ٢٣ .

(٦) الكافي ٢ : ٣٥١ ح ٤ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥٧ ح ٢٦ .

٢٧٥

وقال :أيّما مؤمن منع مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه وهو قادر عليه من عنده أو من عند غيره ، أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه ، مزرقة عيناه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله عزّ وجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيؤمر به إلى النار (١) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام :مَن ردّ أخاه المؤمن عن حاجة وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه ثعباناً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة (٢) .

وقالعليه‌السلام :مَن نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عزّ وجل يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه (٣) .

وقالعليه‌السلام :مَن حبس حق المؤمن أقامه الله يوم القيامة خمسمائة عام حتّى يسيل عرقه ودمه ، وينادي مناد من عند الله عزّ وجل : هذا الظالم الذي حبس عن الله عزّ وجل حقّه ، فيوبّخ أربعين يوماً ويؤمر به إلى النار (٤) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :من روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروهاً فأصابه (٥) فهو في النار ، ومَن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروهاً فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار ، ومَن أعان على مؤمن بشطر كلمة لقى الله عزّ وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله عزّ وجل (٦) .

وقالعليه‌السلام :من علامة شرك الشيطان الذي لا شك فيه أن يكون الرجل فحّاشاً لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ، فإنّه لعب به (٧) .

____________

(١) الكافي ٢ : ٣٦٧ ح ١ ، عنه البحار ٧٥ : ١٧٧ ح ١٦ .

(٢) الكافي ٢ : ٣٦٧ ح ٤ ، عنه البحار ٧٥ : ١٧٩ ح ١٩ .

(٣) الكافي ٢ : ٣٦٨ ح ١ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥١ ح ١٩ ، ومجموعة ورام ٢ : ٢٠٩ .

(٤) الكافي ٢ : ٣٦٧ ح ٢ ، عنه البحار ٧٥ : ١٧٨ ح ١٧ .

(٥) زاد في ( ج ) : ولم يصبه .

(٦) الكافي ٢ : ٣٦٨ ح ٣ـ٢ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥١ ح ٢١ـ٢٠ .

(٧) الكافي ٢ : ٣٢٣ ح ١ .

٢٧٦

وبإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله حرّم الجنّة على كل فحّاش بذيّ قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ من شرار عبيد الله مَن تكره مجالسته لفحشه (٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام :مَن خاف الناس لسانه فهو في النار (٣) .

وبإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :أشرّ الناس يوم القيامة الذين يُكْرَمُونَ اتقاء شرّهم (٤) .

وينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقور عند الهزاهز ، صبور على البلايا ، شكور عند الرخاء ، قانع بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة ، والولي كل الولي مَن توالت أقواله وأفعاله على موافقة الكتاب والسنّة ، ومَن كان هكذا تولّى الله سياسته(٥) باللطف في كل أموره ، وحرسه في غيبته وحضوره ، وحفظه في أهله وولده وولد ولده وفي جيرانه ، فإنّه جاء في الحديث النبوي :إنّ الله يحفظ الرجل في ولده وولد ولده ودويرات حوله .

وجاء في تأويل قوله :( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ) (٦) أنّه كان بينهما وبين أبيهما الصالح سبعة أجداد ، وقيل : سبعين جداً .

والولي ريحانة الله في أرضه يشمّها المؤمنون ، ويشتاق إليها الصالحون ، وعلامة الولي ثلاثة أشياء : شغله بالله ، وهمّه لله ، وفراره إلى الله ، وإذا أراد الله أن

____________

(١) الكافي ٢ : ٣٢٣ ح ٣ ، عنه البحار ٦٣ : ٢٠٦ ح ٣٩ .

(٢) الكافي ٢ : ٣٢٥ ح ٨ ، البحار ٧٥ : ٢٨١ ح ٩ .

(٣) الكافي ٢ : ٣٢٧ ح ٣ ، عنه البحار ٧٥ : ٢٨٣ ح ١١ .

(٤) الكافي ٢ : ٣٢٧ ح ٤ ، عنه البحار ٧٥ : ٢٨٣ ح ١٢ .

(٥) في ( ج ) : سيئاته .

(٦) الكهف : ٨٢ .

٢٧٧

يوالي عبداً فتح على لسانه ذكره ، وعن قلبه قفل فكره ، فإذا استلذّ الذكر فتح له باب القرب ، ثم فتح عليه باب الأُنس به والوحشة من خلقه ، فأجلسه على كرسي الولاية ، وعامله بأسباب العناية ، وأورثه دار الكرامة ، وكشف عن قلبه وبصره غشاوة العماية ، فأصبح ينظر بنور الله .

ورفع عنه حزن الرزق ، وخوف العدوّ من حيث يحلّ التوكل في قلبه ، والرضا بقسمه ، ولهذا قال الله تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) وأمن من أهوال يوم القيامة ونار جهنّم .

____________

(١) يونس : ٦٢ .

٢٧٨

الباب السابع والأربعون : فيه من كلام أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل ، ويؤخّر التوبة بطول الأمل ، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ، ويعمل فيها عمل الراغبين ، إن أُعطى لم يشبع ، وإن منع لم يقنع ، يعجز عن شكر ما أُوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهى ولا ينتهي ، ويأمر بما لا يأتي .

يحبّ الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين وهو أحدهم ، يكره الموت لكثرة ذنوبه ، ويقيم على ما يكره الموت له ، إن سقم ظلّ نادماً ، وإن صحّ أمن لاهياً ، يعجب بنفسه إذا عوفي ، ويقنط إذا ابتلي ، إن أصابه بلاء دعا مضطرّاً ، وإن أصابه(١) رجاء أعرض مغترّاً .

تغلبه نفسه على ما يظنّ ولا يغلبها على ما يستيقن ، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، إن استغنى بطر وقتر ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية

____________

(١) في ( ج ) : ناله .

٢٧٩

وسوّف التوبة ، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة .

يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ في الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدل ومن العمل مقلّ ، ينافس فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى المغنم مغرماً والغرم مغنماً ، يخشى الموت ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن .

اللغو مع الأغنياء أحبّ إليه من الذكر مع الفقراء ، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره ، يرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، ويخشى الخلق في غير ربّه ولا يخشى ربّه في خلقه(١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام :يا نوف خلقنا من طينة وخلق شيعتنا من طينتنا ، فإذا كان يوم القيامة أُلحقوا بنا ، قال نوف : قلت : صف لي شيعتك يا أمير المؤمنين .

فبكى لذكر شيعته ثمّ قال : يا نوف شيعتي والله الحلماء العلماء بالله ودينه ، العاملون بطاعته وأمره ، المهتدون بحبّه ، أنصار عباده(٢) ، أحلاس(٣) زهادة ، صفر الوجوه من التهجّد ، عمش العيون من البكاء ، ذبل الشفاة من الذكر ، خمص البطون من الطوى ، تعرف الربّانية في وجوههم ، والرهبانية في سمتهم .

مصابيح كلّ ظلمة ، ورياحين كلّ قبيلة ، لا يثنون من المسلمين سلفاً ، ولا تقفون لهم خلفاً ، شرورهم مكنونة ، وقلوبهم محزونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، أنفسهم منهم في عناء والناس منهم في راحة ، فهم الكاسة

____________

(١) نهج البلاغة : قصار الحكم ١٥٠ ، عنه البحار ٧٢ : ١٩٩ ح٣٠ .

(٢) في أمالي الطوسي والبحار : ( أنضاء عبادة ) ، والنضو : المهزول من الإبل وغيرها .

(٣) هكذا في أمالي الطوسي والبحار ، وهو الصحيح ، وفي النسخ : جلاّس زهادة ، والحلس : كساء يلي ظهر البعير تحت القتب ، ملازم له ، فقيل لكلّ ملازم لشيء : هو حِلْسُهُ .

٢٨٠