ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب20%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88240 / تحميل: 19610
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثاني من الآيات يعرّف الحاقّة ببعض أشراطها و نبذة ممّا يقع فيها.

قوله تعالى: ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ ) قد تقدّم أنّ النفخ في الصور كناية عن البعث و الإحضار لفصل القضاء، و في توصيف النفخة بالواحدة إشارة إلى مضيّ الأمر و نفوذ القدرة فلا وهن فيه حتّى يحتاج إلى تكرار النفخة، و الّذي يسبق إلى الفهم من سياق الآيات أنّها النفخة الثانية الّتي تحيي الموتى.

قوله تعالى: ( وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً ) الدكّ أشدّ الدقّ و هو كسر الشي‏ء و تبديله إلى أجزاء صغار، و حمل الأرض و الجبال إحاطة القدرة بها، و توصيف الدكّة بالواحدة للإشارة إلى سرعة تفتّتهما بحيث لا يفتقر إلى دكّة ثانية.

قوله تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) أي قامت القيامة.

قوله تعالى: ( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ) انشقاق الشي‏ء انفصال شطر منه من شطر آخر، و واهية من الوهي بمعنى الضعف، و قيل: من الوهي بمعنى شقّ الأديم و الثوب و نحوهما.

و يمكن أن تكون الآية أعني قوله:( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) في معنى قوله:( وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا ) الفرقان: 25.

قوله تعالى: ( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) قال الراغب: رجا البئر و السماء و غيرهما جانبها و الجمع أرجاء قال تعالى:( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) انتهى، و الملك - كما قيل - يطلق على الواحد و الجمع و المراد به في

٦١

الآية الجمع.

و قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) ضمير( فَوْقَهُمْ ) على ظاهر ما يقتضيه السياق للملائكة، و قيل: الضمير للخلائق.

و ظاهر كلامه أنّ للعرش اليوم حملة من الملائكة قال تعالى:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) المؤمن: 7 و قد وردت الروايات أنّهم أربعة، و ظاهر الآية أعني قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أنّ الحملة يوم القيامة ثمانية و هل هم من الملائكة أو من غيرهم؟ الآية ساكتة عن ذلك و إن كان لا يخلو السياق من إشعار ما بأنّهم من الملائكة.

و من الممكن - كما تقدّمت الإشارة إليه - أن يكون الغرض من ذكر انشقاق السماء و كون الملائكة على أرجائها و كون حملة العرش يومئذ ثمانية بيان ظهور الملائكة و السماء و العرش للإنسان يومئذ، قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) الزمر: 75.

قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ ) الظاهر أنّ المراد به العرض على الله كما قال تعالى:( وعُرِضُوا عَلى‏ رَبِّكَ صَفًّا ) الكهف: 48، و العرض إراءة البائع سلعته للمشتري ببسطها بين يديه، فالعرض يومئذ على الله و هو يوم القضاء إبراز ما عند الإنسان من اعتقاد و عمل إبرازاً لا يخفى معه عقيدة خافية و لا فعلة خافية و ذلك بتبدّل الغيب شهادة و السرّ علناً قال:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) الطارق: 9، و قال:( يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى‏ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ ) المؤمن: 16.

و قد تقدّم في أبحاثنا السابقة أنّ ما عدّ في كلامه تعالى من خصائص يوم القيامة كاختصاص الملك بالله، و كون الأمر له، و أن لا عاصم منه، و بروز الخلق له و عدم خفاء شي‏ء منهم عليه و غير ذلك، كلّ ذلك دائميّة الثبوت له تعالى، و إنّما المراد ظهور هذه الحقائق يومئذ ظهوراً لا ستر عليه و لا مرية فيه.

٦٢

فالمعنى: يومئذ يظهر أنّكم في معرض على علم الله و يظهر كلّ فعلة خافية من أفعالكم.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) قال في المجمع، هاؤم أمر للجماعة بمنزلة هاكم، تقول للواحد: هاء يا رجل، و للاثنين: هاؤما يا رجلان، و للجماعة: هاؤم يا رجال، و للمرأة: هاء يا امرأة بكسر الهمزة و ليس بعدها ياء، و للمرأتين: هاؤما، و للنساء: هاؤنّ. هذه لغة أهل الحجاز.

و تميم و قيس يقولون: هاء يا رجل مثل قول أهل الحجاز، و للاثنين: هاءا، و للجماعة: هاؤا، و للمرأة: هائي، و للنساء هاؤنّ.

و بعض العرب يجعل مكان الهمزة كافاً فيقول: هاك هاكما هاكم هاك هاكما هاكنّ، و معناه: خذ و تناول، و يؤمر بها و لا ينهى. انتهى.

و الآية و ما بعدها إلى قوله:( الْخاطِؤُنَ ) بيان تفصيليّ لاختلاف حال الناس يومئذ من حيث السعادة و الشقاء، و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إسراء: 71 كلام في معنى إعطاء الكتاب باليمين، و الظاهر أنّ قوله:( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) خطاب للملائكة، و الهاء في( كِتابِيَهْ ) و كذا في أواخر الآيات التالية للوقف و تسمّى هاء الاستراحة.

و المعنى: فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه فيقول للملائكة: خذوا و اقرأوا كتابيه أي إنّها كتاب يقضي بسعادتي.

قوله تعالى: ( إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) الظنّ بمعنى اليقين، و الآية تعليل لما يتحصّل من الآية السابقة و محصّل التعليل إنّما كان كتابي كتاب اليمين و قاضياً بسعادتي لأنّي أيقنت في الدنيا أنّي ساُلاقي حسابي فآمنت بربّي و أصلحت عملي.

قوله تعالى: ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) أي يعيش عيشة يرضاها فنسبة الرضا إلى العيشة من المجاز العقليّ.

٦٣

قوله تعالى: ( فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ - إلى قوله -الْخالِيَةِ ) أي هو في جنّة عالية قدراً فيها ما لا عين رأت و لا اُذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

و قوله:( قُطُوفُها دانِيَةٌ ) القطوف جمع قطف بالكسر فالسكون و هو ما يجتنى من الثمر و المعنى: أثمارها قريبة منه يتناوله كيف يشاء.

و قوله:( كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ ) أي يقال لهم: كلوا و اشربوا من جميع ما يؤكل فيها و ما يشرب حال كونه هنيئاً لكم بما قدّمتم من الإيمان و العمل الصالح في الدنيا الّتي تقضّت أيّامها.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ) و هؤلاء هم الطائفة الثانية و هم الأشقياء المجرمون يؤتون صحيفة أعمالهم بشمالهم و قد مرّ الكلام في معناه في سورة الإسراء، و هؤلاء يتمنّون أن لو لم يكونوا يؤتون كتابهم و يدرون ما حسابهم يتمنّون ذلك لما يشاهدون من أليم العذاب المعدّ لهم.

قوله تعالى: ( يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ) ذكروا أنّ ضمير( لَيْتَها ) للموتة الاُولى الّتي ذاقها الإنسان في الدنيا.

و المعنى: يا ليت الموتة الاُولى الّتي ذقتها كانت قاضية عليّ تقضي بعدمي فكنت انعدمت و لم اُبعث حيّاً فأقع في ورطة العذاب الخالد و اُشاهد ما اُشاهد.

قوله تعالى: ( ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ) كلمتا تحسّر يقولهما حيث يرى خيبة سعيه في الدنيا فإنّه كان يحسب أنّ مفتاح سعادته في الحياة هو المال و السلطان يدفعان عنه كلّ مكروه و يسلّطانه على كلّ ما يحبّ و يرضى فبذل كلّ جهده في تحصيلهما و أعرض عن ربّه و عن كلّ حقّ يدعى إليه و كذّب داعيه فلمّا شاهد تقطّع الأسباب و أنّه في يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون ذكر عدم نفع ماله و بطلان سلطانه تحسّراً و توجّعاً و ما ذا ينفع التحسّر.؟

قوله تعالى: ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ - إلى قوله -فَاسْلُكُوهُ ) حكاية أمره تعالى الملائكة بأخذه و إدخاله النار، و التقدير يقال للملائكة خذوه إلخ، و( فَغُلُّوهُ ) أمر من الغلّ بالفتح

٦٤

و هو الشدّ بالغلّ الّذي يجمع بين اليد و الرجل و العنق.

و قوله:( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) أي أدخلوه النار العظيمة و ألزموه إيّاها.

و قوله:( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ ) السلسلة القيد، و الذرع الطول، و الذراع بُعد ما بين المرفق و رأس الأصابع و هو واحد الطول و سلوكه فيه جعله فيه، و المحصّل ثمّ اجعلوه في قيد طوله سبعون ذراعاً.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) الحضّ التحريض و الترغيب، و الآيتان في مقام التعليل للأمر بالأخذ و الإدخال في النار أي إنّ الأخذ ثمّ التصلية في الجحيم و السلوك في السلسلة لأجل أنّه كان لا يؤمن بالله العظيم و لا يحرّض على طعام المسكين أي يساهل في أمر المساكين و لا يبالي بما يقاسونه.

قوله تعالى: ( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ - إلى قوله -الْخاطِؤُنَ ) الحميم الصديق و الآية تفريع على قوله:( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يؤمن بالله العظيم فليس له اليوم ههنا صديق ينفعه أي شفيع يشفع له إذ لا مغفرة لكافر فلا شفاعة.

و قوله:( وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) الغسلين الغسالة و كأنّ المراد به ما يسيل من أبدان أهل النار من قيح و نحوه و الآية عطف على قوله في الآية السابقة:( حَمِيمٌ ) و متفرّع على قوله:( وَ لا يَحُضُّ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يحرّض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا طعام إلّا من غسلين أهل النار.

و قوله:( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) وصف لغسلين و الخاطؤن المتلبّسون بالخطيئة و الإثم.

٦٥

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحمله اليوم أربعة و يوم القيامة ثمانية.

أقول: و في تقييد الحاملين في الآية بقوله:( يَوْمَئِذٍ ) إشعار بل ظهور في اختصاص العدد بالقيامة.

و في تفسير القمّيّ، و في حديث آخر قال: حمله ثمانية أربعة من الأوّلين و أربعة من الآخرين فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و أمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد و عليّ و الحسن و الحسينعليهم‌السلام .

أقول: و في غير واحد من الروايات أنّ الثمانية مخصوصة بيوم القيامة، و في بعضها أنّ حملة العرش - و العرش العلم - أربعة منّا و أربعة ممّن شاء الله.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كلّ اُناس بإمامه الّذي مات في عصره فإن أثبته اُعطي كتابه بيمينه لقوله:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ‏ ) فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرؤن كتابهم، و اليمين إثبات الإمام لأنه كتابه يقرؤه - إلى أن قال - و من أنكر كان من أصحاب الشمال الّذين قال الله:( وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) إلخ.

أقول: و في عدّة من الروايات تطبيق قوله:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إلخ، على عليّعليه‌السلام ، و في بعضها عليه و على شيعته، و كذا تطبيق قوله:( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ) إلخ، على أعدائه، و هي من الجري دون التفسير.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لو أنّ دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا.

و فيه، أخرج البيهقيّ في شعب الإيمان عن صعصعة بن صوحان قال: جاء أعرابي

٦٦

إلى عليّ بن أبي طالب فقال: كيف هذا الحرف: لا يأكله إلّا الخاطون؟ كلّ و الله يخطو. فتبسّم عليّ و قال: يا أعرابيّ( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) قال: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين ما كان الله ليسلم عبده.

ثمّ التفت عليّ إلى أبي الأسود فقال: إنّ الأعاجم قد دخلت في الدين كافّة فضع للناس شيئاً يستدلّون به على صلاح ألسنتهم فرسم لهم الرفع و النصب و الخفض.

و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه في الدروع الواقية في حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لو أنّ ذراعاً من السلسلة الّتي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن حرّها.

٦٧

( سورة الحاقّة الآيات 38 - 52)

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ( 38 ) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ( 39 ) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( 40 ) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ ( 41 ) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ( 42 ) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( 43 ) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ( 44 ) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ( 45 ) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ( 46 ) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ( 47 ) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ( 48 ) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ( 49 ) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ( 50 ) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ( 51 ) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( 52 )

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثالث من آيات السورة يؤكّد ما تقدّم من أمر الحاقّة بلسان تصديق القرآن الكريم ليثبت بذلك حقّيّة ما أنبأ به من أمر القيامة.

قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَ ما لا تُبْصِرُونَ ) ظاهر الآية أنّه إقسام بما هو مشهود لهم و ما لا يشاهدون أي الغيب و الشهادة فهو إقسام بمجموع الخليقة و لا يشمل ذاته المتعالية فإنّ من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق و الخلق في صفّ واحد و يعظّمه تعالى و ما صنع تعظيماً مشتركاً في عرض واحد.

و في الإقسام نوع تعظيم و تجليل للمقسم به و خلقه تعالى بما أنّه خلقه جليل جميل لأنّه تعالى جميل لا يصدر منه إلّا الجميل و قد استحسن تعالى فعل نفسه و أثنى

٦٨

على نفسه بخلقه في قوله:( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) الم السجدة: 7، و قوله:( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) المؤمنون: 14 فليس للموجودات منه تعالى إلّا الحسن و ما دون ذلك من مساءة فمن أنفسها و بقياس بعضها إلى بعض.

و في اختيار ما يبصرون و ما لا يبصرون للأقسام به على حقّيّة القرآن ما لا يخفى من المناسبة فإنّ النظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحّده تعالى و مصير الكلّ إليه و ما يترتّب عليه من بعث الرسل و إنزال الكتب و القرآن خير كتاب سماويّ يهدي إلى الحقّ في جميع ذلك و إلى طريق مستقيم.

و ممّا تقدّم يظهر عدم استقامة ما قيل: إنّ المراد بما تبصرون و ما لا تبصرون الخلق و الخالق فإنّ السياق لا يساعد عليه، و كذا ما قيل: إنّ المراد النعم الظاهرة و الباطنة، و ما قيل: إنّ المراد الجنّ و الإنس و الملائكة أو الأجسام و الأرواح أو الدنيا و الآخرة أو ما يشاهد من آثار القدرة و ما لا يشاهد من أسرارها فاللفظ أعمّ مدلولاً من جميع ذلك.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) الضمير للقرآن، و المستفاد من السياق أنّ المراد برسول كريم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو تصديق لرسالته قبال ما كانوا يقولون إنّه شاعر أو كاهن.

و لا ضير في نسبة القرآن إلى قوله فإنّه إنّما ينسب إليه بما أنّه رسول و الرسول بما أنّه رسول لا يأتي إلّا بقول مرسلة، و قد بيّن ذلك فضل بيان بقوله بعد:( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

و قيل: المراد برسول كريم جبريل، و السياق لا يؤيّده إذ لو كان هو المراد لكان الأنسب نفي كونه ممّا نزلت به الشياطين كما فعل في سورة الشعراء.

على أنّ قوله بعد:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و ما يتلوه إنّما يناسب كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المراد برسول كريم.

قوله تعالى: ( وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) نفي أن يكون القرآن

٦٩

نظماً ألّفه شاعر و لم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعراً و لم يكن شاعراً.

و قوله:( قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) توبيخ لمجتمعهم حيث إنّ الأكثرين منهم لم يؤمنوا و ما آمن به إلّا قليل منهم.

قوله تعالى: ( وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) نفي أن يكون القرآن كهانة و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاهنا يأخذ القرآن من الجنّ و هم يُلقونه إليه.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) توبيخ أيضاً لمجتمعهم.

قوله تعالى: ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أي منزل من ربّ العالمين و ليس من صنع الرسول نسبه إلى الله كما تقدّمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ - إلى قوله -حاجِزِينَ ) يقال: تقوّل على فلان أي اختلق قولاً من نفسه و نسبه إليه، و الوتين - على ما ذكره الراغب - عرق يسقي الكبد و إذا انقطع مات صاحبه، و قيل: هو رباط القلب.

و المعنى:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا ) هذا الرسول الكريم الّذي حمّلناه رسالتنا و أرسلناه إليكم بقرآن نزّلناه عليه و اختلق( بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و نسبه إلينا( لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) كما يقبض على المجرم فيؤخذ بيده أو المراد قطعنا منه يده اليمنى أو المراد لانتقمنا منه بالقوّة كما في رواية القمّيّ( ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) و قتلناه لتقوّله علينا( فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ‏ ) تحجبونه عنّا و تنجونه من عقوبتنا و إهلاكنا.

و هذا تهديد للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تقدير أن يفتري على الله كذباً و ينسب إليه شيئاً لم يقله و هو رسول من عنده أكرمه بنبوّته و اختاره لرسالته.

فالآيات في معنى قوله:( لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) إسراء: 75، و كذا قوله في الأنبياء بعد ذكر نعمه العظمى عليهم:( وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام: 88.

فلا يرد أنّ مقتضى الآيات أنّ كلّ من ادّعى النبوّة و افترى على الله الكذب أهلكه الله و عاقبه في الدنيا أشدّ العقاب و هو منقوض ببعض مدّعي النبوّة من الكذّابين.

٧٠

و ذلك أنّ التهديد في الآية متوجّه إلى الرسول الصادق في رسالته لو تقوّل على الله و نسب إليه بعض ما ليس منه لا مطلق مدّعي النبوّة المفتري على الله في دعواه النبوّة و إخباره عن الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) يذكّرهم كرامة تقواهم و معارف المبدأ و المعاد بحقائقها، و يعرّفهم درجاتهم عند الله و مقاماتهم في الآخرة و الجنّة و ما هذا شأنه لا يكون تقوّلاً و افتراء فالآية مسوقة حجّة على كون القرآن منزّهاً عن التقوّل و الفرية.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ ) ستظهر لهم يوم الحسرة.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قد تقدّم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة، و السورتان متّحدتان في الغرض و هو وصف يوم القيامة و متّحدتان في سياق خاتمتهما و هي الإقسام على حقّيّة القرآن المنبئ عن يوم القيامة، و قد ختمت السورتان بكون القرآن و ما أنبأ به عن وقوع الواقعة حقّ اليقين ثمّ الأمر بتسبيح اسم الربّ العظيم المنزّه عن خلق العالم باطلاً لا معاد فيه و عن أن يبطل المعارف الحقّة الّتي يعطيها القرآن في أمر المبدأ و المعاد.

٧١

( سورة المعارج مكّيّة و هي أربع و أربعون آية)

( سورة المعارج الآيات 1 - 18)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( 1 ) لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ( 2 ) مِّنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ ( 3 ) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( 4 ) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( 5 ) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ( 6 ) وَنَرَاهُ قَرِيبًا ( 7 ) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ( 8 ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ( 9 ) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ( 10 ) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ( 14 ) كَلَّا إِنَّهَا لَظَىٰ ( 15 ) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ ( 16 ) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ( 17 ) وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ ( 18 )

( بيان‏)

الّذي يعطيه سياق السورة أنّها تصف يوم القيامة بما اُعدّ فيه من أليم العذاب للكافرين. تبتدئ السورة فتذكر سؤال سائل سأل عذاباً من الله للكافرين فتشير إلى أنّه واقع ليس له دافع قريب غير بعيد كما يحسبونه ثمّ تصف اليوم الّذي يقع فيه و العذاب الّذي اُعدّ لهم فيه و تستثني المؤمنين الّذين قاموا بوظائف الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح.

٧٢

و هذا السياق يشبه سياق السور المكّيّة غير أنّ المنقول عن بعضهم أنّ قوله:( وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) مدني و الاعتبار يؤيّده لأنّ ظاهره الزكاة و قد شرّعت بالمدينة بعد الهجرة، و كون هذه الآية مدنيّة يستتبع كون الآيات الحافّة بها الواقعة تحت الاستثناء و هي أربع عشرة آية (قوله:إِلَّا الْمُصَلِّينَ - إلى قوله -فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ‏ ) مدنيّة لما في سياقها من الاتّحاد و استلزام البعض للبعض.

و مدنيّة هذه الآيات الواقعة تحت الاستثناء تستدعي ما استثنيت منه و هو على الأقل ثلاث آيات (قوله:إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً - إلى قوله -مَنُوعاً ).

على أنّ قوله:( فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) متفرّع على ما قبله تفرّعاً ظاهراً و هو ما بعده إلى آخر السورة ذو سياق واحد فتكون هذه الآيات أيضاً مدنيّة.

و من جهة اُخرى مضامين هذا الفصل من الآيات تناسب حال المنافقين الحافّين حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اليمين و عن الشمال عزين و هم الرادّون لبعض ما أنزل الله من الحكم و خاصّة قوله:( أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ) إلخ، و قوله:( عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ ) إلخ على ما سيجي‏ء، و موطن ظهور هذا النفاق المدينة لا مكّة، و لا ضير في التعبير عن هؤلاء بالّذين كفروا فنظير ذلك موجود في سورة التوبة و غيرها.

على أنّهم رووا أنّ السورة نزلت في قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) الأنفال: 32 و قد تقدّم في تفسير الآية أنّ سياقها و الّتي بعدها سياق مدنيّ لا مكّي. لكنّ المرويّ عن الصادقعليه‌السلام أنّ المراد بالحقّ المعلوم في الآية حق يسمّيه صاحب المال في ماله غير الزكاة المفروضة.

و لا عبرة بما نسب إلى اتّفاق المفسّرين أنّ السورة مكّيّة على أنّ الخلاف ظاهر و كذا ما نسب إلى ابن عبّاس أنّها نزلت بعد سورة الحاقّة.

قوله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) السؤال بمعنى الطلب و الدعاء، و لذا عدّي بالباء كما في قوله:( يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ ) الدخان: 55 و قيل: الفعل مضمّن معنى الاهتمام و الاعتناء و لذا عدّي بالباء، و قيل: الباء زائدة للتأكيد،

٧٣

و مآل الوجوه واحد و هو طلب العذاب من الله كفراً و عتوّاً.

و قيل: الباء بمعنى عن كما في قوله:( فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ) الفرقان: 59، و فيه أنّ كونها في الآية المستشهد بها بمعنى عن ممنوع. على أنّ سياق الآيات التالية و خاصّة قوله:( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لا يلائم كون السؤال بمعنى الاستفسار و الاستخبار.

فالآية تحكي سؤال العذاب و طلبه عن بعض من كفر طغياناً و كفراً، و قد وصف العذاب المسؤل من الأوصاف بما يدلّ على إجابة الدعاء بنوع من التهكّم و التحقير و هو قوله:( واقِعٍ ) و قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) .

و المعنى سأل سائل من الكفّار عذاباً للكافرين من الله سيصيبهم و يقع عليهم لا محالة و لا دافع له أي إنّه واقع عليهم سأل أو لم يسأل ففيه جواب تحقيريّ و إجابة لمسؤله تهكّماً.

قوله تعالى: ( لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) للكافرين متعلّق بعذاب و صفة له، و كذا قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) و قد مرّت الإشارة إلى معنى الآية.

قوله تعالى: ( مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ ) الجارّ و المجرور متعلّق بقوله:( دافِعٌ ) أي ليس له دافع من جانب الله و من المعلوم أنّه لو اندفع لم يندفع إلّا من جانب الله سبحانه، و من المحتمل أن يتعلّق بقوله:( بِعَذابٍ ) .

و المعارج جمع معرج و فسّروه بالمصاعد و هي الدرجات و هي مقامات الملكوت الّتي يعرج إليها الملائكة عند رجوعهم إلى الله سبحانه على ما يفسّره قوله بعد:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ ) إلخ فله سبحانه معارج الملكوت و مقاماتها المترتّبة علوّاً و شرفاً الّتي تعرج فيها الملائكة و الروح بحسب قربهم من الله و ليست بمقامات وهميّة اعتباريّة.

و قيل: المراد بالمعارج الدرجات الّتي يصعد فيها الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح قال تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) الفاطر 10، و قال:( وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ ) الحجّ: 37.

و قيل: المراد به مقامات القرب الّتي يعرج إليها المؤمنون بالإيمان و العمل

٧٤

الصالح قال تعالى:( هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَ اللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) آل عمران: 163 و قال:( لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال: 4 و قال:( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ ) المؤمن: 15.

و الحقّ أنّ مآل الوجهين إلى الوجه الأوّل، و الدرجات المذكورة حقيقيّة ليست بالوهميّة الاعتباريّة.

قوله تعالى: ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المراد بهذا اليوم يوم القيامة على ما يفيده سياق الآيات التالية.

و المراد بكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة على ما ذكروا أنّه بحيث لو وقع في الدنيا و انطبق على الزمان الجاري فيها كان مقداره من الزمان خمسين ألف سنة من سني الدنيا.

و المراد بعروج الملائكة و الروح إليه يومئذ رجوعهم إليه تعالى عند رجوع الكلّ إليه فإنّ يوم القيامة يوم بروز سقوط الوسائط و تقطّع الأسباب و ارتفاع الروابط بينها و بين مسبّباتها و الملائكة وسائط موكّلة على اُمور العالم و حوادث الكون فإذا تقطّعت الأسباب عن مسبّباتها و زيّل الله بينهم و رجع الكلّ إلى الله عزّ اسمه رجعوا إليه و عرجوا معارجهم فحفّوا من حول عرش ربّهم و صفّوا قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) الزمر 75، و قال:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) النبأ: 38.

و الظاهر أنّ المراد بالروح الروح الّذي هو من أمره تعالى كما قال:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: 85 و هو غير الملائكة كما هو ظاهر قوله تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) النحل: 2.

فلا يعبأ بما قيل: إنّ المراد بالروح جبرئيل و إن اُطلق عليه الروح الأمين و روح القدس في قوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ ) الشعراء: 194 و قوله:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) النحل: 103 فإنّ المقيّد غير المطلق.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لمّا كان سؤال السائل للعذاب عن تعنّت

٧٥

و استكبار و هو ممّا يشقّ تحمّله أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر و وصفه بالجميل - و الجميل من الصبر ما ليس فيه شائبة الجزع و الشكوى - و علّله بأنّ اليوم بما فيه من العذاب قريب.

قوله تعالى: ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً ) ضميراً( يَرَوْنَهُ ) و( نَراهُ ) للعذاب أو ليوم القيامة بما فيه من العذاب الواقع و يؤيّد الأوّل قوله فيما بعد:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) إلخ.

و المراد بالرؤية الاعتقاد بنوع من العناية المجازيّة و رؤيتهم ذلك بعيداً ظنّهم أنّه بعيد من الإمكان فإنّ سؤال العذاب من الله سبحانه استكباراً عن دينه و ردّاً لحكمه لا يجامع الإيمان بالمعاد و إن تفوّه به السائل، و رؤيته تعالى ذلك قريباً علمه بتحقّقه و كلّ ما هو آت قريب.

و في الآيتين تعليل أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر الجميل فإنّ تحمّل الأذى و الصبر على المكاره يهون على الإنسان إذا استيقن أنّ الفرج قريب و تذكّر ذلك فالكلام في معنى قولنا فاصبر على تعنّتهم و استكبارهم في سؤالهم العذاب صبراً جميلاً لا يشوبه جزع و شكوى فإنّا نعلم أنّ العذاب قريب على خلاف ما يستبعدونه، و علمنا لا يتخلّف عن الواقع بل هو نفس الواقع.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) المهل المذاب من المعدنيّات كالنحاس و الذهب و غيرهما، و قيل: درديّ الزيت، و قيل: عكر القطران(1) .

و الظرف متعلّق بقوله:( واقِعٍ ) على ما يفيده السياق.

قوله تعالى: ( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ) العهن مطلق الصوف، و لعلّ المراد المنفوش منه كما في قوله تعالى:( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) القارعة: 5.

و قيل: هو الصوف الأحمر، و قيل: المصبوغ ألواناً لأنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فمنها جدد بيض و حمر و غرابيب سود(2) .

____________________

(1) أي ردية و خبيثه‏.

(2) كما في الآية من سورة فاطر.

٧٦

قوله تعالى: ( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) الحميم القريب الّذي تهتمّ بأمره و تشفق عليه.

إشارة إلى شدّة اليوم فالإنسان يومئذ تشغله نفسه عن غيره حتّى أنّ الحميم لا يسأل حميمه عن حاله لاشتغاله بنفسه.

قوله تعالى: ( يُبَصَّرُونَهُمْ ) الضميران للأحماء المعلوم من السياق و التبصير الإراءة و الإيضاح أي يُرى و يوضح الأحماء للأحماء فلا يسألونهم عن حالهم اشتغالاً بأنفسهم.

و الجملة مستأنفة في معنى الجواب عن سؤال مقدّر كأنّه لمّا قيل: لا يسأل حميم حميماً سئل فقيل: هل يرى الأحماء يومئذ أحماءهم؟ فاُجيب: يبصّرونهم و يمكن أن يكون( يُبَصَّرُونَهُمْ ) صفة( حَمِيماً ) .

و من ردي‏ءً التفسير قول بعضهم: إنّ معنى قوله:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يبصّر الملائكة الكفّار، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر المؤمنون أعداءهم من الكفّار و ما هم فيه من العذاب فيشمتون بهم، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر أتباع الضلالة رؤساءهم. و هي جميعاً وجوه لا دليل عليها.

قوله تعالى: ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ) قال في المجمع: المودّة مشتركة بين التمنّي و بين المحبّة يقال: وددت الشي‏ء أي تمنّيته و وددته أي أحببته أودّ فيهما جميعاً. انتهى، و يمكن أن يكون استعماله بمعنى التمنّي من باب التضمين.

و قال: و الافتداء الضرر عن الشي‏ء ببدل منه انتهى، و قال: الفصيلة الجماعة المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها إلى اُبوّة خاصّة عن اُبوّة عامّة. انتهى، و ذكر بعضهم أنّ الفصيلة عشيرته الأقربين الّذين فصل عنهم كالآباء الأدنين.

و سياق هذه الآيات سياق الإضراب و الترقّي بالنسبة إلى قوله:( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) فيفيد أنّ المجرم يبلغ به شدّة العذاب إلى أن يتمنّى أن يفتدي من العذاب بأحبّ أقاربه و أكرمهم عليه بنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته و جميع من في الأرض ثمّ ينجيه الافتداء فيودّ ذلك فضلاً عن عدم سؤاله عن حال حميمه.

٧٧

و المعنى( يَوَدُّ ) و يتمنّى( الْمُجْرِمُ ) و هو المتلبّس بالأجرام أعمّ من الكافر( لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ ) و هذا هو الّذي يتمنّاه، و الجملة قائمة مقام مفعول يودّ.( بِبَنِيهِ ) الّذين هم أحبّ الناس عنده( وَ صاحِبَتِهِ ) الّتي كانت سكنا له و كان يحبّها و ربّما قدّمها على أبويه( وَ أَخِيهِ ) الّذي كان شقيقه و ناصره( وَ فَصِيلَتِهِ ) من عشيرته الأقربين( الَّتِي تُؤْوِيهِ ) و تضمّه إليها( وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) من اُولي العقل( ثُمَّ يُنْجِيهِ ) هذا الافتداء.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّها لَظى‏ نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى) كلّا للردع، و ضمير( إِنَّها ) لجهنّم أو للنار و سمّيت لظى لكونها تتلظّى و تشتعل، و النزّاعة اسم مبالغة من النزع بمعنى الاقتلاع، و الشوى الأطراف كاليد و الرجل يقال: رماه فأشواه أي أصاب شواه كذا قال الراغب، و إيعاء المال إمساكه في وعاء.

فقوله:( كَلَّا ) ردع لتمنّيه النجاة من العذاب بالافتداء و قد علّل الردع بقوله:( إِنَّها لَظى) إلخ و محصّله أنّ جهنّم نار مشتعلة محرقة للأطراف شأنها أنّها تطلب المجرمين لتعذّبهم فلا تصرف عنهم بافتداء كائناً ما كان.

فقوله:( إِنَّها لَظى‏ ) أي نار صفتها الاشتعال لا تنعزل عن شأنها و لا تخمد، و قوله:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) أي صفتها إحراق الأطراف و اقتلاعها لا يبطل ما لها من الأثر فيمن تعذّبه.

و قوله:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ ) أي تطلب من أدبر عن الدعوة الإلهيّة إلى الإيمان بالله و أعرض عن عبادته تعالى و جمع المال فأمسكه في وعائه و لم ينفق منه للسائل و المحروم.

و هذا المعنى هو المناسب لسياق الاستثناء الآتي و ذكر الصلاة و الإنفاق فيه.

٧٨

( بحث روائي‏)

في المجمع، حدّثنا السيّد أبوالحمد قال: حدّثنا الحاكم أبوالقاسم الحسكاني و ساق السند عن جعفر بن محمّد الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: لما نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا و قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، طار ذلك في البلاد فقدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النعمان بن الحارث الفهريّ.

فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله و أنّك رسول الله و أمرتنا بالجهاد و الحجّ و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند الله؟ فقال: و الله الّذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.

فولى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله و أنزل الله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) .

أقول: و هذا المعنى مروي بغير طريق من طرق الشيعة، و قد ردّ الحديث بعضهم بأنّه موضوع لكون سورة المعارج مكّيّة، و قد عرفت الكلام في مكّيّة السورة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و عبد بن حميد و النسائيّ و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال هو النضر بن الحارث قال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ: في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال. نزلت بمكّة في النضر بن الحارث و قد قال:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و كان عذابه يوم بدر.

أقول: و هذا المعنى مرويّ أيضاً عن غير السدّيّ، و في بعض رواياتهم أنّ

٧٩

القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية هو الحارث بن علقمة رجل من عبد الدار، و في بعضها أنّ سائل العذاب هو أبوجهل بن هشام سأله يوم بدر و لازمه مدنيّة السورة و المعتمد على أيّ حال نزول السورة بعد قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و قد تقدّم كلام في سياق الآية.

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث: ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنّ في القيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ثمّ تلا هذه الآية( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .

أقول: و روي هذا المعنى في روضة الكافي، عن حفص بن غياث عنهعليه‌السلام .

و في المجمع، روى أبوسعيد الخدريّ قال: قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أطول هذا اليوم فقال: و الّذي نفس محمّد بيده إنّه ليخفّ على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من الجوامع عن أبي سعيد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) قال: الرصاص الذائب و النحاس كذلك تذوب السماء.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يقول: يعرّفونهم ثمّ لا يتساءلون.

و فيه في قوله تعالى:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) قال: تنزع عينه و تسودّ وجهه.

و فيه في قوله تعالى:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى ) قال: تجرّه إليها.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

بالصلاة والصيام حتّى لو تركها استوحش لذلك ، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الأرحام ، والبرّ بالإخوان (١) .

قيل للأحنف بن قيس : ممّن تعلّمت الحلم ؟ فقال : من قيس بن عاصم المنقري ، قال : كان عنده ضيف فجاءت جارية بشواء في سفود(٢) ، فوقع على ابن له فمات من ساعته ، فدهشت الجارية فقال لها : لا روع ولا خوف ولا جزع عليك ، وأنت حرّة لوجه الله .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه ، وحسن الخلق (٣) .

وعنهعليه‌السلام :ثلاثة لا تعرف إلاّ في ثلاثة : لا يعرف الحليم إلاّ في الغضب ، ولا الشجاع إلاّ عند الحرب ، ولا الأخ إلاّ عند الحاجة (٤) .

وتبع الأحنف رجل يشتمه في طريقه ، فلمّا قرب من داره قال له : يا هذا إن كان بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك خدمي وقومي فيقتلوك .

ودعا علي بن الحسينعليه‌السلام عبداً له فلم يجبه مرات ، فقال له : ما منعك من جوابي ؟ فقال :أمنت عقوبتك ، فقال : امض فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى (٥) .

ومن حسن الخلق أنّ العبد يعطي الناس من نفسه ما يحبّ أن يعطوه من أنفسهم ، وهو أيضاً احتمال ما يقع من جفاء الناس ، واحتمالهم من غير ضجر ولا حرد ، وقال موسىعليه‌السلام في مناجاته :أسألك يا ربّ أن لا يقال فيّ ما ليس فيّ ، فقال : يا موسى ما فعلت هذا لنفسي فكيف لك ؟! .

____________

(١) الكافي ٢ : ١٠٤ ح ٢ ، عنه البحار ٧١ : ٢ ح ٢ .

(٢) السَّفُود والسُّفُود ـ بالتشديد : حديدة ذات شعب مُعَقَّفَة معروف يُشوى به اللحم ، وجمعه سفافيد (لسان العرب) .

(٣) مجموعة ورام ١ : ٩٠ ، وروضة الواعظين : ٣٧٦ .

(٤) تحف العقول : ٢٣٣ ، عنه البحار ٧٨ : ٢٢٩ ح ٩ .

(٥) إرشاد المفيد : ٢٥٨ ، عنه البحار ٤٦ : ٥٦ ح ٦ نحوه .

٢٦١

والخلق الحسن احتمال المكروه مع بسط الوجه وتبسّم السنّ ، وسُئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشؤم ، فقال :سوء الخلق (١) .

وقيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين يهلكهم الله ، قال :إنّما بعثت رحمة لا عذاباً .

وقال رجل للرضاعليه‌السلام : ما حد حسن الخلق ؟ فقال :أن تعطي الناس من نفسك ما تحبّ أن يعطوك مثله ، فقال : ما حدّ التوكّل ؟ فقال :أن لا تخاف مع الله أحداً ، فقال : أُحب أن أعرف كيف أنا عندك ، فقال :انظر كيف أنا عندك (٢) .

وقال المتوكّل لعليّ الهاديعليه‌السلام كلاماً يعاتبه ويلومه فيه ، فقال له :لا تطلب الصفو ممّن كدرت عليه ، ولا الوفاء ممّن صرفت سوء ظنّك إليه ، فإنّما قلب غيرك لك كقلبك له (٣) .

وقالعليه‌السلام :لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى تكون فيه ثلاث خصال ، خصلة من ربّه ، وخصلة من نبيّه ، وخصلة من إمامه ، فأمّا التي من ربّه : فكتمان السرّ فإنّه قال تعالى : ( فلا يظهر على غيبه أحد * إلاّ مَن ارتضى من رسول ) (٤) . وأمّا من نبيه : [فمداراة الناس] (٥) ، فانّه قال تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (٦) ، وأمّا من إمامه : فالصبر على البأساء والضرّاء فإنّ الله تعالى يقول : ( والصابرين في البأساء والضرّاء ) (٧) .

ومن حسن الخلق أن يكون الرجل كثير الحياء ، قليل الأذى ، صدوق

____________

(١) مجموعة ورام ١ : ٨٩ .

(٢) أمالي الصدوق : ١٩٩ ح ٨ مجلس : ٤٢ ، عنه البحار ٧١ : ١٣٤ ح ١١ .

(٣) راجع البحار ٧٤ : ١٨٢ ح ٨ ، عن الدرة الباهرة .

(٤) الجن : ٢٦ـ٢٧ .

(٥) أثبتناه من الخصال .

(٦) الأعراف : ١٩٩ .

(٧) الخصال : ٨٢ ح ٧ باب ٣ ، عنه البحار ٧٥ : ٤١٧ ح ٧١ ، والآية في سورة البقرة : ١٧٧ .

٢٦٢

اللسان ، قليل الكذب ، كثير العمل ، قليل الزلل ، وقوراً صبوراً ، [رضيّاً](١) تقيّاً شكوراً ، رفيقاً عفيفاً شفيقاً ، لا نمّام ولا غيّاب ولا مغتاب ، ولا عجول ولا حسود ولا بخيل ، يحبّ في الله ، ويبغض في الله ، ويعطي في الله ، [ويمنع في الله](٢) ، ويرضى في الله ، ويسخط في الله ، يحسن ويبكي كما أنّ المنافق يُسيء ويضحك .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة مَن طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا ، فهم الأتقياء الأنقياء الذين إذا شهدوا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفقدوا ، تعرفهم بقاع الأرض ، وتحفّ بهم ملائكة السماء ، ينعم الناس بالدنيا وتنعّموا بذكر الله .

افترش الناس الفرش وافترشوا الجباه والركب ، وَسَعُوا الناس بأخلاقهم ، تبكي الأرض لفقدهم ، ويسخط الله على بلد ليس فيها منهم أحد ، لم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف ، شعثاً غبراً تراهم الناس فيظنّون أنّ بهم داء وقد خولطوا أو ذهبت عقولهم ، وما ذهبت بل نظروا إلى أهوال الآخرة فزال حبّ الدنيا عن قلوبهم ، عقلوا حيث ذهبت عقول الناس ، فكونوا أمثالهم(٣) .

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :مكارم الدنيا والآخرة أن تصل مَن قطعك ، وتعطي مَن حرمك ، وتعفو عمّن ظلمك (٤) .

____________

(١) أثبتناه من ( ب ) و (ج ) .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) مجموعة ورام ١ : ١٠٠ .

(٤) الكافي ٢ : ١٠٧ ح ٣ ، عنه البحار ٧١ : ٣٩٩ ح ٣ ، وفيه : تحلم إذا جهل عليك .

٢٦٣

الباب الرابع والأربعون : في السخاء والجود في الله تعالى

قال الله تعالى :( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (١) .

وقال سبحانه :( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) (٢) .

فمدح سبحانه أهل الإيثار وان كان بهم خصاصة ، والمعطين(٣) الطعام على حبه ، قيل : على حب الطعام ، وقيل : على حب الله تعالى ، ويجوز أن يكون على حبّهما معاً ، وهذه الآية نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) بلا خلاف .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :السخي قريب من الله ، قريب من الناس ، [قريب من الجنّة] (٤) ، وبعيد من النار والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، [بعيد

____________

(١) الحشر : ٩ .

(٢) الإنسان : ٨ .

(٣) في ( ب ) و ( ج ) : المطعمين .

(٤) أثبتناه من ( ج ) .

٢٦٤

من الجنة] (١) ، قريب من النار ؛ والجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل (٢) .

ولا فرق بين الجود والسخاء ، ولا يسمّى الله تعالى بالسخي لعدم التوقيف على ذلك من كلامه أو كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلّ كلام العلماء .

وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام :إنّي لأبادر إلى قضاء حاجة عدوّي خوفاً أن يقضيها له غيري أو أن يستغني (٣) .

وقال آخر : ما أحب أن أرد أحداً عن حاجة ، إمّا أن يكون كريماً فأصون عرضه ، أو لئيماً فأصون عرضي .

وقال رجل لرجل : من أين أنت ؟ فقال : أنا من المدينة ، فقال له : لقد أغنانا رجل منكم سكن عندنا وذكره له ، فقال له : إنّه أتاكم ولا مال له ، فقال : ما أغنانا بماله ولكن علّمنا الكرم فجاد بعضنا على بعض .

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أتاه طالب في حاجة فقال له :اكتبها على الأرض فإنّي أكره أن أرى ذلّ السؤال في وجه السائل (٤) .

وجاء رجل إلى الرضاعليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله قد نفذت نفقتي ولم يبق معي ما يوصلني إلى أهلي ، فأقرضني وأنا أتصدّق به عنك ، فدخل داره وأخرج يده من الباب وقال :خذ هذه الصرّة ـ وكان فيها مائتي دينار ـ وقال :لا حاجة لنا إلى صدقتك ، فقال له : يا ابن رسول الله لم لا تخرج وجهك ؟ فقال :نحن أهل بيت لا نرى ذلّ السؤال في وجه السائل (٥) .

وسأل رجل الحسن بن عليّعليهما‌السلام شيئاً فأعطاه خمسين ألف درهم

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) عنه معالم الزلفى : ٣٢٢ ، ونحوه في مجموعة ورام ١ : ١٧١ ، وروضة الواعظين : ٣٨٥ .

(٣) في البحار ٧٨ : ٢٠٧ ح ٦٤ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام نحوه .

(٤) عنه مستدرك الوسائل ٧ : ٢٣٨ ح ٨١٣١ .

(٥) الكافي ٤ : ٢٣ ح ٣ ، عنه البحار ٤٩ : ١٠١ ح ١٩ بتفصيل أكثر .

٢٦٥

وأعطى الجمال طيلسانة وكراه وقال :تمام المروّة إعطاء الأجرة لحمل الصدقة .

وقيل إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بكى يوماً فسألوه عن سبب بكائه فقال :لنا سبعة أيام لم يأتنا ضيف (١) وما كانوا يبنون بيتاً إلاّ وفيه موضع الضيافة ، وضيف الكريم كريم .

وأربعة أشياء لا ينبغي للرجل أن يأنف منها ، قيام الرجل في مجلسه لأبيه وإجلاسه فيه ، وخدمة الرجل لضيفه ، وخدمة العالم لمَن يتعلّم منه ، والسؤال عمّا لا يعلم ، وكانوا يخدمون الضيف فإذا أراد الرحيل لم يعينوه على رحيله كراهة لرحلته ، وأعظم الجود الإيثار مع الضرورة الشديدة ، كما آثر آل محمد عليه وعليهم السلام بالقرص عند حضور إفطارهم وباتوا طاوين ، فمدحهم الله سبحانه وتعالى بسورة هل أتى .

قال مصنف هذا الكتاب : ينبغي للعبد أن يكون الغالب عليه الإيثار ، والسخاء ، والرحمة للخلق ، والإحسان إليهم ، فإنّ هذه أخلاق الأولياء ، وهو أصل من أصول النجاة والقرب من الله تعالى ، فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :السخاء شجرة من شجر الجنة من تعلّق بغصن (٢) منها فقد نجى .

وقال جبرئيلعليه‌السلام : قال الله تعالى :هذا دين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلاّ السخاء وحسن الخلق ، فالزموهما ما استطعتم (٣) .

وقالعليه‌السلام :جبل الله أولياءه على السخاء وحسن الخلق (٤) .

وقالوا : يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ فقال :السخاء وحسن الخُلُق ، فألزموهما تفوزوا .

____________

(١) راجع إحياء العلوم للغزالي ٣ : ٢٣٩ ، حكايات الأسخياء .

(٢) في ( ألف ) : ببعض منها .

(٣) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ .

(٤) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ .

٢٦٦

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الرزق إلى السخي أسرع من السكين إلى ذروة البعير ، وإنّ الله تعالى يباهي بمطعم الطعام الملائكة (١) .

وقال :خلقان يحبهما الله : السخاء وحسن الخلق ، وخلقان يبغضهما الله : البخل وسوء الخلق (٢)

ولقد جمع الله تعالى ذلك في قوله :( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون ) (٣) .

وروي أنّ بني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لاموه في كثرة عطائه ، فقال : يا بني إنّ الله عوّدني أن يمدني وعوّدته أن أجود به على خلقه ، فأخاف أن أقطع العادة فيقطع(٤) المادة .

وروي أنّه دخل ذات يوم إلى حائط له وفيه عبد لجاره وبين يديه ثلاثة أقراص ، فدخل إليه كلب فرمى له بواحد ثم الآخر ثم الآخر ، فقال له : هلاّ أكلت منها وأطعمته ؟ فقال : إنّه غريب جائع فآثرته على نفسي ، فقال عبد الله : تلوموني على السخاء وهذا أسخى منّي ، ثم اشتراه وأعتقه وملكه الحائط(٥) .

والعجب لمَن يبخل بالدنيا وهي مقبلة فإنّ الجود لا يفنيها ، أو هي مدبرة فإنّ البخل لا يبقيها ، ولقد أحسن مَن قال :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرّاً قبل أن تتفلّتِ

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا هي ولّتِ

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لكميل بن زياد :يا كميل مر أهلك أن يروحوا في المكارم ، ويدلجوا في حاجة مَن هو نائم ، فو الذي وسع سمعه

____________

(١) مجموعة ورام ١ : ١٧١ .

(٢) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ نحوه .

(٣) الحشر : ٩ .

(٤) في ( ج ) : فتنقطع .

(٥) مجموعة ورام ١ : ١٧٣ نحوه .

٢٦٧

الأصوات ما من أحد أودع قلباً سروراً إلاّ وخلق الله من ذلك السرور لطفاً ، إذا نابته نائبة انحدر عليها كالسيل في انحداره ، فيطردها كما يطرد غرائب الإبل (١) .

وقالعليه‌السلام :تنافسوا إلى المكارم ، وسارعوا إلى الغنائم ، واعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نعمة الله تعالى (٢) عليكم ، وأجود الناس مَن يعطي مَن لا يرجوه ، ومَن نفّس عن مؤمن كربة نفّس الله عنه اثنين وسبعين كربة من كرب الدنيا ، واثنين وسبعين كربة من كرب الآخرة ، ومَن أحسن أحسن الله إليه ، والله يحب المحسنين .

وقالعليه‌السلام :مَن تيقّن أنّ الله يخلف ما ينفقه لم يمسك عن الإنفاق .

وروي أنّ الشمس كل يوم تطلع على قرني ملك ينادي : اللهم عجّل لكل منفق خلفاً ، ولكل ممسك تلفاً(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن أكرم الضيف فقد (٤) أكرم سبعين نبيّاً ، ومَن أنفق على الضيف درهماً فكأنّما أنفق ألف ألف دينار في سبيل الله عزّ وجل .

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :أتدري ما الشحيح ؟ قلت : هو البخيل ، قال :الشح أشد من البخل ، إنّ البخيل يبخل بما في يده والشحيح على ما في أيدي الناس وعلى ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي الناس شيئاً إلاّ تمنّى أن يكون له بالحلّ والحرام ، ولا يشبع ولا ينتفع (٥) بما رزقه الله (٦) .

وللبخيل ثلاث علامات : يخاف من الجوع ، ويخاف من سائل يأتيه ، ويرحب باللسان مع إخوان الخير ، وللسخي ثلاث علامات : العفو بعد القدرة ،

____________

(١) نهج البلاغة : قصار الحكم ٢٥٧ ، عنه البحار ٧٤ : ٣١٨ ح ٨٢ .

(٢) في ( ألف ) و ( ج ) : من نعمته .

(٣) كنز العمال ٦ : ٣٧٤ ح ١٦١٢٢ نحوه .

(٤) في ( ب ) : فكأنّما .

(٥) في ( ب ) و ( ج ) : يقنع .

(٦) تحف العقول : ٢٧٧ ، عنه البحار ٧٨ : ٢٥٦ ح١٣٠ .

٢٦٨

وإخراج الزكاة ، وحب الصدقات .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لمّا خلق الله الجنّة قالت : يا ربّ لمن خلقتني ؟ قال : لكل سخيّ تقيّ ، قالت : رضيت يا رب (١) .

وقيل : إنّ رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله ما حد التدبير والتبذير والتقتير ؟ فقال :التبذير أن تتصدّق بجميع مالك ، والتدبير أن تنفق بعضه ، [والتقتير أن لا تنفق من مالك شيئاً] (٢) ، فقال : زدني بياناً يا ابن رسول الله .

[قال :] (٣) فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبضة من الأرض وفرّق أصابعه ثم فتح كفّه فلم يبق في يده شيئاً ، فقال : هذا التبذير ، ثم قبض قبضة أخرى وفرّق أصابعه فنزل البعض وبقي البعض فقال : هذا التدبير ، ثم قبض قبضة أخرى وضمّ كفّه حتّى لم ينزل منه شيء فقال : هذا التقتير .

وقالعليه‌السلام :المؤمن مَن كان بماله متبرّعاً وعن مال غيره متورّعاً .

وقالعليه‌السلام :السخاء اسم شجرة في الجنّة ترفع يوم القيامة كل سخي إلى الجنّة بأغصانها ، والبخل اسم شجرة في النار تقود بأغصانها كل بخيل إلى النار (٤) .

وقالعليه‌السلام :رأيت على باب الجنّة مكتوب : أنت محرمة على كل بخيل ومرائي وعاق ونمّام .

____________

(١) عنه مستدرك الوسائل ٧ : ١٨ ح ٧٥٢٦ ، ومعالم الزلفى : ٣٢٢ .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) أثبتناه من ( ج ) .

(٤) مجموعة ورام ١ : ١٧٠ نحوه ، ومعالم الزلفى : ٣٢٢ .

٢٦٩

الباب الخامس والأربعون : في سؤال أبي ذرّ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال أبو ذر (رحمة الله عليه) : دخلت يوماً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في المسجد(١) جالس وحده ، فاغتنمت وحدته فقال :يا أبا ذر إنّ للمسجد تحيّة ، فقلت : وما تحيّته يا رسول الله ؟ فقال : ركعتان ، فركعتهما ثم التفتّ إليه فقلت : يا رسول الله أمرتني بالصلاة فما حدّ الصلاة ؟ قال :خير موضوع فمَن شاء أقلّ ومَن شاء أكثر .

فقلت : يا رسول الله أيّ الأعمال أحب إلى الله تعالى ، قال : الإيمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله ، قلت : يا رسول الله أيّ المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال : أحسنهم خلقاً ، قلت : فأيّ المؤمنين أفضل ؟ قال :مَن سلم المسلمون من لسانه ويده ، قلت : فأيّ الهجرة أفضل ؟ قال :من هجر السوء ، قلت : فأيّ [وقت من](٢) الليل أفضل ؟ قال :جوف الليل الغابر .

____________

(١) في ( ألف ) و ( ج ) : المجلس .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

٢٧٠

قلت : أيّ الصلاة أفضل ؟ قال :طول القنوت ، قلت : أيّ الصدقة أفضل ؟ قال :جهد من مقلّ إلى فقير في سرّ ، قلت : فما الصوم ؟ قال :فرض مجز وعند الله أضعاف ذلك ، قلت : فأيّ الرقاب أفضل ؟ قال :أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها ، قلت : فأيّ الجهاد أفضل ؟ قال :من عقر جواده وأهرق دمه .

قلت : فأيّ آية أنزلها عليك أفضل وأعظم ؟ قال : آية الكرسي، قلت : يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم عليه‌السلام ؟ قال : كانت أمثالاً كلّها ، أيّها الملك المغرور المسلّط المبتلى إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكن بعثتك لترد عنّي دعوة مظلوم فإنّي لا أردّها وإن كانت من كافر أو فاجر ففجوره على نفسه .

وكان فيها أمثالاً ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يفكّر في صنع الله عزّ وجل ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخّر ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب .

وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلاّ في ثلاث : تزوّد لمعاد ، أو مرمّة(١) لمعاش ، أو لذّة في غيرِ ذات محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه .

قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسىعليه‌السلام ؟ قال :كانت عبراً كلها ، عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك ، عجباً لمن أبصر الدنيا وتقلّبها بأهلها حال بعد حال ثم هو يطمئنّ إليها ، عجباً لمن أيقن بالحساب غداً ثم لم يعمل ، قلت : يا رسول الله فهل في الدنيا(٢) شيء ممّا كان في

____________

(١) في ( ج ) : سعي .

(٢) في ( ج ) : في أيدينا .

٢٧١

صحف إبراهيم وموسى ممّا أنزل الله عليك ؟

قال : اقرأ يا أباذر :( قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربه فصلّى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى * إنّ هذا ـ يعني ذكر هذه الأربع آيات ـ لفي الصحف الأُولى * صحف إبراهيم وموسى ) (١) .

قلت : يا رسول الله أوصني ، قال :أوصيك بتقوى الله فإنّه رأس أمرك كلّه ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنّه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : عليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة أُمّتي ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :عليك بالصمت إلاّ من خير فإنّه مطردة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك .

قلت : يا رسول الله زدني ، قال :إيّاك وكثرة الضحك فإنّه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :انظر إلى مَن هو تحتك ولا تنظر إلى مَن هو فوقك ، فإنّه أجدر أن لا تزدري نعمة الله تعالى عليك ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال :صل قرابتك وإن قطعوك ، وحب المساكين وأكثر مجالستهم .

قلت : يا رسول الله زدني ، قال :لا تخف في الله لومة لائم ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : يا أبا ذر ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما تأتي ، وكفى بالرجل عيباً أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ، ويجد عليهم فيما يأتي ، قال : ثم ضرب على صدري وقال : يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكفّ ، ولا حسب كحسن الخلق (٢) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام انّه قال :في خطبة أبي ذر رضي‌الله‌عنه : يا مبتغي العلم لا تشغلك الدنيا ولا أهل ولا مال عن نفسك ، أنت يوم تفارقهم كضيف

____________

(١) الأعلى : ١٩ـ١٤ .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٦٧ ، وكنز العمال ١٦ : ١٣١ ح ٤٤١٥٨ ، وأورده في أعلام الدين : ٢٠٤ .

٢٧٢

بتّ فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم ، الدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره ، وما بين البعث والموت إلاّ كنومة نمتها ثم استيقظت منها ، يا جاهل تعلّم العلم فإنّ قلباً ليس فيه علم كالبيت الخراب الذي لا عامر له (١) .

وعن أبي ذر (رحمة الله عليه) قال : يا باغي العلم قدّم لمقامك بين يدي الله عزّ وجل فإنّك مرتهن بعملك كما تدين تدان ، يا باغي العلم صلّ قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلّي فيه ، إنّما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل دخل على ذي سلطان فأنصت إليه حتّى فرغ من حاجته ، فكذلك المرء المسلم بإذن الله تعالى ما دام في الصلاة ، لم يزل الله عزّ وجل ينظر إليه حتّى يفرغ من صلاته .

يا باغي العلم تصدّق قبل أن لا تقدر تعطي شيئاً ولا تمنعه ، إنّما مثل الصدقة لصاحبها مثل رجل طلبه قوم بدم فقال لهم : لا تقتلوني واضربوا لي أجلاً أسعى في رضاكم ، كذلك المرء المسلم بإذن الله كلّما تصدّق بصدقة حلّ بها عقدة من رقبته حتّى يتوفّى الله أقواماً وهو عنهم راض ، ومَن رضي الله عزّ وجل عنه فقد أُعتق من النار .

يا باغي العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ ، فاختم على فمك كما تختم على ذهبك وورقك(٢) ، يا باغي العلم إنّ هذه الأمثال ضربها الله عزّ وجل للناس [وقال :](٣) ( وما يعقلها إلاّ العالمون ) (٤) .

يا باغي العلم كأنّ شيئاً من الدنيا لم يكن إلاّ عمل ينفع خيره ويضرّ شرّه إلاّ ما رحم الله عزّ وجل ، يا باغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك فلن يغنوا عنك شيئاً(٥) .

____________

(١) مجموعة ورام ٢ : ٦٩ .

(٢) في ( ألف ) : رزقك .

(٣) أثبتناه من ( ج ) .

(٤) العنكبوت : ٤٣ .

(٥) مجموعة ورام ٢ : ٦٦ بحذف الأخير ، وفي أعلام الدين : ٢٠٧ .

٢٧٣

الباب السادس والأربعون : في الولاية لله تعالى

قال الله تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) .

فولاية الله معرفته ومعرفة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعرفة الأئمّة من أهل بيتهعليهم‌السلام ، وموالاتهم وموالاة كافّة أولياء الله ، [والمعاداة في الله](٢) ومعاداة أعداء الله وأعداء رسوله وأهل بيته ، والتبرّي من كل من لم يدن لهم بدين الإسلام .

وأعظم عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله ، ولا طريق إلى ذلك إلاّ بعد المعرفة لهم ، وإذا لم يعرف أولياء الله فيواليهم وأعداء الله فيعاديهم ، لا يأمن أن يعادي لله وليّاً أو يوالي لله عدوّاً ، فيخرج بذلك عن طريق الولاية بل عن الإيمان ، وما من شيء من ذلك إلاّ وعليه دلالة من كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرح ذلك مذكور في كتب العلم .

وينبغي للعاقل الالتزام بعرى الإيمان ، والتحلّي بحلية أهل الولاية ، فمن أراد

____________

(١) يونس : ٦٢ .

(٢) أثبتناه من ( ب ) .

٢٧٤

ذلك فليلزم لسانه الذكر ، وقلبه الفكر ، ويعتزل أهل الدنيا ويجالس الصالحين من أهل العلم ، ويتبع آثار الصالحين ، ويقتدي بهداهم من الرفض للدنيا ، ويقنع من العيش بما حضر .

ويتقرب إلى الله بصالح القربات من صلاة النوافل ، والبرّ بالإخوان ، وقضاء حوائجهم وصلتهم ، والإيثار على نفسه بما يقدر عليه ، وصيام الأوقات المندوب إليها ، وصيانة بطنه عن الحرام ، ولسانه عن فضول الكلام ، وليعلم أنّ الله يتولاّه ، فانّه تعالى قال :( وهو يتولّى الصالحين ) (١) ، فحينئذ لا يكله إلى نفسه بل يتولّى عنايته وحوائجه .

وقال سبحانه :فليأذن بحرب منّي مَن آذى عبدي المؤمن ، أو أخاف لي وليّاً (٢) .

وقال سبحانه :ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته (٣) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :إذا كان يوم القيامة ينادي المنادي : أين المؤذون لأوليائي ؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم ، فيقال : هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم [العداوة] (٤) وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم ، ثم يؤمر بهم إلى جهنّم (٥) .

وقالعليه‌السلام :مَن حقّر مؤمناً لم يزل الله عزّ وجل له حاقراً حتّى يرجع عن محقرته إيّاه (٦) .

____________

(١) الأعراف : ١٩٦ .

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٠ ح ١ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥٢ ح ٢٢ نحوه .

(٣) المحاسن ١ : ٤٥٤ ح ٤٤٩ ، عنه البحار ٨٧ : ٣١ ح ١٥ .

(٤) أثبتناه من ( ج ) .

(٥) الكافي ٢ : ٣٥١ ح ٢ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥٤ ح ٢٣ .

(٦) الكافي ٢ : ٣٥١ ح ٤ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥٧ ح ٢٦ .

٢٧٥

وقال :أيّما مؤمن منع مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه وهو قادر عليه من عنده أو من عند غيره ، أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه ، مزرقة عيناه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله عزّ وجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيؤمر به إلى النار (١) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام :مَن ردّ أخاه المؤمن عن حاجة وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه ثعباناً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة (٢) .

وقالعليه‌السلام :مَن نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عزّ وجل يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه (٣) .

وقالعليه‌السلام :مَن حبس حق المؤمن أقامه الله يوم القيامة خمسمائة عام حتّى يسيل عرقه ودمه ، وينادي مناد من عند الله عزّ وجل : هذا الظالم الذي حبس عن الله عزّ وجل حقّه ، فيوبّخ أربعين يوماً ويؤمر به إلى النار (٤) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :من روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروهاً فأصابه (٥) فهو في النار ، ومَن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروهاً فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار ، ومَن أعان على مؤمن بشطر كلمة لقى الله عزّ وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله عزّ وجل (٦) .

وقالعليه‌السلام :من علامة شرك الشيطان الذي لا شك فيه أن يكون الرجل فحّاشاً لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ، فإنّه لعب به (٧) .

____________

(١) الكافي ٢ : ٣٦٧ ح ١ ، عنه البحار ٧٥ : ١٧٧ ح ١٦ .

(٢) الكافي ٢ : ٣٦٧ ح ٤ ، عنه البحار ٧٥ : ١٧٩ ح ١٩ .

(٣) الكافي ٢ : ٣٦٨ ح ١ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥١ ح ١٩ ، ومجموعة ورام ٢ : ٢٠٩ .

(٤) الكافي ٢ : ٣٦٧ ح ٢ ، عنه البحار ٧٥ : ١٧٨ ح ١٧ .

(٥) زاد في ( ج ) : ولم يصبه .

(٦) الكافي ٢ : ٣٦٨ ح ٣ـ٢ ، عنه البحار ٧٥ : ١٥١ ح ٢١ـ٢٠ .

(٧) الكافي ٢ : ٣٢٣ ح ١ .

٢٧٦

وبإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله حرّم الجنّة على كل فحّاش بذيّ قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ من شرار عبيد الله مَن تكره مجالسته لفحشه (٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام :مَن خاف الناس لسانه فهو في النار (٣) .

وبإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :أشرّ الناس يوم القيامة الذين يُكْرَمُونَ اتقاء شرّهم (٤) .

وينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقور عند الهزاهز ، صبور على البلايا ، شكور عند الرخاء ، قانع بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة ، والولي كل الولي مَن توالت أقواله وأفعاله على موافقة الكتاب والسنّة ، ومَن كان هكذا تولّى الله سياسته(٥) باللطف في كل أموره ، وحرسه في غيبته وحضوره ، وحفظه في أهله وولده وولد ولده وفي جيرانه ، فإنّه جاء في الحديث النبوي :إنّ الله يحفظ الرجل في ولده وولد ولده ودويرات حوله .

وجاء في تأويل قوله :( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ) (٦) أنّه كان بينهما وبين أبيهما الصالح سبعة أجداد ، وقيل : سبعين جداً .

والولي ريحانة الله في أرضه يشمّها المؤمنون ، ويشتاق إليها الصالحون ، وعلامة الولي ثلاثة أشياء : شغله بالله ، وهمّه لله ، وفراره إلى الله ، وإذا أراد الله أن

____________

(١) الكافي ٢ : ٣٢٣ ح ٣ ، عنه البحار ٦٣ : ٢٠٦ ح ٣٩ .

(٢) الكافي ٢ : ٣٢٥ ح ٨ ، البحار ٧٥ : ٢٨١ ح ٩ .

(٣) الكافي ٢ : ٣٢٧ ح ٣ ، عنه البحار ٧٥ : ٢٨٣ ح ١١ .

(٤) الكافي ٢ : ٣٢٧ ح ٤ ، عنه البحار ٧٥ : ٢٨٣ ح ١٢ .

(٥) في ( ج ) : سيئاته .

(٦) الكهف : ٨٢ .

٢٧٧

يوالي عبداً فتح على لسانه ذكره ، وعن قلبه قفل فكره ، فإذا استلذّ الذكر فتح له باب القرب ، ثم فتح عليه باب الأُنس به والوحشة من خلقه ، فأجلسه على كرسي الولاية ، وعامله بأسباب العناية ، وأورثه دار الكرامة ، وكشف عن قلبه وبصره غشاوة العماية ، فأصبح ينظر بنور الله .

ورفع عنه حزن الرزق ، وخوف العدوّ من حيث يحلّ التوكل في قلبه ، والرضا بقسمه ، ولهذا قال الله تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) وأمن من أهوال يوم القيامة ونار جهنّم .

____________

(١) يونس : ٦٢ .

٢٧٨

الباب السابع والأربعون : فيه من كلام أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل ، ويؤخّر التوبة بطول الأمل ، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ، ويعمل فيها عمل الراغبين ، إن أُعطى لم يشبع ، وإن منع لم يقنع ، يعجز عن شكر ما أُوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهى ولا ينتهي ، ويأمر بما لا يأتي .

يحبّ الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين وهو أحدهم ، يكره الموت لكثرة ذنوبه ، ويقيم على ما يكره الموت له ، إن سقم ظلّ نادماً ، وإن صحّ أمن لاهياً ، يعجب بنفسه إذا عوفي ، ويقنط إذا ابتلي ، إن أصابه بلاء دعا مضطرّاً ، وإن أصابه(١) رجاء أعرض مغترّاً .

تغلبه نفسه على ما يظنّ ولا يغلبها على ما يستيقن ، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، إن استغنى بطر وقتر ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية

____________

(١) في ( ج ) : ناله .

٢٧٩

وسوّف التوبة ، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة .

يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ في الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدل ومن العمل مقلّ ، ينافس فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى المغنم مغرماً والغرم مغنماً ، يخشى الموت ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن .

اللغو مع الأغنياء أحبّ إليه من الذكر مع الفقراء ، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره ، يرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، ويخشى الخلق في غير ربّه ولا يخشى ربّه في خلقه(١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام :يا نوف خلقنا من طينة وخلق شيعتنا من طينتنا ، فإذا كان يوم القيامة أُلحقوا بنا ، قال نوف : قلت : صف لي شيعتك يا أمير المؤمنين .

فبكى لذكر شيعته ثمّ قال : يا نوف شيعتي والله الحلماء العلماء بالله ودينه ، العاملون بطاعته وأمره ، المهتدون بحبّه ، أنصار عباده(٢) ، أحلاس(٣) زهادة ، صفر الوجوه من التهجّد ، عمش العيون من البكاء ، ذبل الشفاة من الذكر ، خمص البطون من الطوى ، تعرف الربّانية في وجوههم ، والرهبانية في سمتهم .

مصابيح كلّ ظلمة ، ورياحين كلّ قبيلة ، لا يثنون من المسلمين سلفاً ، ولا تقفون لهم خلفاً ، شرورهم مكنونة ، وقلوبهم محزونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، أنفسهم منهم في عناء والناس منهم في راحة ، فهم الكاسة

____________

(١) نهج البلاغة : قصار الحكم ١٥٠ ، عنه البحار ٧٢ : ١٩٩ ح٣٠ .

(٢) في أمالي الطوسي والبحار : ( أنضاء عبادة ) ، والنضو : المهزول من الإبل وغيرها .

(٣) هكذا في أمالي الطوسي والبحار ، وهو الصحيح ، وفي النسخ : جلاّس زهادة ، والحلس : كساء يلي ظهر البعير تحت القتب ، ملازم له ، فقيل لكلّ ملازم لشيء : هو حِلْسُهُ .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381