ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381
المشاهدات: 84201
تحميل: 18566


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84201 / تحميل: 18566
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ربّ نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة في الآخرة ناعمة يوم القيامة .

ألا ربّ نفس كاسية ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة ، ألا ربّ متخوّض متنعّم فيما أفاء الله على رسوله ما له [في الآخرة](١) من خلاق ، ألا إنّ عمل الجنّة جنّة بربوة ، ألا إنّ عمل النار كلمة سهلة بشهوة ، ألا ربّ شهوة ساعة أورثت حزناً طويلا يوم القيامة(٢) .

وأمّا عليّ سيد الوصيّين ، وتاج العارفين ، وصنو رسول ربّ العالمين فحاله في الزهد والتقشّف أظهر من أن يُحكى .

قال سويد بن غفلة : دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام بعدما بويع بالخلافة ، وهو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره ، فقلت : يا أمير المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئاً ممّا يحتاج إليه البيت ، فقالعليه‌السلام :يا ابن غفلة إنّ اللبيب لا يتأثّث في دار النقلة ، ولنا دار قد نقلنا إليها خير متاعنا ، وإنّا عن قليل إليها صائرون (٣) .

وكانعليه‌السلام إذا أراد أن يكتسي دخل السوق فيشتري الثوبين ، فيخيّر قنبر أجودهما ويلبس الآخر ، ثمّ يأتي النجار(٤) فيمدّ له أحد كمّيه ويقول : خذه بقدومك ، ويقول : هذه تخرج في مصلحة أخرى ويبقي الكم الأخرى بحالها ويقول :هذه تأخذ فيها من السوق للحسن والحسين (٥) .

فلينظر العاقل بعين صافية ، وفكرة سليمة ، ويتحقّق انّه لو يكون في الدنيا والإكثار فيها خير لم يفت هؤلاء الأكياس الذين هم خلاصة الخلق وحجج الله على

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) البحار ٧٠ : ٣٢١ ضمن حديث ٣٨ ، عن عدّة الداعي : ١٢٠ .

(٣) البحار ٧٠ : ٣٢١ ضمن حديث ٣٨ ، عن عدّة الداعي : ١٢١ .

(٤) في ( ج ) : الخياط .

(٥) البحار ٧٠ : ٣٢٢ ضمن حديث ٣٨ ، عن عدّة الداعي : ١٢١ .

٣٠١

سائر الناس ، بل تقربوا إلى الله بالبعد عنها ، حتّى قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما يُعبد الله بشيء مثل الزهد في الدنيا (٢) .

إنّ الله تعالى يقول للفقراء يوم القيامة :لم أفقركم لهوانكم عليّ ولكن لما هو خير لكم .

وقال تعالى في بعض كتبه :إنّي لم أُغن الغنيّ لكرامته عليّ ، ولم أُفقر الفقير لهوانه عليّ ، وإنّما ابتليت الأغنياء بالفقراء ، ولولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنّة (٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله يجمع الفقراء والأغنياء في رحبة الجنّة يوم القيامة ، ثمّ يبعث منادياً ينادي من بطنان العرش : يا معاشر المؤمنين أيّما رجل منكم وصله أخوه المؤمن في الله ولو بلقمة من خبز بإدامها خصّه بها على مائدته ، فليأخذ بيده على مهل حتّى يدخله الجنّة .

قال : فهم أعرف بهم يومئذ منهم بآبائهم وأمّهاتهم ، قال : فيجيء الرجل منهم حتّى يضع يده على ذراع أخيه المكرم له الواصل له ، فيقول له : يا أخي أما تعرفني ، ألست الصانع بي في يوم كذا وكذا من المعروف كذا وكذا ؟ فيذكره كلّ شيء صنع معه من البر والصلة والكرامة ، ثمّ يأخذ بيده ، فيقول : إلى أين ؟ فيقول : إلى الجنّة فإنّ الله قد أذن لي بذلك ، فينطلق به إلى الجنّة ، فيدخله فيها برحمة الله وفضله وكرامته لعبده الفقير المؤمن .

روي أنّ فقراء المؤمنين يدخلون الجنّة قبل أغنيائهم بسبعين خريفاً ، وأمّا

____________

(١) نهج البلاغة : قصار الحكم ٧٧ ، عنه البحار ٧٣ : ١٢٨ ضمن حديث ١٣٢ .

(٢) عدّة الداعي : ١٢١ .

(٣) الكافي ٢ : ٢٦٥ ح٢٠ ، عنه البحار ٧٢ : ٢٦ ح٢٢ .

٣٠٢

الغني فإنّه مطغى لقوله تعالى :( كلاّ إنّ الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ) (١) وما يجمع الغني المال إلاّ لنعيم الدنيا ولذّتها وترفّهها ، وقد قال الله تعالى :( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون ) (٢) ، فوعدهم بالعذاب ، وعيّرهم أيضاً بالتكاثر بقوله تعالى :( ألهاكم التكاثر ) (٣) يعني عن العبادة والزهد .

وروي عن الصادقعليه‌السلام :أنّ رجلاً فقيراً أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده رجل غنيّ ، فكفّ ثيابه وتباعد عنه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ما صنعت ، أخشيت أن يلصق فقره بك ، أو يلصق غناك به ؟!

فقال : يا رسول الله أما إذا قلت هذا فله نصف مالي ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للفقير : أتقبل منه ؟ قال : لا ، قال : ولِمَ ؟ قال : أخاف أن يدخلني ما دخله (٤) .

واعلم أنّ إحياء دين الله ، وإعزاز كلمته ، وامتثال أوامر الرسل والشرائع ، ونصرة الأنبياء ، وانتشار دعوتهم من لدن آدم إلى زمان نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تقم إلاّ بأولي الفقر والمسكنة ، أولا تسمع إلى ما قصّه الله عليك في كتابه العظيم على لسان نبيّه الكريم ، وتبيّن لك أنّ المتصدّي لإنكار الشرائع هم الأغنياء المترفون ، والأشراف المتكبّرون .

فقال تعالى مخبراً عن قوم نوحعليه‌السلام إذ عيّروه :( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) (٥) ،( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ) (٦) يعني بذلك الفقراء منّا .

وقالوا لشعيبعليه‌السلام :( إنّا لنراك فينا ضعيفاً ( أي فقيراً )ولولا رهطك

____________

(١) الأحقاف : ٢٠ .

(٢) الأحقاف : ٢٠ .

(٣) التكاثر : ١ .

(٤) البحار ٧٢ : ٥٤ ح٨٥ ، عن عدّة الداعي : ١١٤ .

(٥) الشعراء : ١١١ .

(٦) الشعراء : ١١١ .

٣٠٣

لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ) (١) .

وقال المستكبرون من قوم صالح للّذين استضعفوا :( أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) (٢) .

وقال فرعون مزدرياً لموسىعليه‌السلام ومفتخراً عليه :( فلولا أُلقي عليه أسورة من ذهب ) (٣) .

وقالوا لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لولا أُلقي عليه كنز أو تكون له جنّة يأكل منها ) (٤) وكفى بهذا كلّه مدحاً للفقراء الراضين ، وذمّاً للأغنياء المتكبّرين .

____________

(١) هود : ٩١ .

(٢) الأعراف : ٧٥ـ٧٦ .

(٣) الزخرف : ٥٣ .

(٤) الفرقان : ٩ .

٣٠٤

الباب الخمسون : في الأدب مع الله تعالى

روي في تأويل قوله تعالى :( قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) (١) قال ابن عباس : أراد بذلك فقّهوهم في الدين ، وأدّبوهم بأدب الشريعة(٢) .

وقال سبحانه لموسىعليه‌السلام :( فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى ) (٣) فأمره بالأدب بخلع نعليه عند مناجاته ، فلمّا نزل قوله تعالى :( خذ العفو وأْمُر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) (٤) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أدّبني ربّي بمكارم الأخلاق .

وأعظم الخلق أدباً مع الله الأنبياء ثمّ الأوصياء ثمّ الأمثل فالأمثل ، وأكثر الخلق تأديباً مع الله تعالى نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله سبحانه :( وإنّك لعلى

____________

(١) التحريم : ٦ .

(٢) في ( ج ) : وتأديبهم بالآداب الشرعيّة .

(٣) طه : ١٢ .

(٤) الأعراف : ١٩٩ .

٣٠٥

خلقٍ عظيم ) (١) .

وقال أمير المؤمنين لولده الحسنعليه‌السلام :يا بني احرز حظك من الأدب وفرّغ له قلبك ، فإنّه أعظم من أن يخالطه دنس ، واعلم أنّك إذا افتقرت عشت به ، وإن تغرّبت كان لك الصاحب الذي لا وحشة معه ، يا بني الأدب لقاح العقل ، وذكاء القلب ، وعنوان الفضل ، واعلم أنّه لا مروّة لأحد بماله وحاله بل الأدب عماد الرجل ، وترجمان عقله ، ودليله على مكارم الأخلاق ، وما الإنسان لولا الأدب إلاّ بهيمة مهملة (٢) .

قال الجوادعليه‌السلام :ما اجتمع رجلان إلاّ كان أفضلهما عند الله أأدبهما ، فقيل : يا ابن رسول الله قد عرفنا فضله عند الناس ، فما فضله عند الله ؟ فقال :بقراءة القرآن كما أُنزل ، ويروي أحاديثنا كما قلناها ، ويدعو الله مُعزماً بدعائه (٣) .

وحقيقة الأدب اجتماع خصال الخير ، وتجافي خصال الشر ، وبالأدب يبلغ الرجل مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة ، ويصل به إلى الجنّة ، والأدب عند الناس النطق بالمستحسنات لا غير ، وهذا لا يعتدّ به ما لم يوصل به إلى رضا الله سبحانه والجنّة .

والأدب هو أدب الشريعة ، فتأدّبوا بها تكونوا أُدباء حقّاً ، ومَن صاحب الملوك بغير أدب أسلمه ذلك إلى الهلكة ، فكيف بمَن يصاحب ملك الملوك وسيّد السادات .

وقد روي أنّ الله سبحانه يقول في بعض كتبه :عبدي أمن الجميل أن تناجيني وأنت تلتفت يميناً وشمالاً ، ويكلّمك عبد مثلك تلتفت إليه وتدعني ، وترى من أدبك إذا كنت تحدّث أخاً لك لا تلتفت إلى غيره ، فتعطيه من الأدب ما لا تعطيني ، فبئس

____________

(١) القلم : ٤ .

(٢) أورده المصنّف في كتابه أعلام الدين : ٨٤ .

(٣) الوسائل ٤ : ٨٦٦ ح٣ عن عدّة الداعي باختلاف .

٣٠٦

العبد عبد يكون كذلك .

وروي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج إلى غنم له وراعيها عريان يفلي ثيابه ، فلمّا رآه مقبلاً لبسها ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :امض فلا حاجة لنا في رعايتك ، فقال : ولِمَ ذلك ؟ فقال :إنّا أهل بيت لا نستخدم مَن لا يتأدّب مع الله ولا يستحي منه في خلوته . وإنّما فعل ذلك لأنّ الراعي أعطاه فوق ما أعطى ربّه .

وروي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ عليه غلام دون البلوغ وبش له وتبسّم فرحاً بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له :أتحبّني يا فتى ؟ فقال : إي والله يا رسول الله ، فقال :مثل عينيك ، فقال : أكثر ، فقال :مثل أبيك ، فقال : أكثر ، فقال :مثل أمّك ، فقال : أكثر ، فقال :مثل نفسك ، فقال : أكثر والله يا رسول الله .

فقال :مثل ربّك ، قال : الله الله يا رسول الله ، ليس هذا لك ولا لأحد ، فإنّما أحببتك لحبّ الله ، فالتفت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مَن كان معه وقال :هكذا كونوا ، أحبّوا الله لإحسانه إليكم وإنعامه عليكم ، وحبّوني لحبّ الله .

فاختبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صحّة أدبه في المحبّة في الله تعالى ، فالأدب مع الله بالاقتداء بآدابه وآداب نبيّه وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وهو العمل بطاعته ، والحمد له على السرّاء والضرّاء ، والصبر على البلاء ، ولهذا قال أيوب :( إنّي مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين ) (١) .

فقد تأدّب هنا من وجهين ، أحدهما أنّه لم يقل : إنّك أمسستني بالضر ، والآخر لم يقل : ارحمني ، بل عرّض تعريضاً ، فقال : وأنت أرحم الراحمين ، وإنّما فعل ذلك حفظاً لمرتبة الصبر ، وكذا قال إبراهيم :( وإذا مرضت فهو يشفين ) (٢) ولم يقل : إذا أمرضني ، حفظاً للأدب .

____________

(١) الأنبياء : ٨٣ .

(٢) الشعراء : ٨٠ .

٣٠٧

وقال أيوب في موضع آخر :( إنّي مسّني الشيطان بنصب وعذاب ) (١) أشار بذلك إلى الشيطان لأنّه كان يغري الناس فيؤذونه ، وكلّ ذلك تأدّب منهم مع الله تعالى في مخاطباتهم ، وقوم آخر افتروا عليه سبحانه ، ونسبوا إليه من القبيح ما نزّهوا عنه آباءهم وأُمّهاتهم .

قالوا : كلّما في الوجود من كفر وظلم وفساد وقتل وغصب فمنه ، قضاه وأراده ، وهذا قضاء بالباطل لأنّه سبحانه يقول :( والله يقضي بالحق ) (٢) ويقولون : إنّه سبحانه يأمر بما لا يريد وينهى عمّا يريد ، وإنّه أمر قوماً بالإيمان وأراد منهم الكفر ، وهو تعالى يقول :( ولا يرضى لعباده الكفر ) (٣) .

ولو قيل لأحدهم : إنّك تأمر بما لا تريد وتنهى عمّا لا تكره وكذلك أبوك وأُمّك لغار من ذلك وغضب وقال لقائله : إنّك نسبتني إلى السفه والجهل والجنون ، فسبحانه ما أحلمه وأكرمه ، ولولا حلمه ورحمته لأحلّ بالأرض النقمة غضباً على القائل بذلك والراضي به .

وانّ الله سبحانه لم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكروهاً ، وإنّما أمر الله سبحانه تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأقدر على الحالين ، وقد قال سبحانه :( وهديناه النجدين ) (٤) يعني عرّفناه الطريقين الخير والشر ، وأمر سبحانه بالخير ونهى عن الشر ، كما قال سبحانه :( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) (٥) .

وقال سبحانه :( يا أيّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة ) (٦) وما كان يأمر بالدخول في باب ثمّ يغلقه ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، فاعتبروا وتفكّروا

____________

(١) ص : ٤١ .

(٢) غافر : ٢٠ .

(٣) الزمر : ٧ .

(٤) البلد : ١٠ .

(٥) فصلت : ١٧ .

(٦) البقرة : ٢٠٨ .

٣٠٨

ودعوا اتباع الهوى ، فهو مردى لصاحبه ومهلك له ، فسبحانه وتعالى كيف يجبر عباده على الكفر ثمّ يعذّبهم عليه ، وعلى الزنا والسرقة والقذف للمحصنات ويأمر بحدّهم .

أفمن العدل والحكمة هذا أم لا ؟ خبّرونا هداكم الله تعالى ، ولا شك أنّ هذه مكيدة من الشيطان عظيمة مبيحة لارتكاب كلّ قبيح وضلال ، وقد قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :أَدَلَّكَ على الطريق ، ولزم عليك المضيق ، إنّ هذا بالحكمة لا يليق (١) .

وقالعليه‌السلام :أيأمر بالعدل ويخالفه ؟ وينهى عن المنكر ويؤالفه ؟ لقد افترى عليه من بهذا وصفه (٢) .

وقالعليه‌السلام :إذا كان الوزر في الأصل محتوماً كان المأخوذ فيه بالقصاص مظلوماً (٣) .

وقالعليه‌السلام :ما استغفرته عليه فهو منك ، وما حمدته عليه فهو منه (٤) .

وقال تعالى :( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ) (٥) وهذه الأقوال أجوبة لمن سأله عن القضاء والقدر من العلماء .

وأمّا جواب الحسن بن عليّعليهما‌السلام لمّا كتب إليه الحسن البصري يسأله عن القضاء والقدر ، فإنّه قالعليه‌السلام :مَن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد فجر ، ومَن حمل المعاصي على الله فقد كفر ، إنّ الله سبحانه لا يُطاع بإكراه ، ولا يُعصى بغلبة ، ولا أهمل العباد من الملكة ، بل هو المالك لما ملّكهم ، القادر على ما

____________

(١) أورده المصنّف في أعلام الدين : ٣١٦ .

(٢) المصدر نفسه .

(٣) أورده المصنّف في أعلام الدين : ٣١٧ .

(٤) المصدر نفسه .

(٥) النساء : ٧٩ .

٣٠٩

أقدرهم ، فإن عملوا بالطاعة لم يكن الله تعالى لهم عنها صادّاً ، ولا منها مانعاً .

وإن عملوا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبينها فعل ، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجباراً ، ولا ألزمهم بها إكراهاً ، بل له الحجّة عليهم أن عرّفهم ، وجعل لهم السبيل إلى فعل ما دعاهم إليه ، وترك ما نهاهم عنه ، ولله الحجّة البالغة على جميع خلقه ، والسلام(١) .

قال مصنّف الكتابرحمه‌الله : والأدب أيضاً التفقّه في الدين وعلوم اليقين ، وثلاثة أشياء هي رأس الأدب ، مجانبة الريب ، والسلامة من العيب ، والإيمان بالغيب والأدب كلّ الأدب أن لا يراك الله حيث نهاك ، ولا يفقدك حيث أمرك .

وقال شخص : إنّ الجنيد قال : إذا صحّت المودّة سقطت شروط الأدب ، قلت : هذا غلط وترك للأدب ، بل إذا صحّت المحبّة وخلصت ، تأكّدت على المحبّ ملازمة الأدب ، والدليل على ذلك أنّ سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أكثر الناس محبّة لله تعالى ، وأعظمهم أدباً .

وروي أنّ الخليل بن أحمد قال لولده : يا بني تعلّم الأدب فإنّه يقوّمك ويسدّدك صغيراً ، ويقدّمك ويعظمك كبيراً .

وروي أنّ صبيّاً كان له سبع سنين وقف على الحجّاج فقال : أيّها الأمير اعلم أنّ أبي مات وأنا حمل في بطن أُمّي ، وماتت أُمّي وأنا رضيع ، وكفلني الغرباء ، وخلّف(٢) لي ضيعة أتموّن منها وأستند إليها ، وقد غصبها رجل من عمّالك ، لا يخاف الله ولا يخشى من سطوة الأمير وعليك بردع الظالم وردّ المظالم لتجد ذلك يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضراً ، وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ، فأمر بردّ ضيعته ، وصرف الأُدباء من بابه وقال : الأدب أدب الله يؤتيه مَن

____________

(١) كنز الكراجكي : ١٧٠ ، تحف العقول : ١٦٢ ، عنه البحار ٥ : ٤٠ ح٦٣ .

(٢) في ( ب ) : خلّفا .

٣١٠

يشاء ، وعلى العاقل أن يتأدّب مع العالم الذي يعلّمه .

وروى عبد الله بن الحسن بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّهعليهم‌السلام أنّه قال : إنّ من حقّ المعلّم على المتعلّم أن لا يكثر السؤال عليه ، ولا يسبقه في الجواب ، ولا يلحّ عليه إذا أعرض ، ولا يأخذ ثوبه إذا كسل ، ولا يشير إليه بيده ، ولا يخزره بعينه ، ولا يشاور في مجلسه ، ولا يطلب عوراته .

وأن لا يقول : قال فلان خلاف قولك ، ولا يفشي له سرّاً ، ولا يغتاب عنده ، وأن يحفظه شاهداً وغائباً ، ويعم القوم بالسلام ويخصّه بالتحيّة ، ويجلس بين يديه ، وإن كان له حاجة سبق القوم إلى خدمته .

ولا يملّ من طول صحبته ، فإنّما هو مثل النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها منفعة ، والعالم بمنزلة الصائم القائم المجاهد في سبيل الله ، وإذا مات العالم انثلم في الإسلام ثلمة لا تنسدّ إلى يوم القيامة ، وإنّ طالب العلم ليشيّعه سبعون ألف ملك من مقرّبي السماء(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن أعان طالب العلم فقد أحبّ الأنبياء وكان معهم ، ومَن أبغض طالب العلم فقد أبغض الأنبياء فجزاؤه جهنّم ، وإنّ لطالب العلم شفاعة كشفاعة الأنبياء ، وله في جنّة الفردوس ألف قصر من ذهب ، وفي جنّة الخلد مائة ألف مدينة من نور ، وفي جنّة المأوى ثمانون درجة من ياقوتة حمراء وله بكلّ درهم أنفقه في طلب العلم جوراً (٢) بعدد النجوم وبعدد الملائكة ، ومَن صافح طالب العلم حرّم الله جسده على النار ، ومَن أعان طالب العلم إذا مات غفر الله له ولمن حضر جنازته .

وقالوا لمالك بن دينار : يا أبا يحيى ربّ طالب علم للدنيا ، قال : ويحكم ليس

____________

(١) البحار ٢ : ٤٤ ح١٩ ، عن عدّة الداعي : ٨٠ .

(٢) في ( ألف ) : جوار .

٣١١

يقال له طالب العلم ، ولكن يقال له : طالب الدنيا ، ألا وإنّ ذهاب العلم ذهاب العلماء ، ومَن آذى طالب العلم لعنته الملائكة ، وأتى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان ، ألا ومَن أعان طالب العلم بدرهم بشّرته الملائكة عند قبض روحه بالجنّة ، وفتح الله له باباً من نور في قبره .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :سألت جبرئيل عليه‌السلام فقلت : العلماء أكرم عند الله أم الشهداء ؟ فقال : العالم الواحد أكرم على (١) الله تعالى من ألف شهيد ، فإنّ اقتداء العلماء بالأنبياء ، واقتداء الشهداء بالعلماء (٢) .

وقالعليه‌السلام :مَن أحبّ أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى طالب العلم (٣) .

وقالعليه‌السلام :طالب العلم أفضل عند الله من المجاهدين والمرابطين والحجّاج والعمّار والمعتكفين والمجاورين ، واستغفرت له الشجر والرياح والسحاب والنجوم والنبات وكلّ شيء طلعت عليه الشمس .

وعن الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهم أجمعين) قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، فاطلبوا العلم من مظانّه ، واقتبسوه من أهله ، فإنّ تعلّمه لله حسنة ، وطلبه عبادة ، والمذاكرة فيه تسبيح ، والعمل به جهاد ، وتعليمه مَن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى ؛ لأنّه معالم الحلال والحرام ، ومنار سبيل الجنّة ، والمؤنس في الوحشة ، والصاحب في

____________

(١) في ( ب ) : عند .

(٢) نحوه باختلاف معالم الزلفى : ١٤ ، مَن لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨٤ .

(٣) البحار ١ : ١٨٤ ح٩٥ .

٣١٢

الغربة والوحدة ، والمحدّث في الخلوة ، والدليل على السرّاء والضرّاء ، والسلاح على الأعداء ، والزين عند الأخلاّء ، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة ، تقتبس آثارهم ، وتهتدي بأفعالهم ، وتنتهي إلى رأيهم ، وترغب الملائكة في خلّتهم ، وبأجنحتها تمسحهم ، وفي صلاتها تبارك عليهم .

ويستغفر لهم كلّ رطب ويابس حتّى حيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وأنعامه ، وإنّ العلم حياة القلوب من الجهل ، وضياء الأبصار من الظلمة ، وقوّة الأبدان من الضعف ، يبلغ بالعبد منازل الأخيار ، ومجالس الأبرار ، والدرجات العلى في الآخرة والأُولى .

الفكر فيه يعدل بالصيام ، ومدارسته بالقيام ، به يطاع الرب ويُعبد ، وبه توصل الأرحام ، ويعرف الحلال والحرام ، العلم أمام العمل والعمل تابعه ، وتلهمه السعداء وتحرمه الأشقياء ، فطوبى لمَن لم يحرمه الله منه حظّه(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :العالم بين الجهّال كالحي بين الأموات ، وإنّ طالب العلم يستغفر له كلّ شيء ، فاطلبوا العلم فإنّه السبب بينكم وبين الله عزّ وجل ، وإنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم (٢) .

وقالعليه‌السلام :إذا كان يوم القيامة يوزن مداد العلماء مع دماء الشهداء ، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء (٣) .

وقالعليه‌السلام :ما عمل رجل عملاً بعد إقامة الفرائض خيراً من إصلاح بين الناس ، يقول خيراً وينمي خيراً (٤) .

وقالعليه‌السلام :عليكم بسنّتي ، فعمل قليل في سنّة خير من عمل كثير في

____________

(١) أمالي الطوسي : ٤٨٧ ح٣٨ مجلس ١٧ ، عنه البحار ١ : ١٧١ ح٢٤ .

(٢) أمالي الطوسي : ٥٢١ ح٥٥ مجلس ١٨ ، عنه البحار ١ : ١٧٢ ح٢٥ .

(٣) أمالي الطوسي : ٥٢١ ح٥٦ مجلس ١٨ ، عنه البحار ٢ : ١٦ ح٣٥ .

(٤) أمالي الطوسي : ٥٢٢ ح٥٩ مجلس ١٨ ، عنه البحار ٧٦ : ٤٣ ح١ .

٣١٣

بدعة (١) .

وقالعليه‌السلام :مَن احتقر صاحب العلم فقد احتقرني ، ومَن احتقرني فهو كافر .

وقالعليه‌السلام :سألت جبرئيل عليه‌السلام عن صاحب العلم ، فقال : هو سراج أُمّتك ، رئيس الدنيا والآخرة (٢) ، طوبى لمن عرفهم وحبّهم ، والويل لمَن أنكر معرفتهم وأبغضهم ، ومَن أبغضهم شهدنا أنّه في النار ، ومَن أحبّهم شهدنا أنّه في الجنّة .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :إذا جلس المتعلّم بين يدي العالم فتح الله له سبعين باباً من الرحمة ، ولا يقوم من عنده إلاّ كيوم ولدته أُمّه ، وأعطاه الله بكلّ حديث عبادة سنة ، ويبني له بكلّ ورقة مدينة مثل الدنيا عشر مرّات .

وقالعليه‌السلام :جلوس ساعة عند العلماء أحبّ إلى الله تعالى من عبادة [ألف] (٣) سنة ، لا يُعصى الله فيها طرفة عين ، والنظر إلى العالم أحبّ إلى الله تعالى من اعتكاف سنة في بيت الحرام وزيارة العلماء أحبّ إلى الله تعالى من سبعين حجة وعمرة ، وأفضل من سبعين طوافاً حول البيت ، ورفع الله له سبعين درجة يكتب له بكلّ حرف حجّة مقبولة ، وأنزل الله عليه الرحمة ، وشهدت الملائكة له بأنّه قد وجبت له الجنّة (٤) .

وقالعليه‌السلام :إذا كان يوم القيامة جمع الله العلماء فيقول لهم : عبادي إنّي أريد بكم الخير الكثير بعدما أنتم تحملون الشدّة من قِبلي وكرامتي وتعبدني الناس بكم ، فابشروا فإنّكم أحبّائي ، وأفضل خلقي بعد أنبيائي ، وابشروا فإنّي غفرت لكم

____________

(١) أمالي الطوسي : ٥٢٢ ح٦٠ مجلس ١٨ ، عنه البحار ٢ : ٢٦١ ح٣ .

(٢) في ( ب ) : أصحاب العلم رئيس الدنيا والآخرة .

(٣) أثبتناه من ( ب ) ، وعدّة الداعي .

(٤) البحار ١ : ٢٠٥ ح٣٣ ، عن عدّة الداعي : ٧٥ .

٣١٤

ذنوبكم ، وقبلت أعمالكم ، ولكم في الناس شفاعة مثل شفاعة أنبيائي ، وإنّي منكم راض ولا أهتك ستوركم ، ولا أفضحكم في هذا الجمع .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :طوبى للعالم والمتعلّم والعامل به ، فقال رجل : يا رسول الله هذا للعالم فما للمتعلّم ؟ فقال : العالم والمتعلّم في الأجر سواء .

وقالعليه‌السلام :كن عالماً أو متعلّماً أو مستمعاً أو محبّاً لهم ، ولا تكن الخامس فتهلك ، فإنّ أهل العلم سادة ومصاحبتهم زيادة .

٣١٥

الباب الحادي والخمسون : في توحيد الله تعالى

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ القول بأنّ الله تعالى واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها يجوزان على الله ، ووجهان لا يجوزان ، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز على الله تعالى ، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد أما ترى أنّ الله تعالى كفّر مَن قال ثالث ثلاثة ، وكذا قول القائل : واحد ، يريد النوع من الجنس ، فهذا لا يجوز عليه لأنّه تشبيه ، تعالى الله عن ذلك [علوّاً كبيراً](١) .

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان له ، فقول القائل : هو واحد يعني ليس في الأشياء له مثل ولا شبه(٢) ، وكذا قول القائل إنّه واحد بمعنى أنّه أحديّ المعنى ، أي لا ينقسم في عقل ولا وجود ولا وهم(٣) .

وقال رجل للصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام : أيّ شيء تعبد ؟ فقال :الله ،

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) في ( ج ) : مثيل ولا شبيه .

(٣) التوحيد للصدوق : ٨٣ ح٣ ، ومعاني الأخبار : ٥ ح١ ، والبحار ٣ : ٢٠٦ ح١ .

٣١٦

فقال : هل رأيته ؟ فقال :لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ورأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يعرف بالقياس ، ولا يشبّه بالناس ، موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات ، لا يجور في حكمه ، ذلك الله لا إله إلاّ هو ربّي عليه توكّلت وإليه أُنيب (١) .

وقال له رجل : يا أبا عبد الله أخبرني عن الله متى كان ، فقال له :ويلك أخبرني أنت عن الله متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان (٢) .

وقال له آخر : لم يزل الله تعالى يعلم ويسمع ويبصر؟ فقال :ذات الله تعالى علامة سميعة بصيرة (٣) (٤) .

وسأله رجل فقال : قوله تعالى :( ومَن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) (٥) ما هذا الغضب ؟ فقال :العقاب ، يا هذا مَن زعم أنّ الله زال من شيء إلى شيء فقد وصفه بصفة المخلوق ، وإنّ الله تعالى لا يغيّره شيء ولا يشبهه شيء ، وكلّما وقع في الوهم فهو بخلافه (٦) .

وقال ذعلب اليماني لأمير المؤمنينعليه‌السلام : هل رأيت ربّك ؟ فقال له : أفأعبد من لا أراه، فقال : فكيف تراه ؟ قال : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء من غير ملامسة ، بعيد منها من غير مباينة ، متكلّم بلا رؤية ، مريد بلا همّة ، صانع بلا حاجة .

لطيف لا يوصف بالخفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنوا الوجوه لعظمته ، وتوجل القلوب من مخافته ، الذي لم يسبق له حال حالا ، فيكون أوّلاً قبل أن يكون آخراً ، ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً .

____________

(١) التوحيد للصدوق : ١٠٨ ح٥ ، عنه البحار ٤ : ٢٦ ح١ عن أبي جعفرعليه‌السلام .

(٢) التوحيد للصدوق : ١٧٣ ح١ ، الاحتجاج ٢ : ١٦٦ ح١٩٤ ، عنه البحار ٣ : ٢٨٤ ح٣ .

(٣) في ( ب ) : علامة لسمعه وبصره .

(٤) التوحيد للصدوق : ١٣٩ ضمن حديث ٢ ، عنه البحار ٤ : ٧٢ ضمن حديث ١٩ .

(٥) طه : ٨١ .

(٦) التوحيد للصدوق : ١٦٨ ح١ ، عنه البحار ٤ : ٦٤ ح٥ باختلاف .

٣١٧

كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل ، وكلّ عزيز غيره ذليل ، وكلّ قويّ غيره ضعيف ، وكلّ مالك غيره مملوك ، وكلّ عالم غيره متعلّم ، وكلّ قادر غيره عاجز ، وكلّ سميع غيره أصمّ عن لطيف الأصوات ويصمّه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها ، وكلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان ولطيف الأجسام ، وكلّ ظاهر غيره غير باطن ، وكلّ باطن غيره غير ظاهر .

لم يخلق ما خلقه لتسديد سلطان ، ولا تخوّف من عواقب زمان ، ولا استعانة على يد مشاور ، ولا شريك مكاثر ، ولا ضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون وعباد آخرون ، لم يحلل في الأشياء فيقال : هو فيها كائن ، ولا بناء عنها فيقال : هو منها بائن .

لم يؤده خلق ما خلق ، ولا تدبير ما برأ وذرا ، ولا وقف به عجز ممّا خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدّر وقضى ، بل قضاءٌ متين(١) ، وعلم محكم ، وأمر مبرم ، المأمون من النقم ، المرهوب مع النعم(٢) .

وقال له آخر : أخبرنا يا أمير المؤمنين بما عرفت ربّك ؟ قال :بفسخ العزم ونقض الهمم ، لما هممت فحال بيني وبين همّي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، علمت أنّ المدبّر لي غيري .

قال : فيما ذا شكرت نعماه ؟ قال :نظرت إلى بلاء قد صرفه عنّي وبلى به غيري ، وإحسان شملني به ، فعلمت أن قد أحسن إليّ وأنعم عليّ فشكرته ، قال : فيما ذا أحببت لقاءه ؟ قال :رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله ، فعلمت أنّه قد أكرمني واختار لي دار كرامته ، فاشتقت إلى لقائه (٣) .

____________

(١) في ( ب ) : و ( ج ) : متقت .

(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٦٥ ، وفي أعلام الدين : ٦٥ .

(٣) التوحيد للصدوق : ٢٨٨ ح٦ ، الخصال : ٣٣ ح١ باب ٢ ، عنه البحار ٣ : ٤٢ ح١٧ .

٣١٨

وقالعليه‌السلام :مَن عبد الله بالوهم أن يكون صورة أو جسماً فقد كفر ، ومَن عبد الاسم دون المعنى فقد عبد غير الله ، ومَن عبد المعنى دون الاسم فقد دلّ على غائب ، ومَن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين ، ومَن عبد المعنى بوقوع الاسم عليه فعقد به قلبه ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته فذلك ديني ودين آبائي (١) .

وبالإسناد إلى الصادقعليه‌السلام أنّ رجلا سأله فقال : يا ابن رسول الله دلّني على الله ما هو فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني ، فقال له :يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال : نعم ، قال :فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟ قال : نعم .

قال :فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك ؟ قال : نعم ، قال الصادقعليه‌السلام :فذلك الشيء هو الله تعالى ، القادر على الإنجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث (٢) .

وجاء في تفسير قوله تعالى :( وما قدروا الله حقّ قدره ) (٣) أي ما عرفوه حقّ معرفته ، ولا عظّموه حقّ عظمته ، ولا عبدوه حقّ عبادته .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيّته لولده الحسنعليه‌السلام :إنّ ربّك أعظم أن يثبت ربوبيّته بإحاطة سمع أو بصر (٤) .

وكانعليه‌السلام إذا بالغ في التحميد يقول :سبحان مَن إذا تناهت العقول في وصفه كانت حائرة دون الوصول إليه ، وتبارك مَن إذا عرفت الفطن في تكيّفه لم يكن لها طريق إليه غير الدلالة عليه ، وكفى قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو

____________

(١) البحار ٤ : ١٦٥ ح٧ عن توحيد الصدوق ، باختلاف ، وأورده المصنّفرحمه‌الله في كتابه أعلام الدين : ٦٧ .

(٢) معاني الأخبار : ٤ باب معنى الله عزّ وجل ، عنه البحار ٣ : ٤١ ح١٦ .

(٣) الأنعام : ٩١ .

(٤) نهج البلاغة : الكتاب ٣١ ، البحار ٤ : ٣١٧ ح٤١ .

٣١٩

السميع البصير ) (١) .

قال مصنّف الكتاب رحمة الله عليه : دواء القلوب في سبعة أشياء : التفكّر في طريق السلامة ، وتدبر أدلّة العقل ، وترك الهوى ، وقراءة القرآن المجيد بالتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرّع في السحر ، ومجالسة العلماء الصالحين .

ومَن ألزم نفسه آداب الكتاب العزيز ، والعلم بمعانيه ، والعمل به وبسنّة نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسنن الأئمّة من أهل بيتهعليهم‌السلام نوّر الله قلبه بنور الإيمان ، ومكّن له بالبرهان ، وجعل وجهه وفعله وقوله شاهد الحق ، كما قال بعضهم [ممثّلا في ذلك](٢) :

وقَلَّ مَنْ ضمنَتْ خيراً طويّتُهُ

إلاّ وفي وجهِهِ للخَير عُنوانُ

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ من دعامة البيت أساسه ، ودعامة الدين المعرفة بالله تعالى واليقين بتوحيده والعقل القامع ، فقالوا : وما العقل القامع يا رسول الله ؟ قال :الكف عن المعاصي ، والحرص على طاعة الله ، والشكر على جميل (٣) إحسانه وإنعامه وحسن بلائه .

ومن علامات المعرفة بالله شدّة الخوف منه والهيبة له ، قال الله تعالى :( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) (٤) وذلك لمشاهدتهم له في أسرار قلوبهم ، ومعرفتهم أنّه تعالى مشاهد لهم ، كما قال تعالى :( وهو معكم أين ما كنتم ) (٥) .

فكلّما ازدادت معرفة العبد لربّه ازدادت مخافته منه ومهابته له ، وكذلك أعرف أعوان السلطان به أهيبهم له وأخوفهم منه ، ومثال ذلك مثال رجلين دخلا

____________

(١) الشورى : ١١ .

(٢) أثبتناه من ( ب ) .

(٣) في ( ب ) : جميع .

(٤) فاطر : ٢٨ .

(٥) الحديد : ٤ .

٣٢٠