ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381
المشاهدات: 84179
تحميل: 18566


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84179 / تحميل: 18566
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :الفتوّة أربعة : التواضع مع الدولة ، والعفو مع القدرة ، والنصيحة مع العداوة ، والعطيّة بلا منّة .

وقالعليه‌السلام :أكثر ما يدخل الناس الجنّة تقوى الله وحسن الخُلُق ، وخير ما أعطى الإنسان الخُلُق الحسن ، وخير الزاد ما صحبه التقوى ، وخير القول ما صدقه الفعل .

وقالعليه‌السلام :مَن فعل خمسة أشياء فلابدّ له من خمسة ، ولابد لصاحب الخمسة من النار ، الأوّل : مَن شرب المثلث فلابدّ له من شرب الخمر ، ولابدّ لشارب الخمر من النار الثاني : مَن لبس الثياب الفاخرة فلابدّ له من الكبر ، ولابدّ لصاحب الكبر من النار . الثالث : مَن جلس على بساط السلطان فلابد أن يتكلّم بهوى السلطان ، ولابدّ لصاحب الهوى من النار الرابع : مَن جالس النساء فلابدّ له من الزنا ، ولابدّ للزاني من النار الخامس : مَن باع واشترى من غير فقه فلابدّ له من الربا ، ولابدّ لآكل الربا من النار (١) .

وقالعليه‌السلام :الحرمة (٢) من الفاسق محال ، والشفقة من العدوّ محال ، والنصيحة من الحاسد محال ، والهيبة من الفقر محال ، والوفاء من المرأة محال (٣) .

وقالعليه‌السلام :مَن مشى في طلب العلم خطوتين ، وجلس عند العالم ساعتين ، وسمع من العلم كلمتين ، أوجب الله له جنّتين (٤) ، كما قال تعالى : ( ولمَن خاف مقام ربّه جنّتان ) (٥) .

____________

(١) مجموعة ورام ١ : ١٤ .

(٢) في ( ب ) : الحرفة .

(٣) الخصال : ٢٦٩ ح٥ باب ٥ ، عنه البحار ٧٤ : ١٩٤ ح١٨ نحوه .

(٤) معالم الزلفى : ١٣ .

(٥) الرحمن : ٤٦ .

٣٦١

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :لا يكمل إيمان المؤمن حتّى يكون فيه أربع خصال : يحسن خلقه ، وتسخو (١) نفسه ، ويمسك الفضل من قوله ، ويخرج الفضل من ماله (٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال :إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل ويكره البؤس والتباؤس ، وإنّ الله عزّ وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال :ينظّف ثوبه ، ويطيّب ريحه ، ويجصّص داره ، ويكنس أفنيته ، حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ، ويزيد في الرزق (٣) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال :ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة رجل مؤمن إلاّ وله جار يؤذيه (٤) .

وقالعليه‌السلام :إنّ الرجل ليموت والداه وهو عاق لهما ، فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه من البارّين (٥) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا أيّوب ألا أدلّك على عمل يرضي الله ، قال : بلى يا رسول الله ، قال :أصلح بين الناس إذا تفاسدوا ، وأحبب بينهم إذا تباغضوا (٦) .

وقالعليه‌السلام :لأخبرنّكم على مَن تحرم النار غداً ، على كلّ هيّن ليّن قريب سهل (٧) .

وقالعليه‌السلام :خمس كلمات في التوراة ينبغي أن تكتب بماء الذهب ،

____________

(١) في ( ج ) : يصلح .

(٢) أمالي الطوسي : ١٢٥ ح٩ مجلس ٥ ، عنه البحار ٦٧ : ٢٩٧ ح٢٢ .

(٣) أمالي الطوسي : ٢٧٥ ح٦٤ مجلس ١٠ ، عنه البحار ٧٦ : ١٤١ ح٥ .

(٤) أمالي الطوسي : ٢٨٠ ح٧٧ مجلس ١٠ .

(٥) مجموعة ورام ١ : ٢٨٨ .

(٦) مجموعة ورام ١ : ٦ ، وفيه : يا أبا أيوب .

(٧) أمالي الصدوق : ٢٦٢ ح٥ مجلس ٥٢ ، عنه البحار ٧٥ : ٥١ ح٤ .

٣٦٢

أوّلها : حجر الغصب في الدار رهن على خرابها ، والغالب بالظلم هو المغلوب ، وما ظفر من ظفر الإثم به ، ومِنْ أقلّ حق الله عليك أن لا تستعين بنعمه على معاصيه ، ووجهك ماء جامد يقطر عند السؤال فانظر عند مَن تقطره .

وعن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثة تستغفر لهم السماوات والأرضون والملائكة والليل والنهار : العلماء والمتعلّمون والأسخياء وثلاثة لا ترد دعوتهم : المريض والتائب والسخي وثلاثة لا تمسّهم النار : المرأة المطيعة لزوجها ، والولد البار بوالديه ، والسخي بحسن خلقه .

وثلاثة معصومون من إبليس وجنوده : الذاكرون لله عزّ وجل ، والباكون من خشية الله تعالى ، والمستغفرين بالأسحار وثلاثة رفع الله عنهم العذاب يوم القيامة : الراضي بقضاء الله ، والناصح للمسلمين ، والدال على الخير وثلاثة على كثيب المسك الأذفر يوم القيامة لا يهولهم فزع ولا ينالهم حساب : رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله ، ورجل أمّ بقوم وهم عنه راضون ، ورجل أذّن في مسجد ابتغاء وجه الله .

وثلاثة يدخلون الجنّة بغير حساب : رجل يغسل قميصه ولم يكن له بدل ، ورجل لم يطبخ على مطبخ قدرين ، ورجل كان عنده قوت يوم فلم يهتمّ لغد وثلاثة يدخلون النار بغير حساب : شيخ(١) زان ، وعاق الوالدين ، ومدمن الخمر .

وقيل : دخل إبراهيم بن أدهم البصرة ، فاجتمع الناس إليه وقالوا : يا أبا إسحاق قال الله تعالى :( ادعوني أستجب لكم ) (٢) ونحن ندعوا له فلا يُستجاب لنا ، قال : يا أهل البصرة لأنّ قلوبكم قد صارت في عشرة ، أوّلها : عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه ، الثاني : قرأتم كتاب الله فلم تعملوا به ، الثالث : قلتم نحبّ رسول الله وتركتم سنّته .

____________

(١) في ( ب ) و ( ج ) : أشمط والشمط : بياض شعر الرأس يخالط سواده ، والرجل أشمط .

(٢) غافر : ٦٠ .

٣٦٣

الرابع : قلتم إنّ الشيطان لنا عدوّ فوافقتموه ، الخامس : قلتم نحبّ الجنّة فلم تعملوا لها السادس : قلتم إنّ الموت حقّ فلم تتهيّؤوا له ، السابع : انتبهتم من النوم فاشتغلتم باغتياب إخوانكم ، الثامن : أكلتم نعمة الله فلم تؤدّوا شكرها ، التاسع : قلتم نخاف من النار ولم ترهبوا منها ، العاشر : دفنتم موتاكم فلم تعتبروا بهم .

قيل : نادى أمير المؤمنينعليه‌السلام بأهل القبور من المؤمنين والمؤمنات فقال :السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فسمعنا صوتاً يقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين ، فقال :نخبركم بأخبارنا أم تخبرونا بأخباركم ؟ فقالوا : اخبرنا بأخباركم يا أمير المؤمنين ، فقال :أزواجكم قد تزوّجوا (١) ، وأموالكم قسّمها ورّاثكم ، وحشر في اليتامى أولادكم ، والمنازل الذي شيّدتم وبنيتم سكنها أعداؤكم ، فما أخباركم ؟ .

فأجابه مجيب : قد تمزّقت الأكفان ، وانتشرت الشعور ، وتقطّعت الجلود ، وسالت الأحداق على الخدود ، وتنازلت المناخر والأفواه بالقيح والصديد ، وما قدّمناه وجدناه ، وما أنفقناه ربحناه ، وما خلّفناه خسرناه ، ونحن مرتهنون بالأعمال ، نرجو من الله الغفران بالكرم والامتنان .

____________

(١) في ( ب ) : تزوّجت .

٣٦٤

الباب الرابع والخمسون : في العقل وأنّ به النجاة

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله تعالى خلق العقل من نور مخزون في سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبيّ مرسل ، ولا ملك مقرّب ، فجعل العلم نفسه ، والفهم روحه ، والزهد رأسه ، والحياء عينه ، والحكمة لسانه ، والرأفة همّه ، والرحمة قلبه ، ثمّ إنّه حشاه وقوّاه بعشرة أشياء : باليقين ، والإيمان ، والصدق ، والسكينة ، والوقار ، والرفق ، والتقوى ، والإخلاص ، والعطيّة ، والقنوع ، والتسليم ، والرضا ، والشكر .

ثمّ قال له : أقبل فأقبل ، ثمّ قال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : تكلّم فتكلّم ، فقال : الحمد لله الذي ليس له ضدّ ولا مثل ولا شبيه ولا كفؤ ولا عديل ، الذي كلّ شيء لعظمته خاضع ذليل ، فقال الله تعالى : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك ، ولا أطوع لي منك ، ولا أرفع ولا أشرف منك ، ولا أعزّ عليّ منك بك أُوحّد ، وبك أُعبد ، وبك أُدعى ، وبك أُرتجى ، وبك أُخاف ، وبك أُبتغى ، وبك أُحذر ، وبك الثواب ، وبك العقاب .

٣٦٥

فخرّ العقل عند ذلك ساجداً وكان في سجوده ألف عام ، فقال تعالى : ارفع رأسك واسأل تعطى واشفع تُشفّع ، فرفع العقل رأسه فقال : إلهي أسألك أن تشفعني فيمن جعلتني فيه ، فقال الله تعالى للملائكة : أُشهدكم أنّي قد شفّعته فيمن خلقته فيه (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا يكون المؤمن عاقلاً حتّى تجتمع فيه عشر خصال : الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، يستكثر قليل الخير من غيره ، ويستقلّ كثير الخير من نفسه ، لا يسأم من طلب العلم طول عمره ، ولا يتبرّم بطلب الحوائج من قبله ، الذلّ أحبّ إليه من العزّ ، والفقر أحبّ إليه من الغنى ، نصيبه من الدنيا القوت ، والعاشرة لا يرى أحداً إلاّ قال : هو خير منّي وأتقى (٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :العقل ولادة ، والعلم إفادة ، ومجالسة العلماء زيادة (٣) .

وروي أنّ جبرئيلعليه‌السلام هبط إلى آدم فقال :يا أبا البشر أُمرت أن أُخيّرك بين ثلاث ، فاختر منهنّ واحدة ودع اثنتين ، فقال له آدم : وما هم ؟ فقال : العقل والحياء والإيمان ، فقال آدم : قد اخترت العقل ، فقال جبرئيل للإيمان والحياء : ارحلا ، فقالا : أُمرنا أن لا نفارق العقل (٤) .

قال مصنّف الكتابرحمه‌الله : لكلّ أدب ينبوع ، وأمير الفضل وينبوع الأدب العقل ، جعله الله لمعرفته وللدين أصلاً ، وللملك والدنيا عماداً ، وللسلامة من المهلكات معقلاً ، فأوجب لهم التكليف بكماله ، وجعل أمر الدنيا مدبّراً به ، وألّف به بين خلقه مع اختلافهم ومتباين أغراضهم ومقاصدهم وما استودع الله تعالى

____________

(١) الخصال : ٤٢٧ ح٤ باب ١٠ ، عنه البحار ١ : ١٠٧ ح٣ ، ومستدرك الوسائل ١١ : ٢٠٣ ح١٢٧٤٥ .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ١١٢ ، الخصال : ٤٣٣ ح١٧ باب ١٠ ، عنه البحار ١ : ١٠٨ ح٤ .

(٣) كنز الكراجكي : ١٣ في العقل ، عنه البحار ١ : ١٦٠ ح٤٠ ، معالم الزلفى : ١٣ .

(٤) الكافي ١ : ١٠ ح٢ ، روضة الواعظين : ٣ في ماهية العقول وفضلها .

٣٦٦

أحداً عقلاً إلاّ استنقذه به يوماً ، والعقل أصدق مشير ، وأنصح خليل ، وخير جليس ، ونعم وزير ، وخير المواهب العقل وشرّها الجهل .

قال بعضهم :

إذا تمّ عقل امرئ تمّت أُموره

وتـمّ (١) أيـاديـه وتمّ ثـنـاؤه

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :العقل نور في القلب يفرق به بين الحقّ والباطل (٢)

وجاء في قوله تعالى :( لينذر مَن كان حيّاً ) (٣) قال : يعني مَن كان عاقلاً .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أعقل الناس أفضلهم ، ومَن لم يكن عقله أغلب خصال الخير فيه كان حمقه أغلب خصال الشرّ فيه ، وكلّ شيء إذا كثر رخص إلاّ العقل إذا كثر غلى والعقل الصحيح ما حصلت به الجنّة ، والعاقل يألف العاقل ، والجاهل يألف الجاهل .

ولقد أحسن مَن قال :

إذا لم يكن للمرء عقل يزينه

ولم يك ذا رأي سديد وذا أدب

فما هو إلاّ ذو قوائم أربع

وإن كان ذا مالٍ كثيرٍ وذا حسب

وروي أنّه إذا استرذل الله عبداً أحصر عليه العلم والأدب(٤) ، ولا يزال المرء في صحّة من عقله ودينه ما لم يشرب مسكر ، وفي صحّة من مروّته ما لم يفعل الزلاّت ، وفي فسحة من أمانته ما لم يقبل وصيّة ويستودع وديعة ، وفي فسحة من عقله(٥) ما لم يؤمّ قوماً أو يرقى منبراً ، وأشراف الناس العلماء ، وساداتهم المتّقون ، وملوكهم الزهّاد ، وسخف منطق المرء يدلّ على قلّة عقله .

____________

(١) في ( ج ) : تمّت .

(٢) عنه معالم الزلفى : ١٥ .

(٣) عنه معالم الزلفى : ١٥ .

(٤) كنز العمّال ١٠ : ١٧٨ ح٢٨٩٢٧ ، وفيه : حظر عليه العمل .

(٥) في ( ج ) : فضله .

٣٦٧

وروي أن الحسن بن عليّعليهما‌السلام قام في خطبة له فقال : اعلموا أنّ العقل حرز ، والحلم زينة ، والوفاء مروّة ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، ومجالسة أهل الزنا شين ، ومخالطة أهل الفسوق ريبة ، ومَن استخفّ بإخوانه فسدت مروّته .

وما يهلك إلاّ المرتابون ، وينجوا المهتدون الذين لم يتهموا الله في آجالهم طرفة عين ولا في أرزاقهم ، فمروّتهم كاملة وحياؤهم كامل ، يصبرون حتّى يأتي الله لهم برزق ، ولا يبيعون شيئاً من دينهم ومروّاتهم بشيء من الدنيا ، ولا يطلبون شيئاً منها بمعاصي الله .

ومن عقل المرء ومروّته أنّه يسرع إلى قضاء حوائج إخوانه وإن لم ينزلوها به ، والعقل أفضل ما وهب الله تعالى للعبد ، إذ به النجاة في الدنيا من آفاتها وسلامته في الآخرة من عذابها .

وروي أنّهم وصفوا رجلاً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن عبادته ، فقال :انظروا إلى عقله ، فإنّما يجزي الله العباد يوم القيامة على قدر عقولهم ، وحسن الأدب دليل على صحّة العقل .

٣٦٨

الباب الخامس والخمسون : فيما سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج

وهي خاتمة الكتاب

روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل ربّه سبحانه ليلة المعراج فقال : يا ربّ أيّ الأعمال أفضل ؟ فقال الله عزّ وجل : ليس شيء أفضل عندي من التوكّل عليّ ، والرضا بما قسّمت ، يا محمّد وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ ، ووجبت محبّتي للمتقاطعين(١) فيّ ، ووجبت محبّتي للمتواصلين فيّ ، ووجبت محبّتي للمتوكّلين عليّ .

وليس لمحبّتي علم ولا غاية ولا نهاية ، كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم علماً ، أُولئك الذين نظروا إلى المخلوقين بنظري إليهم ، ولم يرفعوا الحوائج إلى الخلق ، بطونهم خفيفة من أكل الحلال ، نعيمهم في الدنيا ذكري ومحبّتي ورضائي عنهم .

يا أحمد إن أحببت أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا وارغب في الآخرة ، فقال : إلهي كيف أزهد في الدنيا ؟ فقال : خذ من الدنيا خفّاً من الطعام والشراب واللباس ، ولا تدخر لغد ، ودم على ذكري ، فقال : يا ربّ وكيف أدوم على

____________

(١) في ( ب ) : للمتعاطين .

٣٦٩

ذكرك ؟ فقال : بالخلوة عن الناس ، وبغضك الحلو والحامض ، وفراغ بطنك وبيتك من الدنيا .

يا أحمد احذر أن تكون مثل الصبي إذا نظر إلى الأخضر والأصفر ، وإذا أُعطي شيئاً من الحلو والحامض اغترّ به ، فقال : يا ربّ دلّني على عمل أتقرّب به إليك ، قال : اجعل ليلك نهاراً ، واجعل نهارك ليلاً ، قال : يا ربّ كيف ذلك ؟ قال : اجعل نومك صلاة ، وطعامك الجوع .

يا أحمد وعزّتي وجلالي ما من عبد ضمن لي بأربع خصال إلاّ أدخلته الجنّة : يطوي لسانه فلا يفتحه إلاّ فيما يعنيه ، ويحفظ قلبه من الوسواس ، ويحفظ علمي ونظري إليه ، ويكون قرّة عينه الجوع .

يا أحمد لو ذقت حلاوة الجوع والصمت والخلوة وما ورثوا منها ، قال : يا ربّ ما ميراث الجوع ؟ قال : الحكمة ، وحفظ القلب ، والتقرّب إليّ ، والحزن الدائم ، وخفّة المؤنة بين الناس ، وقول الحق ، ولا يبالي عاش بيسر أم بعسر ، يا أحمد هل تدري بأيّ وقت يتقرّب العبد إليّ ؟ قال : لا يا ربّ ، قال : إذا كان جائعاً أو ساجداً .

يا أحمد عجبت من ثلاثة عبيد : عبد دخل في الصلاة وهو يعلم إلى مَن يرفع يديه وقدّام مَن هو وهو ينعس ، وعجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره وهو يهتمّ لغد ، وعجبت من عبد لا يدري أنا راضٍ عنه أم ساخط عليه وهو يضحك .

يا أحمد إنّ في الجنّة قصراً من لؤلؤة فوق لؤلؤة ، ودرّة فوق درّة ، ليس فيها فصم(١) ولا وصل ، فيها الخواص ، أنظر إليهم كلّ يوم سبعين مرّة فأُكلّمهم كلّما نظرت إليهم ، وأزيد في ملكهم سبعين ضعفاً ، وإذا تلذّذ أهل الجنّة بالطعام والشراب

____________

(١) في ( ج ) : قصم ، والقصم ـ بالقاف : هو أن ينكسر الشيء فيبين ، يقال منه : قصمت الشيء إذا كسرته حتّى يبين والفصم ـ بالفاء ـ : فهو أن ينصدع الشيء من غير أن يبين (لسان العرب) .

٣٧٠

تلذّذ أُولئك بذكري وكلامي وحديثي ، قال : يا ربّ ما علامة أُولئك ؟ قال : مسجونون قد سجنوا ألسنتهم من فضول الكلام ، وبطونهم من فضول الطعام .

يا أحمد إنّ المحبّة لله هي المحبّة للفقراء والتقرّب إليهم ، قال : ومَن الفقراء ؟ قال : الذين رضوا بالقليل ، وصبروا على الجوع ، وشكروا الله تعالى على الرخاء ، ولم يشكوا جوعهم ولا ظمأهم ، ولم يكذبوا بألسنتهم ، ولم يغضبوا على ربّهم ، ولم يغتمّوا على ما فاتهم ، ولم يفرحوا بما أتاهم .

يا أحمد محبّتي محبّة الفقراء ، فادن الفقراء وقرّب مجلسهم منك أُدنك ، وأبعد الأغنياء وأبعد مجلسهم عنك فإنّ الفقراء أحبّائي .

يا أحمد لا تتزيّن بلبس اللباس ، وطيب الطعام ، وطيب(١) الوطا ، فإنّ النفس مأوى كلّ شر ، وهي رفيق كلّ سوء تجرّها إلى طاعة الله وتجرّك إلى معصيته ، وتخالفك في طاعته وتطيعك فيما يكره ، وتطغى إذا شبعت ، وتشكو إذا جاعت ، وتغضب إذا افتقرت ، وتتكبّر إذا استغنت ، وتنسى إذا كبرت ، وتغفل إذا أمنت ، وهي قرينة الشيطان ، ومثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير وإذا حمل عليها لا تطير ، ومثل الدّفلي(٢) لونه حسن وطعمه مرّ .

يا أحمد ابغض الدنيا وأهلها ، وأحبّ الآخرة وأهلها ، قال : يا ربّ ومَن أهل الدنيا ومَن أهل الآخرة ؟ قال : أهل الدنيا مَن كثر أكله وضحكه ونومه وغضبه ، قليل الرضا ، لا يعتذر إلى مَن أساء إليه ، ولا يقبل عذر مَن اعتذر إليه ، كسلان عند الطاعة ، شجاع عند المعصية ، أمله بعيد وأجله قريب ، لا يحاسب نفسه ، قليل الفقه(٣) ، كثير الكلام ، قليل الخوف ، كثير الفرح عند الطعام ، وإنّ أهل الدنيا لا يشكرون عند الرخاء ، ولا يصبرون عند البلاء ، كثير الناس عندهم قليل ،

____________

(١) في ( ب ) و ( ج ) : لين .

(٢) الدِّفلي : شجر مرّ أخضر حسن المنظر ، يكون في الأودية ، وفي الصحاح : نبت مرّ (لسان العرب) .

(٣) في ( ب ) : النفقة ، وفي ( ج ) : المنفعة .

٣٧١

يحمدون أنفسهم بما لا يفعلون ، ويدّعون بما ليس لهم [ويتكلّمون بما يتمنّون](١) ، ويذكرون مساوئ الناس .

يا أحمد إنّ عيب أهل الدنيا كثير ، فيهم الجهل والحمق ، لا يتواضعون لمَن يتعلّمون منه ، وهم عند أنفسهم عقلاء ، وعند العارفين حُمقاء .

يا أحمد إنّ أهل الخير [وأهل الآخرة](٢) رقيقة وجوههم ، كثير حياؤهم [قليل حمقهم](٣) ، كثير نفعهم قليل مكرهم ، الناس منهم في راحة وأنفسهم منهم في تعب ، كلامهم موزون ، محاسبين لأنفسهم متعبين(٤) لها ، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، أعينهم باكية وقلوبهم ذاكرة ، إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين .

في أوّل النعمة يحمدون وفي آخرها يشكرون ، دعاؤهم عند الله مرفوع ، وكلامهم مسموع ، تفرح بهم الملائكة ، ويدور دعاؤهم تحت الحجب ، يحبّ الربّ أن يسمع كلامهم [كما تحبّ الوالدة الولد](٥) ، ولا يشغلهم عنه طرفة عين ، ولا يريدون كثرة الطعام ، ولا كثرة الكلام ، ولا كثرة اللباس ، الناس عندهم موتى والله عندهم حيّ كريم ، يدع المدبرين كرماً ، ويزيد المقبلين تلطّفاً ، قد صارت الدنيا والآخرة عندهم واحدة .

يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي ؟ قال : لا يا رب ، قال : يبعث الخلق ويناقشون الحساب وهم من ذلك آمنون ، إنّ أدنى ما أُعطي الزاهدين في الآخرة أن أعطيهم مفاتيح الجنان كلّها حتّى يفتحون أيّ باب شاؤوا ، ولا أحجب عنهم

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

(٤) في ( ج ) : متعيّبين .

(٥) أثبتناه من ( ج ) .

٣٧٢

وجهي ، ولأنعمهم بألوان التلذّذ من كلامي ، ولأجلسنّهم في مقعد صدق ، وأُذكّرهم ما صنعوا وتعبوا في دار الدنيا وأفتح لهم أربعة أبواب : باب تدخل عليهم الهدايا منه بكرة وعشيّاً ، وباب ينظرون منه إليّ كيف شاؤوا بلا صعوبة ، وباب يطّلعون منه إلى النار فينظرون إلى الظالمين كيف يعذّبون ، وباب يدخل عليهم منه الوصائف والحور العين .

قال : يا ربّ مَن هؤلاء الزاهدون الذين وصفتهم ؟ قال : الزاهد هو الذي ليس له بيت يخرب فيغم لخرابه ، ولا له ولد يموت فيحزن لموته ، ولا له شيء يذهب فيحزن لذهابه ، ولا يعرفه إنسان يشغله عن الله طرفة عين ، ولا له فضل طعام يُسأل عنه ، ولا له ثوب ليّن .

يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرّة من تعب الليل وصوم النهار ، ألسنتهم كلال من ذكر الله تعالى ، قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة صمتهم ، قد أعطوا المجهود من أنفسهم لا من خوف نار ولا من شوق جنّة ، ولكن ينظرون في ملكوت السماوات والأرض فيعلمون أنّ الله سبحانه أهلٌ للعبادة .

يا أحمد هذه درجة الأنبياء والصدّيقين من أُمّتك وأُمّة غيرك ، وأقوام من الشهداء ، قال : يا ربّ أيّ الزهّاد أكثر ، زهّاد أُمّتي أم زهّاد بني إسرائيل ؟! قال : إنّ زهّاد بني إسرائيل في زهّاد أُمّتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء ، فقال : يا ربّ وكيف ذلك وعدد بني إسرائيل أكثر ؟ قال : لأنّهم شكّوا بعد اليقين ، وجحدوا بعد الإقرار ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فحمدت الله وشكرته ودعوت لهم بالحفظ والرحمة وسائر الخيرات .

يا أحمد عليك بالورع فإنّ الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين ، إنّ الورع يقرّب إلى الله تعالى .

يا أحمد إنّ الورع زين المؤمن ، وعماد الدين ، إنّ الورع مثله مثل السفينة ، كما

٣٧٣

أنّ في البحر لا ينجو إلاّ مَن كان فيها كذلك لا ينجو الزاهدون إلاّ بالورع .

يا أحمد ما عرفني عبد فخشع لي إلاّ خشع له [كلّ شيء](١) .

يا أحمد الورع يفتح على العبد أنواع العبادة ، فيكرم به العبد عند الخلق ، ويصل به إلى الله عزّ وجل .

يا أحمد عليك بالصمت فإنّ أعمر مجلس قلوب الصالحين والصامتين ، وإنّ أخرب مجلس قلوب المتكلّمين بما لا يعنيهم .

يا أحمد إنّ العبادة عشرة أجزاء سبعة(٢) منها طلب حلال ، فإذا طيّبت مطعمك ومشربك فأنت في حفظي وكنفي ، قال : يا ربّ ما أوّل العبادة ؟ قال : أوّل العبادة الصمت والصوم ، قال : يا ربّ وما ميراث الصوم ؟ قال : يورث الحكمة ، والحكمة تورث المعرفة ، والمعرفة تورث اليقين ، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر .

وإذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة بيد كلّ ملك كأس من ماء الكوثر وكأس من الخمر ، يسقون روحه حتّى تذهب سكرته ومرارته ، ويبشّرونه بالبشارة العظمى ، ويقولون له : طبت وطاب مثواك ، إنّك تقدم على العزيز الكريم الحبيب القريب .

فتطير الروح في أيدي الملائكة فتصعد إلى الله تعالى في أسرع من طرفة عين ، ولا يبقى حجاب ولا ستر بينها وبين الله تعالى ، والله تعالى إليها مشتاق ، وتجلس على عين عند العرش ، ثمّ يقال لها : كيف تركت الدنيا ؟ فتقول : إلهي وعزّتك وجلالك لا علم لي بالدنيا ، أنا منذ خلقتني خائف منك .

فيقول الله تعالى : صدقت عبدي كنت بجسدك في الدنيا وروحك معي ، فأنت

____________

(١) أثبتناه من ( ج ) .

(٢) في ( ج ) : تسعة .

٣٧٤

بعيني سرّك وعلانيتك ، سل أُعطك ، وتمنّ عليّ فأكرمك ، هذه جنّتي فتبحبح(١) فيها ، وهذا جواري فاسكنه ، فتقول الروح : إلهي عرّفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك ، وعزّتك وجلالك لو كان رضاك في أن أُقطّع إرباً إرباً وأُقتل سبعين قتلة بأشدّ ما يُقتل بها الناس ، لكان رضاك أحبّ إليّ .

إلهي كيف أعجب بنفسي وأنا ذليل إن لم تكرمني ، وأنا مغلوب إن لم تنصرني ، وأنا ضعيف إن لم تقوّني ، وأنا ميت إن لم تحيني بذكرك ، ولولا سترك لافتضحت أوّل مرّة عصيتك ، إلهي كيف لا أطلب رضاك وقد أكملت عقلي حتّى عرفتك ، وعرفت الحق من الباطل ، والأمر من النهي ، والعلم من الجهل ، والنور من الظلمة ؟! فقال الله عزّ وجل : وعزّتي وجلالي لا حجبت بيني وبينك في وقت من الأوقات ، كذلك أفعل بأحبّائي .

يا أحمد هل تدري أيّ عيش أهنى ، وأيّ حياة أبقى ؟ قال : اللّهمّ لا ، قال : أمّا العيش الهنيّ فهو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري ، ولا ينسى نعمتي ، ولا يجهل حقّي ، يطلب رضاي ليله ونهاره وأمّا الحياة الباقية فهي التي يعمل لنفسه حتّى تهون عليه الدنيا ، وتصغر في عينه ، وتعظم الآخرة عنده ، ويؤثر هواي على هواه ، ويبغي مرضاتي ، ويعظّمني حقّ عظمتي ، ويذكر عملي به ، ويراقبني بالليل والنهار عند كلّ سيّئة ومعصية .

وينقّي قلبه عن كلّ ما أكره ، ويبغض الشيطان ووساوسه ، ولا يجعل لإبليس على قلبه سلطاناً وسبيلاً ، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبّاً حتّى أجعل قلبه لي ، وفراغه واشتغاله وهمّه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبّتي من خلقي ، وأفتح عين قلبه وسمعه حتّى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي .

وأُضيّق عليه الدنيا ، وأُبغّض إليه ما فيها من اللذات ، وأُحذّره الدنيا وما فيها

____________

(١) التبحبح : التمكّن في الحلول والمقام ، وقد بَحْبَحَ وتَبَحْبَحَ إذا تمكّن وتوسّط المنزل والمقام (لسان العرب) .

٣٧٥

كما يحذّر الراعي غنمه من مراتع الهلكة ، وإذا كان هكذا يفرّ من الناس فراراً ، وينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء ، ومن دار الشيطان إلى دار الرحمن .

يا أحمد ولأُزيّننّه بالهيبة والعظمة ، فهذا هو العيش الهنيّ ، والحياة الباقية ، وهذا مقام الراضين ، فمَن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال : أعرّفه شكراً لا يخالطه الجهل ، وذكراً لا يخالطه النسيان ، ومحبّة لا يؤثر على محبّتي محبّة المخلوقين ، فإذا أحبّني أحببته وحبّبته .

وأفتح عين قلبه إلى جلالي ، فلا أُخفي عليه خاصة خلقي ، فأناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتّى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم ، وأُسمعه كلامي وكلام ملائكتي ، وأُعرّفه السرّ الذي سترته عن خلقي ، وأُلبسه الحياء حتّى يستحي منه الخلق كلّهم ، ويمشي على الأرض مغفوراً له .

وأجعل قلبه واعياً وبصيراً ، ولا أُخفي عليه شيئاً من جنّة ولا نار ، وأُعرّفه ما يمرّ على الناس يوم القيامة من الهول والشدّة ، وما أُحاسب به الأغنياء والفقراء والجهّال والعلماء ، وأُنوّر له في قبره ، وأنزل عليه منكراً ونكيراً حين(١) لا يسألاه ، ولا يرى غمّ الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع ، ثمّ أنصب إليه ميزانه ، وأنشر له ديوانه ، ثمّ أضع كتابه في يمينه فيقرأه منشوراً ، ثمّ لا أجعل بيني وبينه ترجماناً ، فهذه صفات المحبّين .

يا أحمد اجعل همّك همّاً واحداً ، واجعل لسانك لساناً واحداً ، واجعل بدنك حيّاً لا يغفل أبداً ، مَن غفل عنّي لا أُبالي بأيّ وادٍ هلك .

يا أحمد استعمل عقلك قبل أن يذهب ، فمَن استعمل عقله لا يخطئ ولا يطغى .

[ يا أحمد أنت لا تغفل أبداً ، مَن غفل عنّي لا أُبالي بأيّ وادٍ هلك ](٢) .

____________

(١) في ( ب ) : حتّى .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

٣٧٦

يا أحمد ألم تدر لأيّ شيء فضّلتك على سائر الأنبياء ؟ قال : اللّهمّ لا ، قال : باليقين ، وحسن الخُلُق ، وسخاوة النفس ، ورحمة الخَلْق ، وكذلك أوتاد الأرض لم يكونوا أوتاداً إلاّ بهذا .

يا أحمد إنّ العبد إذا جاع بطنه وحفظ لسانه ، علّمته الحكمة وإن كان كافراً ، يكون حكمته حجّة عليه ووبالاً ، وإن كان مؤمناً تكون حكمته له نوراً وبرهاناً وشفاءً ورحمةً ، فيعلم ما لم يكن يعلم ويبصر ما لم يكن يبصر ، فأوّل ما أُبصره عيوب نفسه حتّى يشتغل بها عن عيوب غيره ، وأُبصره دقائق العلم حتّى لا يدخل عليه الشيطان .

يا أحمد ليس شيء من العبادة أحبّ إليّ من الصمت والصوم ، فمَن صام ولم يحفظ لسانه كان كمَن قام ولم يقرأ في صلاته ، فأعطيه أجر القيام ولم أعطه أجر العابدين .

يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابداً ؟ قال : لا يا رب ، قال : إذا اجتمع فيه سبع خصال : ورع يحجزه عن المحارم ، وصمت يكفّه عمّا لا يعنيه ، وخوف يزداد كلّ يوم من بكائه ، وحياء يستحي منه في الحلال(١) ، ويأكل ما لابدّ منه ، ويبغض الدنيا لبغضي لها ، ويحبّ الأخيار لحبّي إيّاهم .

يا أحمد ليس كلّ مَن قال أُحبّ الله يحبّني حتّى يأخذ قوتاً ، ويلبس دوناً ، وينام سجوداً ، ويطيل قياماً ، ويلزم صمتاً ، ويتوكّل عليّ ، ويبكي كثيراً ، ويقلّ ضحكاً ، ويخالف هواه ، ويتّخذ المسجد بيتاً ، والعلم صاحباً ، والزهد جليساً ، والعلماء أحبّاء ، والفقراء رفقاء .

ويطلب رضاي ، ويفرّ من العاصين فراراً ، ويشتغل بذكري اشتغالاً ، فيكثر التسبيح دائماً ، ويكون بالوعد صادقاً ، وبالعهد وافياً ، ويكون قلبه طاهراً ، وفي

____________

(١) في ( ب ) و ( ج ) : الخلاء .

٣٧٧

الصلاة زاكياً ، وفي الفرائض مجتهداً ، وفيما عندي من الثواب راغباً ، ومن عذابي راهباً ، ولأحبّائي قريباً وجليساً .

يا أحمد لو صلّى العبد صلاة أهل السماء والأرض ، ويصوم صيام أهل السماء والأرض ، وطوى من الطعام مثل الملائكة ، ولَبَسَ لبس العاري ، ثمّ أرى في قلبه من حبّ الدنيا ذرّة ، أو سُمعتها أو رياستها أو حُليّها وزينتها لا يجاورني في داري ، ولأنزعنّ من قلبه محبّتي ، وعليك سلامي ورحمتي(١) .

____________

(١) عنه البحار ٧٧ : ٢١ ح٦ باب ٢ ، ومعالم الزلفى : ٧٥ .

٣٧٨

الفهرست

لمحة من حياة المؤلِّف(١) ٢

اسمه واسم أبيه : ٢

القول في طبقته وعصره : ٤

أقوال العلماء فيه : ٥

بعض سلوكه وأحواله : ٦

مؤلّفاته : ٩

منهج التحقيق. ١٥

[ مقدّمة المؤلّف ]. ٢٤

الباب الثاني : في الزهد في الدنيا وذكر الآيات المنزلة فيه ٤٨

الباب الثالث : في ذمّ الدنيا ، منثوراً ومنظوماً ٥٨

الباب الرابع [ في ترك الدنيا ](١) ٦٢

الباب الخامس : في التخويف والترهيب من كتاب الله جلّ جلاله ٧٣

الباب الثامن : في قصر الأمل. ٨٩

الباب العاشر : في المرض ومصلحته ٩٦

الباب الحادي عشر: في ثواب عيادة المريض.. ٩٨

الباب الثاني عشر: في التوبة وشروطها ١٠١

الباب الثالث عشر : في ذكر الموت ومواعظه ١٠٧

الباب الرابع عشر : في المبادرة بالعمل. ١٠٩

الباب الخامس عشر : في حال المؤمن عند موته ١٢٩

الباب السادس عشر : من كلام المصنّف في الموعظة ١٣٥

الباب السابع عشر : في أشراط الساعة وأهوالها ١٣٧

الباب الثامن عشر : في عقاب الزّنا والربا ١٤٥

الباب التاسع عشر : [ وصايا وحكم بليغة ]. ١٤٧

الباب العشرون : في قراءة القرآن المجيد. ١٥٦

الباب الثاني والعشرون : في الذكر والمحافظة عليه ١٦٣

٣٧٩

الباب الثالث والعشرون : في فضل صلاة الليل  ١٦٨

الباب الرابع والعشرون : في البكاء من خشية الله  ١٨٤

الباب الخامس والعشرون : في الجهاد في سبيل الله  ١٨٩

الباب السادس والعشرون : في مدح الخمول والاعتزال  ١٩٢

الباب السابع والعشرون : في الورع والترغيب فيه ١٩٦

الباب الثامن والعشرون : في الصمت.. ١٩٩

الباب التاسع والعشرون : في الخوف من الله تعالى  ٢٠٣

الباب الثلاثون : في الرجاء لله تعالى. ٢٠٨

الباب الحادي والثلاثون : في الحياء من الله تعالى  ٢١٥

الباب الثاني والثلاثون : في الحزن وفضله ٢١٧

الباب الثالث والثلاثون : في الخشوع لله سبحانه والتذلّل له ٢٢١

الباب الرابع والثلاثون : في ذمّ الغيبة والنميمة وعقابها وحسن كظم الغيظ(١) ٢٢٤

الباب الخامس والثلاثون : في القناعة ومصالحها(١) ٢٢٩

الباب السادس والثلاثون : في التوكّل على الله تعالى  ٢٣٣

الباب السابع والثلاثون : في الشكر وفضل الشاكرين  ٢٣٨

الباب الثامن والثلاثون : في مدح الموقنين. ٢٤٢

الباب التاسع والثلاثون : في الصبر وفضله ٢٤٥

الباب الأربعون : في المراقبة ٢٤٩

الباب الحادي والأربعون : في ذم الحسد. ٢٥١

الباب الثاني والأربعون : في فراسة المؤمن. ٢٥٤

الباب الثالث والأربعون : في حسن الخُلُق وثوابه ٢٥٨

الباب الرابع والأربعون : في السخاء والجود في الله تعالى  ٢٦٤

الباب الخامس والأربعون : في سؤال أبي ذرّ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم        ٢٧٠

الباب السادس والأربعون : في الولاية لله تعالى  ٢٧٤

الباب السابع والأربعون : فيه من كلام أمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام      ٢٧٩

٣٨٠