ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381
المشاهدات: 84172
تحميل: 18566


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84172 / تحميل: 18566
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الباب الأوّل : في ثواب الموعظة والمصلحة(١) بها

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما أهدى المسلم لأخيه هديّة أفضل من كلمة حكمة ، تزيده هدى أوترّده عن ردى (٢) .

وقال :نعم العطية ، ونعم الهديّة الموعظة

وأوحى الله تعالى إلى موسىعليه‌السلام :تعلّم الخير وعلّمه مَن لا يعلمه ، فانّي منوّر لمعلّمي الخير ومتعلّميه قبورهم حتّى لا يستوحشوا بمكانهم (٣) .

وروي أنّه ذكر عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلان ، أحدهما يصلّي المكتوبة ويجلس ويعلّم الناس الخير ، وكان الآخر يصوم النهار ويقوم الليل ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :فضل الأوّل على الثاني كفضلي على أدناكم (٤) وقد أثنى الله تعالى على إسماعيل بقوله :( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً

____________

(١) في ( ج ) : النصيحة بها .

(٢) البحار ٢ :٢٥ ح ٨٨ ، معالم الزلفى : ١٣ .

(٣) مجموعة ورام ٢ : ٢١٢ ، معالم الزلفى : ١٣ .

(٤) مجموعة ورام ٢ : ٢١٢ .

٤١

نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (١) .

وقالعليه‌السلام :ما تصدّق مؤمن بصدقة أحبّ إلى الله من موعظة يعظ بها قوماً متفرّقين ، وقد نفعهم الله بها ، وهي أفضل من عبادة سنه (٢)

فاستمع أيّها الغافل(٣) إلى الموعظة ، ولا تضرب عن الذكر صفحاً ، وغالب هواك ، وجاهد نفسك ، وفرّغ قلبك ، فإنّما جعل لك السمع لتعي به الحكمة ، والبصر لتعتبر ما ترى من خلق السماوات والأرض وما بينهما من الخلق ، واللسان لتشكر به نعم الله ، وتديم ذكره به وحمده وتلاوة كتابه ، والقلب لتتفكّر به .

فاجعل شغلك في آخرتك وما تصير إليه ، واصرف إليه همّتك ، فإنّ نصيبك من الدنيا يأتي من غير فكر ولا حركة ، فقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :قد سبق إلى جنان (٤) عدن أقوام كانوا أكثر الناس عملاً (٥) ، فإذا وصلوا إلى الباب ردوهم عن الدخول ، فقيل : بماذا ردّوا ؟ ألم يكونوا في دار الدنيا صلّوا وصاموا وحجّوا ؟! فإذا النداء من قِبَل الملك الأعلى جلّ وعلا : بلى قد كانوا ، ليس أحد أكثر منهم صياماً ولا صلاةً ولا حجّاً ولا اعتماراً ، ولكنّهم غفلوا عن الله ومواعظه (٦) .

وعن سالم ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أحبّ المؤمنين إلى الله من نصب نفسه في طاعة الله تعالى ، ونصح لأُمّة نبيّه ، وتفكّر في عيوبه فأصلحها ، وعلم فعمل (٧) .

وعن أنس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ألا أُخبركم بأجود

____________

(١) مريم : ٥٤ ـ ٥٥ .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢١٢ .

(٣) في ( ج ) : العاقل .

(٤) في( ب ) و( ج ) : جنّات .

(٥) في ( ج ) : صلاة وصياما .

(٦) مجموعة ورام ٢ :٢١٣ .

(٧) الفردوس ١ : ٣٦٦ ح ١٤٧٦ .

٤٢

الأجواد ؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلّى الله عليك وآلك ، فقال :أجود الأجواد الله ، وأنا أجود بني آدم ، وأجودهم بعدي رجل علم بعدي علماً فنشره ، ويبعث يوم القيامة أُمّة واحدة (١) ، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتّى قُتل (٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :مَن علّم علماً فله أجر مَن عمل به إلى يوم القيامة (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا مات الرجل انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح [ يدعو له ] (٤) (٥) .

وقال عيسىعليه‌السلام :مَن علم وعمل عُدّ في الملكوت عظيما ً(٦) .

وروي أنّه يؤتى بالرجل فيوضع عمله في الميزان ، ثم يؤتى بشيء مثل الغمام فيوضع فيه ، ثم يقال : أتدري ما هذا ؟ فيقول : لا ، فيقال له : هذا العلم الذي علّمته الناس فعملوا به بعدك(٧) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الدنيا ملعونة وملعون مَن فيها ، إلاّ عالماً أو متعلّماً أو ذاكراً لله تعالى فيها (٨) .

وروي في قوله :( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لله حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٩) ، إنّه كان يعلّم الخير .

وقيل : الموعظة حرز من الخطأ ، وأمان من الأذى ، وجلاء القلوب من الصدآء .

____________

(١) في ( ب ) : وحده .

(٢) الترغيب و الترهيب ١ : ١١٩ ح ٥ ، كنز العمّال ١٠ : ١٥١ ح ٢٨٧٧١ ، ومعالم الزلفى : ١٣ .

(٣) الجامع الصغير ٢ : ٦٢٤ ح ٨٨٦٣ نحوه .

(٤) أثبتناه من ( ج ) .

(٥) الترغيب والترهيب ١ : ٩٩ ح ٢٥ ، روضة الواعظين ١ : ١١ .

(٦) مجموعة ورام ١ : ٨٢ ، معالم الزلفى : ١٣ .

(٧) عنه معالم الزلفى : ١٣ .

(٨) كنز العمّال ٣ : ١٨٦ ح ٦٠٨٤ ، معالم الزلفى : ١٣ .

(٩) النحل : ١٢٠ .

٤٣

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :الزاهدون في الدنيا قوم وعظوا فاتعظوا ، وخوّفوا فحذروا ، وعلموا فعملوا ، إن أصابهم يسر شكروا ، وإن أصابهم عسر صبروا (١) .

قالوا :(٢) يا رسول الله لا نأمر بالمعروف حتّى نعمل به كلّه ، ولا ننهى عن المنكر حتّى ننتهي عنه كلّه ، فقال :لا بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كلّه ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كلّه (٣) .

وقالعليه‌السلام :أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة مَن علم علماً فلم ينتفع به (٤) .

وقالعليه‌السلام :تعلّموا ما شئتم أن تعملوا ، فإنّكم لن تنتفعوا به حتّى تعملوا به ، وإنّ العلماء همّتهم الوعاية (٥) ، وإنّ السفهاء همّتهم الرواية (٦) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله أوحى إلى بعض أنبيائه في بعض كتبه قال : قل للذين يتفقّهون لغير الدين ، ويتعلّمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون للناس مفتول الضأن ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، وألسنتهم أحلى من العسل ، وأعمالهم أمرّ من الصبر ، إيّاي يخادعون ؟ وبي يغترون ؟ وبديني يستهزؤون ؟ لأُبيحنّ لهم فتنة تدع الحكيم منكم حيرانا ً(٧) .

و قالعليه‌السلام :مثل مَن يعلم ويعلّم ولا يعمل كمثل السراج يضيء لغيره ويحرق نفسه (٨) .

____________

(١) مجموعة ورام ٢ : ٢١٣ ، مستدرك الوسائل ١٢ :٤٤ ح ١٣٤٧٤ .

(٢) في ( ج ) : قالوا : يا وصيّ رسول الله .

(٣) مجموعة ورام ٢ : ٢١٣ .

(٤) الترغيب والترهيب ١ : ١٢٧ ح ١٥ ، مجموعة ورام ٢ : ٢١٣ ، مكارم الأخلاق : ٤٦٠ ، روضة الواعظين : ١٠ .

(٥) في ( ب ) و( ج ) : الرعاية .

(٦) مجموعة ورام ٢ : ٢١٣ ، عدّة الداعي : ٧٦ .

(٧) مجموعة ورام ٢ :٢١٣; عدّة الداعي : ٧٩ ، كنز العمّال ١٠ :٢٠٠ ح ٢٩٠٥٤ .

(٨) مجموعة ورام ٢ : ٢١٤ ، عدّة الداعي : ٨٠ .

٤٤

والعالم هو الهارب من الدنيا لا الراغب فيها ؛ لأنّ علمه دلّ على أنّه سمٌّ قاتل فحمله على الهرب من الهلكة ، فإذا التقم السمّ عرف الناس أنّه كاذب فيما يقوله .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ لله تعالى خواصاً من خلقه يسكنهم الرفيق الأعلى من جنانه ؛ لأنّهم كانوا أعقل أهل الدنيا ، قيل : يا رسول الله كيف كانوا أعقل أهل الدنيا ؟ قال :كانت همّتهم المسارعة إلى ربّهم فيما يرضيه فهانت الدنيا عليهم ، ولم يرغبوا في فضولها ، صبروا قليلاً فاستراحوا طويلاً (١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لكلّ شيء معدن ، ومعدن التقوى قلوب العارفين (٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا تزلّ قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن خمس خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيما علم (٣) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :إنّما زهد الناس في طلب العلم لما يرون من قلّة انتفاع مَن علم بلا عمل (٤) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :علم لا ينتفع به ككنز لا ينفق منه (٥) .

وقالعليه‌السلام :العلم علمان ، علم باللسان وهو الحجّة على صاحبه ، وعلم بالقلب وهو النافع لمَن عمل به ، وليس الإيمان بالتمنّي ، ولكنّه ما ثبت في القلوب وعملت به الجوارح (٦) .

وكان نقش خاتم الحسين بن عليّعليهما‌السلام :علمت فاعمل وقال

____________

(١) مجموعة ورام ٢ : ٢١٤ .

(٢) روضه الواعظين : ٤ ، في ماهيّة العقول وفضلها .

(٣) الترغيب والترهيب ١ : ١٢٥ ح ٦ .

(٤) مجموعة ورام ٢ : ٢١٥ .

(٥) كنز العمّال ١٠ :١٩٠ ح ٢٨٩٩٤ .

(٦) مجموعة ورام ٢ : ٢١٤ .

٤٥

بعضهم : أوّل العلم الإنصات ، ثم الاستماع ، ثم الحفظ ، ثم العمل ، ثم نشره .

وقيل في قوله تعالى :( فنبذوه ورآء ظهورهم ) (١) قال : تركوا العمل به والنشر له(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مثل ما بعثت به من الهدى والرحمة ، كمثل غيث أصاب الأرض منها ، فمنها ما أنبت العشب والكلأ (٣) ، وكانت منها أخاديد (٤) حقنت الماء ، فانتفع به الناس فشربوا وسقوا زروعهم ، وأرض سبخة (٥) لم تمسك الماء ولم تنبت الزرع ، كذلك قلوب العالمين العاملين ، وقلوب العالمين التاركين (٦) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا يكون الرجل مسلماً حتّى يسلم الناس من يده ولسانه ، ولا يكون مؤمناً حتّى يأمن أخوه بوائقه ، وجاره بوادره (٧) ، ولا يكون عالماً حتّى يكون عاملاً بما علم ، ولا يكون عابداً حتّى يكون ورعاً ، ولا يكون ورعاً حتّى يكون زاهداً فيما في أيدي الناس ، يا أخي أطل الصمت ، وأكثر الفكر ، واعمل بالموعظة ، وأقلّ الضحك ، واندم على خطيئتك ، تكن عند الله وجيهاً مقبولاً (٨) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :رأيت ليلة أُسري بي إلى السماء قوماً تُقرض شفاهم بمقاريض من نار ثم ترمى ، فقلت : يا جبرئيل من هؤلاء ؟ فقال : خطباء

____________

(١) آل عمران : ١٨٧ .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢١٤ .

(٣) العشب : الكلأ الرطب ، والكلأ عند العرب يقع على العشب وغيره ، والعشب : الرطب من البقول البريّة ، ينبت في الربيع ( لسان العرب ) .

(٤) الخد : الحفرة .

(٥) السبخة : أرض ذات ملح ونزّ ، وجمعها سباخ ( لسان العرب ) .

(٦) مجموعة ورام ٢ : ٢١٤ .

(٧) البادرة : الحدّة والغضب والخطأ .

(٨) مجموعة ورام ٢ :٢١٤ نحوه .

٤٦

أُمّتك ، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ، أفلا يعقلون (١) .

وقال بعضهم : العالم طبيب الأُمّة ، والدنيا الداء ، فإذا رأيت الطبيب يجرّ الداء إلى نفسه فاتهمه في علمه ، واعلم أنّه الذي لا يوثق به فيما يقول .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا تطلبوا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ، ولا لتراؤوا به في المجالس ، ولا لتصرفوا به وجوه الناس إليكم للتراؤس ، فمَن فعل ذلك كان في النار ، وكان علمه حجّة عليه يوم القيامة ، لكن تعلّموه واعملوا به (٢) .

____________

(١) مجموعة ورام ٢ : ٢١٥ ، ومثله كنز العمّال ١٠ :٢٠٩ ح ٢٩١٠٦ .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢١٥ ، معاني الأخبار : ١٨٠ ، المواعظ : ٢٦ نحوه .

٤٧

الباب الثاني : في الزهد في الدنيا وذكر الآيات المنزلة فيه

قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) (١) .

وقال سبحانه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٢) .

وقال تعالى :( وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاّ مَتَاعٌ ) (٣) يعني جيفة .

وقال :( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٤) .

____________

(١) لقمان : ٣٣ .

(٢) الحشر : ١٨ .

(٣) الرعد : ٢٦ .

(٤) يونس : ٨ .

٤٨

وقال :( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) .

وقال سبحانه :( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ) (٢) .

وقال تعالى :( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) .

وقال سبحانه :( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) (٤) .

وقال سبحانه ذامّاً لقوم :( كلاّ بل تحبّون العاجلة * وتذرون الآخرة ) (٥) .

وقال سبحانه :( إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ) (٦) .

وقال :( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (٧) .

وقال :( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ

____________

(١) يونس : ٢٤ .

(٢) الإسراء : ١٩ .

(٣) هود : ١٥ ـ ١٦ .

(٤) الشورى : ٢٠ .

(٥) القيامة : ٢٠ و٢١ .

(٦) الدهر : ٢٧ .

(٧) القصص : ٦٠ .

٤٩

كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (١) .

وقال :( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) (٢) .

وقال سبحانه :( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ ) (٣) .

وقال سبحانه :( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (٤) .

وقال تعالى :( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (٥) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذررضي‌الله‌عنه :كن في الدنيا كأنّك غريب ، واعدد نفسك من الموتى ، فإذا أصبحت لا تحدّث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت لا تحدّث نفسك بالصباح ، وخذ من صحّتك لسقمك ، ومن شبابك لهرمك ، و من حياتك لوفاتك ، فإنّك لا تدري ما اسمك غداً (٦) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أكثروا من ذكر هادم اللذّات ، فإنّكم إن كنتم في

____________

(١) العنكبوت : ٦٤ .

(٢) الحديد : ٢٠ .

(٣) آل عمران : ١٩٦ ـ ١٩٨ .

(٤) طه : ١٣١ .

(٥) النساء : ٧٧ .

(٦) مكارم الأخلاق : ٤٥٨; روضة الواعظين : ٤٤٨ ، مشكاة الأنوار : ٣٠٤ .

٥٠

ضيق وسّعه عليكم فرضيتم به وأُثبتم (١) ، وإن كنتم في غنى نغّصه (٢) إليكم فجدتم به فأجرتم ، فإنّ أحدكم إذا مات فقد قامت قيامته ، يرى ما له من خير أو شرّ .

إنّ الليالي قاطعات الآمال ، والأيّام مدنيات الآجال ، وإنّ المرء عند خروج نفسه [ وحلول رمسه ](٣) يرى جزاء ما أسلف ، وقلّة غنى ما خلّف ، ولعلّه من باطل جمعه ، أو من حق منعه(٤) .

وقال سعد لسلمان في مرضه : كيف تجد نفسك ؟ فبكى ، فقال : ما يبكيك ؟ فقال : والله ما أبكي حزناً على الدنيا ، ولكن بكائي لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، فأخاف أن أكون قد تجاوزت ذلك ، وليس حوله في بيته غير مطهرة وإجّانة(٥) وقصعة(٦) .

وقال ثوبان : يا رسول الله ما يكفيني من الدنيا ؟ فقال :ما سدّ جوعتك ، ووارى عورتك ، وإن كان لك بيت يظلّك فبخ بخ ، وأنت مسؤول عمّا بعد ذلك (٧) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :تفرّغوا من هموم الدنيا [ ما استطعتم ] (٨) ، فإنّه مَن كانت الدنيا همّته قسى قلبه ، وكان فقره بين عينيه ، ولم يعط من الدنيا غير نصيبه المكتوب له ، ومَن كانت الآخرة همّته جمع الله له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا راغمة (٩) .

وقال موسى بن جعفرعليهما‌السلام :أهينوا الدنيا ، فإنّ أهنى ما يكون لكم

____________

(١) في ( ب ) : فأنستم .

(٢) في ( ب ) : بغّضه .

(٣) أثبتناه من ( ج ) .

(٤) أورده المصنف (ره) في أعلام الدين : ٣٣٥ ، وانظر أيضاً معالم الزلفى : ٦٩ .

(٥) الإجّانة ـ بالكسر والتشديد : واحدة الأجاجين ، وهي المركن والذي يغسل فيه الثياب مجمع البحرين .

(٦) مجموعة ورام ٢ : ٢١٥ ، البحار ٢٢ : ٣٨١ ح ١٤ .

(٧) مجموعة ورام ٢ : ٢١٥ .

(٨) أثبتناه من ( ج ) .

(٩) الجامع الصغير ١ : ٥١٤ ح ٣٣٤٣ ، الفردوس ٢ : ٥٣ ح ٢٣٠٠ .

٥١

أهون ما يكون عليكم ، فانّه ما أهان قوم الدنيا إلاّ هنّأهم الله العيش ، وما أعزّها قوم إلاّ ذلّوا وتعبوا وكانت عاقبتهم الندامة (١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر :يا أبا ذر إنّ الدنيا سجن المؤمن والقبر أمنه والجنّة مأواه ، وإنّ الدنيا جنّة الكافر والقبر عذابه والنار مثواه (٢) .

وقال :الزاهد في الدنيا يريح قلبه وبدنه ، والراغب فيها يُتعب قلبه وبدنه (٣) .

وقال : المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتّع ، يا ابن آدم عفّ عن محارم الله تكن عابداً ، وارض بما قسم الله لك تكن غنيّاً ، وأحسن جوار مَن جاورك تكن مسلماً ، وصاحب الناس بما تحب أن يصحبوك تكن منصفاً ، إنّه قد كان قبلكم قوم جمعوا كثيراً ، وبنوا مشيداً ، وأملوا بعيداً ، فأصبح جمعهم بوراً ، ومساكنهم قبوراً .

يا ابن آدم إنّك مرتهن بعملك ، متعرّض على ربّك ، فجد بما في يديك لما بين يديك ، وطأ الأرض بقدمك ، فإنّها عن قليل مسكنك ، لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت على الأرض من بطن أُمّك(٤) .

وقال :مَن استغنى بالله أحوج الله الناس إليه (٥) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :الدنيا منتهى بصر الأعمى ، لا يبصر ممّا وراءها شيئاً ، والبصير ينفذها بصره ، ويعلم أنّ الدار (٦) وراءها ، فالبصير منها شاخص ، والأعمى إليها شاخص ، والبصير منها يتزوّد ، والأعمى إليها يتزوّد (٧) .

وقال :الزهد قصر الأمل ، والشكر على النعم ، والورع عن المحارم ، فإن عزب

____________

(١) أورد نحوه في أعلام الدين : ٢٨٠ .

(٢) راجع البحار ٦ : ١٦٩ ح ٤١ .

(٣) روضة الواعظين : ٤٤١ نحوه .

(٤) مجموعة ورام ٢ : ٢١٦ .

(٥) البحار ٧٨ : ٧٩ ح ٦٢ نحوه .

(٦) في ( ب ) : النار ، وفي ( ج ) : البوار .

(٧) نهج البلاغة : الخطبة ١٣٣ .

٥٢

ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم ، ولا تنسوا عند النعم شكركم ، فإنّ الله تعالى قد أعذر إليكم بحجج ظاهرة مستقرّة ، وكتب بارزة (١) ظاهرة (٢) .

وقالعليه‌السلام :أيّها الناس إنّ الدنيا دار ممرّ والآخرة دار مستقرّ ، فخذوا من ممرّكم لمستقرّكم ، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ، فللآخرة خلقتم وفي الدنيا حبستم .

وإنّ المرء إذا مات قالت الملائكة : ما قدّم ، وقال الناس : ما خلّف ، فللّه إياكم ، قدّموا كلّما (٣) يكون لكم ، ولا تخافوا (٤) كلّما يكون عليكم ، فإنّما مثل الدنيا مثل السمّ يأكله مَن لا يعرفه (٥) .

وقالعليه‌السلام :إنّ السعداء بالدنيا الهاربون منها اليوم (٦) .

وقال :ما يصنع بالمال والولد مَن يخرج منها ويحاسب عليها ، عراة دخلتم الدنيا وعراة تخرجون منها ، وإنّما هي قنطرة فاعبروا عليها وانتظروها .

وقال في دعائه :( اللّهمّ توفّني فقيراً ، ولا توفّني غنيّاً ، واحشرني في زمرة المساكين ) ، وقال :أشقى الأشقياء مَن اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة (٧) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :الرغبة فيما عند الله تورث الروح والراحة ، والرغبة في الدنيا تورث الهمّ والحزن (٨) .

وقال :إنّ من صفات أولياء الله : الثقة به في كل شيء ، والغنى به عن كل شيء ،

____________

(١) في ( ألف ) : مستقرّة .

(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٨١ في الزهد .

(٣) في( ج ) : كيلا .

(٤) في ( ب ) و( ج ) : ولا تقدموا .

(٥) روضة الواعظين : ٤٤٢ في ذكر الدنيا ، ومشكاة الأنوار : ٢٦٩ .

(٦) نهج البلاغة : الخطبة ٢٢٣ ، عنه البحار ٧١ : ١٩٣ ح ٥٩ .

(٧) كنز الفوائد : ٢٨٩ ، عنه البحار ١٠٣ :٢٠ ح ٣ نحوه .

(٨) مشكاة الأنوار : ٢٦٩ .

٥٣

والافتقار إليه في كل شيء (١) .

وقال :ادفع الدنيا بما يحضرك من الزاد وتبلغ به .

وكانعليه‌السلام ينشد ويقول :

ادفع الدنيا بما اندفعت

واقطع الدنيا بما انقطعت

يطلب المرء الغنى عبثاً

والغنى في النفس لو قنعت(٢)

وقالعليه‌السلام :والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها ، وقال لي قائل : ألا تنبذها ؟ فقلت : أعزب (٣) عنّي فعند الصباح يحمد القوم السُّرى (٤) .

وقال :الزاهدون في الدنيا ملوك الدنيا والآخرة ، والراغبون فيها فقراء الدنيا والآخرة ، ومَن زهد في الدنيا ملكها ، ومَن رغب فيها ملكته .

وقال نوف البكالي : كنت عند أمير المؤمنينعليه‌السلام ذات ليلة ، فقام من فراشه ونظر في النجوم ، ثمّ قرأ آيات آل عمران :( إنّ في خلق السموات والأرض . . ) (٥) .

ثم قال :يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ فقلت : بل رامق يا أمير المؤمنين ، فقال :يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة ، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً ، وترابها فراشاً ، وماءها طيباً ، والقرآن شعاراً ، والدعاء دثاراً (٦) ، ثم قرضوا الدنيا قرضاً (٧) على منهاج المسيح .

____________

(١) كنز الفوائد : ٢٨٨ ، عنه البحار ١٠٣ : ٢٠ح٢

(٢) كنز الفوائد : ٢٨٩; عنه البحار١٠٣ : ٢١ح١٣ .

(٣) أعزب : بَعُد وأَبعَد ( القاموس ) .

(٤) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٠ ، عنه البحار٤١ : ١٦٠ح٥٦ .

(٥) آل عمران : ١٨٨ .

(٦) الشعار : ما ولي شعر جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب ، والدثار : الثوب الذي فوق الشعار ( لسان العرب ) .

(٧) في ( ج ) : رفضوا الدنيا رفضاً .

٥٤

يا نوف إنّ الله تعالى أوحى إلى المسيح أن : قل لبني إسرائيل لا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلاّ بقلوب طاهرة ، ونيّات (١) نقيّة ، وألسن ناطقة صادقة ، وأعلمهم أنّي لا أستجيب لأحد منهم دعاءً ولأحد من خلقي قبله تبعة ( يعني مظلمة ) .

يا نوف إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام في مثل هذه الساعة فقال : إنّ هذه ساعة لا تردّ لأحد فيها دعوة إلاّ أن يكون عريفاً ، أو عشّاراً ، أو شرطيّاً ، أو شاعراً ، أو صاحب عرطبة (٢) والعرطبة الطبل الكبير والكبر(٣) الصغير ، وروي بالعكس .

وقال :ما عاقبت أحداً عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، وضع أمر أخيك على أحسنه ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت منه شرّاً وأنت تجد لها في الخير محملاً ، ومَن كتم سرّه ملك أمره وكانت الخيرة بيده ، ومَن عرض نفسه للتهمة فلا يلومنّ مَن أساء به الظن (٤) .

وعليكم بإخوان الصدق تعيشوا في أكنافهم ، ولا تهاونوا بالحلف (٥) فيهينكم الله ، ولا تتعرّضوا لما لا يعنيكم ، وعليكم بالصدق فهو النجاة والمنجاة ، واحذروا من عدوّكم من الجن والإنس ، ولا تصحبوا الفجّار ، واستشيروا ذوي الدين والنصيحة ترشدوا ، وواخوا الإخوان بالله ، ولا تعيبون شيئاً تأتون بمثله .

وقال سويد بن غفلة : دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام في داره ، فلم أر

____________

(١) في ( ج ) : ثياب .

(٢) الخصال : ٣٣٧ح٤٠ باب ٦ ، عنه البحار٧٧ :٤٠١ح٢٢ .

(٣) كذا في الأصل .

(٤) في( ج ) : فلا يلومنّ إلاّ نفسه .

(٥) في( ب ) : في الخلق .

٥٥

في البيت شيئاً فقلت : فأين الأثاث يا أمير المؤمنين ؟ فقال :يا ابن غفلة نحن أهل بيت لا نتأثّث في الدنيا نقلنا جلّ متاعنا إلى الآخرة ، إنّما مثلنا في الدنيا كراكب ظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ أشد ما أتخوّف عليكم منه اتباع الهوى وطول الأمل ، فإنّ اتباع الهوى يصدّ عن الحق ، وطول الأمل ينسي الآخرة ، وإنّ الله تعالى يعطي الدنيا لمَن يحب ويبغض ، ولا يعطي الآخرة إلاّ لمَن يحب وإنّ للدنيا أبناءً وللآخرة أبناء ، فكونوا من أبناء الآخرة [ ولا تكونوا من أبناء الدنيا ] (٢) فإنّ كلّ ولد يتبع بأُمّه ، ألا وإنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة ، والآخرة قد تجمّلت مقبلة ، وإنّكم في يوم عمل ليس فيه حساب ، ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا أيّها الناس ، لا تغترّوا فإنّ الله تعالى لو أهمل شيئاً لأهمل الذرّة والخردلة والبعوضة (٤) .

وقال ابن مسعود : إنّما أنتم في الدنيا مع آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، فمَن يزرع خيراً يحصد زرعه رغبة ، ومَن يزرع شرّاً يحصد زرعه رهبة ، ومَن أُعطي خيراً فالله أعطاه ، ومَن وقي شرّاً فالله وقاه ، المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة ، ولو لم يكن فينا إلاّ حبّاً لمَن أبغض الله ـ وهي الدنيا ـ لكفى به ذنبا .

وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، ومفتاح كلّ سيّئة ، وسبب إحباط كلّ حسنة (٥) . والعجب أنّ الله يقول :( إنّما أموالكم وأولادكم فتنة ) (٦) والناس يجمعونها ويحبّونها مع علمهم أنّهم مفارقوها ومحاسبون عليها .

____________

(١) مجموعة ورام : ٢ : ٢٢ نحوه .

(٢) أثبتناه من ( ب ) و( ج ) .

(٣) مجموعة ورام : ١ :٢٧١ نحوه .

(٤) مجموعة ورام : ٢ : ٢١٨ .

(٥) البحار ٧٧ : ١٨٢ ، مستدرك الوسائل ١٢ :٧٠ح١٣٥٣٨ .

(٦) الأنفال : ٢٨ .

٥٦

ولقد أحسن مَن قال فيها :

هي الدنيا تقول لمَن عليها

حذارِ حذارِ من بطشي وفتكي

فلا يغرركم حسن ابتسامي

فقولي مضحكٌ والفعل مبكي (١)

____________

(١) مجموعة ورام ١ : ١ .

٥٧

الباب الثالث : في ذمّ الدنيا ، منثوراً ومنظوماً

عجباً عجباً لغفلة الإنسان

قطع الحياة بذلّة وهوانِ

فكّرت في الدنيا فكانت منزلاً

عندي كبعض منازل الركبانِ

مجرى جميع الخلق فيها واحدٌ

فكثيرها وقليلها سيّانِ

أبغي الكثير إلى الكثير مضاعفاً

ولو اقتصرت على القليل كفاني

لله درّ الوارثين كأنّني

بأخصّهم متبرّم بمكاني

قلقاً يجهّزني إلى دار البلا

متحرّياً (١) لكرامتي بهواني

متبرّياً حتّى إذا نشر الثرى

فوقي طوى كشحاً على هجراني

وقال :

نل ما بداك أن تنال

فانّما تعطى وتسلب

واعلم بأنّك غافل

في العالمين (٢) وأنت تطلب

____________

(١) في ( ج ) : متحفّزاً .

(٢) في ( ج ) : في الغافلين .

٥٨

والمشكلات كثيرة

والوقف عند الشكّ أصوب

يبغي المهذّب في الأمور

جميعها ومن المهذّب

وروي أنّه وجد على باب مدينة : يا ابن آدم غافص(١) الفرصة عند إمكانها ، ووكّل الأمور إلى مدبّرها ، ولا تحمل على نفسك همّ يوم لم يأتك ، فإنّه إن لم يكن من أجلك يأتي الله فيه برزقك ، ولا تكن عبرة للناظرين ، وأسوة بالمغرورين في جمع المال على المال ، فكم من جامع لبعل حليلته ، وتقتير المرء على نفسه توفير لخزانة غيره .

وقال الخليل : إنّما يجمع المرء المال لأحد ثلاثة كلّهم أعداؤه : إمّا زوج امرأته ، أو زوج ابنه ، أو زوج بنته ، فمال المرء لهؤلاء إن تركه ، فالعاقل الناصح لنفسه الذي يأخذ معه زاداً لآخرته ، ولا يؤثر هؤلاء على نفسه .

لبعضهم(٢) :

يا جامعاً لاهياً والدهر (٣) يرمقه

مفكّراً أيّ باب عنه يغلقه

جمعت مالاً فقل لي هل جمعت له

يا غافل القلب أيّاماً تفرّقه

ولأبي العتاهية :

أصبحت والله في مضيق

هل من دليل إلى الطريق

أُفٍّ لدنيا تلاعبت بي

تلاعب الموج بالغريق

قال أيضاً :

نظرت إلى الدنيا بعين مريضة

وفكرة مغرور وتدبير جاهلِ

فقلت هي الدنيا التي ليس غيرها (٤)

ونافست فيها في غرور وباطلِ

____________

(١) غافصه : فاجأه ، وأخذه على غرّة ( القاموس ) .

(٢) في ( ب ) : وقال بعضهم في ذلك .

(٣) في ( ب ) : والموت .

(٤) في ( ب ) و( ج ) : مثلها .

٥٩

وضيّعت أحقاباً أمامي طويلة

بلذّة أيّامٍ قصارٍ قلائلِ

 [ وقال أيضاً ](١) :

وإنّ امرءً دنياه أكبر همّه

لمستمسك منها بحبل غرورِ

[ وقال آخر ](٢) :

طلبتك يا دنيا فأعذرت في الطلب

وما نلت الاّ الهمّ والغمّ والنصب

وأسرفت (٣) في ذنبي ولم أقض حسرتي

هربت بديني (٤) منك إن نفع الهرب

ولم أر حظّاً كالقنوع لأهله

وأن يحمل الإنسان ما عاش في الطلب

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا تخالفوا على الله في أمره ، فقالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال :تسعون في عمران دار قضى الله بخرابها .

وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يتمثّل [ ويقول : ](٥)

ومَن يصحب الدنيا يكن مثل قابضٍ

على الماء خانته فروجُ الأصابعِ

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله تعالى جعل الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً ، وثواب الدنيا من بلوى الآخرة عوضاً(٦) ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي .

وإنّها سريعة الزوال ، وشيكة الانتقال ، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها ، واهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها ، ولا تواصلوها وقد قضى الله اجتنابها ، ولا تسعوا في عمرانها وقد قضى الله خرابها ، فتكونوا لسخطه متعرّضين

____________

(١) أثبتناه من ( ب ) .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) في ( ج ) : وأسرعت .

(٤) في ( ب ) و( ج ) : بذنبي .

(٥) أثبتناه من ( ب ) و( ج ) .

(٦) في ( ج ) : وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً .

٦٠