ارشاد القلوب الجزء ١

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
الصفحات: 381
المشاهدات: 84170
تحميل: 18566


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84170 / تحميل: 18566
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دوره ) ٢ ـ ٤٢ ـ ٨٠٧٣ ـ ٩٦٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يا أيّها الناس إنّه سيأتي عليكم زمان يُكفأ فيه الإسلام كما يُكفأ الإناء بما فيه ، أيّها الناس إنّ الله تعالى قد أعاذكم من أن يجور عليكم ، ولم يعذكم من أن يبتليكم ، فقال تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ) (١) (٢) .

قولهعليه‌السلام :( كلّ مؤمن نؤمة ) يريد الخامل الذكر ، القليل الشر(٣) ، و( المساييح ) جمع مسياح ، وهو الذي يسيح بالفساد والنمائم ، و( المذاييع ) جمع مذياع ، وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها وأعلن بها ، و( البذر ) وهو كثير السفه واللغو بالهذيان .

وقالعليه‌السلام في خطبة أُخرى تجري هذا المجرى :ألا وإنّ الدنيا قد تصرّمت ، [ وأذنت بزوال ] (٤) وأذنت بانقضاء ، وتنكّر معروفها ، وأدبرت حذّاء (٥) ، فهي تخوّف بالفناء سكّانها ، وتحذّر بالموت جيرانها ، وقد أمرّ منها ما كان حلواً ، وكدر منها ما كان صفواً ، فلم يبق منها إلاّ سملة (٦) كسملة الأداوة (٧) ، أو جرعة كجرعة المقلة لو تمزّزه (٨) الصدآن لم ينفع (٩) .

فأزمعوا عباد الله الرحيل عن هذه الدار ، المقدور على أهلها الزوال ، ولا يغرّنّكم فيها الأمل ، ولا يطولنّ عليكم الأمد ، فو الله لو حننتم حنين الواله العجلان ، ودعوتم بهديل (١٠) الحمام ، وجأرتم جؤار متبتّلي الرهبان ، وخرجتم إلى الله من

____________

(١) المؤمنون : ٣٠ .

(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٠٣ .

(٣) زاد في ( ج ) : والمصابيح جمع مصباح .

(٤) أثبتناه من ( ب ) .

(٥) أي ماضية سريعة .

(٦) السملة ـ محرّكة ـ : الماء القليل ( القاموس )

(٧) الأداوة : المطهرة .

(٨) تمزّز : تمصّص الماء .

(٩) في ( ب ) : لو مرّ بها الصدآن لم ينتفع .

(١٠) الهديل : صوت الحمام ، أو خاص بوحشيها ( القاموس ) .

٨١

الأموال والأولاد ابتغاء القربة إليه في رفع درجة عنده ، وغفران سيّئة أحصاها كتبته وحفظتها رسله ، لكان قليلاً فيما أخشى عليكم من عقابه ، وأرجوا لكم من ثوابه .

وتالله لو انماثت قلوبكم انمياثاً ، وسالت عيونكم من رغبة إليه(١) ورهبة دماً ، ثم عمّرتم في الدنيا ما كانت الدنيا قائمة ما جزت أعمالكم ولو لم تبقوا شيئاً من جهدكم ، لأنعمه عليكم العظام وهداه إيّاكم للإيمان(٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه :ليظهر النفاق ، وترفع الأمانة ، وتغيض الرحمة ، ويتّهم الأمين ، ويؤتمن الخائن ، أتتكم الفتن كأمثال الليل المظلم .

وجاء في قوله تعالى :( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) (٣) قال :ينادون أربعين عاماً فلا يجيبهم ، ثم يقول : ( إنّكم ماكثون ) فيقولون :( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) فيدعون أربعين عاماً ، فيقال لهم : ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) (٤) فييأس القوم بعدها ، فلم يبق إلاّ الزفير والشهيق (٥) كما تتناهق الحمير (٦) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يشتد على أهل النار الجوع على ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصّة وعذاب أليم وشراب حميم فيقطّع أمعاءهم ، فيقولون لخزنة جهنّم : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ) ، فيقال لهم : ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) ؟ ( قالوا بلى ) ، ( قالوا فادعوا وما دعاء

____________

(١) في ( ب ) و ( ج ) : من رغبة الله .

(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٥٢ .

(٣) الزخرف : ٧٧ .

(٤) المؤمنون : ١٠٦ ـ ١٠٨ .

(٥) في ( ب ) : النهيق .

(٦) عنه معالم الزلفى : ٣٥٨ .

٨٢

الكافرين إلاّ في ضلال ) (١) .

وقال الحسنعليه‌السلام :إنّ الله تعالى لم يجعل الأغلال في أعناق أهل النار لأنّهم أعجزوه ، ولكن إذا طفا بهم اللهب أرسبهم في قعرها ثمّ غشي عليه ، فلمّا أفاق من غشوته قال :يا ابن آدم ، نفسك نفسك ، فإنّما هي نفس واحدة ، إن نجت نجوت وإن هلكت لم ينفعك نجاة مَن نجا (٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ويلٌ للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون : ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت عليهم في أموالهم (٣) .

وقالعليه‌السلام :بئس العبد عبد سهى ولهى وغفل ونسى القبر والبلى ، وبئس العبد عبد طغى وبغى ونسى المبتدأ والمنتهى ، وبئس العبد عبد يقوده الطمع ، ويطغيه الغنى ، ويرديه الهوى .

الحديث رواه الخليفة بن الحصين ، قال : قال قيس بن عاصم : وفدت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جماعة من بني تميم ، فقال لي :اغتسل بماء وسدر ، فاغتسلت ثم رجعت إليه فقلت : يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها .

فقال :يا قيس إنّ مع العزّ ذلاً ، وإنّ مع الحياة موتاً ، وإنّ مع الدنيا آخرة ، وإنّ لكلّ شيء حسيباً ، وعلى كلّ شيء رقيباً ، وإنّ لكلّ حسنة ثواباً ، ولكلّ سيّئة عقاباً ، وإنّه لابد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حيّ ، وتدفن معه وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أساءك (٤) ، ثم لا تُدفن إلاّ معه ولا يُدفن إلاّ معك ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ؛ لأنّه إذا كان صالحاً لا يؤنسك إلاّ هو ، وإن كان فاحشاً لا يوحشك إلاّ هو .

____________

(١) عنه معالم الزلفى : ٣٥٨ .

(٢) مجموعة ورام ١ : ٣٠١ ، معالم الزلفى : ٣٥٨ .

(٣) عنه معالم الزلفى : ٣٥٨ .

(٤) في ( ب ) و ( ج ) : أسلمك .

٨٣

فقال : يا رسول الله لو نظم شعراً افتخرنا به على من يلينا من العرب ، فأراد(١) أن يدعو حسّاناً لينشد فيه فقال رجل يقال له الصلصال :

تخيّر خليطاً من فعالك إنّما

قرين الفتى في القبر ما كان يفعلُ

فلابد بعد الموت من أن تعدّه

ليومٍ ينادي المرء فيه فيقبلُ

فإن كنت مشغولاً بشيءٍ فلا تكن

بغير الذي يرضى به الله تشغلُ

فلن يصحب الإنسان من بعد موته

ومن قبله إلاّ الذي كان يعملُ

ألا إنّما الإنسان ضيف لأهله

يقيم قليلاً بينهم ثمّ يرحلُ (٢)

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكلّ إنسان ثلاثة أخلاّء ، أمّا أحدهم فيقول : إن قدّمتني كنت لك ، وأمّا الآخر فيقول : أنا معك إلى باب الملك ثم أُودّعك وأمضي عنك ، وأمّا الثالث فيقول : أنا معك لا أُفارقك .

فأمّا الأوّل فماله ، وأمّا الثاني فأهله وولده ، وأمّا الثالث فعمله ، فيقول : والله لقد كنت عندي أهون الثلاثة ، فليتني لم أشغل إلاّ بك .

وقال العِرباض بن سارية : وعظنا رسول الله موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقلنا : يا رسول الله إنّ هذه لموعظة مودّع ، فما تعهد إلينا ؟ فقال :تركتكم على المحجّة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ (٣) بعدها إلاّ هالك ومَن يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من أهل بيتي ، فعظّوا عليهم بالنواجذ ، وأطيعوا الحق ولو كان صاحبه عبداً حبشيّاً ، فإنّ المؤمن كالجمل الأنوف (٤) حيث ما قيد استقاد (٥) .

____________

(١) في ( ب ) : فأرادوا .

(٢) معاني الأخبار : ٢٣٢ ، الخصال : ١١٤ ح ٩٣ باب الثلاثة ، أمالي الصدوق : ١٢ح ٤ مجلس ١ ، عنهم البحار ٧٧ : ١١٠ ح١ ، ومعالم الزلفى : ١٢١ .

(٣) في ( ألف ) : لا يرتفع .

(٤) في ( ج ) : الألوف .

(٥) الترغيب والترهيب ١ : ٧٧ ح١ .

٨٤

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله تعالى :( ثم لتسألنّ يومئذٍ عن النعيم ) (١) قال :الصحّة والأمن والقوّة والعافية وقيل : الماء البارد في أيّام الحر ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا شرب الماء قال :الحمد لله الذي لم يجعله أُجاجاً بذنوبنا وجعله عذباً فراتاً بنعمته .

وقال سفيان بن عيينة : ليس(٢) أحد من عباد الله إلاّ ولله الحجّة عليه ، إمّا مهمل لطاعة ، أو مرتكب لمعصية ، أو مقصّر في شكر(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله تعالى :( يا ابن آدم ما تنصفني ، أتحبّب إليك بالنعم وتتبغّض إليّ بالمعاصي ، خيري إليك نازل وشرّك إليّ صاعد ، ولم يزل ولا يزال في كلّ يوم ملك كريم يأتيني عنك بعمل قبيح ، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري مَن الموصوف لسارعت إلى مقته ) (٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا يغرّنّكم من ربّكم طول النسية ، وتمادي الإمهال ، وحسن التقاضي فإنّ أخذه أليم ، وعذابه شديد ، إنّ لله تعالى في كلّ نعمة حقّاً وهو شكره ، ومَن أدّاه زاده ، ومَن قصر فيه سلبه منه ، فليراكم الله من النقمة وجلين كما رآكم بالنعمة فرحين (٥) .

وقال ابن عباس : آخر آية نزلت :( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٦) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّي لأعرف آية في كتاب الله لو أخذ بها

____________

(١) التكاثر : ٨ .

(٢) في ( ج ) : ما من أحد .

(٣) مجموعة ورام ٢ : ٢٢١ .

(٤) أمالي الطوسي : ١٢٥ ح١٠ مجلس ٥ ، البحار ٧٣ : ٣٥٢ ح٥٠ .

(٥) مجموعة ورام ٢ : ٢٢١ .

(٦) البقرة : ٢٨١ .

٨٥

جميع الناس كفتهم . قالوا : وما هي ؟ فقال :( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (١) (٢) .

____________

(١) الطلاق : ٢ ـ ٣ .

(٢) مستدرك الوسائل ١١ : ٢٦٧ ح١٢٩٦٣ .

٨٦

الباب السابع : في التحذير بالعقوبة في الدنيا

قال الله تعالى :( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يظهر في أُمّتي الخسف والقذف (٢) ، قالوا : متى يكون ذلك يا رسول الله صلى الله عليك وآلك ؟ قال :إذا ظهرت المعازف والقينات وشرب الخمور ، والله ليبيت (٣) أُناس من أُمّتي على شرّ وبطر ولعب ، ويصبحون قردة وخنازير لاستحلالهم الحرام ، واتخاذهم القينات ، وشرب الخمور ، وأكلهم الربا ، ولبسهم الحرير(٤) .

وقالعليه‌السلام :إذا جار الحاكم قلّ المطر ، وإذا غدر بأهل الذمّة ظهر

____________

(١) العنكبوت : ٤٠ .

(٢) في ( ب ) : الترف .

(٣) في ( ب ) و ( ج ) : ليبيتنّ .

(٤) عنه الوسائل ١٢ : ٢٣١ ح٣٠ .

٨٧

عليهم عدوّهم ، وإذا ظهرت الفواحش كانت الرجفة ، وإذا قلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استبيح الحريم ، وإنّما هو التبديل [ ثم التدبير ] (١) ثم التدمير .

____________

(١) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

٨٨

الباب الثامن : في قصر الأمل

قال الله تعالى :( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :حان (٢) الأجل دون رجاء الأمل .

وقال بعضهم :لو رأيت الأجل ومسيره لبغضت (٣) الأمل وغروره .

وقال أنس : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضع ثوبه تحت رأسه ونام ، فهبّت ريح عاصفة فقام فزعاً وترك رداءه ، فقلنا : يا رسول الله مالك ؟ قال :قد ظننت أنّ الساعة قد قامت .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان : الحرص وطول الأمل (٤) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة :اتقوا الله فكم من مؤمّلٍ ما

____________

(١) الحجر : ٣ .

(٢) في ( ب ) و ( ج ) : جاء .

(٣) في ( ج ) : لأبغضت .

(٤) الخصال : ٧٣ ح١١٣ باب ٢ ، عنه البحار ٧٣ : ١٦١ ح ٨ .

٨٩

لا يبلغه ، وجامع ما لا يأكله ، ولعلّه من باطل جمعه ومن حق منعه ، أصابه حراماً وورثه عدواً ، فاحتمل إصره ، وبآء بوزره ، وردّ على ربّه خاسراً آسفاً لاهفاً ، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (١) .

وقال الأصمعي : سمعت أعرابيّاً يقول : إنّ الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب ، أخلف مَن رجاه ، وغرّ مَن رآه ، ومَن كان الليل والنهار مطيّتاه أسرعا به السير ، وبلغاه المحل .

وأنشد بعضهم :

ويمسي المرء ذا أجلٍ قريبٍ

وفي الدنيا له أمل طويلُ

ويعجل للرحيل وليس يدري

إلى ماذا يقرّبه الرحيلُ

وقال آخر :

يا أيّها المطلق آماله

من دون آمالك آجال

كم أبلت الدنيا وكم جدّدت

فينا وكم تبلي وتغتال

وقال الحسينعليه‌السلام :يا ابن آدم إنّما أنت أيّام ، كلّما مضى يوم ذهب بعضك .

وقال بعضهم لرجل : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت والله في غفلة عن الموت ، مع ذنوب قد أحاطت بي وأجل مسرع ، أقدم على هول لا أدري على ما أقتحم ، فمَن أسوء حالاً منّي وأعظم خطراً ، ثم بكى(٢) .

ودخل أبو العتاهيّة على أبي نواس في مرضه الذي مات فيه ، فقال : كيف تجد نفسك ؟ فقال أبو نواس :

دبّ فيّ الفنى سفلاً وعلواً

وأراني الموت عضواً فعضوا

____________

(١) نهج البلاغة : قصار الحكم ٣٤٤ ، عنه البحار ٧٨ : ٨٣ ح ٨٨ .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢٢١ .

٩٠

ذهبت جدّتي لطاعة نفسي

فتذكّرت طاعة الله نضوا

ليس من ساعة مضت بي إلاّ

نقصتني بمرّها لي جزوا

قد أساءت كلّ الإساءة اللّهمّ

صفحاً عنّا وعفواً وعفوا

وقال آخر :

يمد المنى للمرء آمال نفسه

وسهم الردى من لحظ عينيه قد نزع

لمَن يجمع المال البخيل وقد رأى

مصارع مَن قد كان بالأمس قد جمع

٩١

الباب التاسع: في قصر الأعمار وسرعة انقضائها وترك الاغترار بها

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أعمار أُمّتي ما بين الستّين إلى السبعين ، وقلّ ما يتجاوزه (١) .

وجاء في قوله تعالى :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) (٢) إنّه معاتبة لابن الأربعين ، وقيل لابن ثمانية عشر سنة ،( وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ) (٣) الشيب .

وفي قوله :( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً ) (٤) جاوزت الستين وروي أنّ لله ملكاً ينادي أبناء الستّين :عدّوا أنفسكم في الموتى (٥) وقال بعضهم : يوشك أنّ مَن سار إلى منهل ستين سنة أن يرده(٦) .

وأنشد بعضهم :

____________

(١) عنه معالم الزلفى : ٥٩ .

(٢) فاطر : ٣٧ .

(٣) فاطر : ٣٧ .

(٤) مريم : ٩ .

(٥) عنه مستدرك الوسائل ١٢ : ١٥٦ ح ١٣٧٦٦ .

(٦) مجموعة ورام ٢ : ٢٢٢ نحوه .

٩٢

تزوّد من الدنيا فإنّك لا تبقى

وخذ صفوها لمّا صفت ودع الزلقا

ولا تأمننّ الدهر إنّي أمنته

فلم يبق لي خلاًّ ولم يبق لي حقّا (١)

وقال آخر :

تزوّد من الدنيا فانّك راحل

وبادر فإنّ الموت لا شكّ نازلُ

وإنّ امرءً عاش ستّين حجّة

ولم يتزوّد للمعاد فجاهلُ (٢)

وقال آخر :

إذا كانت الستّون عمرك لم يكن

لدائك إلاّ أن تموت طبيبُ

وإنّ امرءً عاش ستّين حجّة

إلى منهلٍ من ورده لقريبُ

إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم

وخُلّفت في قرنٍ فأنت غريبُ

وجاء في قوله تعالى :( إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً ) (٣) قال : الأنفاس ، يخسرها مَن أنفقها في غير طاعة الله(٤) .

وقال بعضهم : العمر قصير ، والسفر بعيد ، فاشتغل(٥) بصلاح أيّامك(٦) ، وتزوّد(٧) لطول سفرك(٨) ، وانتفع بما جمعت فقدّمه من ممرّك إلى مقرّك قبل أن تنزعج(٩) عنه فتحاسب به ويحظى به غيرك ، فما أقلّ مكثك في دار الفناء ، وأعظم مقامك في دار البقاء .

____________

(١) في ( ج ) : خلفاً .

(٢) في ( ج ) : فهو جاهل .

(٣) مريم : ٨٤ .

(٤) مجموعة ورام ٢ : ٢٢٢ .

(٥) في ( ب ) : فاشتغلوا .

(٦) في ( ب ) : أيّامكم .

(٧) في ( ب ) : تزوّدوا .

(٨) في ( ب ) : سفركم .

(٩) في ( ألف ) : تزعج .

٩٣

وقال بعضهم :

لهفي على عمر ضيّعت أوّله

وغال (١) آخره الأسقام والهرم

كم أقرع السن عند الموت من ندمٍ

وأين يبلغ قرع السن والندم

هلاّ انتبهت (٢) ووجه العمر مقتبل

والنفس في جدّة والعزم مخترم

وجاء في قوله تعالى :( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قال : الشباب ،( ثمّ رددناه أسفل سافلين ) (٣) قال : الهرم .

وقال بعضهم : الشيب رائد الموت ، ونذير الفناء ، ورسول المنيّة ، وقاطع الأُمنية ، وأوّل مراحل الآخرة ، ومقدّمة الهرم ، [ ورائد الانتقال ، ونذير الآخرة ](٤) ، وواعظ فصيح ، وهو للجاهل نذير ، وللعاقل بشير ، وهو سمت الوقار ، وشعار الأخيار ، ومركب الحمام ، والشباب حلم المنام .

وقيل لشيخ من العبّاد : ما بقي منك ممّا تحب له الحياة ؟ فقال : البكاء على الذنوب(٥) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :خير شبابكم مَن تزيّا بزيّ شيّابكم ، وشرّ شيّابكم مَن تزيّا بزيّ شبابكم .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله تعالى :( وعزّتي وجلالي إنّي لأستحي من عبدي وأَمَتي يشيبان في الإسلام أن أُعذبهما ، ثم بكىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيل : ممّ تبكي يا رسول الله ؟ فقال :أبكي ممّن استحى الله من عذابهم ولا يستحون من عصيانهم (٦) .

____________

(١) غاله الشيء غولا واغتاله : أهلكه وأخذه من حيث لم يدر ( لسان العرب )

(٢) في ( ج ) : انتهيت .

(٣) التين : ٤ ـ ٥ .

(٤) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .٥ ـ مجموعة ورام ٢ : ٢٢٢ .

(٦) في ( ب ) : عصيانه .

٩٤

وقال بعضهم : مَن أخطأته سهام المنيّة قيّده عقال الهرم .

وقال بعضهم :

إنّي أرى رقم البلاء

في فود (١) رأسك قد نزل

وأراك تعثر دائماً

في كلّ يوم بالعلل

والشيب والعلل الكثيرة

من علامات الأجل

فاعمل لنفسك أيّها المغـ

ـرور في وقت العمل

وقال آخر :

ولقد رأيت صغيرة

فسترت شيبي بالخمار

قالت : غبار قد علاك ؟

فقلت : ذا غير الغبار

هذا الذي نقل الملو

ك إلى القبور من الديار

____________

(١) في ( ج ) : قرن .

٩٥

الباب العاشر : في المرض ومصلحته

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً لأصحابه :أيّكم يحب أن يصح ولا يسقم ؟ قالوا : كلّنا يا رسول الله ، فقال :أتحبّون أن تكونوا كالحمير الضالّة ، ألا تحبّون أن تكونوا أصحاب كفّارات ، والذي نفسي بيده إنّ الرجل ليكون له الدرجة في الجنّة ما يبلغها بشيء من عمله ولكن بالصبر على البلاء ، وعظيم الجزاء لعظيم البلاء ، فإنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه بعظيم البلاء ، فإن رضي فله الرضا ، وإن سخط فله السخط .

وقالعليه‌السلام :لو يعلم المؤمن ما له في السقم ما أحبّ أن يفارق السقم أبداً .

وقالعليه‌السلام :يود أهل العافية يوم القيامة أنّ لحومهم قرّضت بالمقاريض ؛ لما يرون من ثواب أهل البلاء (١) .

____________

(١) جامع الأخبار : ٣١٠ ح ٨٥٧ ، عنه البحار ٦٧ : ٢٣٥ ح٥٤ .

٩٦

وقال موسىعليه‌السلام :يا ربّ لا مرض يضنيني (١) ، ولا صحّة تنسيني ، ولكن بين ذلك أمرض تارة فأذكرك ، وأصح تارة فأشكرك (٢) .

وروي أنّ أبا الدرداء مرض فعادوه ، فقالوا : أيّ شيء تشتكي ؟ فقال : ذنوبي ، قالوا : فأيّ شيء تشتهي ؟ فقال : المغفرة من ربّي(٣) ، فقالوا : ألا ندعوا لك طبيباً ؟ فقال : الطبيب أمرضني ، قالوا : فاسأله عن سبب ذلك ، فقال : قد سألته فقال : إنّي أفعل ما أُريد .

ومرض رجل فقيل له : ألا تتداوى ، فقال : إنّ عاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً كانت لهم أطباء داووا(٤) ، فلا الناعت بقي ولا المنعوت له ، ولو كانت الأدواء تمنع الداء لما مات طبيب ولا ملك(٥) .

____________

(١) الضَّنْي : السقيم الذي قد فال مرضه وثَبَتَ فيه . ، وأَضْناهُ المرضُ أي أثقله (لسان العرب) والمراد أنّ موسىعليه‌السلام يسأل الله تعالى أن لا يصيبه بمرض مثقل طويل ، ولا بصحّة توجب الغفلة والنسيان .

(٢) دعوات الراوندي : ١٣٤ ح٣٣٤ ، إلى قوله : لكن بين ذلك .

(٣) في ( ب ) : ذنوبي .

(٤) في ( ب ) : أدواء ، وفي ( ج ) : أدوية .

(٥) مجموعة ورام ٢ : ٢٢٢ نحوه .

٩٧

الباب الحادي عشر: في ثواب عيادة المريض

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمّى رائد الموت ، وسجن الله في أرضه ، وحرّها من جهنّم ، وهي حظ (١) كل مؤمن من النار ، ونعم الوجع الحمى ، تعطي كل عضو حقه من البلاء ، ولا خير في من (٢) لا يبتلي .

إنّ المؤمن إذا حمّ حماة واحدة تناثرت عنه الذنوب كورق الشجر ، فإن أَنَّ على فراشه فأنينه تسبيح ، وصياحه تهليل ، وتقلّبه في فراشه كمَن يضرب بسيفه في سبيل الله ، فإن أقبل يعبد الله في مرضه كان مغفوراً له وطوبى له .

وحمّى ليلة كفّارة سنة ؛ لأنّ ألمها يبقى في الجسد سنة ، وهي كفارة لما قبلها وما بعدها ، ومَن اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدّى شكرها ، كانت له كفّارة ستين سنة لقبولها ولصبره عليها(٣) ، والمرض للمؤمن تطهير ورحمة ، وللكافر تعذيب ولعنة ،

____________

(١) في ( ب ) : حرز .

(٢) في ( ب ) : في مؤمن .

(٣) في ( ب ) : وسنة لصبره عليها .

٩٨

ولا يزال المرض بالمؤمن حتّى لا يبقى عليه ذنباً ، وصداع ليلة يحطّ كلّ خطيئة إلاّ الكبائر (١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للمريض في مرضه أربع خصال : يرفع عنه القلم ، ويأمر الله الملك أن يكتب له ثواب ما كان يعمله في صحّته ، وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر ، ومن عاد مريضاً لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه .

ويوحي الله تعالى إلى ملك الشمال لا تكتب على عبدي مادام في وثاقي [ شيئاً](٢) ، وإلى ملك اليمين أن اجعل أنينه حسنات ؛ وإنّ المرض ينقي الجسد من الذنوب كما ينقي(٣) الكير(٤) خبث الحديد ، وإذا مرض الصغير كان مرضه كفّارة لوالديه(٥) .

وروي فيما ناجى موسى ربّه أن قال :يا ربّ أعلمني ما في عيادة المريض من الأجر ؟ فقال سبحانه : أوكّل به ملكاً يعوده في قبره إلى محشره ، قال : يا ربّ فما لمَن غسّله ؟ قال : اغسله من ذنوبه كما ولدته أُمّه فقال : يا ربّ فما لمَن شيّع جنازته ؟ قال : أوكّل بهم ملائكتي يشيّعونهم في قبورهم إلى محشرهم ، قال : يا ربّ فما لمَن عزّا مصاباً على مصيبته ؟ قال : أظلّه بظلّي يوم لا ظل إلاّ ظلّي (٦) .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :عائد المريض يخوض في الرحمة ، فإذا جلس ارتمس فيه (٧) .

ويستحب الدعاء له ، فيقول العائد : اللّهمّ ربّ السماوات السبع [ وربّ

____________

(١) أورده المصنف في أعلام الدين : ٣٩٧ و ٣٩٨ .

(٢) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

(٣) في ( ب ) : يذهب .

(٤) الكير ـ بالكسر : زقّ ينفخ فيه الحداد (القاموس)

(٥) أورده المصنف في أعلام الدين : ٣٩٨ .

(٦) أورده المصنف في أعلام الدين : ٣٩٨ و ٣٩٩ .

(٧) كنز الفوائد : ١٧٨ ، عنه البحار ٨١ : ٢٢٤ ح ٣٣ .

٩٩

الأرضين السبع ](١) ، وما فيهنّ وما بينهنّ وما تحتهنّ ، وربّ العرش العظيم ، صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد واشفه بشفائك ، وداوه بدوائك ، وعافه من بلائك ، واجعل شكايته كفّارة لما مضى من ذنوبه وما بقى(٢) .

ويستحب للمريض الدعاء لعائده ، فإنّ دعاءه مستجاب ، وتكره الإطالة عند المريض .

____________

(١) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

(٢) أورده المصنف في أعلام الدين : ٣٩٩ ، عنه البحار ٨١ : ٢٢٥ ح٣٥ .

١٠٠