ابن تيميه الجزء ٣

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 238

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 238
المشاهدات: 39078
تحميل: 5222


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 238 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39078 / تحميل: 5222
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثمّ طلب قاضي القضاة القزويني (جمال الدين القزويني)(1) جماعة من أصحاب تقي الدين في يوم الجمعة الرابع والعشرين من الشهر إلى المدرسة العادلية، وكانوا قد أعتقلوا بسجن الحاكم، فادعي على العماد إسماعيل (ابن كثير الحنبلي) صهر الشيخ جمال الدين المزّي(2) ، أنّه قال: إنّ التوراة والانجيل لم يبدلا وانهما كما أنزلا، فأنكر، فشهد عليه بذلك؛ فضرب بالدرة، وأشهر، وأطلق.

____________________

(1) كان شديدا على ابن تيميه وأصحابه، ففي عام (705 هـ) أحضروا ابن تيميه وأصحابه بسبب عقيدته (الواسطيّة)، فأمر بهم فصفعوا ورسم بتعزيره. وكذلك فعل الحنفي باثنين من أصحابه. (دفع الشبه، مصدر سابق، 91).

(2) جمال الدين يوسف المزي (654 - 742 هـ) السلفي تلميذ ابن تيميه وبسبب دعوته إلى عقيدة المذكور سجن مرتين عام (705 هـ)، ذكرنا خبره سابقا. (تهذيب الكمال، مصدر سابق، 1/21).

كان منهجنا في هذا الفصل الا نضيف شيئا إلا ما يؤكد ما ذكر في هذا المصدر أو ذاك، مصادر أخرى، ولكن وجدنا الضرورة تلزمنا من تعليق مقتضب هنا أو هناك. وأما ابن كثير الحنبلي ففيه كثير مما يوجب علينا أن نذكر بعضه: هو إسماعيل بن عمر بن كثير، الحنبلي السلفي، توفي سنة (774 هـ)، تزوج ابنة يوسف المزّي، تلميذ ابن تيميه؛ فبحكم المصاهرة هذه، والتلمذة تلك، وجدناه سلفيّا مغرقا في التجسيم مجاهرا بأنّه أخذ من الاسرائيليّات الكثير! (البداية والنهاية، ابن كثير، 1/8، الطبعة الأولى، مكتبة المعارف، بيروت، 1966 م ومكتبة النصر، الرياض).

الفوقيه والعرش: قال: «...، وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثمّ فوق ذلك ثمانية أوعال (أوعال جمع وعلة، وهو تيس الجبل له قران قويّان) بين ركبهن وأظلافهنّ كما بين السماء والأرض، ثمّ على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء». قال: هذا لفظ الإمام أحمد.

٢١

وادعى على عبد الله الاسكندري، والصلاح الكتبي وغيرهما بأمور صدرت منهم، فثبت ذلك عليهم، فضربوا بالدرّة وأشهروا في البلد.

وطلب الشمسي (ابن قيّم الجوزيّة) إمام المدرسة الجوزيّة وسُئل عما صدر منه في مجلس وعظه في القدس ونابلس، فأنكر ذلك، فشهد عليه من حضر مجلسيه بما تلفّظ، ممّن كان قد توجه من عدول دمشق لزيارة البيت المقدس، فثبت ذلك عليه فضرب بالدرّة، وأشهر على حمار بدمشق والصالحية، وقيّد واعتقل بقلعة دمشق، فلم يزل في الاعتقال إلى يوم الثلاثاء العشرين من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين، فأفرج عنه في هذا اليوم، وحضر إلى قاضي القضاة الشافعيّ، فشرط عليه شروطاً، فالتزمها، وأطلق»(1) .

____________________

البداية والنهاية، مصدر سابق، 10. ولنا أن نسأل الحنابلة: هذا هو معتقدكم حقّا، أم ابن كثير تقولّه؟ ولماذا الله تعالى عمّا يصفون يحتويه عرش تحمله هذه التيوس، وانه يئط به - أي يخرج صوتا مثل صوت الرحل بحركة راكبه -:

وذكر حديثا عن جبير بن مطعم، نفى فيه الشفاعة؛ وتكلّم فيه عن العرش «...، إنّ الله على عرشه، وعرشه على سماواته لهكذا) وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرّحل بالراكب».

قال: قال ابن بشار في حديثه: «إنّ الله فوق عرشه وعرشه فوق سماواته» وساق الحديث. (البداية والنهاية، مصدر سابق، 11).

قال: وثبت في صحيح البخاري عن رسول الله، أنّه قال: «إذا سألتم الله الجنّة فسلوه الفردوس فإنّه أعلى الجنّة وأوسط الجنّة وفوقه عرش الرحمان». (البداية والنهاية، مصدر سابق، 11). قال: يروى وفوقه بالفتح على الظرفيّة، وبالضمّ. قال شيخنا الحافظ المزّيّ: وهو أحسن، أي وأعلاها =

٢٢

21 - العلاّمة الفقيه المالكي الشيخ عمر بن أبي اليمن اللّخمي الفاكهي (ت 734 هـ).

له كتاب في الردّ على ابن تيميه اسمه التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة(1) .

22 - الإمام الشافعي الفقيه الشيخ أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن

____________________

= عرش الرحمان وقد جاء في بعض الآثار: إنّ أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش وهو تسبيحه وتعظيمه، وما ذاك إلاّ لقربهم منه. (البداية والنهاية، مصدر سابق، 11). قال: والقرآن نزل بلغة العرب، فهو (العرش) سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبّة على العالم، وهو سقف المخلوقات. (البداية والنهاية، مصدر سابق، 12).

وقبل الانتقال إلى مطلب آخر من إسرائيليّات ابن كثير صهر المزي السلفي وتلميذ ابن تيميه، نقول: سبق وأن قال أنّ حملة العرش حيوانات «أوعال»، ويقصد بذلك الملائكة المقرّبين إلى الله تعالى بالتسبيح وتنزيهه عن التجسيم اليهوديّ؛ وهنا عاد فقال إنّ العرش سرير تحمله الملائكة.

الكرسيّ: قال: وعن ابن عبّاس أنّه قال: الكرسيّ موضع القدمين (أي قدمي الله تعالى عن كلّ ذلك علوّا كبيرا). مصدر سابق.

وقد ذكر الحصني في كتابه: دفع الشبه، 213 قال: ثمّ ذكر ما وقع للحنابلة، ولابن زفيل (ابن القيّم)، ولابن كثير، وقوله: إنّ التوراة والإنجيل ما بدّلا؛ وما وقع له من تعزير وغيره، ذكرنا هذا فيما مضى.

(1) نهاية الأرب، النويري، 33/160 وما بعدها، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424 هـ ودفع الشبه، مصدر سابق، 213.

(1) السلفيّة الوهابية، أفكارها وجذورها التاريخية، حسن السقاف، 135، الطبعة الأولى، دار الإمام النووي، الأردن، 1423 هـ.

٢٣

إبراهيم بن جملة المحجي (ت 738 هـ).

قال الذهبي في ترجمته:

«وكان يبالغ في أذى ابن تيميه وجماعة...، ويؤذي المبتدعة، وفيه ديانة وحسن معتقد»(1) .

23 - القاضي الشيخ زين الدين بن مخلوف المالكي، قاضي المالكية المعاصر لابن تيميه.

ذكره ابن حجر العسقلاني فيمن عارض عقائد ابن تيميه، وأنّه بالغ في أذيّة الحنابلة(2) .

24 - الشيخ شهاب الدين المصري، من علماء مصر.

كان يلقي دروسه في الجامع، فكان يحطّ في درسه على ابن تيميه(3) .

25 - الشيخ أحمد بن عثمان التركماني الجوزجاني الحنفي (ت 744 هـ).

له: (الأبحاث الجليّة في الردّ على ابن تيميه)(4) .

26 - الحافظ المفسّر اللّغويّ أبو حيّان محمّد بن يوسف بن حيّان الغرناطي الأندلسيّ (ت 745 هـ).

____________________

(1) ذيل تاريخ الإسلام، مصدر سابق، 342.

(2) الدرر الكامنة، مصدر سابق، 147.

(3) ذيل تاريخ دمشق، مصدر سابق، 342.

(4) كتاب السلفيّة الوهّابيّة، مصدر سابق، 136.

٢٤

صاحب تفسير البحر المحيط وتفسير النهر المادّ وإعراب القرآن وغيرهما.

كان أبو حيّان معاصراً لابن تيميه وبينهما ودّ، فلمّا جهر ابن تيميه بعقائده الفاسدة؛ صار ابن حيّان من المخالفين له، قال في تفسيره: «وقد قرأت في كتاب لأحمد بن تيميه هذا الذي عاصرنا، وهو بخطّه سمّاه (كتاب العرش): إنّ الله يجلس على الكرسيّ وقد أخلى منه مكاناً يقعد معه فيه رسول الله. تحيّل عليه التاج محمّد بن علي بن عبد الحقّ، وكان من تحيّله عليه أنّه أظهر أنّه داعية له حتّى أخ منه الكتاب، وقرأنا ذلك فيه»(1) .

27 - شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركمانيّ الذهبي الحنبلي (ت 748 هـ).

كان أوّل أمره من أشياع ابن تيميه ومتابعيه إلاّ في مسائل، ولكنّه لما رأى أنّ فتنته قد أخذت مأخذها ولم يبق معه سوى مقلّدة الحشوية والمنخدعين به وهم شباب، ابتعد عنه وكتب إليه كتاباً يقطر حزنا وأسى على ما حلّ بساحة المسلمين بسبب فتنة ابن تيميه، ويوقفه على عيوبه ويفضح دخائله الخبيثة. وإليك نصّ الكتاب، أو الرسالة، وتسمّى النصيحة الذهبية؛ كتبها التقي ابن قاضي شهبة، من خطّ قاضي القضاة برهان الدين بن جماعةرحمه‌الله ، وكتبها هو من خطّ

____________________

(1) تفسير النهر الماد، أبو حيّان الأندلسي، 1: 254، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت، 1407 هـ ودفع الشّبه، مصدر سابق، 98. والسيف الصقيل، مصدر سابق، 74. وقال: كتاب العرش لابن تيميه وهو من أقبح كتبه، ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان ما زال يلعنه حتّى مات بعد أن كان يعظمه.

٢٥

الشيخ أبي سعيد بن العلائي، وهو كتبها من خطّ مرسلها الشيخ شمس الدين.

«الحمد لله على ذلّتي؛ يا ربّ ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ عليّ ايماني. واحزناه على قلّة حزني، وواأسفاه على السُّنّة وأهلها! واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء! واحزناه على فقد اناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات! آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس، وتبّا لمن شغله عيوب النّاس عن عيبه. إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينيك؟! إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذمّ العلماء وتتّبع عورات النّاس؟ مع علمك بنهي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا تذكرواموتاكم إلاّ بخير فانّهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، بلى أعرف أنّك تقول لي لتنصر نفسك: إنّما الوقيعة في هؤلاء الّذين ما شمّوا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو جهاد! بلى والله عرفوا خيرا كثيراً ممّا إذا عمل به فقد فاز، وجهلوا شيئاً كثيراً ممّا لا يعنيهم، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

يا رجل، بالله عليك كفّ عنّا، فإنّك محجاج عليم اللّسان لا تقرّ ولا تنام، إيّاكم والغلوطات في الدّين؛ كره نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: (إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلّ منافق عليم اللّسان) وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسيّة والفلاسفة وتلك الكفريات الّتي تعمي القلوب، والله قد صرنا ضحكةً في

٢٦

الوجود؛ فإلى كم تنبش دقائق الكفريّات الفلسفيّة، لنردّ عليها بعقولنا يا رجل؟! قد بلعت سموم الفلاسفة وتصنيفاتهم مرّات؛ وكثرة استعمال السّموم يدمن عليها الجسم وتكمن والله في البدن.

واشوقاه إلى مجلس يذكر فيه الأبرار، فعند ذكر الصالحين تنزل الرّحمة، بل عند ذكر الصالحين يذكرون بالازدراء واللّعنة، كان سيف الحجّاج ولسان ابن حزم سقيقين فواخيتهما.

بالله خلّونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدّوا في ذكر بدع كنّا نعدّها من أساس الضلال، قد صارت هي محض السّنّة وأساس التوحيد ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار، ومن لم يكفر فهو أكفر من فرعون! وتعدّ النّصارى مثلنا.

واللهِ في القلوب شكوك، إن سلم إيمانُك بالشّهادتين؛ فأنت سعيد.

يا خيبة مَن اتّبعك فإنّه معرضٌ للزندقة والانحلال، لا سيّما إذا كان قليل العلم والدّين باطوليّاً شهوانيّاً، لكنّه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه، وفي الباطن عدوٌّ لك بحاله وقلبه؛ فهل معظم أتباعك إلاّ قعيدٌ مربوطٌ خفيفُ العقل؟ أو عاميٌّ كذّاب بليدُ الذّهن، أو غريب واجمٌ قويُّ المكر، أو ناشفٌ صالحٌ عديم الفهم؟ فإن لم تصدّقني ففتّشهم وزنهم بالعدل.

يا مسلم! أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟! إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار؟! إلى كم تعظّمها وتصغّر العباد؟! إلى

٢٧

متى تخاللها وتمقت الزهّاد؟! إلى متى تمدح كلامك بكيفيّة لا تمدح - والله - بها أحاديث الصحيحين؛ يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك. بل في كلّ وقتٍ تغير عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار، أما آن لك أن ترعوي؟! أما حان لك أن تتوب وتنيب؟! أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرّحيل، بلى والله ما أذكر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنّك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همّة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلّدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتّى أقول: البتّة سكتُّ.

فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشّفوقُ المحبُّ، فكيف حالك عند أعدائك؟! وأعداؤك واللهِ فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أنّ أولياءك فيهم فجرةٌ وكذبةٌ وجهلة وبطلةٌ وعورٌ وبقر، وقد رضيت منك بأن تسبّني علانيةً وتنتفع بمقالتي سرّاً (فرحم اللهُ امرءاً أهدى إليَّ عيوبي) فإنّي كثير العيوب غزير الذنوب؛ الويلُ لي إنْ أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علاّم الغيوب؛ ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد للهِ ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد خاتم النّبيّين وعلى آله وصحبه أجمعين»(1) .

لقد ذكرنا خطاب الذهبيّ بتمامه لما فيه من فوائد:

1 - انّه صادر من أحد أعلام الحنابلة، وقد عاصر ابن تيميه وعرف أفكاره

____________________

(1) تكملة السيف الصقيل للكوثري، مصدر سابق، 151 - 153.

٢٨

عن قرب؛ فلا حجّة لمن يقول: إنّه من مخالف متعصّب...

2 - وصف ابن تيميه بالغرور الّذي هو عيب إبليس، وانّه رجُلُ جدال منافق يتعرّض للمؤمنين ويسكت عن الفاجرين.

3 - إنّ ابن تيميه يقلب الحقائق، فيبتدع ويقول انّه شرع، وينكر المشروع فيصفه على أنّه بدعة.

4 - إنّ أتباع ابن تيميه معرّضون للزندقة والانحراف بسبب متابعتهم له؛ فهم في الأصل من الجهلة علماً وديناً، أو أغبياء... وفي كلّ الأحوال فهم أتباع باطل.

5 - تطاوله على أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بالتحريف والإنكار والتأويل البعيد.

6 - تشكيكه بإيمان ابن تيميه، من خلال قَسَمه: «واللهِ في القلوب شكوك، إنْ سلم لك إيمانُك بالشهادتين...».

وفي كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، تكلّم عن مسألة زيارة سيّد الأنبياء والرُّسل؛ وكأنّه يردّ على شيخه ابن تيميه الذي أفرط وتابعه تلامذته ابن زفيل «ابن القيّم»، وغيره في عدم جواز شدّ الرحال لزيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهذا ما ذهب إليه محقّقا الكتاب، فكتبا في حاشيته: «قصد المؤلّفرحمه‌الله بهذا الاستطراد الردّ على شيخه ابن تيميه الذي يقول بعدم جواز شدّ الرحال لزيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويرى أنّ على الحاج أن ينوي زيارة المسجد النبوي كما هو مبيّن في محلّه»(1) .

____________________

(1) سير أعلام النبلاء، الذهبي، 4: 484، الطبعة الحادية عشرة، مؤسسة الرسالة، 1419 هـ تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط، والأستاذ مأمون صاغرجي.

٢٩

كلام الذهبي:

«فمَن وقف عند الحجرة المقدّسة ذليلاً مسلّماً مصلّياً على نبيّه، فيا طُوبى له! فقد أحسن الزيارة وأجملَ في التذلّل والحبّ وقد أتى بعبادةٍ زائدة على مَن صلّى عليه في أرضه أو في صلاته، إذ الزائر له أجر الزيارة وأجر الصلاة عليه، والمصلّي عليه في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط. فمَن صلّى عليه واحدةً صلّى الله عليه عشراً. ولكن مَن زاره صلوات الله عليه وأساء أدب الزيارة أو سجد للقبر أو فعل ما لا يشرع، فهذا فعلَ حسناً وسيّئاً فيعلّم برفقٍ والله غفور رحيم. فو اللهِ ما يحصل الانزعاج لمسلم والصياح وتقبيل الجدران وكثرة البكاء إلاّ وهو محبٌّ لله ولرسوله! فحبُّه المعيار والفارق بين أهل الجنّة وأهل النار. فزيارة قبره من أفضل القُرَب وشدّ الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء لئن سلّمنا أنّه غير مأذون فيه لعموم قوله صلوات الله عليه وسلّم: لا تشدّوا الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد؛ فشدّ الرحال إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستلزم لشدّ الرحل إلى مسجده وذلك مشروع بلا نزاع إذ لا وصول إلى حجرته إلاّ بعد الدخول إلى مسجده؛ فليبدأ بتحيّة المسجد ثمّ بتحيّة صاحب المسجد، رزقنا الله وإيّاكم ذلك آمين»(1) .

فائدة: الذهبيّ حنبليّ، ولمّا أراد الله تعالى به خيراً؛ باعد بينه وبين ابن تَيمِيه، وكان من ثمرة ذلك أن كتب إليه الرسالة الذهبيّة، كشف فيها عيوب ابن

____________________

(1) نفسه.

٣٠

تَيمِيه، وعيوب أتباعه، وقد ذكرناها.

وهنا خالف الذهبيّ ابنَ تيميه في مسألة أثارت عليه حفيظة العامّ والخاصّ من المذاهب الإسلاميّة جمعاً؛ تلك هي مسألة زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فهو - أي الذهبي - يرى أنّ مَن زار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قُربٍ من حجرته المقدّسة، فقد أحسن الزيارة وفاز بالسعادة وذلك هو قوله: طوبى له. والتوجّه إلى زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبادة لا تقايسها الصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعيد. ويرى أنّ مَن زار وأساء أدب الزيارة، فإنّه عمل حسناً وسيّئاً! وما ذاك إلاّ عن حبّ للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع جهلٍ ببعض الأحكام الشرعيّة ولذا فهو يطلب والحال هذه أن يُعلّم الزائر برفقٍ، لا كما يفعل الوهّابيّون مع وفود الرحمان وزائري النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس عند شرطة النهي عن المعروف والأمر بالمنكر إلاّ الزعيق مع التلويح بالعصا: لا تشرك يا حاج! وما ذاك إلاّ أنّ الحاجّ أراد أن يقترب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو حيٌّ في قبره، فيجدّد معه عهداً ويُتمّ به حجّه.

وأين هذا الخلق الوهّابيّ من الحصيلة التي انتهى إليها الذهبي، الذي يرى في تقبيل جدران حجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكثرة البكاء إلاّ تعبيراً عن حبّ للهِ ولرسوله، هذا الحبّ الفارق بين أهل الجنّة وأهل النار، والمعاني الأخرى الجميلة التي ذهب إليها الذهبي ولا تخفى على القارئ اللبيب وإن عميت بصيرة مَن تخبّطه الشيطان عن إدراكها.

28 - الشيخ زين الدين عمر بن مظفر بن عمر الحلبي، المعروف بابن الوردي (ت 749 هـ).

٣١

له تاريخ اشتُهر باسمه (تاريخ ابن الوردي). وهو من أتباع ابن تَيمِيه، فحاول أن يهوّن ممّا جرى على إمامه، ومع ذلك فقد ذكر عبارات كفيلة بشرح حال ابن تيميه وأتباعه.

قال: «في شعبان اعتُقل الشيخ تقي الدين بن تيميه بقلعة دمشق مكرّماً راكباً وفي خدمته الحاجب ابن الخطير، وأخليت له قاعة ورتّب له ما يقوم بكفايته، ورسم السلطان بمنعه من الفتيا، وسبب ذلك فتياً وُجدت بخطّه في المنع من السفر ومن اعمال المطي إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وحُبس جماعة من أصحابه وعُزِّر جماعة ثمّ أُطلقوا، سوى شمس الدين إمام الجوزية فإنّه حُبس بالقلعة أيضاً»(1) .

وقال: «وأطلق عبارات أحجم عنها الأوّلون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها! حتّى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياماً لا مزيد عليه وبدّعوه وناظروه وكابروه وهو ثابت لا يُداهن ولا يُحابي...»(2) .

وقال: «وفي آخر الأمر ظفروا له بمسألة السفر لزيارة قبور النّبيّين وأنّ السفر وشدّ الرحال لذلك منهيّ عنه لقولهِصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد، مع اعترافه بأنّ الزيارة بلا شدّ رحل قربة، فشنّعوا عليه بها، وكتب فيها

____________________

(1) تاريخ ابن الوردي، 2: 270، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 هـ.

(2) نفسه، مصدر سابق، 2: 277.

٣٢

جماعة بأنّه يلزم من منعه شائبة تنقيص للنبوة فيُكفّر بذلك...»(1) .

29 - قاضي القضاة الفقيه المحدّث الشيخ تقي الدين محمّد بن أبي بكر السعدي الإخنائيّ المالكي المصري (ت 750 هـ).

من العلماء الذين وقفوا بوجه ابن تيميه وعارضوه وصنّف كتاباً في الردّ عليه سمّاه (المقالة المرضية في الردّ على مَن ينكر الزيارة المحمّديّة)(2) .

وحكم بتعزير بعض أتباع ابن تيميه لإشاعتهم كلام إمامهم. ذكر ابن حجر في ترجمة الإخنائي، قال: «وكان كثير الحطّ على الشيخ تقي الدين بن تيميه وأتباعه، وهو الذي عزّر الشهاب ابن مري، وكان على طريقة الشيخ تقي الدين ويتكلّم على الناس بلسان الوعظ لما قدم مصر...، إلى أن جرت مسألة التوسّل، فتكلّم فيها بكلام شيخه فأنكروا عليه، وبلغ ذلك القاضي فطلبه وعزّره، وطوّف به وبالغ في إهانته»(3) .

30 - الإمام الحافظ قاضي القضاة الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي الأنصاري السبكي الشافعي (ت 756 هـ).

من العلماء البارزين في الردّ على ابن تَيمِيه، وله في ذلك عدّة مصنّفات في العقيدة والفقه منها: كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام والدرّة المضيّة في

____________________

(1) السلفية الوهّابية، مصدر سابق، 136.

(2) نفسه، مصدر سابق، 136.

(3) رفع الإصر، مصدر سابق، 353.

٣٣

الردّ على ابن تَيمِيه وشنّ الغارة على مَن أنكر سفر الزيارة والاعتبار ببقاء الجنّة والنار ومصنّفات أُخرى. كما لَه ردّ على ابن زفيل (ابن القيّم) تلميذ ابن تَيمِيه، سمّاه: السيف الصقيل في الردّ على ابن زفيل.

قال السبكي في (الدرّة المضية): «فإنّه لما أحدثَ ابن تيميه ما أحدثَ في أصول العقائد، ونقضَ من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنّة، مظهراً أنّه داعٍ إلى الحقّ هادٍ إلى الجنّة، فخرج عن الاتِّباع إلى الإبتداع، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع...»(1) .

وقال في الشفاء: «اعلم أنّه يجوز ويحسن التوسّل والاستغاثة والتشفّع بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى ربّه سبحانه وتعالى، وجواز ذلك وحُسنه من الأمور المعلومة لكلّ ذي دين، المعروفة من أفعال الأنبياء والمرسلين وسِير السَلف الصالحين والعلماء والعوامّ من المسلمين، ولم يُنكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سُمع به في زمن من الأزمان، حتّى جاء ابن تيميه فتكلّم في ذلك بكلام يُلبس فيه على الضعفاء الأغمار وابتدع ما لم يُسبق إليه في سائر الأعصار...، وحسبك أنّ إنكار ابن تيميه للاستغاثة والتوسّل قولٌ لم يقله عالم قبله وصار به بين أهل الإسلام مُثْلة..»(2) .

____________________

(1) الدرّة المضية، تقي الدين السُّبكي، الطبعة الثالثة، مطبعة الترقي بدمشق 1347 هـ.

(2) شفاء السقام، تقي الدين السُّبكي، 171، الطبعة الرابعة 1419 هـ.

٣٤

ثَمّة سؤال للسَّلفيّة:

ولنا أن نسأل سلفيّة عصرنا ممّن يُحلّ دماء الموحّدين من أهل القِبلة ويقتدون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أنّ مفتي السَّلفيّة يرفع عقيرته يوماً بعد آخر من أرضِ الوحي، بتكفير المسلمين من محبّي أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقول عنهم أنّهم أشدّ كفراً من كفّار النّصارى وغيرهم ولذا يجب قتلهم وتخريب مساجدهم ومشاهدهم...، نقول لهؤلاء الوهّابيّين ممّن يزعم منهم أنّه سَلَفي: أسمعتَ قول السُّبكي الشافعيّ ومن قبله مَن هو مالكي، وآخر حنفيّ، وحنبليّ وقد أجمعوا على كفر قدوتكم وزندقته! فإلى أين سيأخذ سلفكم هذا بكم، والمرء مع مَن أحبّ، فكيف إذا كان قدوته من دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وقال: «وهذا الرجل كنت رددتُ عليه في حياته في إنكاره السفر لزيارة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي إنكاره وقوع الطلاق إذا حلف به، ثمّ ظهر لي من حاله ما يقتضي أنّه ليس ممّن يُعتمد عليه في نقل ينفرد به لمسارعته إلى النقل لفهمه، كما في هذه المسألة، ولا في بحثٍ يُنشئه لخلطه المقصود بغيره، وخروجه عن الحدّ جدّاً، وهو كان مكثراً من الحفظ ولم يتهذّب بشيخ، ولم يرتضِ في العلوم، بل يأخذها بذهنه، مع جسارته واتّساع خياله، وشغب كثير.

ثمّ بلغني من حاله ما يقتضي الإعراضَ عن النظر في كلامه جملةً، وكان الناس في حياته اُبتلوا بالكلام معه للردِّ عليه، وحُبس باجماعِ المسلمين وولاة الأمور على ذلك ثمّ مات.

٣٥

ولم يكن لنا غرض في ذكره بعد موته لأنّ تلك أُمّة قد خلت، ولكن له أتباع ينعقون ولا يعون، ونحن نتبرّم بالكلام معهم ومع أمثالهم، ولكن للناسِ ضرورات إلى الجواب في بعض المسائل»(1) .

31 - الحافظ المفتي الشيخ صلاح الدين خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي المقدسي (ت 760 هـ).

صنّف كتاباً في جمع الأحاديث الواردة في زيارة القبر المطهّر لسيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جمعها لشيخه برهان الدين الفزاري للردّ على ابن تَيمِيه(2) .

32 - المفتي الشيخ بهاء الدين عبد الوهّاب بن عبد الرحمان الاخميمي الشافعي المصري (ت 764 هـ).

له (رسالة في الردّ على ابن تيميه في مسألة حوادث لا أوّل لها).

33 - قاضي القضاة العز بن جماعة الشافعيّ (ت 767 هـ).

معاصر لابن تَيمِيه. وهو الذي قُدّمت إليه الفتوى الصادرة بحق ابن تيميه في مسألة المنع من زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكتب عليها:

القائل بهذه المقالة ضالّ مبتدع. ووافقه على ذلك الحنفيّ والحنبليّ

____________________

(1) فتاوى السبكي في فروع الفقه الشافعي، تقي الدين السبكي، 2: 163، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424 هـ.

(2) طبقات الشافعية، مصدر سابق، 3: 244.

٣٦

والمالكيّ، فصار كفره مجمعاً عليه(1) .

وله كلام في ابن تَيمِيه: «عبد أضلّه الله تعالى وألبسه رداء الخزي وأرداه»(2) .

34 - الإمام الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي المكّي الشافعي (ت 768 هـ)

ذكر في كتابه (مرآة الجنان وعبرة اليقظان) في أحداث سنة 728 هـ وذكر وفاة ابن تيميه فيها. وتحدّث عن منكراته وما جرى له بسبب ذلك، قال: «وله مسائل غريبة أنكر عليه فيها وحُبس بسببها مباينة لمذهب أهل السنّة، ومن أقبحها نهيه عن زيارة قبر النبيّ عليه الصلاة والسلام، وطعنه في مشائخ الصوفيّة العارفين كحجّة الإسلام أبي حامد الغزالي، والأستاذ الإمام أبي القاسم القُشيري...، وخلائق من أولياء الله الكبار الصفوة الأخيار، وكذلك ما عُرف من مذهبه كمسألة الطلاق وغيرها، وكذلك عقيدته في الجهة وما نُقل عنه فيها من الأقوال الباطلة، وغير ذلك ممّا هو معروف في مذهبه...»(3) .

قال ابن قاضي شُهبة في ترجمة اليافعي:

«قال ابن رافع: اشتُهر ذكره وبعُد صِيتُه في التصوّف وفي أُصول الدين، وكان يتعصّب للأشعري وله كلام في ذمّ ابن تَيمِيه، ولذلك غمزه بعض مَن تعصّب لابن

____________________

(1) دفع الشُّبَه، مصدر سابق، 95.

(2) الجوهر المنظم في زيارة القبر النبوي المكرم، ابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ)، 30، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، مصر.

(3) مرآة الجنان، مصدر سابق، 4: 209.

٣٧

تيميه من الحنابلة وغيرهم»(1) .

35 - قاضي القضاة المحدّث تاج الدين عبد الوهّاب بن الإمام علي بن عبد الكافي الأنصاري السُّبكي الشافعي (ت 771 هـ).

صاحب (طبقات الشافعية الكبرى). وله مصنّفات في العقيدة والفقه والأصول. قال في فتنة ابن تَيمِيه: «واعلم أنّ هذه الرفقة أعني المِزّي والذهبي والبَرزالي، وكثيراً من أتباعهم، أضرّ بهم أبو العبّاس ابن تيميه إضراراً بيّناً، وحملهم من عظائم الأمور أمراً ليس هيّناً، وجرّهم ما كان التباعد عنه أوْلى بهم، وأوقفهم في دكادك من نار، المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم»(2) .

وذكر في ترجمة والده تصدّيه لابن تَيمِيه:

«إمام ناضحَ عن رسول الله بنضاله وجاهد بجداله ولم يلطّخ بالدماء حدَّ نصاله، حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره...، قام حين خلَطَ على ابن تيميه الأمر وسوّل له قرينُه (يعني بالقرين هنا الشيطان) الخوض في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة...، وأنكر شدّ الرحال لمجرّد الزيارة...»(3) .

وقال في تصدّي والده لابن تيميه في مسألتي الزيارة والطلاق: «وصنّف في الردّ على هاتين المسألتين كتابيه، بل جرّد سيفه وأرهف ذبابيه، وردّ القرن وهو

____________________

(1) طبقات الشافعيّة الكبرى، مصدر سابق 3: 247.

(2) نفسه، 5: 444.

(3) طبقات الشافعيّة الكبرى، مصدر سابق 5: 310.

٣٨

ألدّ خصيم، وشدّ عليه وهو يشدّ على غير هزيم، وقابلَه وهو الشمس التي تعشى الأبصار، وقاتله وكم جهد ما يثبت البطل لعليّ وفي يده ذو الفقار...»(1) .

36 - الرحّالة الشيخ محمّد بن عبد الله الطبخي الشهير بـ (ابن بطوطة) (ت 779 هـ).

قال: «وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيميه كبير الشام، يتكلّم في الفنون، إلاّ أنّ في عقله شيئاً.

وكان أهل دمشق يعظّمونه، ويعظهم على المنبر، وتكلّم مرّةً بأمرٍ أنكره الفقهاء، ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر، وتكلّم شرف الدين الزواوي المالكي وقال: إنّ هذا الرجل قال: كذا وكذا، وعدّد ما أنكر على ابن تَيمِيه، وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة وقال قاضي القضاة لابن تَيمِيه: ما تقول؟ قال: لا إله إلاّ الله. فأعاد عليه، فأجاب بمثل قوله. فأمر الملك الناصر بسجنه، فسُجن أعواماً. ثمّ إنّ أُمّه تعرّضت للملك الناصر وشكت إليه، فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية. وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع، فكان من جملة كلامه أن قال: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجةً من درج المنبر! فعارضه فقيه مالكيّ يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً

____________________

(1) نفسه 311.

٣٩

كثيراً حتّى سقطت عمامته، وظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة، فأمر بسجنه وعزّره بعد ذلك، فأنكر فقهاء المالكيّة والشافعيّة ما كانمن تعزيره، ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تنكيز، وكان من خيار الأمراء وصلحائهم؛ فكتب إلى الملك الناصر بذلك، وكتب عقداً شرعيّاً على ابن تيميه بأمور منكرة، منها المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف زاده الله طيباً لا يقصر الصلاة...، وسوى ذلك ما يشبهه، وبعث العقد إلى الملك الناصر، فأمر بسجن ابن تيميه بالقلعة، فسُجن بها حتى مات في السجن»(1) .

إنّ هذا المسلك من أهل دمشق غايةٌ في الغرابة ومبعث للدهشة فهم يقبلون بمَن يُجسّم ذات الله تعالى، ويصفه بالحركة والانتقال من موضع إلى آخر، ويمثّل نزوله سبحانه، بنزوله هو من المنبر! تعالى الله عمّا يصفون.

يرتضون ذلك في خدرٍ، ويضربون بالنعال فقيهاً مالكيّاً لأنّه أنكر هذه البدعة. ولمّا رأوا على رأسه شاش حرير، أعظموا ذلك وأنكروه! وما كان من قاضي الحنابلة إلاّ أن يعزّره ويسجنه! وهذا أبعث على الغرابة من مسلك العامّة. وإن سلوكهم هذا يذكّرنا بقصيدة شعر لعمرو بن العاص، يخاطب بها سيّده معاوية تسمّى:

____________________

(1) تحفة النظّار في غرائب الأمصار، ابن بطوطة، 52، الطبعة الأولى، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1991 م.

٤٠