منهاج السالكين

منهاج السالكين0%

منهاج السالكين مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 413

منهاج السالكين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 130497
تحميل: 5603

توضيحات:

منهاج السالكين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 130497 / تحميل: 5603
الحجم الحجم الحجم
منهاج السالكين

منهاج السالكين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إذا كان مقام سماك عند الله تعالى: أن يصدقه الرؤيا؛ فيردّ عليه بصره، فما المانع أن يردّ سبحانه الشّمس لنبيّه؟ أم أنّ مقام سماك أعلى من مقام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

قال: وكان إسماعيل بن بلال الحضرميّ قد عمي فأتي في المنام فقيل له: قل: يا قريب يا مجيب يا سميع الدّعاء يا لطيف بمن تشاء، ردّ عليّ بصري، فقال اللّيث بن سعيد: أنا رأيته قد عمي ثمّ أبصر. (1)

بقرة سهل التّستريّ

أبو نعيم، قال: سمعت أبا الفضل أحمد بن عمران الهرويّ يحكي عن بعض أصحاب أبي العبّاس الخوّاص، قال: كنت أحبّ الوقوف على شيء من أسرار سهل (2) بن عبد الله،

____________________

= النّسائيّ أنّه قال: كان ربّما لقّن فإذا انفرد بأصل لم يكن حجّة لأنّه كان يلقّن فيتلقّن. وقال أبوبكر بن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين سئل عن سماك بن حرب: ما الّذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره. الجرح والتعديل، تاريخ بغداد، تهذيب الكمال. وكان شعبة يضعّفه. الجرح والتعديل، تهذيب الكمال... ولم يذكره ابن حبّان، ولا ابن شاهين في الثّقات. وفي تاريخ الثّقات للعجليّ 207 / 621: كان في حديث عكرمة ربّما وصل عن ابن عبّاس، وربّما قال: قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما عركمة يحدّث عن ابن عبّاس، وكان سفيان الثّوريّ يضعّفه بعض الضعف. وقد ذكره أبو الفرج في المنتظم 7: 225 قال: توفّي سنة ثلاث وعشرين ومائة. كان «قد ذهب بصره فرأى إبراهيم الخليل عليه‌السلام فأصبح يبصر». ولم يذكر كيف عرف الخليل وهو لم يره من قبل مضافاً إلى أنّه كان أعمى؟!

(1) الرّوح: 258.

(2) جاء في ترجمته: أبو محمّد سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التّستريّ، نسبته إلى تستر، وهي بلدة من كور الأهواز من خوزستان، يقول لها النّاس: ششتر؛ بها قبر البراء بن مالك. توفّي بالبصرة وذلك سنة ثلاث وسبعين ومائتين. وفيات الأعيان 3: 149. وقال: كان صاحب كرامات، لم يكن له في وقته نظير في المعاملات. ولقي الشيخ ذا النون المصريّ، بمكّة. وكان له اجتهاد وافر ورياضة علميّة، وكان سبب سلوكه هذا الطريق خاله محمّد بن سوّار، وذكر في ذلك قصّة. نفس المصدر.

وترجم له الذهبيّ، قال: سهل بن عبد الله التّستريّ الإمام العارف أبو محمّد شيخ الصّوفيّة روى عنه خاله محمّد بن سوّار، وصحبه ذو النون المصريّ قليلاً؛ لقيه بمكّة، كان من أعيان الشيوخ في زمانه، يعدّ مع الجنيد: =

١٦١

فسألت بعض أصحابه عن قوّته فلم يخبرني أحد منهم بشيء، فقصدت مجلسه ليلة من الليالي فإذا هو قائم يصلّي، فأطلت القيام وهو قائم لا يركع، فإذا أنا بشاة جاءت فرجمت باب المسجد وأنا أراها، فلمّا سمع حركة الباب ركع وسجد وسلّم وخرج وفتح الباب، فدنت الشاة منه ووقفت بين يديه، فمسح ضرعها فحلبها وجلس فشرب ثمّ مسح بضرعها وكلّمها بالفارسيّة فذهبت في الصحراء ورجع هو إلى محرابه. (1)

والمدهش حقّاً: معرفة سهل لسان الشّاة ولغتها؟ ولكن لم كلّمها بالفارسيّة دون سائر اللّغات؟! إلاّ إذا قلنا إنّ البهم أمم كما هو حال البشر، فتعدّدت لغاتها لذلك، وليس كلّ إنسان يتأتّى له ملكة معرفة لغات الحيوانات وإنّما هو خاصّ بالأولياء من أمثال سهل، لما ألزموا أنفسهم به من الرّياضات الجسمانيّة والنّفسيّة الشّاقّة.

«قال أبو الحسن بن سالم: عرفت سهلاً سنين من عمره، كان يقوم اللّيل بفرد رجل

____________________

= أبو القاسم الجنيد بن محمّد بن الجنيد الخزّار القواريريّ، أصله من نهاوند، تفقّه على أبي ثور وقيل كان على مذهب سفيان الثوريّ، وصحب خاله السّريّ السّقطيّ والحارث المحاسبيّ «وفيات الأعيان 1: 323». ثمّ أورد له كلاماً في الحديث وفائدته، وعقّبه بقوله يمدحه: هكذا كان مشايخ الصّوفيّة في حرصهم على الحديث والسّنّة، لا كمشايخ عصرنا الجهلة البطلة الأكلة الكسلة! تاريخ الإسلام 21: 186.

عقيدة سهل بالله تعالى: ويبدو أنّ سهلاً ينحو منحى المثبتين للصّفات للباري عزّ وجلّ، من غير تأويل ولا تنزيه! وأنّه تعالى ينظر إليه ويتكلّم وأنّه على عرشه. قال: «العقل وحده لا يدلّ على قديم أزليّ فوق عرش محدث، نصبه الحقّ دلالةً وعلماً لنا، لتهتدي القلوب إليه ولا تجاوزه، فلا كيف للاستواء عليه، لأنّه لا يجوز للمؤمن أن يقول: كيف الاستواء؟ لم خلق الاستواء؟ وإنّما عليه الرّضى والتّسليم؛ لقول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه على عرشه». وإنّما سمّي الزّنديق زنديقاً، لأنّه وزن دقّ الكلام بمنحول عقله، وقياس هوى طبعه، وترك الأثر والاقتداء بالسّنّة، وتأوّل القرآن بالهوى، فعند ذلك لم يؤمن بأنّ الله على عرشه». تاريخ الإسلام 21: 188. إذن ليس لأحد أن يسأل ولا لعقل عاقل أن يجول فيغربل صحيح الحديث من سقيمه! وإلاّ فالحكم بالزندقة ينتظر من لا يؤمن بأنّ الله تعالى بذاته العزيزة على عرشه؛ وليس له تأويل ذلك بالسيطرة والهيمنة والحاكميّة المطلقة لله تعالى!

وفي حلية الأولياء 10: 203: قال سهل بن عبد الله: لا يخرجنّكم تنزيه الله إلى التلاشي... الله يتجلّى كيف شاء وقال: ليس لقول لا إله إلاّ الله ثواب إلاّ النظر إلى الله عزّ وجلّ... المصدر 10: 203.

(1) حلية الأولياء 10: 210.

١٦٢

يناجي ربّه حتّى يصبح» (1) !

هلاّ قام سهل ليله على رجلين اثنين يصلّي، خير له من هذه البدعة؟! وأين كان ابن القيّم عن أخبار سهل، ممّا سلف ذكره وما هو آتٍ؟! فقبل هذه الخرافات وحمل لواء الرّفض للحقائق الثابتة، كسلفه من الأبناء؟!

كرامات ذويب

«توفّي الشّيخ علي ذويب سنة 947، وكان يمشي كثيراً على الماء فإذا أبصره أحد اختفى، وكان يرى كلّ سنة بعرفة ويختفي من النّاس إذا عرفوه» (2) !

هذا وهو ذويب، فكيف لو كان ذئباً؟! وإذا كان اختفاؤه بقدرة القادر عن أبصار الذين يرونه وهو يمشي على وجه الماء، تواضعاً منه لله تعالى، وطرداً لحبّ الشّهرة اللذان هما من أخلاق العارفين، فلماذا يختفي من النّاس بعرفة وهو يؤدّي عبادة وطاعة؟! إلاّ أن يكون سفره إلى الديار المقدّسة غير طبيعيّ، مثل سفر معروف الكرخيّ: يرونه اليوم ببغداد، فإذا كان الغد رأوا بوجهه شجّةً فلمّا سألوه أخبرهم أنّه ذهب إلى بيت الله فزار وطاف وشرب من ماء زمزم فانزلقت رجله، فالشجّة من ذلك!

وفي الوحوش أولياء!

ذكر اليافعيّ في روض الرّياحين 104، قال: قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه: أوّل ما رأيت من العجائب والكرامات إنّي خرجت يوماً إلى موضع خالٍ، فطاب لي المقام فيه فوجدت من قلبي قرباً إلى الله تعالى، وحضرت الصّلاة وأردت الوضوء - وكانت عادتي من صباي تجديد الوضوء لكلّ صلاة - فكأنّي أغتممتُ لفقد الماء، فبينما أنا كذلك وإذا دبّ يمشي على رجليه كأنّه إنسان معه جرّة خضراء قد أمسك بيديه عليها، فلمّا رأيته من بعيد توهّمت أنّه آدميّ، حتّى دنا منّي وسلّم عليّ ووضع الجرّة بين يديّ، فجاءني اعتراضُ

____________________

(1) حلية الأولياء 10: 211.

(2) شذرات الذهب لابن العماد الحنبليّ 8: 269.

١٦٣

العلم، فقلت: هذه الجرّة والماء من أين هو؟ فنطق الدبّ وقال: يا سهل! إنّا قوم من الوحوش قد انقطعنا إلى الله تعالى بعزم المحبّة والتوكّل، فبينما نحن نتكلّم مع أصحابنا في مسألة إذ نُودينا: ألا إنّ سهلاً يريد الماء ليجدّد الوضوء! فوضعت هذه الجرّة بيدي، وإذا بجنبي ملكان، فدنوت منهما فصبّا فيها الماء من الهواء وأنا أسمع خرير الماء.

إنّ اعتراض العلم عند سهل وهو ينسج من بنيّات أوهامه مثل هذه القصّة الخرافيّة، قد صرفه إلى سؤال الدبّ المؤمن المنقطع إلى الله تعالى بزهد الأولياء، عن الجرّة والماء الذي فيها، فعاد ليزعم أنّ الملائكة صبّت له الماء في تلك الجرّة، وأنّها أفاضت الماء له من الهواء، من غير أن يشير إلى أنّ الملائكة الّتي كات بجنبه قد ارتفعت عن الأرض! ولما كانت الملائكة بخدمة سهل؛ فقد فاتها شرف السّبق في إحضار الماء الّذي أحرزه الدّبّ!

ولكن ربّما اعترض جاهل! كيف عسر على مثل سهل الحصول على الماء حتّى يحضره له ذلك الدبّ؟ وكان بإمكانه أن يحرّك الرّيح فتثير سحاباً تمطر، أو يفجّر الأنهار؟! ذكر الشّعرانيّ في طبقات الأخيار 1: 158 أنّ سهل بن عبد الله التستريّ قال: أشهدني الله تعالى ما في العلى وأنا ابن ستّ سنين، ونظرت في اللّوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلّسهم السّماء وأنا ابن تسع سنين، ورأيت في السّبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجنّ والإنس ففهمته، وحمدت الله على معرفته، وحرّكت ما سكن، وسكّنت ما تحرّك بإذن الله تعالى، وأنا ابن أربع عشرة سنة. (1)

ليس العجب في تصديقهم أضغاث أحلام سهل هذه! وإنّما تكذيبهم سابقيّة امير المؤمنين عليه‌السلام بشرف شهود الوحي وإطلاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه على الدّعوة الإسلاميّة الّتي بعث بها. ودعواهم أنّ عليّاً عليه‌السلام كان صغيراً لا تجري عليه الأحكام! أمّا سهل، فإنّه في عمرٍ أقلّ من سنّ عليّ الذي شهد به نور الدّعوة، يطلعه الباري سبحانه على ما في العلى - وإن لم يصرّح لنا ماذا شهد في تلك العلى - وبعد غيبوبة سنتين، نظر في اللّوح الّذي ما سبقه

____________________

(1) حلية الأولياء 10: 210. انظر ترجمة سهل بن عبد الله التّستريّ، في: صفة الصفوة 4: 64 - 66؛ المنتظم لابن الجوزيّ 12: 362 رقم 1898؛ العبر 2: 70؛ البداية والنّهاية 11: 74؛ حلية الأولياء 10: 189 - 212 رقم 554؛ وفيات الأعيان منشورات الشريف الرضيّ 2: 281 - 282؛ تاريخ الإسلام 21: 186.

١٦٤

إليه نبيّ مرسل! فكان ذلك سبباً مكنّه بعد سنة من حلّ طلّسهم السّماء الذي أبقاه لغزاً معقّداً تاهت فيه عقول مريديه، فبات سهلاً على سهل أن يؤزّهم ويسكّنهم ويعمّي عليهم كنه الحرف الّذي عجز الإنس والجنّ عن فهمه!

ومن الحتم أنّ سهلاً لو شاء أن يسكّن الشّمس أو يعيدها من بعد مغيب لكان له ذلك! وبذا تسقط حجّة الرّوافض الّذين تمسّكوا بحديث ردّ الشّمس وجعلوه من كرامات عليّ ابن أبي طالب!

حوراء بأربعة آلاف

قال زكريّا بن يحيى (1) النّاقد: اشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلمّا كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء، وهي تقول: وفيت بعهدك، فها أنا التي قد اشتريتني. فيقال إنّه مات عن قريب.

جزى الله النّاقد ما يستحقّ إذ يسّر على التوّاقين للحور العين، ودلّهم على الباب الّذي يلجونه إلى قاصرات الطّرف الحسان. وما أيسره من مهر: أربعة آلاف ختمة! ولكن: من قال إنّ النّداء الّذي سمعه النّاقد كان من حورائه، لا من الشّيطان؟!

إحياء الموتى

ليس ردّ الشّمس أعظم ولا حتّى يساوي ردّ الحياة للميّت، وانتزاع الأرواح عنوةً من قبضة ملك الموت! ولو لا أنّ القرآن الكريم قد أخبر أنّ من معاجز عيسى عليه‌السلام إحياء الموتى ( وَأُحْيِي الْمَوْتَى‏ بِإِذْنِ اللّهِ ) (2) - تصديقاً لنبوّته وتبكيتاً لجدل بني إسرائيل - لما كان سهلاً

____________________

(1) أحد أئمّة الحديث من تلاميذ أحمد بن حنبل، توفّي سنة 285. جاء في ترجمته: «زكريّا بن يحيى بن عبد الملك بن مروان بن عبد الله، أبو يحيى النّاقد. سمع خالد بن خداش، وأحمد بن حنبل، روى عنه أبو بكر الخلال الحنبليّ، وأبو سهل القطّان. كان أحد العبّاد المجتهدين. قال أحمد بن حنبل فيه: هذا رجل صالح. وقال الدار قطنيّ: هو فاضل ثقة. المنتظم 12: 386 - 387 رقم 1920؛ مناقب أحمد 510؛ تاريخ بغداد 8: 461 - 462.

(2) آل عمران: 49.

١٦٥

تصديق ذلك اعتماداً على الأخبار إلاّ أنّ القوم راقهم أن يوزّعوا معاجز الأنبياء عليهم‌السلام - على هذا أو ذاك ممّن نعتوهم بالزّهد والولاية. ويستوي عندهم ردّ الحياة للإنسان والحيوان حتّى لو كان دجاجةً لم يبق منها إلاّ العظام! وقد مرّت بنا قصّة عودة الحياة إلى حمار شيبان.

باعلوي يحيي الميّت

«لما رجع أبو بكر بن عبد الله باعلوي من الحجّ، دخل زيلع، وكان الحاكم بها يومئذ محمّد بن عتيق. فاتّفق أنّه ماتت أمّ ولد للحاكم المذكور، وكان مشغوفاً بها فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه السيّد  باعلوي لما بلغه عنه من شدّة الجزع ليعزّيه ويأمره بالصّبر، وهي مسجّاة بين يديه بثوب، فعزّاه وصبّره فلم يفد فيه ذلك، وأكبّ على قدمي الشّيخ يقبلّهما وقال: لا سيّدي! إن لم يحي الله هذه متّ أنا أيضاً، ولم يبق لي عقيدة في أحد! فكشف السيّد عن وجهها وناداها باسمها، فأجابته: لبّيك؛ وردّ الله روحها. وخرج الحاضرون ولم يخرج السيّد حتّى أكلت مع سيّدها الهريسة وعاشت مدّة طويلة» (1) .

لا نعترض على ابن العماد الحنبليّ ولا على غيره من رواة هذه القصص، ولكن لنا أن نسألهم: هل إعادة الحياة لحمار شيبان، وردّ روح هذه المرأة ونظائر ذلك إلاّ ايمان بمبدأ (2) الرّجعة الذي يعتقده المسلمون من شيعة امير المؤمنين عليه‌السلام ؛ والذي جعلوه أحد الأمور الّتي يشنّعون بها عليهم ويصمونهم لأجلها بالكفر والزندقة؟!

وقال ابن العماد: «دخل أحمد بن يحيى الشّاويّ اليمنيّ على القاضي عثمان بن محمّد الناشريّ وقد أرجف بموته، ثمّ خرج وعاد إليه وقال لأهله: قد استمهلت له ثلاث سنين. فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص». (3)

____________________

(1) شذرات الذّهب 8: 63.

(2) ويتلخّص في أنّ الله تعالى يردّ قوماً من الأموات إلى الدّنيا في صورهم الّتي كانوا عليها فيعزّ منهم فريقاً ويذلّ فريقاً، ويدلّ المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . وقد جاء القرآن بصحّة ذلك وتظاهرت به الأخبار. انظر: أوائل المقالات للشيخ المفيد: 88 - 89.

(3) شذرات الذّهب 7: 240.

١٦٦

عبد القادر ينتزع الأرواح من ملك الموت

قال أحمد الرّفاعيّ: توفّي أحد خدّام الشّيخ عبد القادر (1) الگيلانيّ، وجاءت زوجته إليه فتضرّعت والتجأت إليه وطلبت حياة زوجها، فتوجّه الشّيخ إلى المراقبة، فرأى في عالم الباطن أنّ ملك الموت يصعد إلى السماء ومعه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم، فقال: يا ملك الموت! قف، واعطني روح خادمي فلان. فقال ملك الموت: إنّي أقبض الأرواح بأمر إلهيّ وأودّيها إلى باب عظمته، كيف يمكنني أن أعطيك روح الّذي قبضته بأمر ربّي؟ فكرّر الشّيخ عليه إعطاء روح خادمه إليه، فامتنع من اعطائه، وفي يده ظرف معنويّ كهيئة الزّنبيل فيه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم، فبقوّة المحبوبيّة جرّ الزّنبيل وأخذه من يده، فتفرّقت الأرواح ورجعت إلى أبدانها...» (2) .

إنّ عبد القادر الّذي لا يملك من أمره شيئاً، والذي ترعد فرائصه مثل غيره إذا حضره ملك الموت ليقبض روحه، وقد نعته ابن كثير - وهو من هو! - بجمعه الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأنّ أكثر أفعاله ومكاشفاته من مغالاة أصحابه، فإنّه قد لوى ملك الموت وفكّ قبضته عن الأرواح الّتي عرج بها في زنبيل معنويّ؛ وذلك بصولة المحبوبيّة! ولكن احتراماً للمحبوبيّة ألم يكن أولى به أن يرفق بسفير الله تعالى المكلّف بقبض الأرواح من عنده سبحانه؟!

وذكر اليافعيّ في مرآة الجنان خبراً آخر من كرامات عبد القادر، أعاد الحياة فيه إلى

____________________

(1) الشّيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلانيّ، نسبة إلى جيلان إقليم في إيران جنوبيّ بحر قزوين. ولد عبد القادر الصّوفيّ بها وانتقل إلى بغداد فتوفّي بها وقبره بها يزار.

في البداية والنهاية 12: 252: الشّيخ عبد القادر بن أبي صالح أبو محمّد الجيليّ، ولد سنة 470، ودخل بغداد، فسمع الحديث وتفقّه على أبي سعيد المخرميّ الحنبليّ، وقد كان بنى مدرسة ففوّضها إلى الشيخ عبد القادر، فكان يتكلّم على النّاس بها ويعظم. وكان له سمت حسن، وكان فيه تزهد كثير، وله أحوال صالحة ومكاشفات، ولأتباعه وأصحابه فيه مقالات، ويذكرون عنه أقوالاً وأفعالاً ومكاشفات أكثرها مغالاة. وقد كان صالحاً ورعاً، وقد صنّف كتاب «الغنية» و «فتوح الغيب»، وفيهما أشياء حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفة وموضوعة! وبالجملة كان من سادات المشايخ. توفّي سنة 561 وله تسعون سنة ودفن بالمدرسة الّتي كانت له.

(2) تفريح الخاطر 5. طبع مصر، مطبعة عيسى البابيّ الحلبيّ سنة 1339 هـ.

١٦٧

ميّت ولم يكن بشراً وإنّما دجاجة أكل لحمها وبقيت عظامها. قال: «روى الشّيخ الإمام أبو الحسن عليّ بن يوسف بن جرير الشّافعيّ اللّخميّ في مناقب الشّيخ عبد القادر، بسنده من خمسة طرق، وعن جماعة من الشّيوخ الجلّة أعلام الهدى العارفين، قالوا: جاءت امرأة بولدها إلى الشّيخ عبد القادر فقالت له: يا سيّدي! إنّي رأيت قلب ابني هذا شديد التعلّق بك، وقد خرجت عن حقّي فيه لله عزّ وجلّ ولك. فقبله الشّيخ وأمره بالمجاهدة وسلوك الطّريق. فدخلت أمّه عليه يوما فوجدته نحيلاً مصفرّاً من آثار الجوع والسّهر، ووجدته يأكل قرصاً من الشّعير، فدخلت إلى الشّيخ فوجدت بين يديه إناء فيه عظام دجاجة مسلوقة قد أكلها، فقالت: يا سيّدي! تأكل لحم الدّجاج ويأكل ابني خبز الشّعير؟! فوضع يده على تلك العظام وقال: قومي بإذن الله تعالى. فقامت الدّجاجة سويّة وصاحب!. فقال الشّيخ: إذا صار ابنك هكذا فليأكل ما شاء» (1) .

ومن أخباره: «لما قربت وفاة الشّيخ عبد القادر الجيلانيّ، جاء سيّدنا عزرائيل بمكتوب ملفوف من الربّ الجليل في وقت غروب الشّمس وأعطاه ولده الشّيخ عبد الوهاب، وكان مكتوب على ظهره: يصل هذا المكتوب من المحبّ إلى المحبوب. فلمّا رآه ولده بكى وتحسّر ودخل بالمكتوب مع سيّدنا عزرائيل على حضرة الشّيخ، وقبل هذا بسبعة أيّام كان معلوماً لدى الشّيخ انتقاله إلى العالم العلويّ، وكان مسروراً ودعا الله لمحبّيه ومخلصيه بالمغفرة، وتعهّد لهم أن يكون شفيعاً لهم يوم القيامة، وسجد لله تعالى وجاء النداء: يا أيّتها النّفس المطئنّة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة. وضجّ عالم النّاسوت بالبكاء، وابتهج عالم الملكوت باللّقاء» (2) . فما أجرأ عزرائيل على الدخول على الجيلانيّ الّذي انتزع منه الأرواح سابقاً!

____________________

(1) مرآة الجنان 3: 356.

(2) تفريح الخاطر / 38.

١٦٨

الله تعالى يثأر للشّيخين

ذكر القيروانيّ (1) عن بعض السّلف، قال: كان لي جار يشتم أبا بكر، وعمر، فلمّا كان ذات يوم أكثر من شتمهما، فتناولته وتناولني، فانصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين، فنمت وتركت العشاء، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقلت: يا رسول الله! فلان يسبّ أصحابك! قال: من أصحابي؟ قلت: أبو بكر، وعمر. فقال: خذ هذه المدية فاذبحه بها فأخذتها فأضجعته وذبحته، ورأيت كأنّ يدي أصابها من دمه فألقيت المدية وأهويت بيدي إلى الأرض لأمسحها، فانتبهت وأنا أسمع الصّراخ من نحو داره، فقلت: ما هذا الصّراخ؟ قالوا: فلان مات فجأة! فلمّا أصبحنا جئت فنظرت إليه فإذا خطّ موضع الذّبح. (2)

لم يذكروا اسم السّلف الّذي روى هذه الحكاية، ولعل السّبب أنّ القيروانيّ كان يروي كلّ غريبة كما جاء في ترجمته. وأمر آخر: أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصدر أمره لهذا السّلف بذبح من يسبّ الصّحابة إلاّ بعد أن علم أنّه يسبّ أبا بكر وعمر. وعلى هذا لم نجده صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر أحداً من السّلف بذبح معاوية وبطانته الّذين كانوا يسبّون عليّاً عليه‌السلام ويلعنونه!

ومن غرائب القيروانيّ، قال: أخبرني شيخ لنا من أهل الفضل، قال: أخبرني أبو الحسن المطّلبيّ إمام مسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال رأيت بالمدينة عجباً! كان رجل يسبّ أبابكر، وعمر رضي الله عنهما، فبينا نحن يوماً من الأيّام بعد صلاة الصّبح إذ أقبل رجل وقد خرجت عيناه وسالتا على خدّيه، فسألناه: ما قصّتك؟ فقال: رأيت البارحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ بين يديه، ومعه أبوبكر وعمر فقالا: يا رسول الله، هذا الذي يؤذينا ويسبّنا! فقال لي رسول الله: من أمرك بهذا يا أبا قيس؟! فقلت: عليّ، وأشرت عليه فأقبل عليّ عليّ بوجهه ويده وقد ضمّ أصابعه وبسط السبّابة والوسطى وقصد بها إلى عينيّ، فقال: إن كنت كذبت ففقاً

____________________

(1) أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم الحصريّ القيروانيّ. شاعر له ديوان شعر. وله كتاب «زهر الآداب وثمر الألباب» جمع فيه كلّ غريبة. كان شبان القيروان يجتمعون إليه ويأخذون عنه. توفّي سنة 413 وقيل: سنة 453. تاريخ الإسلام للذهبيّ 30: 340؛ وفيات الأعيان 1: 37؛ سير أعلام النبلاء 18: 139؛ الوافي بالوفيات 6: 61.

(2) الرّوح: 254.

١٦٩

الله عينيك، وأدخل إصبعيه في عيني. فانتبهت من نومي وأنا على هذه الحال، فكان يبكي ويخبر النّاس وأعلن التوبة. (1)

ما أيسر وأكثر رؤية هذا وذاك للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ! ولكن هل في مثل هذا المقام محلّ لتكنية هذا الرّجل من غير تصريح باسمه؟! وما الهدف من نسج مثل هذه القصّة؟! قال ابن القيّم: وذكر ابن أبي الدنيا، عن أبي حاتم الرّازيّ، عن محمّد بن عليّ، قال: كنّا بمكّة في المسجد الحرام قعوداً، فقام رجل نصف وجهه أسود ونصفه أبيض، فقال: يا أيّها النّاس، اعتبروا بي فإنّي كنت أتناول الشّيخين وأشتمهما، فبينما أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آتٍ فرفع يده فلطم وجهي، وقال لي: يا عدوّ الله يا فاسق! ألستَ تسبّ أبا بكر وعمر؟! فأصبحت وأنا على هذه الحالة. (2)

قال: وقال محمّد بن عبد الله المهلبيّ: رأيت في المنام كأنّي في رحبة بني فلان، وإذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس على أكمة ومعه أبوبكر واقف قدّامه، فقال له عمر: يا رسول الله هذا يشتمني ويشتم أبا بكر! فقال: جئ به يا أبا حفص، فأتي برجل فإذا هو العمانيّ وكان مشهوراً بسبّهما فقال له النّبيّ: أضجعه، فأضجعه، ثمّ قال: اذبحه، فذبحه قال: فما نبّهني إلاّ صياحه، فقلت: ما لي لا أخبره؟ عسى أن يتوب، فلمّا تقرّبت من منزله سمعت بكاءً شديداً فقلت ما هذا البكاء؟ فقالوا: العمانيّ ذبح البارحة على سريره! قال: فدنوت من عنقه فإذا من أذنه إلى أذنه طريقة حمراء كالدم المحصور. (3)

لم يكلّفنا ابن القيّم عناء التفتيش عن هويّة هذا العمانيّ العلم المشهور بسبّ الشّيخين؛ فبقي مجهولاً لنا لا نعلم من حاله شيئاً!

ليس من شأننا أن نغمط للشّيخين ولا لغيرهما حقّاً، ولكنّ ترك الإنصاف من لدن ابن الجوزيّة هو ما يعنينا هنا؛ إذ يسرد فضائل الشّيخين وغيرهما، وأساسها أحلام قوم رأوها في المنام وتحقّقت في الواقع الملموس، حيث ثأر الله سبحانه ممّن سبّهما فقتله! فهلاّ

____________________

(1) الرّوح: 257.

(2) نفس المصدر 256.

(3) نفس المصدر 257.

١٧٠

حصل مثل ذلك لمن جعل من تتمّة العبادة وأداء الصّلاة هو لعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ؟! وهل من العدل أن ينتقم تعالى ممّن سبّ أبا بكر وعمر، ويغفر لمن خرج على عليّ عليه‌السلام فقاتله، ثمّ جعل سبّه سنّة؟!

قال: قال سعيد بن أبي عروبة (1) ، عن عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلّمت وجلست، فبينا أنا جالس إذ أتي بعليٍّ ومعاوية فأدخلا بيتاً وأجيف عليهما الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج عليّ وهو يقول: قضي لي وربّ الكعبة. وما كان بأسرع من أن خرج معاوية على أثره وهو يقول: غفر لي وربّ الكعبة (2) !

هكذا وبهذه السّرعة خرج عليّ عليه‌السلام صنو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصهره وأبو ذرّيّته، ووصيّه وحامل رايته، المطهّر بصريح القرآن والسّنّة... وقد قضي له! فبماذا كان القضاء؟ أبالحكم - على الطليق ابن الطليق الملعون هو وأبوه على لسان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بجهنّم لخروجه على إمام زمانه العادل، وسفك دماء ألوف المسلمين بذلك الخروج؛ فخالف به أمر النّبيّ وسنّته في وجوب طاعة الحاكم الشرعيّ، مع أنّ مقاتلة عليّ وحربه حرب لله ورسوله بحكم الولاية الشّرعيّة وتنصيص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أنّ حرب عليّ حرب لله ورسوله، وأنّ حبّه عبادة،

____________________

(1) سعيد بن أبي عروبة، واسمه مهران العدويّ البصريّ، مولى بني عديّ بن يشكر. روى عن: أيّوب السّختيانيّ، والحسن البصريّ، وسليمان الأعمش، وقتادة، ومالك بن دينار، والنّضر بن أنس بن مالك وغيرهم. روى عنه: سفيان الثّوريّ، وسليمان الأعمش - وهو من شيوخه -، وشعبة بن الحجّاج، وإبراهيم بن طهمان والنّضر بن شميل، ويحيى بن سعيد القطّان، ويزيد بن هارون، ويحيى بن مطر المجاشعيّ البصريّ، ويزيد بن زريع... قال أبو حاتم: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يكن لسعيد بن أبي عروبة كتاب «الجرح والتعديل 4 ترجمة 276». وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبيه: سعيد بن أبي عروبة قبل أن يختلط ثقة «نفس المصدر» وقال أبو زرعة الدّمشقيّ، عن دحيم: إنّ سعيد بن أبي عروبة اختلط «نفس المصدر». قال وكيع: كنّا ندخل على سعيد بن ابي عروبة فنسمع، فما كان من صحيح حديثه أخذناه، وما لم يكن صحيحاً طرحناه، الثقات 1: 160. التهذيب 4: 62؛ طبقات خليفة 378 ح تاريخ الإسلام 6: 183؛ الضعفاء لابن الجوزيّ 166. قالوا: مات سعيد ابن أبي عروبة سنة 156، وقيل سنة 157.

(2) الرُّروح: 38 - 29.

١٧١

وأنّ حبه حبّ لله تعالى ورسوله و بغضه بغض لله ورسوله، كما استفاضت بذلك كتب الرجال والتاريخ والحديث عند المصنّفين غير الرّوافض؟!

وخروج معاوية على عليّ عليه‌السلام وما تبع ذلك هو خروج على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعليّ نفس رسول الله على ما هو في آية المباهلة، إلاّ أنّ معاوية قد خرج من القضاء الربّانيّ مغفوراً له لم يعرق له جبين!

( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) ؟! ولم يتورّع ابن القيّم من إنكار حديث ردّ الشّمس على أنّه معجزة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرامة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومضى أبعد من ذلك فجعله من مفتريات الشّيعة! وقد وجدنا الكتب المعتبرة عند أهل المذاهب الإسلاميّة قد أصفقت على ذكره على أنّه حقيقة مسلّمة. فلهذا وذاك أطلنا الحديث في هذا الفصل ليكون فيه الفصل ولأنّ الكلام يجرّ إلى الكلام. ونختمه بحديث ردّ الشّمس لإسماعيل الحضرميّ، حيث لم نجد من ابن القيّم ولا غيره اعتراضاً عليه ولا نبساً ببنت شفة فيه!

ردّ الشّمس لإسماعيل (2) الحضرميّ

قال السّبكيّ: ممّا حكي من كرامات الحضرميّ واستفاض، أنّه قال يوماً لخادمه وهو في سفر: قل للشّمس تقف حتّى نصل إلى المنزل. وكان في مكان بعيد، وقد قرب غروبها، فقال لها الخادم: قال لك الفقيه إسماعيل: قفي! فوقفت حتّى بلغ مكانه، ثمّ قال للخادم: أما تطلق ذلك المحبوس؟! فأمرها الخادم بالغروب فغربت، وأظلم الليل في الحال (3) !

____________________

(1) القلم / 36.

(2) إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل بن عليّ بن عبد الله الحضرميّ، نسبةً إلى حضرموت.

قال ابن قاضي شهبة الدمشقيّ «779 - 851 هـ) في كتاب طبقات الشّافعيّة 2: 131؛ إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل، الشّيخ الإمام الوليّ العارف، قطب الدّين ن الحضرميّ، شارح المهذّب. وله مصنّفات كثيرة. قال الحافظ عفيف الدّين المطريّ: مصنّفاته فيما يتعلّق بالمذهب ببلاد اليمن شهيرة، وكراماته ظاهرة كادت تبلغ حدّ التواتر. توفّي في حدود سنة ستُ أو سبع وسبعين وستمائة.

(3) طبقات الشّافعيّة الكبرى لتقيّ الدّين السّبكي الشافعيّ 5: 51.

١٧٢

إنّ من تأتمر الكائنات بأمره لا يحتاج إلى الشّمس دليلاً إلى منزلة، فعلام هذا الحبس للشّمس؟! وأيّ خطر على الحضرميّ لو أمر الشّمس بنفسه، وإنّما أوكل هذه المهمّة إلى خادمه، الذي خاطب الشّمس بفقه الحضرميّ فوقفت عن سيرها، ثمّ أمرها فغربت؟! وليس لرافضيّ - كذا - أن يشكل على الخبر؛ فهو واحدة من كرامات الحضرميّ المستفيضة! كما وليس له أن يتّخذه دليلاً على صحّة خبر حبس الشّمس لعليّ عليه‌السلام بدعاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله !

وقال اليافعيّ (1) : من كرامات إسماعيل الحضرميّ وقوف الشّمس له حتّى بلغ مقصده، لما أشار إليها بالوقوف في آخر النّهار. وهذه الكرامة ممّا شاع في بلاد اليمن وكثر فيها الانتشار، ومنها: أنّه نادته سدرة والتمست منه أن يأكل منها هو وأصحابه من ثمرها، وإليه أشرت بقولي:

هو الحضرميّ نجل الوليّ محمّدٍ

إمام المهدي نجل الإمام الممجّد

ومن جاهه أوما إلى الشّمس أن: قفي

فلم تمش حتّى أنزلوه بمقصدٍ

وترجم له ابن العماد (2) الحنبليّ، وذكر له كرامات عدّة يزاحم بعضها بعضاً فيبزّه في الرفعة والعظمة! من ذلك:

«أنّ ابن معطي قيل له في النّوم: اذهب إلى إسماعيل الحضرميّ واقرأ عليه الحو. فلمّا انتبه تعجّب لكون الحضرميّ لا يحسنه - أي لا يحسن النحو - ثمّ قال: لا بدّ من الامتثال. فدخل عليه وعنده جمع يقرؤون عليه الفقه، فبمجرّد رؤياه قال: أجرتك بكتب النحو! فصار لا يطالع فيه شيئاً إلاّ عرفه بغير شيخ (3) !

ومنها أنّ بعض الصّلحاء رأى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: من قبّل قدم الحضرميّ دخل

____________________

(1) مرآة الجنان وعبر اليقظان لعبد الله بن أسعد اليافعيّ 4: 178.

(2) شذرات الذّهب 5: 361، في أحداث سنة ثمان وسبعين وستّمائة، قال: وفيها توفّي الشّيخ القدوة إسماعيل الحضرميّ. قال المناويّ: قطب الدّين الإمام الكبير العارف الشهير قدوة الفريقين وعمدة الطريقين شيخ الشّافعيّة ومربّي الصوفيّة إمام الأئمّة... ثمّ ذكر كراماته.

(3) شذرات الذّهب 5: 362.

١٧٣

الجنّة. فبلغ الحكميّ مفتي زبيد، فقصده ليقبّلها، فلمّا وقع بصره عليه مدّ له رجليه. (1)

الحضرميّ من أولياء الله تعالى، وهو باب مدينة العلم! والجنّة تحت أقدامه لا تحت أقدام الأمّهات! ولكن كيف يعلم الحضرميّ خطرات النّفوس وخلجات القلوب وما يحصل لها حال المنام؟!

قال: ومنها أنّه زار مقبرة زبيد، فبكى كثيراً ثمّ ضحك فسئل، فقال: كشف لي فرأيتهم يعذّبون، فشفعت فيهم، فقالت صاحبة هذا القبر: وأنا معهم يا فقيه؟ قلت: من أنت؟ قالت: فلانة المغنّية؛ فضحكت وقلت: وأنتِ. (2)

وهذه إحدى شمائل هؤلاء الأصفياء أنّهم لا يشفعون إلاّ من بعد إذنه، ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى فحظيت هذه المغنّية بشفاعة الحضرميّ!

قال: ومنها أنّه قصد بلدة زبيد فكادت الشّمس تغرب وهو بعيد عنها، فخاف أن تغلق أبوابها فأشار إلى الشّمس فوقفت حتّى دخل المدينة، وإليه أشار الإمام اليافعيّ (3) ثمّ ذكر شعر اليافعيّ.

____________________

(1) شذرات الذّهب 5: 362.

(2) نفس المصدر 5: 362.

(3) نفس المصدر.

١٧٤

الفصل الرابع

الصراط المستقيم

( اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (1)

مسلم بن حنان، عن أبي بريدة في قول الله تعالى ( اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال: صراط محمّد وآله. (2)

وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام واحد من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . وإنّما هو أبو الآل عليه وعليهم السّلام؛ فصراطه هو الصراط المستقيم.

وحدّث حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالب: «أنت الطريق الواضح، وأنت الطريق المستقيم، وأنت يعسوب المؤمنين». (3)

قوله: «إنّ سورة الفاتحة تتضمّن الردّ على الرّافضة»!

لقد قفى ابن القيّم مسلك ابن تيميّة في تطويع آيات القرآن الكريم لإثبات باطله؛ وليس عكس: بأن يردّا كلّ شيء إلى كتاب الله تعالى ثمّ إلى سنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا وضعا قدميهما في غرز غيٍّ تحمّلا وزره في الدنيا والآخرة. قال: ابن القيّم: إنّ سورة الفاتحة

____________________

(1) الفاتحة / 6.

(2) شواهد التنزيل: الحسكانيّ الحنفيّ 1: 57.

(3) نفس المصدر 1: 58.

١٧٥

تتضمّن الردّ على الرّافضة وذلك في قوله:

( اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (1) إلى آخرها.

ووجه تضمّنه إبطال قولهم أنّه سبحانه قسّم النّاس إلى ثلاثة أقسام «منعم عليهم» وهم أهل الصراط المستقيم، الّذين عرفوا الحقّ واتّبعوه. و «مغضوب عليهم» وهم الذين عرفوا الحقّ ورفضوه. و «ضالّون» وهم الّذين جهلوه فأخطأوه. فكلّ من كان أعرف للحقّ، وأتبع له؛ كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أنّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هم أولى بهذه الصّفة من الرّوافض...» (2) .

ثمّ خصّص من الصّحابة: أبا بكر، وعمر، على ما نسبه إلى أبي العالية الرّياحيّ، قال: «قال أبو العالية - رفيع الرّياحيّ - الصّراط المستقيم: رسول الله وصاحباه» (3) .

قال: وعن زيد بن أسلم: «الذين أنعم الله عليهم: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو بكر و عمر» (4) .

قال: «ولا ريب أنّ المنعم عليهم هم أتباعه، والمغضوب عليهم هم الخارجون عن أتباعه. وأشدّ الأمّة مخالفة له هم الرّافضة، فخلافهم له معلوم عند جميع فرق الأمّة. فقد تبيّن أنّ الصّراط المستقيم: طريق أصحابه وأتباعه. وطريق أهل الغضب والضّلال: طريق الرّافضة» (5) .

الجواب: لقد تعمّد ابن القيّم الكذب في كلامه هذا - كما هو شأنه في جلّ ما يقول وهذا وحده عنوان في تزكية المسلمين الشّيعة الذين رماهم بدائه، أي الكذب، وإذا صحّ تفسير الآية وتواليها، فإنّما يصحّ إطلاق لفظ: الردّ، والباطل، على فرق المشركين واليهود

____________________

(1) سورة الفاتحة / 6.

(2) مدارج السّالكين في إيّاك نعبد وإيّاك نستعين لابن قيّم الجوزيّة 1: 83.

(3) نفس المصدر 1: 84.

(4) نفس المصدر 1: 85. ترجم له ابن الأثير في أسد الغابة 2: 12 باختصار مع اضطراب وتردّد. وفي مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 9: 108 قال: زيد بن أسلم أبو عبد الله العدويّ مولى عمر بن الخطّاب، كان مع عمر بن عبد العزيز في خلافته، واستقدمه الوليد بن يزيد في جماعة من فقهاء المدينة. ولم يذكرا الحديث الذي نسبه إليه ابن القيّم.

(5) مدارج السّالكين 1: 85. وذكره بهذا النصّ في كتابه: التفسير القيّم 63 - 65.

١٧٦

والمنافقين، فهؤلاء أولى بنعوت الضّلال واستحقاق الغضب والعقاب. أمّا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا نتنقّص فضائلهم ونصرتهم للحقّ؛ ولكن أليس عليّ من الصحابة وله من الخصائص ما يجعل شيعته على الصراط المستقيم؟ وإذا كان ابن القيّم قد انتقل في كلامه من العامّ إلى الخاصّ من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أبوبكر و عمر» مستنداً على رواية أبي العالية، فإنّ الرّوايات الّتي تنصّ على أنّ الصراط هو صراط عليّ أوسع من أن يحاط بها، ليس في هذه الآية وحسب، وإنّما في كلّ آية تتساوق معها في المعنى والمعطى من مدلول الصّراط ومشتقّاته. ومثل ذلك كثير في أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وليس هذا يعني تنقيص الشّيخين وإنكار ما لهما من فضائل، وإنّما هو مقتضى المقال إذ أراد ابن القيّم أن يتّخذ من الصّحابه سبباً يتوصّل به لهدف غير نبيل.

وقبل العرض لحديث الصّراط المستقيم، علينا أن نعطي ترجمة لأبي العالية.

أبو العالية رفيع بن مهران

لم أعثر على ترجمة لأبي العالية، يركن إلى صاحبها في النّقل، وتشفع روايته في أن نعرض صفحاً عن سيل الأحاديث والرّوايات الأخرى، بل نجد في ترجمته طعناً وتضعيفاً... مع عدم وجود ترجمة وافية لنسبه وتاريخ إسلامه. قال خليفة: «أبو العالية الرّياحيّ، اسمه رفيع، اعتقته امرأة من بني رياح بن يربوع، سائبة» (1) .

وقال ابن الأثير: رفيع أبو العالية الرّياحيّ، أدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أبو خلدة خالد بن دينار: سألت أبا العالية الرّياحيّ: أدركت النبيّ؟

قال: لا، جئت بعده بسنتين أو ثلاث. (2)

وفي الإصابة: رفيع بن مهران أبو العالية الرّياحيّ، مشهور في التابعين، له إدراك يقال: إنّه دخل على أبي بكر وصلّى خلف عمر. وأخرج أبو أحمد الحاكم من طريق أبي خلدة، قال: قلت لأبي العالية: أدركت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: لا، جئت بعده بسنتين أو ثلاث.

____________________

(1) طبقات خليفة بن خيّاط 348؛ المصنّف لابن أبي شيبة 13 رقم 15782.

(2) أسد الغابة 2: 235؛ وتاريخ ابن عساكر 6: 132.

١٧٧

قال عاصم لأبي العالية: من أكبر من رأيت؟ قال: أبو أيّوب؛ غير أنّي لم آخذ عنه شيئاً. وقال الآجرّيّ عن أبي داود: ذهب علم أبي العالية، لم يكن له رواة.

قال الشّافعيّ: «حديث الرّياحيّ رياح! مات سنة تسعين وقيل بعدها بثلاث، والأوّل أقوى» (1) .

وفي تهذيب التهذيب: «رفيع بن مهران أبو العالية الرّياحيّ مولاهم البصريّ. أدرك الجاهليّة، وأسلم بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بسنتين، ودخل على أبي بكر، وصلّى خلف عمر.

قال ابن عديّ: له أحاديث صالحة، وأكثر ما نقم عليه حديث «الضّحك في الصّلاة». وكلّ من رواه غيره فإنّما مدارهم ورجوعهم إلى أبي العالية، والحديث له، وبه يعرف، وسائر أحاديثه سقيمة. وقال ابن المدينيّ: أبو العالية، سمع من عمر عن يحيى: لم يسمع من عليّ (2) . وقال أحمد: حدّثنا حجّاج، حدّثنا شعبة: قد أدرك رفيع عليّاً، ولم يسمع منه. وقال النّضر بن شميل، عن شعبة، عن عاصم: قلت لأبي العالية: من أكبر من رأيت؟ قال: أبو أيّوب، غير أنّي لم آخذ عنه شيئاً. رواه ابن أبي حاتم في «المراسيل». وقال العجليّ: تابعيّ من كبار التابعين. (3)

ويقال: إنّه لم يسمع من عليّ، إنّما يرسل عنه.

وعن أبي خلدة، عنه قال: رحم الله الحسن، قد سمعت العلم قبل أن يولد. (4)

وروى أبو أحمد الحاكم، عن أبي خلدة، قال: قلت لأبي العالية: أدركت النبيّ؟ قال: لا، جئت بعده سنتين أو ثلاث. وقال الشّافعيّ: حديث الرّياحيّ رياح. (5)

وفي «لسان الميزان»: (أبو العالية) عن الحسن البصريّ. ما حدّث عنه سوى شريك،

____________________

(1) الإصابة 1: 528؛ العبر 1: 109؛ تذكرة الحفّاظ 1: 62؛ تاريخ البخاريّ الكبير 3 ترجمة رقم 1103؛ المعارف 454؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزّيّ 9: 214 - 218.

(2) تهذيب التهذيب للعسقلانيّ 3: 253 - 254.

(3) نفس المصدر 3: 254؛ تاريخ الثقات للعجليّ: 503.

(4) نفس المصدر 3: 255.

(5) نفس المصدر.

١٧٨

لا يعرف. (1)

وعن قصّة عتق أبي العالية، قال ابن سعد: «أبو العالية الرّياحيّ، واسمه رفيع اعتقته امرأة من بني رياح سائبةً.

قال أبو العالية: اشترتني امرأة فأرادت أن تعتقني، فقال لها بنو عمّها: تعتقينه فيذهب إلى الكوفة فينقطع! قال: فأتت بي مكاناً في المسجد فقالت: أنت سائبة.

قال: والسّائبة يضع نفسه حيث يشاء. (2)

ثمّ ذكر جملة روايات تؤشّر على شخصيّة أبي العالية وتضعه موضع التهمة: عن أبي العالية قال: قرأت المحكم بعد وفاة نبيّكم بعشر سنين، فقد أنعم الله عليّ بنعمتين لا أدري أيّتهما أفضل: أن هداني للإسلام، أم لم يجعلني حروريّاً (3) ؟! وعن يحيى بن خليف قال: حدّثنا أبو خلدة قال: قال أبو العالية: لما كان زمن عليّ، ومعاوية، وإنّي لشابّ القتال أحبّ إليّ من الطّعام الطيّب، فتجهّزت بجهاز حسن حتّى أتيتهم؛ فإذا صفّان لا يرى طرفاهما، إذا كبّر هؤلاء كبّر هؤلاء وإذا هلك هؤلاء هلك هؤلاء. قال فراجعت نفسي فقلت: أيّ الفريقين أنزله كافراً؟! وأيّ الفريقين أنزله مؤمناً؟! أومن أكرهني على هذا؟ فما أمسيت حتّى رجعت وتركتهم» (4) .

إنّ أبا العالية لم يصرّح مع من كان يريد أن يقاتل، مع امير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، أم مع معاوية؟ إلاّ أنّ مجموع القرائن تشير إلى أنّه كان في صفّ معاوية لقوله: «... أم لم يجعلني حروريّاً» أي من الخوارج الّذين انحازوا إلى حروراء. وهو إن لم يكن مع معاوية فهو ليس مع عليّ. ولكن لم تعبّأ للحرب إذن؟!

وهل غاب عنه من هو على حقّ ومن على باطل؟! فإن لم يبلغه مئات الأحاديث الناصّة على أنّ عليّاً عليه‌السلام مع الحقّ وأنّ الحقّ معه، والداعية إلى نصرته... فهلاّ بلغه الحديث

____________________

(1) لسان الميزان لابن حجر العسقلانيّ 7: 70.

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 7: 112.

(3) نفس المصدر: 113؛ تهذيب الكمال للمزّيّ 9: 216.

(4) الطبقات الكبرى 7: 114.

١٧٩

المشهور أنّ عمّاراً تقتله الفئة الباغية، وقد قتل عمّار شهيداً يوم صفّين في صفّ عليّ عليه‌السلام !.

وإضافة إلى تلك الأخبار في أبي العالية، ذكر ابن سعد، قال: «قال حجّاج، قال شعبة: قد أدرك رفيع عليّاً ولم يسمع منه» (1) . وفي هذا أمارة على مباعدته لعليّ عليه‌السلام . أم يقول قائل: ليس من ضرورات هذا الإدراك السّماع! فإنّ أبا العالية قد لبس لأمة حربه وتوجّه صوب صفّين مدّعياً أنّه أشكل عليه: أعليّ عليه‌السلام على حقّ، أم ابن حرب؟!

وإذا خفي على أبي العالية حال كلّ من عليّ عليه‌السلام ، ومعاوية فما باله يأتمّ بالحجّاج الثّقفيّ الّذي ما خفي حاله على صغير ولا كبير، ولم يتوقّف عن لعنه أحد؛ لعظيم ما جناه من قتله الصّالحين وعدوانه على بيت الله تعالى، وضربه الكعبة بالمنجنيق، واستخفافه بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتفضيله عبد الملك بن مروان على رسول الله، وقوله لما رأى النّاس يطوفون بقبره الشريف: إنّما يطوفون بأعوادٍ ورمّة بالية هلاّ طافوا بقصر امير المؤمنين عبد الملك بن مروان! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله؟! وهو ممّا كفّر به الفقهاء الحجّاج. (2)

بيد أنّ أبا العالية هائم حيران! يأتمّ بالحجّاج في الصّلاة حتّى يخاف الله تعالى، ويترك الصّلاة خلفه فيخاف الله لهذا التّرك!. عن أبي العالية قال: «صلّيت أوّل يوم فعلة الحجّاج يعني بآخر صلاة الجمعة قاعداً تلقاء وجهه، فعمّاه الله عنّي. ولقد صلّيت خلفه حتّى لقد خفت الله، ولقد تركت الصّلاة خلفه حتّى لقد خفت الله» (3) . ما أشدّه من تناقض! فإنّه إذا ترك الصلاة خلفه خوفاً من الله ولما كان يرى من أفعال الحجّاج، فلم يخاف الله لهذا التّرك؟! أم هو خوف من الحجّاج؟!

____________________

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 7: 117.

(2) الفتوح لابن أعثم 6: 275 - 279؛ الإمامة والسياسة، لابن قتيبة 2: 24؛ تاريخ الخلفاء للسيوطيّ 215؛ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 15: 243؛ الكامل في الأدب للمبرّد 1: 130؛ تاريخ اليعقوبيّ 2: 266.

(3) الطبقات الكبرى، لابن سعد 7: 115.

١٨٠