النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ١

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين13%

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 427

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 427 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95771 / تحميل: 4712
الحجم الحجم الحجم
النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألنّور المبين

فيما نزل من القرآن في إمام المتَّقين

ألجزء الأوّل

المؤلِّف: محمّد فخر الدّين

١

٢

٣

٤

٥

بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد

والصّلاة والسّلام على خيرته من خلقه محمّد وآله

الّذين اصطفىٰ، ولعنته الدائمة على من عاداهم إلى يوم الدين.

وبعد، فإنّ جذوة العقيدة الحقّة النابعة من الأدلّة القاطعة، والبراهين الساطعة، الموافقة للفطرة السليمة، والعواطف الصادقة، لا تنطفئ أبداً على مرّ الدهور، وإمتداد المسافات.

وهكذا كان حال الاستاذ (محمّد) نجل الوجيه المبرور (الحاج عبد الزهراء فخر الدّين) الّذي نشأ وترعرع في مدينة العلم والفقه والأدب: مهوى أفئدة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها (النّجف الأشرف)، وقد فُرِضَت عليه الغربة عنها لظروف قاهرة، إلّا أنّها لم تحل بينه وبين التواصل مع عقيدته وعواطفه الجيَّاشة تجاه الميزان الفاصل بين الحقّ والباطل: أمير المؤمنين وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين الى جنّات النعيم، قسيم الجنّة والنّار ألامام عليّ بن أبي طالب (ع)، فأخذ ينقب في المصادر المشهورة للسنّة النبويّة الشريفة، والمعترف بها عند عامّة المسلمين: المؤالف والمخالف، باحثا عمّا نزل في حقّ أمير المؤمنين (ع) من الذكر الحكيم، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكان هذا المجموع الضخم من الروايات المشيّدة بفضله (ع) وتقدّمه على سائر معاصريه من الصحابة وغيرهم حتّى قيام الساعة، وقد طابق إسمه مسمّاه (ألنّور المبين في ما نزل من القرآن في إمام المتّقين). ولعلّ لتغرّبه عن مألف أهله أعظَمَ الأمر في إذكاء جذوة عقيدته، وإندفاعه في هذا العمل الثقافيّ وإنْ لم يكن من صميم إختصاصه، إلّا أنّه ليس ببعيد عنه، فأسأل الله تعالى أنْ ينفع به طلّاب الحقيقة، وأن يتقبّله بقبول حسن، ويُنبتُه نَباتاً حسناً، إنّه سميع مجيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل،

محمد سعيد الحكيم

النجف الأشرف

١٠ رجب الحرام

١٤٢٠ هـ

٦

المقدّمة

باسمه أفتتح وله الشكر والحمد على ما أنعم وما توفيقي إلّا بالله مبتدءاً بقول النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم: [ممّ تتعجبون؟ إنَّ القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصّة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، وإنّ الله أنزل في عليٍّ كرائم القرآن ].

بحمده ومنّه -ومنذ أمد- تدفعني الرغبة مع المحبّة والولاء للإمام عليِّعليه‌السلام بالقيام في البحث والكتابة عن ما ورد بحقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام من آيات شريفة وأحاديث نبويّة، مبيّنة لفضائله ومناقبه، وسموّ مرتبته وعلو قدره ورفعة شأنه، مذكّرة بمواقفه البطوليّة الجهاديّة لإعلاء رآية الإسلام وبسط ونشر كلمة لا إله إلّا الله محمّد رسول الله.

وسبْق الإمام للإيمان بالإسلام وتصديق سيّد الأنام ومساواته وصنوه للنبيّ صلّى الله عليه وآله، في آيات قرآنية وأحاديث نبويّة. وكذلك الأدّلة الواضحة القويّة لخلافته للنبيّ صلّى الله عليه وآله وأنّه وصيّه وصاحب حوضه.

وكذلك عن جوده وكرمه وتقواه وعبادته ومحاربته لأهل الشرك والكافرين في عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله فمواقفه الجهاديّة التي كانت الواحدة منها تَعدل عبادة الثقلين(١) ، وبروزه لمحاربة المشركين الّتي مثّلت بروز الإسلام كلّه للشرك كلّه، كما كانت محاربته للناكثين والقاسطين والمارقين بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله.

وفي كلّ ذلك هو ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، واتبّاعاً لرسوله، بصدق إسلام وإيمان وخشيةً من الله سبحانه وتعالى لم يحد عنها، بل جسّدها بسيرته الخالدة العطرة، بيضاء ناصعة فأسميت الكتاب النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين.

____________________

(١) قال رسول الله:[لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة]، المستدرك للحاكم النيسابوري: ج ٣، ص ٣٢، ورواه الخوارزمي في تفسيره.

٧

وكلّما أكتب وأورد هو من المصادر المعتبرة سواء التفاسير والصحاح وكتب السير والتاريخ والحديث ومن الفريقين، وبالخصوص من مصادر إخواننا أهل السنّة والجماعة. فلها النصيب الأوفر من حيث كثرة الروايات ومصادرها ومؤلّفوها، الّذين أثبتوا ودوّنوا نصوص الأحاديث والروايات الذاكرة لفضائل أهل البيتعليه‌السلام ، مع ما كانوا يكابدون من ظلم وتعسّف السلطات الجائرة المعادية لهمعليهم‌السلام ، وكذا النواصب وبتعصّبهم الأعمى، حيث ظلموا وتعدّوا وفتكوا وقتلوا الذاكرين لفضائلهمعليهم‌السلام . وعلى سبيل المثال ما حصل للنسائي والطبري والكنجي الشافعي وهم من أهل السنّة والجماعة، وأمّا ما حدث وما جرى على الموالين لأهل البيتعليهم‌السلام ، فهي مآسٍ فضيعة يندى لها جبين الإنسانية على مرّ الدهور والأزمنة، وما تقترف من مآثم وانتهاكات للإنسان بقتل وأعمال تخريب وتفجيرات وهتك للحرمات، وحتى تفجير دور العبادات بفتاوى المضلّين الضالّين أعداء محمّد وآله الطاهرينعليهم‌السلام .

وما قصدت فيما سعيت إلّا ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وتثبيتاً للكلمة الطيّبة وتبياناً للحقّ وإظهاره ولو كره الكافرون وبما جمعت وكتبت لتيسيره وإيصاله لمن أراد الوصول للحقيقة المغيّبة، والحقيقة ضالّة المؤمن وللإنسان الحرّ الّذي ينشد الحقيقة والكلمة الصادقة والله من وراء القصد.

فإلى صاحب النّور المبين أرفع عملي هذا وأقول:( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّـرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) .

فهي صحائف ولائي وانتمائي ومحبّتي للنبيّ صلّى الله عليه وآله وآله الطيّبين الطاهرين، وله الحمد أوّلاً وآخراً.

والسلام

الراجي عفو ربّه

محمّد فخر الدّين

٨

آيات (المؤمنون) النازلة في إمام المتّقين

الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي، قلت: ذكر فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام من آيات القرآن الكريم لا يمكن جعله علاوة كتاب واحد بل ذكر شيء منها وذكر جمعها يقصر عنه باع الإحصاء.(١)

فروى الكنجي بإسناده، عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[لو أنّ الغياض أقلامٌ، والبحر مداد والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب] (٢) .

وبإسناده عن ابن شاذان، قال: حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المخُلدي من كتابه، عن الحسين بن إسحاق، عن محمّد بن زكريا، عن جعفر بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليٍّ بن الحسين، عن أبيه (الحسين) عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[إنّ الله تعالى جعل لأخي عليٍّ فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسمٌ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر. ثمّ قال: النظر إلى عليّ عبادةٌ، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلّا بولايته والبراءة من أعدائه].

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):[ما أنزل الله آية فيها: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها].

____________________

(١) الكفاية الطالب: ص ٢٥١.

(٢) الرياض النضرة: ج ٢ ص ٢١٤، مستدرك الصحيحين: ج ٣ ص ١٠٧، الاستيعاب: ج ٢ ص ٤٦٦، الصواعق المحرقة: ص ٧٢، نور الأبصار: ص ٧٣، المناقب للخوارزمي: ص ٢٣٥.

٩

روى أبو نعيم قال بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله: [ما أنزل الله آية فيها: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها ].(١)

وروى الحاكم الحسكاني قال بإسناده، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية:( الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) إلّا وعليٌّ أميرها وشريفها وما من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم رجل إلّا وقد عاتبه الله وما ذكر عليّاً إلّا بخير(٢) . (ثمّ) قال عكرمة: إنّي لأعلم أنّ لعليّ منقبة لو حدّثت بها لنفدت أقطار السماوات والأرض، أو قال: أقطار الأرض.

ومن الواضح والأمر الجليّ عند المسلمين وفي زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّ المناقب للإمام علي كثيرة وبينِّة لا ينكرها إلّا جاحد أو ناصب العداء للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيتهعليهم‌السلام .

أورد سبط بن الجوزي(٣) والحافظ محمّد بن يوسف الكنجي(٤) ، وابن طلحة الشافعي(٥) أبياتاً لحسّان بن ثابت، قالها زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى انّها كما قال: فشت هذه الأبيات من قول حسّان وتناقلها سمعٌ عن سمع ولسان عن لسانٍ:

أنزل الله والكتاب العزيز

في عليٍّ وفي الوليد قرآنا

فتبوَّأ الوليد من ذاك فسقاً

وعليٌّ مبوّأ إيمانا

ليس من كان مؤمناً عرف الله

كمن كان فاسقاً خوّانا

وذكر سبط بن الجوزي(٦) أبياتاً لحسّان بن ثابت، قال:

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعاً

وأسرَّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمّدٌ أسرى يؤمُّ الغارا

من كان في القرآن سُمِّي مؤمناً

في تسع آيات تُلين غزارا

____________________

(١) حلية الأولياء: ج ١ ص ٦٥.

(٢) شواهد التنزيل: ص ٣٦ ط ٣ الحديث ١٣.

(٣) تذكرة الخواص: ص ١١٥.

(٤) كفاية الطالب: ص ٥٥.

(٥) مطالب السؤول: ص ٢٠.

(٦) تذكرة الخواص: ص ١٠.

١٠

وفي هذا البيت الثالث يشير حسان إلى أن تسع آيات سمّي فيها الإمام عليعليه‌السلام مؤمناً.

وقال معاوية بن صعصعة في قصيدة له أوردها نصر بن مزاحم، قال:(١)

ومن نزلت فيه ثلاثون آية

تسمّيه فيها مؤمناً مخلصاً فردا

سوى موجبات جئن فيه وغيرها

بها أوجب الله الولاية والودّ

وفيما عثرت عليه في المصادر والسير وكتب الأحاديث أو التفاسير تيسّر لي من إيراد أكثر من ثلاثين آية فيها( الْمُؤْمِنُونَ ) نصّت الروايات والأحاديث نزولها في الإمام عليّعليه‌السلام خاصّة أو في الإمام عليعليه‌السلام وآخرين معه، مثل حمزة وعبيدة بن الحارث أو سلمان وأبوذر والمقداد.

روى الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي في أنّ عليّاً إمام كلّ آية فيها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) .(٢)

أخبرنا أبو طالب بن محمّد وغيره ببغداد، أخبرنا محمّد بن عبد الباقي أخبرنا حمد بن أحمد بن الحسن حدّثنا أحمد بن عبد الله الحافظ حدّثنا محمّد بن عمر بن غالب، حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي خيثمة، حدّثنا عباد بن يعقوب، حدّثنا موسى بن عثمان الحضرميّ عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: [ما أنزل الله تعالى آية فيها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... ) إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها ](٣) .

وأخبرنا محمّد بن عبد الواحد بن المتوكل عن أبي بكر بن نصر، أخبرنا أبو القاسم بن أحمد، أخبرنا أبو عبدالله بن محمّد، حدّثنا أحمد بن سليمان النجّاد، حدّثنا عبدالله بن سليمان بن الأشعث، حدّثنا عباد بن يعقوب، حدّثنا عيسى بن راشد، عن عليٍّ بن بذيمة، عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزلت آية فيها( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليّ رأسها وأميرها وشريفها.

ولقد عاتب الله عزّ وجل أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في غير آية من القرآن وما ذكر عليّاً إلّا بخير.

هكذا رواه النجاد، ووقع إلينا عالياً من هذا الطريق بحمد الله.

____________________

(١) وقْعَة صفِّين: ص ٣١.

(٢) كفاية الطالب: ص ١٣٩ الباب الحادي والثلاثون.

(٣) روي الحديث نظم درر السمطين: ص ٨٩ وفيه، برواية عن أبي برزة الأسلمي.

١١

قلت: أورد أصحاب السير أنّ الوليد بن عقبة قال لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنا أحدُّ منك سناناً، وأسلط منك لسانا، وأملأ منك حشواً للكتيبة(١) ، فقال له عليّعليه‌السلام : اسكت فإنّما أنت فاسقٌ، فغضب الوليد من ذلك وشكى إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فنزل:( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) (٢) . يعني بالفاسق الوليد بن عقبة(٣) ، فأنشأ حسّان بن ثابت يقول ذلك:

أنزل الله والكتاب العزيز

في عليٍّ وفي الوليد قرآنا

فتبوَّأ الوليد من ذاك فسقاً

وعليٌّ مبوّأ إيمانا

ليس من كان مؤمناً عرف الله

كمن كان فاسقاً خوّانا

فعليٌّ يجزى هناك نعيماً(٤)

ووليد يجزى هناك هوانا

سوف يجزى الوليد خزياً وناراً

وعليّ لا شكّ يجزى جنانا(٥)

وأورد الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي رواية بإسناده عن ابن عباس قال: نزلت في عليٍّ بن أبي طالب ثلاثمائة آية(٦) .

قلت: هكذا أخرجه في تاريخه وتابعه محدّث الشام ورواه معنعناً.

____________________

(١) وفي رواية قال الوليد بن عقبة: وأملأ للكتيبة منك.

(٢) سورة السجدة: الآية ١٨.

(٣) وأورد آخرين هذه الرواية، كما في أسباب النزول: ص ٢٦٣، تفسير ابن جرير الطبري: ج ٢١ ص ٦٨، تاريخ بغداد: ج ١٣ ص ٣٢١، وذكره الزمخشري في الكشاف والسيوطي في الدرّ المنثور فقال: أخرجه ابن إسحاق عن عطاء بن يسار، ثمّ قال: وأخرج ابن أبي حاتم مثله، ورواه في تفسيره ابن كثير: ج ٣ ص ٤٦٢.

(٤) وفي رواية: فعلي يلقى لدى الله عزاً.

(٥) وقد روى هذه الأبيات تذكرة الخواص: ص ١١٥، مطالب السؤل: ص ٢٠ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ٢ ص ١٠٣، جمهرة خطب العرب: ج ٢ ص ٢٣. الأغاني لأبي فرج الأصبهاني: ج ٤ ص ١٨٥، تفسير الخازن: ج ٣ ص ٤٠٧، الرياض النضرة: ج ٢ ص ٢٠٦.

(٦) الكفاية الطالب: ص ٢٣١.

وأوردها في تاريخ بغداد: ج ٦ ص ٢٢١، الصواعق المحرقة: ص ٧٦، نور الأبصار: ص ٧٣.

١٢

وأورد أحمد بن حنبل في فضائل أهل البيت من فضائل الصحابة، في الحديث ٢٣٩ ص ١٦٢ قال: القطيعي: حدّثنا إبراهيم بن شريك، حدّثنا زكريا بن يحيى الكسائي، حدّثنا عيسى (بن راشد) عن عليٍّ بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سمعته يقول: ليس من آية في القرآن( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليّ رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في القرآن، وما ذكر عليّاً إلّا بخير.

وأورد الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(١) في أنّه المعني بقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) في كلّ القرآن، وقد نزل في قريب من تسعين موضعاً من كتاب الله تعالى، قول حذيفة بن اليمان فيه، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي العوام، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا نوح بن محمّد القرشي عن الأعمش عن زيد بن وهب، عن حذيفة أن أُناساً تذاكروا فقالوا: ما نزلت آية في القرآن (فيها):( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا في أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال حذيفة: ما نزلت في القرآن:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا كان لعليّ لبّها ولبابها(٢) .

وروى الحديث السيد أبو المعالي محمّد بن زيد بن علي العلوي الحسيني، البغدادي في الفصل ١٢ من عيون الأخبار الورق ٢٧/أ، قال بإسناده عن حذيفة بن اليمان: إنّ ناساً تذاكَروا فقالوا: ما نزلت آية في القرآن فيها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال حذيفة: ما نزلت آية في القرآن (فيها):( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا كان لعليّ محضها ولبابها.

وأورد الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(٣) قول عبد الله بن عباس، برواية عكرمة عن ابن عباس، قال: أخبرنا أبو نصر المفسّر قال: حدّثنا أبو عمرو بن مطر إملاءً، قال: حدّثنا سهل بن مردويه الأهوازي - من لفظه-، قال: حدّثنا سهل بن عثمان، قال: أخبرنا عيسى بن راشد، عن عليٍّ بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما أنزل الله في القرآن آية( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا كان عليّ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد

____________________

(١) شواهد التنزيل: ج ١ ص ٧٥ ط ٣ في الحديث ٦٨.

(٢) رواه ابن مردويه في كتاب مناقب علي عن حذيفة في العنوان: (ما نزل من القرآن في شأن عليّعليه‌السلام ) من كتاب كشف الغمّة: ج ١ ص ٣١٧ ط بيروت.

(٣) شواهد التنزيل: ج ١ ص ٧٧ ط ٣، في الحديث ٧١.

١٣

صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يذكر عليّاً إلّا بخير(١) .

ورواه الطبراني في مسند عبدالله بن عباس - برقم ١١٦٨٧ من كتاب المعجم الكبير-(٢) ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي، حدّثنا منجاب بن الحارث، حدّثنا عيسى بن راشد، عن عليٍّ بن بذيمة عن عكرمة، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما ، قال: ما أنزل الله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا علي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في غير مكان، وما ذكر عليّاً إلّا بخير(٣) .

وروى السيد أبو الحسن المرشد بالله يحيى بن الموفّق بالله في الحديث ٦ من ترتيب أماليه ص ١٣٣، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد بن المعدّل - بقراءتي عليه بأصفهان-، قال: أخبرنا أبو محمّد الحسن بن إسحاق بن إبراهيم المعدّل قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبدالله بن ماهان، قال: حدّثنا عمران بن عبد الرحيم، قال: حدّثنا سهل بن عثمان، قال: حدّثنا عيسى بن راشد، قال: سمعت علي بن بذيمة يحدّث عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، قال: ما أنزل الله آية في القرآن:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا كان عليّ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في غير آية فما ذكر عليّاًعليه‌السلام إلّا بخير.

وروى الحافظ أبو نُعيم في حلية الأولياء(٤) عند ذكره لسيرة الإمام عليّعليه‌السلام ، قال: حدّثنا محمّد بن عمر بن غالب، حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي خثيمة، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، حدّثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله: [ما أنزل الله آية فيها: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها ].

____________________

(١) رواه المحب الطبري في باب فضائل عليّعليه‌السلام من كتاب، الرياض النضرة: ج ٢ ص ٢٧٤، وفي ذخائر العقبى: ص ٣٨٩. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: ج ٩ ص ١١٢.

(٢) المعجم الكبير: ج ١١ ص ٢١٠، ط ٢.

(٣) ورواه الحافظ أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة: ج ١ ص ٢٩٨ عند ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام .

(٤) حلية الأولياء: ج ١ ص ٦٥.

١٤

وكذلك روى أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة(١) عند ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام ، وبسند آخر، قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن المخارق التُستري، حدّثنا محمّد بن الحسن بن سماعة، حدّثنا القاسم بن الضحّاك، حدّثنا عيسى بن راشد، عن عليٍّ بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما أنزل الله تعالى سورة في القرآن (فيها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ) إلّا كان عليّ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمّد وما قال لعليّ إلّا خيراً.

وروى الحافظ الحاكم الحسكاني في الشواهد التنزيل(٢) قال: أخبرنا أبو سعد السعدي، بقراءتي عليه من أصله العتيق، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن علي بن خلف القرشي العطّار - المعروف بابن المجدر الكوفي – بها، قال: أخبرنا أحمد بن عيسى العجلي - من كتابه -، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدّثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما أنزل الله آية( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها.

وكذلك روى الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(٣) قال: أخبرني أبو بكر الحافظ، قال: أخبرنا أبو أحمد الحافظ، قال: أخبرنا محمّد بن الحسين الخثعمي، قال: حدّثنا عبدالله بن سعيد، قال: حدّثنا عبدالله بن خراش عن العوّام بن حوشب، عن مجاهد قال: ما كان في القرآن:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فإنَّ لعليّ سابقةُ ذلك وفضيلته.

وأورد الشيخ الأميني أعلى الله مقامه في كتاب الغدير(٤) ، قال - ومن شعر حسّان (بن ثابت) في أمير المؤمنين ذكر له أبو المظفّر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص ١٠-:

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعاً

وأسرَّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمّدٌ أسرى يؤمُّ الغارا

من كان في القرآن سُمِّي مؤمناً

في تسع آيات تُلين غزارا

في البيت الأوّل إشارة إلى مأثرة تصدّقه صلوات الله عليه بخاتمه للسائل، راكعاً وفيها نزل قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية.

____________________

(١) معرفة الصحابة: ج ١ ص ٢٩٨.

(٢) الشواهد التنزيل: ج ١ ص ٨٢، ط ٣ الحديث ٧٩.

(٣) الشواهد التنزيل: ج ١ ص ٨٦، ط ٣ في الحديث ٨٥.

(٤) الغدير: ج ٢ ص ٦٥.

وللملاحظة: ما يذكر في هذا الجزء وسائر الأجزاء الخمسة من كتابنا منقول عن كتاب الغدير للعلّامة الأميني (رحمه الله) مطبعة الأعلمي في بيروت - لبنان.

١٥

وسنوقفك على بيانها في شرح البيت الثالث إن شاء الله تعالى.

وبثاني الأبيات أشار إلى حديثٍ: أصفقت الأمّة عليه من أنّ عليّاًعليه‌السلام لبس برد النبيّ صلّى الله عليه وآله، الحضرميّ الأخضر ونام على فراشه ليلة هجرة النبيّ، من المشركين إلى الغار وفداه بنفسه، ونزلت فيه:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) ، سورة البقرة آية ٢٠٧(١) .

وقال الشيخ الأميني في الغدير(٢) : البيت الثالث أشار به إلى الآيات التسع، النازلة في أمير المؤمنين التي سُمِّي فيها مؤمناً.

ونحن وقفنا من تلك على عشر آيات، ولم نعرف خصوص التسع المرادة لحسّان في قوله:

من كان في القرآن سُمِّي مؤمناً

في تسع آيات تُلين غزارا

وقال معاوية بن صعصعة -في قصيدة له ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفِّين(٣) -:

ومن نزلت فيه ثلاثون آية

تسميه فيها مؤمناً مخلصاً فردا

سوى موجبات جئن فيه وغيره

بها أوجب الله الولاية والودّا

ثمّ أورد الآيات مع ذكر الروايات والرواة والمصادر المذكورة فيها، والآيات:

١-( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) (٤) .

٢-( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) (٥) .

٣-( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٦) .

٤-( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضـَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) (٧) .

____________________

(١) للرجوع ولمزيد من المعلومات والروايات لمراجعة الآية ٢٠٧ من سورة البقرة ممّا كتبت.

(٢) الغدير: ج ٢ ص ٦٧.

(٣) كتاب صفِّين: ص ٣١.

(٤) سورة السجدة: الآية ١٨.

(٥) سورة الأنفال: الآية ٦٢.

(٦) سورة الأنفال: الآية ٦٤.

(٧) سورة الأحزاب: الآية ٢٣.

١٦

٥-( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمنوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) .

٦-( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ ) (٢) .

٧-( إِنَّ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ) (٣) .

٨-( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (٤) .

٩-( إِنَّ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٥) .

١٠-( وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُـسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ، سورة العصر.

وقال الإمام الحسن السبط الزكي في حديث: سُمّي أبي مؤمناً في عشر آيات(٦) .

وجاء في كتب الأحاديث والروايات والحفّاظ آياتٌ أُخر يذكر فيها الإمام عليّعليه‌السلام ، هو المعنيُّ بها أو من بين المعنيّين بالآية الكريمة الوارد فيها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) .

وقد أورد الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي في كفاية الطالب ٢٤٤ وما بعدها روايات عن مصادر تذكر فيها عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أحاديث نزولها بالإمام عليّعليه‌السلام ، كما يرويها الصحابة.

وقال الكنجي - بإسناده عن جابر بن عبدالله- قال: كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:[قد أتاكم أخي ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثمّ قال: والّذي نفسه بيده، إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة (٧) ثمّ إنّه أوّلكم إيماناً، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله مزيّة..].

____________________

(١) سورة المائدة: الآية ٥٥.

(٢) سورة التوبة: الآية ١٩.

(٣) سورة مريم: الآية ٩٦.

(٤) سورة الجاثية: الآية ٢١.

(٥) سورة البينة: الآية ٧.

(٦) الغدير: ج ٢ ص ٦٨.

(٧) كنوز الحقائق: ص ٩٢، ٨٢ وفيه:عليٌّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة .

وقال: أخرجه الديلمي.

١٧

قال: ونزلت( إِنَّ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) .

قال: وكان أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذا أقبل عليّعليه‌السلام قالوا: قد جاء خير البريّة(٢) .

قلت: هكذا رواه محدِّث الشام في كتابه بطرق شتّى، وذكرها محدِّث العراق ومؤرِّخها عن زرّ عن عبدالله عن عليّ، قال: [قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من لم يقل عليّ خير الناس فقد كفر ](٣) .

وفي رواية له عن حذيفة، قال: سمعت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول: [عليّ خير البشر من أبى فقد كفر ](٤) .

هكذا رواه الحافظ الدمشقي في كتاب التاريخ عن الخطيب الحافظ وزاد في رواية له عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: [عليٌّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر ].

وفي رواية محدث الشام عن سالم عن جابر، قال: سئل عن عليٍّعليه‌السلام فقال: ذاك خير البريّة لا يبغضه إلّا كافر(٥) .

وفي رواية لعائشة عن عطاء، قال: سألتُ عائشة عن عليٍّ فقالت: ذاك خير البشر لا يشكّ فيه إلّا كافر(٦) .

وأورد الحافظ الكنجي في الكفاية ص ٢٤٨، قال: وذكر ابن جرير وتابعه الخوارزمي في قوله عزّ وجلّ:

____________________

(١) البيّنة: الآية ٧.

(٢) تفسير الطبري: ج ٣٠ ص ١٤٦، مناقب الخوارزمي: ص ٦٦، ١٧٨، الفصول المهمّة: ص ١٢٢، الصواعق المحرقة: ص ٩٦، الدرّ المنثور: ج ٦ ص ٣٧٩.

وفيه: أخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبدالله قال: الحديث المذكور أعلاه.

(٣) تاريخ بغداد: ج ٣ ص ١٩٢، تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤١٩.

(٤) تاريخ بغداد: ج ٧ ص ٤٢١، كنوز الحقائق: ص ٩٢، الرياض النضرة: ج ٢ ص ٢٢٠، ذخائر العقبى: ص ٩٦.

(٥) تفسير ابن جرير الطبري: ج ٣٠ ص ١٧١، نور الأبصار: ص ٧٠، ١٠١.

(٦) تاريخ بغداد: ج ٧ ص ٤٢١.

١٨

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) (١) .

قال المفسِّرون: سأل الناس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأكثروا فأمروا بتقديم الصدقة على المناجاة فلم يناجه إلّا عليٌّ، قدّم ديناراً فتصدّق به ثمّ نزلت الرخصة. قلت: وقد ذكرت سنده في غير هذا الباب(٢) ، آية المناجات، المجادلة ١٢.

وروى الخوارزمي في كتابه، عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ عبدالله بن أُبي وأصحابه خرجوا فاستقبلهم عليّعليه‌السلام فقال عليّ: [يا عبدالله اتّق الله ولا تنافق، فإنَّ المنافق شرّ خلق الله ]، فقال: مهلاً يا أبا الحسن والله إنّ إيماننا كإيمانكم، ثمّ تفرّقوا، فقال عبدالله بن أُبي لأصحابه: كيف رأيتم ما فعلت؟ فأثنوا عليه خيراً، فنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمنوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) ، الآية ١٤ من سورة البقرة. قلت: فدلت الآية على إيمان عليعليه‌السلام (٣) .

وروى الكنجي في الكفاية ص ٢٥٠، بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: أقبل عبدالله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله إنّ منازلنا بعيدة ليس لنا مجلس ولا متحدّث دون هذا المجلس، وإنّ قومنا لماّ رأونا آمنّا بالله ورسوله وصدَّقناه رفضونا، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا، ولا ينكحونا، ولا يكلّمونا، فشقَّ ذلك علينا، فنزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله عزّ وجلّ:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمنوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .(٤)

____________________

(١) سورة المجادلة: آية المناجات، الآية ١٢.

(٢) الباب التاسع والعشرون، في أنَّ آية النجوى عمل بها عليّعليه‌السلام دون سائر الصحابة ثمّ نسخت فلم يعمل بها أحد بعده، قال الكنجي في روايته: ص ١٣٥، وبإسناده عن عليٍّ بن علقمة الأنماري، عن عليٍّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال:[لما نزلت: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) ، دعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال لي: ما ترى ديناراً فقلت: لا يطيقونه، قال: كم؟ قلت حبّة أو شعيرة، قال: إنّك لزهيد، فنزلت: ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ ) ، قال عليّ: فبيّ خفَّفَ الله عن هذه الأمّة ولم تنزل في أحد قبلي ولا نزلت في أحد بعدي ولا عمل بها أحد غيري] . الآية: ١٢، المجادلة.

قال ابن عمر: كان لعليّ بن أبي طالب ثلاث لو كان لي واحدة منهنَّ كانت أحبّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية، وآية النجوى. (وأورد سبب نزول الآية بالإمام عليّ في كتاب فضائل الخمسة: ج ١ ص ٢٩٥، نقلاً عن تفسير الكشاف عند تفسيره آية النجوى، من سورة المجادلة: الآية: ١٢).

(٣) المناقب الخوارزمي: ص ١٩٦.

(٤) المائدة الآية ٥٥.

١٩

ثمّ إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج إلى المسجد والناس معه ما بين قائم وراكع وبصر بسائل فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: [هل أعطاك أحد شيئاً ؟ قال: نعم خاتماً من ذهب، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله:من أعطاك؟ ، قال: ذاك القائم، وأومى بيده إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله:على أيّ حال أعطاك ؟، قال: أعطاني وهو راكع، فكبّر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ قرأ:( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمنوا فإن حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) ](١) .

قلت: هكذا ذكره حافظ العراقيين في مناقبه.

وتابعه الخوارزمي، ورواه الحافظ محدّث الشام بطريقين، أحدهما عن أبي نعيم والآخر عن خاله أبي المعالي القاضي بغير هذا اللفظ، ومعناه سواء(٢) .

وذكر الخوارزمي في كتابه عقيب هذه الآية قال: ولبعضهم (لحسّان بن ثابت) في حقّ عليّعليه‌السلام :

وافى الصلاة مع الزكاة فقامها

والله يرحم عبده الصبّارا

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعاً

وأسرّه في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمّد أسرى يؤمّ الغارا

من كان جبريل يقوم يمينه

يوماً وميكال يقوم يسارا

من كان في القرآن سمِّي مؤمناً

في تسع آيات جعلن كبارا

وقال الكنجي في الكفاية ص ٢٥١:

قلت: ذكر فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام من آيات القرآن (الكريم) لا يمكن جعله علاوة كتاب واحد بل ذكر شيء منها وذكر جمعها يقصّر عنه باع الإحصاء.

____________________

(١) المائدة: الآية ٥٦.

(٢) أجمع أئمّة الحديث أنّ الآية تخصّ الإمام عليّعليه‌السلام ، ومنها تفسير الطبري: ج ٦ ص ١٦٥، أسباب النزول: ص ١٤٨، تفسير الرازي: ج ٣ ص ٤٣١، الفصول المهمّة: ص ١٢٣، مطالب السؤل: ص ٣١، تذكرة الخواص: ص ٩، مناقب الخوارزمي: ص ١٧٨، الرياض النضرة: ج ٢ ص ٢٢٧، ذخائر العقبى: ص ١٠٢، تفسير ابن كثير: ج ٢ ص ٧١، نقلاً عن ابن جرير، البداية والنهاية: ج ٧ ص ٣٥٧، كنز العمّال: ج ٦ ص ٣٩١، الصواعق المحرقة: ص ٢٥، نور الأبصار: ص ٧٧، روح المعاني: ج ٢ ص ٣٢٩، الغدير: ج ٢ ص ٥٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الجغرافيين العرب لم يتّفقوا على رأيٍ واحدٍ بصدده.

فالمقدسي المعروف بالبشاري يقول: (أمّا جبل اللكام، فإنّه أعمر جبال الشام، وأكبرها وأكثرها ثماراً، وهو اليوم بِيَد الأرمن، وطرسوس ورائه، وأنطاكية دونه)(1) .

أمّاالاصطخري فيذكر: (وكورة الشام إنّما هي من حدّ فلسطين، وحدّ الشام، وثغور الجزيرة جبل اللكام، وهو الفاصل بين الثغرين، وجبل اللكام داخل في بلد الروم، وينتهي إلى نحو مئتي فرسخ، ويظهر في بلاد الإسلام من مرعش والهارونية وعين زربة فيسمّى لكام، إلى أن يجاوز اللاذقية ثمّ تسمّى بهراء وتنوخ، إلى حمص ثمّ تسمّى جبل لبنان)(2) .

وياقوت الحموي يقول: (اللكام وهو الجبل المشرف على أنطاكية، وبلاد ابن ليون والمصيصة وطرسوس، وتلك الثغور)(3) .

وفي لبنان توجد النصيرية في شمال عكار(4) ، وفي وادي التيم(5) ، كما توجد في جبال الظنيين.

ويقولابن الوردي : (أحاطت عساكر الشام بجبال الظنيين المنيعة، وكانوا عصاة مارقين، وترجّلوا عن الخيل، وصعدوا في تلك الجبال من كل جانب، وقتلوا وأسّروا جميع مَن فيها من النصيرية)(6) .

ولم يحدّد ابن الوردي مكان وجود هذه الجبال، ونعتقد أنّه المقصود بجبال الظنيين هو جبل الضنية أو الظنية، الواقع إلى الشمال من بشري.

يقولأنطوان شكر الله حيدر: (وهذا الجبل يحمِل إلى هذا اليوم اسم الجماعة الشيعية التي استقرّت به، وهي الضنية أو الظنية على الأصحّ، وهو

____________________

(1) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم.

(2) كتاب الأقاليم.

(3) معجم البلدان: الجزء5، ص22.

(4) أحد الآباء اليسوعيين: مختصر تاريخ سورية ولبنان.

(5) الدكتور محمد علي مكي: لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني.

(6) تتمة المختصر في أخبار البشر.

٤١

الاسم الذي أُطلق على عدد من الفِرق الباطنية، وبخاصة الإسماعيلية)(1) .

وبهذا المعنى كتبَ الشيخ طه الولي (وكان آل عمار على مذهب الشيعة الإمامية، وقد امتدّ سلطانهم حتى شملت - بالإضافة إلى طرابلس - مناطق عكار، والضنية، وبلاد جبيل، والبترون، وما تزال الجبال المطلّة على طرابلس من جهة الشرق تحمل حتى اليوم اسم (الضنية)، والضاد هنا حلّت مكان الظاء، وهذه الكلمة أُطلقت في الماضي على هذه الجبال ؛ لأنّ أهلَها كانوا يُعرفون آنذاك باسم الظنية، وهو الاسم الذي اشتهروا به ؛ لأنّهم كانوا على مذهب الشيعة، الذين يقولون بالظنّ والتأويل في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية، الواردة في القرآن الكريم والسنّة الشريفة)(2) .

وتوجد النصيرية أيضاً في العراق، في الشرطة، وهي كما يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان: (كورة كبيرة من أعمال واسط، بينها وبين البصرة، لكنّها عن يمين المنحدر إلى البصرة).

كما توجد في بعض أجزاء شمال فلسطين.

أمّا في البلاد الأوروبية، فتوجد النصيرية في كلٍّ من: تركيا، واليونان، وبلغاريا، وألبانيا السفلى.

وبنتيجة الهجرة، توطّنت جماعات كثيرة منهم في أمريكا الجنوبية، وبشكلٍ خاص في الأرجنتين والبرازيل.

____________________

(1) مجلّة الحوادث: العدد 1143 تاريخ 29/9/1987.

(2) جريدة اللواء، العدد 3381، تاريخ 29/6/1980.

٤٢

عقائدُ النصيرية

ذهبت أقوال المؤرّخين حول عقائد النصيرية في كلّ اتجاه، واختلطت الأقوال اختلاطاً عجيباً، وتشابكت وبَلَغ تشابكها حدّاً استحالَ معه إيجاد نقطة تلاقٍ واحدة، ما بين قول وقول، وبالتالي أصبحت معرفة ما هو حقيقي، وما هو موضوع مدسوس من أشقّ الأمور على الباحث.

وليس بخافٍ أنّ اصطلاح (نصيرية) ظهرَ في عدد كثُرت فيه الفتن، والانقسامات والميول، والأهواء والنزعات، والمذاهب الفلسفية، والعداوات المذهبية، كما كثر فيه الدسّ والاختلاق والتحريف، وتزييف الحقائق وتشويهها.

وأوّل ما يلاحظ أنّ عقائد النصيرية - كما وردتنا - مأخوذة كلّها من خصوم هذا المذهب، ولم نرَ أيّاً من المؤرّخين مَن ذَكر اسم كتابٍ واحدٍ من كتب النصيرية، أو ذَكر اسم رجلٍ واحدٍ من رجالاتها.

ولمـّا كان أخذ المذهب من خصومه مغامرة جريئة، تحتاج إلى كثيرٍ من التحرّي والدقّة، لذلك فإنّنا تعامَلنا مع مختلف الأقوال بمنتهى الحيطة والحذر، ووقفنا عند كلّ نقطة، وحاولنا جهد المستطاع إرجاع الأشياء إلى أُصولها، ولا غنى عن القول: إنّه لابدّ عند البحث عن عقائد النصيرية من التمييز ما بين نوعين من الكتابات:

٤٣

الأوّل: كتابات المؤرّخين الأقدَمين.

الثاني: كتابات المؤرّخين المحدَثين، ثمّ المعاصرين، وهناك اختلافُ كبير، بين هذين النوعين من الكتابات.

ونحن في هذا الفصل، سنتكلّم عن عقائد النصيرية كما تحدّث عنها القدماء، ثمّ كما تحدّث عنها المحدّثون، ثمّ كما تحدّث عنها رجالات العلويين وشيوخهم، وكما تظهر في كتاباتهم وأشعارهم.

٤٤

النصيريةُ عند الأقْدمين

كان ما كتَبه حمزة بن علي (ت 433هـ)، أحد مؤسّسي المذهب الدرزي، في رسالته المسمّاة(الرسالة الدامغة في الردّ على النصيري)، أوّل إشارة وصَلت إلينا عن عقائد النصيرية.

وهذه الرسالة جاءت ردّاً على كتاب(الحقائق وكشف المحجوب) ، الذي ألّفه شخصٌ من النصيرية لم نعرف اسمه، أثارتهُ - على ما يبدو - دعوى القائلين بتأليه الحاكم، فصنّفَ كتابه للتشنيع عليهم، والطعن في مقالتهم، كما يُفهم ممّا أورده حمزة في رسالته، لم يكن لهذا الفاسق النصيري - لعنة المولى عليه - بُغية غير الفساد في دين مولانا جلّ ذِكره، ودين المؤمنين، ودين مولانا لا ينفسد أبداً.

لذلك رأينا حمزة يُحذّر من قبول كلام هذا النصيري، مُعلناً أنّ (مَن قَبِل كلامه عَبَد إبليس، واعتقد التناسخ، وحلّل الفروج، واستحلّ الكذب والبهتان).

ومن خلال ردّ حمزة على (النصيري) قارنَ بين أقوال النصيرية، وأقوال القائلين بإلوهية الحاكم، موضّحاً حقيقة أقوال مؤلّهة الحاكم، من ذلك مثلاً قوله: (مَن اعتقدَ التناسخ مثل النصيرية المعنوية، في علي بن أبي طالب وعَبَده - خسرَ الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين).

وقوله: (ثمّ إنّه إذا ذكرَ علياً يقول: علينا سلامه ورحمته، وإذا ذكرَ مولانا جلّ ذكره يقول: علينا سلامه. فيطلب الرحمة من المفقود المعدوم

٤٥

ويجحد الموجود الحاكم بذاته المنفرد عن مبدعاته، ولا يكون في الكفر أعظم من هذا، فصحّ عند الموحّد العارف بأنّ الشرك الذي لا يُغفر أبداً (هو): بأن يُشرك بين علي بن أبي طالب وبين مولانا جلّ ذكره، ويقول: علي مولانا الموجود، ومولانا هو علي، لا فرق بينهما، والكفر ما اعتقدهُ هذا الفاسق من العبادة في علي بن أبي طالب والجحود لمولانا جلّ ذكره).

وإلى جانب اتّهام حمزة بن علي النصيرية، باعتقادهم التناسخ، وعبادة علي بن أبي طالب، فقد اتّهمهم بأمورٍ أخلاقية تنال من سمعتهم وشرفهم، من ذلك: (إنّ النصيريين لا يُحرّمون القتل ولا السرقة، ولا الكذب ولا الافتراء، ولا الزنا حتى ولا اللواطة، ولا يحجب عريقو النصيرية نساءهم وبناتهم عن بعضهم، ولا يعبأون بكلّ ما يمكن حدوثه بين الرجال والنساء، وإلاّ فلا يكمل إيمانهم).

وكان هذا الاتّهام ردّاًَ على اتّهام النصيريين، القائلين بإلوهية الحاكم بأنّ (جميع ما حرّموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا والفاحشة، فهو مطلق للعارف والعارفة)، ونحن لا نستطيع أن نطمئن إلى صحة اتّهامات كل واحدٍ منهما إلى الآخَر ؛ لأنّ الدافع إليها خلاف عقائدي شديد، فلا عجب إذاً أن يَصمَ كلٌ منهما الآخَر بأقبح وأشنع التّهم ؛ للحطّ من مقامه.

وأوّل مَن تنبّه إلى بطلان الاتّهامات التي كالَها حمزة بن علي إلى النصيرية، صاحبا (ولاية بيروت)، رفيق التميمي، ومحمد بهجت، إذ قالا: (لعلّ هذه الاتّهامات مختلَقة، إذ لا يُعثر في كتب النصيرية، ولا في أغانيهم أدنى إشارة تدلّ على صحتها، وقد أجمعَ كلّ مَن احتكّ بهذه الطائفة واختبرها أنْ لا صحة لوجود تلك الرذائل الأخلاقية فيهم، ولعلّ مؤلّف الرسالة الدامغة استهجنَ من النصيريين عدم الاحتجاب فضربَ أخماسه بأسداسه، وتشفّى منهم بهذه التّهمة المشينة).

وقد تناسى المؤرّخون كتاب النصيري، وتمسّكوا بكل ما جاء في رسالة حمزة التي ذاعت وانتشرت، وكانت نقطة الانطلاق لكلّ مَن يريد أن يطعن في أخلاقيات النصيرية.

٤٦

ومن القدماء الذين أشاروا إلى شيء من عقائد النصيرية أيضاً، المعرّي في (اللزوميات)، بقوله:

يا آكِلَ التُفّاحِ لا تَبعَدَن

وَلا يُقِم يَومُ رَدىً ثاكِلَك

قالَ النُصَيريُّ وَما قُلتُهُ

فَاِسمَع وَشَجِّع في الوَغى ناكَلَك

قَد كُنتَ في دَهرِكَ تُفّاحَةً

وَكانَ تُفّاحُكَ ذا آكِلَك

وَحَرفَ هاجٍ لُحتَ فيما مَضى

وَطالَما تَشكُلُهُ شاكَلَك

وفي(رسالة الغفران) عند حديثه عن التناسخ، إذ قال: (وتؤدّي هذه النحلة إلى التناسخ، وهو مذهبٌ عتيقٌ يقول به أهل الهند، وقد كثر في جماعة من الشيعة، نسأل الله التوفيق والكفاية، وينشد لرجلٍ من النصيرية:

أعَجَبي أمنّا لصرف الليالي

جعلتْ أختَنا سكينة قاره

فازجري هذه السنانير عنها

واتركيها وما تضمّ الغراره

وقال آخَرٌ منهم:

تبارك الله كاشفَ المِحن

فقد أرانا عجائب الزمن

حمار شيبان شيخُ بلدتنا

صيّره جارنا أبو السكن

بدّل من مَشيته بحلته

مَشيته في الحزام والرسن

وهذه الأبيات - التي رواها المعرّي عن اثنين من النصيرية لم يسمِّهما - لا تعطينا أيّة فكرة عن مذهب النصيرية، وهي تفيد السخرية والدعابة لا أكثر.

وأوّل مَن تعرّض للحديث عن النصيرية - من كتّاب الفِرق - الشهرستاني في(الملل والنحل) ، وجميع الذين كَتبوا عن الفِرق الإسلامية من قَبله، وهم: ابن قتيبة (ت 276هـ)، النوبختي (ت: 288هـ)، الأشعري القمي (ت: 301هـ)، أحمد بن حمدان الرازي (ت 332هـ)، الأشعري (ت 324هـ)، البلخي (ت: 340هـ)، المسعودي (ت 346هـ)، الملطي (ت 377هـ)، البغدادي (ت: 429هـ)، لم يأتِ

٤٧

أيٌ منهم على ذكر للنصيرية، والشهرستاني عندما تكلّم عن النصيرية، لم يتكلّم عنها لوحدها، وإنّما تكلّم عنها وعن الإسحاقية معاً، معتبراً إيّاهما فرقة واحدة، قال:

(النصيرية والإسحاقية من جملة غلاة الشيعة، ولهم جماعة ينصرون مذهبهم، ويذبّون عن أصحاب مقالاتهم، وبينهم خلافٌ في كيفية إطلاق اسم الإلهية على الأئمة أهل البيت).

قالوا: ظهور الروحاني بالجسد الجسماني أمرٌ لا ينكره عاقل، أمّا في جانب الخير فكظهور جبريلعليه‌السلام ببعض الأشخاص والتصوّر بصورة أعرابي، والتمثّل بصورة البشر، وأمّا في جانب الشر فكظهور الشيطان بصورة إنسان حتى يعمل الشرّ بصورته، وظهور الجن بصورة بشر حتى يتكلّم بلسانه.

فكذلك نقول: إنّ الله تعالى ظهرَ بصورة أشخاص، ولمـّا لم يكن بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) شخص أفضل من علي (رضي الله عنه) وبعده أولاده المخصوصون، وهُم خيرُ البريّة، فظهرَ الحقّ بصورتهم، ونطق بلسانهم، وأخذ بأيديهم، فعن هذا أطلقنا اسم الإلهية عليهم، وإنّما أثبتنا الاختصاص لعليعليه‌السلام دون غيره ؛ لأنّه كان مخصوصاً بتأييد إلهي من عند الله تعالى، فيما يتعلّق بباطن الأسرار.

قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): (أنا أحكم بالظاهر والله يتولّى السرائر)، وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وقتال المنافقين إلى علي (رضي الله عنه)، ومن هذا شبّهه بعيسى بن مريمعليه‌السلام فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): (لولا أن يقولَ الناس فيكَ ما قالوا في عيسى بن مريم عليه السلام لقلتُ فيكَ مقالاً)، وربّما أثبتوا له شركة في الرسالة ؛ إذ قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): (فيكم مَن يقاتل على تأويله، كما قاتلتُ على تنزيله، ألا وهو خاصف النعل).

فعِلم التأويل، وقتال المنافقين، ومكالمة الجن، وقلع باب خيبر لا بقوّة جسدانية، من أوّل الدليل على أنّ فيه جزءاً إلهياً وقوّة ربّانية، أو يكون هو الذي ظهرَ الإله بصورته وخلق بِيَده وأمر بلسانه. وعن هذا قالوا: كان هو موجوداً قبل خلق السماوات والأرض، قال: (كنّا أظلّة على يمين العرش، فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا)، فتلك الظِلال وتلك الصور التي تُنبئ عن الظِلال هي

٤٨

 حقيقته، وهي مشرقة بنور الربّ، إشراقاً لا ينفصل عنها، فسواء كانت في هذا العالَم أو في ذلك العالم، وعن هذا قال علي (رضي الله عنه): (أنا مِن أحمد كالضوء من الضوء، لا فرق بين النورين، إلاّ أنّ أحدهما سابقٌ، والثاني لاحقٌ به تالٍ له).

قالوا: وهذا يدلّ على نوع من الشركة، فالنصيرية أمْيَل إلى تقرير الجزء الإلهي، والإسحاقية أمْيَل إلى تقرير الشركة في النبوّة، ولهم اختلافات أُخرى لا نذكرها.

وقد نجزت الفِرق الإسلامية وما بقيت إلاّ فرقة الباطنية....).

وتستوقفنا في هذا النص الملاحظات التالية:

1 - لم يذكر الشهرستاني أسماء أصحاب مقالة النصيرية والإسحاقية، كما أنّه لم يَنسب أيّاً من الفرقتين إلى شخصٍ معيّن بالذات.

2 - ذكرَ للبيانية مقالة تشبه مقالة النصيرية شبهاً كاملاً، هي: (أتباع بيان بن سمعان التميمي، قال: حلّ في علي جزء إلهي، واتّحد بجسده، فبه كان يعلم الغيب ؛ إذ أخبرَ عن الملاحم وصحّ الخبر، وبه كان يحارب الكفار وله النصرة والظفر، وبه قلع باب خيبر، وعن هذا قال: (والله، ما قلعتُ باب خيبر بقوّة جسدانية، ولا بحركة غذائية، ولكن قلعته بقوّة رحمانية ملكوتية بنور ربّها مضيئة).

3 - إذا تأمّلنا قوله: (وقد نجزت الفِرق الإسلامية وما بقيت إلاّ فرقة الباطنية)، وقارنّاه بما ذكره عن الإسماعيلية (وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنّما لزمَهم هذا اللقب لحُكمهم بأنّ لكلّ ظاهر باطناً، ولكلّ تنزيل تأويل، ولهُم ألقابٌ كثيرة، سوى هذه على لسان قوم قوم، فبالعراق يسمّون الباطنية، والقرامطة، والمزدكية، وبخراسان التعليمية، والملحدة...) تبيّن لنا أنّ النصيرية غير القرامطة والباطنية، وأنّه لا رابطة تجمع ما بينهم وبين هؤلاء.

4 - يُفهم من كلامه: أنّ مقالة الإسحاقية هي ذاتها مقالة النصيرية، والخلاف ما بينهما محصور فقط في كيفية إطلاق اسم الإلهية على الأئمة أهل البيت، وأنّ النصيرية أمْيَل إلى تقرير الجزء الإلهي، بينما الإسحاقية

٤٩

أمْيَل إلى تقرير الشركة في النبوّة.

لكنّه أوقَع نفسه في تناقضٍ كبير، حينما ذكر للإسحاقية مقالة تختلف تماماً مع ما تقدّم بيانه ؛ وذلك عند حديثه عن الكرامية، قال:

(أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام،... وهُم طوائف بَلَغ عددهم اثنتي عشرة فرقة، وأصولها ستة: العابدية، والتونية، والزرينية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية، ولكلّ واحدٍ منهم رأي، إلاّ أنّه لمـّا لم يصدر ذلك عن علماء معتبرين، بل عن سفهاء اغتام جاهلين، لم نفردها مذهباً، وأوردنا مذهب صاحب المقالة، وأشرنا إلى ما يتفرّع منه.

نصّ أبو عبد الله على أنّ معبوده على العرش استقراراً، وعلى أنّه بجهة فوق ذاتاً، وأطلقَ عليه اسم الجوهر، فقال في كتابه المسمّى عذاب القبر: إنّه أحَدي الذات، أحَدي الجوهر، وإنّه مماس للعرش من الصفحة العليا، وجوّز الانتقال، والتحوّل، والنزول،... وأطلق أكثرهم لفظ الجسم عليه....

ومن مذهبهم جميعاً: جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى، ومن أصلهم: أنّ ما يحدث في ذاته فإنّما يحدث بقدرته، وما يحدث مبايناً لذاته فإنّما يحدث بواسطة الأحداث... ويفرّقون بين الخلق والمخلوق، والإيجاد والموجود والموجِد، وكذلك بين الإعدام والمعدوم.....

وزعموا أنّ في ذاته سبحانه حوادث كثيرة، مثل: الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، والكتب المنزلة على الرسلعليهم‌السلام ، والقصص والوعد والوعيد والأحكام، ومن ذلك المـُسمعات والمـُبصرات فيما يجوز أن يُسمع ويُبصر، والإيجاد والإعدام هو القول والإرادة، وذلك قوله (كُن) للشيء الذي يريد كونه، وإرادته لوجود ذلك الشيء، وقوله للشيء كُن، صورتان.

وعلى قول الأكثرين منهم: الخلق عبارة عن القول والإرادة.

ومن أصلهم: أنّ الحوادث التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء، حتى يستحيل عدمها.

ومن أصلهم: أنّ المـُحدث إنّما يحدث في ثاني حال ثبوت الأحداث بلا فصل، ولا أثَر للأحداث في حال بقائه.

ومن أصلهم: أن ما يحدث في ذاته من الأمر فمنقسم إلى أمر

٥٠

التكوين، وإلى ما ليس أمر التكوين،..... وممّا أجمعوا عليه من إثبات الصفات قولهم: الباري تعالى عالِم بعلم، قادر بقدرة، حيٌّ بحياة، شاءٍ بمشيئة، وجميع هذه الصفات صفات قديمة أزلية قائمة بذاته.

واتّفقوا على أنّ العقل يحسّن ويقبّح قبل الشرع، وتجب معرفة الله تعالى بالعقل.

وقالوا: الإيمان هو الإقرار باللسان فقط دون التصديق بالقلب، ودون سائر الأعمال.

وقالوا في الإمامة: إنّها تثبت بإجماع الأمّة، دون النصّ والتعيين كما قال أهل السنّة، إلاّ أنّهم جوّزوا عقد البيعة لإمامين في قطرين.

ومذهبهم الأصلي: اتّهام علي (رضي الله عنه) في الصبر على ما جرى مع عثمان (رضي الله عنه) والسكوت عنه، وذلك عرق نزع).

وإزاء هذا التناقض بتنا لا نعلم أيّ القولين هو الصحيح. وتزداد حيرتنا إذا عَلمنا أنّ كتّاب الفِرق، نقلوا عن الإسحاقية كلاماً يختلف جذرياً، عمّا أوردهُ الشهرستاني.

فالخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) يذكر(1) :

(سمعتُ أبا القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي يقول: إسحاق بن محمد بن أبان النخعي الأحمر كان خبيث المذهب، رديء الاعتقاد، يقول: إنّ علياً هو الله جلّ جلاله وأعز، قال: وكان أبرص، فكان يطلي البرص بما يُغيّر لونه فسمّي الأحمر لذلك، قال: وبالمدائن جماعة من الغلاة يُعرفون بالإسحاقية، يُنسبون إليه.

سألتُ بعض الشيعة ممّن يعرف مذاهبهم، ويخبر أحوال شيوخهم عن إسحاق، فقال: لي مثل ما قاله عبد الواحد بن علي سواء.

وقال: لإسحاق مصنّفات في المقالة المنسوبة إليه، التي يعتقدها الإسحاقية، ثمّ وقَع إليّ كتاب لأبي محمد الحسن بن يحيى النوبختي من تصنيفه، في الردّ على الغلاة، وكان النوبختي هذا من متكلّمي الشيعة الإمامية، فذكرَ أصناف مقالات الغلاة، إلى أن قال: وقد كان ممّن جوَّد الجنون في الغلو في عصرنا، إسحاق بن محمد المعروف بالأحمر، وكان ممّن يزعم

____________________

(1) المجلّد 6، ص380.

٥١

أنّ علياً هو الله، وأنّه يظهر في كلّ وقت، فهو الحسن في وقت الحسن، وكذلك هو الحسين، وهو واحد، وأنّه هو الذي بعثَ بمحمد (صلّى الله عليه وسلّم)، وقال في كتابٍ له: لو كانوا ألْفاً لكانوا واحداً.

وكان راوية للحديث، وعمل كتاباً ذَكر أنّه كتاب التوحيد، فجاء فيه بجنون وتخليط لا يتوهّمان، فضلاً مَن يدلّ عليهما، وكان ممّن يقول: باطن صلاة الظهر محمد (صلّى الله عليه وسلّم) ؛ لإظهاره الدعوة، قال: ولو كان باطنها هو هذه التي هي الركوع والسجود، لم يكن لقوله: ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر ) يعني أنّ النهي لا يكون إلاّ من حي قادر.

وعن الإسحاقية، قال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): (قالوا: إنّ النبوّة متّصلة إلى يوم القيامة، وكلّ مَن يعلم علم أهل البيت فهو نبي).

فخر الدين الرازي في(اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين) ، يسمّي الإسحاقية (الإسجافية) ويقول عنها: (ويزعمون أنّ الله تعالى كان يحلّ في علي في بعض الأوقات، وفي اليوم الذي قلعَ علي باب خيبر كان الله تعالى قد حلّ فيه).

5 - ما تجدر الإشارة إليه: أنّ الشهرستاني كان يتلاعب في الأقوال، ويورد النصّ بصيغة بعيدة عن الحقيقة، مثال ذلك قوله: (عن هذا قالوا: كان هو موجوداً قبل خلق السموات والأرض، قال...)، بحيث يُفهم من صيغة هذا الكلام: أنّ قائله هو جماعة النصيرية أو الإسحاقية، مع أنّ الحقيقة خلاف ذلك، وعبارة (كان هو موجوداً قبل خلق السماوات والأرض)... ليست من كلام النصيرية أو الإسحاقية، وإنّما هي نصّ حديث شريف، جاء في كتاب(غاية المرام) للعلاّمة البحريني، عن(فرائد السمطين)، و(مسند أحمد)، و(فضائل الخوارزمي) ، و(مناقب الخطيب) أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، قال: ( كنتُ أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى، قبل أن يخلق الخلق، فلمّا خلقَ آدم ركّبَ ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتى أفرق في صلب عبد المطلب).

وهو حديث مشهور ذكره المعري في قصيدته ذات المطلع:

٥٢

علّلاني فإنّ بيضَ الأماني

فنيتُ والزمان ليس بفانِ

يقول:

أحَد الخمسة الذين هُم الأغراض

في كلّ منطقٍ والمعاني

والشخوص الذين خَلقن ضياء

قبل خلق المِرّيخ والميزان

قبل أن تُخلق السماوات أو تؤمر

أفلاكهنّ بالدوران ...

هذا التلاعب في الأقوال من قِبَل الشهرستاني، يجعلنا نتساءل: هل كان الشهرستاني يختلق الأقوال ويحرِّفها؟ لا نستبعد ذلك، وهو على كلّ حال متّهم في عقيدته، وفي نزاهته، وفي أمانته العلمية.

يقول معاصره أبو محمد الخوارزمي: (ولولا تخبّطه في الاعتقاد، ومَيله إلى هذا الإلحاد لكانَ هو الإمام، وكثيراً ما كنّا نتعجّب من وفور فضله وكمال عقله، وكيف مالَ إلى شيء لا أصل له، واختارَ أمراً لا دليل عليه لا معقولاً ولا منقولاً، ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإيمان)(1) ، ومثل هذا الكلام عن الشهرستاني يروي السبكي في(طبقات الشافعية) .

ويذكر ظهير الدين البيهقي في(تاريخ حكماء الإسلام): إنّ الشهرستاني كان يصنّف تفسيراً ويؤّول الآيات على قوانين الشريعة والحكمة وغيرها، فلمّا قيل له: هذا عدول عن الصواب، امتلأَ من ذلك غضباً.

وكان ممّن جرَحوا الشهرستاني أيضاً، عبد الحسين أحمد الأميني في (الغدير)، الذي سجّلَ عليه كثيراً من المآخذ والسقطات ؛ وذلك في تعليقه على قول الشهرستاني: (اختلفَ الشيعة بعد موت علي بن محمد العسكري أيضاً، فقال قوم: بإمامة جعفر بن علي، وقال قوم: بإمامة الحسن بن علي، وكان لهم رئيس يقال له علي بن فلان الطاحن، وكان من أهل الكلام، قوّى أسباب جعفر بن علي،

____________________

(1) ياقوت الحموي: معجم البلدان، مادة شهرستان.

٥٣

وأمالَ الناس إليه، وأعانه فارس بن حاتم بن ماهويه ؛ وذلك أنّ محمداً قد مات، وخلّف الحسن العسكري، قالوا: امتحنّا الحسن ولم نَجِد عنده عِلماً، ولقّبوا مَن قال بإمامة الحسن الحمارية، وقوّوا أمر جعفر بعد موت الحسن، واحتجّوا بأنّ الحسين مات بلا خلف، فبطلت إمامته ؛ لأنّه لم يعقّب، والإمام لا يكون إلاّ ويكونَ له خلفٌ وعَقب، وحاز جعفر ميراث الحسن بعد دعوةٍ ادّعاها عليه، أنّه فعلَ ذلك من صلب جواريه وغيره، وانكشفَ أمرهم عند السلطان والرعية وخواصّ الناس وعوامّهم، وتشتّتت كلمة مَن قال بإمامة الحسن، وتفرّقوا أصنافاً كثيرة، فثبتت هذه الفرقة على إمامة جعفر، ورجع إليهم كثير ممّن قال بإمامة الحسن، منهم الحسن بن علي بن فضّال، وهو من أجَلّ أصحابهم وفقهائهم، كثير الفقه والحديث، ثمّ قالوا بعد جعفر، بعلي بن جعفر، وفاطمة بنت علي أخت جعفر، وقال قومٌ: بإمامة علي بن جعفر دون فاطمة السيدة، ثمّ اختلفوا بعد موت علي وفاطمة اختلافاً كثيراً).

فكان ردّ الأميني على هذا الكلام: (ليتَ شِعري متى وقعَ الخلاف في الإمامة بين الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، وبين أخيه جعفر، الذي ادّعى الإمامة بعد وفاة أخيه؟ ومَن هو علي بن فلان الطاحن، الذي قوّى أسباب جعفر، وأمالَ الناس إليه؟! ومتى خُلق؟! ومتى مات؟ ولستُ أدري أي هي بن بي هو؟ وهل وجَد لنفسه مقيلاً في مستوى الوجود؟

أنا لا أدري والشهرستاني لا يدري والمنجّم أيضاً لا يدري، وكيف أعانَ جعفراً فارس بن حاتم بن ماهويه، وقد قتلهُ جنيد بأمر والده الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، ومَن هو محمد الذي خَلف الإمام الحسن العسكري؟! أهو الإمام محمد الجواد؟! ولم يَخلف إلاّ ابنه الإمام الهادي سلام الله عليه، أو هو أبو جعفر محمد بن علي صاحب البقعة المعظّمة بمقربة بلد، وقد مات بحياة أبيه الطاهر والإمامة مستقرّة لوالده، ومتى كان إماماً أو مدّعياً الإمامة حتى يخلف غيره عليها؟! ومَن هؤلاء الذين امتحنوا الحسن الزكي العسكري فلم يجدوا عنده عِلماً؟! ثمّ وجدوه في جعفر، الذي لم يُعرف عنه شيء غير أنّه ادّعى الإمامة باطلاً بعد أخيه؟!

٥٤

وقصارى ما عندنا: أنّه أدرَكته التوبة، ولم يوجد له ذكر بعلم أو ترجمة في أيّ من الكتب، ولا نَشرت عنه كتب الأحاديث شيئاً من علومه المدّعاة له عند الشهرستاني، لو صدقت الأوهام، وهذا الحسن العسكريعليه‌السلام تجده في التراجم والمعاجم من الفريقين مذكوراً بالعلم والثقة، وملأ كتب العلم والحديث تعاليمه ومعارفه، ومَن هُم الذين لقّبوا أتباع الحسنعليه‌السلام بالحمارية؟!

نعم، أهل بيت النبوّة محسودون في كل وقت، فكان يحصل لكلّ منهم في وقته مَن يسبّه حسداً، ويسبّ أتباعه، لكن لا يذهب لقباً له أو لأشياعه، وإنّما يتدهور في مهوى الضعة.

ومتى كان الحسن بن علي بن فضّال في عهد الإمام الحسن العسكري؟! حتى يرجع عنه جعفر إلى جعفر، وقد توفّي ابن فضّال سنة 221 ونطفة الحسن وجعفر بعدُ لم تنعقد، وقبل أن يبلغ الحُلم والدهما الطاهر الإمام الهادي المتولّد سنة 212هـ، ومَن ذا الذي ذَكر للإمام الهادي بنتاً اسمها فاطمة؟! حتى يقولَ أحدٌ بإمامتها ؛ فإنّ الإمامعليه‌السلام لم يُخلّف من الذكور إلاّ الحسن والحسين وجعفراً، ومن الإناث إلاّ عليّة، باتّفاق المؤرّخين).

ومهما يكن من أمر، فإنّ لظهور الروحاني بالجسد الجسماني، أدلّة كثيرة في الكتاب والسنّة، قال تعالى في سورة مريم:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً * فَاتّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنّي أَعُوذُ بِالرّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً... ) .

وفي السنّة عن عمر (رحمه الله)، قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذات يوم، إذ طلعَ علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منّا أحد، حتى جلسَ إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فأسندَ ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبِرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن

٥٥

 استطعتَ إليه سبيلاً) قال: صدقتَ. فعجبنا له، يسأله ويصدّقه!.

قال: فأخبِرني عن الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبهُ ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه).

قال: صدقتَ.

قال: فأخبِرني عن الإحسان؟

قال: (أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك).

قال: فأخبِرني عن الساعة؟

قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).

قال: فأخبِرني عن إماراتها؟

قال: (أن تلد الأمَة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان).

ثمّ انطلقَ، فلبثتُ مليّاً، ثمّ قال: (يا عمر، أتدري مَن السائل؟)، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنّه جبريل، أتاكم يعلّمكم دينكم) (رواه مسلم، متن الأربعين النووية، الحديث الثاني).

فنحن إذاً لا نستطيع أن نُنزّل كلام الشهرستاني منزلة اليقين ونعطيه الحجّية المطلقة، وعلينا أن نتعامل معه بمنتهى الحذر، وأن نضعه في غربال التدقيق والتمحيص. ومع ذلك، فإنّ ما كُتب عن النصيرية في مرحلة ما بعد الشهرستاني لا يتلاقى مع ما كَتبه الشهرستاني، ولا في نقطةٍ واحدة، مثال ذلك: ما رواه ابن الأثير في (الكامل) عند حديثه عن الشلمغاني ومذهبه، قال(1) : (وكان مذهبهُ أنّه إله الآلهة، يحقّ الحقّ. وأنّه الأوّل القديم الظاهر الباطن الرازق التام، الموما إليه بكلّ معنى. وكان يقول: إنّ الله سبحانه وتعالى يحلّ في كل شيء على قدر ما يحتمل، وإنّه خلقَ الضدّ ليدلّ على المضدود، فمِن ذلك أنّه حلّ في آدم لمـّا خلقهُ، وفي إبليسه أيضاً، وكلاهما ضدّ لصاحبه ؛ لمضادّته إيّاه في معناه، وأنّ الدليل على الحقّ أفضل من الحق، وأنّ الضد أقرب الشيء من شبهه، وأنّ الله عزّ وجل إذا حلّ في جسد ناسوتي ظهرَ من القدرة والمعجزة ما يدلّ على أنّه هو، وأنّه لمـّا غابَ آدم ظهرَ اللاهوت في خمسة ناسوتية، كلمّا غابَ منهم واحد ظهرَ مكانه آخَر. وفي

____________________

(1) حوادث سنة 322هـ.

٥٦

خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة. ثمّ اجتمعت اللاهوتية في إدريس وإبليسه، وتفرّقت بعدهما، كما تفرّقت بعد آدم. واجتمعت في نوحعليه‌السلام وإبليسه، وتفرّقت عند غيبتهما. واجتمعت في إبراهيمعليه‌السلام وإبليسه نمرود، وتفرّقت لمـّا غابا. واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون، وتفرّقت بعدهما. واجتمعت في سليمان وإبليسه، وتفرّقت بعدهما. واجتمعت في عيسى وإبليسه، فلمّا غابا تفرّقت في تلامذة عيسى وأبالستهم. ثمّ اجتمعت في علي بن أبي طالب وإبليسه.

ثمّ إنّ الله يظهر في كلّ شيء، وكلّ معنى، وإنّه في كلِ أحَد، بالخاطر الذي يخطر بقلبه، فيتصوّر له ما يغيب عنه، حتى كأنّه يشاهده. وإنّ الله اسم لمعنى، وإنّ مَن احتاج الناس إليه فهو إله ؛ ولهذا المعنى يستوجب كل أحَد أن يسمّى إلهاً. وإنّ كل أحَد من أشياعه يقول: إنّه ربّ لِمَن هو دون درجته، وإنّ الرجلَ منهم يقول: أنا ربٌّ لفلان، وفلان ربٌّ لفلان، وفلان ربُّ ربّي، حتى يقع الانتهاء إلى ابن أبي القراقر، فيقول: أنا ربُّ الأرباب، لا ربوبية بعده، ولا يُنسب الحسن والحسين (رضي الله عنهما) إلى علي (كرم الله وجهه) ؛ لأنّ مَن اجتمعت له الربوبية لا يكون له ولَد ولا والد.

وكانوا يسمّون موسى ومحمداً (صلّى الله عليه وسلّم) الخائنين ؛ لأنّهم يدّعون أنّ هارون أرسلَ موسى، وعلياً أرسلَ محمداً، فخاناهما.

ويزعمون أنّ علياً أمهلَ محمداً عدد سِنين أصحاب الكهف، فإذا انقضت هذه المدّة - وهي ثلاثمئة وخمسون سنة - انتقلت الشريعة، ويقولون: إنّ الملائكة كلّ مَن مَلَك نفسه وعرفَ الحق، وإنّ الجنة مَعرفتهم وانتحال مذهبهم، والنار الجهل بهم والعدول عن مذهبهم.

ويعتقدون تَرك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات، ولا يتناكحون بعقدٍ، ويبيحون الفروج، ويقولون: أن يمتحنَ الناس بإباحة فروج نسائهم، وإنّه يجوز أن يجامع الإنسان مَن يشاء من ذوي رحمه، وحَرَم صديقه وابنه، بعد أن يكون على مذهبه، وأن لابدّ للفاضل منهم أن ينكح المفضول ؛ ليولج النور فيه، ومَن امتنعَ عن ذلك قُلب في الدَّور الذي يأتي بعدَ هذا العالَم امرأة ؛ إذ كان من مذهبهم التناسخ.

وكانوا يعتقدون إهلاك الطالبيين والعباسيين (تعالى الله عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً)، وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصيرية، ولعلّها هي هي ؛ فإنّ النصيرية يعتقدون في ابن

٥٧

الفرات ويجعلونه رأساً في مذهبهم...).

وإذا كان ابن الأثير شبّه مقالة الشلمغاني بمقالة النصيرية، وصرّح: (لعلّها هي هي) ؛ فإنّ الحقيقة خلاف ما يزعمه، والأدلّة على ذلك كثيرة، منها:

1 - الشلمغاني مات قتلاً سنة 322هـ، واصطلاح النصيرية - كما رأينا - ظهرَ لأوّل مرّة في مطلع المئة الرابعة.

2 - ياقوت الحموي - الذي نقلَ ابن الأثير عنه - لم يقُل: إنّ مقالة الشلمغاني تشبه مقالة النصيرية، ولم ترد على لسانه كلمة نصيرية(1) .

وكذلك فإنّ جميع المؤرّخين الذين كتبوا عن الشلمغاني: كالمسعودي (ت 345هـ)، وابن النديم (ت 385هـ)، والبغدادي (ت 429هـ)، والأسفرايني (ت 471هـ)، وابن الجوزي (ت 597هـ)، والحموي (ت 626هـ)، وابن خلّكان (ت 681هـ)، وأبي الفداء (ت 732هـ)، واليافعي اليمني (ت 768هـ)، والسيوطي (ت 911هـ)، وابن العماد (ت 1089هـ)، والمؤلّف المجهول، لم يقُل أيّ منهم: إنّ مقالة الشلمغاني تشبه مقالة النصيرية، ومنهم مَن جاء قبل ابن الأثير، ومنهم بعده.

3 - ما وردنا من أخبار عن مقالة النصيرية على لسان الشهرستاني، لا يأتلف مع ما ذكره ابن الأثير.

4 - ثمّة أقوال أوردها ابن الأثير على أنّها من مذهب الشلمغاني، قرأناها في كتب الفِرق منسوبة إلى القرامطة، كالقول بالتناسخ وإباحة نساء بعضهم لبعض، والقول بالناسوت في اللاهوت، وإسقاط فرائض العبادات.

يقول الملطي في(التنبيه والرد) عن القرامطة: (وقومٌ منهم يقولون

____________________

(1) إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب: الجزء الأوّل، ص (296) تحت عنوان (إبراهيم بن أبي عون).

٥٨

بتناسخ الروح، وهم يقولون: بالناسوت في اللاهوت، على قول النصارى سواء، وزعموا أنّ نساء بعضهم حلال لبعض، وكذلك أولادهم وأبدانهم، مباحة من بعضهم لبعض، لا تحظير بينهم ولا منع...).

وفي كُتب الفِرق: أنّ فرقة المخمِّسة هي التي تقول: إنّ الله حلّ في خمسة أشخاص.

وذكرَ البغدادي في (الفَرق بين الفِرق) عند حديثه عن الشريعية: أنّ الشريعي هو الذي زعمَ أنّ الله تعالى حلّ في خمسة أشخاص، وهُم: النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وزعموا أنّ هؤلاء الخمسة آلهة، ولها أضداد خمسة.

ولم يقُل أيُّ أحدٍ من كتّاب الفِرق: إنّ المخمسة، أو الشريعية هي النصيرية، أو أنّ مقالتها تشبه مقالة النصيرية.

5 - على رأي الشلمغاني، كما ذكرَ ابن الأثير: يوجد أربابٌ عديدون على شكلٍ هَرَمي، رأسه الشلمغاني (ربّ الأرباب، لا ربوبية بعده)، بينما مقالة النصيرية - كما ذكرَ الشهرستاني -: أنّ في عليعليه‌السلام جزءٌ إلهي وقوةٌ ربّانية، أو يكون هو الذي ظهرَ الإله بصورته.

6 - ولنا أن نتساءل: مَن هو (ابن الفرات) الذي قال ابن الأثير: إنّ النصيرية يعتقدون فيه، ويجعلونه رأساً في مذهبهم، وما مقام هذا الكلام هنا؟!

ابن الأثير لم يُصرّح باسمه، وكُتب التاريخ ذكرتْ لنا أسماءً كثيرةً من بني الفرات، منهم: علي بن محمد بن موسى بن الفرات وزير المقتدر، وأسد بن الفرات فاتح صقلية، وإسحاق بن الفرات قاضي ديار مصر، وجعفر بن الفضل بن الفرات، والفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات، وأحمد بن الفرات، والمحسن بن فرات، ووثيمة بن الفرات، وعمر بن الفرات.

وكتّاب الفِرق ذَكروا اثنين من بني الفرات:

الأوّل : هو عمر بن الفرات، والفرقة التي تُنسب إليه تسمّى بالعمرية، على ما يذكر الحافظ رجب البرسي

٥٩

في(مشارق أنوار اليقين) . والثاني : هو محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، الذي كان يقوّي أسباب النميري، على ما روى النوبختي في(فِرق الشيعة) .

ويميل ذهننا إلى الظنّ بأنّ المقصود هو علي بن محمد بن موسى بن الفرات، وزير المقتدر ؛ لأنّ ابن الأثير في أخبار سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة - عند ذكره اعتراض أبي طاهر القرمطي الحاج في طريق مكّة - قال: (انقلبت بغداد واجتمعَ حرم المأخوذين إلى حرم المنكوبين، الذين نكبهم ابن الفرات، وجعلنَ ينادين: القرمطي الصغير أبو طاهر قَتل المسلمين في طريق مكّة، والقرمطي الكبير ابن الفرات قَتل المسلمين ببغداد،... فقال له نصر الحاجب: ومَن الذي سَلّم الناس إلى القرمطي غيرك ؛ لِمَا يجمع بينكما من التشيّع والرفض).

7 - وأخيراً نشير إلى أنّ البغدادي في(الفَرق بين الفِرق) أطلقَ على الفرقة التي تُنسب إلى الشلمغاني، اسم العذاقرية، وذكرها مرّتين: مرّة عند حديثه عن مذاهب المشبّهة وأصنافهم، ومرّة ثانية عند ذكر أصناف الحلولية، وفي المرّتين لم يذكر أنّ مقالة الشلمغاني أو العذاقرية، تشبه مقالة النصيرية، ولم يشِر إلى وجود أيّة صلة ما بين العذاقرية والنصيرية.

ما دام الأمر كذلك، لماذا شبّه ابن الأثير مقالة الشلمغاني بمقالة النصيرية، واعتبرها هي نفسها؟!

الجواب برأينا ؛ لأنّ الشلمغاني اتُّهم بالرفض، وهذا ما يُفهم من أقوال المؤرّخين: (أظهر الرفض)، و(دعا إلى الرفض)، و(إنّ زعيم الرافضة الحسين بن روح أظهرَ شأنه)، وكذلك لِمَا نُقل عنه من قول: (إنّ الله عزّ وجل إذا حلّ في هيكل ناسوتي أظهرَ من القدرة والمعجزة ما يدلّ على أنّه هو).

***

[تغيُّر وتبدُّل أقوال النصيرية بحسب مؤرِّخي الفِرق:

أ - فتواى ابن تيميَّة. ]

وممّا يسترعي الانتباه: أنّه كلمّا تقدّمنا في الزمن، وجَدنا أقوال النصيرية تتغيّر وتتبدّل عند كتّاب الفِرق والمؤرّخين، بحيث تختلف هذه

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427